طريق الحق
27-12-2001, 02:08 PM
مفتريات حول تحريف القرآن الكريم
كلمة موجزة عن كتب الحديث عند الفريقين
اِعلم ـ أخي المسلم ـ أنَّ كتب الحديث الاَساسية عند الشيعة هي أربعة كتب ، أولها الكافي لثقة الاِسلام الكليني (ت 329 هـ) ، ثم كتاب من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق (ت 381 هـ) ثم الاستبصار والتهذيب وكلاهما للشيخ الطوسي (ت 460 هـ) ، وقد سميت هذه الكتب بالاُصول الاَربعة .
والشيعة لا تنظر لاَيِّ منها على أنَّه أصحُّ كتاب بعد كتاب الله عز وجل ، بخلاف ما يراه العامّة في صحيحي البخاري ومسلم كما يبدو من تتبع أقوالهم قديماً وحديثاً ، ويكفي تسميتهم لها بـ (الصحاح) ! ناهيك عن غلوهم بالصحيحين .
فالذهبي مثلاً ، والسرخسي ، وابن تيمية ، وابن الصلاح قد صرّحوا بأنّ ما في الصحيحين يفيد القطع ، ذكر هذا الكشميري في فيض الباري على صحيح البخاري تحت عنوان : (القول الفصل في أنَّ خبر الصحيحين يفيد
القطع). وقال: (واعلم أنّه انعقد الاِجماع على صحّة البخاري ومسلم) (1)
ونجد ابن خلدون يصرح في تاريخه بأنَّ الاِجماع قد اتّصل في الاُمّة على تلقي الصحيحين بالقبول والعمل بما فيهما ، ثم قال : «وفي الاِجماع أعظم حماية ، وأعظم دفع» (2)يريد بهذا دفع أي قول بخلاف هذا باجماع العامّة !
وفي عمدة القاري (اتّفق علماء الشرق والغرب (يعني : علماء العامّة) على أنّه ليس بعد كتاب الله تعالى أصحّ من صحيحي البخاري ومسلم) (3)
ومن راجع مقدمة فتح الباري (4)، وعمدة القاري (5)، وإرشاد الساري(6)ٍ ، ووفيات الاعيان (7)، وصحيح مسلم بشرح النووي (8) وكشف الظنون (9)ج سيجد فيها اتفاق علماء العامّة على ذلك ، بل والاكثر من هذا أنّه اتفق مترجمو البخاري وشارحو كتابه على أنّه قال: أخرجت هذا الكتاب من مائتي ألف حديث صحيح وما تركته من الصحيح أكثر..!!
وفي مقابل هذا نجد الشيعة قديماً وحديثاً قد وقفوا موقفاً معتدلاً من
________________________
(1) فيض الباري ، للكشميري الديوبندي 1 : 57 .
(2) تاريخ ابن خلدون 1 : 556 الفصل | 52 .
(3) عمدة القاري شرح صحيح البخاري ، للعيني 1 : 5 .
(4) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، لابن حجر العسقلاني : 381 من المقدمة .
(5) عمدة القاري شرح صحيح البخاري 1 : 8 و 45 .
(6) ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري ، القسطلاني 1 : 29 .
(7) وفيات الاَعيان ، لابن خلّكان 4 : 208 .
(8) صحيح مسلم بشرح النووي ، النووي الشافعي 1 : 19 من المقدمة .
(9) كشف الظنون ، لحاجي خليفة 1 : 641 .
الكتب الاَربعة وعلى رأسها الكافي ابتداءاً من الشيخ الصدوق في كتابه من لا يحضره الفقيه باب الرجلين يوصى اليهما فينفرد كل واحد منهما بنصف التركة(1)وباب صوم التطوع وثوابه (2)، والشيخ المفيد في جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية (3)، والسيد الشريف المرتضى في جوابات المسائل الرسيّة (4)، وجوابات المسائل الطرابلسيات الثالثة(5). ، والطرابلسيات (6)، والتبّانيّات (7)، وغيرهم ممن جاء بعدهم من علماء الشيعة وإلى يومنا هذا .
فقد بينوا موقفهم الصريح المتحرر من قيود التعصب إزاء روايات الكافي وغيره من كتبهم الحديثية ، ولم يَغْلُ واحد منهم في أيٍّ منها ويُسَمِّها بغير اسمها، إذ لا يوجد في قاموس الشيعة كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه غير كتاب الله العزيز وكفى ، ولم يدّع أحد بأنَّ أخبار الكافي تفيد القطع ، ولا الاِجماع على صحة جميع ما فيه ، اللّهم إلاّ إذا استثنينا ما ذهب إليه الاَخباريون كالاَسترابادي الذي رام أن يجعل أحاديث الكافي قطعيّة الصدور لما اعتمده من قرائن لا تنهض بذلك باتفاق من عاصره وتأخر عنه ، ويكفي أنّه قد أنكر عليه هذا خاتمة
__________________________
(1) من لايحضره الفقيه 4 : 151 | 523 ـ 524 .
(2) من لايحضره الفقيه 2 : 55 | 241 .
(3) جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية : 19 و 20 و 21 و 22 .
(4) جوابات المسائل الرسيّة : 331 .
(5) جوابات المسائل الطرابلسيات الثالثة : 410 و 411 و 419 .
(6) جوابات المسائل الطرابلسيات الثالثة ، للشريف المرتضى : 211 .
(7) جوابات المسائل التبّانيّات ، للشريف المرتضى : 21 .
المحدثين وشيخ الاَخباريين الميرزا النوري ؛ في مستدرك الوسائل (1).
هذا ، والكليني قدس سره لم يصرّح بصحة أحاديث الكافي ، كما صرّح البخاري بصحة جميع أحاديث كتابه ، وتابعه على ذلك أهل العامّة حتى صرّحوا بإجماعهم عليه كما مرَّ .
أكاذيب حول كتاب الكافي بشأن شبهة التحريف :
فإذا علمت هذا ، فاعلم أنّه قد زعم بعضهم سكوت الشيعة المعاصرين عن أخطاء علمائهم السابقين ، بل ومحاولة الدفاع عن تلك الأخطاء التي توجب الكفر كروايات شبهة التحريف في كتاب الكافي للشيخ الكليني متسائلاً : أهنالك مجال للشك في تكفير من يروي التحريف ، والله تعالى يقول : ( إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون ) (2) ؟
رد هذه الأكاذيب ومعالجة تلك الشبهة :
أقول : إنّ تدارك الخطأ ـ مالم يكن عن عَمْدٍ ـ في أيِّ كتاب من كتب التراث عند جميع المسلمين بشتى مذاهبهم لا يتم بتكفير مؤلفه ، وإنّما يُكتفى في ذلك بالتنبيه على الخطأ لكي يُجتنب .
وأمّا لو كان ذلك الخطأ عن عَمْدٍ من مؤلفه ، فالاَمر مختلف ، كلٌ بحسب نوعية الخطأ وحجمه ومقدار تأثيره ، وفي كل ذلك تفصيل .
فلو فُرِضَ أنَّ ذلك الخطأ مما يستلزم الردّة ، وعَلِمَ صاحبُه بهذا وأصرَّ
____________
(1) مستدرك الوسائل ، للعلاّمة النوري 3 : 533 ، في الفائدة الرابعة من الخاتمة.
(2) الحجر 15 : 9 .
عليه ، فحكمه هنا ليس كحكم رِدّة الغالط ، والغافل ، والسّاهي، والمُكرَه وإنْ لم يكن في الواقع كذلك لكنه ادّعاه فيقبل منه ولا يحكم بردّته ولا يراق دمه . للاَصل الثابت عند جميع المسلمين في رفع حكم هذه الاَشياء كلها ، أعني : قوله صلى الله عليه وآله وسلم : رفع عن اُمّتي تسعة أشياء : الخطأ ، والنسيان ، وما أُكرهوا عليه ، وما لا يطيقون ، وما لا يعلمون ، وما اضطروا إليه ، والحسد ، والطيرة ، والتفكر في الوسوسة في الخلق مالم ينطق بشفة (1) هذا ما لم يثبت العكس ، فإنْ ثبت فينظر في إسلام المرء قبل ردته .
هل كان عن فطرة ، حتى يقتل من دون استتابة ؟ ؛ لحديث : من بدّل دينه فاقتلوه .
أم عن ملة فيستتاب ؟ فإنْ تاب فهو ، وإلاّ فالقتل بعد اليأس منه .
وعلى أية حال فإنَّ من يزعم نفي الشكّ في تكفير العلماء لمجرد فرض تحقق قولهم بشبهة تحريف القرآن الكريم ، قد أثبت لنا جهله بما لا مزيد عليه ، فهو لم يكن له سابق عهد لا بالقرآن الكريم ، ولا بفقه المسلمين ، ولا بكتب الحديث ، ولا بسيرة أرباب المذاهب وعلماء الاِسلام في التعامل مع الفرض المذكور ، فلا جرم عليه إذن فيما زعم ، للاَصل المذكور ، أعني : حديث رفع التسعة ، ومنها (ما لايعلمون) .
___________________________
(1) كتاب التوحيد ، للصدوق : 353 | 24 . والخصال 2 : 417 | 9 باب التسعة . ومن لايحضره الفقيه 1 : 36 | 132 باب 14 . والوسائل 15 : 369 | 20769 باب 65 من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد .
وقد صرّح فقهاء العامة ومفسروهم بان الاكراه إذا وقع على فروع الشريعة لا يؤاخذ المكره بشيء محتجين بحديث الرفع كابن العربي في أحكام القرآن 3 : 1177 | 1182 وغيره .
إنّ علماء الشيعة الاِمامية قد اتفقوا على تكفير بعض من كان من أصحاب الاَئمة عليهم السلام ، كأبي الخطّاب وأصحابه لعنهم الله ، وأطلقوا لقب (الكذّاب) على جعفر ابن الاِمام الهادي عليه السلام على الرغم من كونه ابن إمام وأخا إمام وعم إمام من أئمة أهل البيت عليهم السلام . فهم لا يخشون في الله لومة لائم في تكذيب الكاذب ولعن الضال المنحرف الكافر ، بل يكفّرونه كائناً من كان ، ولهذا تراهم يلعنون من أخرج له البخاري في صحيحه حديث لبس الحرير ، أعني : عمران بن حطان السدوسي شاعر الخوارج الذي رثى عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله لقتله مولى المتقين عليه السلام ، بقصيدته التي يقول فيها :
يا ضربةً من تقيٍّ ما أراد بهاالا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
في حين نرى من يدافع عنه من الطرف الآخر وينقل عن العجلي وغيره توثيقه(1)!!!
فاين ذهب الاِنصاف يا ترى ؟! وما عدا مما بدا ؟! ومَنِ السّاكت على الباطل والمدافع عنه منا ؟
ما بال عينك لا ترى أقذائهاوترى الخفيّ من القذى بجفوني
مناقشة أصل الشبهة واثبات تهافت حججهم
هذا ، وأمّا إذا عدنا إلى أصل الشّبهة فإنّا لا نجد ما يدلّ عليها في كتاب الكافي على نحو يقطع به على ترسّخ مقولة التحريف عند الكليني ، ويشهد لذلك أنّ المستدلين على أن مذهب ثقة الاِسلام هو التحريف قد
___________________________
(1) مقدمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري : 432 .
تمسكوا بحجّتين :
الحجة الأولى : رواية الكليني لروايات التحريف :
زعم مثيروا هذه الشبهة أنّ الكليني روى روايات في هذا المعنى ولم يتعرض لقدحها .
مناقشة الحجة الأولى :
اعلم ان جواب حجتهم الاُولى يكون من الكافي نفسه ، مع التنبيه بأنا لا نسلّم بأنَّ الكليني قدس سره روى صريحا في هذا المعنى إلاّ في رواية واحدة (اشتبه النسّاخ فيها) ذكرها في باب أطلق عليه اسم (النوادر)، وأما ما عداها فلا دليل على أنه مسوق في دائرة التحريف، وإليك التفصيل :
أما الرواية التي شُنَّع بها على الكافي والشيعة أيضاً ، فهي ما ورد في باب النوادر من اُصول الكافي 2 : 463 | 28 بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال : إنَّ القرآن الذي جاء به جبرئيل عليه السلام إلى محمّد صلى الله عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية .
وبغض النظر عن مناقشة سند الرواية ، فإنّها لم تخرج إلاّ من طريق واحد وفي الكافي فقط دون جميع كتب الحديث الشيعية ، فهي إذن من أخبار الآحاد . كما أنها مخرّجة في باب النوادر ، والنادر هو الشاذ الذي لا عمل عليه ، وقد ورد تصريح الاِمام الصادق عليه السلام وفي الكافي نفسه بترك الشاذ الذي ليس بمشهور ، والاَخذ بالمجمع عليه ؛ لاَن المجمع عليه لا ريب فيه (1)ظ. . وهذا يعني أنَّ الكليني ؛ كان على بيّنة تامة من شذوذ تلك
__________________________
(1) اُصول الكافي 1 : 68 | 10 باب اختلاف الحديث .
الرواية ؛ لاَنه هو نفسه الذي صنفها في باب النوادر ، وهو نفسه الذي روى حديث ترك الشاذ النادر ، فكيف يُعقل بعدئذ القول باعتقاده بصحة ما رواه في خصوص ذلك المورد الشاذ النادر ؟!
فاذا ضُمّ هذا إلى ما تقدم من عدم وجود القائل بقطعية صدور أخبار الكافي، وعدم تصريح الكليني ولا شهادته بصحة جميع ما في كتابه ، مع ما ذكره من قواعد تمييز الخبر الصحيح من غيره في باب كامل من أبواب أصول الكافي ، ذكر فيه اثني عشر حديثاً بمعرفة تلك القواعد (1)، وأولاها الاَخذ بما وافق شواهد الكتاب العزيز ، والسُنّة الثابتة . عُلِمَ حقيقة موقف الكليني من أخبار الآحاد النّادرة الشّاذة التي لم تعتضد بقرينة عقلية أو نقلية مع مخالفتها لاجماع الشيعة الاِمامية على نفي التحريف عن ساحة القرآن الكريم نفياً باتاً كما هو صريح كلام الشيخ الصدوق (ت 381 هـ) ، والشيخ المفيد (ت 413 هـ) ، والسيد المرتضى (ت436هـ) ، والشيخ الطوسي (ت 460 هـ) ، وغيرهم الكثير من أعلام الطائفة وشيوخها كما استقرأه العلاّمة السيّد عليّ الميلاني في كتابه (التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف) (2).
ولكن قد يقال : بأنه إذا كان رأي الكليني كما ذكرتم إزاء هذا الخبر فلماذا رواه اذن ؟! وهل هنالك من فائدة في رواية خبر مكذوب مثلاً؟!
_______________________
(1) اُصول الكافي 1 : 55 | 1 ـ 12 .
(2) وقد سبق وان أصدر مركزنا كتاباً بعنوان (سلامة القرآن من التحريف) وفيه جملة وافية لمن أراد الوقوف على معرفة أدلة الشيعة الاِمامية على نفي التحريف عن القرآن الكريم واثبات سلامته بأدلة شتى من القرآن الكريم والسُنّة المتواترة وسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة أهل البيت عليهم السلام والاجماع والعقل والتاريخ .
والجواب : أنا لا نسلّم أن خبر الكافي هذا قد كان بعين لفظه المذكور (سبعة عشر الف آية) عند الكليني ، بل الظاهر تحريفه اشتباها من النساخ، والصحيح كما في بعض النسخ المعتمدة (سبعة آلاف آية) ، فكأن الناسخ لهذا الخبر استقل العدد (سبعة الاف) فكتب بدلاً عنه : (سبعة عشر الف آية) .
