طريق الحق
27-12-2001, 01:49 PM
سؤال : من هو عبد الله ابن سبا؟ و هل هو حقيقة أم خيال؟
خلاصة الجواب
إن ابن سبأ شخصية وهميّة مخترعة ، وضعها الحاقدون على مذهب التشيع و الدليل على وهمية هذه الأسطورة ما يلي:
1- الاختلاف في انه ابن السوداء أم لا مع أن الذي قام بكل هذه المصائب هو ابن السوداء. و قد قال كل من ابن طاهر و الاسفراييني أن ابن السوداء شخص آخر شارك عبد الله ابن سبأ بمقالته.
2- الاختلاف في وقت ظهوره فتارة يقال، ظهر في أيام عثمان و أخرى ظهر في أيام علي (عليه السلام) أو بعد موته.
3- الاضطراب في الروايات في اصل دعوته فتارة انه يدعوا للغلو في علي (عليه السلام) و بيان أحقيته و أنه وصي النبي (صلى الله عليه وآله) كما في التوراة، و أخرى انه حرّض على قتل عثمان و معاوية.
4- لم نجد سبب مقنع و واضح لسكوت عثمان و معاوية و ولاتهما على عبد الله ابن سبا مع انه فعل كل هذه الأفاعيل ضد عثمان كما زعم واضعوا هذه الخرافة . في حال أن عثمان و ولاته ضربوا المعارضين بمنتهى الشدة و القسوة مع انهم من خيرة الصحابة كعمار بن ياسر و ابن مسعود و غيرهم.
5- خلوّ المصادر الصحيحة من قصة ابن سبأ كالبلاذري و ابن سعد و غيرهما ممن يعتمد على تاريخهم.
6- إن رواية عبد الله بن سبأ وضعها الوضّاعون و الكذابون كما مرَّ.
7- يستدل على زيف هذه الرواية أنها واحدة من مجموعة روايات و ضعت ضد الشيعة.
و لكن أنّى لهم أن يتفحصوا و يبحثوا. و حتى لوا انهم بحثوا بصدق و بنيّه سليمة ، و حتى لو أنهم عثروا على الحقيقة فإنهم لن ينصاعوا للحق ، إلا ما ندر منهم و ما شذ ، لأنهم خَلف لذلك السَلف و كلاهما ] كلاّ بل ران على قلوبهم[ ([1]) أو ] في قلوبهم مرض فزاد هم اللّه مرضا[ ([2]) و أعمى اللّه بصائرهم و بصرهم نتيجةً لغيهم و طغيانهم و تماديهم في مجافاة الحق و لأنهم قد آلو على أنفسهم إلا أن يطفئوا نور الهداية و نور الولاية ، ولاية أهل البيت (عليهم السلام) و لكن هيهات، هيهات.
]يريدون ليطفئوا نور اللّه بأفواههم و اللّه متمّ نوره و لو كره الكافرون [([3])
صدق اللّه العلي العظيم
بالرغم من وفرة المصادر التي تدل على الشيعة و نشأتهم و بالرغم من خطورة موضوع الكتابة في العقائد و بالرغم من الواقع المجسّد و الواضح للشيعة من مؤسسات دينية و فعاليات عقائدية و مساجد تردد كلمه التوحيد ليل نهار برغم كل ذلك فإننا ما زلنا نرى من يكتب عن الشيعة ، يغض النظر عن هذا الواقع الواضح و يتركه وراء ظهره و يولى وجهه شطر كتابات صدرت من قوم كتبوا و قلوبهم مليئة بالحقد و لهم دوافع غير سليمة لمختلف الأسباب ، فبدلا من أن يعودوا إلى مؤلفات الشيعة أنفسهم ، رأيناهم يرجعون إلى أقوال صاغها الوهم و افترضها الحقد و خلقتها الخصومة و الجهل.
و من اكبر الافتراءات التي خلقها هؤلاء الحاقدين و انطلت على الكثيرين ، هو اتهام الشيعة بان عقائدهم الأساسية قد وضعها شخص يهودي حاقد اندس في صفوف المسلمين . و هذا الشخص اليهودي هو (عبد الله ابن سبأ) فمن هو هذا اليهودي المفترض و كيف و متى وجد و ظهر؟ و من الذي اخترعه و أوجده؟!
إن لهذا الشخص موضوع ظريف جداً فقد صنعه قوم و اخترعوه اختراعاً و منحوه من النعوت و القدرات ما هو من المعجزات و نسبوا له قابليات لا يمكن نسبتها إلا إلى عفاريت الأساطير و مردة الجن و ما تعجز عن تحقيقه امة قويه فضلا عن فرد. فمن الذي حاك خيوط هذه اللعبة الأسطورية؟
يمكن القول و بشكل قاطع أن كل الروايات التي تتحدث عن عبد الله ابن سبا (الخيالي) فان مصدرها الطبري حيث أن الطبري استند في هذا الموضوع على مصدر غير موثوق بل متهم بالكذب و الوضع من قبل اغلب و اشهر المؤرخين، و هذا المصدر الذي هو أساس و اصل هذه الفتنه فتنة (عبد الله بن سبا)، سيف بن عمر الاسيّدى.
من هو سيف بن عمر؟ انه سيف بن عمر التميمي الاسيّدى، كما في الطبري 1/1949، طبعه أوربا و لباب الأنساب، مات سنة 170 كما في خلاصة التهذيب و في التهذيب و وجد بخط الذهبي انه مات في زمن الرشيد.
له مؤلفات منها كتاب (الفتوح الكبيرة و الردة) و(الجمل و مسير عائشة و علي ).
