المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خواطر و نثر عَلَى مـا يَبْـدُو !



The Riotous
17-12-2008, 08:41 PM
ربما يكون هذا آخر ما أكتبه هنا .. لذا بكل ما أعرفه عن الحب والتقدير أودعكم :
إن الزمان الذي ما زال يُضحكنا .. أنسًا بقربهم قد عاد يُبكينا
طبعاً ليس إلى درجة البكاء ولكن أنتم تعرفون ابن زيدون عاطفي قليلاً !





عَلَى ما يَبْدُو
(تَأْمُّلات شَخْص مُحْتَرِق)

هامش بدائي :
لا أكترث .. ليس لأنني فقط لا أريد أن أكترث .. لكن لأن الاكتراث لدي رد فعل لا يجد ما يرقى ليكون فعلاً له !
عبارة تحتاج إلى تفسير ربما لكني .. لا أكترث !



http://www2.uiah.fi/opintoasiat/history2/kuvatc/ident10.jpg

الظلام .. بالتأكيد الإصرار على الظلام .. ألم يُسْتقْبل به الإنسان داخل الرحِم وبعد هنيهة يُسْتودع داخله ؟! لذا كان يتعين عليّ الخروج في نفس الظلام لإتمام الأمر .. قد يُثير هذا بعض من ريبة داخل ما تبقى ممن سفحهم النهار .. لكن الأمر يَسْتحق وستقُصَّه كتب لَنْ تُكْتب أبداً !

- هه ؟ ماذا كنتُ أقول ؟! لم أعد أعرف !

وبعد ؟! على المرء أن يدرك ماذا بعد .. لأنها رغبة لا تعرف الهوادة تتأجج داخله .. لتترك – غالباً – رماد لما تبقى منه في صور هزلية هزيلة للعزم والأمل .. فإن لم يفعل أصبح ذبيحاً لسيف واقع لحظته .. تلك اللحظة التي لم يفكر فيها بأي اتجاه عليه أن يخطو بثبات ظاهري يشوبه تساؤل !

- هه ؟ ماذا كنت تقول ؟! تتنفس ؟! لماذا كنت أرى حديثاً في تلك الزفرات ؟!

تلك قوة مُفْرِطة لا طاقة لي بها فضعيف (أنا) مهما أدّعيت النقيض .. مجهول رغم محاولاتي المستنيرة لإيضاح نفسي ..باحث عن حريتي من نفسي لأعلن للأطياف كلها أني كائن مستقل عن ذاته وليس بذاته !

"فقد الأمل" تعبير يفتقر إلى الدقة .. بل والصواب أيضاً .. لذا لم يتخذ سبيله مني سربًا .. والغريب في الأمر أن اليأس دائماً هو ما لديه القدرة – اللا محدودة – على احتواء الأمل وليس العكس .. وهو نوع من الاحتواء الكامل الذي لا يُبْرز أو حتى يُلمّح لما يحويه !

- ..... ، ....... !

إذاً لم أفقد الأمل ولكني – فقط – كففت عن البحث عنه .. يقولون أن البحث عن السعادة في حد ذاتها هو السعادة الحقة .. بينما الوصول لحالة نشوى لحظية من الرضا يفقد مغزى السعادة .. ويشكل خطراً جديداً لضرورة البحث – بضراوة – عن نشوى سامقة في مجال آخر .. والوقوف أمام فوهة أخرى بغض النظر عن فحوى القذيفة الموجهة إلى الصدور !
هامش : حقاً يا لنا من شجعان !

لا تعتبر – أيها الصديق الحانق – أنني يئست .. على الإطلاق فاليأس لهو كفر بيّن .. لكن على المرء أن يكُفّ عن المحاولة عندما لا تفلح طريقته العتيدة ليجرب طرق أخرى غير تقليدية .. فقد تنجح أحداها ليصل لنهاية الطريق فينظر إلى الطريق المنصرم بما فيه من عقبات وكسور فيضحك كثيراً أو يبكي – إن كان قليل الإيمان – ثم ينسى الأمر برمته ليبحث عن طود ينهار فوقه !
هامش : فبهذا فقط يستحق أن يكون مشهد النهاية – من وجهة نظره طبعاً – !

