المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أهوال يوم القيامة



MgNoOoN
02-01-2009, 10:15 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد
وضعت هذا الموضوع في هذ القسم لأستهدف الطاقات النائمة وإيقاظها لمعرفة ما ينتظرها في
الآخرة فيتفكرون في واقعهم وما حولهم ليبدئوا في إيقاظ الإسلام من نومه وإرجاع عزته وأمجاده
و المساعدة ببذل الطاقات في أي مجال لمؤازرة إخواننا في الأقصى وأبتدي بنفسي والإعتماد
على طاقتي وإن كان قليلا فلعل الله أن يدخلني بها الجنة:
" أشهد الله العظيم رب العرش الكريم
بأني قمت بتلخيص كتاب القيامة الكبرى للدكتور/ عمر الأشقر بنفسي
وهذه وحدة علمية كاملة من تلخيصي"
أهَوال يوم القيَامَة
المَبحَث الأول
الدلائل عَلى عظَم أهوال ذلك اليَوم
يوم القيامة يوم عظيم أمره ، شديد هوله ، لا يلاقي العباد مثله ، ويدل على عظم هوله أمور :
الأول : وصفُ الله لذلك اليوم بالعظم ، ووصفه في موضع آخر بالثقل، وفي موضع ثالث بالعسر ، ( إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا ) [الدهر : 27]، الثاني : الرعب والفزع الذي يصيب العباد في ذلك اليوم ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ - يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) [ الحج : 1-2 ]، الثالث : انقطاع علائق الأنساب في يوم القيامة ، كما قال تعالى : ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ ) [ المؤمنون : 101 ]، الرابع : استعداد الكفار في يوم الدين لبذل كل شيء في سبيل الخلاص من العذاب، فلو كانوا يملكون ما في الأرض لافتدوا به ( وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ ) [ يونس : 54 ].
بَعض معَالم أهَوال القيَامَة
يحدثنا القرآن عن أهوال ذلك اليوم التي تَشْدَه الناس ، وتشدُّ أبصارهم ، وتملك عليهم نفوسهم ، وتزلزل قلوبهم .
ومن أعظم تلك الأهوال ذلك الدمار الكوني الشامل الرهيب الذي يصيب الأرض وجبالها ، والسماء ونجومها وشمسها وقمرها، يحدثنا ربنا أن الأرض تزلزل وتدكُّ ، وأن الجبال تُسَيَّر وتنسف ، والبحار تُفجّر وتُسجَّر ، والسماء تتشقق وتمور ، والشمس تُكوَّر وتذهب ، والقمر يخسف ، والنجوم تنكدر ويذهب ضوؤها ، وينفرط عقدها، وسأذكر بعض النصوص التي تصور وقائع تلك الأهوال ثم أذكر ما يحدث لكل واحد من العوالم العظيمة في ذلك اليوم.
المطلب الأول
قبض الأرض وطي السماء
يقبض الحق تبارك وتعالى الأرض بيده في يوم القيامة ، ويطوي السماوات بيمينه ، كما قال تبارك وتعالى : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) [الزمر:67].
المطلب الثاني
دك الأرض ونسف الجبال
يخبرنا ربنا تبارك وتعالى أن أرضنا الثابتة ، وما عليها من جبال صم راسية تحمل في يوم القيامة عندما ينفخ في الصور فتدك دكة واحدة، وعند ذلك تتحول هذه الجبال الصلبة القاسية إلى رمل ناعم ، ثم إن الحق تبارك وتعالى يزيل هذه الجبال عن مواضعها ، ويسوّي الأرض حتى لا يكون فيها موضع مرتفع ، ولا منخفض ، وعبّر القرآن عن إزالة الجبال بتسييرها مرة ، وبنسفها أخرى، قال تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا - فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا - لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ) [ طه : 105-107 ] .
