المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تحليلات.."إعدام فرعون".. تصدير الطائفية عبر الثقافة



إسلامية
25-07-2008, 12:09 AM
في الوقت الذي كان يعتقد فيه البعض أن التقارب المصري الإيراني أصبح وشيكا, بفعل حسن إبداء النوايا من جانب القاهرة, لحرصها على عدم توجيه ضربة عسكرية إلى طهران، وقيام أكثر من وفد سياسي وثقافي مصري بزيارة العاصمة الإيرانية، إذا بطهران تضرب بكافة هذه الرغبات المصرية عرض الحائط, بعدما بثت فيلما عن الرئيس المصري السادات , حمل عنوان "إعدام فرعون".




والواقع، فإن الفيلم، وعلى الرغم من كونه يدرج في إطار المصنفات الفنية، إلا أن له دلالته السياسية الواضحة، نتيجة للرغبة الإيرانية للنيل من الرئيس السادات، بعدما استضاف شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي، والذي أسقطته الثورة الخومينية، فما كان من السادات إلا أن استضافه في القاهرة، حتى توفي فيها، ودفن في أحد أشهر مساجدها الأثرية، وهو جامع الرفاعي بحي القلعة، ضمن مقابر الأسرة العلوية في مصر، والمدفون فيها أيضا ملك مصر فاروق الأول.



ومن هنا، لم يكن مستبعدًا أن تنتج إيران فيلما عن زعيم مصر السابق ، تحت الْمُسَمَّى الذي صدر به، وأثار جموع المصريين، الذين انبرى مفكروهم ومثقفوهم وسياسيوهم رافضين للفيلم، وتشويه سمعة الرئيس المصري .


والواقع، فإن طهران لم تترك مناسبة إلا وتنكل فيها بالرئيس المصري السابق, للدرجة التي جعلت قادة الثورة الإسلامية في طهران يطلقون اسم قاتله خالد الإسلامبولي على أحد شوارع العاصمة, فضلا عن جدارية تصوره، تقديرا لدوره في قتل السادات!


هذا التكريم لقاتل السادات كان يقابله من وقت لآخر، استياء واسع من القيادة المصرية، التي نددت أكثر من مرة بإطلاق اسم الإسلامبولي على أحد شوارع طهران، ومطالبتها المتكررة، برفع اسمه وجداريته، إلا أن إيران كانت في كل مرة تصدر تطمينات إلى الدبلوماسية المصرية، بأنه لا ينبغي أن يساهم اسم شارع أو جدارية في الإساءة للعلاقات بين البلدين, إلى أن قامت قبل عدة أعوام بتغيير اسم الشارع إلى "الانتفاضة"، في إشارة إلى الانتفاضة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.



ومع ذلك، فإن القاهرة من جانبها حرصت- أكثر من مرة- على إبداء حسن نواياها لتطبيع العلاقات مع قادة الثورة الإسلامية في إيران، إلا أن ملالي إيران في كل مرة كانت لهم كلمة أخرى، أو بالأحرى نوايا مناقضة!



ومن بين حسن النوايا التي أثبتتها القاهرة، حرص الرئيس حسني مبارك على لقاء الرئيس السابق محمد خاتمي مرتين، أولاها قبل خروجه من السلطة، وتحديدا في جنيف، والأخرى في القاهرة، وهو خارج السلطة، عندما قام خاتمي، قبل عامين، بزيارة القاهرة، بدعوة من مكتبة الإسكندرية، ووقتها قوبل خاتمي بحفاوة بالغة، بدءًا من رئيس الدولة، وانتهاءً بترحيب شعبي ونخبوي لافت.
ومع ذلك كله، فلا تزال نوايا ملالي إيران تجاه مصر واضحةً معلنةً بهدف الرغبة في تصدير الفكر الشيعي للقاهرة، بعدما أصبحت القاهرة عصيةً عليه، وشعورًا من الملالي بأنّ القاهرة لابد أن تعود إلى حظيرة الفكر الشيعي، كما كانت دولة فاطمية، قبل 350 عاما تقريبا!


