المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سؤال : الأخ الكريم من العربية السعودية يسأل و يقول :إن قرآنكم يختلف عن قرآن المسلمين



طريق الحق
27-12-2001, 01:52 PM
(بسمه تعالى)

سؤال : الأخ الكريم من العربية السعودية يسأل و يقول :إن قرآنكم يختلف عن قرآن المسلمين و هو، كما تدّعون، مصحف فاطمة؟

خلاصة الجواب

مما يجد الإشارة إليه في الخاتمة ، إن مصحف فاطمة(عليها السلام)،هو كبقية المصاحف و الكتب و ليس فيه من القران شئ بنصّ قول الأئمة(عليهم السلام) ، و هذا الكتاب لم يصل إلى شيعتهم و ليس هناك أي واقع لما يدّعيه ،افتراءاً، بعض الكتّاب من كون هذا المصحف متداولا في بعض مناطق الشيعة.

الجواب

أخي العزيز السلام عليكم و رحمة الله و بركاته،

و نحن في معرض الإجابة على سؤالكم ، و قبل الخوض في غمار البحث الذي لطالما ملأ بطون الكتب ، وطالما أجاب علمائنا على مثل هذه الادعاءات التي تُلفّق على المذهب الإمامي و التي هي محض افتراء. فالإمامية يعتقدون أن القرآن المتداول بين أيدي الناس اليوم ، هو القرآن المنزل من عند الله سبحانه على رسوله(صلى الله عليه وآله) بنقطه و حروفه و كلماته و آياته و سوره بالترتيب الذي هو عليه لفظاً و معناً و أسلوبا و لم يقدم فيه و لم يؤخر، يبدأ بباء بسملة سورة الفاتحة و ينتهي بسين سورة الناس.([1])و لقد نقل إلينا بالتواتر و المتعبد بتلاوته في مصاحفنا([2])

و اعظم دليل على حفظه من أيدي التحريف هو الإعجاز الإلهي حين يقول جل و علا ] قل لئن اجتمعت الأنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القران لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا[([3]) و قوله ]أفلا يتدبرون القران و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا[([4]) و من دلائل إعجازه أنه كلما تقدم الزمن و تقدمت الفنون و العلوم فهو باق على طراوته و حلاوته و سمو معانيه و أفكاره.

فبعد هذا كله كيف يخالج الشك عند كل انسان أو يهجس في خلده أن قرآننا يختلف عن قرآن المسلمين ، فأسأل المولى القدير أن يهدينا و إياكم طريق الحق و أن نركن إلى العقل السليم و الابتعاد عن روح التعصب المقيت و الآن نأتي لكي نقطف ثمار البحث في معرفة مفهوم كتاب فاطمة.

المصحف في اللغة

المصحف: بضم الميم و كسرها. واصله الضم ، لأنه مأخوذ من أصحف أي جُمعت فيه الصُحف([5])

و بناءاً عليه، فالمصحف ليس اسماً مختصاً بالقرآن الكريم ، و يشهد لذلك ما رووه في وجه تسمية المصحف مصحفاً، فلقد روى ابن أشتة في كتاب المصاحف انه لما جمعوا القران الكريم فكتبوه في الورق قال أبو بكر :التمسوا له اسماً فقال بعضهم ، سفراً و قال بعضهم ، المصحف.([6])

إذاً فالمصحف كل كتاب أصُحف و جمع بين الدفتين، لكن لكثرة استعماله في القران الكريم ،أوجب انصراف الأذهان إليه. و هو لا يكفي لحمل ما و رد في روايات أهل البيت(عليهم السلام) التي تتحدث عن مصحف فاطمة(عليها السلام) على المصحف المعروف، خاصة مع وجود التقيد بإضافته إليها(عليها السلام) و يؤيد ذلك استعمال كلمة المصحف بمعنى الكتاب من قبل المسلمين في القرن الأول، فقد قيل في خالد بن معدان (كان علمه في مصحف له أزرار و عرى)([7])