- أراك صامت .. هل أُكْمِل ؟! لا يهم .. لا يهم .. سأُكمِل على أي حال !

أبصرتُ – صديقي المُتسائل – طائفتين من البشر : طائفة رقم (1) رابحة .. طائفة رقم (2) خاسرة .. (لهذا لها الرقم : 2) .. ويظلان على تبادل الرقمين بين المكسب والخسارة .. والخسارة والمكسب .. لما لا يكون هناك فائز أبدي أو خاسر أبدي ؟! لأن تلك النواميس المعهودة .. ليتني كنتُ الأخير .. وأخسر على طول الخط وعرضه .. على الأقل كنتُ لأتمتع بنعمة اليقين !
هامش : فيما بعد عرفت كيف لا أكسب ولا أخسر .. أنتظر لتعرف كيف – صديقي المتسرع – !

هناك الكثير من الحديث دار وآخر كفَّ عن الدوران .. بالإضافة إلى أكوام لا حصر لها من مشاعر مطموسة .. مشاعر نتجت من تزاوج بيني وبين نفسي .. وهذا زواج للأقارب أصحاب القلب الواحد والدم شِبْه الواحد والعقول المتعددة..لذا غالباً ما ينتج عنهما فكر مُشَّوه !
هامش : نتيجة طبيعية ومُثْبَتة !

تعودت أن أكثر من علامات التعجب .. وربما يرجع ذلك لتعجبي الشديد من إصرار الإنسان المتواصل على المواصلة .. رغم كونه لا يستحقها أحياناً أو رغم أن (دون كيشوت) أصبح على هامش البطالة .. أتعجب وأتعجب ورغم هذا أدّعى تفهُّمي .. أُنْكر وأدّعى تعاطفي .. أتألم من اللاشيء وبه .. وأدّعى بسمة بريئة القَسَمَات مُذْنِبة بالفطرة !

- ..... ، ....... !

لم أتعود أن أكتب أمام الناس وأنا محترق هكذا .. لكني اليوم أفعل لأني أحتاج إلى وصفي بأكثر التشبيهات بشاعة .. وأحتاج إلى تلك الأعين الحائرة الواثقة .. أحتاج – لأول مرة – للتعجب لأني صرت – لأول مرة – أفتقر إليه !
هامش : لا أعتبر الانتقال هنا إلى مشهد (بداية الاحتراق) مفاجئ بعد كل البيان أعلاه !

لا أعرف – صديقي الطيب – كيف أتت لحظة التنوير الجليلة .. فالمرء كل يوم ينتظرها بأمل في التحسن وخوف من التغير يسيران غالباً بتوازٍ مُخْتلِّ .. في تناقض آدمي طبيعي أكثر مما ينبغي .. ويظن الواحد منا كل يوم ألف مرة أن تلك اللحظة المُبْهمة قد أتت بالفعل .. ولكنها لا تترك به الأثر المخيف الذي لا ينْدمل .. هذه المرة أظنها باقية بسماجة على درجة رفيعة من الوقاحة .. الآن حان وقت الذروة ولا غيره وقت !
هامش : وقع الأمر قد يبدو غريباً .. لأن وقت الذروة – غالباً – يبدأ مع الميلاد .. وينتهي إما باللحظة المحببة بفقد العقل أو القاصمة بفقد الروح !

- (........ - .............) !

ناي يمسكه الخيام بين الحين والآخر ليبث لروحي : "الله قد قدر رزق العباد .. فلا تؤمل نيل كل المراد .. ولا تذق نفسك مر الأسى .. فإنما أعمارنا للنفاذ" .. لذا سأترك السيارات – صديقي الصامت – تعبر جواري دون أن أشارك في سباق محموم .. كاسبه يحصل على طوق من ورد يَذْبَلُ بغير ماء .. وقبلة من فتاة حسناء مقهورة .. عوضاً عن هذا الفخر العظيم سأجلس متابعاً – مثلك – بصمت صموت .. وأنتظر لحظة ذروتي الشخصية كما هو موجود في بناء المسرحيات .. الخوف أن يكون أسلوب المسرحية عصري .. فلا يكون البناء تصاعدي أو لا يكون هناك climax ولا يحزنون !
هامش : الـclimax طبعاً هي نقطة الذروة .

