رفعت خالد
16-12-2008, 06:14 PM
DAKAR BREAK
داكار بريك
It's a war.. an other kind of horror
إنها حرب.. نوع آخر من الحب..:ds013: أقصد الرعب
---------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
3
إن كنت لا تعلم فتلك مصيبة،
و إن كنت تعلم فالمصيبة أعظم !
- لن تصدقني لو حكيت لك ما حدث معي !..
قالها مهدي صديقي الجديد و هو مستلق على سريره تحت ظلام غرفته الضيقة، ثم رمقني طويلا بعينيه البيضاويتين منتظرا ردة فعلي..
- ماذا حدث معك ؟..
هكذا ببساطة أجبته و بملل رميت رأسي على الوسادة محاولا تخمين الوقت حينها.. ربما كانت الثانية ليلا.. نعم أعتقد ذلك..
نهض إلى المرحاض بصمت ثم عاد بعد برهة و هو يعدل حزام سرواله.. ابتسم بغموض و تربع على سريره..
كان يعلم أنه يحرق أعصابي بحركاته البسيطة التي تذكرك بـ (سنعود بعد قليل) أو (يتبع) التي يمقتها الكل طبعا..
* * *
- تعرف مدرج (جون كابيل) بطبيعة الحال ؟..
سألني بسرعة فأجبته بملل حانق، إن كان يوجد شعور كهذا :
- أي سؤال بليد ؟.. كأنك قلت لي هل تعرف رجلك اليسرى؟ !.. و من لا يعرف ذلك المدرج القذر الذي لا أفهم عدم انهياره حتى الآن ؟..
- الواقعة التي سأرويها لك وقعت بداخله.. و كنت أنا بطلها.
- أعرف أنك بطل و شجاع و مقدام و باسل و نبيل و فارس مغوار.. لكن هلاّ قلت ما تريد قوله فقد استهلكت كل التشويق و لا أظنك قادرا على إثارتي حتى لو خرجت سحلية من فمك الآن !..
* * *
" في العام المنصرم، و مع اقتراب الامتحان النهائي حيث يبدو لك الطلبة كمجانين بمستشفى الأمراض الذهنية.. هذا يكلم نفسه و يشرح لها درسا و يكتب في الهواء لمزيد من التوضيح !.. و تلك شاحبة و قد حزمت رأسها بثوب أبيض ما يدفعك للاعتقاد أنها متوفاة خرجت من قبرها لتجتاز الامتحان ثم تعود !.. و هذا قد أصبح شيخا علامة، زاهدا في الحياة، يدعو ربه و يصلي ما شاء الله بالمسجد.. مع العلم أنه لم يكن يعرف شيئا عن الإسلام من قبل !..
أنت تعلم كل هذا و أكثر، لكني أردت من ذكري له تمييز الحقبة التي وقع فيها ما وقع و نفسيتي آنذاك..
" كنت مجنونا آخرا بكل بساطة و قد تحول بيتي الوديع هذا إلى مزبلة من الدروس و التمارين و الحلول و الملخصات و الرسومات و أوراق (الغش) التي يعدها كل طالب يحترم نفسه..
كنت وسط كل ذلك و الشمس تطلع فوقي و تغرب و النوم قد فر مني هلعا !..
" مللتُ الغرفة و صرت أبحث عن أي مكان آخر.. فجربت كل القاعات و الساحات و المكتبات و مللتها جميعا !.. "
قاطعته هنا بوقاحة :
- يا سلام !.. ما شاء الله.. لو بذلتُ كل هذا الجهد لاكتشفتُ عضوا جديدا في جسم الإنسان !..
- ههههههه.. المهم.. جربتُ كل مكان مهم و لم يتبق إلا المدرج إياه.. مدرج (جون كابيل)."
* * *
" ملئت حقيبتي تلك الليلة و خرجت قاصدا المدرج..
كان ممتلئا لحد لا بأس به فجلستُ بالخلف و بدأتُ التهام تلك السطور المرة..
مع مرور الوقت بدأ المدرج يفرغ رويدا رويدا حتى رفعتُ رأسي لأرى اثنان هناك و أخرى هناك.. ثم أنا هنا !..
" كم الساعة يا ترى ؟!..
أنرت شاشة هاتفي لأرى العاشرة ليلاً... غريب !.. المدرجات الأخرى لا تفرغ إلا بعد ساعة أو ساعتان وراء منتصف الليل.. (إشمعنا) ؟!..
