المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القاعدة تعلن حالة الاستنفار القصوى في الصومال ::: د. أكرم حجازي



أحمد الغريب
26-06-2008, 12:58 AM
http://www.maktoobblog.com/userFiles/d/r/drakramhijazi/images/593340.jpg

د. أكرم حجازي
صحف- 24/6/2008


ما من مراقب أو مناصر للجهاد والمجاهدين إلا وتابع صعود نجم المحاكم الإسلامية في الصومال بسرعة قياسية، وما من أحد من هؤلاء وغيرهم إلا وذهل من سرعة الهزيمة الساحقة التي منيت بها المحاكم إثر تدخل الجيش الأثيوبي في الصومال لإنقاذ الحكومة المحلية التي حوصرت في منطقة بيدوا (baidawa) وسط الصومال. ومن المفارقات أن هذه المنطقة هي الأفقر والأضعف في البلاد، وسكانها هم أشد من ابتلي بالحرب الصومالية بعد انهيار نظام سياد بري سنة1991. إذ وقعوا ضحية صراع دموي بين قبائل الشمال والجنوب.
في22-6-2008 أصدرت مؤسسة السحاب التابعة للقاعدة تسجيلا مصورا للشيخ أبي يحيى الليبي خصصه للصومال، وحمل عنوان: لا سلام بلا إسلام. وكان الشيخ أسامة بن لادن، من قبله، أول من بادر في الدفاع عن المحاكم في خطاب له دعا فيه الشعب الصومالي إلى الالتفاف حولها مشيرا إلى أن الإسلام هو الوحيد الذي جلب الأمن للصوماليين بعد خمسة عشر عاما من الحروب والمآسي والجوع القاتل لم تفلح أي من القوى الدولية أو الإقليمية بتحقيق الأمن والاستقرار كما أفلح الإسلام بذلك عبر تجربة المحاكم. وما بين الخطابين ظل قادة القاعدة في خطاباتهم يطلون على الوضع الصومالي كما يطلون على الوضع في الشيشان أو الجزائر أو لبنان ... مكتفين بإلقاء التحية والسلام والحث على الجهاد والدعوة إلى نصرة أهله. وعليه فلم يصدر أي خطاب خصص، جزئيا أو كليا، للصومال، بل أن القاعدة أطبقت صمتا تجاه الانهيار المفاجئ للمحاكم فلم تعقب لا سلبا ولا إيجابا.
مثل هذه الوضعية كافية لإثارة التساؤل حول الأسباب التي تدفع بالقاعدة إلى تأييد المحاكم تارة وتجاهلها تارة أخرى ومن ثم التدخل في الشأن الصومالي بصورة حازمة كما ظهر في خطاب الليبي. باختصار؛ ما هي خلفية الخطابين؟ ولماذا بدا الأول (خطاب بن لادن) متساهلا فيما بدا الثاني متشددا؟
بيئة خطاب بن لادن: بين مطرقة الشريعة وسندان الواقع
كانت القاعدة تعلم بتركيبة المحاكم الأيديولوجية والاجتماعية من خلال التيار السلفي الجهادي الذي كان يتحالف معها أو يتوافق معها في رؤيتها العقدية للصراع، لكنها كانت أمام حالة فريدة إذا ما قورنت بباقي ساحات الجهاد. إذ وجدت نفسها بين خيارين أحلاهما حلو: (1) إما تطبيق الشريعة فورا أو (2) إقناع المحاكم بتسليم القيادة للتيار السلفي كضمانة لتطبيقها.
أما المحاكم فكانت تتجه نحو تطبيق الشريعة، ولا شك أن إجماع القوى الإسلامية والاجتماعية على أُمنية الأماني كان مشروعا مغريا للقاعدة، لكنه، في نفس الوقت، إجماع على حالة غير مسبوقة تتميز بصعوبة إخضاعها لمعايير الاختبار التقليدية التي تشترطها القاعدة للتيقن من صدق القوى ومدى ثباتها قبل تبنيها أو الإعلان عن تأييدها ومناصرتها والالتفاف حولها. هكذا وجدت القاعدة نفسها، وجها لوجه، ودون أية سوابق، أمام حالة اتسمت انتصاراتها بمفاجأة من العيار الثقيل، وباندفاع كبير جرى التعبير عنه في صيغة:
1) استعداد المحاكم لتطبيق الشريعة؛
2) ورفض كافة التدخلات الأجنبية في الصومال؛
3) والتهديد بفتح البلاد أمام كافة المجاهدين في شتى أنحاء الأرض بمن فيهم مقاتلي القاعدة كما سبق وصرح شيخ شريف أحمد.