ومما يدلّ على ذلك هو نقل علماء الشيعة ، وبعض العامّة لهذه الرواية بالذات عن الكافي سنداً ومتناً وبلفظ (سبعة آلاف آية) .
وهذا صريح بوقوع الاختلاف في نسخ الكافي بخصوص هذا المورد وفي تلك العبارة بالذات ، ومع اختلاف نسخ الكافي بخصوص المورد المذكور يسقط الاحتجاج بما هو مخالف لمبنى الكليني ؛ في ترك الشاذ النادر الذي ليس بمشهور والاخذ بالمجمع عليه كما مرّ بتصريح الكليني نفسه .
وأما من نقل العدد (سبعة آلاف آية) عن الكافي فهم :
1 ـ المحقق الفيض الكاشاني (ت 1041 هـ) (1).
2 ـ موسى جار الله التركستاني (ت 1369 هـ) (2).
3 ـ عبد الله بن عليّ القصيمي الوهابي (3).
________________________
(1) صيانة القرآن من التحريف ، لمحمّد هادي معرفة : 223 .
(2) الوشيعة في نقد عقائد الشيعة : 23 .
(3) الصراع بين الاِسلام والوثنية : 71 .
4 ـ ابو زهرة (ت 1394 هـ) (1).
5 ـ الدكتور الوهابي أحمد محمّد أحمد جلي (2).
6 ـ إحسان إلهي ظهير (3).
وإذا تقرر هذا لاستحالة اتفاق هؤلاء ـ وهم من أقطار شتى ـ على شيء لصالح الكافي وفيهم من هو رافع عقيرته للتشنيع على مؤلفه ومذهبه ، فأعلم أنَّ ظاهر العدد (سبعة آلاف آية) ليس مسوقاً لغرض الاِحصاء المنطبق مع عدد الآي ، بل جاء ذلك من باب إطلاق العدد التّام المتناسب مع الواقع بعد حذف الكسور أو تتميمها كما هي العادة والمتعارف في الاستعمال من باب التسامح بعدم تعلق الغرض بذكر الكسر الناقص أو الزائد ، إذ المعلوم أن عدد آيات القرآن الكريم لا يبلغ السبعة آلآف آية وإنّما هو (6236) آية (4).
وهذا نظير ما اشتهر في الرواية من أن الاِمام زين العابدين عليه السلام لم يزل باكياً بعد شهادة أبيه الحسين عليه السلام أربعين سنة ، مع أنّ الاِمام زين العابدين عليه السلام لم يعش بعد واقعة كربلاء أكثر من خمس وثلاثين سنة بالاتفاق .
وهذا بخلاف مالو أريد التصريح بالعدد المطابق للواقع كما في روايات
____________
(1) الاِمام الصادق : 323 .
(2) دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين : 228 .
(3) الشيعة والقرآن : 31 .
(4) هذا بحسب ما أحصيناه من آيات المصحف الشريف .
تلك الشبهة في كتب العامّة ، والتي سنذكر طرفاً منها تحت عنوان :
نظائر رواية الكافي في كتب العامة
أخرج السجستاني عن يحيى بن آدم أنّه قال عن أسباع القرآن : إنَّ السُّبعَ الاَوْل (547) آية ، والسبع الثاني (590) آية ، والسبع الثالث (651) آية ، والسبع الرابع (953) آية ، والسبع الخامس (868) آية ، والسبع السادس (986) آية ، والسبع الآخِر (1624) آية .
قال في المصاحف بعد أن أخرج ذلك عن يحيى بن آدم : «فجميع آي القرآن ستة آلآف آية ومائتا آية وتسع وعشرون، في الجملة نقصان ثلاثون آية خطأ في الحساب» (1).
أقول : العدد ليس كما ذكره، إذ حاصل مجموع الآيات في هذه الاَسباع هو (6219) آية ، ومع إضافة الثلاثين آية إلى هذا العدد يكون الناتج : (6249) آية ، وأما مع إضافة الثلاثين إلى العدد الذي ذكره السجستاني سيكون المجموع (6259) آية ، هذا في صورة فرض التحريف في العدد الاَول سهواً من الناسخ ، ولا يخفى أنَّ تلك الاَعداد برمتها لا تنطبق مع الواقع على الرغم من إرادة الانطباق بدليل ذكر الكسور. والموجود في المصحف الشريف بحسب النسخة المطبوعة بمجمع الملك فهد بن عبد العزيز بالمدينة المنورة لسنة (1414 هـ) هو : (6236) آية . ولا شك ان هذا الفارق له أثره ؛ لان المراد من إحصائهم لآيات القرآن الكريم بحسب الاَسباع ليس هو العدد النسبي المقارب لآيات المصحف ، وإنّما أرادوا
________________________
(1) المصاحف ، للسجستاني : 134 .
العدد المنطبق معها، فكان من الضروري التنبيه عليه !
على أن مشكلة إحصاء العامّة لِمَا في القرآن الكريم من سور أو آيات لم تقف عند هذا الحد كما سيتضح من رواياتهم :
فعن عروة بن الزبير ، عن عائشة قالت : «كانت سورة الاَحزاب تُقرأ في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مائتي آية ، فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلاَّ ما هو الآن» (1)!! .
وعن زر بن حبيش قال : «قال لي أبيُّ بن كعب : كم تقدّرون سورة الاَحزاب؟ قلت : إمّا ثلاثاً وسبعين آية ، أو أربعاً وسبعين آية . قال : إنْ كانت لتقارن سورة البقرة ، أوْلهيَ أطول منها» !!
قال ابن حزم في المحلّى عن إسناد هذه الرواية : «هذا إسناد صحيح لا مغمز فيه» (2)اًن !!
وإذا ما علمت أنّ في سورة البقرة (286) آية ، وفي الاَحزاب (73) آية فإنّه سيكون المقدار الناقص من آياتها بموجب هذه الرواية (صحيحة الاسناد !!) هو (213) آية أو أكثر من ذلك «أو لهي أطول منها» أمّا مقداره في قول عائشة فهو (127) آية ، بينما نجد ابن حبّان في صحيحه يروي عن أبيُّ بن كعب بأن سورة الاَحزاب توازي سورة النور (3)، وسورة النور (64) آية .
____________
(1) الدر المنثور ، للسيوطي 5 : 180 . والاتقان في علوم القرآن ، للسيوطي 3 : 82.
(2) المحلّى ، لابن حزم 11 : 234 مسألة 2204 . والاتقان 3 : 82 . ومعالم التنزيل 1 : 136 . وفواتح الرحموت 2 : 73 .
(3) البرهان في علوم القرآن ، للزركشي 2 : 41 ـ 42 .
ومن مراجعة صحيح مسلم ، والبرهان للزركشي ، والدر المنثور في تفسير سورة البينة ، يعلم أنّ إحصاءهم ـ أو قل : تقديرهم لعدد آيات سورة البينة ـ ينقص عما هو عليه اليوم (121) آية ؛ لاَنّهم رووا عن أبي موسى الاَشعري وغيره ، بأنَّها في الطُّول كسورة براءة (1)أي : (921) آية ! بينما المصحف الشريف يشهد على كونها ثمان آيات فقط .
على أنّ ما قدمناه أهون بكثير من إحصاء عمر بن الخطاب لحروف القرآن الكريم كما في رواية الطبراني ، وقد شهد على ذلك السيوطي في الاِتقان ، وإليك نص ما نسبه إلى عمر من أنَّه قال :
«القرآن ألف ألف حرف ، من قرأه صابراً محتسباً كان له بكل حرف زوجة من الحور العين» (2).
وهنا لابدّ من وقفة قصيرة فنقول :
إنّ المنقول في احصاء حروف القرآن هو :
عن ابن مسعود : ( 322670 ) حرفاً .
وعن ابن عباس قولان :
أحدهما : (323621) حرفاً .
والآخر : (323670) حرفاً .
وعن مجاهد : (320621) حرفاً .
__________________________
(1) صحيح مسلم 2 : 726 | 1050 . والبرهان في علوم القرآن 1 : 43 . والدر المنثور 8 : 587.
(2) الاتقان في علوم القرآن : 242 ـ 243 نقله عن الطبراني .
وعن إبراهيم التيمي : (323015) حرفاً .
وعن عبد العزيز بن عبدالله : (321200) حرفاً .
وعن غير هؤلاء (321000) حرفاً .
وكلّ هذه الاستقراءات ذكرها الفقيه أبو الليث نصر بن محمّد السمرقندي الحنفي في كتابه بستان العارفين (1).
بيد أنّ المنقول عن أكثر القراء هو : (323671) حرفاً .
ولكنّ الاحصاء الكومبيوتري يشير إلى أن عدد حروف القرآن الكريم يساوي (330733) حرفاً ، ومنه يعلم عدم مطابقة استقراءات العامّة باجمعها لواقع حروف القرآن الكريم .
وقد مرَّ عن عمر بأنَّ حروف القرآن مليون حرف . ومع مقارنة هذا العدد مع أي عدد آخر مما ذكرنا يكون الناقص من حروف القرآن الكريم ـبموجب هذه الرواية العاميّة الخبيثة ـ يزيد على ضعفي القرآن الكريم.
( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخرُجُ مِنْ أفواهِهِمْ إن يَقُولُونَ إلاَّ كَذِباً ) (2).
هذا ما علمته عن رواية الكافي في باب النوادر ، والغرض منها حقيقة وواقعاً يختلف اختلافاً كلياً بالقياس إلى ما سمعته من الاستقراءات الباطلة بأجمعها
_________________________
(1) بستان العارفين ، مطبوع بذيل كتاب تنبيه الغافلين في الموعظة بأحاديث سيد الانبياء والمرسلين ، وكلاهما لاَبي الليث الفقيه السمرقندي الحنفي : 457 الباب 149 .
(2) الكهف 18 : 5 .
عودة إلى بعض روايات الكافي :
هذا وأمّا ما قيل في حجتهم الاُولى بزعمهم أنّ في الكافي روايات كثيرة بهذا المعنى (أي التحريف) ، فهو قول باطل ؛ لاَنّ جميع الروايات الاُخرى لا دلالة فيها على المدّعى ، ولكنها لم تفهم دلالتها كما ينبغي ، فهي إمّا بخصوص اختلاف القراءة القرآنية ، او زيادة توضيحية ، أو تأويل النص أو تفسيره كما بيّن كلّ في محله بدراسة نقدية تفصيلية لجميع تلك الروايات ومناقشتها سنداً ودلالة (1). وإليك بعضها :
1 ـ روى الكليني بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قرأ رجل على أمير المؤمنين عليه السلام ( فَإنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ ولَكِنَّ الظَّالِمينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ)(2)فقال : بلى والله لقد كذبوه أشدّ التكذيب ، ولكنها مخففة (لايُكْذِبُونَكَ) : لا يأتون بباطل يكذبون به حقك (3).
وقد بين الطبرسي في مجمع البيان أنّ قراءة التخفيف هي قراءة نافع ، والكسائي ، والاَعشى عن أبي بكر ، وأنها قراءة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، وهو المروي عن الصادق عليه السلام ، أمّا الباقون فقد قرأوا بفتح الكاف مع
التشديد (4). ونظير هذه الرواية في الكافي روايات أخر أيضاً ، كقراءة ،
(ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُم ) (5)بـ (ذو عدل منكم) (6)وغيرها ، ولا يخفى ان هذا
_________________________
(1) تفصيل ذلك في دفاع عن الكافي ، للسيد ثامر العميدي 2 : 333 ـ 440 .
(2) الاَنعام 6 : 33 .
(3) روضة الكافي 8 : 200 | 241 .
(4) مجمع البيان 4 : 367 .
(5) المائدة 5 : 95 .
(6) روضة الكافي 8 : 205 | 247 .
من الاختلاف في القراءة ولا علاقة له بدعوى التحريف ، ولكن من مثل إحسان الهي ظهير وغيره لا يستبعد منهم التشهير بمثل هذه الروايات على الكافي (1)ك . بسبب جهلهم أو ارادتهم الشغب والتشويه .
2 ـ وعن أبي جعفر عليه السلام انه قرأ ( ولَوْ أنَّهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُون بِهِ (في عليّ) لَكَانَ خَيْراً لَّهُم ) (2)، وقد وردت روايات اُخَر فيها التصريح باسم الاِمام عليّ عليه السلام إمّا في وسط الآي ، أو في موضع آخَر منها ماروي عن أبي عبد الله عليه السلام : ( هَذَا صِرَاطٌ (عليّ) مُستَقِيمٌ ) (3).
وهذه الزيادات لا شك ولا شبهة في كونها زيادات توضيحية لا أنها من أصل المصحف الشريف ، والدليل على ذلك ما رواه الكليني نفسه من طريقين عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل : ( أطِيعُوا اللهَ وأطِيعُوا الرَّسُول واُوِلي الاَمْرِ مِنكُم ) (4)فقال عليه السلام : نزلت في عليٍّ بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام (فقلت له : إنّ الناس يقولون : فماله لم يسمِّ عليّا وأهل بيته عليهم السلام في كتاب الله عز وجل ؟ فقال عليه السلام : قولوا لهم : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي فسر ذلك لهم ، ونزلت عليه الزكاة ولم يسم لهم من كل أربعين درهماً درهمٌ ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ هو الذي فسر ذلك لهم ـ ونزل الحج فلم يقل لهم : طوفوا اسبوعاً
_________________________
(1) اُنظر مفترياتهم في الشيعة وتحريف القرآن ، لمحمّد مال الله : 62 . والشيعة والقرآن ، لاحسان إلهي ظهير : رقم 291 و 298 .
(2) النساء 4 : 66 . والرواية في اُصول الكافي 1 : 345 | 28 .
(3) الحجر 15 : 41 . والرواية في أُصول الكافي 1 : 351 | 63 .
(4) النساء 4 : 59 .
حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي فسر ذلك لهم ، ونزلت ( اطيعوا اللهَ واطيعوا الرسولَ وأُولي الاَمرَ مِنكُم ) نزلت في عليّ والحسن والحسين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : في عليّ : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ؛ وقال صلى الله عليه وآله وسلم : أُوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي ، فاني سألت الله عزّ وجلّ أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما عليَّ الحوض ، فأعطاني ذلك (1).
ولو كانت تلك الزيادات من أصل المصحف في نظر أهل البيت عليهم السلام لكان الجواب بها أولى من حوالة السائل على ما فسرته السُنّة المطهّرة كما لا يخفى .
3 ـ وعن الاِمام الصادق عليه السلام قال : كان عليّ بن الحسين عليه السلام يقول : (إنَّا أنزَلنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ (صدق الله عزّ وجل انزل الله القرآن في ليلة القدر) وَمَآ أدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا ادري ، قال الله عز وجل) لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألفِ شَهرٍ ) ليس فيها ليلة القدر (2).
أقول : إنَّ وضوح هذه الزيادات لا يخفى على أحد أنها زيادات ليست من أصل المصحف في عقيدة الكليني وقد ورد نظيرها من الزيادات التوضيحية في صحيحي البخاري ومسلم ، من ذلك ما أخرجاه عن ابن عباس ، أنه قال : «كان رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم إذا اُنزِل جبريل بالوحي وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه ، فيشتد عليه ، وكان يعرف منه فأنزل الله : ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعجَلَ بِهِ (أخذه) إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وقُرْآنَهُ (ان علينا أن نجمعه في صدرك وقرآنه فتقرأه) فَإذَا قَرَأنَاهُ
_______________________
(1) أُصول الكافي 1 : 226 | 1 .
(2) أُصول الكافي 1 : 193 | 4 .
فَاتَّبِع قُرآنَهُ ) (1).
