المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وجدان (همس إحتضار الأشواق)



عزمي المعز
25-12-2008, 08:50 AM
(1)




أغصان يابسة تئن بأنين سماوي , أرض مبتلة وقطرات عالقة بالحشائش , النسيم بلغ شفافية حتى أمكن أن يري من خلاله الملائكة عند بداية الغسق , يلفح بلطف يحمل معه رائحة المانجو إلي الأنوف ويداعب الملكوت فيرضخ لتلك المشيئة الخفية فينثني بلين وحياء ..
أصوات تدنو وتبتعد مبعثرة في شكلها منسجمة في جوهرها , أطفال دون العاشرة يرددون ذلك الانسجام بطابع خفي ...
في القولد التقيت بالصديق انعم به من وافر صديق ...
تتقافز إلي مسامعه كحياة أخري تاق إليها في مكنون قلبه , يسمعها بوضوح كحاضره وتمناها بين نفسه أبدا , لحظة اختلجت فيها كل العواطف المتاحة لتشكل له لوحة بالغة الدقة والإتقان , فما تلبث أن تبتعد عن مسامعه رويداً رويدا, ومن ثم تتلاشي ولكن موسيقاها ما تزال تدندن في مخيلته , فترتسم علي شفتيه الرقيقتين تلك الابتسامة العذبة رغم بضع دمعات استأذنت الخروج من مخابئها , تاق لرؤية شيء ما .. شيء اعتجر في أعماقه البعيدة غاص بعيداً بين حنينه التائه وماضيه الدافئ ..
القمر بين فراديس الظلمة وبين عبق نوره السرمدي كفتاة بالغة الفتنة تبرز عينيها بين خمر سوداء ..
قرر قضاء الليلة في أحضان عشته التي حملته كل تلك الآهات , وأخذ يحدق في سمائها ذات القش والحصير , ملامحه التي تخالجت مع تلك الظلمة القبرية مع بصيص ضوء الشمعة الخافت القادم من الشمال , سمرة دافئة وناعمة وعيون خلاسية تبدو عليه وسامة هادئة رغم آثار الشمس الاستوائية الحارقة علي الجبين ..
أمسك القلم بسبابته وإبهامه ومقدمته بفمه وأخذ يديره بحركة آلية محاولاً خلالها اصطفاء التعبير لينتقي أفضله , وأحلام ذلك الشمال الدافئ تنساب إلي مخيلته بلطف فترتاده تلك الابتسامة العذبة حين يطرق بخياله تلك الأبواب المتهالكة وذلك الحوش الذي اتسع لكل جميل في حياته وتلك الراكوبة التي لطالما ربط الحبل علي جوانبها واخذ يتأرجح وضحكاته تعلو وتعلو ..
وقفت شجرة النيم الضخمة التي وسع ظلها الأرجاء وفاض علي الجوار , ترتسم علي ساقها بعض منحوتات الصبي الغريبة فقد كان حينها يقيس طوله علي ذلك الجزع تاركاً إشارة صغيرة تدل عليه وكم تسعه الفرحة حينما يتقدم في القامة ,وعند الأطراف بناية صغيرة يلجها بخياله , غرفة بنيت باللبن وزينها نسج العناكب بسقفها الحصيري ونحت المطر علي جدرانها والشقوق علي الجوانب , توسطها ذلك العنقريب الذي تدلت حباله حتى أوشكت ملامسة الأرض وقد عمت تلك الغرفة فوضي عارمة أوراق ملقاة وأكياس فارغة , حنين هزه لكل ذلك والابتسامة ما تزال , فيشهق شهقة عميقة ويزفرها بهدوء ..
أذنت الشمعة بالرحيل فانقطعت تلك الخواطر وهو يراقب مصرعها مردداً بين نفسه ..
- سبحان الله ما في حاجة بدور نهايتا ..
فتذكر القرية وتلك الهالة الضبابية تغشي عينيه سمع أصواتها الراسخة وهي تناديه حمار شيخ أيوب , وديك ود أحمد ونعجة بت العطا الأصيل يحاصر المكان والأطفال يلعبون بنداءاتهم وهتافاتهم التي تصخب المكان كانوا شبه عراة أجسادهم متسخة وبطونهم منتفخة وتخرج من أنوفهم تلك الألوان التي قلما تغادرهم طيلة السنة , وأجتمع أولئك عند عنقريب السر الشفقان يتجاذبون الحديث بنكهة الماضي التي لن تعود وعبق ذلك التأريخ يستذكرون تلك المواقف فيضحكون بعفوية بالغة وكأنما حدث في لحظتهم تلك يمسحون أطراف أعينهم بأكمام جلابيبهم تلك , قلوبهم لا تحمل هماً , يبتسمون برضاً واضح بملامحهم الطيبة الساذجة , يسردون بألم تارة وبفرح عارم تارة أخري , السيد ود الصديق , إبراهيم ود المبارك الريح ود أمحد طه , اللمين ود الشريف والسر الشفقان ..تأتي صفية بت عمر حاملة ماعون اللبن فتسلم عليهم فيغتالها فرصة الريح ود أمحد طه ليسألها عن أخبار الطيب الذي سافر إلي بور تسودان ..
