المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تقرير..أوباما مرشح التغيير.. هل يطال تغييره "إسرائيل"؟



إسلامية
07-06-2008, 05:08 PM
لم يكن خطاب المرشح الديمقراطي أوباما أمام مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية" إيباك" إلا تأكيدا للفكرة الشائعة عن حجم النفوذ الذي يتمتع به اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وقد تضمن مواقف تنطوي على الدعم المطلق ل" إسرائيل" وتعهد لها باستمرار التفوق النوعي العسكري في الشرق الأوسط, كما تعهد في حال فوزه بالرئاسة بأن يقوم بتوقيع مذكرة تفاهم مع "إسرائيل" تقضي بدعمها بثلاثين مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والحوار مع حماس قال إنه لا توجد أي إمكانية للتفاوض مع الإرهابيين, ولذا عارضتُ مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية خلال عام 2006. وقال إن على الفلسطينيين أن يدركوا أن مساندتهم للمتطرفين لن تجلب عليهم النفع، وإن على مصر أن توقف تهريب الأسلحة إلى غزة.
وهذه المواقف تبعث من جديد سؤالا مركبا, عن حجم النفوذ الحقيقي للوبي اليهودي في السياسة الأمريكية وصانعي القرار, وعن مدى جدية تلك الوعود التي تأتي في حمى التنافس على البيت الأبيض, ومحاولة كسب أصوات اليهود والمتعاطفين معهم.
أما عن حجم النفوذ اليهودي وتجلياته؛ فثمة اختلاف؛ إذ بالرغم من الامتعاض الذي يبديه سياسيون ومفكرون أمريكان بسبب السلوك "الإسرائيلي" والتجاوزات التي لا تقتصر على عمليات التجسس, و الإضرار اللاحق بأمريكا في العالم و"الشرق الأوسط" بسبب دعمها "لإسرائيل" في سياساتها العدوانية, بالرغم من ذلك إلا أننا لا نستطيع أن نغفل أسبابا عميقة تسمح للطبقة السياسية المتنفذة في أمريكا بغفران تلك الإساءات وتجاوزها, يؤكدها تصريح أوباما في خطابه الأخير أمام " إيباك" إذ قال:"عندما أزور إيباك فإنني بين أصدقاء حقيقيين.. يؤكدون أن العلاقة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" تتجاوز المصلحة الوطنية وتتجسد في القيم المشتركة التي تجمع البلدين".
نعم, إن الدعم لـ"إسرائيل" ليس مسببا فقط عن النفوذ والضغط الذي تمارسه جماعات الضغط اليهودي, وإنما هو ناتج عن قيم مشتركة ومعتقدات دينية أيضا. وفي هذا السياق كتب محرر الشؤون الأمريكية في ديلي تلغراف يقول:" فإيباك بلا شك واحدة من أكثر المنظمات الضاغطة فعالية في واشنطن. لكنها تنجح؛ لأن أعدادا غفيرة من الأميركيين يشاركونها أهدافها، ليس لأنها تستعمل القوة بطريقة ما مع السياسيين لتأييدها. فالمرشحون يريدون بركة إيباك لأنهم يعرفون أن رؤيتهم كموالين لإسرائيل أمر أساسي لمصداقيتهم في السياسة الخارجية.
وفي استطلاعات الرأي يعبر الأميركيون عن تأييد كاسح لإسرائيل. فهم يرونها كديمقراطية مزدهرة تشكلت في مناخ قاس. وبالنسبة لباراك أوباما بصفة خاصة فإن تبديد الشكوك حول مصداقيته الموالية لـ"إسرائيل" أمر أساسي للفوز بأصوات معظم الأميركيين."