" لم أبالي كثيرا و عدت إلى (البيوشيميه) اللعينة و التركيبة الكيميائية للكلسترول التي لن أحفظها مهما تظاهرت بالصبر و حدة الذكاء !.. و أنت تعلم كيف يمر الوقت عندما تغطس مخك في شيء ما.. لدى لن تستغرب إن قلت لك أني لما رفعت رأسي مرة أخرى وجدت المدرج فارغا تماما !..
أشعرني ذلك الفراغ بالتعب الممزوج بالنعاس فتثاءبت بوحشية و قررت الخروج لاستنشاق الهواء الطري..
خرجتُ.. و كان الظلام مظلما، إن فهمت ما أقصد، فأنرت هاتفي ليريني أين أنا بالضبط !.. لمحت بعض الطلبة السود يمشون بسرعة مبتعدين، أحدهم التفت و رآني ثم قال شيئا لزميله و ركضا فزعين !..
رفرف قلبي حينها و التفت بعنف أبحث خلف كتفي لأرى ما أفزعهما بالضبط.. و لم أجد سوى أغصان سوداء، غافية تتهادى مكانها و تترنح !..
حسن، ربما فَعَلَا ذلك على سبيل الدعابة، فأنا أعرف أمثال هؤلاء الأغبياء الذين لم يلعبوا في طفولتهم الغبية ما يكفي من اللعب الغبي !..
" المهم.. زفرت بعصبية و عدت أدراجي إلى المدرج الضخم، العتيق.. اجتزت بابه ببطء و قد أغاظني كل ذلك الصمت المطبق بداخله إلا من الصوت الرتيب للمصابيح الفوسفورية..
حملتُ أوراقي و تقدمت قليلا لأجلس وسط المدرج تقريبا.. هذا المقعد أفضل حالا..
* * *
" الثالثة و النصف بعد منتصف الليل !..
كتبتُ كثيرا.. كثيرا جدا، حتى أني لم أبالي ببعض السفاسف..
أصوات القرع تلك التي كانت تتردد من حين لآخر فوق سطح المدرج.. هي الأغصان أو أي شيء تافه آخر..
ثم ذلك الإحساس اللعين بوجود آخر معي في القاعة.. أنت تعلم مثل هذه الخواطر، خصوصا عند شخص لم ينم ليومين زيادة على ضغط الامتحان و تمطط الأعصاب !..
" لكني قفزت من مكاني لمّا...
رنّ الهاتف فجأة.. فحملته و أنا أحملق في شاشته بعينين أتخيلهما الآن حمراوتين من فعل الإجهاد..
إنه أخي !.. ماذا يريد هذا الغبي في مثل هذا الوقت ؟..
- آلو.. نعم.. ماذا تريد ؟..
- أين أنت ؟..
- في مكان ما أراجع ؟..
- تعال إلى المنزل فقد أضعت المفاتيح..
- أوووف.. لماذا تهوى إضاعة المفاتيح أيها المغفل ؟..
- كفّ عن اللهو و تعال... أين أنت ؟..
- مدرج (جون كابيل)..
- ماذاااااااااااااااااااا ؟ ! ؟..
* * *
" - أفزعتني يا حمار.. لماذا تصرخ ؟..
- تعال حالا يا أحمق.. تعال الآآآآن !..
- لماذا ؟!..
- ألم تر شيئا ؟.. ألم تسمع صوتا ؟..
- عن ماذا تتحدث بالله عليك ؟..
- ألا تعلم يا حيوان أنه لا أحد يبقى هناك بعد العاشرة ليلاً ؟..
- مَـ.. ماذا ؟.. لماذا ؟..
- أخرج حالا قلت لك !... فالمدرج (مسكوووون) !..
* * *
المدرجات الأخرى لا تفرغ إلا بعد ساعة أو ساعتان وراء منتصف الليل.. (إشمعنا) ؟!..
* * *
" حينئذ و حينئذ فقط أصبحت ذكيا جدا، بل عبقريا إذ فهمت الرابط بين ما قاله لي أخي و تلك الأصوات التي تجاهلتها.. ثم شعور (المراقبة) إياه.. نعم.. و حتى فزع الطالبين المسكينين اللذان حسباني (شيئا) لا ينفع أمامه إلى الفرار !..
يا للهول !..
أي فزع ذاك الذي اشتعل بأمعائي و دفع الدم الساخن إلى رأسي ؟!..