- برررررررر .. أتشعر بتلك البرودة ؟

يدهشني – وها أنا أندهش – الإصرار العنيد من جانبنا .. في حين نتجنب الاعتراف والإقرار بعجزنا المُقيم وفشلنا الصاخب .. كنتُ دائماً أرفع رايات التفاؤل على الملأ .. فكنت من الذين باستمرار يصرخون – بطبقة صوت حادة – مطالبين بالمزيد من المحاولات .. لأن الحياة – في ذلك الوقت - كانت عبارة عن مزيج غير متجانس من نصر بائس وعدة هزائم مُدوّية .. فاليأس كان صديق لزج .. بينما المحاولة إيمان متجدد داخل عين طفل لا يعرف القلق !

الآن تغيرت النظرة لغياب النظائر .. اليأس من الواقع يعنى – حقاً – الإيمان به .. والمداهنة لم تعد تصلح كحَلِّ وَسَط .. إنما أصبحت – إن شئنا الدقة – "حَلْ وِسْط" (كما نقول بالعامية) .. بينما عين الطفل – التي كانت لها علاقة آنفة بالمحاولة – سُمِلَت وسط قهقهة باقي الأطفال .. ربما لأنه المولود الوحيد بعين سليمة .. لكنها على أي حال لا ترى سوى جلال صاحبها !

- ربما تحتاج قهوة ؟

نعم .. "أفْلس بائع الأحلام" .. ومنذ زمن ليس بالقصير .. ولم يعُد هناك بضاعة للمتاجرة بها .. فالبضاعة قد كَسَدَت وعَطِبَت "بالسَّكْتة الدِّمَاغِيِّة" .. ومكسب تلك التجارة ليس بالكثير ولا يكاد يكفي المسكين الذي يَقْتات منه سوى الكفاف .. ابتسامة على حين غرة .. أو لحظة يتم فيها إغلاق الجفن لتستعيد معنى غامض هامشي لذكرى خجولة .. الآن أطمع في شيء خاص لـ(ـي).. يجمعني بذاتي الأنانية – ولا فخر – لنتقابل في مفترق طرق عسانا نتحاور .. أو نتقاتل .. ربما نتعاهد على حفظ ماء الوجه قبل زواج الأخير الأبدي مع الكَفَّين .. أو عسى أحدنا يفْتِك بالآخر ثم يَعدِم الحقيقة في مُحاكمة عَسْكرية .. ولا يكُفّ لحظة عَنْ التَّمْثيل بجُثْتها !

نعرف نحن – معشر المَحْروقين – أن الألم يضيف شاعرية على تدفق النبض .. لذا لا نكِلّ نبحث عنه أو نوجده لنعطى لأنفسنا لذة وذلة نعشقها ونسأل الله – مخلصين – ألا يفرج كربنا .. لأن هذا الكرب يحيا فينا ونحيا فيه .. به ومعه نتبادل فعل القتل وأفعال أخرى أشد وطأة !

عندما لا يصبح الألم والراحة سيان فلن تفتح يد عن سنبلة قمح .. لأنهما غامضان وكأنهما من الغيبيات فلا يستدل بأحدهما على الآخر .. ولكن أحدهما بالتأكيد يكون موجود وربما هما معاً .. لا يمتلكان الكرم الكافي لوهبك تأوه مكتوم يعبر عن نفسك الهائمة الباحثة عن هوية لها في معترك الصمت !

- شكراً لا أدخن .