على أنّ السيوطي أخرج في الدر المنثور عن عبدالرزاق ، وعبد بن حميد وابن جرير ، ومحمّد بن نصر ، وابن المنذر ؛ عن قتادة في قوله تعالى : ( لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألفِ شَهْرٍ ) قال : خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر (2)ي? . وأخيراً ، فإنّ الكليني نفسه قد أورد سورة القدر كاملة من غير هذه الاِيضاحات بتلاوة الاِمام الصادق عليه السلام (3).
وما يقال عن غير ما ذكرنا هو عين ما يقال هنا فلا حاجة إلى التطويل .
الحجة الثانية : احتجاجهم بعناوين أبواب الكافي :
فقد احتجوا بما عنونه الكليني في اُصول الكافي من الاَبواب ، ويقصدون بذلك (باب أنّه لم يجمع القرآن كله إلاّ الاَئمة عليهم السلام ) ، بتقريب أنّ مذاهب العلماء تعلم غالباً من عناوين أبواب كتبهم .
وهذا هو ما تمسك به مثيرو هذه الشبهة حول كتاب الكافي كإحسان إلهي ظهير ، ومن سبقه ، أو من جاء بعده (4)، ولا حجة ثالثة لهم على مايزعمون فيما استقصيناه وتتبعناه .
_________________________
(1) القيامة 75 : 16 ـ 18 . وصحيح مسلم 1 : 330 | 147 ـ 148 باب الاستماع إلى القراءة . وصحيح البخاري 6 : 240 باب الترتيل في القراءة .
(2) الدر المنثور 8 : 568 ـ 569 .
(3) روضة الكافي 8 : 222 | 280 .
(4) الشيعة والقرآن : 73 . ورجال الشيعة في الميزان : 167 . والشيعة وتحريف القرآن : 64 . ودراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين : 227 وغيرها الكثير من كتب الوهابية وما ذكرناه فهو نموذج منها .
جواب الحجة الثانية :
وأمّا عن حجتهم الثانية ، وهي ـ كما عرفت ـ التمسك بعناوين الاَبواب فنقول في جوابها : إنّها ينبغي أن تكون تلك الحجة للكليني بعد عكسها لا عليه .
ولتوضيح ذلك نقول : إنّه عنون قدس سره في الكافي باباً بعنوان (الاَخذ بالسُنّة وشواهد الكتاب) وقد أودع فيه جملة من الروايات نذكر منها :
1 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنّ على كل حقٍّ حقيقةً، وعلى كل صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه (1).
وواضح أنّ المراد من الترك لما خالف الكتاب هو ترك العمل به بعد ثبوت كون المخالفة على نحو اليقين وليس المخالفة المشكوك فيها والتي يمكن معالجتها .
2 ـ وعن أبي عبد الله عليه السلام : كل شيء مردود إلى الكتاب والسُنّة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف (2).
3 ـ وعنه عليه السلام قال : خطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنى ، فقال : أيّها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله (3)
_______________________
(1) اُصول الكافي 1 : 55 | 1 .
(2) اُصول الكافي 1 : 55 | 3 .
(3) اُصول الكافي 1 : 56 | 5 .
وإذا كانت مذاهب العلماء تعرف من خِلال أبوابهم كما يدعي هؤلاء ، فَلِمَ لا يكون مذهب الكليني هو رد كل حديث لا يوافق كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، والحكم عليه بأنه من زخرف القول ، وأنّه لم يقله نبيٌّ ولا وصيٌّ ؟
ومن ثم فإن الباب الذي عقده الكليني في اُصول الكافي بعنوان : «إنّه لم يجمع القرآن كله إلاّ الاَئمة عليهم السلام وإنّهم يعلمون علمه كله» لا دلالة في العنوان على وجود نقص في آيات القرآن الكريم الموجود عندنا ولا زيادة فيها في ما جمعه الاَئمة عليهم السلام ، وهذا ما أوضحه الكليني نفسه في أحاديث الباب المذكور ، وربما قد لا يتفطن لذلك إلاّ النابه الذكي .
فقد جاء في الحديث الاَوّل من الباب المذكور بسند صحيح عن الاِمام الباقر عليه السلام أنّه قال : ما ادّعى أحدٌ من النّاس أنّه جمع القرآن كله كما اُنزِل إلاّ كذابٌ ، وما جمعه وحفظه كما نزّله الله تعالى إلاّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام والاَئمة من بعده عليهم السلام (1).
وفهم هذا الحديث على حقيقته لا يتم إلاّ ببيان جهتين :
الاُولى : إثبات أنّ للاِمام عليٍّ عليه السلام مصحفاً .
والاُخرى : بيان ماهية هذا المصحف . فنقول :
أمّا إثبات أنّ للاِمام عليٍّ عليه السلام مصحفاً ، فهذا ما صرّح به أعلام العامّة أنفسهم ، فقد أخرج السجستاني بسنده عن ابن سيرين قال : «لما توفي النبي صلّى الله عليه (وآله) وسلم أقسم عليٌّ أن لا يرتدي برداء الا لِجُمْعَةٍ
____________
(1) اُصول الكافي 1 : 178 | 1 .
حتى يجمع القرآن في مصحف ، ففعل»(1).
وقد صَرّح بهذا ابن النديم (2)، كما ذُكر في اتقان السيوطي ، وسنن أبي داود، وحلية الاَولياء لاَبي نعيم ، والاَربعين للخطيب البغدادي وغيرها فيما تتبعه السيد حسن الصدر (3).
إذن ، هناك من وافق الكليني من العامّة بأنّ للاِمام عليٍّ عليه السلام مصحفاً جمع فيه آيات القرآن الكريم ، ولم يسبقه أحدٌ من الصحابة إلى ذلك كما هو صريح رواية ابن سيرين .
وأمّا عن طبيعة هذا المصحف الشريف وماهيّته ، فإنَّ ذلك يُعرف من تدبّر رواية الكافي المتقدمة ، فإنَّ عبارة (كما اُنْزِل) و (كما نَزَّله الله تعالى) فيهما إشارة واضحة إلى أنّ طريقة الجمع كانت على ترتيب نزول الآيات ، وليس على الترتيب المتعارف اليوم من وجود بعض السور المدنية التي تحتوي على آيات مكية ، وبالعكس .
ولتوضيح ذلك نضرب المثال التالي ، فنقول :
إنّ آية التطهير وهي قوله تعالى : ( إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ) (4)لا يوجد نصٌ واحد في جميع كتب الحديث والتفسير قط يشير إلى نزولها مع آية اُخرى ، بل جميع النصوص المرويّة في المقام لدى الفريقين تصرح بنزولها مستقلة ، ومن كان له أدنى
________________________
(1) المصاحف : 16 .
(2) فهرست ابن النديم : 41 .
(3) تأسيس الشيعة لعلوم الاِسلام ، للسيد حسن الصدر : 316 .
(4) الاَحزاب 33 : 33 .
حظٍّ في متابعة كتب الحديث والتفسير يسلّم بهذه الحقيقة . وهي إمّا أنْ تكون نزلت في بيت أم سلمة وهو الارجح لكثرة الروايات في ذلك ، وإما في بيت عائشة ، كما هو صريح الروايات الخاصة بحديث الكساء ، إذْ فيها تصريح كل منهما : (نزلت هذه الآية في بيتي) ثم تقرأ الآية ، ولكنك ـ على الرغم من كثرة الروايات البالغة درجة التواتر والتي تصرح بهذه الحقيقة (1) تجد أنّ الآية في سورة الاَحزاب قد اتّصلت بكلام من الذكر الحكيم ، فكانت جزءَ آيةٍ لا آية ، حتى صار الجزآن آية واحدة ، وهي : (وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِليَّةِ الاَُولى وَأقِمْنَ الصَّلاةَ وَءَآتِينَ الزَّكاةَ وَأطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجَس أهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهِيراً) ثم قال تعالى بعد ذلك مباشرة ( وَاذْكُرْنَ ما يُتلَى فِي
____________
(1) تفسير الطبري 22 : 5 ـ 7 . والجامع لاحكام القرآن 14 : 182 . وتفسير ابن كثير 3 : 492 . والبحر المحيط 7 : 228 . والدر المنثور 3 : 603 ـ 604 . وفتح القدير 4 : 279 . ومسند أحمد 6 : 92 . وسنن الترمذي 5 : 351 | 3205 و 5 : 663 | 3787 و 5 : 699 | 3871 . وصحيح مسلم 4 : 1874 | 37 . والمعجم الكبير للطبراني 3 : 46 | 2662 ، و 3 : 47 | 3666 . و 3 : 49 | 2668 ، و 23 : 281 | 612 ، و 23 : 333| 768 ، و 23 : 334 | 773 ، و 23 : 336 | 779 ، و 23 : 396 | 947 . ومشكل الآثار 1 : 333. ومستدرك الحاكم 2 : 416 . ومصابيح السُنّة 2 : 277 . وجامع الاُصول 10 : 100 . ومجمع الزوائد 9 : 167 . وكنز العمال 13 : 163 | 36496 . وترجمة الاِمام الحسين عليه السلام في تاريخ دمشق ـ بتحقيق المحمودي ـ : 61 ـ 77 الاَحاديث من (77) إلى (111) . وتاريخ بغداد 10 : 278 | 5396 في ترجمة عبدالرحمن بن عليّ المروزي .
ويعلم من جميع هذه المصادر العاميّة أنّ آية التطهير آية مستقلة . وأمّا مصادر الشيعة فقد اتفقت على ذلك أيضاً . اُنظر : تفسير فرات الكوفي : 121 . وتفسير الحبري : 297 ـ 311 . وتفسير التبيان 8 : 339 . ومجمع البيان 8 : 462 ـ 463 . واُصول الكافي 1 : 187 | 1 . واكمال الدين 1 : 278 | 25 باب 24 . وسعد السعود : 106. والعمدة : 19 . ونهج الحق 1 : 88 . والصراط المستقيم 1 : 187 . وغاية المرام : 259 . والميزان 16 : 311 .
بُيُوتِكُنَّ مِن آياتِ اللهِ وَالحِكمَةِ إنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً ) (1).
ويلاحظ هنا اُمور عدّة ، نكتفي بذكر واحدٍ منها ، وهو :
إنَّ صدر الآية الاُولى ـ وهي الثالثة والثلاثون من سورة الاَحزاب ـ يختلف عن ذيلها اختلافاً كليّاً ، فلسان الصدر لسان الانذار والتهديد والوعيد ، ولسان الذيل لسان المدح والثناء والتعظيم .
فلو رفع الذيل ووصلت الآية الرابعة والثلاثون بصدر الثالثة والثلاثين لما حصل أدنى اختلاف في النظم البياني ، ولا البلاغي ، ولا الاِيقاعي ، ولا النغمي المعهود في فواصل الآيات ، ولجاء المعنى تامّاً خالياً من أدنى ملاحظة يمكن أن تترتب على رفع ذيل الثالثة والثلاثين . وهذا يدل على أنّ آية التطهير لم تكن في أصل النزول جزء آية بل آية تامة وإنّ وضعها في هذا المكان من سورة الاحزاب إمّا أنْ يكون بتوقيفٍ من النبي الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم أو بتصويب من جامعي القرآن الكريم بعده .
ونظير هذا بالضبط قوله تعالى ( اليَوْمَ أكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِسْلامَ دِيناً ) (2)فقد اتفق الطرفان على نزول هذه الآية الكريمة في غدير خمٍّ بعد إتمام البيعة لاَمير المؤمنين عليه السلام بروايات كثيرة لا مجال لدفعها بحال من الاَحوال (3). بينما نجد هذا القول
___________________________
(1) الاَحزاب 33 : 33 ـ 34 .
(2) المائدة 5 : 3 .
(3) نسب الخوارزمي الحنفي في كتابه مقتل الاِمام الحسين عليه السلام 1 : 48 رواية نزول هذه الآية الكريمة ـ بعد البيعة للاِمام عليٍّ عليه السلام مباشرة ـ إلى عدد من الصحابة ، وقال ماهذا نصه : «روى هذا الحديث ـ أي الحديث الخاص بنزول الآية بعد البيعة في غدير خم كما نقله الخوارزمي نفسه قبل هذا الكلام مباشرة ـ من الصحابة : عمر ، وعليّ ، والبرّاء بن عازب ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيدالله ، والحسين بن عليّ ، وابن مسعود ، وعمار بن ياسر ، وأبو ذر ، وأبو أيّوب ، وابن عمر ، وعمران بن حصين ، وبريدة بن الحصيب ، وأبو هريرة ، وجابر بن عبدالله ، وأبو رافع مولى رسول الله واسمه : اسلم ، وحبشي بن جنادة ، وزيد بن شراحيل ، وجرير بن عبدالله ، وأنس ، وحذيفة بن أُسيد الغفاري ، وزيد بن أرقم ، وعبدالرحمن ابن يعمر الدؤلي ، وعمرو بن الحمق ، وعامر بن شرحبيل ، وناجية بن عمر ، وجابر بن سمره ، ومالك بن الحويرث ، وأبو ذويب الشاعر ، وعبدالله بن ربيعة» .
الكريم هو جزء من آية من سورة المائدة ، على أنّ الجزء المتقدم عليه والذي بعده هو في بيان أحكام اللحوم.
فلو اتّصل الجزءان معاً ، ورفع ما يخص إتمام الدين ، لكان المعنى تامّاً، والنظم سالماً من أدنى ملاحظة تقال .
أمّا ما هو السرّ في جعل تلك الآيات أجزاء آياتٍ اُخرى ؟ فيمكن توضيحهُ فيما يأتي ، فنقول :
لا يخفى على أحد له حظ من العلم ، أنّ قوله تعالى : ( إنَّمَا وَلِيُكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ والذَّيِنَ آمَنُوا الذَّيِنَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ) (1). قد نزل في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام بالاتفاق على أثر التصدّق بخاتمه عليه السلام ، وهو راكع لله عزّ وجل (2).
____________
(1) المائدة 5 : 55 .
(2) من طريف ما يذكر عن بعض المفسرين أن أحد المنافقين المتسترين على نفاقهم من الصحابه قد تصدق على أثر نزول هذه الآية بأربعين خاتماً وكلها في اثناء الصلوات أملاً على أن ينزل بحقّه ما نزل بحق الاِمام عليّ عليه السلام ، قيل ـ والعهدة على الراوي القائل ـ فنزلت بحقه : ( لا صدق ولا صلى ) !!
وفي (دفاع عن الكافي) ، للسيد ثامر العميدي 1 : 102 ـ 112 ، تفصيل أسماء علماء العامّة من المحدثين والمفسرين الذين صرحوا بنزول الآية في الاِمام عليٍّ عليه السلام .
والسؤال : لماذا لم يذكر الله عز وجل أمير المؤمنين عليه السلام باسمه الشريف في هذه الآية ، بينما عبّر عنه بصورة الجمع ، مما كان ذلك مدعاة لحثالة من النواصب أن يصرفوها عن الاِمام عليّ عليه السلام ما استطاعوا ؟!
والجواب على الاِيجاز والاختصار ـ وهو للسيد شرف الدين في مراجعاته الخالدة ـ : إنّ الجمع هنا يفيد التعظيم حيث يستوجب ، ونكتة ألطف وأدق وهي إنّما جاء التعبير بالجمع مع إرادة المفرد بقياً منه تعالى على كثير من النّاس الذين لا يطيقون سماعها بصيغة المفرد، فالحكمة اقتضت مراعاة هؤلاء ؛ لكي لا يصدر منهم ما تخشى عواقبه من التضليل والتمويه .
ولا يبعد أنْ تكون آية التطهير وآية إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب سبحانه ، قد وضعت على ما هي عليه اليوم لنفس تلك الحكمة ، هذا مع القول بالترتيب التوقيفي الذي لم يثبت تواتره ، وأما مع القول الآخر ، فإنَّ ذا الحجى يدرك غايته .