" لا.. لن تعرف حقيقة ذلك الفزع إلا إذا كنت وسط مدرج ضخم عرفت فجأة أنه مسكن لأشياء ممنوع التفكير بها.. و في وقت غير مناسب على الإطلاق !.. ثم أنت تعرف أن المدرج يقع خارج الكلية، تحاصره أشجار مظلمة تصدر أصوات غريبة..
حشوتُ حقيبتي بكل الذي أمامي و هرعت إلى الباب الذي بدا لي بعيدا... تبا !.. لماذا جلستُ هنا ؟..
" أكاد أقسم أن شيئا كريها ما كان يجري ورائي وقتها.. و أنا أجري !.. لكني لم ألتفت طبعا.. هل جننت ؟.. كيف ألتفت و أنا أطير فوق الدرجات ؟..
تبا !.. الظلام في كل مرمى بصر بالخارج.. سأصطدم بشجرة و أنا أركض بهذا الجنون.. لا محالة !..
لم أكن أرى جيدا أمامي.. فقط كنت أركض، إذ كان أروع شيء أمكنني القيام به حينها.. الركض.
* * *
" أتخيل وجهي شاحبا ليلتها، عندما وصلت إلى الطريق المضاء و توقفت أبلع ريقي بعصبية و ألهث مخرجا كل ذلك الرعب الأسود الذي تكدّس بداخلي ".
* * *
اكتفيت بابتسامة طويلة كتعليق على الواقعة.. فقال مبتسما بدوره :
- بعد ذلك أخبرني أخي الأكبر عن مشاهدات بعض الطلبة لامرأة قصيرة جدا مع كائنات يبدون كأولاد لها !!..
قطعت ابتسامتي و تمتمت :
- أعوذ بالله !..
ثم واصلت في شيء من الجدية :
- كنتَ بالداخل لا تعلمُ الخطر الغامض الذي يتربص بك.. و الذي أفزع طلاب (داكار) كلهم إلا مغفلين هما أنت و أنا طبعا.. لكنك لما عرفت الخطر أصبح أخطر.. أليس كذلك ؟..
- نعم.. أعتقد ذلك..
- ليس بأنسب لحالتك إذن من قول الشاعر:
" إن كنت لا تعلم فتلك مصيبة...... و إن كنت تعلم فالمصيبة أعظم "
- ههههههههههه.
من يومياتي بالسنغال
رفعت خالد
16-11-2008
داكار بريك
It's a war.. an other kind of horror
إنها حرب.. نوع آخر من الحب..:ds013: أقصد الرعب
---------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
3
إن كنت لا تعلم فتلك مصيبة،
و إن كنت تعلم فالمصيبة أعظم !
- لن تصدقني لو حكيت لك ما حدث معي !..
قالها مهدي صديقي الجديد و هو مستلق على سريره تحت ظلام غرفته الضيقة، ثم رمقني طويلا بعينيه البيضاويتين منتظرا ردة فعلي..
- ماذا حدث معك ؟..
هكذا ببساطة أجبته و بملل رميت رأسي على الوسادة محاولا تخمين الوقت حينها.. ربما كانت الثانية ليلا.. نعم أعتقد ذلك..
نهض إلى المرحاض بصمت ثم عاد بعد برهة و هو يعدل حزام سرواله.. ابتسم بغموض و تربع على سريره..
كان يعلم أنه يحرق أعصابي بحركاته البسيطة التي تذكرك بـ (سنعود بعد قليل) أو (يتبع) التي يمقتها الكل طبعا..
* * *
- تعرف مدرج (جون كابيل) بطبيعة الحال ؟..
سألني بسرعة فأجبته بملل حانق، إن كان يوجد شعور كهذا :
- أي سؤال بليد ؟.. كأنك قلت لي هل تعرف رجلك اليسرى؟ !.. و من لا يعرف ذلك المدرج القذر الذي لا أفهم عدم انهياره حتى الآن ؟..
- الواقعة التي سأرويها لك وقعت بداخله.. و كنت أنا بطلها.
- أعرف أنك بطل و شجاع و مقدام و باسل و نبيل و فارس مغوار.. لكن هلاّ قلت ما تريد قوله فقد استهلكت كل التشويق و لا أظنك قادرا على إثارتي حتى لو خرجت سحلية من فمك الآن !..