خطأ كبير نقع فيه عندما نظن أن هناك موازنة في حياتنا أو حتى في أحلامنا .. نُطمأن الذات بأنها على قدر كبير من الاعتدال حتى تألفه .. فتسير بثقة وبلا حذر على الحبل ودون التأكد من وسائل الوقاية بالأسفل .. نسينا أن لهذا السيرك ضحاياه ممن كانوا منا أجْرأ وأمْهر .. أو ربما خرجنا من ذواتنا بحثاً عن أحبال غيرنا المُهترِأة في عقيدة ممنطقة تملكنا .. مالنا ومال الآخرين وأحبالهم ؟! فرادى أيها الخبيث الساذج ! فرادى دون حبلك العتيق الذي أتيت به مُتطفلاً .. ويا للمفارقة ! حبلك العتيق كان واصلك الوحيد مع العالم الخارجي .. مع قلب أمك ودمائها .. بينما حبلك النهائي لا تطلب "منه" سوى قليل ثبات .. رباه حتى بعد فنائي مِنْ غيرك أطلبُ !

قبل أن يتملكني الجنون كنت مثل الإنسان تماماً .. أشعر ولا أشعر .. أحب ولا أحب .. أكره وأكره أكثر .. بينما لم أبحث يوماً عن إغفاءة لثقتي أنها آتية لا ريب فيها .. وقعت أسفل سافلين لكني تظاهرت في ميداني الأكبر مطالباً بحق العودة من جديد لنقطة الانطلاق .. واستمرت الحالة التظاهرية ولم أتنبه أنها مجرد حالة ظاهرية .. فلم أبحث عما بداخل الأصداف لثقتي في المليون سنة القادمة حيث ينبت اللؤلؤ من جديد داخلها .. كم كنت سعيداً وأنا أتجاسر بصفتي من المُنتظِرين للمُنتظَرين .. من يموتون بصمت كي يعيشوا بصخب .. لكني الآن – ولا فخر – مجنوناً .. لذا يحق لي الكلام ولا يتوجب عليك الإنصات .. وهل على المجنون حرج ؟! ليس في كل الأحوال !

- (شوبرت) والنغمة التي قتلته !

سعيد بجنوني وأبحث عمن يشاركني فيه لأن الوحدة تقتل القلب بينما الجماعة تقتل العقل .. لذا سنبحث عن حل وسط أن أقترب فيبتعدون وأن أبتعد فيقتربون .. أن أخمد النار فيشعلها أحدهم .. أن أقيد الجحيم في جسدي فيتفضل أحدهم مشكوراً بإخمادي .. لكن من قال أنني لا أريد أن أحترق .. أنت يا هذا ! نعم أنت .. ابتعد عني .. أنت لا تعرف مصلحتي وما أدراك بها ؟! هل رأيتني يوماً وأنا نبيل بحق .. بغيض بحق .. لا تدعى أشياء وتخبرني بأي حديث .. أنا مجنون فاحترس ! اتركني بتلك النار فقد أجد بها لذة .. قد أجد بها بقايا حقيقة محترقة مع جلدي المنصهر .. قد أجدها بَرْدًا وَسَلامًا فعلّي أكون من المؤمنين .. لا .. لا تتهمني بالكفر أيها الطائش .. الكافر لا يملك الشجاعة لمواجهة الحقيقة .. بينما أنا ذهبت – بشجاعة أو بحمق لا تكترث – لبئر الاطمئنان وأدْلَيت دَلْوي طمعاً في ماء آسن .. نعم ماء أيها العالِم الجهول .. أنت تراه نارًا لأن عينك ألفت رؤية الآخرين محترقين سواء بيدك أو بيد عمرو .. أحمق أنت بينما لنترك عمرو في سكرة انتصاره فالنصر غالباً يكون هلاكاً عظيماً !

- ......... : ........ - ......../.......... !