الباقر الراعي وقد وصل أخيراً بغنم الحلة بعد أن وئد النهار بأكمله بحثاً عن المرعي واضعاً يده اليمني علي عكازه الذي زين بجلود البقر الرقيقة ويحمل علي كتفه صرة تصدر صوت من تلك الأواني الفارغة وكلبه يتبعه وهو يتقافز في نشوة غريبة , تتدافع الأغنام علي بيوت أصحابها فتدفع كل منهم باب صاحبها كفرد من أفراد تلكم العائلة ويقمن الفتيات بدورهن ساعتها فيمهدن لهم طريقهم حتى الزريبة ..
علي المؤذن ينادي بالصلاة والصوت يبتعد رويداً رويدا ومن ثم يتلاشي ...
- مانى عافية منك يا يوسف ... مانى عافية منك ..
نبرات حزن عميق , وقلب لفته تلك الهالة الشاسعة من الألم , تنهمر بعض الدموع علي آثار الزمن المرتسمة علي وجهها الوضاء من غير سوء, كانت جميلة رغم كل شيء بعينيها الواسعتين وشعرها الأسود الذي تخللته بعض النقوش البيضاء تغازلها تلك الضفيرة الدقيقة المتمردة فتمسكها بغنج صبية وترفعها أعلي أذنها اليسرى تنظر إلي الأديم بنفس كسيرة فتشهق بهدوء وتزفرها بهدوء شديد وتردد بين نفسها ..
- الله يرحمك يا ود المجذوب ..
لكم تذكر يوم أن وضعت يوسف . توافدت النسوة إليها ليباركنه لها ويحمدن الله علي سلامتها ,الفرح قد عم الجميع بقدومه , وذبح عبد الرحيم ود المجذوب حينها عجلاً بأكمله ابتهاجاً , لم تسعه الفرحة حينذاك ...
فتجهش بالبكاء , كانت وما تزال تبكيه كلما ذكرته , وترددها ثانية ..
- الله يرحمك يا ود المجذوب .
كان ود المجذوب مراكبياً يعمل في صناعة المراكب وقد ورث صنعته من أبيه المجذوب ود الطاهر الذي ذاع صيته في أرجاء عموم المديرية , يأتيها بالخير الوفير كلما عاد , قفته دائماً محملة بأصناف وأصناف ..
وتذكر ذلك الأصيل عندما أتتها سعاد بت أمحد طه واصطحبتها إلي زواج رقية بت عمر , كانت ما تزال ابنة الأربعة عشرة ربيعاً , تحيطها هالة خفية وسرمدية , بجمالها الدافئ بكل تفاصيلها الناعمة الرقيقة وابتسامة يصعب معها مقاومة ذلك السحر الكامن فيها , ترسل بريقاً لؤلئيا من عينيها الواسعتين صافتي السواد وشعرها الناعم المسدل , كل شيء فيها يوحي بقدسية كقدسية الملائكة , صافية الذهن وتبدو عليها أمارات سذاجة جميلة , وعبد الرحيم وقتها شاب صارم الملامح تكسوه سمرة ناعمة , وشارب غض , يشع منه بريق قوى , عندما التقت عيناهما سرت رعشة غامضة في كيانها فخرجت تلك الابتسامة التي فضحت الدواخل وذلك الحياء العذري يكسو وجهها , تقدم لخطبتها بعد أيام قلائل , وزفت له بعد أشهر .
أحيط الطفل بحب ورعاية شديدين , فقد كان أبوه عبد الرحيم رحمه الله يكن له حباً عظيماً , وقد أغدق في تدليله , والحاجة الحرم والدتها عليها رحمة الله كانت تبكي دائماً عندما تحمله , أطلقت عليه أسم يوسف تيمناً بأخيها يوسف ود المعيجن الذي استشهد مع الخليفة عبد الله في أم دبيكرات .
يوسف ود المعيجن . شخصية كانت تدور فيها محاور البطولة , الشهامة والتضحية, كانت الأساطير تحلق حوله وتلازمه منذ أن بشر به الشيخ الزين فقد كانت نبوءات الشيخ وقتها كنبوءات الرسل..
يوم جاءته فاطمة بت الكبيك ترسم دمعة علي خدها حاملة صغيرها يوسف بيمناها وألصقته بحضنها , دخلت علي الشيخ الزين وكان وقتها جالساً علي عنقريبه الكبير الذي وسر بالدوبارة , ملامحه التي تدعو للرهبة والإجلال , الوقار يشع بريقه من جبينه الوضاء وعينيه الواسعتين الخجولتين يمسك بسبحته اللالوبية يغمغم بكلمات وأذكار , حليق الرأس مهذب اللحية طويلها تنبعث من غرفته رائحة عود وبخور وبخرات . ركوته الفخارية وتبروقته من جلد البقر , ومصحفه الذي خط بيده .
