المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الـقَوَاعِـدُ الحِسـَانْ في أسـرَارِ الـطاعةِ و الإسـتِعدادِ لـِ رَمـَضانْ



أحْـــــمَـدْ
21-08-2008, 03:58 PM
بِسْمِ اللـَّهِ الرَّحـْمـَنِ الرَّحِـيمِ
السَّـلاَمُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّـهِ وَ بَرَكَاتُهْ


http://www4.picturepush.com/photo/a/1000232/800/Thoughts/ramadan-.jpg


إن الحمد لله، نحمده ، و نستعينه ونستغفره ، و نعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلّ له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أن محمدًا عبده و رسوله و سلِّم تسليمًا كثيرًا و على آله و صحبه و أزواجه و أتباعه إلى يوم و بعد ..

فقد أجمع العقلاء على أن أنفسَ ما صُرفت له الأوقات هو عبادة رب الأرض و السموات ، و السير في طريق الآخرة ، و بذل ثمن الجنة ، و السعاية للفكاك من النار .

و لما كان هذا الطريق كغيره من الطرق والدروب تكتنفه السهول و الوهاد و الوديان والجبال و المفاوز و يتربص على جنباته قطاع الطرق و لصوص القلوب ، احتاج السائر إلى تلمس خِرِّيتٍ([1] (http://www.montada.com/newthread.php?do=newthread&f=126#_ftn1)) يبصره الدروب الآمنة ، و المسالك النافذة ، و يعرفه مكامن اللصوص ، و أفضل الأزمنة ، و أنسب الأوقات للجدّ في السفر ، و قد كان هذا الخريت هو منهج سلفنا الصالح في النسك ، و طرائقهم في السير إلى الله و عباراتهم في الدلالة عليه ، كانت بحق خير مِعْوان على انتحاء جهة الأمان .

و هذا النسك السلفي العتيق ، و المنهج السني الرشيد في التزكية ، لا غنى عنه لكل طالب طريق السلامة ، فلا عصمة لمنهج في مجمله إلا منهج السلف الصالح .

دع عنك ما قاله العصري منتحلاً
وبالعتيق تمسك قَط واعتصمِ

و لما كانت الأزمنة الفاضلة من أنسب أوقات الجد و الاجتهاد في الطاعة و كان شهر رمضان من مواسم الجود الإلهي العميم ، حيث تُعْتَق الرقاب من النار ، و توزع الجوائز الربانية على الأصفياء و المجتهدين ، كان لزامًا أن تتواصى الهمم على تحصيل الغاية من مرضاة الرب في هذا الشهر ، و هو من التواصي بالحق المأمور به في سورة العصر ، و إذا كان دعاة الباطل و اللهو و الفجور تتعاظم هِمَمُهُم في الإعداد لغواية الخلق في هذا الشهر بما يذيعونه بين الناس من مسلسلات و رقص و مجون و غناء ، فأَخْلِقْ بأهل الإيمان أن ينافسوهم في هذا الاستعداد ، و لكن في البر والتقوى .

و لقد صامت أمتنا دهورًا ، غير أن صومها لهذا الشهر ما كان يزيدها إلا بعدًا عن ربها و مليكها و حاكمها الحقيقي ، فصار رمضان موسمًا مفرّغًا من مضمونه مجردًا من حقائقه ، بل صار ميدانًا للعربدة و شغل الأوقات بما يغضب الكريم المتعال .

و لو تجهزت الأمة لهذا الشهر الفضيل و أعدت له عدته ، و شمر الناس جميعًا سواعد الجد و شدوا مآزرهم في الطاعة لرأينا أمة جديدة تولد ولادة شرعية ، و ذلك بعد استعداد جاد و مخاض عولجت فيه الهمم والعزائم لتدخل في الشهر و هي وثابة إلى الطاعات .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
( [1] ) الدليل الحاذق في معرفة الطريق و المسالك .

أحْـــــمَـدْ
21-08-2008, 04:13 PM
بعث واستثارة الشوق إلى الله
http://www.lakii.com/vb/smile/10-12.gif

على مر الأيام والليالي يَخْلَقُ الإيمان في القلب وتصدأ أركان المحبة فتحتاج إلى من يهبك سربالاً إيمانياً جديدًا تستقبل به شهر رمضان، و أصل القدرة على فعل الشيء معونة الله ثم مؤونة العبد، ونعني بالمؤونة رغَبته وإرادته، فعلى قدر المؤونة تأتي المعونة.

وفي الحديث القدسي: " إذا تقرب العبد إليّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإذا تقرب إليّ ذراعًا تقربت منه باعًا، وإذا أتاني يمشي يمشي أتيته هرولة " رواه البخاري.

فالبداءة من العبد ثم الإجابة حتمًا من الرب:
{ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }
{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ }.

فلابد من إثارة كوامن شوقك إلى الله عز وجل حتى تلين لك الطاعات فتؤديها ذائقًا حلاوتها ولذتها، وأية لذة يمكن أن تحصلها من قيام الليل ومكابدة السهر ومراوحة الأقدام المتعبة أو ظمأ الهواجر أو ألم جوع البطون إذا لم يكن كل ذلك مبنيًا على معنى: { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى }؟!

ومن لبى نداء حبيبه بدون شوق يحدوه فهو بارد سمج، دعوى محبته لا طعم لها.

لا جرم كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلّم في صلاته: "وأسألك الرضا بالقضاء وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك…" رواه النسائي بسند صحيح.

وشوقك لربك ولإرضائه أفناه رَين الشبهات والشهوات وأهلكته جوائح المعاصي ومرور الأزمنة دون كدح إلى الله، فتحتاج يا باغي الخير إلى بعث هذا الشوق من جديد لو كان ميتًا، أو استثارته إن كان موجودًا كامنًا.

http://www.lakii.com/vb/smile/10-14.gifعوامل بعث الشوق إلى اللهhttp://www.lakii.com/vb/smile/10-14.gif

1-مطالعة أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، و تدبر كلامه وفهم خطابه فإن من شأن هذه المطالعة والفهم والتدبر فيها أن يشحذ من القلب همة للوصول إلى تجليات هذه الأسماء والصفات والمعاني، فتتحرك كوامن المعرفة في القلب والعقل ويأتي عندئذٍ المدد.

وتأمل قصة أبي الدحداح في فهمه كلام ربه كيف حرك أريحيَّتُه وألبسه حب البذل.

فعن عبد الله بن مسعود قال:
لما نزلت هذه الآية: { مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ }
قال أبو الدحداح الأنصاري:
وإن الله يريد منا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدحداح، قال: أرني يدك يا رسول الله، قال فناوله رسول الله يده، قال فإني أقرضت ربي حائطي، قال: حائطه له ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها. قال فجاء أبو الدحداح
فنادي يا أم الدحداح! قالت: لبيك، قال: أخرجي من الحائط فإني أقرضته ربي عز وجل، وفي رواية أخرى أنها لما سمعته يقول ذلك عمدت إلى صبيانها تُخرج ما في أفواههم وتنفض ما في أكمامهم فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: "كم من عِذْقٍ رَدَاح في الجنة لأبي الدحداح".

وتأمل رعاك الله من عَطَنِ الشبهات كيف فهم الصحابي من كلام الله عز وجل المعنى الظاهر بدون أن يكون في قلبه تردد أو تهيب لأن شجرة إيمانه قامت على ساق التنزيه.