وإذا ما عرفت هذا ، فاعلم أنّ المراد برواية الكافي هو جمع القرآن الكريم على ترتيب نزول آياته ، ويدل عليه ما أخرجه الشيخ المفيد بسنده عن الاِمام الباقر عليه السلام أنّه قال : اذا قام قائم آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ضربت فساطيط لمن يُعَلِّم الناس القرآن على ما انزله الله جلّ جلاله ، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم ؛ لاَنّهُ يخالف التأليف (1)أيّ : الترتيب .
ومعلوم من لسان روايات كثيرة أنّ مصحف الاِمام المهدي (عجلّ الله
____________
(1) الاِرشاد ، للمفيد 2 : 386 .
تعالى فرجه الشريف) هو عين المصحف الذي جمعه جدّه الاِمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، ومن هنا يتضح المراد من عنوان باب الكافي والحديث الذي ورد فيه ، وهو ـ والله العالم ـ أنّ جمع القرآن الكريم على ترتيب نزوله لم يتم على يد أحدٍ غير أمير المؤمنين عليه السلام ، ومن ادعى ذلك غير الاِمام عليّ وولده عليهم السلام وحفظه على ذلك الترتيب فهو كاذب. وليس المراد أنّه لم يجمع أحد القرآن الكريم مطلقاً غير الاِمام عليّ عليه السلام ، فافهم .
روايات التحريف في أهم كتب العامة .
ولكن هلمّ معي ننظر معاً ما في الصحيحين من روايات ، فهل يمكن لمنصف عاقل ان يتأولها بغير ما هو ظاهر من معناها بل وصريح فيه أيضاً .
ولعمري إذا لم تكن تلك الروايات مكذوبة على الله ورسوله ، فإنّ رواتها في الصحيحين لا يمكن إثبات نزاهتهم من خرافة تحريف القرآن الكريم ، وأما عن مذاهب العامّة فلم يسلم منهم أحد إلاّ بقدر همل النعم لما تقدم من إجماعهم على صحة ما في الصحيحين ، بل وتصريحهم بأن خبرهما لا سيما البخاري يفيد القطع، ولو كان فوق القطع أمر أعلى حجّة من القطع لنحلوه ـ على الاَقل ـ إلى ما اجتمع عليه الشيخان !
أمثلة أضغاث الباطل في كتب الصحاح :
وسوف نضرب لك من أضغاث الباطلالمسكوت عنهـ حتى صار حقاً؛ لاَنّه من (الصحيحين) ـ بعض الامثلة ، وعلى ذلك فقس ما سواه إلاّ ما ندر .
1 ـ في صحيح البخاري في كتاب المحاربين باب رجم الحبلى من الزنا بالاِسناد إلى عمر بن الخطاب ، قال : (.. ثم كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله :
أنْ لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ، أو إنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم) (1).
والغريب في هذه الآية أنّا وجدناها حديثاً من أحاديث أبي هريرة في صحيح مسلم في كتاب الاِيمان باب بيان حال من رغب عن أبيه وهو يعلم (2)ث. ولا يخفى أنّ في هذا المورد مايقطع بتهافت الصحيحين !!
2 ـ في صحيح مسلم في كتاب الرضاع باب التحريم بخمس رضعات بالاِسناد إلى عائشة ، قالت : «كان فيما اُنزل من القرآن : عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخت بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وهن فيما يُقرأ من القرآن» (3).
أقول : وكانت عائشة تفتي دون سائر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودون سائر الصحابة : بجواز رضاعة الكبير استناداً لآية الرضاع المزعومة ، وقد حصل هذا فعلاً لسهلة بنت سهيل حيث أرضعت من كان ذا لحية وشهد بدراً وهو سالم حليف زوجها أبي حذيفة ؛ لكي يصير له ابناً من الرضاعة ؛ حتى يذهب ما كان في نفس أبي حذيفة من دخول سالم عليها (4)!!!
3 ـ في صحيح البخاري في كتاب المحاربين ، باب رجم الحبلى من الزنا بالاِسناد إلى عمر ، قال : «فكان مما أنزل الله آية الرجم ، فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، رجم رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ورجمنا
____________
(1) صحيح البخاري 8 : 300 ـ 304 | 25 .
(2) صحيح مسلم 1 : 80 | 113 .
(3) صحيح مسلم 2 : 1075 | 1452 .
(4) المصدر نفسه .
بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله» (1)!!! .
وفي موضع آخر من صحيح البخاري في كتاب الاَحكام باب الشهادة تكون عند الحاكم ، والقول قول عمر : «لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي» (2)!!! .
وآية الرجم في فتح الباري بشرح صحيح البخاري هي : «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله» (3)والظاهر أنّ هذه الآية لم تحفظ كما ينبغي أن تحفظ ؛ لاَنّها وردت بألفاظ اُخر لا يعنينا أمرها .
أقول : هب أنَّ عفريتا من الجنّ ـ اسمه (نسخ التلاوة) ـ ابتلع هذه الرواية أفلا يدلّ قول عمر : (فاخشى إن طال بالناس زمان ...) وقوله : (لولا أن يقول الناس زاد عمر..) على أنّه كان يرى أنّ المصحف الماثل بين يديه ناقص من آية الرجم ، أو لا يدل على ذلك ؟!
«أفهنالك مجال للشك ؟ ( إنَا نَحنُ نَزَلنَا الذِكرَ وإنّا لَهُ لحافِظُون)» !!
ومن لم تكن له عين بصيرةفلا شك أن يرتاب والصبح مسفرٌ
4 ـ في صحيح البخاري في كتاب الجهاد والسير ، بالاِسناد إلى أنس في خبر إرسال النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبعين صحابيا من القراء إلى بعض القبائل العربية كرعل ، وذكوان ، وعصيّة ، وبني لحيان . قال البخاري «قال قتادة :
____________
(1) صحيح البخاري 8 : 300 ـ 304 | 25 .
(2) صحيح البخاري 9 : 125 .
(3) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 9 : 65 و 12 : 261 .
وحدثنا أنس أنهم قرأوا بهم قرآناً : (ألا بلغوا عنا قومنا بأنّا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا) ثم رفع بعد ذلك» (1)!
والعجيب في هذا الخبر أنّ البخاري قد صرح فيه أنَّ الاَعراب قد غدروا بجميع القّراء وقتلوهم حين بلغوا بئر معونة .
بمعنى أنّهم إمّا لم يتمكنوا من أداء مهمتهم ، لاَنّهم قُتِلوا قبل ذلك ، وأمّا أنّهم أدّوا مهمتهم ثم قتلوا قبل الوصول إلى المدينة .
والسؤال المحير هنا : كيف عَلِمَ أنس بهذه الآية التي قرأوها ولم يصل أحد منهم إلى المدينة ليخبر أنس بهذه الآيات النازلة ! التي قرأت ثم رفعت ؟ هذا مع أنّ الخبر موقوف على أنس ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يقال مثلاً أنّه من أخبار صاحب الوحي عليه السلام ، وهل بعد هذا يكون خبر الواحد الموقوف على صحابي من القرآن ؟
والسؤال الآخر : كيف رفع هذا القرآن ؟ من المكتوب (وهو المصحف)؟ أم من القلوب ؟ والاحتمال الاَوّل باطل ، إذْ لا نصّ عليه ولو برواية مكذوبة ، والثاني كذلك زيادة على عدم رفعه من قلب أنس أو غيره بدليل روايته ونقله .
5 ـ في صحيح البخاري في باب من لم ير بأساً أن يقول سورة البقرة وسورة كذا وكذا . بالاِسناد إلى عائشة قالت : «سمع النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قارئاً يقرأ من الليل في المسجد فقال : يرحمه الله ، لقد ذكرني كذا وكذا آية ، أسقطتها من سورة كذا وكذا» (2).
____________
(1) صحيح البخاري 4 : 167 ذيل الحديث | 261 .
(2) صحيح البخاري 6 : 240 .
ولست أدري هل توجد أعظم من هذه الفرية ؟. فالنبي يسقط آيات من القرآن !!!
وَمَن يَتَّبِع في أَمْرِهِ رأيَ جَاهلٍيُقِدْهُ إلى أمْرٍ مِنَ الغَيِّ مُنكَرِ
فَعَوِّدْ مَقَال الصِّدقِ نَفْسَكَوارْضِهِتُصَدَّق ، وَلا تَرْكَنْ إلى قَوْلِ مُفتَري
6 ـ في صحيح مسلم في كتاب الزكاة عن أبي موسى الاَشعري ، أنّه قال لقرّاء أهل البصرة ـ يعني بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسنين ـ : «.. وإنّا كنّا نقرأ سورةً كنّا نشبّهها في الطُول والشِدَّة ببراءة فأنسيتها ، غير أنّي حفظت منها : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملاَ جوف ابن آدم إلاّ التُّراب» (1).
والغريب جداً من مسلم صاحب الصحيح أنه أخرج هذه الآية المزعومة على انها حديث ولم يتعرض لنقدها (2). والاَغرب من كل هذا انه نسب إلى ابن عباس (ترجمان القرآن) انه قال بشأن (لو كان لابن آدم) : «فلا أدري أمن القرآن هو ، أم لا» (3)؟ .
7 ـ في صحيح البخاري وصحيح مسلم من كتاب الزكاة بالاِسناد إلى أبي موسى الاشعري ، قال : «وكنا نقرأ سورة نشبّهها بإحدى المسبّحات فأنسيتها ، غير أني حفظت منها : يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة» (4).
____________
(1) صحيح مسلم 2 : 726 | 1050 .
(2) صحيح مسلم 2 : 725 | 1048 | 116 و 117 .
(3) صحيح مسلم 2 : 725 | 118 .
(4) صحيح البخاري 8 : 115 . وصحيح مسلم 2 : 726 | 1050 (119) كتاب الزكاة . ومسند أحمد 3 : 122 و 243 و 4 : 368 و 6 : 55 . وسنن الدارمي 2 : 319 . ومجمع الزوائد 10 : 243 . والبرهان للزركشي 2 : 43 . والاتقان للسيوطي 3 : 83 .
أقول : إنَّ ضياع سور من القرآن في تلك المدعيات الباطلة ، أو إسقاط اُخَر منه ونحو ذلك مما مرَّ ليس بأعظم من المفتريات الاَُخَر التي احتضنتها روايات كتب الذين يتبجحون بالصراحة ويزعمون أنّهم لا يسكتون عن الباطل بل يشهّرون بأصحابه ويكفرونهم !!
من أمثال ما روي عن ابن عمر أنَّه قال : «لا يقولن أحدكم : قد أخذت القرآن كُلّه ، وما يدريه ما كُلّه ؟ قد ذهب منه قرآن كثير !! ولكن ليقل : قد أخذت منه ما ظهر» (1).
كما روى ابن أبي داود ، وابن الاَنباري ، عن ابن شهاب ـ كما في منتخب كنز العمال ـ أنّه قال : «بلغنا أنه كان أُنزل قرآن كثير ، فقتل علماؤه يوم اليمامة ، الذين كانوا قد وعوه ، ولم يُعلم بعدهم ولم يكتب» (2)!!
وأما عن إنكار ابن مسعود لسورة الفاتحة والمعوذتين فحدّث ولا حرج، حتى قال السيوطي : «قال ابن حجر : فقول من قال : أنّه كُذب عليه (أي على ابن مسعود) مردود ، والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل ، بل الروايات صحيحة ، قلت : وإسقاطه من مصحفه أخرجه أبو عبيد بسند صحيح»(3). على أن هذه الرواية الموصوفة بالصحة عن العامّة ، قد كذّبها الشيعة منذ أقدم العصور كما سنشير إليه وقد
____________
(1) الاِتقان في علوم القرآن 3 : 81 ـ 82 . ولا جرم على من كذّب على ابن عمر في هذا بعد أن كذب على أبيه بأنّ قرآنه مليون حرف ! كما مرّ .
(2) منتخب كنز العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد) 2 : 50 .
(3) الاتقان في علوم القرآن 1 : 273 .
ردها من العامّة السيالكوتي في حاشيته (1).
كما ان سورة الخلع ، وسورة الحفد قد كان أبو حفص عمر يقرأهما في صلاته وقنوته كما صرح بذلك السيوطي في تفسيره (2)فإذا ما أضفنا هذا إلى الرواية المسندة إليه بوجود مليون حرف في القرآن علمنا أنَّ آية الرجم التي عقلها ووعاها كما تقدم عن الصحاح إنما هي من القرآن المزعوم الذي هو في لغة الاعداد ومنطق الارقام يزيد على حروف كتاب الله العزيز حسب آخر إحصائية بـ (678820) حرفاً ، أي بما يعادل القرآن الكريم ثلاث مرات !! ولهذا ذهب ابن عمر ـ بعد أن انطلت عليه هذه الاكاذيب ـ إلى القول بضياع الكثير من القرآن كما مرّ آنفاً !
وأخيراً، لابدّ من الاِشارة هنا إلى أنّ الفضل بن شاذان (ت 260 هـ) وهو من فضلاء وفقهاء أصحاب الاَئمة من أهل البيت عليهم السلام ، قد أنكر على العامّة رميهم الصحابة بمثل هذه المفتريات الباطلة وعدّها من باب الوقيعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (3). فانظر إلى تحرّج الاَصحاب.
ومن لطيف ما احتج به الفضل رحمه الله تعالى على العامّة بكتابه الاِيضاح أنّه أورد ما نسبوه إلى عائشة بأنها قالت «لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً ، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري ، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها» (4)!!
____________
(1) حاشية السيالكوتي على شرح المواقف 8 : 251 من المجلد الرابع .
(2) الدر المنثور ، للسيوطي 8 : 696 .
(3) الاِيضاح ، للفضل بن شاذان : 229 .
(4) لقد أورد هذا الخبر المضحك المبكي ابن حزم في المحلى 11 : 235 المسألة رقم 2204 وقال : هذا حديث صحيح ! كما أخرجه الدميري في حياة الحيوان 1 : 464 عن عائشة مصرّحاً بوجوده في السنن الاَربعة .
فقد أنكر عليهم الفضل بن شاذان بما حاصله :
بانه ما استطاعت الاِنس والجنّ على أن تأتي بمثل القرآن ولو في آية من آياته ، ولا تمكن أعداء القرآن من تحريفه ، فكيف استطاع داجنكم أن يأكل من القرآن ، ويبطل فرضه ويسقط حجته ؟!
وأغرب ما وقفت عليه هو أنَّ الزمخشري في كشّافه ـ لمّا لم يستطع أن يجد تأويلا أو تبريراً مقنعاً يبين من خلاله كيف استطاع هذا الداجن الشيطان أن يتسلل إلى بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويفعل فعلته ـ حاول التملّص من الخبر واتهام الروافض في تلفيقه ؟ (1).
أقول : بعد أن عرفت من أخرجه من الصحاح والصحابة ، ومن ردّه وهو (الفضل بن شاذان) من (الرافضة) ، فاعلم أنّا مع الزمخشري في اعتقاد تلفيقه فافهم .
هذا ، وقد ذكر السيد الميلاني في (التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف) كلمات عِدّة من أعلام العامّة المتقدمين والمتأخرين يصرحون بأنَّ هذه زيادات موضوعة من بعض الزّنادقة.
إلى غير ذلك من الروايات المكذوبة عند العامّة ، والتي تمس القرآن الكريم صراحة (2).
____________
(1) الكشّاف ، للزمخشري 3 : 248 .
(2) للوقوف على المزيد من تلك الروايات المكذوبة في كتب العامّة . راجع : دفاع عن الكافي للسيد ثامر العميدي 2 : 440 ـ 504 ففيه مائة مثال من أمثلة صور التحريف عند العامّة وفي كتبهم .