فرشت أرض الغرفة بالرمل الأحمر ورشت بالماء لتضفي علي المكان رطوبة هادئة وحالمة .
أعلمته بمرض صغيرها , فأمسك الشيخ برأس الصغير وبدأ يغمغم بكلماته والصغير يتصبب عرقاً ..
دفع الشيخ بالصغير لأمه , ودفع لها بضع وريقات ..
- بخري منهن مرتين ..
- وكدي ببقي طيب يا أبوي ..
- بمشيئة واحد أحد ..
- الله يباركك يا أبوي ..
فيبتسم الشيخ فيزدان جبينه بوهج ملائكي ويشير إلي الصغير ..
- الوليد ده مبروك ..الوليد ده هدية من الله ..
كبر يوسف وقد حفظ القرءان في سنوات عمره الست , وأخذ الفقه علي يد الشيخ عبد الباقي وعمره لم يتجاوز العاشرة وقد هم والده المعيجن ود سمرة بإرساله للأزهر ولكن قصر اليد وقف حائلاً بين ذلك , كان المعيجن ود سمرة صديق الباشمفتش التركي حميد الأناضولي عندما قرر الأخير إرسال الفتي إلي إستانبول لإلحاقه بمدرسة الحقوق , ولكن فاطمة بت الكبيك وقفت كالحجر في طريق أماني حميد الأناضولي , وكانت ليوسف أحلام أخري فقد كان يحلم في قرارة نفسه , أن يمضي حاجاً إلي بيت الله الحرام , تكسوه تلك الأشواق الصوفية لرؤية بيت الله وقبر رسول الله , يجلس بعد أداء المناسك في ظلمة قبرية يدعو ويبتهل وينوح آملاً بتلك الزيارة يخفق قلبه شوقاً وتغدق أعينه دمعا .
وعندما أذن مؤذن الخليفة هب لندائه ولازمه دهراً حتى استشهاده في 1899. كانت الأساطير والبطولة تسبقه كنسمة ناعمة وكان مثال يجب الحذو به , طيب القلب سليم النية .
تبكيه الحرم بت المعيجن وتري في حفيدها هذا أخيها وكانت تردد ..
- الوليد ده مبيريك .. الوليد ده هدية من الله .. الله يحفظك يا عشاي ..
ما يزال صدي عباراتها يتردد في مسامع بتول , كانت امرأة ولا ككل النساء صائبة في رأيها , حلوة المعشر , طيبة القلب , إن لم تكن أمها لصورتها بالملاك رحمها الله .
الإحساس عندها ما يزال , وطعم شيء ما في حلقها , وتلك الدمعات تبلل وجهها صوتها الذي أختلط بحزن عميق ما تزال تردد به ..
- ماني عافية منك يا يوسف .. ماني عافية منك ..

عزمي المعز
28-12-2008, 03:35 PM
(2)






ياسين ود الفاضل ود ياسين , كان طفل هادئاً فوق كل تصور , يتحدث بصمت , وينام بصمت , ويتنفس بالصمت نفسه كان هادئاً حتى صار غير مرئي , تخالجه مسحة حزن عميقة , ملامحه بريئة وتفاصيله واسعة , تراه وصديقه مساعد يجلسان ساعات طوال عند شجرة النيم الضخمة , يضحكان ويتهامسان , يشعلان ناراً عند أطراف القرية فيتراقص ظلهما راضخة لمشيئتهما كلما ضحكا أو تحدثا , يتحدثان في أمور غامضة ولا يختلطان بأحد ..
في صباح غائم والشمس قرنت في خدرها وضربت عليها خُمر ترابية , وصوت خديجة بت اللمين يشق عباب الصمت كانت امرأة ضريرة , جميلة يكتسي وجهها مسحة ورع وتقي , عذبة الصوت تنشد قصائد بمدح المصطفي r , ينبعث صوتها كاللجين , فيداعب الحنين ويحرك في النفوس شجونا وشجوا..
سكنت وحيدة عند ديار اللمين ود أحمد , تأتين الفتيات لزيارتها وخدمتها , تزوجها الفاضل ود ياسين بعد أن توفيت عنه زوجته عائشة بت طلحة بعد أن تركت له آمنة وياسين ..
علم الجميع اختفاء ياسين وتورعوا بالبحث عنه , بعض الرجال مكثوا في النيل , وامتد بحثهم في القرى المجاورة , وحاج الفاضل متجهاً بالدعاء إلي الله , وخديجة بت اللمين لا تبرح تبروقتها تغمغم بصلوات وابتهالات , وظل المكوث والبحث والدعاء وخبأ الأمل بعد توالي الأشهر وتعاقب الأعوام , إلي أن جاء الخليفة ود التوم من إحدى أسفاره وروي إنه رأي مساعد , تعرف عليه بصعوبة بالغة فقد ارتسمت تلك السنوات وما عاد طفل البارحة طفلاً , رآه عند الدامر, أراد أن يتبعه وأن يستقصي عنه ولكنه تلاشي كآل , سافر بعض رجال إلي الدامر بأشواق ولهفة ودعاء ..