2-مطالعة منن الله العظيمة وآلائه الجسيمة فالقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها ولذلك كثر في القرآن سوقُ آيات النعم و الخلق و الفضل تنبيهًا لهذا المعنى، وكلما ازددت علمًا بنعم الله عليك كلما ازددت شوقًا لشكره على نعمائه.

3- التحسر على فوت الأزمنة في غير طاعة الله،بل قضاؤها في عبادة الهوى.

قال ابن القيم:
وهذا اللحظ يؤدي به إلى مطالعة الجناية، والوقوف على الخطر فيها، والتشمير لتداركها والتخلص من رقها وطلب النجاة بتمحيصها. أهـ.

4-تذكر سبق السابقين مع تخلفك مع القاعدين يورثك تحرقاً للمسابقة والمسارعة والمنافسة، وكل ذلك
أمر الله به، قال تعالى: { وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ }
وقال: { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ }
وقال: { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ }.

واعلم- يا مريد الخير- أن بعث الشوق وظيفة لا ينفك عنها السائر إلى
الله عز وجل، ولكن ينبغي مضاعفة هذا الشوق قبل شهر رمضان ليُضاعفَ الجهد فيه، وهذا الشوق نوع من أنواع الوقود الإيماني الذي يُحفّز على الطاعة، ثم به يذوق المتعبد طعم عبادته ومناجاته.

http://www.lakii.com/vb/smile/10-14.gifومجالات الشوق عندك كثيرة أعظمها وأخطرهاhttp://www.lakii.com/vb/smile/10-14.gif

الشوق إلى رؤية وجه الله عز وجل، ويمكنك أن تتمرن على قراءة هذا الحديث مع تحديث نفسك بمنزلتها عند الله، وهل ستنال شرف رؤيته أم لا؟ قال صلى الله عليه وسلّم:
"إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيّض وجوهنا؟ ألم تُدخلنا الجنة وتنجّنا من النار؟ فيُكشفُ الحجاب، فما أُعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم". رواه مسلم.

وفي مجالات الشوق:
الشوق إلى لقاء الله وإلى جنته ورحمته ورؤية أوليائه في الجنة وخاصة الشوق للقاء النبي صلى الله عليه وسلّم في الفردوس الأعلى.

واعلم أن لهذا الشوق لصوصًا وقطاعًا يتعرضون لك،
فاحذر الترفه (وخاصة في شهر رمضان) واحذر فتنة الأموال، والأولاد والأزواج، خلفهم وراءك ولا تلتفت
وامض حيث تؤمر، واجعل شعارك في شهر رمضان:
{قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْك رَبِّ لِتَرْضَى }.

فحيَّهلا إن كنت ذا همةٍ فقدْ .. حدا بك حادي الشوق فـ اطوِ المراحلَا
ولا تنتظر بالسير رفقة قاعدٍ .. ودعْهُ فإن العزمَ يكفـيكَ حاملـَا

أحْـــــمَـدْ
23-08-2008, 08:57 AM
معرفة فضل المواسم ومنة الله فيهاوفرصة العبد منها
http://www.lakii.com/vb/smile/10-12.gif

قال ابن رجب رحمه الله : و جعل الله سبحانه وتعالى لبعض الشهور فضلاً على بعض،
كما قال تعالى:
{ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ }
و قال تعالى:
{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ }
و قال تعالى:
{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ }

كما جعل بعض الأيام والليالي أفضل من بعض، وجعل ليلة القدر خيرًا من ألف شهر،
وأقسم بالعشر وهي عشر ذي الحجة على الصحيح (وما في هذه المواسم الفاضلة موسمٌ إلا ولله تعالى فيه وظيفة من وظائف طاعته، يُتقرَّب بها إليه، ولله فيه لطيفة من لطائف نفحاته، يصيب بها من يعود بفضله و رحمته عليه، فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، و تقرب فيها إلى مولاه بمافيها من وظائف الطاعات فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار و ما فيها من اللفحات،

وقد خرَّج ابن أبي الدنيا والطبراني وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "اطلبوا الخير دهركم كله وتعرضوا لنفحات ربكم فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده وسلوا الله أن يستر عوراتكم ويؤُمن روعاتكم" (ضعيف الجامع).

وفي الطبراني من حديث محمد بن مسلمة مرفوعًا: "إن لله في أيام الدهر نفحات فتعرضوا لها،فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدًا" (صحيح الجامع).

وفي مسند الإمام أحمد عن عقبة بن عامر عن النبي - صلَّى الله عليه و سلَّمَ - قال: "ليس من عمل يوم إلا يُختم عليه" (صحيح الجامع).

روى ابن أبي الدنيا بإسناده عن مجاهد قال: ما من يوم إلا يقول:
ابن آدم قد دخلت عليك اليوم ولن أرجع إليك بعد اليوم فانظر ماذا تعمل فيّ، فإذا انقضى طواه، ثم يختم عليه فلا يفك حتى يكون الله هو الذي يَفُضُّ ذلك الخاتم يوم القيامة، و يقول اليوم حين ينقضي : الحمد لله الذي أراحني من الدنيا وأهلها، ولا ليلةٍ تدخل على الناس إلا قالت كذلك ، و بإسناده (أي ابن أبي الدنيا) عن مالك بن دينار.

وعن الحسن قال: ليس يوم يأتي من أيام الدنيا إلا يتكلم، يقول:
يا أيها الناس:
إني يوم جديد وإني على ما يُعمل فيّ شهيد،وإني لو قد غربت الشمس لم أرجع إليكم إلى يوم القيامة.

و عنه أنه كان يقول: يا ابن آدم اليوم ضيفك، والضيف مرتحل يحمدك أو يذمُّك،وكذلك ليلتك .

وبإسناده عن بكر المُزني أنه قال:
ما من يوم أخرجه الله إلى أهل الدنيا إلا ينادي: بن آدم اغتنمني، لعله لا يوم لك بعدي، ولا ليلةٍ إلا تنادي: ابن آدم اغتنمني، لعله لا ليلة لك بعدي.

وعن عمر بن ذر أنه كان يقول:
اعملوالأنفسكم رحمكم الله في هذا الليل وسواده، فإن المغبون من غبن خير الليل والنهار ، والمحروم من حرم خيرهما، وإنما جُعلا سبيلاً للمؤمنين إلى طاعة ربهم و وبالاً على الآخرين للغفلة عن أنفسهم،فأحيوا لله أنفسكم بذكره، فإنما تحيا القلوب بذكر الله. أهـ.

واعلم- رحمني الله وإياك-أن معرفة فضل المواسم يكون بمطالعة
ما ورد فيها من فضل وبما يحصل للعبد من الجزاء إذا اجتهد.

ويمكنك مطالعة هذه النصوص والآثار في الكتب المعنية بالفضائل كرياض
الصالحين للنووي والترغيب والترهيب للمنذري ولطائف المعارف لابن رجب.

أحْـــــمَـدْ
28-08-2008, 03:03 AM
تمـارين العـزيمة و الهـمـة
http://www.lakii.com/vb/smile/10-12.gif

إذا كان الأصوليون يُعرّفون العزيمة بأنها ما بُنيت على خلاف التيسير كالصوم
في السفر لمن أطاقه ، و عدم التلفظ بكلمة الكفر و إن قُتل ،
فإن العزيمة عند أهل السلوك لها حظ من هذا المعنى فالعزيمة أو العزم عندهم هو استجماع قوى الإرادة على الفعل .

وكأن صاحب العزيمة لا رخصة له في التخلف عن القيام بالهمة ، بل هو مُطالَب باستجماع قوته و شحذها حتى يطيق الأداء .