تتعجب من كوني أفكر بتلك الطريقة بينما أحترق ؟! وهل احترقت أنت من قبل ؟! تعرف جيداً كيف أن المحترق يجرى بغير هدى ولا ينظر إلى السماء ليحدد بالنجوم وجهته .. أنا – أيها الصديق ضيق الأفق – أبيت أن أكون قتيلاً تقليدياً .. أنا أحترق بضمير وعلى مهل وبصفاء ذهن لا بأس به .. نعم صفاء ذهن .. أغريب هذا ؟! فالآن أفكر بكل شيء ولكن بنظام دقيق وليس كما هي العادة بتداخل وتراكم الإيحاءات .. أنا محترق وأوشك على الموت فلأتمتع بما تبقى من تلك الحياة .. أو بالأحرى بحياتي الحقيقية في تلك اللحظات .. تعرف – أيها الصديق ضيق الصدر – المثل القائل بأنه لا نعرف قيمة الأشياء والأشخاص سوى عندما نفقدهم .. فهل يا ترى أحدهم سيعرف قيمتي ؟! تلك القيمة المستمدة من روح غريبة لم يُلصق عليها – بوضوح – تاريخ الانتهاء .. أوليس الحيوان يملك روحاً أيضاً ويملك عقل بالمثل .. وله مجتمعه الذي يعيش فيه بقوانينه الشديدة الخصوصية .. بل كان أمهر منا بكثير حيث لم يترك المجال لأحد أن يكون مخدوعاً .. بينما نحن – أيها الصديق اللا محترق – غششنا من ورقة إجابة الحيوان وإن كان كاتبها بلغته الأثيرة .. فتم النقل – كما هي العادة – بطريقة تفتقر إلى المصداقية .. وتلك الطرق لا تخفى عن المُصحَح أبداً !

- ... $ !

الصبر .. ذلك المعني الغامض الذي نُرغم عليه .. ثم نبتسم ونحن نقول أننا نتحلى به .. نُدهِش الآخرين بمدى تفاؤلنا .. مدى مرحنا .. لكن الأعين التي ملأتها الأقذاء منذ الميلاد لن تبصر أبداً كم أمامهم كيان هش .. لا ناقة له في تلك الحياة لكنه – مع كُلٍ – يُجبر عن خوض مطاردة شرسة لمحاولة عميقة لخداع النفس ..

لا .. لا نملك تلك القوى الخرافية على أن نكون نفس الوجه لتلك العملة المعدنية مسلوبة الروح .. سنعيش بأكثر من وجه .. وأكثر من روح .. وأكثر من خدعة .. لأن تلك سُنّة القلوب المشاكسة التي تأبي البوح بأكثر مما يزيد الأمر تعقيداً !

العوز يملئني لاستنشاق أنفاس جديدة .. عديمة الرائحة .. لكنها تدخل وتخرج بلا استحياء مجبرة الانفعال على الخمود الأخير قبل أن يتطرق صوب فراغه ويحاول مُسَائَلته : "لما أنا إحساس بلا إحساس ؟!" فيحصل على إجابته الصامتة باللا إحساس .

نفس الأنفاس تعود من الشهقات والزفرات الباردة رغم سخونة الجو .. يدي لا ترتجف بالرعشة التي ألفتها فدمي الجديد لم يتجانس بعد مع ما كان دمي في السابق .. اليوم أحمل دماً لا يغلى في العروق .. ولا يتكاثف ليكون ميثاق المصاهرة بيني وبين الوجدان !

- لم يُسدد .. لم يُمرر .. فكرَ نعم لكنه لم يُفكر !

لم يعد هناك مزيداً من النيران فهي في كل مكان .. ليست على وجهك ووجهي بل هي وجهانا معاً .. فأعيننا جمرات خبيثة وأسماعنا حطب مُختزَل !

الطريق بيننا سلس إلى حد التعجيز .. فتلك الأقدام تظن أنها لا تتدحرج نحو أقدارها بتلك السهولة .. لكنها تجاهلت حقيقة كونها معقوفة بلا قدرة على التمدد !

وهناك من يظل يصرخ على في الشارع يريد بيع بضاعته وبيع صوته طمعاً في أصوات الآخرين .. بينما يمشى الآخر متبرماً من كل من ليس هو .. يعجز عن إشباع سعيره الشديد الخصوصية .. الطفل الساذج بعيداً عن كل هذا .. ولا يفتأ ينظر صوب السماء معتقداً أنها مطبقة بكف حديدية على رسمه .. لا يعرف أن السماء منتظرة غازيها !

إلى أين يذهب السراب ؟! مودعاً يخطو ليفارقني .. كم أنا في حاجة له !

- !

وجهان زجاجيان يقتربان أكثر من اللازم .. حتى صار الارتطام وشيكاً .. فالانكسار الذي طالما جانبوه يأتي من ذاتهم وليس من الأدوات الثقيلة التي يخشونها !