رأي المؤرخين و أهل السير في سيف بن عمر.
يعد سيف بن عمر من اكبر المحرّفين و الكذابين و هو معروف عند اغلب المؤرخين و أهل السير.
قال ابن حبّان: كان سيف بن عمر يروى الموضوعات عن الاثبات و قالوا كان يضع الحديث. و يقول عنه ابن عدي: بعض أحاديثه مشهورة و عامتها منكرة لم يُتابع عليها. و قال يحيى بن معين: ضعيف الحديث فليس فيه خير، و قال ابن حاتم: متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي و قال ضعيف. و قال السيوطي: انه وضّاع. و قال محمد بن طاهر بن على الهندي: سيف بن عمر متروك اتهم بالوضع و الزندقة و كان وضّاع. و قال ابن داود: ليس بشي كذاب.
إذا اتضح الآن أمر الأسطورة و انكشف زيفها خصوصاً بعد أن عرفنا أن واضعها هو سيف بن عمر و الذين روجوا لها هم كذّابون و وضّاعون لأنهم استندوا على رايسهم و تابعوه في كذبه و من اجل التعرف اكثر على حقيقة هذه الأسطورة نتعرض إلى ما ذكروه من أقوال في كيفية بروز عبد الله ابن سبا إلى الواقع الإسلامي، و نبدأ بالمنبع الأساسي و المروج الأصلي لهذه الشخصية و هو تاريخ الطبري ثم بعد ذلك ننقل باقي المصادر عنه.
قال الطبري: كان عبد الله ابن سبأ يهودياً من أهل صنعاء أمه سوداء ، فاسلم أيام عثمان ثم تنقّل في بلدان المسلمين يحاول إضلالهم، فبدا ببلاد الحجاز ثم البصرة ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أهل الشام فأخرجوه حتى أتى مصر فقال لهم فيما يقول: العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع و يكذب بان محمّد (صلى الله عليه وآله) يرجع و قد قال اللّه تعالى ] إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد [ ([4]) ثم إن محمداً أحقّ بالرجعة من عيسى . ثم قال بعد ذلك انه كان ألف نبي و لكل نبي وصي و علي وصي محمّد (صلى الله عليه وآله) و محمد خاتم النبيين و علي خاتم الوصيين.([5])
انتهى كلام الطبري، الذي نقله أبي زهرة في كتابه( تاريخ المذاهب الإسلامية).
لفتة نظر:
هنا نلفت النظر إلى النقاط التالية التي ذكرها الطبري لأننا سوف نقارن بينها و بين ما ذكرته المصادر الأخرى لنكتشف الفوارق و الاختلاف في كيفية نشوء هذه الشخصية.
· قال الطبري انه ابن السوداء.
· انه من أهل صنعاء.
· انه يؤكد رجوع النبي (صلى الله عليه وآله) للدنيا.
· انه اسلم أيام عثمان.
اللطيف و الغريب في الموضوع أن هذه الفوارق قد وقعت في نفس كتاب أبي زهرة الذي نقل ما قاله الطبري في كيفية ظهور ابن سبأ، حيث يقول ابن زهرة في مكان آخر من كتابه: عبد الله بن سبأ كان يهودياً من أهل الحيرة!! اظهر الإسلام و اخذ ينشر بين الناس أنه وجد في التوراة أن لكل نبي وصيا و علي (عليه السلام) وصي محمد (صلى الله عليه وآله) و أن علياً أراد قتله (أي قتل عبد الله ابن سبأ) لهذا الادعاء و لكن عبد الله ابن عباس نهاه فلم يقتله بل نفاه إلى المدائن.([6])
و الاختلاف الحاصل في نقل كتاب أبي زهرة مع ما قاله الطبري هو:
انه في الأولى قال من أهل صنعاء و في الثانية انه من أهل الحيرة و انه في الأولى اسلم أيام عثمان و في الثانية اظهر الإسلام و لم يحدد وقت إسلامه و في الثانية أن الإمام علي (عليه السلام) أراد قتله في حين لم يذكر ذلك في الأولى و انه (إي ابن سبأ) قرأ في التوراة فكرة الوصاية في حين لم يذكر فكرة الوصاية في الأولى كل هذه الفوارق في مقتطفة واحدة و في كتاب واحد لمؤرخ واحد .
و تعال ننظر إلى مصادر أخرى و آراء مؤرخين و كتّاب و لنلاحظ مزيد من الفوارق و الاختلاف في أسطورة ابن سبأ.
· قال محمد فريد وجدي في دائرة المعارف: إن السبئية اتباع عبد الله بن سبأ الذي غلا في الانتصار لعلي (عليه السلام) فزعم انه نبياً ثم غلا فزعم انه اللّه. و دعا قوماً من أهل الكوفة، فاتصل خبرهم بعلي (عليه السلام)، فأمر بإحراقهم، ثم خاف من إحراق الباقين أن ينتّقض عليه قوم، فنفى ابن سبأ للمدائن. فلما قتل علي زعم ابن سبأ انه ليس المقتول علياً و إنما هو شيطان صّور على صورته . و هذه الطائفة تزعم أن المهدي المنتظر هو علي . و كان ابن السوداء (يعني ابن سبأ) في الأصل يهودياً من أهل الحيرة ، فاظهر الإسلام و أراد أن يكون له اتباع عند أهل الكوفة و سوق و رياسة . فذكر لهم انه وجد في التوراة أن لكل نبي وصي و أن علياً وصي محمّد (صلى الله عليه وآله) ، فلما سمعوا ذلك قالوا لعلي (عليه السلام) انه من محبيك فرفعه علي (عليه السلام) و أجلسه تحت درجة منبره ثم بلغه غلّوه فيه ، فهم بقتله ، فنهاه عبد الله بن عباس ، فنفاه إلى المدائن!!([7])
لفتة نظر:
قال انه من أهل الحيرة لا صنعاء و انه ابن السوداء و أن الإمام علي (عليه السلام) خدُع به و انه ادعى النبوة لعلي ثم ادعى له الألوهية. و إذا استطعنا أن نجمع هذا الخلط العجيب، فكيف يمكن بعد ذلك أن نجمع بين كونه ينسب له الألوهية ثم يجعله وصياً لمحمد (صلى الله عليه وآله)!؟! فبماذا يجيب صاحب العقل الجبار محمد فريد و جدي و نظائره؟!!.