يصدق هذا الكلام المتعلق بسر التعاطف الأمريكي مع اليهود وكيانهم, دون أن نغفل حقيقتين, الأولى: تتمثل في المؤثرات المستمرة التي يغذيها إعلام موظف, أو منحاز, يصنع الرأي العام ويبلوره؛ لتأكيد الرواية الصهيونية المزورة لما جرى ويجري على أرض الصراع, مستفيدين بالطبع من التعاطف الفكري والديني مع كيان يهود, ودون أن نغفل على وجه الخصوص تلك الحرب الإعلامية الشرسة التي تأججت بعد أحداث 11 سبتمبر؛ إذ فعّلت الدعاية الصهيونية ما كانت أمريكا بدأته بعد انهيار الاتحاد السوفيتي, وهو الحرب على " الإرهاب".
ومع صعود المحافظين الجدد ووقوع أحداث سبتمبر حدث- بفعل صهيوني واضح- ما يشبه التماهي بين الأهداف والأولويات الأمريكية و"الإسرائيلية" في الحرب على المسلمين في أفغانستان التي كانت مقدمة لتنامي الحركة العدوانية والحالة العدائية للمسلمين والدفع نحو استعدائهم جملة, ودون استثناء؛ فثنّت أمريكا بعد أفغانستان بالعراق الذي لا يخلو من مطامع أمريكية استراتيجية, لكن الممارسات المدمرة للمرافق الحيوية والعلمية والقتل البشع والاعتداء على الأعراض وحتى أسلوب الاقتحام للبيوت, والاعتداء على المساجد وانتهاك قداسة القرآن الكريم, كل ذلك لم يكن بعيدا عن النفس اليهودي الأشد عداوة.
أما الحقيقة الثانية: وليست بعيدة عن السابقة, تتمثل في الدور الفاعل الذي تضطلع به جماعات الضغط اليهودي, وعلى رأسها" إيباك" في توظيف ذلك التعاطف الشعبي الأمريكي, فهو تعاطف عام ناتج عن اعتقادهم قيما مشتركة, ومعتقدات متقاطعة, ولا سيما فيمن يعرفون بالإنجليين المحافظين واليمينيين المتصهينين , لكن هذا التعاطف يفتقر إلى موجه له ومبرمج لمواقفه, وذلك ما تتولاه جماعات الضغط, وهنا مكمن القلق والتذمر الذي يبديه ساسة ومفكرون أمريكيون, وليس آخرهم مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق زبيغنيو بريجنسكي الذي انتقد بشدة اللوبي اليهودي بالولايات المتحدة، واتهمه بانتهاج حملة ضد منتقدي "إسرائيل" شبيهة بتلك التي أثارها السناتور جوزيف ماكارثي ضد الشيوعية أعقاب الحرب العالمية الثانية.
ونقلت ديلي تلغراف عن بريجنسكي قوله إن اللوبي اليهودي الموالي لتل أبيب يتمتع بقوة جبارة, فيما تهمة معاداة السامية تثار تلقائيا كلما حامت شكوك حول نفوذه.
وحدد في تصريحات نقلتها الصحيفة قائمة من التفاهمات التاريخية قال إن على"الإسرائيليين" والفلسطينيين التوصل إليها, متهما اللجنة الأميركية "الإسرائيلية" للشؤون العامة (إيباك) وهي أكبر جماعات اللوبي اليهودي وأقواها نفوذا، بعرقلة جهود السلام الجارية لحل النزاع بين الطرفين.
ونسبت ديلي تلغراف إليه القول إن أيباك ظلت تعارض بانتظام الحل على أساس دولتين، وإن عددا كبيرا من أعضاء الكونغرس جرى ترهيبهم معتبرا ذلك تصرفا غير صحي.
