المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قارعة الطريق..."لاتقرا بسرعة.. لاني لا اكتب بسرعة"..



طه الزروق
24-12-2008, 12:28 AM
نظراته جعلتني أرتد إلى نفسي بشيء من الوجل.. أسمع صوت لهاثه في صدري.. تمنيت أن يتجلى لي ضوء سيـارة في الأفق للاستئناس بدفئه.. وربمـا للاحتمـاء به.. لعلني أخــاف أن يتهور.. ثم من يلومه ؟.. أرى في ثيابه الرثة، القذرة ووجهه الأشعث وتمتمته باللامعقول.. حجة له..


جعل يقترب صوبي مهرولا.. خالجني شعور بالرعب لبرهة.. فـكرت في الفـرار.. وكيـف أفعل ؟.. قد يحفزه هذا على مطاردتي.. حـاولت التظـاهر بالتجــاهل و الاسترخـاء.. لم يمنعه هذا من مواصلة مشواره النـاجح في إرعـابي.. هل أبـادله بنظرات صـارمة.. معلنا بذلك تحديّ له.. قد أنجح.. والمرجح أني سألقي بنفسي في خضم معركة مع معتوه.. ولمجرد تفكري في الكلمة الأخيـرة.. تمنيت الصراخ مستنجدا.. ولكن لسـاني لم يطـاوعني.. يتخـايل إليّ شبح وجهه عبر الظـلام.. و قد انعكس شيء من النـور الخـافت على وجنتيه المتصلبتين.. و كأني أقرأ على ابتسـامة شفتيه الباهتة خبثـا مستترا.. تصلبت فرائصي و حواسي في تخمين الآتـي.. لا يجدر بي كشخص - ظاهره محترم - أن أعير اهتماما لموقف كهذا.. و لكن مـاذا لو كـان يحمل سلاحـا حادا أو أداة حديدية ؟؟.. و ربما أوحت إليه أهواءه أن...

أحسست بتقدمه المهول.. أتراه ينوي الحطّ من رجولتي.. أو يريد تأكيــد سيـادته المطلقة على هذا الشريط الأزرق الممتد... و من يدري، قد تكـون مسـاعيه نحو درهم فضي.. و أنا الذي تخيلت...


يوشك جسدانا أن يرتطما، إن لم يتنحى عن الطريـق.. الأجدر أن أتنحى أنا لكوني المستضعف الوحيد هنا.. تحت جنح الظـــــلام..

لكنه طـاردني.. قاصدا إياي.. اهتزت بعض جوارحي و قد علا صوت خفقـان قلبي تحت الحلقـوم.. تسمر جسده الهــائل معترضا سبيـلي.. وقد أشهر عن ابتسـامة صفراء مبهمة.. حملقت فيه بنظرات حـائرة، متوسلة.. وكأني أشـاركه رأيه في... في ماذا ؟!.. في مـاذا يفكر المجـانين عادة ؟!.. ثم أردف في لهجة سـاخرة، متمكنة:


- مجنــــون !!..


ثم ولّى الأدبـار وقد شرعت خطواته تتسع.. إلى أن لاح لي شبحه في الأفـق ليندثر بانتظـام.. عقدت حـاجباي متسائلا.. وربما متشكرا.. و سرعـان ما قررت أن أختفي قبل أن يغير ذلك المجنون رأيه..


فكرت للحظة أن أستقل سيـــارة أجرة.. فهي أكثر أمانا.. لكن، شعرت بمس في رجولتي.. خاصة و أني أضع نظارتين زجـاجيتين يعكـس بريقهما شهـامة صاحبهما.. لكني أرى أن لا عيب في أن أستقل نــاقلة.. فليس كل من يركب الحـافلة ضعيفا.. و إلا صـار الشعب بأسره هينا جبـانا..