2- قال احمد عطية اللّه:
ابن سبأ راس الفرقة السبائية من الشيعة. و هو عبد الله بن سبأ كان يهودياً من يهود صنعاء . و أظهر الإسلام في خلافة عثمان . يعرف بابن السوداء . انتقل إلى المدينة و بث فيها أقوالا و آراءً منافية لروح الإسلام و نابعة من يهوديته و من معتقدات فارسية كانت شايعه في اليمن. برز بصورة المنتصر لعلي (عليه السلام) و ادعى أن لكل نبي وصي و علي وصي محمد (صلى الله عليه وآله) . كما ادعى أن في علي جزءا إلهيا! طاف في أنحاء العراق ناشراً دعوته ، فطرده عبد الله بن عامر من البصرة ، فنزل الكوفة و أوغر صدور الناس على عثمان و بعد استشهاد علي (عليه السلام) ، قال انه لم يقتل و سيرجع . و بذلك وضع فكرة الرجعة بين الشيعة([8]).
و هنا أيضا نلفت النظر إلى بعض ما قاله احمد عطية حيث انه قال: إن ابن سبأ جمع على عقائد اليهودية عقائد أخري فنقلها إلى التشيّع ، و منها الرجعة . و لكن الرجعة هنا لعلي و ليست لمحمد (صلى الله عليه وآله) كما يدعي أبي زهرة في كتابه . و منها انه أعطى لعلي جزاً من الألوهية لأكلها حتى يمكن الجمع بين كونه جزءا من إله و بين كونه وصياً لمحمد (صلى الله عليه وآله) . و منها الكشف عن هذه الطاقات الهائلة عند ابن سبأ بحيث أن كل الثورات على عثمان و معاوية كانت من فعله!؟.
3- و بنفس هذا المضمون المتضارب كتب كل من احمد أمين في فجر الإسلام، و محمد بن يحيى في التمهيد و البيان في مقتل عثمان و الزركلي في الأعلام([9]) .
و تجنباً من الإطالة في الموضوع فان أمر هؤلاء إنما صار بهذا الشكل الغريب من الخرص و الافتراء ، نتيجة أن كل خلف يأخذ من سلفه بدون تمحيص مما أدّى إلى هذا الخلط و الاضطراب في الروايات، فهو في الأخبار تارة من أهل الحيرة و أخرى من أهل صنعاء . و هو عند ابن حزم و الشهرستاني ابن السوداء بينما يذهب ابن طاهر البغدادي في الفرق بين الفرق و الاسقراييني في كتابه (التبصير في الدين) أن ابن السوداء شخص آخر ليس عبد الله بن سبأ.([10]) و هو في بعض الروايات يدعي الرجعة للنبي (صلى الله عليه وآله) و في بعضها الآخر يدعي الرجعة لعلي. و هو تارة يدعي بأن في علي جزءاً من الألوهية ، و أخرى انه إله كامل و في هذه الروايات نجد علياً مرة يحرق الغلاة و لا يخاف، و أخرى يخاف أن يحرق ابن السوداء مع انه يهودي بسيط لا يا به له أحد و هلّم جراً من هذا الخليط المضطرب!
و لكن المتمعن في النظر و التفحص في مثل هذا الخلط من الروايات في هذه الأسطورة يتسنى له كشف الحقيقة و يقطع بعدم وجود قصّة ما أسموه بعبد اللّه ابن سبأ و ذلك من خلال عدة أمور وهي:
انه يراه مرة داعياً لفضل علي فقط ، و أخرى يكون محرضاً على عثمان و معاوية و واضعاً لأهم العقائد الشيعية من وصية، و علم غيب الأئمة، و القول في الرجعة... الخ و هذان الأمران هما أساس و سبب وجود هذه الفرية و هذه الأسطورة فان الذي صنع أسطورة عبد الله ابن سبأ أراد أن يرمي عصفورين بحجر واحد و أراد بهذين الأمرين أن يثبت:
اوّلا: ان عثمان قُتل مظلوماً بتحريض من السبئية لا أنه صنع أشياء مشينة فنقم عليه المسلمون و اشتركوا في قتله و بينهم صحابة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) كما ذكره التاريخ مفصلا؛ بل كل ما في الأمر أن يهودياً حاقداً حرّك المسلمين فانساقوا معه بغباء و بدون تفكير حتى ارتكبوا هذه الجناية و قتلوا الخليفة البريء!! و لا ندرى كيف يكون المسلمون بما فيهم صحابة النبي (صلى الله عليه وآله)بهذا المستوى من الغباء و السذاجة حتى يخدعوا بشخص يهودي مثل عبد الله ابن سبأ؟! فياله من هراء و سخف!!