ومن يشتكي من الوحدة لم يجربها بعد .. لأنه إن فعل يجدها ملاذ له من بطش ذاته .. حيث لا أحد يرفع ثوبه خوفاً من الدنس .. الأثواب مرخية على العظام التي أدركت مدى هشاشتها !

ومن يدري كل هذا أو أكثر ربما يكون خوفاً من رفع رأسه ليجد عين تنظر له ولا تحيد أبداً .. هؤلاء البشر الذين ينتظرون الخطأ تلو الخطأ ليبرهنوا لأنفسهم أنهم دائماً على حق بينما الحقوق وأسرارها مخفية عمن سواهم !

- هه ؟!

بما تبقى من يدي أُمسك بما تبقى من يده فيشعر كل منا بلهيب الآخر .. لا نجد الوضع مريحاً فكل منا ألف ناره الخاصة بما تحمله من رائحة شواء ذاتية بها آلام وآمال كل منا .. لذا نترك تلك الأنسجة البالية لننشد سوياً ما طاب لنا مما جاد به الفكر :
خواء .. خواء .. خواء .. يصعب معه التنفس .. يصعب معه التطلع أو المرافقة .. حيث تجد الخواء تجدني وأجدك – صديقي العدمي – قلباً لهذا الخواء الذي لا قالب له .. خواء .. ومعه أيضاً تصعب الحياة ! خواء .. خواء .. خواء ..
خواء .. خواء .. خواء .. نقيع البوم يصبح لحنك المفضل رغم أنه لا يُمثل صوتي أو صوتك .. وربما لا يُمثل شيئاً على الإطلاق .. لكنه – بطريقة ما – يكسر الخواء .. فيصعب عليه الولوج إلى مسامنا المحترقة التي اختنقت من عرقنا قبل أن يريحها النار ! خواء .. خواء .. خواء ..
خواء .. خواء .. خواء ..

تلك الثغور في وجداننا أعمق من أن تستقر .. فتظهر كل فترة على السطح بشدة انغماسها فيه .. فتحسبها طافية رغم أنها باقية .. مستديمة كشظايا أصبحت بتماسكها كهيكل راسخ وسط الكيانات المنكوبة !

تلميح يعقبه تلميح .. فمغزى اليقين مهيمن على شرنقتنا من وراء سحب الفضيلة .. فمن يقول أن الحقيقة عشيقة لعوب هو مُستبعَد من اللعبة لضربه بقانونها الوحيد .. الحقيقة ليست بعشيقة غامضة .. أو وهمية .. أنت الحقيقة .. شق صدرك لتجد قلبك الهادر يصرخ بها مع إزهاق نفسه الأول !

- ختفمق بيريمق بثبلقلمسج و بكمنصب .. حقاً !

من الدمامة اتخذنا أشكالنا .. فصرنا مسوخاً مُعقّمة على منضدة بالية .. ننتظر أول مشرط ينغرس في أجسادنا الحية .. مشرط بيحث عنا داخلنا !

من المآثر تدبرنا إرهاصاتنا .. ثم انسلخنا عن الفرد لنجر وراءنا القطيع بأكمله نحو الحلقات النارية .. فلا يعبر منها سوى قِلة .. فهناك المريض والضعيف ومن لا يمتلك الخِفّة اللازمة !

من دجى الصفحات تَبصّرنا كيف نمزقها باستغاثتنا بها .. صفحة كُتب فيها : من نكون لحظة امتداد الشراك لتحيط بحواسنا .. من كُنّا لحظة انبثاق فجر استهلالي لملامسة مراقبة الراصدين !

المطالبة بشعور بِكر تنهش اللحظات المخفوقة .. لأن الإنسان لا يستطيع التبختر في إصراره دون وعيه لجائزته المصونة من التجديد في الوعي بالألم الخالص أو السعادة المؤلمة ..

تلك الكلمات التي نصوغها لتعبر عن أنفسنا قبل أن تعبر عن نفسها .. ستلجم يوماً ألسنتنا .. لتتكلم هي بإنصاتنا !