المطلب الثالث
تفجير البحار وتسجيرها
وإنها تفجر في ذلك اليوم ، وقد علمنا في هذا العصر الهول العظيم الذي يحدثه انفجار الذرات الصغيرة التي هي أصغر من ذرات الماء، فكيف إذا فجرت ذرات المياه في هذه البحار العظيمة ، عند ذلك تسجر البحار ، وتشتعل ناراً ، ولك أن تتصور هذه البحار العظيمة الهائلة وقد أصبحت مادة قابلة للاشتعال ، كيف يكون منظرها ، واللهب يرتفع منها إلى أجواز الفضاء ، قال تعالى : ( وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ) [الإنفطار : 3] ، وقال : ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) [التكوير: 6] .
المطلب الرابع
موران السماء وانفطارها
أما سماؤنا الجميلة الزرقاء التي ننظر إليها فتنشرح صدورنا ، وتسر قلوبنا ، فإنها تمور موراناً ، وتضطرب اضطراباً عظيماً ( يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا ) [ الطور : 9 ]، ثم تنفطر ، وتتشقق، وعند ذلك تصبح ضعيفة واهية ، كالقصر العظيم ، المتين البنيان ، الراسخ الأركان ، عندما تصيبه الزلازل ، تراه بعد القوة أصبح واهياً ضعيفاً متشققاً ، أما لون السماء الأزرق الجميل فإنه يزول ويذهب ، وتأخذ السماء في التلون في ذلك اليوم كما تتلون الأصباغ التي يدهن بها ، فتارة حمراء ، وتارة صفراء ، وأخرى خضراء ، ورابعة زرقاء.
المطب الخامس
تكوين الشمس وخسوف القمر وتناثر النجوم
أما هذه الشمس التي نراها تشرق كل صباح ، فتغمر أرضنا بالضياء ، وتمدنا بالنور والطاقة التي لا غنى عنها لأبصارنا وأبداننا ، وما يدب على الأرض من أحياء ، وما ينمو فيها من نبات ، فإنها تجمع وتكوَّر ، ويذهب ضوؤها ، كما قال تعالى : ( إذا الشمس كورت ) [ التكوير : 1 ] ، أما القمر الذي نراه في أول كل شهر هلالاً ، ثم يتكامل ويتنامى ، حتى يصبح بدراً جميلاً بديعاً ، يتغنى بجماله الشعراء ، ويؤنس المسافرين حين يسيرون في الليل ، فإنه يخسف ويذهب ضوؤه ( فإذا برق البصر – وخسف القمر ) [ القيامة : 7-8 ]، أما تلك النجوم المتناثرة في القبة السماوية الزرقاء ، فإن عقدها ينفرط ، فتتناثر وتنكدر ( وإذا الكواكب انتثرت ) [ الانفطار : 2 ] ، ( وإذا النجوم انكدرت ) [ التكوير : 2 ].
المطلب السادس
تفسير القرطبي للنصوص الواصفة لأهوال يوم القيامة
قال القرطبي : " ... قال الله تعالى : ( إذا السماء انشقت ) [ الانشقاق : 1 ] . وقال ( إذا السماء انفطرت ) [ الانفطار : 1 ] ، وقال : ( وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ ) [الفرقان : 25] ، فتراها واهية منفطرة متشققة ، كقوله تعالى : ( وفتحت أبواب السماء فكانت أبواباً ) [النبأ : 19] ، ويكون الغمام سترة بين السماء والأرض ، وقيل إن الباء بمعنى عن ، أي : تشقق عن سحاب أبيض ، ويقال : انشقاقها لما يخلص إليها من حر جهنم ، وذلك إذا بطلت المياه ، وبرزت النيران ، فأول ذلك أنها تصير حمراء صافية كالدهن ، وتتشقق لما يريد الله من نقض هذا العالم ، ورفعه . وقد قيل : إن السماء تتلون ، فتصفر ، ثم تحمر ، أو تحمر ، ثم تصفر ، كالمهرة تميل في الربيع إلى الصفرة ، فإذا اشتد الحر مالت إلى الحمرة، ثم إلى الغبرة ، قاله الحليمي، وقوله تعالى : ( إذا الشمس كورت ) [ التكوير : 1 ] ، قال ابن عباس رضي الله عنه : تكويرها إدخالها في العرش . وقيل : ذهاب صفوها ، قاله الحسن وقتادة ، وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد . وقال أبو عبيدة : كورت مثل تكوير العمامة ، تلف