ثانياً: أرادوا من خلاله أن يبينوا أن عقائد الشيعة لا سند لها من الإسلام و إنما هي من هذا اليهودي العبقري (عبد الله ابن سبأ) فالشيعة إذاً يهود لأصلة لهم بالإسلام و المسلمين!! و بهذا يتم مراد الحاقدين على الشيعة بدءاً من بني أمية و إلى يومنا هذا.
و يمكن القول أن هذين الأمرين هما الذين دفعا الباحثين و الكتاب إلى البحث و تقصى الأمر في حقيقة هذه الأسطورة و كشف زيفها فأعلنوا بآرائهم و كسروا الطوق و أعلنوا للناس كذب هذه الفرية التي أوجدها الحاقدون و بدء الواقع يتضح و الحقيقة تنكشف و انكشف ما هو المتخفي وراء أسطورة عبد الله ابن سبأ.
و مِن هؤلاء الباحثين و الكتاب و النقاد الذين كشفوا زيف هذه الأسطورة:
1- الدكتور طه حسين: و هو من أشهر الكتّاب المصريين المعاصرين . حيث استعرض هذا الدكتور الصورة التي رُسمت لابن سبأ و مزقها بعد تحليل دقيق . و انتهى إلى أن ابن سبأ شخصية وهمية خلقها خصوم الشيعة للشيعة. و قد دعم رأيه بالأمور التالية:
1- إن كل المؤرخين الثقاة لم يشيروا إلى قصة عبد الله ابن سبأ و لم يذكروا عنها شيء.
2- إن المصدر الوحيد عنه هو سيف بن عمر و هو رجل معلوم الكذب و مقطوع بأنه وضّاع.
3- إن الأمور التي أُسندت إلى عبد الله ابن سبأ ، تستلزم معجزات خارقة لفرد عادي كما تستلزم أن يكون المسلمون الذين خدعهم عبد الله بن سبأ و هم ينفذون أهدافه بدون اعتراض في منتهى البلاهة و السخف!!
4- عدم وجود تفسير مقنع لسكوت عثمان و عماله عنه مع ضربهم لغيره من المعارضين كمحمد بن أبي حذيفة و محمد بن أبي بكر و عمار بن ياسر و أبي ذر الغفاري.
5- قصة الإحراق و تعيين السنة التي عرّض فيها ابن سبأ للإحراق تخلو منها كتب التاريخ الصحيحة و لا يوجد لها أي اثر.
6- عدم وجود أي اثر لابن سبأ و لجماعته في واقعة صفين و في حرب النهروان.
و الخلاصة: هي ان ابن سبأ شخص ادّخره خصوم الشيعة و لا وجود له في الخارج.([11]) و يتفق مع طه حسين في وهميّة وجود ابن سبأ عدد كبير من المؤرخين المستشرقين و منهم:
1- الدكتور برناد لو?س: قال، ولكن التحقيق قد اظهر أن هذا استباق للحوادث و انه (أي ابن سبأ) صورة مثل بها في الماضي و تخيلها محدثو القرن الثاني للهجرة من أحوالهم و أفكارهم السائدة آنذاك.
2- فلهوزن: ذهب إلى أن المؤامرة و الدعوة و الفعاليات المنسوبة لابن سبأ من اختلاق المتأخرين و قد محص النصوص و درس الموضوع و قام بتحليل دقيق.
3- فريد لندر: اشترك مع فلهوزن و انتهى إلى نفس النتيجة.
4- كايتاني: شك في وجود عبد الله ابن سبأ و قال عمّا ينسب له من أعمال ضخمة و مؤامرة مثل هذه الاعمال بهذا التفكير و هذا التنظيم لا يمكن أن يتصورها العالم العربي المعروف عام خمس و ثلاثين بنظامه القائم على سلطان الأبوة ، أنها تعكس أحوال العصر العباسي الأول بجلاء.([12])
إذاً بعد ما تبين الحق و انكشفت الحقيقة و بان زيف الوضّاعين فلماذا هذا الهراء و هذا الدجل؟ و لماذا هذا الحقد على مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ؟ و لماذا تنسب الشيعة لهذا اليهودي؟ و الجواب واضح و جلّى. انه العمى و الحقد الأسود الدفين المتأصل منذ يوم السقيفة و انه العناد الأهوج بل انه الغباء و عدم العلم ، كما عبر عنه محمد كرد علي في خطط الشام حيث قال: أما ما ذهب إليه بعض الكتاب من أن مذهب التشيع من بدعة ابن سبأ المعروف بابن السوداء ، فهو و هم و قلة علم بتحقيق مذهبهم . و من علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة و براءتهم منه و من أقواله و أعماله ، و كلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم في ذلك ، علم مبلغ هذا القول من الصواب.([13])
--------------------------------------------------------------------------------
[1]- المطففين / 83.
[2]- البقرة / 10.
[3]- الصف / 8.
[4]- القصص / 85.
[5]- تاريخ المذاهب الإسلامية لأبي زهرة، ج 1، ص 32،.
[6]- تاريخ المذاهب الإسلامية، ج 1، ص 43.
[7]- دائرة معارف القرن العشرين، ج 5، ص 17.
[8]- القاموس الإسلامي، ج 3، ص 223.
[9]- انظر فجر الإسلام، ص 276، و التمهيد و البيان، ص 96 . الأعلام ، الزركلّي علي، ج 4، ص 23.
[10]- هامش منهاج السنة لابن تيمية، ص 220.
[11]- الفتنه الكبرى، فصل عبد الله ابن سبأ.
[12]- احمد محمود، انظر آراء المستشرقين المذكورة في نظرية الامامة، ص 37.
