المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية لماذا يعتبر حدث 11 سبتمبر حدثاً "معولماً" (globalized)؟



BLACK TIGER
29-12-2001, 04:38 AM
في البداية يذكر هاليدي أن هذا الحدث لم يكن متوقعاً, لا في حجمه ولا في طريقة تنفيذه, أو النتائج التي أدى إليها. وهو يصنفه إلى جانب أحداث كبرى في التاريخ لم تكن متوقعة مثل غزو ألمانيا للاتحاد السوفياتي عام 1941, وما قاد إليه من سيطرة ألمانية على أوروبا في الحرب العالمية الثانية وتهديد باجتياح كامل القارة قبل إلحاق الهزيمة بالقوة النازية الجبارة. وأيضاً مثل المباغتة العربية لإسرائيل سنة 1973, وما قادت إليه من خلخلة في ميزان القوى العسكري والنفسي في الصراع العربي الإسرائيلي, وعلى المنوال ذاته غزو العراق للكويت سنة 1990, الذي تسبب في تدمير القوة العربية الأهم في المنطقة آنذاك وإعادة تشكيل التحالفات في منطقة الشرق الأوسط كله ومهد الطريق لمؤتمر مدريد. إضافة إلى عنصر المفاجأة, فإن حدث 11 سبتمبر كما يراه هاليدي يمتاز بأنه حدث عولمي, أو معولم globalized, بامتياز.

ومعنى أن يكون الحدث "معولماً" هو أن تكون له تداعيات تتجاوز حدود الفعل القريبة, وتأثيرات تتجاوز الأطراف المباشرة المنخرطة فيه. وفي حال 11 سبتمبر فإن المنعكسات تعدت بشكل فائق ما حل بتنظيم القاعد مثلاً (بفرض ثبوت أنه الفاعل) والولايات المتحدة الطرف الرئيس في الحدث, حيث عملت تلك التداعيات والتأثيرات وماتزال تعمل على إعادة تشكيل التحالفات والأوضاع العالمية بشكل أو بآخر. ومن الأمثلة على الأحداث المعولمة ذات التأثيرات العالمية الواسعة يعدد هاليدي أحداثاً مثل اغتيال ملك النمسا وزوجته في سراييفو عام 1914, وهو الحدث الذي مثل الشرارة التي أطلقت الحرب العالمية الأولى, وحدث القصف الياباني للأسطول الأميركي في بيرل هاربر عام 1941, والذي أدى إلى دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية لصالح دول التحالف وهو الدخول الذي حسم نتيجة الحرب لصالح دول التحالف, بريطانيا وفرنسا وروسيا, وكذلك أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 التي كادت أن تقود العالم إلى أول حرب نووية كارثية.

ومن هنا فإن هاليدي يرى أن تفجيرات 11 سبتمبر تتميز أيضاً بأن لها تداعيات عميقة على مستوى العالم, ولذا فهي تتسم بسمة "معولمة". فهي أولاً قلبت التوجهات الأميركية في السياسة الخارجية التي كانت تميل إلى الانعزال عن العالم والالتفات إلى الشؤون الداخلية أكثر فأكثر في السنوات الأخيرة. وكانت سيطرة الجمهوريين المحافظين على الكونغرس حتى خلال حقبة الديمقراطيين برئاسة بيل كلنتون, ثم ما آلت إليه الأمور من فوز جورج بوش الابن بالرئاسة تكريساً للنزعة المحافظة في السياسة الخارجية. وقد تمثلت هذه النزعة في تبني مشروع الدرع الصاروخي, ثم الانسحاب من اتفاقية كيوتو للبيئة, وعدم التصديق على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة البيولوجية, ثم أخيراً إلغاء معاهدة الحد من انتشار الصواريخ العابرة للقارات.

ومن المعلوم أن هذه السياسة الانفرادية, قبل أحداث سبتمبر, قد أثارت الدول الكبرى في العالم ضد الولايات المتحدة, وبرزت تصدعات في العلاقة عبر الأطلسي بين واشنطن وبروكسل, فضلاً عن التوتر مع الصين وروسيا. وكان أثر حدث سبتمبر هنا هو في قلب كل تلك الصورة, فقد أقحم الحدث الولايات المتحدة في قلب السياسة الدولية مرة أخرى, ليس كفاعل أساسي ومهيمن, بل وكمسير وقائد لتشكيلة جديد من التحالفات العالمية. وثانياً, قرب حدث 11 سبتمبر بين روسيا تحديداً والولايات المتحدة تحت شعار مكافحة الإرهاب الدولي. ورأب, ثالثاً, التصدعات الأوروبية الأميركية وأعاد توثيق التحالف عبر الأطلسي. ورابعاً, قاد 11 سبتمبر إلى بروز تغير عميق في آسيا لجهة أنخراط الهند في الجهد "الأممي" بقيادة واشنطن ضد مكافحة الإرهاب. وخامساً, وفر حدث سبتمبر فرصة ذهبية لإعادة ترتيب جدول الأولويات العالمي ووضع قضية ما يسمي بـ "مكافحة الإرهاب الدولي" على رأس ذلك الجدول, واستغلال فرصة التوافق العالمي على إدانة جريمة نيويورك لتمرير أجندات أخرى لا تعبأ بسيادات الدول وتسهل عمليات التدخل في شؤونها الداخلية. هذه التداعيات وغيرها مما لا زلنا نراه راهناً هو الذي يفرق بين حدث سبتمبر ويعطيه السمة العولمية, وأحداث أخرى مثل حرب الشيشان أو حرب البوسنة أو حتى القضية الفلسطينية, فهي أحداث وقضايا على أهميتها لم تؤثر في إعادة تشكيل السياسة والتحالفات الدولية, أو تقلب جدول الاهتمامات العالمي, وتشكل مفصلاً تاريخياً في طبيعة العلاقات الدولية كالذي شكله يوم 11 سبتمبر.