لا يكفى أن تقرأ كي تتعلم .. ولا يكفى أن تسمع لتتعلم .. ولا يكفى أن تعيش لتتعلم .. ولا يكفى أن تموت لتتعلم .. وبعد كل هذا المجهود ما الفائدة الحقيقية مما تعتقد أنك تعلمته ؟! أحد الدوافع لتبرير كيانك !

الإدمان شيء – عن جد – رائع .. لأنه يمحى كل ما خطته التراكمات على إدراكك .. ليعطيك معان جديدة متوحدة .. لكن الخطورة القصوى هي عند الكف عنه للبحث عن علاج جديد بتوزيع هذا الداء على أكثر من فرقة متنوعة من التشتتات !

الخلود أمر لابد منه للإنسان فهو يزيد من إحساسه بنفسه ليستطيع أن يغش أسوأ من في الجميع وهي نفسه أيضاً لأنها أكثرهم تربصاً بسقطات مرجوة .. فعلى البالغ نفسياً أن يترك لها ما تشتهيه لتفتك به مع كامل مباركته !

خلسة نحاول أن نعيش .. لا نقف .. لا نتحرك .. سوى خلسة .. فيدنا العملاقة تلين إلى أن تحين اللحظة المناسبة للانقباض .. لذا نتحرك داخل قوقعتنا الفضفاضة وندعى ثباتنا الطويل .. لكن الحقيقة أننا نعمل بآلية منتظمة تتحدد معالمها في طريقتنا في السير بعد ذلك .. فمن قضى كل هذا الوقت مفعماً بكل المصطلحات : النوم – الثبات – الوسن – الإغماء – الإغفاء – النعاس – الهجود – الهجوع وغيرهم .. عليه أن يُبدى قليل تخبط وبعضاً من وهن في بداية خطوه .. بينما من قدمنا الراسخة نحو التقدم فهذا أول إثبات على أننا نكذب على تلك اليد الغافية بدورها !

- ... + .... = ..... / ... x .... = ...... ! (هذه مني أنا)

دعني أقص أقصوصة عليك يا صديقي :
كان الحب رغبة في المنية لأننا كنا نعرف أنه حجر أول يُقْذف وبعدها ستتوالى الأحجار !
عندما أدركتها تحتضر تبينت حقائق جمة لم أعرفها من قبل .. مجرد ملامسة اليد الشاحبة ومرور الإصبع على وجنة قتلها الألم قبل الموت .. الحجرة ضاقت بكل تلك الأجهزة وتخبرني أحد الممرضات بأن الحجرة تضيق بي أيضاً .. فأخبرتها أن من على الفراش لا تحتاج كل هذه الأجهزة بقدر ما تحتاج تلك اللحظة .. قد لا تبدو مدركة لما نحن عليه لكني أيقن تماماً أنها تستشف وجودي جوارها .. رغم هذا تريد – تلك الراقدة على السرير – رحيلي حتى لا يزداد ألمي فألمي هذا يؤلمها أكثر !
لكم أملت أن تعصر يدها يدي المشتبكة بها بيأس .. لكن يدها خائرة القوة معلنة فقد الثقة بإمكانية الرجوع لعالمنا الخيالي الذي تمنيناه .. ما الذي مات فينا أولاً قبل أن تفعل هي ؟!
يدي تلك قد حاولت من بعد معاودة تجربة فعل الملامسة .. لكنها صارت باردة تنشر الصقيع لمجرد دنو لا يجسر على الدنو أكثر .. حاولت فرك يدي بالأخرى لكنها ثلّجت الأخرى قبل الملامسة أيضاً !
باختصار – صديقي المُنصِت – تعالت أبواق تعلن مغادرة روح بلا رجعة .. وأنا واجماً منتظراً دوري أن يأتي للحاق بتلك الروح .. هناك روحاً أخرى تنتظر دورها بقنوط .. لكن نصيبها فقط كان في حضور المغادرة !

- بسترة !