كلمة موجزة عن كتب الحديث عند الفريقين
اِعلم ـ أخي المسلم ـ أنَّ كتب الحديث الاَساسية عند الشيعة هي أربعة كتب ، أولها الكافي لثقة الاِسلام الكليني (ت 329 هـ) ، ثم كتاب من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق (ت 381 هـ) ثم الاستبصار والتهذيب وكلاهما للشيخ الطوسي (ت 460 هـ) ، وقد سميت هذه الكتب بالاُصول الاَربعة .
والشيعة لا تنظر لاَيِّ منها على أنَّه أصحُّ كتاب بعد كتاب الله عز وجل ، بخلاف ما يراه العامّة في صحيحي البخاري ومسلم كما يبدو من تتبع أقوالهم قديماً وحديثاً ، ويكفي تسميتهم لها بـ (الصحاح) ! ناهيك عن غلوهم بالصحيحين .
فالذهبي مثلاً ، والسرخسي ، وابن تيمية ، وابن الصلاح قد صرّحوا بأنّ ما في الصحيحين يفيد القطع ، ذكر هذا الكشميري في فيض الباري على صحيح البخاري تحت عنوان : (القول الفصل في أنَّ خبر الصحيحين يفيد
القطع). وقال: (واعلم أنّه انعقد الاِجماع على صحّة البخاري ومسلم) (1)
ونجد ابن خلدون يصرح في تاريخه بأنَّ الاِجماع قد اتّصل في الاُمّة على تلقي الصحيحين بالقبول والعمل بما فيهما ، ثم قال : «وفي الاِجماع أعظم حماية ، وأعظم دفع» (2)يريد بهذا دفع أي قول بخلاف هذا باجماع العامّة !
وفي عمدة القاري (اتّفق علماء الشرق والغرب (يعني : علماء العامّة) على أنّه ليس بعد كتاب الله تعالى أصحّ من صحيحي البخاري ومسلم) (3)
ومن راجع مقدمة فتح الباري (4)، وعمدة القاري (5)، وإرشاد الساري(6)ٍ ، ووفيات الاعيان (7)، وصحيح مسلم بشرح النووي (8) وكشف الظنون (9)ج سيجد فيها اتفاق علماء العامّة على ذلك ، بل والاكثر من هذا أنّه اتفق مترجمو البخاري وشارحو كتابه على أنّه قال: أخرجت هذا الكتاب من مائتي ألف حديث صحيح وما تركته من الصحيح أكثر..!!
وفي مقابل هذا نجد الشيعة قديماً وحديثاً قد وقفوا موقفاً معتدلاً من
________________________
(1) فيض الباري ، للكشميري الديوبندي 1 : 57 .
(2) تاريخ ابن خلدون 1 : 556 الفصل | 52 .
(3) عمدة القاري شرح صحيح البخاري ، للعيني 1 : 5 .
(4) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، لابن حجر العسقلاني : 381 من المقدمة .
(5) عمدة القاري شرح صحيح البخاري 1 : 8 و 45 .
(6) ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري ، القسطلاني 1 : 29 .
(7) وفيات الاَعيان ، لابن خلّكان 4 : 208 .
(8) صحيح مسلم بشرح النووي ، النووي الشافعي 1 : 19 من المقدمة .
(9) كشف الظنون ، لحاجي خليفة 1 : 641 .
الكتب الاَربعة وعلى رأسها الكافي ابتداءاً من الشيخ الصدوق في كتابه من لا يحضره الفقيه باب الرجلين يوصى اليهما فينفرد كل واحد منهما بنصف التركة(1)وباب صوم التطوع وثوابه (2)، والشيخ المفيد في جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية (3)، والسيد الشريف المرتضى في جوابات المسائل الرسيّة (4)، وجوابات المسائل الطرابلسيات الثالثة(5). ، والطرابلسيات (6)، والتبّانيّات (7)، وغيرهم ممن جاء بعدهم من علماء الشيعة وإلى يومنا هذا .
فقد بينوا موقفهم الصريح المتحرر من قيود التعصب إزاء روايات الكافي وغيره من كتبهم الحديثية ، ولم يَغْلُ واحد منهم في أيٍّ منها ويُسَمِّها بغير اسمها، إذ لا يوجد في قاموس الشيعة كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه غير كتاب الله العزيز وكفى ، ولم يدّع أحد بأنَّ أخبار الكافي تفيد القطع ، ولا الاِجماع على صحة جميع ما فيه ، اللّهم إلاّ إذا استثنينا ما ذهب إليه الاَخباريون كالاَسترابادي الذي رام أن يجعل أحاديث الكافي قطعيّة الصدور لما اعتمده من قرائن لا تنهض بذلك باتفاق من عاصره وتأخر عنه ، ويكفي أنّه قد أنكر عليه هذا خاتمة
__________________________
(1) من لايحضره الفقيه 4 : 151 | 523 ـ 524 .
(2) من لايحضره الفقيه 2 : 55 | 241 .
(3) جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية : 19 و 20 و 21 و 22 .
(4) جوابات المسائل الرسيّة : 331 .
(5) جوابات المسائل الطرابلسيات الثالثة : 410 و 411 و 419 .
(6) جوابات المسائل الطرابلسيات الثالثة ، للشريف المرتضى : 211 .
(7) جوابات المسائل التبّانيّات ، للشريف المرتضى : 21 .
المحدثين وشيخ الاَخباريين الميرزا النوري ؛ في مستدرك الوسائل (1).
هذا ، والكليني قدس سره لم يصرّح بصحة أحاديث الكافي ، كما صرّح البخاري بصحة جميع أحاديث كتابه ، وتابعه على ذلك أهل العامّة حتى صرّحوا بإجماعهم عليه كما مرَّ .
أكاذيب حول كتاب الكافي بشأن شبهة التحريف :
فإذا علمت هذا ، فاعلم أنّه قد زعم بعضهم سكوت الشيعة المعاصرين عن أخطاء علمائهم السابقين ، بل ومحاولة الدفاع عن تلك الأخطاء التي توجب الكفر كروايات شبهة التحريف في كتاب الكافي للشيخ الكليني متسائلاً : أهنالك مجال للشك في تكفير من يروي التحريف ، والله تعالى يقول : ( إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون ) (2) ؟
رد هذه الأكاذيب ومعالجة تلك الشبهة :
أقول : إنّ تدارك الخطأ ـ مالم يكن عن عَمْدٍ ـ في أيِّ كتاب من كتب التراث عند جميع المسلمين بشتى مذاهبهم لا يتم بتكفير مؤلفه ، وإنّما يُكتفى في ذلك بالتنبيه على الخطأ لكي يُجتنب .
وأمّا لو كان ذلك الخطأ عن عَمْدٍ من مؤلفه ، فالاَمر مختلف ، كلٌ بحسب نوعية الخطأ وحجمه ومقدار تأثيره ، وفي كل ذلك تفصيل .
فلو فُرِضَ أنَّ ذلك الخطأ مما يستلزم الردّة ، وعَلِمَ صاحبُه بهذا وأصرَّ
____________
(1) مستدرك الوسائل ، للعلاّمة النوري 3 : 533 ، في الفائدة الرابعة من الخاتمة.
(2) الحجر 15 : 9 .
عليه ، فحكمه هنا ليس كحكم رِدّة الغالط ، والغافل ، والسّاهي، والمُكرَه وإنْ لم يكن في الواقع كذلك لكنه ادّعاه فيقبل منه ولا يحكم بردّته ولا يراق دمه . للاَصل الثابت عند جميع المسلمين في رفع حكم هذه الاَشياء كلها ، أعني : قوله صلى الله عليه وآله وسلم : رفع عن اُمّتي تسعة أشياء : الخطأ ، والنسيان ، وما أُكرهوا عليه ، وما لا يطيقون ، وما لا يعلمون ، وما اضطروا إليه ، والحسد ، والطيرة ، والتفكر في الوسوسة في الخلق مالم ينطق بشفة (1) هذا ما لم يثبت العكس ، فإنْ ثبت فينظر في إسلام المرء قبل ردته .
هل كان عن فطرة ، حتى يقتل من دون استتابة ؟ ؛ لحديث : من بدّل دينه فاقتلوه .
أم عن ملة فيستتاب ؟ فإنْ تاب فهو ، وإلاّ فالقتل بعد اليأس منه .
وعلى أية حال فإنَّ من يزعم نفي الشكّ في تكفير العلماء لمجرد فرض تحقق قولهم بشبهة تحريف القرآن الكريم ، قد أثبت لنا جهله بما لا مزيد عليه ، فهو لم يكن له سابق عهد لا بالقرآن الكريم ، ولا بفقه المسلمين ، ولا بكتب الحديث ، ولا بسيرة أرباب المذاهب وعلماء الاِسلام في التعامل مع الفرض المذكور ، فلا جرم عليه إذن فيما زعم ، للاَصل المذكور ، أعني : حديث رفع التسعة ، ومنها (ما لايعلمون) .
___________________________
(1) كتاب التوحيد ، للصدوق : 353 | 24 . والخصال 2 : 417 | 9 باب التسعة . ومن لايحضره الفقيه 1 : 36 | 132 باب 14 . والوسائل 15 : 369 | 20769 باب 65 من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد .
وقد صرّح فقهاء العامة ومفسروهم بان الاكراه إذا وقع على فروع الشريعة لا يؤاخذ المكره بشيء محتجين بحديث الرفع كابن العربي في أحكام القرآن 3 : 1177 | 1182 وغيره .
إنّ علماء الشيعة الاِمامية قد اتفقوا على تكفير بعض من كان من أصحاب الاَئمة عليهم السلام ، كأبي الخطّاب وأصحابه لعنهم الله ، وأطلقوا لقب (الكذّاب) على جعفر ابن الاِمام الهادي عليه السلام على الرغم من كونه ابن إمام وأخا إمام وعم إمام من أئمة أهل البيت عليهم السلام . فهم لا يخشون في الله لومة لائم في تكذيب الكاذب ولعن الضال المنحرف الكافر ، بل يكفّرونه كائناً من كان ، ولهذا تراهم يلعنون من أخرج له البخاري في صحيحه حديث لبس الحرير ، أعني : عمران بن حطان السدوسي شاعر الخوارج الذي رثى عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله لقتله مولى المتقين عليه السلام ، بقصيدته التي يقول فيها :
يا ضربةً من تقيٍّ ما أراد بهاالا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
في حين نرى من يدافع عنه من الطرف الآخر وينقل عن العجلي وغيره توثيقه(1)!!!
فاين ذهب الاِنصاف يا ترى ؟! وما عدا مما بدا ؟! ومَنِ السّاكت على الباطل والمدافع عنه منا ؟
ما بال عينك لا ترى أقذائهاوترى الخفيّ من القذى بجفوني
مناقشة أصل الشبهة واثبات تهافت حججهم
هذا ، وأمّا إذا عدنا إلى أصل الشّبهة فإنّا لا نجد ما يدلّ عليها في كتاب الكافي على نحو يقطع به على ترسّخ مقولة التحريف عند الكليني ، ويشهد لذلك أنّ المستدلين على أن مذهب ثقة الاِسلام هو التحريف قد
___________________________
(1) مقدمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري : 432 .
تمسكوا بحجّتين :
الحجة الأولى : رواية الكليني لروايات التحريف :
زعم مثيروا هذه الشبهة أنّ الكليني روى روايات في هذا المعنى ولم يتعرض لقدحها .
مناقشة الحجة الأولى :
اعلم ان جواب حجتهم الاُولى يكون من الكافي نفسه ، مع التنبيه بأنا لا نسلّم بأنَّ الكليني قدس سره روى صريحا في هذا المعنى إلاّ في رواية واحدة (اشتبه النسّاخ فيها) ذكرها في باب أطلق عليه اسم (النوادر)، وأما ما عداها فلا دليل على أنه مسوق في دائرة التحريف، وإليك التفصيل :
أما الرواية التي شُنَّع بها على الكافي والشيعة أيضاً ، فهي ما ورد في باب النوادر من اُصول الكافي 2 : 463 | 28 بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال : إنَّ القرآن الذي جاء به جبرئيل عليه السلام إلى محمّد صلى الله عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية .
وبغض النظر عن مناقشة سند الرواية ، فإنّها لم تخرج إلاّ من طريق واحد وفي الكافي فقط دون جميع كتب الحديث الشيعية ، فهي إذن من أخبار الآحاد . كما أنها مخرّجة في باب النوادر ، والنادر هو الشاذ الذي لا عمل عليه ، وقد ورد تصريح الاِمام الصادق عليه السلام وفي الكافي نفسه بترك الشاذ الذي ليس بمشهور ، والاَخذ بالمجمع عليه ؛ لاَن المجمع عليه لا ريب فيه (1)ظ. . وهذا يعني أنَّ الكليني ؛ كان على بيّنة تامة من شذوذ تلك
__________________________
(1) اُصول الكافي 1 : 68 | 10 باب اختلاف الحديث .
الرواية ؛ لاَنه هو نفسه الذي صنفها في باب النوادر ، وهو نفسه الذي روى حديث ترك الشاذ النادر ، فكيف يُعقل بعدئذ القول باعتقاده بصحة ما رواه في خصوص ذلك المورد الشاذ النادر ؟!
فاذا ضُمّ هذا إلى ما تقدم من عدم وجود القائل بقطعية صدور أخبار الكافي، وعدم تصريح الكليني ولا شهادته بصحة جميع ما في كتابه ، مع ما ذكره من قواعد تمييز الخبر الصحيح من غيره في باب كامل من أبواب أصول الكافي ، ذكر فيه اثني عشر حديثاً بمعرفة تلك القواعد (1)، وأولاها الاَخذ بما وافق شواهد الكتاب العزيز ، والسُنّة الثابتة . عُلِمَ حقيقة موقف الكليني من أخبار الآحاد النّادرة الشّاذة التي لم تعتضد بقرينة عقلية أو نقلية مع مخالفتها لاجماع الشيعة الاِمامية على نفي التحريف عن ساحة القرآن الكريم نفياً باتاً كما هو صريح كلام الشيخ الصدوق (ت 381 هـ) ، والشيخ المفيد (ت 413 هـ) ، والسيد المرتضى (ت436هـ) ، والشيخ الطوسي (ت 460 هـ) ، وغيرهم الكثير من أعلام الطائفة وشيوخها كما استقرأه العلاّمة السيّد عليّ الميلاني في كتابه (التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف) (2).
ولكن قد يقال : بأنه إذا كان رأي الكليني كما ذكرتم إزاء هذا الخبر فلماذا رواه اذن ؟! وهل هنالك من فائدة في رواية خبر مكذوب مثلاً؟!
_______________________
(1) اُصول الكافي 1 : 55 | 1 ـ 12 .
(2) وقد سبق وان أصدر مركزنا كتاباً بعنوان (سلامة القرآن من التحريف) وفيه جملة وافية لمن أراد الوقوف على معرفة أدلة الشيعة الاِمامية على نفي التحريف عن القرآن الكريم واثبات سلامته بأدلة شتى من القرآن الكريم والسُنّة المتواترة وسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة أهل البيت عليهم السلام والاجماع والعقل والتاريخ .
والجواب : أنا لا نسلّم أن خبر الكافي هذا قد كان بعين لفظه المذكور (سبعة عشر الف آية) عند الكليني ، بل الظاهر تحريفه اشتباها من النساخ، والصحيح كما في بعض النسخ المعتمدة (سبعة آلاف آية) ، فكأن الناسخ لهذا الخبر استقل العدد (سبعة الاف) فكتب بدلاً عنه : (سبعة عشر الف آية) .
