المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المألوف واللامألوف



BMW 740
22-07-2008, 05:06 AM
يرتكز الوعي الجمعي للأمم على منطقتين متمايزتين عن بعضهما البعض :هما المألوف واللامألوف أو المعروف والغير معروف
ومن خلال هذا التمايز في قلب الوعي تتجسد التصورات والرؤى وحدود المعقولية لتمثل ثقافة المجتمع أو الأمة
ومن المسلمات أن هذه الثقافة لاتصنعها الايديولوجيا السائدة فقط كما هو الشائع بل تتكامل الايديولوجيا مع باقي العوامل الاجتماعية كالبيئة السياسية ونظمها والطبقات الاجتماعية وأنساقها والمخزون المعرفي لديها من خبرات وتجارب عميقة تؤثر أو قادرة على التأثير في وعيها
حتى المناخ والبيئة الطبيعية تشكل عاملاً من عوامل صنع ثقافتها وتحديد الخيارات الايجابية والسلبية.

بل إن الايديولوجيا دائما تستلهم معظم قيمها ومفاهيمها ورموزها المعرفية من قلب وعي الامة ومن منطقتيها المتمايزتين : المألوف واللامألوف

فلم تكن الايديولوجيا يوما ما خارج نطاق المعقولية والوعي بمعنى أنها أتت بمفاهيم وقيم غريبة على مجتمعها ،
فتحريم الحرام وتحليل الحلال في الشريعة الاسلامية مثلا جاء في جزئه الاكبر منطلقاً من مصالح المجتمع المبعوث فيه نبيه ومن مطالب إستمراره وصلاحه
(((إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق)))

إذا عرفنا بأن الايديولوجيا تشكل عامل من عوامل صنع الثقافة وترسم خطا فاصلا بين ماهو حلال وماهو محرم من قبل تشريع إلهي فإننا نعرف لماذا ينقص تدريجيا الخط الفاصل حتى يكاد ينعدم بين المألوف من جهة و(الحلال) -كمألوف إيديولوجي-من جهة أخرى
واللامألوف من جهة و(الحرام)-كالامألوف أيديولوجي-من جهة أخرى .

للتوضيح بمثال
(كيف أن رجالات قريش وهم على شركهم قبل البعثة النبوية بسنوات لماأرادوا بناء الكعبة بعد تهدمها جمعوا لها كل مال هو في نظرهم حلال وأشترطوا ألا يدخله مهر بغي ولابيع ربا ولامظلمة لإحد من الناس ثم جاء الاسلام ليقرر هذا العرف أو المألوف واللامألوف بتشريع إلهي فحرم الزنا والربا والظلم )

بيد أن إنعدام الحد الفاصل بين الايديولوجيا والعرف ليس الا مشكلة ثقافية خطيرة تلقي بظلال سيئة على المجتمع وتُضيّق من هامش حريته وإرادته
وتحرمه من تصور النوازل والحوادث وإستيعابها فضلا عن قدرته على حل الإشكالات وتكييف رغبات المجتمع الجديدة مع قيمه ومعتقداته

وهذا هو لب الموضوع وماأردت الوصول اليه وهو
ليس بالضروروة كل لامألوف محرم
وليس بالضروروة كل مألوف حلال

وبطبيعة الحال الذي دفعني الى كتابة هذا هو أن معظم الاحاديث الدائرة في أوساط المجتمع السعودي اليوم تدور حوله
وهي وإن كانت مواضيع تافهة إلا أنها قد شغلت الرأي العام عن قضاياه المصيرية وأصبحت ساحة عراك بين التيارات الفكرية التي أفسدت الدين والدنيا معاً وللإسف الشديد
ومن تلك المواضيع مايتعلق بالمرأة السعودية وقيادتها للسيارة ومخالطتها ومشاركتها للرجل في مهامه
فمنهم من يصبغ القضية صبغة دينية متجاوزا بالحرام حدوده الى حدود اللامألوف
ومنهم من لايكترث بذلك ليس لكون القضية مرجعها العرف الاجتماعي السائد وإنما لكون إيديولجيته اليسارية تنادي بالعداء لكل ماهو تحت صبغة دينية أو هكذا يعتقدون ..!!!
فهو لايريد لها أن تقود سيارتها لتجد عملا مناسبا ودخلا طيبا يعفها عن المسالة -وإلا لناقش قضايا أهم مثل البطالة والفقر والفساد السياسي-
ولكن هو يريدها تقود سيارتها ليشعر بنشوة الانتصار الايديولوجي على المخالف وكيف إستطاع ان يسحب البساط من تحت أقدامه
ويهزمه بالضربة القاضية ..!!

والآخر لايمنعها من بعض حقوقها المشروعة كالعمل والتكسب بالحلال خوفا عليها وعلى عفتها من الدنس ....
ولا لإن الشرع الاسلامي حرّم ذلك وإن زعموا
ولكن لكي لاينجح مايسمونه بمشروع تغريب المرأة وإفسادها الذي يحمل أوراقه خصومهم من اليسار المتجلبب بعباءة الليبرالية ظلما وزورا

وهكذا أصبحت المرأة كرة يتقاذفونها ويتقاتلون عليها كتقاتلهم على قضايا أخرى مثل السلطة السياسية والسياسة التعليمية والعلاقات الخارجية ...وغيرها

بل أصبح بإمكان الحصيف أن يعرف موقف الطرف الآخر بناءا على موقف الطرف هذا ...!!!
ذلك أنهما ليسا سوى صرخة وصداها في أشد العصور العربية ظلمة وتقهقر.