و غالب من تكلم في هذا الباب لم يُشِر إلى أهمية تمارين العزيمة أي تحفيز الهمة
لتقوى على المجاهدة في الأزمنة الفاضلة ، مع أن الشرع أشار إلى ذلك باستحباب صوم شعبان لتتأهب النفس و تقوى على صيام رمضان بسهولة .

و كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل أن يبدأ بركعتين خفيفتين حتى تتريض نفسه و لا تضجر .

و أشار الشاطبي في الموافقات إلى أن السنن و النوافل بمثابة التوطئة و إعداد النفس للدخول في الفريضة على الوجه الأكمل.

و كثير من الناس يعقد الآمال بفعل جملة من الطاعات في شهر رمضان فإذا ما أتى الشهر (أصبح خبيث النفس كسلان) و ذلك لأنه لم يحل عقدة العادة و الكسل و القعود .

و العزيمة لا تكون إلا فيما لا تألفه النفوس أو لا تحبه فتحتاج النفس إلى
المجاهدة في معرفة فضل ذلك العمل المكروه إليها ثم في مجاهدة إرادات العجز والكسل ،

و لذلك قال الله عن الجهاد :
{ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ...}.

وتمارين العزيمة من صميم القيام بحق شهر رمضان و تحصيل المغفرة فيه لأنه
لا قوة للنفس ما لم تُعد العدة للطاعة
قال تعالى: { وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُم فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ }.

قال ابن الخراط- في كتابه الصلاة والتهجد- كتب الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز- رحمهما الله- : أما بعد ، فإنه من حاسب نفسه ربح و من غفل عنها خسر ، و من نظر العواقب نجا ، و من أطاع فهو أفضل ، و من حلُم غنم ، و من اعتبر أبصر ، و من أبصر فهم ، و من فهم علم ، فإذا ندمتَ فأقلِع ، وإذا جهلت فَسَلْ ، وإذا غضبت فأمسك ، و اعلم أن أفضل الأعمال ما أُكرهت النفسُ عليه .

و قد اعترض بعض العلماء بظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المُنبتَّ لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى"،
وبقوله صلى الله عليه وسلم: "اكفلوا من العمل ما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا"،
وبالحديث الآخر: "ليصلّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر أو كسل فليقعد" ،

و لم يُرد صلى الله عليه وسلم ألا تعمل حتى تنشط بحسك للعمل ، و حتى تقبل عليه و تبادر إليه ، فإن النفس كسلى ثقيلة عن فعل الخير ، بطيئة النهوض إلى أعمال البر ، فلو لم تصلّ مثلاً حتى تدعوك نفسك للصلاة و حتى تنشط إليها وتخف عليها لما صليت إلا قليلاً ، و ربما لم تُصَلِّ معها أبدًا ، و لا قامت لك عن فراشها و لا تركت راحتها و لا لذيذ نومها .

وإنما أمر بالرفق و حذر من الإفراط في التعب الذي يقطع بصاحبه و يُقعده ،
و في قوله صلى الله عليه وسلم: "اكفلوا من الأعمال ما تطيقون"ما يدل على الاجتهاد ويبيح أخذ النفس بما تكره منه، فإن الإنسان قد يكره على الضرب (النوع) من العمل و يكسل عنه ، فإذا كُلِّفهُ أطاقه و قام به و تحمل
المشقة فيه مع كراهيته له و كسله عنه ، فلا بد من الحمل على النفس و أخذها بالجد و الكد ، و تخويفها بأن تُسبَق إلى الله عز و جل ، و تحذيرها من أن يُستأثر دونها بما عند الله ، و أن يصل العمل بالعمل و الاجتهاد بالاجتهاد حتى يصل إلى الحد الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو الذي يخاف معه الانقطاع والانبتات .

و قال أبو الدرداء لرجل يقال له صبيح: "يا صبيح تعود العبادة فإن لها عادة ، و إنه ليس على الأرض شيءٌ أثقل عليها من كافر".

و أما قوله صلى الله عليه وسلّم "ليُصَلِّ أحدكم نشاطه فإذا فتر أو كسل فليقعد"
فما أراد- والله أعلم-أن تصلي ما دمت على نشاط فإذا خالطك الكسل أن تترك الصلاة ، و إنما أراد صلى الله عليه وسلم الكسل الذي لا يقدر معه
صاحبه على شيء إلا بعد جهد جهيد و حمل على النفس شديد ، حتى لو قيل مثلاً صلِّ و خذ كذا و كذا- لثواب حاضر يُعرض عليه ويُرغب فيه- لم يقدر فهذا هو الكسل الذي يُنهى صاحبه عن العمل معه مخافة الانقطاع
و ترك العمل، هذا أو نحوه، والله أعلم .

والدليل على هذا القولتكلُّفه الصلاة حتى تشققت قدماه، وهذا إنما هو في النافلة وأما الفريضة فتُصلى على كل حال، في الصحة والمرض يصليهما قائمًا أو قاعدًا أو مضطجعًا أو مكتوفًا أو كيف كان وكيفما أمكن أهـ. من كتاب الصلاة والتهجد لابن الخراط.

ولعل هذا التحقيق النفيس قد جلّى لك كوامن أسرار، فكن منها على ذُكر فإن هذا المقام من أنفس ما تجده في كتب الزهد والرقائق والسلوك.

(لقد فقه سلفنا الصالحون عن الله أمره، وتدبروا في حقيقة الدنيا، ومصيرها إلى الآخرة، فاستوحشوا من فتنتها، وتجافت جنوبهم عن مضاجعها، وتناءت قلوبهم من مطامعها، وارتفعت همتهم على السفاسف فلا تراهم إلا صوامين قوامين، باكين والهين، ولقد حفلت تراجمهم بأخبار زاخرة تشي بعلو همتهم في التوبة والاستقامة، وقوة عزيمتهم في العبادة والإخبات،

وهاك طرفًا من عباراتهم وعباداتهم التي تدل على تشميرهم وعزيمتهم وهمتهم:

قال الحسن: من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياه فألقها في نحره.

وقال وهيب بن الورد: إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل .

وقال الشيخ شمس الدين محمد بن عثمان التركستاني: ما بلغني عن أحد من الناس أنه تعبد عبادة إلا تعبدت نظيرها وزدت عليه.

وقال أحد العباد: لو أن رجلاً سمع برجل هو أطوع لله منه فمات ذلك الرجل غمًا ما كان ذلك بكثير.

وقيل لنافع: ما كان ابن عمر يفعل في منزله؟ قال: الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما.

وكان ابن عمر إذا فاتته صلاة الجماعة صام يومًا، وأحيا ليلة، وأعتق رقبة.

واجتهد أبو موسى الأشعري قبل موته اجتهادًا شديدًا، فقيل له: لو أمسكت أو رفقت بنفسك بعض الرفق؟ فقال: عن الخيل إذا أُرسلت فقاربت رأسَ مجراها أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلها أقلُّ من ذلك، قال: فلم يزل على ذلك حتى مات.

وعن قتادة قال:قال مورق العجلي: ما وجدت للمؤمن في الدنيا مثلاً إلا مثل رجلٍ على خشبة في البحر، وهو يقول: "يا رب يا رب" لعل الله أن ينجيه.

وعن أسامة قال:كان من يرى سفيان الثوري يراه كأنه في سفينة يخاف الغرق، أكثر ما تسمعه يقول:"يا رب سلّم سلّم".