* * *
" في العام المنصرم، و مع اقتراب الامتحان النهائي حيث يبدو لك الطلبة كمجانين بمستشفى الأمراض الذهنية.. هذا يكلم نفسه و يشرح لها درسا و يكتب في الهواء لمزيد من التوضيح !.. و تلك شاحبة و قد حزمت رأسها بثوب أبيض ما يدفعك للاعتقاد أنها متوفاة خرجت من قبرها لتجتاز الامتحان ثم تعود !.. و هذا قد أصبح شيخا علامة، زاهدا في الحياة، يدعو ربه و يصلي ما شاء الله بالمسجد.. مع العلم أنه لم يكن يعرف شيئا عن الإسلام من قبل !..
أنت تعلم كل هذا و أكثر، لكني أردت من ذكري له تمييز الحقبة التي وقع فيها ما وقع و نفسيتي آنذاك..
" كنت مجنونا آخرا بكل بساطة و قد تحول بيتي الوديع هذا إلى مزبلة من الدروس و التمارين و الحلول و الملخصات و الرسومات و أوراق (الغش) التي يعدها كل طالب يحترم نفسه..
كنت وسط كل ذلك و الشمس تطلع فوقي و تغرب و النوم قد فر مني هلعا !..
" مللتُ الغرفة و صرت أبحث عن أي مكان آخر.. فجربت كل القاعات و الساحات و المكتبات و مللتها جميعا !.. "
قاطعته هنا بوقاحة :
- يا سلام !.. ما شاء الله.. لو بذلتُ كل هذا الجهد لاكتشفتُ عضوا جديدا في جسم الإنسان !..
- ههههههه.. المهم.. جربتُ كل مكان مهم و لم يتبق إلا المدرج إياه.. مدرج (جون كابيل)."
* * *
" ملئت حقيبتي تلك الليلة و خرجت قاصدا المدرج..
كان ممتلئا لحد لا بأس به فجلستُ بالخلف و بدأتُ التهام تلك السطور المرة..
مع مرور الوقت بدأ المدرج يفرغ رويدا رويدا حتى رفعتُ رأسي لأرى اثنان هناك و أخرى هناك.. ثم أنا هنا !..
" كم الساعة يا ترى ؟!..
أنرت شاشة هاتفي لأرى العاشرة ليلاً... غريب !.. المدرجات الأخرى لا تفرغ إلا بعد ساعة أو ساعتان وراء منتصف الليل.. (إشمعنا) ؟!..
" لم أبالي كثيرا و عدت إلى (البيوشيميه) اللعينة و التركيبة الكيميائية للكلسترول التي لن أحفظها مهما تظاهرت بالصبر و حدة الذكاء !.. و أنت تعلم كيف يمر الوقت عندما تغطس مخك في شيء ما.. لدى لن تستغرب إن قلت لك أني لما رفعت رأسي مرة أخرى وجدت المدرج فارغا تماما !..
أشعرني ذلك الفراغ بالتعب الممزوج بالنعاس فتثاءبت بوحشية و قررت الخروج لاستنشاق الهواء الطري..
خرجتُ.. و كان الظلام مظلما، إن فهمت ما أقصد، فأنرت هاتفي ليريني أين أنا بالضبط !.. لمحت بعض الطلبة السود يمشون بسرعة مبتعدين، أحدهم التفت و رآني ثم قال شيئا لزميله و ركضا فزعين !..
رفرف قلبي حينها و التفت بعنف أبحث خلف كتفي لأرى ما أفزعهما بالضبط.. و لم أجد سوى أغصان سوداء، غافية تتهادى مكانها و تترنح !..
حسن، ربما فَعَلَا ذلك على سبيل الدعابة، فأنا أعرف أمثال هؤلاء الأغبياء الذين لم يلعبوا في طفولتهم الغبية ما يكفي من اللعب الغبي !..
" المهم.. زفرت بعصبية و عدت أدراجي إلى المدرج الضخم، العتيق.. اجتزت بابه ببطء و قد أغاظني كل ذلك الصمت المطبق بداخله إلا من الصوت الرتيب للمصابيح الفوسفورية..
حملتُ أوراقي و تقدمت قليلا لأجلس وسط المدرج تقريبا.. هذا المقعد أفضل حالا..
* * *
" الثالثة و النصف بعد منتصف الليل !..
كتبتُ كثيرا.. كثيرا جدا، حتى أني لم أبالي ببعض السفاسف..
أصوات القرع تلك التي كانت تتردد من حين لآخر فوق سطح المدرج.. هي الأغصان أو أي شيء تافه آخر..
ثم ذلك الإحساس اللعين بوجود آخر معي في القاعة.. أنت تعلم مثل هذه الخواطر، خصوصا عند شخص لم ينم ليومين زيادة على ضغط الامتحان و تمطط الأعصاب !..