فأيهما أجدى للقاعدة في حينه؟ القبول بنصائح التيار السلفي الجهادي القاضية بتأييد المحاكم بما أن الهدف هو تطبيق الشريعة؟ أم الالتزام بالقيود الشديدة وإضاعة فرصة قد تكون تداعياتها الشرعية مدمرة؟ فمن ذا الذي بمقدوره أن يغامر بتأجيل تطبيق الشريعة ريثما تتمرس المحاكم في الميدان بشتى مكوناتها فضلا عن أن تسليم القيادة قد يؤدي إلى شقاقات ليس أوانها؟
هذه الوضعية هي التي وقفت خلف خطاب التأييد الوحيد للمحاكم، وفي نفس الوقت تسببت بالامتناع عن التعليق على الأحداث اللاحقة. ولأن الانهيار كان سريعا في أول فرصة للاختبار الميداني فقد ظل السؤال المرير الذي يؤرق القاعدة قائما: هل كان تأييد المحاكم خطأ؟ الحقيقة أن القاعدة لو قالت نعم فسيعني أنها انحازت لضوابطها التنظيمية، وحينها لن تفلت من الاتهام بأنها أرجأت تطبيق الشريعة وتخلت عمن ضحوا بأنفسهم من أجل هذه الغاية، ولو قالت لا فستتعرض للوم شديد حتى من المقربين منها فيما يتعلق بقدرتها على اتخاذ القرار في القضايا الكبرى خاصة وقد ثبت أن المحاكم لم تكن محصنة بالقدر الكافي لمواجهة تحديات تطبيق الشريعة، وبالتالي فإن تأييدها كان متسرعا.
بيئة خطاب الليبي: تمايز حاسم
في الشهور القليلة الماضية فأجا التيار السلفي الجهادي ممثلا بحركة الشباب المجاهدين كافة المراقبين كلما ظهر أنه قادر على شن هجمات مكثفة وشديدة القسوة في مناطق مختلفة من الصومال وفي مقدمتها العاصمة مقاديشو مخلفة خسائر فادحة في صفوف القوات الأثيوبية والحكومية، فضلا عن سيطرة الحركة على مساحات شاسعة من البلاد. أما التجاهل الإعلامي لفعاليات الحركة المسلحة فلن يقدم أو يؤخر كثيرا في واقع تديره قعقعة السلاح وتحالفات متنوعة مع قوى اجتماعية نافذة وتأييد شعبي لا بأس به فضلا عن خبرة اكتسبها الشباب المجاهد من ظروف الساحات الجهادية الأخرى خاصة في العراق، هذه الخبرة كانت كافية للحسم في أول الأخطاء الواقعة في صفوف المجاهدين للحيلولة دون قيام صحوات جديدة قد تركب موجة قتل الناس والحفاظ على ممتلكاتهم، فقد عمدت الحركة إلى تخصيص جزء من نشاطاتها لحاجات الأمن الاجتماعي؛ فأصلحت بين بعض القبائل المتنازعة وأقامت حد الحرابة على أحد مجاهديها الذي رحب بإيقاع الحد الشرعي عليه وطاردت حتى قراصنة الشواطئ لخشيتها على مصالح التجار ووجوب تأمين سفن التموين والاحتياجات المدنية.
وعلى المستوى الإعلامي نشطت في التواصل مع وسائل الإعلام المحلية والدولية وقدمت خطابا واضحا ومحددا، وتكشف بيانات الحركة وخطاباتها الصوتية ومنشوراتها عن نضج في فهم الحالة الصومالية والحالة السلفية الجهادية بصورة تدعو للدهشة حتى في مستوى قوة اللغة المستعملة ومتانة النصوص وتماسك موضوعاتها وأطروحاتها الشرعية والسياسية.