إن هذه الأصوات التي يمثل بريجنسكي واحدا منها لا تعارض بالطبع دعم "إسرائيل" ولكنها تحاول تحجيم نفوذها وضبطه؛ حتى لا يطغى على المصالح الأمريكية العالمية, ولعل الواقع الذي تتردى فيه السياسة الأمريكية الآن, يسمح لتلك الأصوات أن تصل إلى شريحة أكبر من الأمريكيين, فقد أوصلت تلك السياسة السافرة في عدائها الولايات المتحدة إلى ما وصلت إليه من نتائج معنوية وخسائر في الأرواح, وتباطؤ في الاقتصاد ما بات مزعجا حتى للمواطن الأمريكي العادي؛ حتى صارت السياسات الخارجية عاملا مهما في اختياراته الانتخابية لأول مرة.
ولم يكن تقدم أوباما الأسود المنحدر من أصل إفريقي مسلم إلا مؤشرا على مقدار التغير التاريخي الذي اعترى العقلية الأمريكية الشعبية, كما أنه يعد مؤشرا واضحا على مقدار التعطش للتغيير والخروج من الحالة المزرية التي يعود الفضل فيها إلى سياسات الحزب الجمهوري والمحافظين الجدد الذين بدؤوا عملية هروب متتابعة من السفينة الغارقة.
هذه المعطيات تسمح بالاعتقاد أن المناخ الذي تشكل بعد أحداث برجي التجارة العالمية بدأ يتبدد, ولكنه قد لا يسمح بالتفاؤل, والظن بأن النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة في تضاؤل؛ ذلك أن الأسباب التي تثبته أعمق من أية تطورات سطحية, كما أن ضخامة المكينة الإعلامية الموالية على الإطلاق ل"إسرائيل", تظل قادرة على إعادة إنتاج التزوير والتضليل في تصوير "إسرائيل" في صورة الضحية للإرهاب والمهددة من محيط لا يجانسها ديمقراطية وحرية وتقدم حضاريا, وفي هذا الإطار لا تمثل التصريحات المتكررة من الرئيس الإيراني و من مرشد الجمهورية عن تدمير"إسرائيل" إلا ذريعة تستخدم لتأكيد الخطر –الذي لا تمثله إيران- على الكيان الغاصب.
وبالرجوع إلى خطاب أوباما نلحظ خيطا من التأثر بما أبداه بريجنسكي من توجه نحو السياسة الأمريكية الخاصة, وثمة صلات وثيقة تربط المستشار السابق بباراك أوباما، وهي تثير مخاوف في الطائفة اليهودية الأمركية من أن المترشح الديمقراطي سيعمل على تليين موقف واشنطن المنحاز تقليديا لتل أبيب إذا ما أصبح رئيسا للولايات المتحدة.
فقد قال "إن عزلة أمريكا في المنطقة لن تخدم "إسرائيل" ولن تحقق السلام لها. وأعرب عن اعتقاده بأن الصراع بين "إسرائيل" والفلسطينيين هو أحد الأسباب الرئيسية لمتاعب أمريكا في الشرق الأوسط. وقال أوباما إنه سيعمل على إحلال السلام في الشرق الأوسط, وأنه سيعمل على إيجاد حل الدولتين لحل الصراع بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين", وأنه سيبدأ في ذلك في الأيام الأولى من رئاسته ولن ينتظر حتى نهاية ولايته... وأن على"إسرائيل" أن تجمد بناء المستوطنات".
وقد قوبل بفتور واضح عند تصريحه بالموقف الأخير. وما يلفت الانتباه أن أوباما بالرغم مما يمليه عليه الموقف واللحظة والهدف الذي حضر من أجله إلى مؤتمر ال" إيباك" إلا أنه بدا وفيا إلى الاستراتيجية الديمقراطية التي يبدو أنها تبنت توصيات بيكر هاملتون في رؤيتها عن أهمية حل" الصراع العربي الإسرائيلي" وقضيته الأولى القضية الفلسطينية؛ إدراكا منها بالأثر السلبي الذي تتركه على مكانة أمريكا وسياستها في المنطقة العربية الإسلامية.

http://www.almoslim.net/node/94590 (http://www.almoslim.net/node/94590)