[13]- خطط الشام، ج 6، ص 251.
خلاصة الجواب
إن ابن سبأ شخصية وهميّة مخترعة ، وضعها الحاقدون على مذهب التشيع و الدليل على وهمية هذه الأسطورة ما يلي:
1- الاختلاف في انه ابن السوداء أم لا مع أن الذي قام بكل هذه المصائب هو ابن السوداء. و قد قال كل من ابن طاهر و الاسفراييني أن ابن السوداء شخص آخر شارك عبد الله ابن سبأ بمقالته.
2- الاختلاف في وقت ظهوره فتارة يقال، ظهر في أيام عثمان و أخرى ظهر في أيام علي (عليه السلام) أو بعد موته.
3- الاضطراب في الروايات في اصل دعوته فتارة انه يدعوا للغلو في علي (عليه السلام) و بيان أحقيته و أنه وصي النبي (صلى الله عليه وآله) كما في التوراة، و أخرى انه حرّض على قتل عثمان و معاوية.
4- لم نجد سبب مقنع و واضح لسكوت عثمان و معاوية و ولاتهما على عبد الله ابن سبا مع انه فعل كل هذه الأفاعيل ضد عثمان كما زعم واضعوا هذه الخرافة . في حال أن عثمان و ولاته ضربوا المعارضين بمنتهى الشدة و القسوة مع انهم من خيرة الصحابة كعمار بن ياسر و ابن مسعود و غيرهم.
5- خلوّ المصادر الصحيحة من قصة ابن سبأ كالبلاذري و ابن سعد و غيرهما ممن يعتمد على تاريخهم.
6- إن رواية عبد الله بن سبأ وضعها الوضّاعون و الكذابون كما مرَّ.
7- يستدل على زيف هذه الرواية أنها واحدة من مجموعة روايات و ضعت ضد الشيعة.
و لكن أنّى لهم أن يتفحصوا و يبحثوا. و حتى لوا انهم بحثوا بصدق و بنيّه سليمة ، و حتى لو أنهم عثروا على الحقيقة فإنهم لن ينصاعوا للحق ، إلا ما ندر منهم و ما شذ ، لأنهم خَلف لذلك السَلف و كلاهما ] كلاّ بل ران على قلوبهم[ ([1]) أو ] في قلوبهم مرض فزاد هم اللّه مرضا[ ([2]) و أعمى اللّه بصائرهم و بصرهم نتيجةً لغيهم و طغيانهم و تماديهم في مجافاة الحق و لأنهم قد آلو على أنفسهم إلا أن يطفئوا نور الهداية و نور الولاية ، ولاية أهل البيت (عليهم السلام) و لكن هيهات، هيهات.
]يريدون ليطفئوا نور اللّه بأفواههم و اللّه متمّ نوره و لو كره الكافرون [([3])
صدق اللّه العلي العظيم
بالرغم من وفرة المصادر التي تدل على الشيعة و نشأتهم و بالرغم من خطورة موضوع الكتابة في العقائد و بالرغم من الواقع المجسّد و الواضح للشيعة من مؤسسات دينية و فعاليات عقائدية و مساجد تردد كلمه التوحيد ليل نهار برغم كل ذلك فإننا ما زلنا نرى من يكتب عن الشيعة ، يغض النظر عن هذا الواقع الواضح و يتركه وراء ظهره و يولى وجهه شطر كتابات صدرت من قوم كتبوا و قلوبهم مليئة بالحقد و لهم دوافع غير سليمة لمختلف الأسباب ، فبدلا من أن يعودوا إلى مؤلفات الشيعة أنفسهم ، رأيناهم يرجعون إلى أقوال صاغها الوهم و افترضها الحقد و خلقتها الخصومة و الجهل.
و من اكبر الافتراءات التي خلقها هؤلاء الحاقدين و انطلت على الكثيرين ، هو اتهام الشيعة بان عقائدهم الأساسية قد وضعها شخص يهودي حاقد اندس في صفوف المسلمين . و هذا الشخص اليهودي هو (عبد الله ابن سبأ) فمن هو هذا اليهودي المفترض و كيف و متى وجد و ظهر؟ و من الذي اخترعه و أوجده؟!
إن لهذا الشخص موضوع ظريف جداً فقد صنعه قوم و اخترعوه اختراعاً و منحوه من النعوت و القدرات ما هو من المعجزات و نسبوا له قابليات لا يمكن نسبتها إلا إلى عفاريت الأساطير و مردة الجن و ما تعجز عن تحقيقه امة قويه فضلا عن فرد. فمن الذي حاك خيوط هذه اللعبة الأسطورية؟
يمكن القول و بشكل قاطع أن كل الروايات التي تتحدث عن عبد الله ابن سبا (الخيالي) فان مصدرها الطبري حيث أن الطبري استند في هذا الموضوع على مصدر غير موثوق بل متهم بالكذب و الوضع من قبل اغلب و اشهر المؤرخين، و هذا المصدر الذي هو أساس و اصل هذه الفتنه فتنة (عبد الله بن سبا)، سيف بن عمر الاسيّدى.
من هو سيف بن عمر؟ انه سيف بن عمر التميمي الاسيّدى، كما في الطبري 1/1949، طبعه أوربا و لباب الأنساب، مات سنة 170 كما في خلاصة التهذيب و في التهذيب و وجد بخط الذهبي انه مات في زمن الرشيد.
له مؤلفات منها كتاب (الفتوح الكبيرة و الردة) و(الجمل و مسير عائشة و علي ).
رأي المؤرخين و أهل السير في سيف بن عمر.