مصحف فاطمة ـ عليها السلام ـ في أخبار أهل البيت ـ عليهم السلام ـ

إن من جملة التراث العلمي الذي كان يتوارثه أئمة أهل البيت(عليهم السلام) ، هو (مصحف فاطمة) الذي دون فيه علم ما يكون، مما سمعته فاطمة الزهراء(عليها السلام) من حديث الملائكة بعد وفاة أبيها(صلى الله عليه وآله) كما سنرى من خلال النصوص التي أوردناها في البحث نقلا عن أهل البيت العصمة و الطهارة(عليهم السلام)، و قد كانوا يحدثون أصحابهم أحيانا عن تلك العلوم المدونة عندهم في هذا الكتاب و يبيّنون حقيقته.

§ فعن أبي عبيدة عن أبي عبد الله(عليه السلام) أن فاطمة مكثت بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) خمسه و سبعين يوماً ، و كان قد دخلها حزن شديد على أبيها(صلى الله عليه وآله) و كان جبرئيل يأتيها فيحسن عزائها على النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله)، و يطيب نفسها و يخبرها عن أبيها و مكانه، و يخبرها بما يكون بعدها في ذريتها و كان الإمام علي(عليه السلام) يكتب بخطه ما تمليه عليه.([8])

§ عن أبى حمزة أن أبا عبد الله(عليه السلام) قال « مصحف فاطمة ما فيه شئ من كتاب الله و إنما هو شئ أُلقي إليها بعد موت أبيها(صلى الله عليه وآله)»([9])

§ و عن علي بن سعيد عن أبي عبد الله(عليه السلام) « و عندنا مصحف فاطمة ليس فيه شئ من القران الكريم» ([10])

هذه الروايات و أمثالها تدل على أن مصحف فاطمة الذي يعتقد الإمامية أنه عند أئمتهم و ضمن ميراثهم العلمي ، ليس المصحف الذي فيه القرآن الكريم، و أنه كتاب أخر يتضمن علماً، لكن ما هو ذلك العلم؟

فإليه تشير بعض روايات أهل البيت(عليهم السلام)

· سئل الإمام الصادق(عليه السلام) عن محمد بن عبد الله بن الحسن فقال(عليه السلام) « ما من نبي و لا وصىّ و لا ملك إلا هو في كتاب عندي». يعني مصحف فاطمة(عليها السلام)([11])

· عن فُضيل بن سكرة قال: دخلت على أبي عبد الله(عليه السلام) فقال: يا فضيل أتدري في أي شيء كنت أنظر قبيل؟ قال: لا. قال : كنت أنظر في كتاب فاطمة(عليها السلام) ليس من ملك يملك الأرض إلا و هو مكتوب فيه باسمه و أسم أبيه و ما وجدت لولد الحسن فيه شيئاً.([12])

· عن عماد بن عثمان: قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول« إن الله تعالى لما قبض نبيه(صلى الله عليه وآله) دخل على فاطمة(عليها السلام) من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، فأرسل الله إليها ملكاً يسلي غمها و يحدثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال: إذا أحسست بذلك و سمعت الصوت قولي لي ، فأعلمتُهُ بذلك. فجعل أمير المؤمنين(عليه السلام) يكتب كلما سمع حتى أثبت ذلك مصفحاً. » ثم قال« أما انه ليس فيه شيء من الحلال و الحرام. و لكن فيه علم ما يكون...».

يظهر من هذه الروايات أن مصحف فاطمة(عليها السلام) ليس قرأنا و ليس كتاب أحكام، حتى يتمسك بها من يفتش عن المطاعن على الشيعة.

و لا يخفى على كل ذي لب لبيب ، أن هذه الروايات رافعة لكل شك وإن ما قيل من أن مصحف فاطمة هو قران الشيعة ، محض افتراء وكذب. و الله بيننا و بين من يدّعي علينا هذا الادعاء في يوم الجزاء .

