إسلامية
09-09-2008, 01:07 PM
كارثة جديدة وغضب في مصر
د. ياسر سعد
في مصر وفي الأيام الأولى من رمضان المبارك, كارثة جديدة تنضم لسلسةٍ مأساوية من الكوارث، لا تكاد تتوقف، من احتراق القطارات، إلى الحوادث المرورية الكبيرة، مرورًا بانهيار العمارات، وغرق العبارات.
الكتّاب والمفكّرون والمعارضون السياسيون يتحدثون عن غياب الدولة واستشراء الفساد في مفاصلها، والاهتمام بمصلحة طبقة رجال الأعمال القريبة من السلطة، والذين مزجوا بين السلطة والأعمال التجارية بطريقةٍ أخَلَّت بالنظام الاجتماعي في البلد.
إضافةً إلى سياسات خاطئة غيّبت الطبقة الوسطى؛ لينقسم المواطنون إلى طبقة الصفوة من أصحاب الثراء الفاحش، وجموع المواطنين من الفقراء الْمُعْدِمين، والذين يسقط بعضهم قتلى من أجل الحصول على الخبز المدعوم!
أقرباء ضحايا كارثة الانهيار الصخري في الدويقة صبّوا جامَ غضبهم على الدولة وأجهزتها, فهم يقولون بأنهم وُعِدُوا بأن يُنْقَلوا إلى مساكن جاهزة, لكنّ تلك المساكن تُوَزَّعُ دائما بناءً على العلاقات والوساطات!
وهم ناقمون؛ لأن سقوط الصخور سببه المقاول، الذي يقوم بأعمال ضخمة في جبل المقطم، من خلال إمكانيات بسيطة، أدت لسقوط عاملين قتلى، وانهيار الصخور على رءوسهم!
وحين وقعت الكارثة زاد الغضب الشعبي من تَأَخُّر وصول طواقم الإنقاذ لساعات طويلة. كما أشار البعض إلى عدم اهتمام وسائل الإعلام الرسمية بنقل تفاصيل الحادث المؤلم حين وقوعه، والاستمرار في بَثِّ البرامج الاعتيادية، وكأن ما حدث في كوكبٍ آخر، في حين كانت بعض الفضائيات الإخبارية العربية تنقل بالتفصيل تطورات الحادثة!
وعلى الجانب الآخر حمّل نواب المعارضة، والنواب المستقلون في البرلمان المصري، الحكومة المصرية برئاسة أحمد نظيف مسئولية ما حدث في الدويقة.
واتهم النُّوَّاب الحكومة بالفساد، خاصةً في المجالس المحلية، وغياب التنسيق بين الجهات الرسمية، وقالوا: إن الحزب الوطني وحكومته "فَشِلَا" في إدارة الدولة ومرافقها، أو حتى في الحفاظ على حياة المواطنين البسطاء. وقال نائبُ رئيس حزب التجمع وعضو البرلمان أبو العز الحريري: إن ثلث عقارات مصر آيلةٌ للسقوط وتحتاج إلى ترميم، وإن 20 ألف عقار في القاهرة والإسكندرية مطلوبٌ إخلاؤها قبل سقوطها على ساكنيها، مطالبًا الدولة بتحمل دورها في ترميم هذه المنازل.
فيما يحتجّ المسئولون الحكوميون بأن الأهالي يَرْفُضُون تنفيذ قرارات الإزالة لمساكنهم الآيلة للسقوط، ودائمًا ما يطعنون في الأحكام القضائية بإزالتها، مما يَحُدُّ من قدرة الأجهزة المختصة على إجلائهم بالقوة.
غير أنّ الحريري فنّد هذه التبريرات، بقوله: إن الأهالي يرفضون؛ لأنهم لا يجدون بديلًا لمنازلهم، ولا يقدرون على شراء أو استئجار شقق جديدة في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار العقارات، بعدما سيطر أباطرة الحزب الحاكم على إنتاج الحديد ومواد البناء، وحتى الأراضي الجديدة!
كارثة الدويقة جاءت بعد أيام من توجيه الادعاء العام المصري تُهَمًا بالمشاركة في عملية القتل إلى رجل الأعمال والعقارات، القيادي في الحزب الوطني الحاكم النائب هشام طلعت مصطفى.
ويشغل مصطفى منصب وكيل اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى، كما أنه عضوٌ في المجلس الأعلى للسياسات؛ أبرز لِجَانِ الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، والذي يرأسه جمال مبارك ابن الرئيس المصري.