مضت أسابيع وسرعان ما عادوا من رحلتهم تلك , عادوا بمساعد دون ياسين , سأله الفاضل وقلبه يتقطع حزناً علي ابنه
- ِمن ما مرقنا من هنا ما شفتوا تاني ..
توجه ياسين بعد مغادرته القرية إلي سنار , تاه في الطرقات لأيام يأكل مثل كلب ضال , يقتات ببقايا خبز وماء , حين وجده الشيخ الطيب نائماً في المسجد عند صلاة الصبح , أيقظه بلطف وطلب منه أن يتوضأ ليصلي الفجر , كان الشيخ الطيب رجلاً في منتصف العمر , بهي الطلعة نظيف الثياب , له ابتسامة عذراء ووجه أنثي , توضأ ياسين وشرع بالصلاة , وعندما أتم صلاته وجد الشيخ يبتسم وهو يغمغم بتسبيحه فأومأ الشيخ له طالباً منه الاقتراب , فدنى منه ياسين والشيخ ما يزال يداعب أطراف أنامله بإبهامه , ثم مسح يديه علي وجهه , وسأله بصوت خافت خفيض ..
- جاي بدور شغل , ولا جاي شان تقرا ..
- جاي شان الشغل ..
- وصنعتك شني ..
فهز ياسين رأسه , فابتسم الشيخ وربت علي كتفه وطلب منه مرافقته , رافقه ياسين بهدوئه المعتاد , والشيخ يداعب في أنامله ويبتسم بين الفينة والأخرى , إلي أن وصلا بيت الشيخ , كان بيتاً كبيراً بني بالحجر والأسمنت , تتخلله أشجار الحمضيات وأشجار الزينة والظل , أجلسه في مقعد عند شجرة وارفة وغاب للحظات وجاء حاملاً إبريق شاي ..
اتفقا بأن يعمل ياسين معه في الدكان , تعلم ياسين التجارة في فترة وجيزة فلم يكن ينقصه الذكاء , كان الشيخ يحضر البضائع من العاصمة ويبيعها دون أرباح تذكر , وسرعان ما أوكل أمر التجارة كله لياسين , فازدهرت علي يديه وتوسعت حتى قرر بعد إذن الشيخ فتح دكان في العاصمة , كان الشيخ يخصص له نسبة في الأرباح , وتضاعفت تلك النسبة مع مرور السنوات , كبر ياسين كثيراً ولم يكن له من ذلك الفتي الحيي شيئاً , أصبح مرحاً ورقيقاً وحسن التهذيب , تزوج من مريم التي تمت بصلة ما للشيخ ,
أنجبت له فتاة كالملاك الصغير النائم فأطلق عليها أسم نعمة , فكان الشيخ يري أن يسميها نعمة الله , وكان ياسين يرد عليه بمرح ..
- نعمة ونعمة الله ما فرقت يا أبوي ..
قرر ياسين الانتقال للعاصمة مع أسرته , وانتقل إليها بعد أشهر قليلة من ولادة نعمة , استقر المقام بهم في العاصمة وامتدت للسعادة أواصر في فناء تلكم الأسرة , حتى سقط ياسين في حفرة الخلاء فلقي مصرعه بعد أعوام ثلاث من ذلك , كانت نعمة ما تزال صغيرة عندما تقلدها اليتم , فأرادت مريم مغادرة العاصمة والذهاب إلي بيت أبيها بصحبة ابنتها , فاستغلت الباص متوجهة نحو سنار , تلفها سحابة ترمل وبين يديها يتيمة , يسري في وجدانها ذلك الشعور المقيت وتشكر الأقدار إنها ما تزال محتفظة بأسرتها ,
لم يمضي الباص سوي بضع كيلومترات حتى اصطدم بشاحنة قادمة في الطريق المعاكس , تفقدت صغيرتها وابتسمت حين رأتها سالمة , وحينما أيقنت بدنو أجلها دفعت بابنتها لأقرب شخص ..
- البت دي أمانة في رقبتك .. أهلا من ..
بدأت تلك الطفلة بحك عينيها معلنة تحررها من ذلك السبات اللعين , استفاقت وانتفضت والشاب يحدق إليها بشيء من الحنان واللوعة التفتت يمنة يسرة ..
- يمة ..يمة ..
امسك دمعة استأذنت منه الخروج , صمت دهراً وآثار حزن جارف بدت علي عينيه , استجمع كل شجاعته ..
- أمك مسافرة وحتجي بعد عشرة يوم ..