ومع أن هذا التيار ليس الوحيد الذي يقاتل الأثيوبيين لكنه الأهم والأكثر شراسة من بين القوى التي انفصلت عن المحاكم بعد انهيارها بحجة انحراف قيادتها وفي مقدمتهم رئيس المحاكم شيخ شريف أحمد. وتقول بعض المصادر أن عدد مقاتليه يتراوح بين 3000 إلى 12 أو 14 ألف مقاتل، وبالتأكيد يصعب الثقة بالأرقام المطروحة لكن في الحدود الدنيا (3000) يبدو الرقم شديد التماسك إذا أخذنا بعين الاعتبار أن مصادر صومالية قدرت عدد المحاكم بنحو ثلاثين ألفا بمن فيهم مقاتلي القبائل الذين انسحبوا من واجهة الأحداث باتجاه قبائلهم. كما أن الرقم مرشح للتصاعد كلما حظيت الحركة بمصداقية اجتماعية أو شهدت استقطابا أيديولوجيا من قبل المجتمع أو من قبل الجماعات والحركات الأخرى. هذا مع العلم أن آدم حاشي عيرو الذي قتل بغارة أمريكية كان تقريبا الرجل الأقوى في المحاكم خاصة وأنه كان يتولى قيادة قواتها العسكرية.
المهم في الأمر أن الانهيار السريع للمحاكم نجم عنه تمايز سريع في صفوف المجاهدين لجهة الموقف من أية عملية سياسية قد تدفع بها القوى الدولية أو الإقليمية أو المحلية إلى الظهور. وعمليا فقد انحازت بقايا المحاكم بقيادة شيخ شريف أحمد إلى حل سلمي واندرجت فيما عرف بتحالف أسمرا مع القوى الوطنية الأخرى بعيدا عن أية قيود شرعية. بل أن المفاوضات الجارية بين تحالف أسمرا وحكومة الرئيس عبد الله يوسف لا تتعلق البتة بتقاسم السلطة بل بالتنازل عنها خاصة وأن السلطة الحليفة للاحتلال الأثيوبي ترى في الحقائب الوزارية ومنصب الرئاسة والبرلمان خارج المفاوضات! فعلامَ تجري المصالحة إذا كانت مقاليد السلطة بيد الرئاسة؟ وبين من تجري المصالحة إذا كان محظورا على المحاكم تولي منصب الرئاسة أو الوزارة؟ بل أن السؤال الأهم يغدو: ما هو الهدف من المصالحة؟ ولماذا لم تقع قبل انهيار المحاكم خاصة وأن النتيجة كانت مرشحة لِأنْ تكون في صالح المحاكم أكثر مما هي في صالحها الآن حيث تبدو أضعف الحلقات فيها؟
يبدو أن حركة الشباب المجاهدين قرأت الواقع جيدا، فأعلنت رفضها الحوار مع الحكومة، ولا شك أن للرفض أسبابه، خاصة وأن الحركة: شعرت بأن الهدف من إنشاء التحالف هو التآمر على الحركات التي تناضل ضد الاحتلالالإثيوبي للصومال، وأن مسئولين في التحالف يرفضون المقاومة ضد المحتلين. أما القيادة العامة للحركة فذهبت أبعد من ذلك حين أصدرت بيانا بعنوان: إرهابنا محمود - السبت 28 ربيع الأول 1429هـ، ردا على وضع الحركة على قائمة الإرهاب من قبل الأمريكيين، واتهمت فيه قيادات سياسية بـ: تمييع الجهاد من الذين يريدون الجمع بين الجهاد وإرضاء أمريكا، وفي أحد بنوده خاطب البيان المجاهدين في الصومال بلغة تحذيرية: ( أيها الإخوة المجاهدون إنكم تبذلون دماءكم لإرضاء الله لا لإرضاء فلان أو علاّن، وإن الصليب لن يدعكم تجاهدون وتحتكمون إلى شرع الله، وإن أي محاولة منقيادتكم السياسية بالبحث عن رضا هؤلاء الكفار أو الحصول على اعتراف منهم لهوكالمستجير من الرمضاء بالنار، وأخوف ما نخاف أن يكون الأمر كالمثل القائل: أكلتيوم أكل الثور الأبيض ).
خفايا خطاب الليبي
لا شك أن انهيار المحاكم وصعود نجم حركة الشباب المجاهدين قدم للقاعدة خدمة جليلة في ضوء التمايز الذي وقع بين الصفوف، ولا شك أن فعاليات الحركة العنيفة جدا في الصومال تغري بالاعتقاد أنها قاب قوسين أو أدنى من إعلان إمارة إسلامية بين الحين والحين، وهو الوقت الملائم للظهور خاصة وأن التدخل الدولي والإقليمي لترتيب الحالة الصومالية يجري على قدم وساق. والحقيقة أنه ما من دلائل قاطعة في هذا الشأن تماثل ما ظهر في العراق عشية إعلان دولة العراق الإسلامية، لكن ثمة مؤشرات هامة في السياق.