ومما يدلّ على ذلك هو نقل علماء الشيعة ، وبعض العامّة لهذه الرواية بالذات عن الكافي سنداً ومتناً وبلفظ (سبعة آلاف آية) .
وهذا صريح بوقوع الاختلاف في نسخ الكافي بخصوص هذا المورد وفي تلك العبارة بالذات ، ومع اختلاف نسخ الكافي بخصوص المورد المذكور يسقط الاحتجاج بما هو مخالف لمبنى الكليني ؛ في ترك الشاذ النادر الذي ليس بمشهور والاخذ بالمجمع عليه كما مرّ بتصريح الكليني نفسه .
وأما من نقل العدد (سبعة آلاف آية) عن الكافي فهم :
1 ـ المحقق الفيض الكاشاني (ت 1041 هـ) (1).
2 ـ موسى جار الله التركستاني (ت 1369 هـ) (2).
3 ـ عبد الله بن عليّ القصيمي الوهابي (3).
________________________
(1) صيانة القرآن من التحريف ، لمحمّد هادي معرفة : 223 .
(2) الوشيعة في نقد عقائد الشيعة : 23 .
(3) الصراع بين الاِسلام والوثنية : 71 .
4 ـ ابو زهرة (ت 1394 هـ) (1).
5 ـ الدكتور الوهابي أحمد محمّد أحمد جلي (2).
6 ـ إحسان إلهي ظهير (3).
وإذا تقرر هذا لاستحالة اتفاق هؤلاء ـ وهم من أقطار شتى ـ على شيء لصالح الكافي وفيهم من هو رافع عقيرته للتشنيع على مؤلفه ومذهبه ، فأعلم أنَّ ظاهر العدد (سبعة آلاف آية) ليس مسوقاً لغرض الاِحصاء المنطبق مع عدد الآي ، بل جاء ذلك من باب إطلاق العدد التّام المتناسب مع الواقع بعد حذف الكسور أو تتميمها كما هي العادة والمتعارف في الاستعمال من باب التسامح بعدم تعلق الغرض بذكر الكسر الناقص أو الزائد ، إذ المعلوم أن عدد آيات القرآن الكريم لا يبلغ السبعة آلآف آية وإنّما هو (6236) آية (4).
وهذا نظير ما اشتهر في الرواية من أن الاِمام زين العابدين عليه السلام لم يزل باكياً بعد شهادة أبيه الحسين عليه السلام أربعين سنة ، مع أنّ الاِمام زين العابدين عليه السلام لم يعش بعد واقعة كربلاء أكثر من خمس وثلاثين سنة بالاتفاق .
وهذا بخلاف مالو أريد التصريح بالعدد المطابق للواقع كما في روايات
____________
(1) الاِمام الصادق : 323 .
(2) دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين : 228 .
(3) الشيعة والقرآن : 31 .
(4) هذا بحسب ما أحصيناه من آيات المصحف الشريف .
تلك الشبهة في كتب العامّة ، والتي سنذكر طرفاً منها تحت عنوان :
نظائر رواية الكافي في كتب العامة
أخرج السجستاني عن يحيى بن آدم أنّه قال عن أسباع القرآن : إنَّ السُّبعَ الاَوْل (547) آية ، والسبع الثاني (590) آية ، والسبع الثالث (651) آية ، والسبع الرابع (953) آية ، والسبع الخامس (868) آية ، والسبع السادس (986) آية ، والسبع الآخِر (1624) آية .
قال في المصاحف بعد أن أخرج ذلك عن يحيى بن آدم : «فجميع آي القرآن ستة آلآف آية ومائتا آية وتسع وعشرون، في الجملة نقصان ثلاثون آية خطأ في الحساب» (1).
أقول : العدد ليس كما ذكره، إذ حاصل مجموع الآيات في هذه الاَسباع هو (6219) آية ، ومع إضافة الثلاثين آية إلى هذا العدد يكون الناتج : (6249) آية ، وأما مع إضافة الثلاثين إلى العدد الذي ذكره السجستاني سيكون المجموع (6259) آية ، هذا في صورة فرض التحريف في العدد الاَول سهواً من الناسخ ، ولا يخفى أنَّ تلك الاَعداد برمتها لا تنطبق مع الواقع على الرغم من إرادة الانطباق بدليل ذكر الكسور. والموجود في المصحف الشريف بحسب النسخة المطبوعة بمجمع الملك فهد بن عبد العزيز بالمدينة المنورة لسنة (1414 هـ) هو : (6236) آية . ولا شك ان هذا الفارق له أثره ؛ لان المراد من إحصائهم لآيات القرآن الكريم بحسب الاَسباع ليس هو العدد النسبي المقارب لآيات المصحف ، وإنّما أرادوا
________________________
(1) المصاحف ، للسجستاني : 134 .
العدد المنطبق معها، فكان من الضروري التنبيه عليه !
على أن مشكلة إحصاء العامّة لِمَا في القرآن الكريم من سور أو آيات لم تقف عند هذا الحد كما سيتضح من رواياتهم :
فعن عروة بن الزبير ، عن عائشة قالت : «كانت سورة الاَحزاب تُقرأ في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مائتي آية ، فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلاَّ ما هو الآن» (1)!! .
وعن زر بن حبيش قال : «قال لي أبيُّ بن كعب : كم تقدّرون سورة الاَحزاب؟ قلت : إمّا ثلاثاً وسبعين آية ، أو أربعاً وسبعين آية . قال : إنْ كانت لتقارن سورة البقرة ، أوْلهيَ أطول منها» !!
قال ابن حزم في المحلّى عن إسناد هذه الرواية : «هذا إسناد صحيح لا مغمز فيه» (2)اًن !!
وإذا ما علمت أنّ في سورة البقرة (286) آية ، وفي الاَحزاب (73) آية فإنّه سيكون المقدار الناقص من آياتها بموجب هذه الرواية (صحيحة الاسناد !!) هو (213) آية أو أكثر من ذلك «أو لهي أطول منها» أمّا مقداره في قول عائشة فهو (127) آية ، بينما نجد ابن حبّان في صحيحه يروي عن أبيُّ بن كعب بأن سورة الاَحزاب توازي سورة النور (3)، وسورة النور (64) آية .
____________
(1) الدر المنثور ، للسيوطي 5 : 180 . والاتقان في علوم القرآن ، للسيوطي 3 : 82.
(2) المحلّى ، لابن حزم 11 : 234 مسألة 2204 . والاتقان 3 : 82 . ومعالم التنزيل 1 : 136 . وفواتح الرحموت 2 : 73 .
(3) البرهان في علوم القرآن ، للزركشي 2 : 41 ـ 42 .
ومن مراجعة صحيح مسلم ، والبرهان للزركشي ، والدر المنثور في تفسير سورة البينة ، يعلم أنّ إحصاءهم ـ أو قل : تقديرهم لعدد آيات سورة البينة ـ ينقص عما هو عليه اليوم (121) آية ؛ لاَنّهم رووا عن أبي موسى الاَشعري وغيره ، بأنَّها في الطُّول كسورة براءة (1)أي : (921) آية ! بينما المصحف الشريف يشهد على كونها ثمان آيات فقط .
على أنّ ما قدمناه أهون بكثير من إحصاء عمر بن الخطاب لحروف القرآن الكريم كما في رواية الطبراني ، وقد شهد على ذلك السيوطي في الاِتقان ، وإليك نص ما نسبه إلى عمر من أنَّه قال :
«القرآن ألف ألف حرف ، من قرأه صابراً محتسباً كان له بكل حرف زوجة من الحور العين» (2).
وهنا لابدّ من وقفة قصيرة فنقول :
إنّ المنقول في احصاء حروف القرآن هو :
عن ابن مسعود : ( 322670 ) حرفاً .
وعن ابن عباس قولان :
أحدهما : (323621) حرفاً .
والآخر : (323670) حرفاً .
وعن مجاهد : (320621) حرفاً .
__________________________
(1) صحيح مسلم 2 : 726 | 1050 . والبرهان في علوم القرآن 1 : 43 . والدر المنثور 8 : 587.
(2) الاتقان في علوم القرآن : 242 ـ 243 نقله عن الطبراني .
وعن إبراهيم التيمي : (323015) حرفاً .
وعن عبد العزيز بن عبدالله : (321200) حرفاً .
وعن غير هؤلاء (321000) حرفاً .
وكلّ هذه الاستقراءات ذكرها الفقيه أبو الليث نصر بن محمّد السمرقندي الحنفي في كتابه بستان العارفين (1).
بيد أنّ المنقول عن أكثر القراء هو : (323671) حرفاً .
ولكنّ الاحصاء الكومبيوتري يشير إلى أن عدد حروف القرآن الكريم يساوي (330733) حرفاً ، ومنه يعلم عدم مطابقة استقراءات العامّة باجمعها لواقع حروف القرآن الكريم .
وقد مرَّ عن عمر بأنَّ حروف القرآن مليون حرف . ومع مقارنة هذا العدد مع أي عدد آخر مما ذكرنا يكون الناقص من حروف القرآن الكريم ـبموجب هذه الرواية العاميّة الخبيثة ـ يزيد على ضعفي القرآن الكريم.
( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخرُجُ مِنْ أفواهِهِمْ إن يَقُولُونَ إلاَّ كَذِباً ) (2).
هذا ما علمته عن رواية الكافي في باب النوادر ، والغرض منها حقيقة وواقعاً يختلف اختلافاً كلياً بالقياس إلى ما سمعته من الاستقراءات الباطلة بأجمعها
_________________________
(1) بستان العارفين ، مطبوع بذيل كتاب تنبيه الغافلين في الموعظة بأحاديث سيد الانبياء والمرسلين ، وكلاهما لاَبي الليث الفقيه السمرقندي الحنفي : 457 الباب 149 .
(2) الكهف 18 : 5 .
عودة إلى بعض روايات الكافي :
هذا وأمّا ما قيل في حجتهم الاُولى بزعمهم أنّ في الكافي روايات كثيرة بهذا المعنى (أي التحريف) ، فهو قول باطل ؛ لاَنّ جميع الروايات الاُخرى لا دلالة فيها على المدّعى ، ولكنها لم تفهم دلالتها كما ينبغي ، فهي إمّا بخصوص اختلاف القراءة القرآنية ، او زيادة توضيحية ، أو تأويل النص أو تفسيره كما بيّن كلّ في محله بدراسة نقدية تفصيلية لجميع تلك الروايات ومناقشتها سنداً ودلالة (1). وإليك بعضها :
1 ـ روى الكليني بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قرأ رجل على أمير المؤمنين عليه السلام ( فَإنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ ولَكِنَّ الظَّالِمينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ)(2)فقال : بلى والله لقد كذبوه أشدّ التكذيب ، ولكنها مخففة (لايُكْذِبُونَكَ) : لا يأتون بباطل يكذبون به حقك (3).
وقد بين الطبرسي في مجمع البيان أنّ قراءة التخفيف هي قراءة نافع ، والكسائي ، والاَعشى عن أبي بكر ، وأنها قراءة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، وهو المروي عن الصادق عليه السلام ، أمّا الباقون فقد قرأوا بفتح الكاف مع
التشديد (4). ونظير هذه الرواية في الكافي روايات أخر أيضاً ، كقراءة ،
(ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُم ) (5)بـ (ذو عدل منكم) (6)وغيرها ، ولا يخفى ان هذا
_________________________
(1) تفصيل ذلك في دفاع عن الكافي ، للسيد ثامر العميدي 2 : 333 ـ 440 .
(2) الاَنعام 6 : 33 .
(3) روضة الكافي 8 : 200 | 241 .
(4) مجمع البيان 4 : 367 .
(5) المائدة 5 : 95 .
(6) روضة الكافي 8 : 205 | 247 .
من الاختلاف في القراءة ولا علاقة له بدعوى التحريف ، ولكن من مثل إحسان الهي ظهير وغيره لا يستبعد منهم التشهير بمثل هذه الروايات على الكافي (1)ك . بسبب جهلهم أو ارادتهم الشغب والتشويه .
2 ـ وعن أبي جعفر عليه السلام انه قرأ ( ولَوْ أنَّهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُون بِهِ (في عليّ) لَكَانَ خَيْراً لَّهُم ) (2)، وقد وردت روايات اُخَر فيها التصريح باسم الاِمام عليّ عليه السلام إمّا في وسط الآي ، أو في موضع آخَر منها ماروي عن أبي عبد الله عليه السلام : ( هَذَا صِرَاطٌ (عليّ) مُستَقِيمٌ ) (3).
وهذه الزيادات لا شك ولا شبهة في كونها زيادات توضيحية لا أنها من أصل المصحف الشريف ، والدليل على ذلك ما رواه الكليني نفسه من طريقين عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل : ( أطِيعُوا اللهَ وأطِيعُوا الرَّسُول واُوِلي الاَمْرِ مِنكُم ) (4)فقال عليه السلام : نزلت في عليٍّ بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام (فقلت له : إنّ الناس يقولون : فماله لم يسمِّ عليّا وأهل بيته عليهم السلام في كتاب الله عز وجل ؟ فقال عليه السلام : قولوا لهم : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي فسر ذلك لهم ، ونزلت عليه الزكاة ولم يسم لهم من كل أربعين درهماً درهمٌ ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ هو الذي فسر ذلك لهم ـ ونزل الحج فلم يقل لهم : طوفوا اسبوعاً
_________________________
(1) اُنظر مفترياتهم في الشيعة وتحريف القرآن ، لمحمّد مال الله : 62 . والشيعة والقرآن ، لاحسان إلهي ظهير : رقم 291 و 298 .
(2) النساء 4 : 66 . والرواية في اُصول الكافي 1 : 345 | 28 .
(3) الحجر 15 : 41 . والرواية في أُصول الكافي 1 : 351 | 63 .
(4) النساء 4 : 59 .
حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي فسر ذلك لهم ، ونزلت ( اطيعوا اللهَ واطيعوا الرسولَ وأُولي الاَمرَ مِنكُم ) نزلت في عليّ والحسن والحسين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : في عليّ : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ؛ وقال صلى الله عليه وآله وسلم : أُوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي ، فاني سألت الله عزّ وجلّ أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما عليَّ الحوض ، فأعطاني ذلك (1).
ولو كانت تلك الزيادات من أصل المصحف في نظر أهل البيت عليهم السلام لكان الجواب بها أولى من حوالة السائل على ما فسرته السُنّة المطهّرة كما لا يخفى .
3 ـ وعن الاِمام الصادق عليه السلام قال : كان عليّ بن الحسين عليه السلام يقول : (إنَّا أنزَلنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ (صدق الله عزّ وجل انزل الله القرآن في ليلة القدر) وَمَآ أدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا ادري ، قال الله عز وجل) لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألفِ شَهرٍ ) ليس فيها ليلة القدر (2).
أقول : إنَّ وضوح هذه الزيادات لا يخفى على أحد أنها زيادات ليست من أصل المصحف في عقيدة الكليني وقد ورد نظيرها من الزيادات التوضيحية في صحيحي البخاري ومسلم ، من ذلك ما أخرجاه عن ابن عباس ، أنه قال : «كان رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم إذا اُنزِل جبريل بالوحي وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه ، فيشتد عليه ، وكان يعرف منه فأنزل الله : ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعجَلَ بِهِ (أخذه) إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وقُرْآنَهُ (ان علينا أن نجمعه في صدرك وقرآنه فتقرأه) فَإذَا قَرَأنَاهُ
_______________________
(1) أُصول الكافي 1 : 226 | 1 .
(2) أُصول الكافي 1 : 193 | 4 .
فَاتَّبِع قُرآنَهُ ) (1).
