المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل ذاب الجليد عن القطب الروسي؟



إسلامية
26-08-2008, 10:54 PM
هل ذاب الجليد عن القطب الروسي؟


لعل من المفارقات الغريبة في الدلائل السياسية والاستراتيجية لحرب القوقاز أن الجهة التي أقصت القطب الدولي الثاني وحيَّدته من خلال هزيمة الاتحاد السوفيتي- الذي كانت روسيا الاتحادية قاعدته الصلبة- وهي المقاومة الأفغانية الأولى ضد الاحتلال السوفييتي، هي ذاتها، ولكن بثوب جديد مختلف- من خلال حركة طالبان، ومن خلال المقاومة العراقية- التي أعادت الدب الروسي من جديد إلى المشهد، بعد الهزائم العنيفة والتاريخية التي تكبّدها المشروع الأمريكي في العراق وأفغانستان.





ومن هنا تبدو إطلالة المشهد ذات معانٍ بالغة، تتجاوز حرب القوقاز، إلى علاقة نفوذ الشمال والأقطاب الدولية بالمقاومة، وخاصة في العالم الإسلامي، وكيف أنها بالفعل تؤثر تأثيرا بالغًا في مسار الاستراتيجيات الإقليمية، وأن استمرارها وتوسعها سيفرض برنامجًا مختلفًا على الأرض.


لكن دلائل عودة الروس وتحفزهم الشديد لاستعادة شخصيتهم الاعتبارية كدولة مركزية، قطبية العلاقة، تجلس على طاولة تحديد المسارات الدولية في بعض مناطق العالم، هذه الدلائل أدت إلى خلط الأوراق من جديد- وفي توقيت دقيق- على مشروع الولايات المتحدة الأمريكية.


فقد كان لافتًا للنظر تفاجؤ واشنطن من إصرار الروس على أن تكون حرب القوقاز القصيرة رسالةً مهمة في الاعتراف بعودتهم، وليست مسألةَ تصفيةِ جيبٍ مشاكسٍ دخل في منطقة حساسة أزعجت خاصرة الروس.


وقد كانت الولايات المتحدة تلجأ إلى شراء مواقف روسيا الاتحادية في عهد يلتسين، من خلال دفع الحلفاء، أو من خلال شركاتها، لتمويل الخزانة الروسية، أو وسطاء حكومتها، بمبالغ لا تتعدى بضعة مليارات عند كل أزمة في موقف الجانبين، كما حصل في حرب لخليج الثانية 1990 م، لكن الحقيقة التي يبدو أن موسكو قد استيقظت عليها وأصرت على عهد جديد فيها، أن الدول التي لا تملك بطاقات قوة وممانعة- بل ومبادرة في الهجوم- أنهكها المشروع الغربي، وعزَّز دور المافيا فيها، ثم انتقل هذا المشروع من أطراف روسيا إلى داخلها، وكانت هذه اليقظة- ولو متأخرة- هي التي أهاجت الدب الروسي.


وإن كان هذا لا يعني بالضرورة أن يندفع الروس إلى مواجهات عسكرية شاملة، وإعادة طقوس الحرب الباردة في مناطق عديدة من العالم، فروسيا تدرك أنها اليوم لم تعد الاتحاد السوفييتي القديم، إلَّا أن عودة القطب الروسي في هذا التوقيت الدقيق من تصدعات وانهيارات المشاريع الأمريكية، كان بالفعل نقطة انكسار حادة في نهاية النظام الدولي، الذي كان جديدًا لدى الأمريكيين، وأصبحوا يتخبَّطون في تركته!


ومن أهم العوامل والمحفزات التي طرحها الروس في هذا البرنامج الجديد تمركز تحركهم على استراتيجية النفط والغاز، وضمانات الإمداد والاستثمار للدول التي تهيمن على استراتيجية تدفقه وتصديره، وهو خط تماس مباشر مع المشروع الأمريكي، من الممكن أن ينتقل إلى مناطق أخرى خارج القوقاز.