فاطمة(عليها السلام) محدَّثة

قد يتوقف البعض عند قصة مصحف فاطمة(عليها السلام) ، ويرفض مسألة تكليم الملائكة للسيدة الزهراء(عليها السلام) نتيجة توهّم التلازم بين النبوة و الوحي، أو بين النبوة و تحديث الملائكة، وعليه فإن كون الرسول(صلى الله عليه وآله) خاتم الأنبياء و الرسل يقتضي عدم نزول الملائكة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) . فيجعلون هذا دليلا على عدم صحة قصة المصحف المذكور، و قد أعتمد كثير من الكتاب من أبناء السنة على تلك الملازمة ، متهمين الشيعة الإمامية بأنهم يزعمون لفاطمة(عليها السلام) ما ثبت للأنبياء و الرسل . كل ذلك اعتمادا على الملازمة المزعومة بين تكليم الملائكة و بين النبوة... و هذه غفلة من أصحاب النظر القاصر.

فتعال معي يا أخي إلى كتاب الله عز وجل و هو يتحدث عمّن كلمتهم الملائكة ، أو أوحى الله سبحانه و تعالى إليهم:

1ـ ] و إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك و طهرك و اصطفاك على نساء العالمين [([13])

2ـ ]إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح [([14])

3ـ] فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكيا[([15])

4ـ ] و لقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى... و امرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق و من وراء إسحاق يعقوب[([16])

5ـ ] و أوحينا إلى أم موسى...[[17]

فنزول جبرئيل الأمين بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) لم يكن بعنوان الوحي لأجل التشريع، لأن الوحي انقطع برحلة النبي(صلى الله عليه وآله) ، وإنما للحديث مع سيدة النساء ولا ضير في ذلك؛ كما كلم مريم بنت عمران و أم موسى مع أنهنّ لسن بنبيات و مع ذلك شاهدنّ الملائكة وحدثنهم أو أُوحي إليهن بأسلوب آخر.

إذاً الاعتقاد بنزول الملائكة على الزهراء(عليها السلام) لا يُعدّ غلواً و لا مبالغة في فضلها. فهي سيده نساء الأولين و الآخرين. و لقد روى البخاري في صحيحه عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنه قال « فاطمة سيدة نساء أهل الجنة»([18]) و روى مسلم في صحيحه انه( صلى الله عليه وآله)قال لها « يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ،أو، سيدة نساء هذه الأمة»([19]) و هي(عليها السلام) ممن نزلت بهم آية المباهلة و التطهير وضمهم و رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) في كسائه.([20])

و من الجدير بالذكر أن الوحي له أساليب و أغراض متعددة، و لا تلازم بين الوحي و النبوة، و إن كان كل نبي لا بد أن يُوحى إليه.

و كذلك لا تلازم بين الوحي و القرانية فبالنسبة للرسول(صلى الله عليه وآله) لم يكن كل ما نزل عليه من الوحي قرأناً فهنالك الأحاديث القدسية و هناك تفسير القران و تأويله و الأخبار بالموضوعات الخارجية و أمثال ذلك كلها ليست قرأنا.

فاتضح أن تحديث الملائكة للزهراء(عليها السلام) لم يكن من الوحي النبوي و لا من الوحي القرآني.

المحدَّثون عند أهل السنة

إذا كان تحدّث الملائكة مع الزهراء(عليها السلام) الذي اذهب الله عنها الرجس و طهرها تطهيرا، غلواً فلنلق نظرة على كتب الحديث و السيرة من أهل السنة لنرى كيف يدّعى تحدث الملائكة مع جماعة من رجالهم.

1ـ اخرج البخاري في مناقب عمر بن الخطاب، و بعد حديث الغار عن أبي هريرة و اخرج مسلم في فضائل عمر أيضاً عن عائشة: إن عمر بن الخطاب كان من المحدثين.([21])

2ـ ممن ادّعى أن الملائكة تحدثهم ، عمران بن الحصين الخزاعي (المتوفى سنة 52 هـ ) قالوا: كانت الملائكة تسلم عليه حتى اكتوى بالنار فلم يسمعهم عاماً ثم أكرمه الله برد ذلك.([22])

3ـ و منهم أبو المعالي الصالح (المتوفى سنة 427 هـ) رووا أنه الملائكة كلمته على صورة طائر.([23])

فهذه الروايات هي من بعض ما روته كتب أبناء السنة.