" لكني قفزت من مكاني لمّا...
رنّ الهاتف فجأة.. فحملته و أنا أحملق في شاشته بعينين أتخيلهما الآن حمراوتين من فعل الإجهاد..
إنه أخي !.. ماذا يريد هذا الغبي في مثل هذا الوقت ؟..
- آلو.. نعم.. ماذا تريد ؟..
- أين أنت ؟..
- في مكان ما أراجع ؟..
- تعال إلى المنزل فقد أضعت المفاتيح..
- أوووف.. لماذا تهوى إضاعة المفاتيح أيها المغفل ؟..
- كفّ عن اللهو و تعال... أين أنت ؟..
- مدرج (جون كابيل)..
- ماذاااااااااااااااااااا ؟ ! ؟..
* * *
" - أفزعتني يا حمار.. لماذا تصرخ ؟..
- تعال حالا يا أحمق.. تعال الآآآآن !..
- لماذا ؟!..
- ألم تر شيئا ؟.. ألم تسمع صوتا ؟..
- عن ماذا تتحدث بالله عليك ؟..
- ألا تعلم يا حيوان أنه لا أحد يبقى هناك بعد العاشرة ليلاً ؟..
- مَـ.. ماذا ؟.. لماذا ؟..
- أخرج حالا قلت لك !... فالمدرج (مسكوووون) !..
* * *
المدرجات الأخرى لا تفرغ إلا بعد ساعة أو ساعتان وراء منتصف الليل.. (إشمعنا) ؟!..
* * *
" حينئذ و حينئذ فقط أصبحت ذكيا جدا، بل عبقريا إذ فهمت الرابط بين ما قاله لي أخي و تلك الأصوات التي تجاهلتها.. ثم شعور (المراقبة) إياه.. نعم.. و حتى فزع الطالبين المسكينين اللذان حسباني (شيئا) لا ينفع أمامه إلى الفرار !..
يا للهول !..
أي فزع ذاك الذي اشتعل بأمعائي و دفع الدم الساخن إلى رأسي ؟!..
" لا.. لن تعرف حقيقة ذلك الفزع إلا إذا كنت وسط مدرج ضخم عرفت فجأة أنه مسكن لأشياء ممنوع التفكير بها.. و في وقت غير مناسب على الإطلاق !.. ثم أنت تعرف أن المدرج يقع خارج الكلية، تحاصره أشجار مظلمة تصدر أصوات غريبة..
حشوتُ حقيبتي بكل الذي أمامي و هرعت إلى الباب الذي بدا لي بعيدا... تبا !.. لماذا جلستُ هنا ؟..
" أكاد أقسم أن شيئا كريها ما كان يجري ورائي وقتها.. و أنا أجري !.. لكني لم ألتفت طبعا.. هل جننت ؟.. كيف ألتفت و أنا أطير فوق الدرجات ؟..
تبا !.. الظلام في كل مرمى بصر بالخارج.. سأصطدم بشجرة و أنا أركض بهذا الجنون.. لا محالة !..
لم أكن أرى جيدا أمامي.. فقط كنت أركض، إذ كان أروع شيء أمكنني القيام به حينها.. الركض.
* * *
" أتخيل وجهي شاحبا ليلتها، عندما وصلت إلى الطريق المضاء و توقفت أبلع ريقي بعصبية و ألهث مخرجا كل ذلك الرعب الأسود الذي تكدّس بداخلي ".
* * *
اكتفيت بابتسامة طويلة كتعليق على الواقعة.. فقال مبتسما بدوره :
- بعد ذلك أخبرني أخي الأكبر عن مشاهدات بعض الطلبة لامرأة قصيرة جدا مع كائنات يبدون كأولاد لها !!..
قطعت ابتسامتي و تمتمت :
- أعوذ بالله !..
ثم واصلت في شيء من الجدية :
- كنتَ بالداخل لا تعلمُ الخطر الغامض الذي يتربص بك.. و الذي أفزع طلاب (داكار) كلهم إلا مغفلين هما أنت و أنا طبعا.. لكنك لما عرفت الخطر أصبح أخطر.. أليس كذلك ؟..
- نعم.. أعتقد ذلك..
- ليس بأنسب لحالتك إذن من قول الشاعر:
" إن كنت لا تعلم فتلك مصيبة...... و إن كنت تعلم فالمصيبة أعظم "
- ههههههههههه.
من يومياتي بالسنغال
رفعت خالد
16-11-2008