بدت هادئة والصمت يحفها نظرت إليه وعينيها الحلوتين تترقرق بالدمع , بكت بكاءاً خافتاً حثيثاً , فتقطع قلبه وانزلقت تلك الدمعة علي خده فأزالها وبدأ بسؤالها ..
- مالك يا حلوة الببكيك شنو؟!
بكائها ما يزال حثيثاً خافتاً , يحمل ألماً معتصراً وآهات محتبية وجراحات عميقة , بكاء حمل كل معاني البؤس والألم فتنهدت واستجمعت أنفاسها ..
- أصلو لمن أبوي مات قبال كده , قالوا لي أبوك مسافر لكن برجع بعد شهر وبقيت اسأل منو طوالي , أبوي ما جاي .أبوي ما جاي , وكل مرة بقولوا لي بجي ..أمي بتبكي لمن تقول لي الكلام ده , لمن قالت لي أبوك فات السما ..
أحس بلعنات فرعون تلاحقه , وقد ضاق المكان وسحق في مقعده وعينيه جاحظتين وقلبه يتمزق , أحس بطعم حزين في حلقه وبدا يداعب حلقه وهو يبتلع ريقه الجاف , يحدق في عينيها البريئتين ولا يملك تعبيراً أصدق من البكاء , كلماتها المتعثرة البريئة تحيط به وتغمره في ملكوت ذلك السفر , سفر للمجهول وبلا رجعة , احتضنها بين ذراعيه بعمق حكي لها ألماً وحزناً غير مسبوق حكي لها مشاعر خربة وآمال واهية وأحلام مستحيلة ضمها بشغف وكأنما وجد نفسه بعد طول غيبة , وجدها مجسدة في تلك الطفلة وتملكه إحساس لم يشعر به من قبل أغمض عينيه بقوة وفتح فمه بهدوء وذلك الإحساس يشع كالخلود يتسربل إلي وجدانه , تمناها أبداً , ارتعش بشيء من الغموض , وحلق في فضاءات عديمة الاتجاه وأخذ يحلم ودمعة حري ترتسم علي خده فيسألها عن أسمها فترد بهدوء غامض ..
- نعمة ..
صداها ما يزال يتردد في أذنيه , نعمة , يهمس بها وكأنه يصرخ بصوت معدوم , تتلاشي نفسه وروحه وجراحاته وأحزانه , يهمس بها نعمة وكأنما كأس رضا الرب امتلأت عن أخرها , طبع قُبلة بريئة في جبينها وبدا يداعب شعرها الناعم والابتسامة مرتسمة رغم ترقرق عينيه الزجاجيتين ..
تسأله ببراءة جذابة
- إنت أسمك منو (وكانت تنطق السين ثاءاً)..
- يوسف , يوسف يا نعمة , ومن الليلة حتقولي لي بابا يوسف اتفقنا .
تهز رأسها بوداعة , وتبتسم ابتسامة عذبة , وصدق غير مشهود يشع بريقه من عينيها ..
- يعني حتسوقني معاك يا بابا يوسف ..
- أنا خايفة يا بابا يوسف..
بصوتها البرئ وبعينيها اللؤلؤتين تترقصان كنار في محراب مقدس , مزج صوتها بألم , فيحس برعشة تدب في أرجائه , فيحتضنها بقوة ويغمض عينيه , يداعب خصلاتها الدقيقة وآثار تبدو علي ملامحه محاولاً تداركها
- ما تخافي أنا جنبك ..
هزه حنين غامض لقريته بكل طقوسها الخالدة وكل شيء فيها فقرر العودة إليها , عائد إليها يلفه الأمل ومفعم بنعمة ,ذكرياته فيها تجذبه , وبدأ يحلم بخيال هائم , يده في شعر نعمة يداعبه برقة وبضع دمعات جريئة تخرج من مخبئها ..
عندما تحملها حاجة بتول , وتضمها إلي صدرها بحنانها الراسخ وعطفها العفوي , وطيبتها الأقرب للسذاجة , حينما تطبع علي خدها قبلة والدمع يلاطف خدها العتيق , وعندما تغمض عينيها بشيء غامض كالحنين , وعندما تداعب خصلاتها الدقيقة الصغيرة ..

ع بق
04-01-2009, 12:15 PM
لك الشكر أخى وانت تتحفنا بالروائع السودانية ..
همس ..
دام قلمك ..

عزمي المعز
04-02-2009, 03:28 PM
(3)




شمس عارية تحتضر مخلفة فوضي ألوان ترتاد الأفق , والغسق بحنائه يلطخ السماء , سطعت نجمة القطب مغازلة ذلك القمر الجريح , والطير تصدح بألحان مسائية , وبعض الجنادب تستقبل الليل علي طريقتها , القرية كما هي في خياله دائماً , أطفال نصف عراة بطونهم منتفخة , وتسيل من أنوفهم قذارة الشتاء , وما يزال أولئك عند عنقريب السر الشفقان , حمل متاعه بيسراه وفي يمناه نعمة , وفي قلبه حنين يجتاحه بقوة , التف حوله الصبية , حدقوا به والدهشة تملأهم , كان يبتسم وهو يري فيهم نفسه وأقرانه , رأي فيهم محمود ود السارة , إبراهيم ود الريح و عبد الرحمن ود السيد , انتابه شعور بالرضا وكأنما هو القدر قد عاد , فسأله أحدهم ..