يعد سيف بن عمر من اكبر المحرّفين و الكذابين و هو معروف عند اغلب المؤرخين و أهل السير.
قال ابن حبّان: كان سيف بن عمر يروى الموضوعات عن الاثبات و قالوا كان يضع الحديث. و يقول عنه ابن عدي: بعض أحاديثه مشهورة و عامتها منكرة لم يُتابع عليها. و قال يحيى بن معين: ضعيف الحديث فليس فيه خير، و قال ابن حاتم: متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي و قال ضعيف. و قال السيوطي: انه وضّاع. و قال محمد بن طاهر بن على الهندي: سيف بن عمر متروك اتهم بالوضع و الزندقة و كان وضّاع. و قال ابن داود: ليس بشي كذاب.
إذا اتضح الآن أمر الأسطورة و انكشف زيفها خصوصاً بعد أن عرفنا أن واضعها هو سيف بن عمر و الذين روجوا لها هم كذّابون و وضّاعون لأنهم استندوا على رايسهم و تابعوه في كذبه و من اجل التعرف اكثر على حقيقة هذه الأسطورة نتعرض إلى ما ذكروه من أقوال في كيفية بروز عبد الله ابن سبا إلى الواقع الإسلامي، و نبدأ بالمنبع الأساسي و المروج الأصلي لهذه الشخصية و هو تاريخ الطبري ثم بعد ذلك ننقل باقي المصادر عنه.
قال الطبري: كان عبد الله ابن سبأ يهودياً من أهل صنعاء أمه سوداء ، فاسلم أيام عثمان ثم تنقّل في بلدان المسلمين يحاول إضلالهم، فبدا ببلاد الحجاز ثم البصرة ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أهل الشام فأخرجوه حتى أتى مصر فقال لهم فيما يقول: العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع و يكذب بان محمّد (صلى الله عليه وآله) يرجع و قد قال اللّه تعالى ] إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد [ ([4]) ثم إن محمداً أحقّ بالرجعة من عيسى . ثم قال بعد ذلك انه كان ألف نبي و لكل نبي وصي و علي وصي محمّد (صلى الله عليه وآله) و محمد خاتم النبيين و علي خاتم الوصيين.([5])
انتهى كلام الطبري، الذي نقله أبي زهرة في كتابه( تاريخ المذاهب الإسلامية).
لفتة نظر:
هنا نلفت النظر إلى النقاط التالية التي ذكرها الطبري لأننا سوف نقارن بينها و بين ما ذكرته المصادر الأخرى لنكتشف الفوارق و الاختلاف في كيفية نشوء هذه الشخصية.
· قال الطبري انه ابن السوداء.
· انه من أهل صنعاء.
· انه يؤكد رجوع النبي (صلى الله عليه وآله) للدنيا.
· انه اسلم أيام عثمان.
اللطيف و الغريب في الموضوع أن هذه الفوارق قد وقعت في نفس كتاب أبي زهرة الذي نقل ما قاله الطبري في كيفية ظهور ابن سبأ، حيث يقول ابن زهرة في مكان آخر من كتابه: عبد الله بن سبأ كان يهودياً من أهل الحيرة!! اظهر الإسلام و اخذ ينشر بين الناس أنه وجد في التوراة أن لكل نبي وصيا و علي (عليه السلام) وصي محمد (صلى الله عليه وآله) و أن علياً أراد قتله (أي قتل عبد الله ابن سبأ) لهذا الادعاء و لكن عبد الله ابن عباس نهاه فلم يقتله بل نفاه إلى المدائن.([6])
و الاختلاف الحاصل في نقل كتاب أبي زهرة مع ما قاله الطبري هو:
انه في الأولى قال من أهل صنعاء و في الثانية انه من أهل الحيرة و انه في الأولى اسلم أيام عثمان و في الثانية اظهر الإسلام و لم يحدد وقت إسلامه و في الثانية أن الإمام علي (عليه السلام) أراد قتله في حين لم يذكر ذلك في الأولى و انه (إي ابن سبأ) قرأ في التوراة فكرة الوصاية في حين لم يذكر فكرة الوصاية في الأولى كل هذه الفوارق في مقتطفة واحدة و في كتاب واحد لمؤرخ واحد .
و تعال ننظر إلى مصادر أخرى و آراء مؤرخين و كتّاب و لنلاحظ مزيد من الفوارق و الاختلاف في أسطورة ابن سبأ.
· قال محمد فريد وجدي في دائرة المعارف: إن السبئية اتباع عبد الله بن سبأ الذي غلا في الانتصار لعلي (عليه السلام) فزعم انه نبياً ثم غلا فزعم انه اللّه. و دعا قوماً من أهل الكوفة، فاتصل خبرهم بعلي (عليه السلام)، فأمر بإحراقهم، ثم خاف من إحراق الباقين أن ينتّقض عليه قوم، فنفى ابن سبأ للمدائن. فلما قتل علي زعم ابن سبأ انه ليس المقتول علياً و إنما هو شيطان صّور على صورته . و هذه الطائفة تزعم أن المهدي المنتظر هو علي . و كان ابن السوداء (يعني ابن سبأ) في الأصل يهودياً من أهل الحيرة ، فاظهر الإسلام و أراد أن يكون له اتباع عند أهل الكوفة و سوق و رياسة . فذكر لهم انه وجد في التوراة أن لكل نبي وصي و أن علياً وصي محمّد (صلى الله عليه وآله) ، فلما سمعوا ذلك قالوا لعلي (عليه السلام) انه من محبيك فرفعه علي (عليه السلام) و أجلسه تحت درجة منبره ثم بلغه غلّوه فيه ، فهم بقتله ، فنهاه عبد الله بن عباس ، فنفاه إلى المدائن!!([7])
لفتة نظر:
قال انه من أهل الحيرة لا صنعاء و انه ابن السوداء و أن الإمام علي (عليه السلام) خدُع به و انه ادعى النبوة لعلي ثم ادعى له الألوهية. و إذا استطعنا أن نجمع هذا الخلط العجيب، فكيف يمكن بعد ذلك أن نجمع بين كونه ينسب له الألوهية ثم يجعله وصياً لمحمد (صلى الله عليه وآله)!؟! فبماذا يجيب صاحب العقل الجبار محمد فريد و جدي و نظائره؟!!.