فتمحى. وقال الربيع بن خثيم : كورت رمي بها ، ومنه : كورته ، فتكور ، . أي : سقط. قلت : وأصل التكوير الجمع ، مأخوذ من كار العمامة على رأسه يكورها ، أي : لاثها ، وجمعها ، فهي تكور ، ثم يمحو ضوءها ثم يرمى بها ، والله أعلم، وقوله تعالى : ( وإذا النجوم انكدرت ) [ التكوير : 2 ] ، أي : انتشرت ، قيل : تتناثر من أيدي الملائكة ، لأنهم يموتون ، وفي الخبر أنها معلقة بين السماء والأرض بسلاسل بأيدي الملائكة . وقال ابن عباس رضي الله عنه : انكدرت تغيرت ، وأصل الانكدار الانصباب ، فتسقط في البحار ، فتصير معها نيراناً ، إذا ذهبت المياه، وقوله : ( وإذا الجبال سيرت ) [ التكوير : 3 ] ، هو مثل قوله : ( ويوم نسير الجبال ) [ الكهف : 47 ] ، أي : تحول عن منزلة الحجارة ، فتكون كثيباً مهيلاً ، أي : رملاً سائلاً ، وتكون كالعهن ، وتكون هباء منبثاً ، وتكون سراباً ، مثل السراب الذي ليس بشيء . وقيل : إن الجبال بعد اندكاكها أنها تصير كالعهن من حر جهنم ، كما تصير السماء من حرها كالمهل .
قال الحليمي : وهذا والله أعلم لأن مياه الأرض كانت حاجزة بين السماء والأرض، فإذا ارتفعت ، وزيد مع ذلك في إحماء جهنم أثر في كل واحد من السماء والأرض ما ذكر.
المطلب السابع
المحاسبي يصور أهوال ذلك اليوم
يقول الحارث المحاسبي رحمه الله واصفاً ما يقع في ذلك اليوم من أهوال : " حتى إذا تكاملت عدة الموتى ، وخلت من سكانها الأرض والسماء ، فصاروا خامدين بعد حركاتهم ، فلا حس يسع ، ولا شخص يُرى ، وقد بقي الجبار الأعلى كما لم يزل أزلياً واحداً منفرداً بعظمته وجلاله ، ثم لم يفجأ روحك إلا بنداء المنادي لكل الخلائق معك للعرض على الله عز وجل بالذل والصغار منك ومنهم . فتوهم كيف وقوع الصوت في مسامعك وعقلك ، وتفهم بعقلك بأنك تدعى إلى العرض على الملك الأعلى ، فطار فؤادك ، وشاب رأسك للنداء ، لأنها صيحة واحدة للعرض على ذي الجلال والإكرام والعظمة والكبرياء – فبينما أنت فزع للصوت إذ سمعت بانفراج الأرض عن رأسك ، فوثبت مغبراً من قرنك إلى قدمك بغبار قبرك ، قائماً على قدميك ، شاخصاً ببصرك نحو النداء ، وقد ثار الخلائق كلهم معك ثورة واحدة ، وهم مغبرون من غبار الأرض التي طال فيها بلاؤهم، فتوهم ثورتهم بأجمعهم بالرعب والفزع منك ومنهم ، فتوهم نفسك بعريك ومذلتك وانفرادك بخوفك وأحزانك وغمومك وهمومك في زحمة الخلائق ، عراة حفاة صموت أجمعون بالذلة والمسكنة والمخافة والرهبة ، فلا تسمع إلا همس أقدامهم والصوت لمدة المنادي ، والخلائق مقبلون نحوه ، وأنت فيهم مقبل نحو الصوت ، ساعٍ بالخشوع والذلة ، حتى إذا وافيت الموقف ازدحمت الأمم كلها من الجن والإنس عراة حفاة ، قد نزع الملك من ملوك الأرض ، ولزمتهم الذلة والصغار ، فهم أذل أهل الجمع وأصغرهم خلقة وقدراً بعد عتوهم وتجبرهم على عباد الله عز وجل في أرضه، ثم أقبلت الوحوش من البراري وذرى الجبال منكسة رؤوسها لذل يوم القيامة بعد توحشها وانفرادها من الخلائق ذليلة ليوم النشور لغير بلية نابتها ولا خطيئة أصابتها ، فتوهم إقبالها بذلها في اليوم العظيم ليوم العرض والنشور،
وأقبلت السباع بعد ضراوتها وشهامتها منكّسة رؤوسها ذليلة ليوم القيامة حتى وقفت من وراء الخلائق بالذل والمسكنة والانكسار للملك الجبار ، وأقبلت الشياطين بعد عتوها وتمردها خاشعة لذل العرض على الله سبحانه فسبحان الذي جمعهم بعد طول البلاء، واختلاف خلقهم وطبائعهم وتوحش بعضهم من بعض ، قد أذلهم البعث وجمع بينهم النشور .