فخطابات حركة الشباب تتوجه إلى المجاهدين خارج الحركة وهي تعج بالتنبيه والتحذير من عملية سياسية خادعة لن تمكنهم من تطبيق الشريعة. ولا شك أن تحذيراتها تشمل عموم المجاهدين علاوة على مجاهدي المحاكم ذوي التوجه الإخواني وصولا إلى منتسبي حزب التحرير الداخلين في العملية السياسية. والطريف أن مثل هذا التوجه لوحظ في خطاب الليبي نفسه الذي لم يتطرق إلى حركة الشباب بل إلى المجاهدين عامة، وكأنه يحشد الدعم محذرا من مغبة ضياع الجهود، والوقوع في شرك قوى لم تتحرك في يوم ما لنصرة الصومال وأهله بقدر ما تحركت لمصالحها.
والأهم أن الليبي نفسه يتولى مسؤولية اللجنة الشرعية في تنظيم القاعدة، وبالتالي فالخطاب وهويته ومضمونه ذو طابع شرعي في الصميم. وهنا تكمن قيمته الحاسمة بعد الانقطاع الطويل عن الشأن الإسلامي في الصومال. ولأنه خطاب شرعي فهو لا يقبل أية حلول وسطى فضلا عن أنه يرد على شبهات، ما بعد انتهاء الحرب، قد يتعرض لها المجاهدون مشيرا، على سبيل المثال، إلى شبهة الحرب الأهلية وضوابطها الشرعية. والحقيقة أن أهم نقطة على الإطلاق في الخطاب هي تلك التي تستدرك ما وقعت به القاعدة مرغمة حين أيدت المحاكم دون تمحيص. فالقاعدة خصوصا والسلفية الجهادية عموما لا تقبل بأن يتولى القيادة من هم خارج ساحات القتال مهما بلغ إخلاصهم ووفاءهم. وإذا تعذر عليها اختبار المحاكم فيما مضى فإن مثل هذا العذر لم يعد قائما مع تمايز الصفوف وسخونة الميدان الحارقة، وهنا بالضبط تتدخل القاعدة، شرعيا، وهي محصنة بضوابطها التنظيمية لتقرر ما ينبغي عمله في الميدان، لذا نجد الليبي صريحا جدا في التحذير: إياكم أن تجعلوا مصير جهادكم، في أيدي أناس لم يخوضوا غماره، ولم يعيشوا في ساحاته، ولم يتحملوا شيئاً من أعبائه، ولم يأخذوه كعبادة شرعية راسخة دائمة.
بل إن خطاب الليبي حاسم في توجيهاته للمجاهدين: لا تقبلوا بأقل من دولة إسلامية مستقلة لا تعترف بشرعية دولية، ولا تقر بقوانين وضعية، ولا تيمم وجهها شرقاً ولا غرباً. ولا شك أن هذه التحذيرات تضع نصب العين التجارب السابقة في: أفغانستان، والعراق، والشيشان، وحكومة عباس في فلسطين وحتى في الصومال فيما يتعلق بتوجه بعض القادة الإسلاميين وفي مقدمتهم شيخ شريف أحمد نحو الاندراج في الحلول السلمية برعاية أمريكية مباشرة.
بقي أن نقول أن قوة الخطاب الشرعية ومصدره ومضمونه المتخوف من صحوات صومالية وتوقيته بدا أقرب إلى إعلان الاستنفار العام لاسيما وأن القاعدة، وهي تتدخل، هذه المرة، بقوة وثبات في الشأن الصومالي، تصر على دعوة كافة المجاهدين في الصومال بلسان الليبي إلى الاستعداد: لقتال أية قوة تطأ أرضكم كائنة ما كانت، وتحت أي غطاء جاءت، ومهما كانت الدعاوى والمسوغات التي يُمَهد بها لدخولها، تماماً كما تقاتلون قوات الأحباش الصليبية ومن وقف بجانبها وأيد احتلالها بلا فرق. فأيهما المعني بالرد على الخطاب: حركة الشباب؟ أم عموم المجاهدين؟ والقوى الأخرى؟