2- قال احمد عطية اللّه:
ابن سبأ راس الفرقة السبائية من الشيعة. و هو عبد الله بن سبأ كان يهودياً من يهود صنعاء . و أظهر الإسلام في خلافة عثمان . يعرف بابن السوداء . انتقل إلى المدينة و بث فيها أقوالا و آراءً منافية لروح الإسلام و نابعة من يهوديته و من معتقدات فارسية كانت شايعه في اليمن. برز بصورة المنتصر لعلي (عليه السلام) و ادعى أن لكل نبي وصي و علي وصي محمد (صلى الله عليه وآله) . كما ادعى أن في علي جزءا إلهيا! طاف في أنحاء العراق ناشراً دعوته ، فطرده عبد الله بن عامر من البصرة ، فنزل الكوفة و أوغر صدور الناس على عثمان و بعد استشهاد علي (عليه السلام) ، قال انه لم يقتل و سيرجع . و بذلك وضع فكرة الرجعة بين الشيعة([8]).
و هنا أيضا نلفت النظر إلى بعض ما قاله احمد عطية حيث انه قال: إن ابن سبأ جمع على عقائد اليهودية عقائد أخري فنقلها إلى التشيّع ، و منها الرجعة . و لكن الرجعة هنا لعلي و ليست لمحمد (صلى الله عليه وآله) كما يدعي أبي زهرة في كتابه . و منها انه أعطى لعلي جزاً من الألوهية لأكلها حتى يمكن الجمع بين كونه جزءا من إله و بين كونه وصياً لمحمد (صلى الله عليه وآله) . و منها الكشف عن هذه الطاقات الهائلة عند ابن سبأ بحيث أن كل الثورات على عثمان و معاوية كانت من فعله!؟.
3- و بنفس هذا المضمون المتضارب كتب كل من احمد أمين في فجر الإسلام، و محمد بن يحيى في التمهيد و البيان في مقتل عثمان و الزركلي في الأعلام([9]) .
و تجنباً من الإطالة في الموضوع فان أمر هؤلاء إنما صار بهذا الشكل الغريب من الخرص و الافتراء ، نتيجة أن كل خلف يأخذ من سلفه بدون تمحيص مما أدّى إلى هذا الخلط و الاضطراب في الروايات، فهو في الأخبار تارة من أهل الحيرة و أخرى من أهل صنعاء . و هو عند ابن حزم و الشهرستاني ابن السوداء بينما يذهب ابن طاهر البغدادي في الفرق بين الفرق و الاسقراييني في كتابه (التبصير في الدين) أن ابن السوداء شخص آخر ليس عبد الله بن سبأ.([10]) و هو في بعض الروايات يدعي الرجعة للنبي (صلى الله عليه وآله) و في بعضها الآخر يدعي الرجعة لعلي. و هو تارة يدعي بأن في علي جزءاً من الألوهية ، و أخرى انه إله كامل و في هذه الروايات نجد علياً مرة يحرق الغلاة و لا يخاف، و أخرى يخاف أن يحرق ابن السوداء مع انه يهودي بسيط لا يا به له أحد و هلّم جراً من هذا الخليط المضطرب!
و لكن المتمعن في النظر و التفحص في مثل هذا الخلط من الروايات في هذه الأسطورة يتسنى له كشف الحقيقة و يقطع بعدم وجود قصّة ما أسموه بعبد اللّه ابن سبأ و ذلك من خلال عدة أمور وهي:
انه يراه مرة داعياً لفضل علي فقط ، و أخرى يكون محرضاً على عثمان و معاوية و واضعاً لأهم العقائد الشيعية من وصية، و علم غيب الأئمة، و القول في الرجعة... الخ و هذان الأمران هما أساس و سبب وجود هذه الفرية و هذه الأسطورة فان الذي صنع أسطورة عبد الله ابن سبأ أراد أن يرمي عصفورين بحجر واحد و أراد بهذين الأمرين أن يثبت:
اوّلا: ان عثمان قُتل مظلوماً بتحريض من السبئية لا أنه صنع أشياء مشينة فنقم عليه المسلمون و اشتركوا في قتله و بينهم صحابة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) كما ذكره التاريخ مفصلا؛ بل كل ما في الأمر أن يهودياً حاقداً حرّك المسلمين فانساقوا معه بغباء و بدون تفكير حتى ارتكبوا هذه الجناية و قتلوا الخليفة البريء!! و لا ندرى كيف يكون المسلمون بما فيهم صحابة النبي (صلى الله عليه وآله)بهذا المستوى من الغباء و السذاجة حتى يخدعوا بشخص يهودي مثل عبد الله ابن سبأ؟! فياله من هراء و سخف!!