- إنت أسمك منو
- أنا يوسف ود حاجة بتول ..
فأنشد صائحاً وقد غمرته فرحة خفية ..
- يوسف جا .. يوسف جا ..
والأطفال من حوله يترنمون بأنشودته تلك , يهللون بها ويتقافزون بسعادة محببة ..
- حاجة بتول .. يوسف جا ..
علي المؤذن وصوته يشق الغسق ويدون العسعس ,صوته القادم من سحيق ماض ومن عميق ذكري , فينظر الأفق وهو يردد نداءاته ..
- حقاً لا إله إلا الله ..
كانت حاجة بتول حينها تستعد للصلاة , بعد أن فرغت من تناول قهوتها المسائية , عندما جاءها البشير ينبئها بقدوم يوسف , تملكتها الفرحة وأنتابها الحزن , تغمدتها اللهفة واجتاحتها الحسرة , هزها الحنين وغالبها النكران , تترقق الأعين بالدمع ليحمل شوقاً بين طياته والحنين في الأهداب , ثم تهمس بصوت جريح وقلبها يخفق بقوة ..
- يوسف .. يوسف
يدفع يوسف باباً متهالكاً , فيلج الحوش ويحدق في المكان فيبتسم ابتسامة رضا بعد أن شهق بعمق وزفرها بهدوء , تصطدم الأعين وتخفق القلوب وتمتد اللحظات إلي غير نهاية , وصدرهما لا يحتملان قلبان يخفقان بتلك الشدة , الأعين تفيض دمعاً , فيضع يوسف متاعه ونعمته , ويندفع للقائها ,
تحتضنه الحاجة بتول بعمق , فيطلق آهة من سحيق قراره , ويغمض عينيه
بدت لحظة لا نهائية , فقد فصل الكون عند ذلك الالتقاء وسكن القدر عند تلك اللحظة .
- دي نعمة يا أمي ...
فحكي لها قصتها , فأمسكت حاجة بتول أدمعها بيمناها وتملكت أنفها بسبابتها وإبهامها وأزيز أنفها يتدافع , تقدمت نحوها بهدوء وغطتها في ملكوتها الحالم ..
طرقات خفيفة علي الباب , فيفتح بهدوء ويظهر وجه محمود , محمود ود السارة , صديقه منذ أيان الطفولة , قضوا أوقات لا نهائية , يقضي في دارهم أكثر مما يقضي مع حاجة بتول , والدته السارة بت العشا ووالده عبد الباقي ود الصافي كانا كوالديه , عبد الباقي ود الصافي , درويش يهيم علي وجهه يجوب البقاع , بسبحة اللالوب وجلبابه المكتظ بالألوان , يحمل مخلايته علي ظهره , وإبريقه وعصاه , أطلق شعره المهمل المبعثر ولحيته الشعثاء , تراه في نوبة في الشكابة وتراه في طابت الشيخ عبد المحمود وفي الهلالية عند الشيخ المرين يقضي أيامه بين نوبة ومتلة وزيارة لقبر شيخ ..
حفظ القرءان في سن مبكر , وأشتغل بالزراعة حيناً من الدهر , تزوج من السارة بت العشا , ورزق بأطفاله الست , كانت الحال تمضي معه بالستر , غير أن زيارة الشيخ إبراهيم للعمارة غيرت مجري حياته للأبد , منحه الشيخ الطريقة ونفخ فيه بعض الكلمات , فتحول عبد الباقي إلي ذلك الدرويش , يصوم النهار بأكمله , ويقضي الليل قائماً ذاكراً , يبتهل بابتهالات غريبة وأذكار مستحيلة , يختم القرءان في كل ليلة , زهد الدنيا وما فيها , وشغله حبه لله والشيوخ , يعتكف عن الناس في غرفته المظلمة يرتل ويبكي , يتوضأ أكثر من خمسين مرة , ويغتسل كل صلاة , يخرج للمسجد فينظفه ويعطره بعيدان البخور , ويقضي ما شاء له قائماً يصلي فيه , حتى قرر سياحة الأرض ..
والسارة بت العشا كانت تعاني حيال ذلك , طعام الأولاد واحتياجاتهم ..
- أوكليهم علي الله , هو خلقهم غالبو يرزقم , خليهم عليه ..
كانت ترد بنفس كسيرة ..
- ونعم بالله , لكن يا عبد الباقي يا أخوي , الحالة بقت ضنكا , والأرض خلاص قربت تنتهي ..