دوماً تأتي النهاية ولذا علينا دائماً التأهب لها قبل البداية .. ولحظات الوداع المدموغة بظل ثقيل لمستقبل يخلو من اليوم .. ويوم أنكر نسب الأمس ! فأصبح يوم سِفَاح نحيا فيه وفي العار .. ويتنفس داخلنا ناثراً ذكريات استنشقتها مراراً كلما لاح شبح الغرق .. أبي وهو يجاوبني على أسئلتي الطفولية حول حياة بخبث تنتظرني .. وأمي وهي تحتضني متوحدة مع لحم ودم مُغترِبَين .. وجدي وهو يداعبني بابتسامة خاصمت الهموم .. وجدتي وهي تصب لي كوب من اللبن وتدعو لي مرتكنة على وساطة خاصة مع السماء .. فجأة أصبح أكبر منهم في أعينهم أكثر طفولة في عيني .. يتركوني جميعاً وقد ضجروا من صوت لي لم يصبح أجش بعد !

هناك من يقترب مني من الخلف ويظن أنني لا أدرى بقدومه متجاهلاً أنني أصبحت كتلة من الحواس والأعصاب بعدما سقط الجلد الذي ظل يستر العظام لفترة طويلة .. ألتفت له بسرعة من ليس لديه وقت .. (أعذرني – أيها الصديق الساخط – على عدم إطلاعك على شخصه) .. فوجدته يحمل معطفاً باهظ الثمن من جلد حيوان قطبي ما لكن على ما يبدو أن هذا المعطف باهظ الثمن لأني اختلست النظر إلى ورقة السعر التي لن تنزع من عليه .. من الغريب أنني لم أقاوم .. بل بدوت مستمتعاً تحت الجلد الجديد .. ولما لا فقد كان الجلد أسمك بكثير من جلدي القديم ويعطى دفء شهي .. وللمعطف مظهر أجمل مما كنتُ عليه في السابق .. ثانياً وهذا هو الأهم ورقة السعر ستعمي أعين الناس عن كل ما سواها .. بينما أنا – صاحب العينان المنصهرتان – لن أمكث بينهم طويلاً وسأذهب بعيداً عن أعينهم تلك لأكرر التجربة من الجديد .. وأحرق نفسي .. عوضاً على أن تفعل هي !


إهداء ..
إلى النار العزيزة !





بالمناسبة الصورة من فيلم الحنين إلى الوطن / الماضي (1983 - Nostalghia) للمخرج الروسي تاركوفيسكي .. وحتى لا تغضب منا دارسات اللغة الروسية اللواتي يعرفن أنفسهن فهو يُنطق - حسب معلوماتي - طاركفيسكي !

خافي الوجد
17-12-2008, 11:50 PM
....




بعد التحيه



أخي العزيز الغالي


The Riotous





كل ما هنالك أنني أردت أن أحجز لي مقعد في الصفوف الأماميه

ليتسنى لي المشاهده و الاستمتاع...بإبداعاتكم...على اكمل وجه



. . .



علما بأنه لي عتب . . شديد اللهجه..

على السطرين الأولى

؟ ؟



. . .




لي عوده

بعد إنتهــائي من ... مشاهداتي...لمسرحيتـك الصماء


. . .




مع خالص الاحترام

رابعة العدوية
21-12-2008, 08:02 PM
عرف نحن – معشر المَحْروقين – أن الألم يضيف شاعرية على تدفق النبض .. لذا لا نكِلّ نبحث عنه أو نوجده لنعطى لأنفسنا لذة وذلة نعشقها ونسأل الله – مخلصين – ألا يفرج كربنا .. لأن هذا الكرب يحيا فينا ونحيا فيه .. به ومعه نتبادل فعل القتل وأفعال أخرى أشد وطأة !
وصلت هنا , أنت تعرف بالتأكيد حجم الملل الذي تولده قراءة خربشات الآخرين , لذا توقفت , عجبا ..منذ متى تتقن الحوار السردي ؟ - واضح انه حمى تجتاح البلاد وتخرب العباد -
سأعود :)

ياسمين الشام
22-12-2008, 12:23 PM
تحتاج إلى وقت إضافي لا عمل لك فيه
ومزاج رائق ..
لقراءة هذه الفلسفات واستيعابها
وأنا حالياً لا أملك هذا الترف
حفظتها وسأقرؤها متى وجدت عندي ماذكرت..
تحياتي^_^