وعن جعفر: دخلنا على أبي التياح نعوده، فقال: والله إنه لينبغي للرجل المسلم أن يزيده ما يرى في الناس من التهاون بأمر الله أن يزيده ذلك جدًا واجتهادًا، ثم بكى.

وعن فاطمة بنت عبد الملك زوج أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: ما رأيت أحدًا أكثر صلاة ولا صيامًا منه ولا أحدًا أشد فرقًا من ربه منه، كان يصلي العشاء ثم يجلس يبكي حتى تغلبه عيناه ثم ينتبه فلا يزال يبكي تغلبه عيناه، ولقد كان يكون معي في الفراش فيذكر الشيء من أمر الآخرة فينتفض كما ينفض العصفور من الماء ويجلس يبكي فأطرح عليه اللحاف.

وعن المغيرة بن حكيم قال:قالت فاطمة بنت الملك: يا مغيرة، قد يكون من الرجال من هو أكثر صلاة وصيامًا من عمر ابن عبد العزيز ولكني لم أر من الناس أحد قط كان أشد خوفًا من ربه من عمر، كان إذا دخل البيت ألقى نفسه في مسجده، فلا يزال يبكي ويدعو حتى تغلبه عيناه، ثم يستيقظ فيفعل مثل ذلك ليلته جمعاء.

وعن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع أنه دخل على فاطمة بنت عبد الملك فقال: ألا تخبريني عن عمر؟ قالت: ما أعلم أنه اغتسل من جنابة ولا احتلام منذ استُخلِف.

وكان الأسود بن يزيد يجتهد في العبادة، ويصوم في الحر حتى يخضر جسده ويصفر، فكان علقمة بن قيس يقول له: لِمَ تعذب نفسك؟ فيقول: كرامتها أريد، وكان يصوم حتى يخضر جسده ويصلي حتى يسقط، فدخل عليه أنس بن مالك والحسن فقالا له: إن الله عز وجل لم يأمرك بكل هذا، فقال: إنما أنا عبد مملوك لا أدع من الاستكانة شيئًا إلا جئت به.

وقيل لعامر بن عبد الله:كيف صبرك على سهرالليل وظمأ الهواجر؟ فقال: هل هو إلا أني صرفت طعام النهار إلى الليل ونوم الليل إلى النهار؟ وليس في ذلك خطير أمر، وكان إذا جاء الليل قال: أذهب حرُ النار النوم، فما ينام حتى يصبح.

وعن الحسن قال: قال عامر بن قيس لقوم ذكروا الدنيا: وإنكم لتهتمون؟ أما والله لئن استطعت لأجعلنهما همًا واحدًا، قال: ففعل والله ذلك حتى لحق بالله.

وعن أحمد بن حرب قال:يا عجبًا لمن يعرف أن الجنة تُزيَّن فوقه والنار تُسَعَّرُ تحته كيف ينام بينهما؟

وكان أبو مسلم الخولاني قد علق سوطًا في مسجد بيته يخوّف به نفسه، وكان يقول لنفسه: قومي فوالله لأزحفن بك زحفًا،حتى يكون الكلل منك لا مني، فإذا دخلت الفترة (الفتور) تناول سوطه وضرب به ساقه، وقال: أنت أولى بالضرب من دابتي، وكان يقول: أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يستأثروا به دوننا؟ كلا والله لُنُزاحمَنَّهم عليه زحامًا حتى يعلموا أنهم قد خلفوا وراءهم رجالاً.

وكان منصور بن المعتمر إذا رأيته قلت: رجلٌ أصيب بمصيبة، منكسر الطرف، منخفض الصوت،رطْب العينين، إن حركته جاءت عيناه بأربع،
ولقد قالت له أمه: ماذا الذي تصنع بنفسك؟ تبكي الليل عامته لا تسكت؟ لعلك يا بني أصبتّ نفسًا،لعلك قتلت قتيلاً، فيقول:يا أماه، أنا اعلم بما صنعت نفسي.

وقال هُشيم تلميذ منصور بن زاذان:كان لو قيل له إن ملك الموت على الباب ما عنده زيادة في العمل.

وكان صفوان بن سليم قد تعقدت ساقاه من طول القيام، وبلغ من الاجتهاد ما لو قيل له: القيامة غدًا ما وجد مزيدًا، وكان يقول: اللهم إني أحب لقاءك فأحب لقائي.

وعن موسى بن إسماعيل قال:لو قلت لكم إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكًا قط صدقْتُكم، كان مشغولاً بنفسه، إما أن يحدث وإما أن يقرأ وإما أن يسبح وإما أن يصلي، كان قد قسم النهار على هذه الأعمال.

وعن وكيع قال:كان الأعمش قريبًا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى، واختلفت إليه أكثر من ستين سنة فما رأيته يقضي ركعة.

وعن حماد بن سلمة قال: ما أتينا سليمان التيمي في ساعة يطاع الله عز وجل فيها إلا وجدناه مطيعًا، إن كان في ساعة صلاة وجدناه مصليًا،وإن لم تكن ساعة صلاة وجدناه إما متوطئًا أو عائدًا أو مشيعًا لجنازة أو قاعدًا في المسجد، قال:فكنا نرى أنه لا يحسن يعصي الله عز وجل.

فهؤلاء هم أنموذج السالكين الصادقين.

فتشبهوا بهم إن لم تكونوا
مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح

وهذه كانت سيرتهم في مجاهدة النفس ومغالبة الهوى فاستحضرها عند هبوب ريح الكسل وسل الله حسن العمل.

أحْـــــمَـدْ
29-08-2008, 04:31 PM
نبذ البطالة والبطالين ومصاحبة ذوي الهمم
http://www.lakii.com/vb/smile/10-12.gif


ليس هناك أشأم على السائر إلى الله من البطالة وصحبة البطالين، فالصاحب ساحب، والقرين بالمقارّن يقتدي.

(والبرهان الذي يعطيه السالكون علامة لصدقهم أنهم يأبون غلا الهجرة والانضمام إلى القافلة ويذرون كل رفيق يثبطهم ويزين لهم إيثار السلامة، ينتفضون ويهجرون كل قاعد، ويهاجرون مع المهاجرين إلى الله، ويطرحون أغلال الشهوات وحب الأموال عن قلوبهم)

ولما أراد قاتل المائة أن يتوب حقًا قيل له:"اترك أرضك فإنها أرض سوء واذهب إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم." متفق عليه.

فلابد لمن أراد تحصيل المغفرة من شهر رمضان أن يترك المُخْلِدين إلى الأرض ويزامل ذوي الهمم العالية كما قال الجنيد: سيروا مع الهمم العالية.

وقد أمر الله خير الخلق - صلى الله عليه و سلم - بصحبة المجدّين في السير إلى الله وترك الغافلين
فقال عز من قائل :{ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُون َرَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَ لَاتَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ لَاتُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَ كَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا }،
وقال عز وجل: { وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ }،
وقال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَ كُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }.

فلو صحب الإنسان من يظنون أن قيام الساعة من الليل إنجاز باهر فهو مغبون لن يعْدُو قدره، بل سيظل
راضيًا عن نفسه مانًّا على ربه بتلك الدقائق التي أجهد نفسه فيها ولكنه لو رأى الأوتاد من حوله تقف
الساعات الطوال في تهجد وتبتل وبكاء (وهم مُتَقَالُّونْهَا) فأقل أحواله أن يظل حسيرًا كسيرًا على تقصيره مرددًا.