ولا يلزم من ذلك أن تضطر روسيا الاتحادية إلى إشعال حروب أو حسم عسكري، فيكفي أن ترتفع روح الثقة فيها عالميًّا، فتستقطب حكومات، أو مشاريع سياسية، وحركات تمرد ترى في القطب الروسي الجديد مانعًا رادعًا لاستباحة الأمريكيين الدائمة وسيطرتهم على العالم من خلال الإخضاع الشامل بآلة الحرب والحصار.


وتوقيت عودة الروس أظهر ارتياحًا واسعًا في العالم، وفي الوطن العربي على وجه الخصوص , وأما العالم فكان يشعر أن غياب القطب الثنائي أو الثلاثي الذي تتقدم الصين نحوه بقوة، هو الذي جعل العالم فريسةً للحروب العسكرية التي تشنها الولايات المتحدة على الآخرين، وعليه فإن بروز التوازن الاستراتيجي للأقطاب الجديدة ومنافستها لواشنطن قد يُشَكِّل رادعًا سياسيًّا واستراتيجيًّا لقرارات النظام السياسي الأمريكي، بما فيها تداولات الصراع الحادة بين واشنطن وطهران في الخليج، وتأثيرات بروز القطب الجديد على قرارات مجلس الأمن في قضايا مختلفة، بعد أن جعلت منه واشنطن مجرد مكتب يختم على قرارها المتَّخذ في مكاتبها مسبقًا في الأصل!


أما العرب والعالم الإسلامي فإضافة إلى أن مواطني أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، يشكل أبناء الأصول المسلمة نسبة كبيرة منهم، إضافةً إلى شنِّ جورجيا الحربَ عليهم بمشاركة فريق عسكري وخبراء تدريب إسرائيليين، وكل ذلك منح العرب والمسلمين ما يكفي للتعاطف مع أهالي هذين الإقليمين, بغضِّ النظر عن فظاظة الروس المعروفة في تعاملها مع شعوب القوقاز, إلا أن البعد الاستراتيجي للحرب طويلة المدى/ السياسية- مع العرب وعمقهم الإسلامي في كل قضاياهم المركزية والعسكرية القائمة في فلسطين والعراق وأفغانستان- التي تشنها واشنطن على الوطن العربي، دفعت قاعدة التفكير العربي والإسلامي المستقل للإيمان بكل ما يهز نفوذ هذه الحرب الأطلسية الشاملة ضرورةً، ولو من خلال أقطاب مصالح، وليس مبادئ، تشغل واشنطن، فتتعزز قوى الممانعة والمقاومة في الوطن العربي والعالم الإسلامي، خاصةً في العراق وأفغانستان، أملًا في أن تُنهك التعددية القطبية جموحَ المشروع السياسي والعسكري الأمريكي المعادي للعرب والمسلمين في المصالح والمبادئ .


وهذا بلا شك سيؤثر على قرارات الحروب الجديدة، ويُنْهِك المعنوية الخلفية لاستراتيجية القرار الأطلسي، والمستفيد من ذلك كله الوطن العربي وعمقه الإسلامي، وإن كان ذلك لا يُلْغِي وجود أطماع استراتيجية لأقطاب النفوذ الأخرى، سواءً كانت عالمية أو إقليمية، كإيران، لكنه -وفي كل الأحوال- حين تُنهَك استراتيجية واشنطن فإن مشروع الممانعة العربي الإسلامي يتقدَّم, ومن ذلك يكفي أن نتصور تراجع أو اهتزاز المشروع الأمريكي دوليًّا، كما هو على الأرض في العراق وأفغانستان، وصعود القوى المقاومة له، وهو ما سيُعِيد صياغة ميادين الصراع إلى مشهدٍ جديد مختلف بالكلية .



وبالجملة فإننا نشهد مرحلةً جديدةً من مستقبل الصراع والاستراتيجيات، وولادة الأقطاب التي تكسر أُحَاديّة القرار الدولي، ومن الطبيعي في التاريخ السياسي والاستراتيجي للعالم أن تحترق في هذه المرحلة بطاقاتُ نفوذ، ومناطق دول يسددها أولئك الذين رهنوا بيضهم في السلة الخاسرة!


http://www.islamtoday.net/albasheer/show_articles_content.cfm?id=72&catid=79&artid=13708 (http://www.islamtoday.net/albasheer/show_articles_content.cfm?id=72&catid=79&artid=13708)