ثانياً: أرادوا من خلاله أن يبينوا أن عقائد الشيعة لا سند لها من الإسلام و إنما هي من هذا اليهودي العبقري (عبد الله ابن سبأ) فالشيعة إذاً يهود لأصلة لهم بالإسلام و المسلمين!! و بهذا يتم مراد الحاقدين على الشيعة بدءاً من بني أمية و إلى يومنا هذا.
و يمكن القول أن هذين الأمرين هما الذين دفعا الباحثين و الكتاب إلى البحث و تقصى الأمر في حقيقة هذه الأسطورة و كشف زيفها فأعلنوا بآرائهم و كسروا الطوق و أعلنوا للناس كذب هذه الفرية التي أوجدها الحاقدون و بدء الواقع يتضح و الحقيقة تنكشف و انكشف ما هو المتخفي وراء أسطورة عبد الله ابن سبأ.
و مِن هؤلاء الباحثين و الكتاب و النقاد الذين كشفوا زيف هذه الأسطورة:
1- الدكتور طه حسين: و هو من أشهر الكتّاب المصريين المعاصرين . حيث استعرض هذا الدكتور الصورة التي رُسمت لابن سبأ و مزقها بعد تحليل دقيق . و انتهى إلى أن ابن سبأ شخصية وهمية خلقها خصوم الشيعة للشيعة. و قد دعم رأيه بالأمور التالية:
1- إن كل المؤرخين الثقاة لم يشيروا إلى قصة عبد الله ابن سبأ و لم يذكروا عنها شيء.
2- إن المصدر الوحيد عنه هو سيف بن عمر و هو رجل معلوم الكذب و مقطوع بأنه وضّاع.
3- إن الأمور التي أُسندت إلى عبد الله ابن سبأ ، تستلزم معجزات خارقة لفرد عادي كما تستلزم أن يكون المسلمون الذين خدعهم عبد الله بن سبأ و هم ينفذون أهدافه بدون اعتراض في منتهى البلاهة و السخف!!
4- عدم وجود تفسير مقنع لسكوت عثمان و عماله عنه مع ضربهم لغيره من المعارضين كمحمد بن أبي حذيفة و محمد بن أبي بكر و عمار بن ياسر و أبي ذر الغفاري.
5- قصة الإحراق و تعيين السنة التي عرّض فيها ابن سبأ للإحراق تخلو منها كتب التاريخ الصحيحة و لا يوجد لها أي اثر.
6- عدم وجود أي اثر لابن سبأ و لجماعته في واقعة صفين و في حرب النهروان.
و الخلاصة: هي ان ابن سبأ شخص ادّخره خصوم الشيعة و لا وجود له في الخارج.([11]) و يتفق مع طه حسين في وهميّة وجود ابن سبأ عدد كبير من المؤرخين المستشرقين و منهم:
1- الدكتور برناد لو?س: قال، ولكن التحقيق قد اظهر أن هذا استباق للحوادث و انه (أي ابن سبأ) صورة مثل بها في الماضي و تخيلها محدثو القرن الثاني للهجرة من أحوالهم و أفكارهم السائدة آنذاك.
2- فلهوزن: ذهب إلى أن المؤامرة و الدعوة و الفعاليات المنسوبة لابن سبأ من اختلاق المتأخرين و قد محص النصوص و درس الموضوع و قام بتحليل دقيق.
3- فريد لندر: اشترك مع فلهوزن و انتهى إلى نفس النتيجة.
4- كايتاني: شك في وجود عبد الله ابن سبأ و قال عمّا ينسب له من أعمال ضخمة و مؤامرة مثل هذه الاعمال بهذا التفكير و هذا التنظيم لا يمكن أن يتصورها العالم العربي المعروف عام خمس و ثلاثين بنظامه القائم على سلطان الأبوة ، أنها تعكس أحوال العصر العباسي الأول بجلاء.([12])
إذاً بعد ما تبين الحق و انكشفت الحقيقة و بان زيف الوضّاعين فلماذا هذا الهراء و هذا الدجل؟ و لماذا هذا الحقد على مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ؟ و لماذا تنسب الشيعة لهذا اليهودي؟ و الجواب واضح و جلّى. انه العمى و الحقد الأسود الدفين المتأصل منذ يوم السقيفة و انه العناد الأهوج بل انه الغباء و عدم العلم ، كما عبر عنه محمد كرد علي في خطط الشام حيث قال: أما ما ذهب إليه بعض الكتاب من أن مذهب التشيع من بدعة ابن سبأ المعروف بابن السوداء ، فهو و هم و قلة علم بتحقيق مذهبهم . و من علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة و براءتهم منه و من أقواله و أعماله ، و كلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم في ذلك ، علم مبلغ هذا القول من الصواب.([13])
--------------------------------------------------------------------------------
[1]- المطففين / 83.
[2]- البقرة / 10.
[3]- الصف / 8.
[4]- القصص / 85.
[5]- تاريخ المذاهب الإسلامية لأبي زهرة، ج 1، ص 32،.
[6]- تاريخ المذاهب الإسلامية، ج 1، ص 43.
[7]- دائرة معارف القرن العشرين، ج 5، ص 17.
[8]- القاموس الإسلامي، ج 3، ص 223.
[9]- انظر فجر الإسلام، ص 276، و التمهيد و البيان، ص 96 . الأعلام ، الزركلّي علي، ج 4، ص 23.
[10]- هامش منهاج السنة لابن تيمية، ص 220.
[11]- الفتنه الكبرى، فصل عبد الله ابن سبأ.
[12]- احمد محمود، انظر آراء المستشرقين المذكورة في نظرية الامامة، ص 37.
[13]- خطط الشام، ج 6، ص 251.