أنا العبد المخلَّفُ عن أُناسٍ حوَوْا من كل معروفٍ نصيبا

ونبذ البطالة هجيري الناسك في كل زمان، وقد قيل: الراحة للرجالة غفلة.

وقال شعبة بن الحجاج البصري أمير المؤمنين في الحديث: لا تقعدوا فُراغًا فإن الموت يطلبكم.

وقال الشافعي: طلب الراحة في الدنيا لا يصح لأهل المروءات، فإن أحدهم لم يزل تعبان في كل زمان.

وقيل لأحد الزهاد: كيف السبيل ليكون المرء من صفوة الله؟ فقال: إذا خلع الراحة وأعطى المجهود في الطاعة.

وقيل للإمام أحمد:متى يجد العبد طعم الراحة؟ فقال: عند أول قدم يضعها في الجنة.

أما البحث عن ذوي الهمم والمروءات وأصحاب السرِّ مع الله فهي بُغية كل مخلص في سيره إلى الله،

قال زين العابدين: إنما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه.

وقال الحسن البصري: إخواننا أحب إلينا من أهلنا وأولادنا، لأن أهلنا يُذّكّروننا بالدنيا وإخواننا يُذّكّروننا بالآخرة،

قال شاعر:

لعمرك ما مالُ الفتى بذخيرة ولكنَّ إخوان الثقات الذخائرُ

وكان من وصايا السلف انتقاء الصحة،

قال الحسن البصري: إن لك من خليلك نصيبًا، وإن لك نصيبًا من ذكر من أحببت، فاتقوا الإخوان والأصحاب والمجالس.

فاجتهد أيها الأريب باحثًا عن أعوان المسير أصحاب الهمم العالية، ابحث عنهم في المساجد بالضرورة، اسأل عنهم في مجالس التقاة، لا تستبعد المفاوز لتصل إليهم ولو اقتضى الأمر أن تعلن في الصحف السيارة.

(مطلوبٌ : معينٌ على الخير في شهر رمضان)

يا له من إعلان ..

مع هذه الصحبة تتحاثون على تدارك الثواني والدقائق، تحاسبون أنفسكم على الزفرات والأوقات الغاليات، لو فرط أحدكم في صلاة الجماعة وجد من يستحثه على عقاب نفسه كما كان يفعل ابن عمر.

ترى البطالين يصلون التراويح سويعة ثم يسهرون ويسمرون ويسمدون وتضيع عليهم صلاة الفجر
{ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا }.

لا أيها الرشيد، تعال أخبرْك بحال من اجتمعوا على السير إلى الله: أوقاتهم بالذكر وتلاوة القرآن معمورة، مساجدهم تهتز بضجيج البكاء من خشية الله، تراهم ذابلين من خوف الآخرة، وعند العبادة تراهم رواسي شامخات كأنهم ما خلقوا إلا للطاعة، ليس في قاموسهم: فاتتني صلاة الجماعة، دع عنك أصل الصلاة،

تراهم في قيامهم وقعودهم مطأطئين على حياء من الله يقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.

ليلهم، وما أدراك ما ليلهم؟ نحيب الثكالى يتوارى عند نشيجهم { كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ }

صلاتهم في ظلام تُجلِّلُ بأنوار الكرامة، فهم في حللها يتبخترون، وببهاء مناجاتهم لربهم يتيهون، محى استغفار الأسحار سخائم قلوبهم، فهم في نعيم الأنس يتقلبون، وبلذيذ الخطاب يستمتعون،

وهذا (الحفظي)يخبرنا:


والجنيـد يقول طاحـتْ كل عِلْــمٍ وإشــارهْ
ورسـوماتٌ تلاشـتْ وانمحـت تلك العبـارهْ
وركيعـات توالـتْ سحـرًا فيهـا البشـارهْ
ورأينـا فـي المـآل ذلك الكنـز الدّفينـا
فـاز من قـام الليالي بصلاة الخـاشـعـينا

واعلم أيها النبيه إن من تمام سعيك لتحصيل المغفرة من شهر رمضان أن تبحث لك عن شيخ مربّ أريبٍ، قد يكون ظاهرًا أو خفيًا، قد يكون عالمًا أو طالب علم، ولكنك من لحظه ولفظه تعلم أنه صاحب سرّ مع الله، ومثل هؤلاء يشتهر أمرهم غالبًا بين الناس، وإن بالغوا في التخفي فلن تعدم من يدلك عليهم إذا أكثرت التسأل عنهم.

وشرط انتفاعك بهم أن يكونوا من أهل السنة والنسك السلفي، فهؤلاء هم أمنة الأمة وهداتها.

ومثل هؤلاء تنتفع بهديهم ودلهم وسمتهم وبفعالهم قبل أقوالهم، تراهم في الصلاة نموذجًا للرهبوت والتبتل والتنسك، تكبيرتهم في الصلاة وإن خفتت بها أصواتهم فكأنها صرخة في مجرات الكون بحقيقة أكبرية الله.

ركوعهم وسجودهم رمز السجود لكل الكائنات، إذا أبصرت عيناك عبادتهم وددت لو سبحت الخليقة كلها بتسبيحهم،
ولعلها تفعل،
أما قال الله عن داود: { إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ }.

اللهم إنا نسألك صحبة الصالحين وألحقنا بهم في جنات النعيم.

أحْـــــمَـدْ
01-09-2008, 06:15 PM
إعداد بيان عن عيوبك وذنوبك المستعصية و عاداتك القارة في سويداء فؤادك لتبدأ علاجها جديا في رمضان و كذا إعداد قائمة بالطاعات التي ستجتهد في أدائها لتحاسب نفسك بعد ذلك عليها
http://www.lakii.com/vb/smile/10-12.gif

قال صلى الله عليه وسلم : "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا " رواه البخاري.

لأن همة أبناء الآخرة تأبى إلا الكمال، وأقل نقص يعدونه أعظم عيب،

قال الشاعر:
ولم أر في عيوب الناس عيبًا
كنقص القـادرين على التمـام

وعلى قدر نفاسة الهمة تشرئب الأعناق، وعلى قدر خساستها تثَّاقل إلى الأرض،

قال الشاعر:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم

وهذا رد على من يقول: ومن لنا بمعصوم عن عيب غير الأنبياء

ويردد:
من ذا الذي ترجى سجاياه كلها
كفى بالمرء نبلاً أن تعد معايبه

فإن هذه القاعدة في التعامل مع الناس، أما معاملة النفس (أيها الأريب)
فهي مبنية على التهمة، وعلى طلب الكمال وعدم الرضا بالدون:

فإذا كانت النفوس كبارًا
تعبت في مرادها الأجسامُ

فذاك السالك دومًا يستكمل عناصر الإيمان، كلما علم أن ثمة ثلمة، يعزم لذلك عزمة (تأمل)فإذا شرع في الاستكمال، أدرك ضرورة الصفاء فيه، وأن يرفأ ويرتُق بجنس ما وهبه الله من خير آنفًا لئلاً يفضحه النشاز (وجود العيب مع خصال الحُسن) فيعزم لذلك عزمة أخرى فثالثلة تستدعي رابعة في نهضات متوالية حتى يصيب مراده(أي استكمال عناصر الإيمان).