والكارثة تأتي بعد أسابيع من صدور حكم المحكمة المصرية في غَرَق العبارة المصرية "السلام 98", والذي بَرّأ ممدوح إسماعيل العضو المعين في مجلس الشورى وأمين الحزب الوطني بمصر الجديدة، من تهمة القتل، مع أن لشركته سوابق في غرق عباراتها، ولكنها دائما تقع تحت بند القضاء والقدر!
فيما ذكرت تقارير صحفية حديثةٌ عن تلقي مجلس الشورى طلبًا من النائب العام عبد المجيد محمود لرفع الحصانة عن عضو مجلس الشورى محمد فريد خميس، والقيادي في الحزب الوطني، ورجل الأعمال البارز؛ للتحقيق في قضايا تتعلق بالفساد.
كارثة الدويقة مع الملاحقات القضائية لرجال الأعمال من السياسيين البارزين في الحزب الحاكم، مؤشراتٌ متعاضدة على عمق الفساد وتغلغله، والذي نَخَرَ مفاصل الدولة وأجهزتها.
وقد أثرت الأوضاع في مصر، وتراجع دور الدولة في مناحي الحياة العامة بشكل ملحوظ، باستثناء الجانب الأمني..أثّرت على دور مصر ومكانتها الإقليمية والدولية، ذلك الدور الذي تقلص إلى دور الوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين, وتَحَجَّم إلى الحدّ الذي أصبح المسئولون الإسرائيليون يُنْعِمون فيه على الحكومة المصرية بشهادات حسن السير والسلوك في تشديد الحصار على غزة!!
ولم يعد لمصر صوتٌ ولا دورٌ، حتى في القضايا التي تمس أمنها القومي بشكل مباشر، مثل الملف السوداني!
مصر على موعد مع المجهول, ما لم تُبَادِر السلطة بإجراء إصلاحات جادة، وإطلاق الحريات، وفتح المجال أمام التيارات السياسية، والتعامل بحزم وحسم مع التحديات الإقليمية والدولية، ومراعاة المشاعر الشعبية في التعامل مع الحصار غير الإنساني على قطاع غزة, فإنّ انفجارًا اجتماعيًّا يبدو وشيكًا في الأفق.
http://www.islamtoday.net/albasheer/show_articles_content.cfm?id=72&catid=79&artid=13931 (http://www.islamtoday.net/albasheer/show_articles_content.cfm?id=72&catid=79&artid=13931)
د. ياسر سعد
في مصر وفي الأيام الأولى من رمضان المبارك, كارثة جديدة تنضم لسلسةٍ مأساوية من الكوارث، لا تكاد تتوقف، من احتراق القطارات، إلى الحوادث المرورية الكبيرة، مرورًا بانهيار العمارات، وغرق العبارات.
الكتّاب والمفكّرون والمعارضون السياسيون يتحدثون عن غياب الدولة واستشراء الفساد في مفاصلها، والاهتمام بمصلحة طبقة رجال الأعمال القريبة من السلطة، والذين مزجوا بين السلطة والأعمال التجارية بطريقةٍ أخَلَّت بالنظام الاجتماعي في البلد.
إضافةً إلى سياسات خاطئة غيّبت الطبقة الوسطى؛ لينقسم المواطنون إلى طبقة الصفوة من أصحاب الثراء الفاحش، وجموع المواطنين من الفقراء الْمُعْدِمين، والذين يسقط بعضهم قتلى من أجل الحصول على الخبز المدعوم!
أقرباء ضحايا كارثة الانهيار الصخري في الدويقة صبّوا جامَ غضبهم على الدولة وأجهزتها, فهم يقولون بأنهم وُعِدُوا بأن يُنْقَلوا إلى مساكن جاهزة, لكنّ تلك المساكن تُوَزَّعُ دائما بناءً على العلاقات والوساطات!
وهم ناقمون؛ لأن سقوط الصخور سببه المقاول، الذي يقوم بأعمال ضخمة في جبل المقطم، من خلال إمكانيات بسيطة، أدت لسقوط عاملين قتلى، وانهيار الصخور على رءوسهم!
وحين وقعت الكارثة زاد الغضب الشعبي من تَأَخُّر وصول طواقم الإنقاذ لساعات طويلة. كما أشار البعض إلى عدم اهتمام وسائل الإعلام الرسمية بنقل تفاصيل الحادث المؤلم حين وقوعه، والاستمرار في بَثِّ البرامج الاعتيادية، وكأن ما حدث في كوكبٍ آخر، في حين كانت بعض الفضائيات الإخبارية العربية تنقل بالتفصيل تطورات الحادثة!