على أنّ السيوطي أخرج في الدر المنثور عن عبدالرزاق ، وعبد بن حميد وابن جرير ، ومحمّد بن نصر ، وابن المنذر ؛ عن قتادة في قوله تعالى : ( لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألفِ شَهْرٍ ) قال : خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر (2)ي? . وأخيراً ، فإنّ الكليني نفسه قد أورد سورة القدر كاملة من غير هذه الاِيضاحات بتلاوة الاِمام الصادق عليه السلام (3).
وما يقال عن غير ما ذكرنا هو عين ما يقال هنا فلا حاجة إلى التطويل .
الحجة الثانية : احتجاجهم بعناوين أبواب الكافي :
فقد احتجوا بما عنونه الكليني في اُصول الكافي من الاَبواب ، ويقصدون بذلك (باب أنّه لم يجمع القرآن كله إلاّ الاَئمة عليهم السلام ) ، بتقريب أنّ مذاهب العلماء تعلم غالباً من عناوين أبواب كتبهم .
وهذا هو ما تمسك به مثيرو هذه الشبهة حول كتاب الكافي كإحسان إلهي ظهير ، ومن سبقه ، أو من جاء بعده (4)، ولا حجة ثالثة لهم على مايزعمون فيما استقصيناه وتتبعناه .
_________________________
(1) القيامة 75 : 16 ـ 18 . وصحيح مسلم 1 : 330 | 147 ـ 148 باب الاستماع إلى القراءة . وصحيح البخاري 6 : 240 باب الترتيل في القراءة .
(2) الدر المنثور 8 : 568 ـ 569 .
(3) روضة الكافي 8 : 222 | 280 .
(4) الشيعة والقرآن : 73 . ورجال الشيعة في الميزان : 167 . والشيعة وتحريف القرآن : 64 . ودراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين : 227 وغيرها الكثير من كتب الوهابية وما ذكرناه فهو نموذج منها .
جواب الحجة الثانية :
وأمّا عن حجتهم الثانية ، وهي ـ كما عرفت ـ التمسك بعناوين الاَبواب فنقول في جوابها : إنّها ينبغي أن تكون تلك الحجة للكليني بعد عكسها لا عليه .
ولتوضيح ذلك نقول : إنّه عنون قدس سره في الكافي باباً بعنوان (الاَخذ بالسُنّة وشواهد الكتاب) وقد أودع فيه جملة من الروايات نذكر منها :
1 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنّ على كل حقٍّ حقيقةً، وعلى كل صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه (1).
وواضح أنّ المراد من الترك لما خالف الكتاب هو ترك العمل به بعد ثبوت كون المخالفة على نحو اليقين وليس المخالفة المشكوك فيها والتي يمكن معالجتها .
2 ـ وعن أبي عبد الله عليه السلام : كل شيء مردود إلى الكتاب والسُنّة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف (2).
3 ـ وعنه عليه السلام قال : خطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنى ، فقال : أيّها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله (3)
_______________________
(1) اُصول الكافي 1 : 55 | 1 .
(2) اُصول الكافي 1 : 55 | 3 .
(3) اُصول الكافي 1 : 56 | 5 .
وإذا كانت مذاهب العلماء تعرف من خِلال أبوابهم كما يدعي هؤلاء ، فَلِمَ لا يكون مذهب الكليني هو رد كل حديث لا يوافق كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، والحكم عليه بأنه من زخرف القول ، وأنّه لم يقله نبيٌّ ولا وصيٌّ ؟
ومن ثم فإن الباب الذي عقده الكليني في اُصول الكافي بعنوان : «إنّه لم يجمع القرآن كله إلاّ الاَئمة عليهم السلام وإنّهم يعلمون علمه كله» لا دلالة في العنوان على وجود نقص في آيات القرآن الكريم الموجود عندنا ولا زيادة فيها في ما جمعه الاَئمة عليهم السلام ، وهذا ما أوضحه الكليني نفسه في أحاديث الباب المذكور ، وربما قد لا يتفطن لذلك إلاّ النابه الذكي .
فقد جاء في الحديث الاَوّل من الباب المذكور بسند صحيح عن الاِمام الباقر عليه السلام أنّه قال : ما ادّعى أحدٌ من النّاس أنّه جمع القرآن كله كما اُنزِل إلاّ كذابٌ ، وما جمعه وحفظه كما نزّله الله تعالى إلاّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام والاَئمة من بعده عليهم السلام (1).
وفهم هذا الحديث على حقيقته لا يتم إلاّ ببيان جهتين :
الاُولى : إثبات أنّ للاِمام عليٍّ عليه السلام مصحفاً .
والاُخرى : بيان ماهية هذا المصحف . فنقول :
أمّا إثبات أنّ للاِمام عليٍّ عليه السلام مصحفاً ، فهذا ما صرّح به أعلام العامّة أنفسهم ، فقد أخرج السجستاني بسنده عن ابن سيرين قال : «لما توفي النبي صلّى الله عليه (وآله) وسلم أقسم عليٌّ أن لا يرتدي برداء الا لِجُمْعَةٍ
____________
(1) اُصول الكافي 1 : 178 | 1 .
حتى يجمع القرآن في مصحف ، ففعل»(1).
وقد صَرّح بهذا ابن النديم (2)، كما ذُكر في اتقان السيوطي ، وسنن أبي داود، وحلية الاَولياء لاَبي نعيم ، والاَربعين للخطيب البغدادي وغيرها فيما تتبعه السيد حسن الصدر (3).
إذن ، هناك من وافق الكليني من العامّة بأنّ للاِمام عليٍّ عليه السلام مصحفاً جمع فيه آيات القرآن الكريم ، ولم يسبقه أحدٌ من الصحابة إلى ذلك كما هو صريح رواية ابن سيرين .
وأمّا عن طبيعة هذا المصحف الشريف وماهيّته ، فإنَّ ذلك يُعرف من تدبّر رواية الكافي المتقدمة ، فإنَّ عبارة (كما اُنْزِل) و (كما نَزَّله الله تعالى) فيهما إشارة واضحة إلى أنّ طريقة الجمع كانت على ترتيب نزول الآيات ، وليس على الترتيب المتعارف اليوم من وجود بعض السور المدنية التي تحتوي على آيات مكية ، وبالعكس .
ولتوضيح ذلك نضرب المثال التالي ، فنقول :
إنّ آية التطهير وهي قوله تعالى : ( إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ) (4)لا يوجد نصٌ واحد في جميع كتب الحديث والتفسير قط يشير إلى نزولها مع آية اُخرى ، بل جميع النصوص المرويّة في المقام لدى الفريقين تصرح بنزولها مستقلة ، ومن كان له أدنى
________________________
(1) المصاحف : 16 .
(2) فهرست ابن النديم : 41 .
(3) تأسيس الشيعة لعلوم الاِسلام ، للسيد حسن الصدر : 316 .
(4) الاَحزاب 33 : 33 .
حظٍّ في متابعة كتب الحديث والتفسير يسلّم بهذه الحقيقة . وهي إمّا أنْ تكون نزلت في بيت أم سلمة وهو الارجح لكثرة الروايات في ذلك ، وإما في بيت عائشة ، كما هو صريح الروايات الخاصة بحديث الكساء ، إذْ فيها تصريح كل منهما : (نزلت هذه الآية في بيتي) ثم تقرأ الآية ، ولكنك ـ على الرغم من كثرة الروايات البالغة درجة التواتر والتي تصرح بهذه الحقيقة (1) تجد أنّ الآية في سورة الاَحزاب قد اتّصلت بكلام من الذكر الحكيم ، فكانت جزءَ آيةٍ لا آية ، حتى صار الجزآن آية واحدة ، وهي : (وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِليَّةِ الاَُولى وَأقِمْنَ الصَّلاةَ وَءَآتِينَ الزَّكاةَ وَأطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجَس أهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهِيراً) ثم قال تعالى بعد ذلك مباشرة ( وَاذْكُرْنَ ما يُتلَى فِي
____________
(1) تفسير الطبري 22 : 5 ـ 7 . والجامع لاحكام القرآن 14 : 182 . وتفسير ابن كثير 3 : 492 . والبحر المحيط 7 : 228 . والدر المنثور 3 : 603 ـ 604 . وفتح القدير 4 : 279 . ومسند أحمد 6 : 92 . وسنن الترمذي 5 : 351 | 3205 و 5 : 663 | 3787 و 5 : 699 | 3871 . وصحيح مسلم 4 : 1874 | 37 . والمعجم الكبير للطبراني 3 : 46 | 2662 ، و 3 : 47 | 3666 . و 3 : 49 | 2668 ، و 23 : 281 | 612 ، و 23 : 333| 768 ، و 23 : 334 | 773 ، و 23 : 336 | 779 ، و 23 : 396 | 947 . ومشكل الآثار 1 : 333. ومستدرك الحاكم 2 : 416 . ومصابيح السُنّة 2 : 277 . وجامع الاُصول 10 : 100 . ومجمع الزوائد 9 : 167 . وكنز العمال 13 : 163 | 36496 . وترجمة الاِمام الحسين عليه السلام في تاريخ دمشق ـ بتحقيق المحمودي ـ : 61 ـ 77 الاَحاديث من (77) إلى (111) . وتاريخ بغداد 10 : 278 | 5396 في ترجمة عبدالرحمن بن عليّ المروزي .
ويعلم من جميع هذه المصادر العاميّة أنّ آية التطهير آية مستقلة . وأمّا مصادر الشيعة فقد اتفقت على ذلك أيضاً . اُنظر : تفسير فرات الكوفي : 121 . وتفسير الحبري : 297 ـ 311 . وتفسير التبيان 8 : 339 . ومجمع البيان 8 : 462 ـ 463 . واُصول الكافي 1 : 187 | 1 . واكمال الدين 1 : 278 | 25 باب 24 . وسعد السعود : 106. والعمدة : 19 . ونهج الحق 1 : 88 . والصراط المستقيم 1 : 187 . وغاية المرام : 259 . والميزان 16 : 311 .
بُيُوتِكُنَّ مِن آياتِ اللهِ وَالحِكمَةِ إنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً ) (1).
ويلاحظ هنا اُمور عدّة ، نكتفي بذكر واحدٍ منها ، وهو :
إنَّ صدر الآية الاُولى ـ وهي الثالثة والثلاثون من سورة الاَحزاب ـ يختلف عن ذيلها اختلافاً كليّاً ، فلسان الصدر لسان الانذار والتهديد والوعيد ، ولسان الذيل لسان المدح والثناء والتعظيم .
فلو رفع الذيل ووصلت الآية الرابعة والثلاثون بصدر الثالثة والثلاثين لما حصل أدنى اختلاف في النظم البياني ، ولا البلاغي ، ولا الاِيقاعي ، ولا النغمي المعهود في فواصل الآيات ، ولجاء المعنى تامّاً خالياً من أدنى ملاحظة يمكن أن تترتب على رفع ذيل الثالثة والثلاثين . وهذا يدل على أنّ آية التطهير لم تكن في أصل النزول جزء آية بل آية تامة وإنّ وضعها في هذا المكان من سورة الاحزاب إمّا أنْ يكون بتوقيفٍ من النبي الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم أو بتصويب من جامعي القرآن الكريم بعده .
ونظير هذا بالضبط قوله تعالى ( اليَوْمَ أكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِسْلامَ دِيناً ) (2)فقد اتفق الطرفان على نزول هذه الآية الكريمة في غدير خمٍّ بعد إتمام البيعة لاَمير المؤمنين عليه السلام بروايات كثيرة لا مجال لدفعها بحال من الاَحوال (3). بينما نجد هذا القول
___________________________
(1) الاَحزاب 33 : 33 ـ 34 .
(2) المائدة 5 : 3 .
(3) نسب الخوارزمي الحنفي في كتابه مقتل الاِمام الحسين عليه السلام 1 : 48 رواية نزول هذه الآية الكريمة ـ بعد البيعة للاِمام عليٍّ عليه السلام مباشرة ـ إلى عدد من الصحابة ، وقال ماهذا نصه : «روى هذا الحديث ـ أي الحديث الخاص بنزول الآية بعد البيعة في غدير خم كما نقله الخوارزمي نفسه قبل هذا الكلام مباشرة ـ من الصحابة : عمر ، وعليّ ، والبرّاء بن عازب ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيدالله ، والحسين بن عليّ ، وابن مسعود ، وعمار بن ياسر ، وأبو ذر ، وأبو أيّوب ، وابن عمر ، وعمران بن حصين ، وبريدة بن الحصيب ، وأبو هريرة ، وجابر بن عبدالله ، وأبو رافع مولى رسول الله واسمه : اسلم ، وحبشي بن جنادة ، وزيد بن شراحيل ، وجرير بن عبدالله ، وأنس ، وحذيفة بن أُسيد الغفاري ، وزيد بن أرقم ، وعبدالرحمن ابن يعمر الدؤلي ، وعمرو بن الحمق ، وعامر بن شرحبيل ، وناجية بن عمر ، وجابر بن سمره ، ومالك بن الحويرث ، وأبو ذويب الشاعر ، وعبدالله بن ربيعة» .
الكريم هو جزء من آية من سورة المائدة ، على أنّ الجزء المتقدم عليه والذي بعده هو في بيان أحكام اللحوم.
فلو اتّصل الجزءان معاً ، ورفع ما يخص إتمام الدين ، لكان المعنى تامّاً، والنظم سالماً من أدنى ملاحظة تقال .
أمّا ما هو السرّ في جعل تلك الآيات أجزاء آياتٍ اُخرى ؟ فيمكن توضيحهُ فيما يأتي ، فنقول :
لا يخفى على أحد له حظ من العلم ، أنّ قوله تعالى : ( إنَّمَا وَلِيُكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ والذَّيِنَ آمَنُوا الذَّيِنَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ) (1). قد نزل في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام بالاتفاق على أثر التصدّق بخاتمه عليه السلام ، وهو راكع لله عزّ وجل (2).
____________
(1) المائدة 5 : 55 .
(2) من طريف ما يذكر عن بعض المفسرين أن أحد المنافقين المتسترين على نفاقهم من الصحابه قد تصدق على أثر نزول هذه الآية بأربعين خاتماً وكلها في اثناء الصلوات أملاً على أن ينزل بحقّه ما نزل بحق الاِمام عليّ عليه السلام ، قيل ـ والعهدة على الراوي القائل ـ فنزلت بحقه : ( لا صدق ولا صلى ) !!
وفي (دفاع عن الكافي) ، للسيد ثامر العميدي 1 : 102 ـ 112 ، تفصيل أسماء علماء العامّة من المحدثين والمفسرين الذين صرحوا بنزول الآية في الاِمام عليٍّ عليه السلام .
والسؤال : لماذا لم يذكر الله عز وجل أمير المؤمنين عليه السلام باسمه الشريف في هذه الآية ، بينما عبّر عنه بصورة الجمع ، مما كان ذلك مدعاة لحثالة من النواصب أن يصرفوها عن الاِمام عليّ عليه السلام ما استطاعوا ؟!
والجواب على الاِيجاز والاختصار ـ وهو للسيد شرف الدين في مراجعاته الخالدة ـ : إنّ الجمع هنا يفيد التعظيم حيث يستوجب ، ونكتة ألطف وأدق وهي إنّما جاء التعبير بالجمع مع إرادة المفرد بقياً منه تعالى على كثير من النّاس الذين لا يطيقون سماعها بصيغة المفرد، فالحكمة اقتضت مراعاة هؤلاء ؛ لكي لا يصدر منهم ما تخشى عواقبه من التضليل والتمويه .
ولا يبعد أنْ تكون آية التطهير وآية إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب سبحانه ، قد وضعت على ما هي عليه اليوم لنفس تلك الحكمة ، هذا مع القول بالترتيب التوقيفي الذي لم يثبت تواتره ، وأما مع القول الآخر ، فإنَّ ذا الحجى يدرك غايته .