هذه العزمات المتوالية تستحثها في كل زمان، ولكن قد يتسرطن عيب ويتجذر ذنب وتتأصل عادة، ولا يجدي مع مثل هذا أساليب علاج تقليدية، إنما هي عملية جراحية استئصالية تتطلب حميةً متوفرة في شهر رمضان، وهِمةً شحذتها قبيل هذا الزمان المبارك، فما بقي إلا أن تضع مبضع العزيمة الحاد وبجلد وصبر على آلام القطع تستأصل تلك الأورام الناهشة في نسيج إيمانك وتقواك، لا تستعمل أي مخدر، فإن شأن المخدر أن يسافر بك في سمادير السكارى وأوهام الحيارى، فتفيق دون أن تدري بأن الورم لم يُستأصل بكامله، بل بقيت منه مُضغةٌ متوارية ريثما تتسرطن ثانية فإذا كنت مدخنًا أو مبلتى بالنظر أو الوسوسة أ والعشق فبادر إلى تقييد كل هذا البلاء وابدأ العمليات الجراحية في شهر رمضان ولا تتذرع بالتدرج الذي سميناه مخدرًا، بل اهجر الذنب وقاطع المعصية وابتر العادة ولا تجزع من غزارة النزيف وشدة الآلام، فإنه ثمن العلاج الناجح، وضرورة الشفاء البات الذي لا يغادر سقمًا.

ووجه كون شهر رمضان فرصة سانحة لعلاج الآفات والمعاصي والعادات، إنه شهر حمية أي امتناع عن الشهوات (طعام وجماع) والشهوات مادة النشوز والعصيان، كما أن الشياطين فيه تصفّد وهم أصل كل بلاء يصيب ابن آدم، أضف إلى ذلك: جماعية الطاعة، حيث لا يبصر الصائم في الغالب إلا أمةً تصوم وتتسابق إلى الخيرات فتضعف همته في المعصية وتقوى في الطاعة، فهذه عناصر ثلاثة مهمة تتضافر مع عزيمة النفس الصادقة للإصلاح فيتولّد طقس صحي وظروف مناسبة لاستئصال أي داء.

وقبل كل ذلك وبعده لا يجوز أن ننسى ونغفل عن ديوان العتقاء والتائبين والمقبولين الذي يفتحه الرب جل وعلا في هذا الشهر، وبنظرة عابرة إلى جمهور المتدينين تجد بداياتهم كانت بعبرات هاطلة في سكون ليلةٍ ذات نفحات من ليالي رمضان.

وما لم تتحفّز الهمم لعلاج الآفات في هذا الشهر لن تبقى فرصة لأولئك السالكين أن يبرأوا، فمن حُرِمَ بركة رمضان ولم يبرا من عيوب نفسه فيه، فأي زمان آخر يستظل ببركته.

وفي صحيح ابن خزيمة أن جبريل قال: "من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل آمين، فقلت: "أي النبي صلى الله عليه وسلم قال: آمين ". الحديث صحيح.

وروى البطراني بسند ضعيف عن النبي صلى الله عليه وسلم : "بعدًا لمن أدرك رمضان فلم يغفر له، إذا لم يفغر له فمتى؟

وروى الطبراني بإسناد فيه نظر عن عبادة بن الصامت مرفوعًا: "
أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحُطُّ الخطايا ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرًا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله" الحديث.

أما استحضار أنواع الطاعات وتقييدها وتوطين العزيمة على أدائها في رمضان فهو من أهم ما يُستعدُّ له في هذا الشهر، وعلى هذا الأصل تحمل كل النصوص الواردة في فضل رمضان والاجتهاد فيه، فمعظمها صريح أو ظاهر في أنه قيل قبل رمضان أو في أوله.

ويمنّي بعض الخياليين نفسه بأماني العزيمة التي لا تعدو أن تكون سرابًا يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا.فنراه يحلم أحلامًا وردية بأن يجتهد في هذا الشهر اجتهادًا عظيمًا، وتراه يرسم لنفسه صور الحلال وأُبهة الولاية، فإذا ما هجم الشهر، قال المسكين: اليوم خمر، وغدًا أمر.

ولو أن هؤلاء كانت لهم قبل شهر رمضان جولات في ميادين الاجتهاد في الطاعة لأنسوا من نفوسهم خيرًا لكنهم طمعوا في نوال القُرب ولما يستكملوا زاد المسير كمثل من ذهب إلى السوق بلا مال فلا يجهد إذا نفسه في المساومة بل يقال له: تنكب لا يقطرك الزحام.

لما قال أنس بن النضر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بدر: يا رسول الله، غبت عن أول قتال قاتلت فيه المشركين، والله لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، ثم رووا لنا أنهم وجدوه في أحُد صريعًا به بضع وستون ما بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، علمنا ما أضمر الرجل.

ولما قال ذلك الصحابي:يا رسول الله ما بايعتك إلا على سهم يدخل ههنا فأدخل الجنة، قال له الرسول صلى الله عليه وسلم : "إن تصدُق الله يصدقُكُ" ثم رووا أن السهم دخل من موضع إشارته، علمنا ما عزم عليه الرجل

على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغُر في عين العظيم العظائم

اللهم إنا نسألك صحبة الصالحين وألحقنا بهم في جنات النعيم.

أحْـــــمَـدْ
03-09-2008, 01:55 PM
الإعداد للطاعة ومحاسبة النفس عليها
http://www.lakii.com/vb/smile/10-12.gif

واعلم أن الاستعداد للطاعة ومحاسبة النفس عليها وظيفتان متباينتان، لكنهما متداخلتان أي يتعاقبان و يتوارد أحدهما على الآخر .

#أما الإعداد للعمل فهو علامة التوفيق وأمارة الصدق في القصد ،
قال تعالى: { وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً }،


والطاعة لابد أن يُمهَّد لها بوظائف شرعية كثيرة حتى تؤتي أكلها ويُجتبني جناها، وخاصة في شهر رمضان حيث تكون الأعمال ذات فضل وثواب وشرف مضاعف لفضل الزمان.

فصلاة الجماعة لابد أن تسبق بإحسان الوضوء ونية صادقة حسنة في تحصيل الأجر وزيارة الله عز وجل في بيته وتعظيم أمره والبدار في تلبية ندائه (حي على الصلاة) والمسارعة في سماع خطابه والالتذاذ بمناجاته ولقائه.


فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "صلاة الرجل في جماعة تَضعُفُ صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يُخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحطت عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه ما لم يُحدث، تقول: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال في الصلاة ما انتظر الصلاة" متفق عليه.

ويحتفُّ بهذا الإعداد في التطهر والنيات إعدادٌ نفسي للقْيا الله عز وجل، ويكون ذلك بأمور منها:


ترداد الأفكار الشرعية الواردة عند الخروج من البيت والمشي إلى المسجد فإنها مهمة في حضور القلب ومنها عدم فعل ما يتنافى مع الوقار والطمأنينة أثناء المشي إلى المسجد كتشبيك الأصابع وكثرة التلفت والتطلع إلى المارة وزخارف وزهرة الدنيا (وخاصة في هذه العصور) وعدم الإسراع والسعي، وذلك أن المشي إلى الصلاة جزء هام ممهد للخشوع في الصلاة،

لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة " متفق عليه،

وفي رواية لمسلم: "فإن أحدكم إذا كان يعمدُ إلى الصلاة فهو في صلاة" ،

ولا ينبغي أن يكثر من الضحك قبل الصلاة وبعدها فإنه يذهب لذة الخشوع ويقسي القلب ويحول بينه وبين الشعور بثمرة الطاعة.