حتى إذا تكاملت عدة أهل الأرض من إنسها وجنها وشياطينها ووحوشها وسباعها وأنعامها وهوامها ، واستووا جميعاً في موقف العرض والحساب تناثرت نجوم السماء من فوقهم ، وطمست الشمس والقمر ، وأظلمت الأرض بخمود سراجها وإطفاء نورها . فبينما أنت والخلائق على ذلك إذ صارت السماء الدنيا من فوقهم ، فدارت بعظمها من فوق رؤوسهم ، وذلك بعينك تنظر إلى هول ذلك ، ثم انشقت بغلظها خمسمائة عام ، فيا هول صوت انشقاقها في سمعك ، ثم تمزقت وانفطرت بعظيم هول يوم القيامة والملائكة قيام على أرجائها وهي حافات ما يتشقق ويتفطر ، فما ظنك بهول تنشق فيه السماء بعظمها ، فأذابها ربها حتى صارت كالفضة المذابة تخالطها صفرة لفزع يوم القيامة كما قال الجليل الكبير : ( فكانت وردةً كالدهان ) [ الرحمن : 37 ] ، ( يوم تكون السماء كالمهل – وتكون الجبال كالعهن ) [ المعارج : 8-9 ]، فبينا ملائكة السماء الدنيا على حافتها إذ انحدروا محشورين إلى الأرض للعرض والحساب ، وانحدروا من حافتيها بعظم أجسامهم وأخطارهم وعلو أصواتهم بتقديس الملك الأعلى الذي أنزلهم محشورين إلى الأرض بالذلة والمسكنة للعرض عليه والسؤال بين يديه، فتوهم تحدرهم من السحاب بعظيم أخطارهم وكبير أجسامهم وهول أصواتهم وشدة فرقهم منكسين لذل العرض على الله عز وجل . فيا فزعك وقد فزع الخلائق مخافة أن يكونوا أمروا بهم ، ومسألتهم إياهم : أفيكم ربنا ؟ ففزع الملائكة من سؤالهم إجلالاً لمليكهم أن يكون فيهم ، فنادوا بأصواتهم تنزيهاً لما توهمه أهل الأرض : سبحان ربنا ، ليس هو بيننا ، ولكنه آتٍ من بعد ، حتى أخذوا مصافهم محدقين بالخلائق منكسين رؤوسهم لذل يومهم . فتوهمهم ، وقد تسربلوا بأجنحتهم ، ونكسوا رؤوسهم في عظم خلقهم بالذل والمسكنة والخشوع لربهم ، ثم كل شيء على ذلك وكذلك إلى السماء السابعة ، كل أهل سماء مضعفين بالعدد ، وعظم الأجسام ، وكل أهل سماء محدقين بالخلائق صفاً واحداً .