وعلى الجانب الآخر حمّل نواب المعارضة، والنواب المستقلون في البرلمان المصري، الحكومة المصرية برئاسة أحمد نظيف مسئولية ما حدث في الدويقة.
واتهم النُّوَّاب الحكومة بالفساد، خاصةً في المجالس المحلية، وغياب التنسيق بين الجهات الرسمية، وقالوا: إن الحزب الوطني وحكومته "فَشِلَا" في إدارة الدولة ومرافقها، أو حتى في الحفاظ على حياة المواطنين البسطاء. وقال نائبُ رئيس حزب التجمع وعضو البرلمان أبو العز الحريري: إن ثلث عقارات مصر آيلةٌ للسقوط وتحتاج إلى ترميم، وإن 20 ألف عقار في القاهرة والإسكندرية مطلوبٌ إخلاؤها قبل سقوطها على ساكنيها، مطالبًا الدولة بتحمل دورها في ترميم هذه المنازل.
فيما يحتجّ المسئولون الحكوميون بأن الأهالي يَرْفُضُون تنفيذ قرارات الإزالة لمساكنهم الآيلة للسقوط، ودائمًا ما يطعنون في الأحكام القضائية بإزالتها، مما يَحُدُّ من قدرة الأجهزة المختصة على إجلائهم بالقوة.
غير أنّ الحريري فنّد هذه التبريرات، بقوله: إن الأهالي يرفضون؛ لأنهم لا يجدون بديلًا لمنازلهم، ولا يقدرون على شراء أو استئجار شقق جديدة في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار العقارات، بعدما سيطر أباطرة الحزب الحاكم على إنتاج الحديد ومواد البناء، وحتى الأراضي الجديدة!
كارثة الدويقة جاءت بعد أيام من توجيه الادعاء العام المصري تُهَمًا بالمشاركة في عملية القتل إلى رجل الأعمال والعقارات، القيادي في الحزب الوطني الحاكم النائب هشام طلعت مصطفى.
ويشغل مصطفى منصب وكيل اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى، كما أنه عضوٌ في المجلس الأعلى للسياسات؛ أبرز لِجَانِ الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، والذي يرأسه جمال مبارك ابن الرئيس المصري.
والكارثة تأتي بعد أسابيع من صدور حكم المحكمة المصرية في غَرَق العبارة المصرية "السلام 98", والذي بَرّأ ممدوح إسماعيل العضو المعين في مجلس الشورى وأمين الحزب الوطني بمصر الجديدة، من تهمة القتل، مع أن لشركته سوابق في غرق عباراتها، ولكنها دائما تقع تحت بند القضاء والقدر!
فيما ذكرت تقارير صحفية حديثةٌ عن تلقي مجلس الشورى طلبًا من النائب العام عبد المجيد محمود لرفع الحصانة عن عضو مجلس الشورى محمد فريد خميس، والقيادي في الحزب الوطني، ورجل الأعمال البارز؛ للتحقيق في قضايا تتعلق بالفساد.
كارثة الدويقة مع الملاحقات القضائية لرجال الأعمال من السياسيين البارزين في الحزب الحاكم، مؤشراتٌ متعاضدة على عمق الفساد وتغلغله، والذي نَخَرَ مفاصل الدولة وأجهزتها.
وقد أثرت الأوضاع في مصر، وتراجع دور الدولة في مناحي الحياة العامة بشكل ملحوظ، باستثناء الجانب الأمني..أثّرت على دور مصر ومكانتها الإقليمية والدولية، ذلك الدور الذي تقلص إلى دور الوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين, وتَحَجَّم إلى الحدّ الذي أصبح المسئولون الإسرائيليون يُنْعِمون فيه على الحكومة المصرية بشهادات حسن السير والسلوك في تشديد الحصار على غزة!!
ولم يعد لمصر صوتٌ ولا دورٌ، حتى في القضايا التي تمس أمنها القومي بشكل مباشر، مثل الملف السوداني!
مصر على موعد مع المجهول, ما لم تُبَادِر السلطة بإجراء إصلاحات جادة، وإطلاق الحريات، وفتح المجال أمام التيارات السياسية، والتعامل بحزم وحسم مع التحديات الإقليمية والدولية، ومراعاة المشاعر الشعبية في التعامل مع الحصار غير الإنساني على قطاع غزة, فإنّ انفجارًا اجتماعيًّا يبدو وشيكًا في الأفق.
http://www.islamtoday.net/albasheer/show_articles_content.cfm?id=72&catid=79&artid=13931 (http://www.islamtoday.net/albasheer/show_articles_content.cfm?id=72&catid=79&artid=13931)