وعند دخول المسجد لابد أن يدخله معظمًا مظهرًا الوجل من مهابة المكان وصاحبه، فإن المساجد منازل الرحمة ومهابط البركات،

لذا شرع أن يقول الداخل إلى أي مسجد: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم.

فإذا دخل المسجد شرع في السنة الراتبة أو النافلة ريثما يقام للصلاة، وأهمية هذه السنة أو النافلة تكمن في تهيئتها وتمهيدها للفريضة لكمال الحضور فيها.

ثم يشرع في صلاة الفريضة مستحضرًا ما سنذكره عن وسائل تحصيل لذة الطاعة في الصلاة.



ومن جنس هذا الاستعدادُ لصلاة التراويح فإنها من أعظم العبادات في ليالي رمضان،

ففي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنب،"

وعن أبي ذر قال:صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئًا من الشهر حتى بقي سبعٌ فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل،فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله، لو نفلتنا قيام هذه الليلة (أي قمت بنا الليلة كلها)، قال: فقال: "إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسِب له قيام الليلة " رواه أبو داود بإسناد صحيح.

ويشكو كثير من المواظبين على قيام الليل في رمضان من عدم لمسهم لثمرة هذه الصلاة مع اعتقادهم بأهميتها وسعيهم لبلوغ الغاية من أدائها.


والحق أن هذه الصلاة المهمة كغيرها تحتاج إلى إعداد وتهيئة، فيلزم الراغب في الانتفاع من صلاة التراويح إقلال الطعام للغاية، ويحبَّذ أن يأتي المسجد وفي بطنه مسُّ من جوع، فإنه مثمر جدًا في حضور القلب، وينبغي عليه أن يتطهر جيدًا ويلبس أحسن الثياب ويأتي الصلاة مبكرًا، وقبيح جدًا أن تفوته صلاة العشاء، فهذا دليل الحرمان وعدم الفقه في الدين، فإن صلاة العشاء في جماعة تعدل قيام نصف ليلة كما في الحديث، فوق كونها فريضة

والله عز وجل يقول في الحديث القدسي: "وما تقرب إليّ عبدي بأحب إليّ مما افترضته عليه" رواه البخاري



ثم يستحضر القدوم على الله والوفادة إليه وانتهاز فرصة التعرض لرحمته ومغفرته والعتق من النار، ويذهب إلى المسجد يدفعه الشوق والرغبة في الفضل، ويكدره الحياء من الله وخوف الرد والإعراض، ويطلب مساجد أهل السنة حتى يُوهَبَ للصالحين إن كان من غير المقبولين ثم يستحضر ما ذكرناه من وظائف عند الدخول في الصلاة وأثنائها.

#أما محاسبة النفس على الطاعات فهذا من أنفع الوظائف التي يقوم بها العابدون في شهر رمضان، والأصل أن المحاسبة وظيفة لازمة للسالك طريق الآخرة، ولكنها تتأكد وتزداد في هذا الشهر.

والمحاسبة معناها: فحصُ الطاعة ظاهرًا وباطنًا، وأولاً وآخرًا، بحثًا عن الثمرة ليعرف مأتاها فيحفظَه، وقدرها فينميه ، و وصولاً للنقص سابقًا، ليتداركه لاحقًا.

والمحاسبة تكون قبل العمل وأثناءه وبعده.

أما قبله فبالاستعداد له واستحضار ما قصّر فيه حتى يتلافاه، وأثناءه بمراقبة العمل ظاهرًا وباطنًا أوله وآخره، والمحاسبة بعد العمل بإعادة ذلك العمل.

وهذه المحاسبة إذا واظب عليها المرء صارت مسلكًا لا يحتاج إلى تكلّف ومعالجة وسيجد غِبَّ هذه المحاسبة وثمرتها تزايدًا في مقام الإحسان الذي سعى إليه كل السالكون وهي أن يعبد الله كأنه يراه.


ومثل هذه المحاسبة ينبغي أن تكون في الخفاء، يحاور نفسه وهواه ويعالج أي قصور بِلوم نفسه وتقريعها وعقابها على كسلها وخمولها.


لا يُنصح بمداومة الاعتماد على أوراد المحاسبة الشائعة، وقد اختلف فيها الناس على طرفين، فمنهم من جعلها وسيلة دائمة للتربية، وطريقة ناجحة لتقويم النفس، ومنهم من بالغ ومنع منها مطلقًا واصفًا إياها بالبدعة، والحق التوسط، نعم هي وسيلة لم ترد عن سلف هذه الأمة لكن تشهد لها نظائر في الشرع مثل عد التسبيح بالحصى ونحو ذلك مما ثبت عن الصحابة والتابعين،
ثم إننا لا نقول بجواز الاعتماد على تلك الأوراد في كل الأحايين بل ننصح بها في بداية السير وأيضًا لا نُلزم بها أحدًا، ولكن من عوّل عليها في بداية سيره لكون نفسه متمردةً شمُوسًا فنرجو ألا يكون ثمة حرج، شرط عدم توالي
اعتماده عليها.

والصواب تنشئة النفس على دوام المحاسبة الذاتية والمراقبة الشخصية،وتعويدها على العقاب عند الزلل، فإن هذا من شأنه أن ينقّي العبادة من أي حافز خارجي دخيل على النية الصالحة كرغبة في تسويد ورقة المحاسبة أو نحو ذلك.
وقال الحفظي:

شـارط النفس وراقب
لا تكـن مثل البهائـم
ثم حاسـبها وعاتـب
وعلـى هـذا فـلازم
ثم جاهدها وعاقـب
هكذا فعـل الأكـارم
لم يزالوا في سـجالِ
للنـفـوس محاربـيـنا
فاز من قام الليـالي
بصــلاة الخاشعـيـنا

أحْـــــمَـدْ
10-09-2008, 06:15 AM
إعداد النفس لتذوق عبادة الصبر
http://www.lakii.com/vb/smile/10-12.gif

قال تعالى: { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَاإلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }.

فبعض الخليقة تجعل من مواسم الطاعة مرتعًا لنيل اللذات بكل أنواعها، وهو مرتع وخيم على صاحبه، إذ به يخرج من الشهر كما دخل بل أفسد، وتزداد المسافة بينه وبين حقيقة قصد الآخرة، وتتكاثف غيوم الشهوات حائلة بينه وبين الوصول إلى الله.

وإذا كان شهر رمضان هو شهر الصوم والصبر فما أحرانا أن نتذوق حقيقة الصبر لنتذوق حقيقة الصوم.

وأمامك أيها الساعي إلى الخيرات في هذا الشهر صبر عن المحارم، وصبر على الطاعات، ومع ذلك كله صبر على كل بلية تنالك.

وأنواع الصبر هذه هي أوسمة الولاية وقلادات الإماماة في الدين.

كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنما تُنال الإمامةُ في الدين بالصبر واليقين، واستدل بقول تعالى:
{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ }.

قال ابن القيم رحمه الله: " فإنه لا خلاف بين أهل العلم أن أظهر معاني الصبر: حبس النفس على المكرمة وأنه من أصعب المنازل على العامة وأوحشها في طريق المحبة، وإنما كان صعبًا على العامة لأن العامي مبتدئ في الطريق وليس له دربة في السلوك وليس تهذيب المرتاض بقطع المنازل، فإذا أصابته المحن أدركه الجزع وصعب عليه احتمال البلاء وعز عليه وجدان الصبر لأنه ليس في أهل الرياضة فيكون مستوطنًا للصبر، ولا من أهل المحبة
فيلتذ بالبلاء في رضا محبوبه… )أهـ.