- خليها علي الله ..
فقررت بيع الأطعمة والمقبلات لأطفال المدارس , لإعالة أطفالها الست ,تقضي نهارها في بيع تلك الأشياء , وتخرج عند العصر لأرضها تقطع العدار, وتزيل الحشائش , وتأتي مع مغيب الشمس حاملة حطباً للوقود علي رأسها وطرف ثوبها عالق في فمها , وآثار بؤس وشقاء باد علي وجهها , كانت امرأة جميلة رغم كل شيء , لا تبتسم إلا عندما تري أولادها يأكلون من حولها , تنام ملء جفونها بعد أداء صلاة العشاء ...
تعانقا عناقاً حكي الماضي بأسره وتصافحا والابتسامة ترتسم علي الوجوه , وبدا كل واحد منهما يسرد بحديث شجونه تنضح كالسحر في قلب صديقه , يضحكان تارة , وترتسم علي وجهيهما معالم الدهشة تارة أخرى ..
- ما وريتني يا يوسف ..عملت في موضوع الواطة شنو
- الواطة ؟! مالا الواطة ..
- سمعتا انو إسماعيل الأبرق , بصم الحاجة , وبعد فترة طلق في الحلة انك بعتا الواطة ليهو , الحاجة كانت زعلانة منك زعل , لكن ربك هونا وعرفت انو لمن بصما , بصما علي بيع الواطة , وأنا قلت لمن يجي يوسف , وأشوفوا داير يعمل شنو ..والموضوع ده لازمن تشوفوا مع خالك الفاضل ..
النيل يجري في سكون وقدر , حاملاً قصصه تلك وأساطيره التي لا تنتهي حمل في أحشائه قصص وجثث وأناشيد يرددها ارتطام الموج كلما عبثت بصفحته الأقدار , تتمازج الأصوات والملامح كلوحة دونها الخلود بقدر , صوت سعاد بت أمحد طه ما يزال يتردد , يذكرها بملامحها البشوشة الحلوة , بابتسامتها تلك ووجهها الوضاء تتفلت من يديها حبات السبحة البقسية , بعباءتها البيضاء تحوم حولها هالة ضياء وضاءة جعلتها أقرب للملاك , لقد كن لها حباً عظيماً , كان يزورها في بعض الأوقات فتمنحه البلح والفول والسمسمية , سعادتها لا توصف بوجوده , لقد أحبته بصدق وكانت تمنحه قرشاً بأكمله عندما يزف الرحيل ..
يومه بجوارها مزيج من الحب والدعة ,حمل حبها في ثناياه حتى كبر ..
يذكر عندما شج رأس صلاح ود الخليفة , وفر بعدها ولاذ بزريبة عبد القادر ود الصديق , بحثوا جميعاً عنه , الخليفة يريد الانتقام لأبنه , وحاجة بتول تتميز غيظاً , وحاجة سعاد تبحث عنها لدرء كل ذلك ..
رآها بجلبابها الأبيض , فدبت فيه السكينة وامتلأ قلبه أمنا فخرج من مخبئه مرتدياً عراقيه القصير والمتسخ والذي تلون بألوان شتي , خرج كمن بعث من الأرض وجهه كلونها وساقيه أقرب للون الرماد وظهرت فيهما بعض الخرائط , وسالت من أنفه تلك الألوان يحاول التقاطها وجذبها بصوت عميق من أنفه , وسرعان ما يتدارك الأمر بيمناه , تقترب منه سعاد بت أمحد طه وتمسح علي رأسه بحنانها الراسخ ..
- ما في زول سألك يا المبروك , البسألك كلو أنا قاعدة أكان علي الخليفة , الخليفة مقدور عليه وكان علي بتول أنا خابراها كويس ..
بدت علي وجهه أمارات السرور وهو ممسكاً بثوب بت أمحد طه , ولكن سرعان ما تبدل السرور عنده بالمخاوف عند رؤية الخليفة , فقد كان رجلاً ضخماً بحق , طويلاً بما يكفي ومهيب فوق كل تصور , عمامته الكبيرة وشاربه المتساقط حول فمه , ينتعل مركوبه النمري الفراء , مهندم نظيف الثياب , يضع عطراً يميزه جميع أهل القرية , يتكلم وعيناه ترتفعان عن النظارة ذات الإطار الأسود الكبير, يتكلم بلهجة الأفندية , فالجميع يهابه ويحترمه , لاسيما وهو ناظر المدرسة الجديدة , فقد كان من القلائل الذين تلقوا تعليمهم , فقد كان والده التوم رحمه الله رجلاً ذا نظرة بعيدة , قرر إدخاله المدارس للتعليم , فدرس الأولية وتخرج في معهد المعلمين وتدرج في التدريس إلي أن أصبح ناظراً ..
- ماك سألوا يا الخليفة , يا أخوي ديل شفع بلعبو شن لماك عليهم ..