حتى إذا وافى الموقف أهل السماوات السبع والأرضين السبع كسيت الشمس حر عشر سنين وأدنيت من رؤوس الخلائق قاب قوس أو قوسين ، ولا ظِلَّ لأحد إلا ظل عرش رب العالمين ، فمن بين مستظل بظل العرش ، وبين مضحو بحر الشمس ، قد صهرته بحرها ، واشتد كربه وقلقه من وهجها ، ثم ازدحمت الأمم وتدافعت ، فدفع بعضهم بعضاً ، وتضايقت فاختلفت الأقدام وانقطعت الأعناق من العطش ، واجتمع حر الشمس ووهج أنفاس الخلائق وتزاحم أجسامهم ، ففاض العرق منهم سائلاً حتى استنقع على وجه الأرض ثم على الأبدان على قدر مراتبهم ومنازلهم عند الله عز وجل بالسعادة والشقاء , حتى إذا بلغ من بعضهم العرق كعبيه ، وبعضهم حقويه ، وبعضهم إلى شحمه أذنيه ، ومنهم من كاد أن يغيب في عرقه ، ومن قد توسط العرق من دون ذلك منه، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ( وقال مرة : إن الكافر ) ليقوم يوم القيامة في بحر رشحه إلى أنصاف أذنيه من طول القيام " [ متفق عليه ]، وعن عبد الله رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الكافر يلجم بعرقه يوم القيامة من طول ذلك اليوم ، ( وقال علي : من طول القيام . قالا جميعاً ) حتى يقول : رب أرحني ولو إلى النار . وأنت لا محالة أحدهم ، فتوهم نفسك راجعة لكربك وقد علاك العرق ، وأطبق عليك الغم ، وضاقت نفسك في صدرك من شدة العرق والفزع والرعب ، والناس معك منتظرون لفصل القضاء إلى دار السعادة أو إلى دار الشقاء ، حتى إذا بلغ المجهود منك ومن الخلائق منتهاه ، وطال وقوفهم لا يكلمون ولا ينظرون في أمورهم، عن قتادة أو كعب ، قال : ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) [ المطففين : 6 ] . قال: " يقومون مقدار ثلاثمائة عام ، وقال سمعت الحسن يقول : ما ظنك بأقوام قاموا لله عز وجل على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة لم يأكلوا فيها أكلة ، ولم يشربوا فيها شربة ، حتى إذا انقطعت أعناقهم من العطش ، واحترقت أجوافهم من الجوع انصرف بهم إلى النار ، فسقوا من عين آنية قد آن حرها ، واشتد نفحها، فلما بلغ المجهود منهم ما لا طاقة لهم به ، كلَّم بعضهم بعضاً في طلب من يكرم على مولاه أن يشفع لهم في الراحة من مقامهم ووقفهم لينصرفوا إلى الجنة أو إلى النار من وقوفهم ، ففزعوا إلى آدم ونوح ومن بعده إبراهيم ، وموسى وعيسى من بعد إبراهيم ، كلهم يقول لهم : إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله، فكلهم يذكر شدة غضب ربه عز وجل ، وينادي بالشغل بنفسه فيقول : نفسي نفسي، فيشتغل بنفسه عن الشفاعة لهم إلى ربهم لاهتمامه بنفسه وخلاصها ، وكذلك يقول الله عز وجل ( يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ) [ النحل : 111 ]، فتوهم أصوات الخلائق وهم ينادون بأجمعهم ، منفرد كل واحد منهم بنفسه ، ينادي نفسي نفسي ، فلا تسمع إلا قول نفسي نفسي . فيا هول ذلك وأنت تنادي معهم بالشغل بنفسك والاهتمام بخلاصها من عذاب ربك وعقابه ، فما ظنك بيوم ينادي فيه المصطفى آدم ، والخليل إبراهيم ، والكليم موسى ، والروح والكلمة عيسى مع كرامتهم على الله – عز وجل – وعظم قدر منازلهم عند الله عز وجل ، كل ينادي : نفسي نفسي، شفقاً من شدة غضب ربه ، فأين أنت منهم في إشفاقك في ذلك اليوم واشتغالك ، وبحزنك وبخوفك ؟ حتى إذا أيس الخلائق من شفاعتهم لما رأوا من اشتغالهم لأنفسهم ، أتوا النبي محمداً صلى الله عليه وسلم فسألوه الشفاعة إلى ربهم فأجابهم إليها ، ثم قام إلى ربه عز وجل واستأذن عليه ، فأذن له ، ثم خر لربه ساجداً ، ثم فتح عليه من محامده والثناء عليه لما هو أهله ، وذلك كله بسمعك وأسماع الخلائق ، حتى أجابه ربه عز وجل إلى تعجيل عرضهم والنظر في أمورهم.