مما نقلته لك تعلم أيها الحريص على النجاة أن شهر رمضان ميدانك الرحب لتمارس رياضة الصبر وأنت مُعانٌ في كل فجِ.فعين الله تصنعك، والأبالسة في أصفادها ترمقك، ونفسك ستراها إلى الخير وثابة وعن الشر هيّابة، فلم يبق إلا أن تعالج الخطرات والوساوس الوالجات في حنايا قلبك،ليت شعري ما أشبه قلبك بالمريض في غرفة العناية المركزة، إنه محروم من كل طعام يفسد دورة علاجه، بل محروم من مخاطبة أقرب الأقربين لتتفرغ أجهزة جسمه للانتعاش
واسترداد العافية، ثم إنه يتنفس هواءً معقمًا خاليًا من كل تلوث، وتدخل في شرايينه دماء نقية لتمده بأسباب القوة، ويقاس نبضه ودرجة حرارته كل حين ليتأكد الطبيب من تحسن وظائف جسمه، فما أحرى هذا القلب السقيم الذي أوبقته أوزاره، وتعطن بالشهوات، وتلوث بالشبهات، وترهل بمرور الشهور والدهور دون تزكية وتربية، ما أحراه أن يدخل غرفة العناية المركزية في شهور رمضان، فتكون كل إمدادات قوته مادة التقوى و إكسير المحبة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وطاعتهما.

فلتصدر مرسومًا على نفسك أن تلزم جناب الحشمة في هذا الشهر أمام شهوة البطن وغيره، فإن أعلنت عليك التمرد فلا تتردد في فرض الأحكام الاستثنائية وأصدر قرارًا باعتقال هذه النفس الناشز وأدخلها سجن الإرادة حتى تنقاد لأوامرك إذا صدرت، فإن ازداد تمردها وتجرأت في ثورتها فألهب ظهرها بسياط العزيمة وعنفها على مخالفتها أمرك وعصيانها إرادتك، فإن أبت إلا الشرود فلوّح لها بحكم الإعدام وأنها ليست عليك بعزيزة، فإن تمنعت إدلالاً وطمعًا في عطفك فلابد من تنفيذ حكم الإعدام في ميدان العشر الأواخر بحبسها في معتكف التهذيب حتى تتلاشى تلك النفس المتمردة وتفنى، وتتولد في تلك الليالي والأيام نفس جديدة وادعة مطمئنة تلين لك عند الطاعات إذا أمرتها، وتثور عليك عند المعاصي إذا راودتها، فقد وُلدت ولادة شرعية في مكان وزمان طاهرين ونشأت وتربَّت في كنف الصالحين، فلن تراها بعد ذلك إلا على الخير.

إنها ولادةٌ لنفس ذات إمامة في الدين، تنشأت على مهد الولاية، وترقَّت في سلك الرهبوت والتبتل.

أحْـــــمَـدْ
10-09-2008, 06:17 AM
إعداد النفس لتذوق عبادة الصبر
http://www.lakii.com/vb/smile/10-12.gif

قال تعالى: { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَاإلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }.

فبعض الخليقة تجعل من مواسم الطاعة مرتعًا لنيل اللذات بكل أنواعها، وهو مرتع وخيم على صاحبه، إذ به يخرج من الشهر كما دخل بل أفسد، وتزداد المسافة بينه وبين حقيقة قصد الآخرة، وتتكاثف غيوم الشهوات حائلة بينه وبين الوصول إلى الله.

وإذا كان شهر رمضان هو شهر الصوم والصبر فما أحرانا أن نتذوق حقيقة الصبر لنتذوق حقيقة الصوم.

وأمامك أيها الساعي إلى الخيرات في هذا الشهر صبر عن المحارم، وصبر على الطاعات، ومع ذلك كله صبر على كل بلية تنالك.

وأنواع الصبر هذه هي أوسمة الولاية وقلادات الإماماة في الدين.

كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنما تُنال الإمامةُ في الدين بالصبر واليقين، واستدل بقول تعالى:
{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ }.

قال ابن القيم رحمه الله: " فإنه لا خلاف بين أهل العلم أن أظهر معاني الصبر: حبس النفس على المكرمة وأنه من أصعب المنازل على العامة وأوحشها في طريق المحبة، وإنما كان صعبًا على العامة لأن العامي مبتدئ في الطريق وليس له دربة في السلوك وليس تهذيب المرتاض بقطع المنازل، فإذا أصابته المحن أدركه الجزع وصعب عليه احتمال البلاء وعز عليه وجدان الصبر لأنه ليس في أهل الرياضة فيكون مستوطنًا للصبر، ولا من أهل المحبة
فيلتذ بالبلاء في رضا محبوبه… )أهـ.

مما نقلته لك تعلم أيها الحريص على النجاة أن شهر رمضان ميدانك الرحب لتمارس رياضة الصبر وأنت مُعانٌ في كل فجِ.فعين الله تصنعك، والأبالسة في أصفادها ترمقك، ونفسك ستراها إلى الخير وثابة وعن الشر هيّابة، فلم يبق إلا أن تعالج الخطرات والوساوس الوالجات في حنايا قلبك،ليت شعري ما أشبه قلبك بالمريض في غرفة العناية المركزة، إنه محروم من كل طعام يفسد دورة علاجه، بل محروم من مخاطبة أقرب الأقربين لتتفرغ أجهزة جسمه للانتعاش
واسترداد العافية، ثم إنه يتنفس هواءً معقمًا خاليًا من كل تلوث، وتدخل في شرايينه دماء نقية لتمده بأسباب القوة، ويقاس نبضه ودرجة حرارته كل حين ليتأكد الطبيب من تحسن وظائف جسمه، فما أحرى هذا القلب السقيم الذي أوبقته أوزاره، وتعطن بالشهوات، وتلوث بالشبهات، وترهل بمرور الشهور والدهور دون تزكية وتربية، ما أحراه أن يدخل غرفة العناية المركزية في شهور رمضان، فتكون كل إمدادات قوته مادة التقوى و إكسير المحبة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وطاعتهما.

فلتصدر مرسومًا على نفسك أن تلزم جناب الحشمة في هذا الشهر أمام شهوة البطن وغيره، فإن أعلنت عليك التمرد فلا تتردد في فرض الأحكام الاستثنائية وأصدر قرارًا باعتقال هذه النفس الناشز وأدخلها سجن الإرادة حتى تنقاد لأوامرك إذا صدرت، فإن ازداد تمردها وتجرأت في ثورتها فألهب ظهرها بسياط العزيمة وعنفها على مخالفتها أمرك وعصيانها إرادتك، فإن أبت إلا الشرود فلوّح لها بحكم الإعدام وأنها ليست عليك بعزيزة، فإن تمنعت إدلالاً وطمعًا في عطفك فلابد من تنفيذ حكم الإعدام في ميدان العشر الأواخر بحبسها في معتكف التهذيب حتى تتلاشى تلك النفس المتمردة وتفنى، وتتولد في تلك الليالي والأيام نفس جديدة وادعة مطمئنة تلين لك عند الطاعات إذا أمرتها، وتثور عليك عند المعاصي إذا راودتها، فقد وُلدت ولادة شرعية في مكان وزمان طاهرين ونشأت وتربَّت في كنف الصالحين، فلن تراها بعد ذلك إلا على الخير.

إنها ولادةٌ لنفس ذات إمامة في الدين، تنشأت على مهد الولاية، وترقَّت في سلك الرهبوت والتبتل.