فلا عجب أن تكون الزهراء(عليها السلام) مما يُوحى إليها وهي ريحانة المصطفى(صلى الله عليه وآله) ولو تغاضينا عن كل ذلك ؛ فكما أن مرويات الإمامية تحدثت عن مصحف فاطمة، كذلك تحدثت مرويات السنة عن مصحف لعائشة تزيد محتوياته على محتويات القران الموجود بين أيدينا، فلماذا يغض الطرف عنه.

جاء في المجلد الأول من الإتقان للسيوطي ، إن مهيدة بنت أبي يونس قالت: قرأ أبي و هو ابن ثمانين سنة في مصحف عائشة إن الله و ملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما و على الذين يصلون في الصفوف الأولى.([24])

إلى غير ذلك من المرويات التي تشير إلى أن مصحفها يشتمل على بعض الفقرات التي لا وجود لها في القران، و مع ذلك فقد تجاهلها الكتّاب و راحوا يوجهون الاتهامات المشينة للشيعة.



و أخيراً نسأله تعالى أن يهدينا سواء السبيل.









--------------------------------------------------------------------------------

[1]-الشيعة و التشيع، هاشم الدباغ، ص 41 ،انتشارات محمدي.

[2]- علوم القرآن الكريم، محمد باقر الحكيم، المقدمة، دار الكتب الإسلامية.

[3]- الإسراء/ 88.

[4]-النساء/82.

[5]- مختار الصحاح، ص 357. الفخر الرازي دار الكتاب العربي. العين، الخليل بن احمد الفراهيدي، مؤسسة الهجرة.

[6]- حقائق هامة في القرآن الكريم، للسيد جعفر مرتضى العاملي، ص 90ـ99.

[7]- الحديث و المحدثون, محمد أبو زهرة، ج 22. و كذلك عن محمد رشيد رضا، مجلة المنار، ج 10، ص 10 ، دار الفكر العربي، القاهرة.

[8]- بصائر الدرجات (الصفار) ص 103، المرعشية قم. الكليني في الكافي، ج 1، ص 241 ، دار الكتب الإسلامية، طهران.

[9]- بصائر الدرجات، ص 159، المجلسي، ج 26، ص 48 ،دار الكتب الإسلامية، طهران.

[10]- بصائر الدرجات، ص 156ـ160.

[11]- المناقب لأبن شهرأشوب، ج 3، ص 249 ،دار الأضواء، بيروت، 1412 هـ.

[12]- الكليني في الكافي، ج 1، ص 244 ،دار الكتب الإسلامية، طهران. الصفار في الدرجات، ج 1، ص 157 ط 1، مرعشية قم.

[13]- آل عمران/ 42.

[14]- آل عمران/ 45.

[15]- مريم/ 17-19.

[16]- هود/69-71.

[17] -القصص/7.

[18]- صحيح البخاري، ج 4، ص 209ـ219. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، تحقيق عبد الله بن باز ،دار المعرفة ـ بيروت.

[19]- صحيح مسلم بشرح النووي، ج 16، ص 6ـ7 ،دار الكتاب العربي، بيروت، 1407 هـ.

[20]- صحيح مسلم، ج 2، ص 368. مسند احمد، ج 1، ص 330 دار صادر، بيروت. الصواعق المحرقة، ،لأحمد بن حجر ص 143 ، ط الميمنة مصر، 1312 هـ.

[21]- صحيح البخاري، ج 4، ص 200 ، دار الفكر، بيروت.

[22]- القرطبى، الجامع للأحكام.

[23]- ابن الجوزي في المنتظم، ج 12، ص 82 ، تحقيق محمود مصطفى عبد القادر، دار الكتب العلمية، بيروت 1412 هـ.

[24]- نقلا عن كتاب الأئمة الاثنى عشر، ص 99 ،عن المجلد الأول، للإتقان للسيوطي، هاشم معروف الحسني، القسم الأول، منشورات الشريف الرضي.

أنور2
28-12-2001, 03:05 PM
للرفع