- يا سعاد إنتي الولد ده ما عارفاهو ساكت ..الولد ده غلباوي وبتاع مشاكل وعايز يعمل فيها إبليس ..
- إبليس شنو يا الخليفة , ديل شفع , حالتك ده إنت العاقل ..
فتنصرف من أمامه ويوسف ممسك بطرف ثوبها وفرحته لا توصف , تاركة الخليفة يشاط غيظاً ودهشة .
ولجت دار المجذوب والصبي ما يزال ممسكاً بثوبها , فتهاجمه بتول , فتنبري لها حاجة سعاد وتهدأ من روعها , وتأمر الصبي بالانصراف والاستحمام , فوجئ الصبي عندما وجد أمه تضحك وحاجة سعاد تبادلها الضحكات وهما يحتسيان القهوة , قابلته حاجة سعاد بحنوها وحنانها
- أمش يا ولدي أقرا .. الله يباركك ..
ومنحته قرشاً بأكمله , ومسحت علي رأسه بلطف , والصبي في فرحة تغمدته , فرحته بقرش حاجة سعاد وفرحته بتخلصه من حضرة الناظر ..
سعاد بت أمحد طه امرأة كملاك وضاءة الملامح ترتسم علي وجهها ابتسامة لا تفارقها عرفت في أرجاء العمارة برجاحة عقلها واتزانها , وكان يقال عنها إن عقلها يزن بلدا , تزوجها الزاكي ود حامد وتوفي عنها ولم يعقب وهي ما تزال ابنة السنوات الخمسة والعشرين , لم تتزوج بعده رغم جموع الخطاب , كرست نفسها ووهبت عمرها لتعليم الصبية , الجميع يوقرونها , لم تنجب أطفالاً فكان أطفال القرية أطفالها , تعلقت بهم جميعاً وأحبت يوسف كمن جاء من سحيق أحشائها ..
تنفس صبح وليد , بأهازيج طيور سماوية , وتخالج أصوات كلوحة دونت في عصور النهضة , الشوارع الضيقة تهب مسحة خاصة خالصة , كارو عبد اللطيف والماء يتقطر خلفها تاركاً آثاره علي الأرض التي امتلأت روثاً وطيبة ,عمر الجزار والحشد حوله في جزارته , والسر الشفقان يجلس أمام دكانه في انتظار الزبائن , وكلب العبيد يصب جام نباحه في المشاة , والسيدة بت صالح تنادي علي جارتها طيبة ..
- طيبة .. كيف أصبحتي ,ما بلقي عندك طايوقة ..
إنها القرية , الطيبة تتدفق لتحتوي كل شيء , وقلوبهم كقلوب أطفالهم صافية كصفاء سماء نيسان , ذكريات عاطرة ونسمات باردة , يقابله السر الشفقان فيحيه بحرارة افتقدها ويسأله عن أخباره ويحمد الله علي سلامة رجوعه , فيلاقيه السيد ود الصديق , فإبراهيم ود المبارك , والريح ود أمحد طه , و اللمين ود الشريف ينهلون عليه بالتحايا , تقابله السارة بت العشا , فتعانقه بلهفة , أهلوها كما هم طيبون لدرجة فوق كل تصور يبتسمون بسلاسة وعذوبة ..
يطرق الباب الخشبي المتهالك , بجداره من اللبن وآثار الخريف تشكل معالمه المنحوتة بأمطاره , الأزيار دفنت عند شجرة الليمون , تزينها الطحالب الطازجة , مغطاة بقطعة خشبية سميكة , والكوب الأبيض الكبير يعتليها , الراكوبة وقد تناثر قشها وتآكلت جوانبها ,وغرفة الجالوص يغلفها الروث ..
- يا خال .. يا خال
- شوفي ده منو يا آمنة
وصوته ينادي من الداخل ..
- أتفضل
- ده أنا يا خال , يوسف ود بتول
بدأ الاهتمام مستحوذاً علي عقل حاج الفاضل وملامحه , يستمع إلي يوسف وهو يحدق في الأديم ويده اليسرى تداعب لحيته المهذبة , تبدو علي ملامحه علامات أهل التقي , بوجهه الوضاء المشرق , وبقعة سوداء علي جبينه من كثرة السجود , تلازمه ابتسامته الوقورة , ويظله حب الناس له , كثير الصلاة والدعاء , منذ أن غادره ابنه ياسين وهو يدعو الله دائماً عودته , لم تثنيه السنوات العشرين من أمله ودعائه , وكان يبكي وحيداً عند مرور عام أو حلول عيد , ياسين ود الفاضل لا يتذكر يوسف ملامحه , يذكر عنه إنه قاسمه حلوي المولد عند مولد ما ..
- أها يا ولدي بقيت علي شنو ؟
- والله يا خال الراي رايك ..
- ما في شيتاً أحسن من السياسة , و الراي نعاملوا بسياسة ..