هذه المحاولات لتصدير الفكر الشيعي لمصر، تتواصل من وقت لآخر، حتى جاءت هذه المرة، في شكل ثقافي, وكأنما أرادت طهران، أن توجه رسالتها هذه المرة، عبر المنتج الفني، ولم يتوقف الأمر عند هذا التصدير وفقط، بل وتشويه سير الزعماء، بدعوى حرية الفكر والفن، وأن العمل لا يخرج عن كونه عملًا فنيًّا، لا يحمل دلائل سياسية!


ومع هذه الرؤية المجتزأة من جانب ملالي إيران، فإنهم يدركون في حقيقة أنفسهم أن العمل يفوق الجانب الفني، وأنه يحمل فكرا وسياسة، لهما معنى كبير، في ظل تلك الحالة المحتقنة من جانب الملالي على القاهرة، لتمسكها بالسنة النبوية الشريفة، واعتصامها بمذهب أهل السنة والجماعة، وفشل كافة المحاولات لتصدير الفكر الشيعي إليها.


وعلاوة على ذلك ومن قبله، فإن الملالي يدركون أن الفيلم، يُعْتَبر سلوكا مرفوضا يمثل أبشع صور الخروج عن أحكام الإسلام وعلى آدابه وقِيَمِه الشريفة, فضلًا عما يشكله من إساءة بالغة، دفعت مصر إلى المطالبة بإحراق نسخ الفيلم، وعدم عرضه، فيما هدد بعض الكتاب والصحفيين في مصر بإعداد فيلم عن الخوميني, وثورته الدموية، على حسب وصفهم.



وفي الوقت نفسه، فإن كثيرا من المراقبين يعتبرون الفيلم يضر بالدعوة إلى التقريب بين المذاهب التي ينادى بها العقلاء من فقهاء إيران, وكانت لها صدى كبير في مصر، للدرجة التي جعلت العلامة الشيخ محمود شلتوت يدعو إلى التقاء فقهاء إيران, في محاولة للتقريب بين المذاهب.
والفيلم، بحسب المختصين، يخلو من أي دلالة أو حبكة فنية، ويعكس تَرَدِّيًا فكريا لدى منتجيه، فضلا عن أنه بإصدار طهران له, تكون بذلك قد انتهكت الأعراف الدبلوماسية؛ حيث يشكل ذلك اغتيالا معنويا لمصر .


ومن هنا فإن الفيلم فيلم إعلامي وسياسي، ولا يجوز معاملته كعمل فني، فهو نابع من سياسة الدولة التي أنتج فيها، وعرض في دُورها، وهي مسايرة للهدف الإيراني العتيق بتصدير المذهب الشيعي إلى البلاد العربية والإسلامية, من خلال الأعمال الثقافية والفنية، بد فشلهم سياسيًّا في اختراق البنية العربية السنية.


ويبرر مسئولو الخارجية الإيرانية إنتاج الفيلم بأن منتجيه من مؤسسة غير حكومية من القطاع الخاص، ويتماشى إنتاجه مع حرية التعبير في إيران- !!- "وأن محتوى الفيلم لا يمت بصلة للموقف الرسمي لطهران, والذي يعكسه المسئولون الإيرانيون".


ومن جانبها، تسعى أسرة الرئيس الراحل أنور السادات إلى مقاضاة منتجي الفيلم الوثائقي، بعدما ناشدت الأسرة الحكومة المصرية باتخاذ إجراءات قانونية ضد إيران, وضرورة تعويض أسرته بنحو مليوني دولار, في الوقت الذي سبق أن استدعت فيه وزارة الخارجية المصرية رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة، وإبلاغه باحتجاج مصر واستيائها الشديد من الفيلم.
وكما هو معروف، فإن العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين انقطعت منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وذلك على خلفية إبرام مصر اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل في العام 1978.
وشهدت العلاقات بعضَ التَّحَسُّن في السنوات الأخيرة، غير أن إطلاق اسم خالد الإسلامبولي على شارع في طهران، اعتُبِرَ من بين الأسباب التي تعرقل استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين.


http://www.islamtoday.net/albasheer/show_articles_content.cfm?id=72&catid=79&artid=13352 (http://www.islamtoday.net/albasheer/show_articles_content.cfm?id=72&catid=79&artid=13352)