وإذا ما عرفت هذا ، فاعلم أنّ المراد برواية الكافي هو جمع القرآن الكريم على ترتيب نزول آياته ، ويدل عليه ما أخرجه الشيخ المفيد بسنده عن الاِمام الباقر عليه السلام أنّه قال : اذا قام قائم آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ضربت فساطيط لمن يُعَلِّم الناس القرآن على ما انزله الله جلّ جلاله ، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم ؛ لاَنّهُ يخالف التأليف (1)أيّ : الترتيب .
ومعلوم من لسان روايات كثيرة أنّ مصحف الاِمام المهدي (عجلّ الله
____________
(1) الاِرشاد ، للمفيد 2 : 386 .
تعالى فرجه الشريف) هو عين المصحف الذي جمعه جدّه الاِمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، ومن هنا يتضح المراد من عنوان باب الكافي والحديث الذي ورد فيه ، وهو ـ والله العالم ـ أنّ جمع القرآن الكريم على ترتيب نزوله لم يتم على يد أحدٍ غير أمير المؤمنين عليه السلام ، ومن ادعى ذلك غير الاِمام عليّ وولده عليهم السلام وحفظه على ذلك الترتيب فهو كاذب. وليس المراد أنّه لم يجمع أحد القرآن الكريم مطلقاً غير الاِمام عليّ عليه السلام ، فافهم .
روايات التحريف في أهم كتب العامة .
ولكن هلمّ معي ننظر معاً ما في الصحيحين من روايات ، فهل يمكن لمنصف عاقل ان يتأولها بغير ما هو ظاهر من معناها بل وصريح فيه أيضاً .
ولعمري إذا لم تكن تلك الروايات مكذوبة على الله ورسوله ، فإنّ رواتها في الصحيحين لا يمكن إثبات نزاهتهم من خرافة تحريف القرآن الكريم ، وأما عن مذاهب العامّة فلم يسلم منهم أحد إلاّ بقدر همل النعم لما تقدم من إجماعهم على صحة ما في الصحيحين ، بل وتصريحهم بأن خبرهما لا سيما البخاري يفيد القطع، ولو كان فوق القطع أمر أعلى حجّة من القطع لنحلوه ـ على الاَقل ـ إلى ما اجتمع عليه الشيخان !
أمثلة أضغاث الباطل في كتب الصحاح :
وسوف نضرب لك من أضغاث الباطلالمسكوت عنهـ حتى صار حقاً؛ لاَنّه من (الصحيحين) ـ بعض الامثلة ، وعلى ذلك فقس ما سواه إلاّ ما ندر .
1 ـ في صحيح البخاري في كتاب المحاربين باب رجم الحبلى من الزنا بالاِسناد إلى عمر بن الخطاب ، قال : (.. ثم كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله :
أنْ لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ، أو إنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم) (1).
والغريب في هذه الآية أنّا وجدناها حديثاً من أحاديث أبي هريرة في صحيح مسلم في كتاب الاِيمان باب بيان حال من رغب عن أبيه وهو يعلم (2)ث. ولا يخفى أنّ في هذا المورد مايقطع بتهافت الصحيحين !!
2 ـ في صحيح مسلم في كتاب الرضاع باب التحريم بخمس رضعات بالاِسناد إلى عائشة ، قالت : «كان فيما اُنزل من القرآن : عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخت بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وهن فيما يُقرأ من القرآن» (3).
أقول : وكانت عائشة تفتي دون سائر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودون سائر الصحابة : بجواز رضاعة الكبير استناداً لآية الرضاع المزعومة ، وقد حصل هذا فعلاً لسهلة بنت سهيل حيث أرضعت من كان ذا لحية وشهد بدراً وهو سالم حليف زوجها أبي حذيفة ؛ لكي يصير له ابناً من الرضاعة ؛ حتى يذهب ما كان في نفس أبي حذيفة من دخول سالم عليها (4)!!!
3 ـ في صحيح البخاري في كتاب المحاربين ، باب رجم الحبلى من الزنا بالاِسناد إلى عمر ، قال : «فكان مما أنزل الله آية الرجم ، فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، رجم رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ورجمنا
____________
(1) صحيح البخاري 8 : 300 ـ 304 | 25 .
(2) صحيح مسلم 1 : 80 | 113 .
(3) صحيح مسلم 2 : 1075 | 1452 .
(4) المصدر نفسه .
بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله» (1)!!! .
وفي موضع آخر من صحيح البخاري في كتاب الاَحكام باب الشهادة تكون عند الحاكم ، والقول قول عمر : «لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي» (2)!!! .
وآية الرجم في فتح الباري بشرح صحيح البخاري هي : «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله» (3)والظاهر أنّ هذه الآية لم تحفظ كما ينبغي أن تحفظ ؛ لاَنّها وردت بألفاظ اُخر لا يعنينا أمرها .
أقول : هب أنَّ عفريتا من الجنّ ـ اسمه (نسخ التلاوة) ـ ابتلع هذه الرواية أفلا يدلّ قول عمر : (فاخشى إن طال بالناس زمان ...) وقوله : (لولا أن يقول الناس زاد عمر..) على أنّه كان يرى أنّ المصحف الماثل بين يديه ناقص من آية الرجم ، أو لا يدل على ذلك ؟!
«أفهنالك مجال للشك ؟ ( إنَا نَحنُ نَزَلنَا الذِكرَ وإنّا لَهُ لحافِظُون)» !!
ومن لم تكن له عين بصيرةفلا شك أن يرتاب والصبح مسفرٌ
4 ـ في صحيح البخاري في كتاب الجهاد والسير ، بالاِسناد إلى أنس في خبر إرسال النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبعين صحابيا من القراء إلى بعض القبائل العربية كرعل ، وذكوان ، وعصيّة ، وبني لحيان . قال البخاري «قال قتادة :
____________
(1) صحيح البخاري 8 : 300 ـ 304 | 25 .
(2) صحيح البخاري 9 : 125 .
(3) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 9 : 65 و 12 : 261 .
وحدثنا أنس أنهم قرأوا بهم قرآناً : (ألا بلغوا عنا قومنا بأنّا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا) ثم رفع بعد ذلك» (1)!
والعجيب في هذا الخبر أنّ البخاري قد صرح فيه أنَّ الاَعراب قد غدروا بجميع القّراء وقتلوهم حين بلغوا بئر معونة .
بمعنى أنّهم إمّا لم يتمكنوا من أداء مهمتهم ، لاَنّهم قُتِلوا قبل ذلك ، وأمّا أنّهم أدّوا مهمتهم ثم قتلوا قبل الوصول إلى المدينة .
والسؤال المحير هنا : كيف عَلِمَ أنس بهذه الآية التي قرأوها ولم يصل أحد منهم إلى المدينة ليخبر أنس بهذه الآيات النازلة ! التي قرأت ثم رفعت ؟ هذا مع أنّ الخبر موقوف على أنس ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يقال مثلاً أنّه من أخبار صاحب الوحي عليه السلام ، وهل بعد هذا يكون خبر الواحد الموقوف على صحابي من القرآن ؟
والسؤال الآخر : كيف رفع هذا القرآن ؟ من المكتوب (وهو المصحف)؟ أم من القلوب ؟ والاحتمال الاَوّل باطل ، إذْ لا نصّ عليه ولو برواية مكذوبة ، والثاني كذلك زيادة على عدم رفعه من قلب أنس أو غيره بدليل روايته ونقله .
5 ـ في صحيح البخاري في باب من لم ير بأساً أن يقول سورة البقرة وسورة كذا وكذا . بالاِسناد إلى عائشة قالت : «سمع النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قارئاً يقرأ من الليل في المسجد فقال : يرحمه الله ، لقد ذكرني كذا وكذا آية ، أسقطتها من سورة كذا وكذا» (2).
____________
(1) صحيح البخاري 4 : 167 ذيل الحديث | 261 .
(2) صحيح البخاري 6 : 240 .
ولست أدري هل توجد أعظم من هذه الفرية ؟. فالنبي يسقط آيات من القرآن !!!
وَمَن يَتَّبِع في أَمْرِهِ رأيَ جَاهلٍيُقِدْهُ إلى أمْرٍ مِنَ الغَيِّ مُنكَرِ
فَعَوِّدْ مَقَال الصِّدقِ نَفْسَكَوارْضِهِتُصَدَّق ، وَلا تَرْكَنْ إلى قَوْلِ مُفتَري
6 ـ في صحيح مسلم في كتاب الزكاة عن أبي موسى الاَشعري ، أنّه قال لقرّاء أهل البصرة ـ يعني بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسنين ـ : «.. وإنّا كنّا نقرأ سورةً كنّا نشبّهها في الطُول والشِدَّة ببراءة فأنسيتها ، غير أنّي حفظت منها : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملاَ جوف ابن آدم إلاّ التُّراب» (1).
والغريب جداً من مسلم صاحب الصحيح أنه أخرج هذه الآية المزعومة على انها حديث ولم يتعرض لنقدها (2). والاَغرب من كل هذا انه نسب إلى ابن عباس (ترجمان القرآن) انه قال بشأن (لو كان لابن آدم) : «فلا أدري أمن القرآن هو ، أم لا» (3)؟ .
7 ـ في صحيح البخاري وصحيح مسلم من كتاب الزكاة بالاِسناد إلى أبي موسى الاشعري ، قال : «وكنا نقرأ سورة نشبّهها بإحدى المسبّحات فأنسيتها ، غير أني حفظت منها : يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة» (4).
____________
(1) صحيح مسلم 2 : 726 | 1050 .
(2) صحيح مسلم 2 : 725 | 1048 | 116 و 117 .
(3) صحيح مسلم 2 : 725 | 118 .
(4) صحيح البخاري 8 : 115 . وصحيح مسلم 2 : 726 | 1050 (119) كتاب الزكاة . ومسند أحمد 3 : 122 و 243 و 4 : 368 و 6 : 55 . وسنن الدارمي 2 : 319 . ومجمع الزوائد 10 : 243 . والبرهان للزركشي 2 : 43 . والاتقان للسيوطي 3 : 83 .
أقول : إنَّ ضياع سور من القرآن في تلك المدعيات الباطلة ، أو إسقاط اُخَر منه ونحو ذلك مما مرَّ ليس بأعظم من المفتريات الاَُخَر التي احتضنتها روايات كتب الذين يتبجحون بالصراحة ويزعمون أنّهم لا يسكتون عن الباطل بل يشهّرون بأصحابه ويكفرونهم !!
من أمثال ما روي عن ابن عمر أنَّه قال : «لا يقولن أحدكم : قد أخذت القرآن كُلّه ، وما يدريه ما كُلّه ؟ قد ذهب منه قرآن كثير !! ولكن ليقل : قد أخذت منه ما ظهر» (1).
كما روى ابن أبي داود ، وابن الاَنباري ، عن ابن شهاب ـ كما في منتخب كنز العمال ـ أنّه قال : «بلغنا أنه كان أُنزل قرآن كثير ، فقتل علماؤه يوم اليمامة ، الذين كانوا قد وعوه ، ولم يُعلم بعدهم ولم يكتب» (2)!!
وأما عن إنكار ابن مسعود لسورة الفاتحة والمعوذتين فحدّث ولا حرج، حتى قال السيوطي : «قال ابن حجر : فقول من قال : أنّه كُذب عليه (أي على ابن مسعود) مردود ، والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل ، بل الروايات صحيحة ، قلت : وإسقاطه من مصحفه أخرجه أبو عبيد بسند صحيح»(3). على أن هذه الرواية الموصوفة بالصحة عن العامّة ، قد كذّبها الشيعة منذ أقدم العصور كما سنشير إليه وقد
____________
(1) الاِتقان في علوم القرآن 3 : 81 ـ 82 . ولا جرم على من كذّب على ابن عمر في هذا بعد أن كذب على أبيه بأنّ قرآنه مليون حرف ! كما مرّ .
(2) منتخب كنز العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد) 2 : 50 .
(3) الاتقان في علوم القرآن 1 : 273 .
ردها من العامّة السيالكوتي في حاشيته (1).
كما ان سورة الخلع ، وسورة الحفد قد كان أبو حفص عمر يقرأهما في صلاته وقنوته كما صرح بذلك السيوطي في تفسيره (2)فإذا ما أضفنا هذا إلى الرواية المسندة إليه بوجود مليون حرف في القرآن علمنا أنَّ آية الرجم التي عقلها ووعاها كما تقدم عن الصحاح إنما هي من القرآن المزعوم الذي هو في لغة الاعداد ومنطق الارقام يزيد على حروف كتاب الله العزيز حسب آخر إحصائية بـ (678820) حرفاً ، أي بما يعادل القرآن الكريم ثلاث مرات !! ولهذا ذهب ابن عمر ـ بعد أن انطلت عليه هذه الاكاذيب ـ إلى القول بضياع الكثير من القرآن كما مرّ آنفاً !
وأخيراً، لابدّ من الاِشارة هنا إلى أنّ الفضل بن شاذان (ت 260 هـ) وهو من فضلاء وفقهاء أصحاب الاَئمة من أهل البيت عليهم السلام ، قد أنكر على العامّة رميهم الصحابة بمثل هذه المفتريات الباطلة وعدّها من باب الوقيعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (3). فانظر إلى تحرّج الاَصحاب.
ومن لطيف ما احتج به الفضل رحمه الله تعالى على العامّة بكتابه الاِيضاح أنّه أورد ما نسبوه إلى عائشة بأنها قالت «لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً ، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري ، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها» (4)!!
____________
(1) حاشية السيالكوتي على شرح المواقف 8 : 251 من المجلد الرابع .
(2) الدر المنثور ، للسيوطي 8 : 696 .
(3) الاِيضاح ، للفضل بن شاذان : 229 .
(4) لقد أورد هذا الخبر المضحك المبكي ابن حزم في المحلى 11 : 235 المسألة رقم 2204 وقال : هذا حديث صحيح ! كما أخرجه الدميري في حياة الحيوان 1 : 464 عن عائشة مصرّحاً بوجوده في السنن الاَربعة .
فقد أنكر عليهم الفضل بن شاذان بما حاصله :
بانه ما استطاعت الاِنس والجنّ على أن تأتي بمثل القرآن ولو في آية من آياته ، ولا تمكن أعداء القرآن من تحريفه ، فكيف استطاع داجنكم أن يأكل من القرآن ، ويبطل فرضه ويسقط حجته ؟!
وأغرب ما وقفت عليه هو أنَّ الزمخشري في كشّافه ـ لمّا لم يستطع أن يجد تأويلا أو تبريراً مقنعاً يبين من خلاله كيف استطاع هذا الداجن الشيطان أن يتسلل إلى بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويفعل فعلته ـ حاول التملّص من الخبر واتهام الروافض في تلفيقه ؟ (1).
أقول : بعد أن عرفت من أخرجه من الصحاح والصحابة ، ومن ردّه وهو (الفضل بن شاذان) من (الرافضة) ، فاعلم أنّا مع الزمخشري في اعتقاد تلفيقه فافهم .
هذا ، وقد ذكر السيد الميلاني في (التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف) كلمات عِدّة من أعلام العامّة المتقدمين والمتأخرين يصرحون بأنَّ هذه زيادات موضوعة من بعض الزّنادقة.
إلى غير ذلك من الروايات المكذوبة عند العامّة ، والتي تمس القرآن الكريم صراحة (2).
____________
(1) الكشّاف ، للزمخشري 3 : 248 .
(2) للوقوف على المزيد من تلك الروايات المكذوبة في كتب العامّة . راجع : دفاع عن الكافي للسيد ثامر العميدي 2 : 440 ـ 504 ففيه مائة مثال من أمثلة صور التحريف عند العامّة وفي كتبهم .