abeosama50
03-01-2002, 06:59 PM
كان الاتجاه الغالب لدى مجلس إدارة «تايم» ومحرريها يصب في اختيار أسامة بن لادن كشخصية شغلت الولايات المتحدة والعالم وأشعلت أولى حروب القرن الحادي والعشرين، لكن مجلة «تايم» اضطرت لاستبعاد خيار بن لادن كشخصية العام 2001، واختارت الأميركي ــ الإيطالي رودلف جولياني بعد ان تعرضت لضغوط مباشرة وغير مباشرة من القراء وأيضا من المعلنين وقوى الضغط السياسية والعسكرية في الولايات المتحدة. فما أن سرت إشاعة اختيار بن لادن حتى ضاق موقع البريد الإلكتروني في المجلة ببلاغات المشتركين الذين هددوا بقطع اشتراكاتهم فيما لو صدر العدد السنوي وعلى غلافه صورة زعيم القاعدة كشخصية العام. بعض الشخصيات المؤثرة في إدارة الرئيس بوش خاصة تلك التي تمثل الجناح إلى أقصى اليمين والأشد تطرفا أعربت عن استيائها من الخيار السائد في المجلة وهددت بأنها ستبذل كل ما بوسعها لمعاقبة المجلة فيما لو اعتمدت هذا الخيار. وقد اعترف جيم كيلي رئيس تحرير «تايم» ان المجلة شهدت تراجعا في إيرادات الإعلانات مثل بقية الإصدارات لكنها لم تكن قلقة بشأن تعرضها لهجوم إذا اختارت بن لادن، وحرص كيلي على التأكيد انه كان سيدافع عن هذا الاختيار بالشكل اللازم لتوضيح ان المجلة بهذا الاختيار لا تحاول ان تجعل من أسامة بن لادن بطلا. المهم ان المجلة تراجعت عن اختيار شخصية بن لادن الشخصية التي تثير لدى الأميركيين مزيجا من مشاعر الخوف والكراهية واختارت البديل المتمثل في رودلف جولياني الرئيس السابق لبلدية نيويورك لأنه كما وصفه جيم كيلي نفسه رجل إنسان أبدى قوة وصمودا في وقت مرت فيه الولايات المتحدة الأميركية باختبار عصيب وبما ان جولياني قاد الامور بإخلاص من أعماق قلبه، ليس بمجرد الكلمات والاجراءات وفي عام كهذا فإنه يستحق ان يكون شخصية العام برأي جيم كيلي رئيس تحرير مجلة تايم التي جعلت من جولياني رمزا عالميا للشجاعة وحسن القيادة. لقد عرف جولياني بحيويته الناجمة ربما عن الدم الإيطالي الحار الذي يجري في عروقه الأمر الذي جعله يبرز وبعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر كقائد ميداني لجيش من المسعفين ورجال الاطفاء وعناصر الشرطة الذين عملوا ليل نهار وباندفاع مثير للإعجاب على انتشال الجثث ورفع الانقاض وإعادة تنظيم الحياة اليومية في مدينة نيويورك التي أصيبت بما يشبه الزلزال إلا ان هذا لا يعني ان أي شخص آخر في مكان جولياني يجلس على أعلى هرم التراتبية الإدارية في نيويورك، كان سيقصر في أداء واجبه وقد توافرت له كل الاسباب المالية والبشرية والتكنولوجية الأميركية الفائقة للسيطرة على الامور كلها جملة وتفصيلا: الموقف ذاته كان سيصنع الرجل جولياني أم غيره. والحقيقة ان هذا الاختيار المطلق لرودي جولياني تم تلفيقه ليبرز فكرة الانتصار والتفوق الأميركي وقد اعترف جولياني في وداعية رئاسته بلدية نيويورك: «لقد انتصرنا، نيويورك انتصرت على بن لادن». وهذا هو بيت القصيد، انها عقدة الانتصار وهوس التفوق على الآخر. وها هي أميركا العظمى، القوة الغاشمة، لاتزال تستعرض عضلاتها التكنولوجية على الأرض الأفغانية القنابل الفراغية، والقنابل الخارقة للأعماق، والقنابل القاصفة للاعمار، وأخيرا شاهدنا جنودا أميركيين يتنزهون في ممرات تورا بورا على صهوات جياد حديدية عبارة عن دراجات نارية رباعية الدفع، وأغلب الظن اننا سنشاهد هذه المطايا النارية معتمدة كسلاح مضاد للإرهاب لدى قواتنا العربية البرية. وبمناسبة حلول العام الجديد نرجو الشفاء لذاك المواطن الأفغاني الراقد على فراش المرض في المشفى المكون من سريرين اثنين فقط ويشرف عليه طبيب واحد في إحدى القرى القريبة من العاصمة فالمسكين مصاب إصابة خطيرة في معدته بعد ان التهم من شدة الجوع شمعة كانت ضمن مكونات كيس الغذاء الأميركاني الذي أسقط عليه من سماء كابول التي تضيء بالنسور الأميركية. هذا الافغاني لم يفطن إلى أن الشمعة ليست للاستهلاك الآدمي.