المؤدب
07-01-2002, 10:35 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أفضل الخلق محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم من الأولين والآخرين.
فما هي فدك وماهو معناها الحقيقي : قال الامام علي (عليه السلام) بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين.
(1) (نهج البلاغة / تنظيم صبحي الصالح: 416)
فدك: قرية في الحجاز، بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة، وهي أرض يهودية ،وكان يسكنها طائفة من اليهود، ولم يزالوا على ذلك حتى السنة السابعة حيث قذف الله بالرعب في قلوب أهليها فصالحوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على النصف من فدك وروي أنه صالحهم عليها كلها وابتدأ بذلك تاريخها الإسلامي، فكانت ملكا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم قدمها لابنته الزهراء (ع)، وبقيت عندها حتى توفي أبوها صلى الله عليه وآله وسلم فانتزعها الخليفة وأصبحت من مصادر المالية العامة وموارد ثروة الدولة.
و فدك لم تكن أرضا صغيرة أو مزرعا متواضعا كما يظن البعض، بل الأمر الذي أطمئن إليه أنها كانت تدر على صاحبها أموالا طائلة تشكل ثروة مهمة وليس على بُعد هذا أن يتحدد الحاصل السنوي منها وإن ورد في بعض طرقنا الارتفاع به إلى أعداد عالية جدا. ويدل على مقدار القيمة المادية .
ان البحث في سبب إثارة فدك لم يكن كفرا ولا زندقه ولاكذب لان دراسة مسائل السالفين ليس كفرا، ولا ربما بسأل سائل عما بعث الصديقة إلى البدء بمنازعتها حول فدك ؟
وهي مسائلة تاريخية حقيقته ،بل كانت بداية المنازعة ومراحلها نذير ثورة بالفعل عندما اكتملت في شكلها الأخير، ويومها الأخير، تحمل كل ما لهذا المفهوم من مقدمات ونتائج، ولا تتعرض لضعف أو تردد. وما عساه أن يكون هدف السلطة الحاكمة،اأن تقف مع الحوراء على طرفي الخط، أولم يكن يخطر بباله أن خطتها هذه تفتح لها بابا في التاريخ في تعدا د أولياته، ثم يذكر بينها خصومة أهل البيت؟وموقفها السلبي؟أو أنها كان منقاده للقانون، فلم تشأ أ ن تتعد حدود الله تبارك وتعالى في كثير أو قليل، وإن لموقفها الغريب
تجاه الزهراء صلة بموقفها في السقيفة،
(1) ينقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 16: 284 قال: (وسألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد، فقلت له: أكانت فاطمة صادقة؟ قال: نعم، قلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة؟ فتبسم، ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعايته، قال: لو أعطاها اليوم فد ك بمجرد دعواها لجاءت إليه غدا، وادعت لزوجها الخلافة، وزحزحته عن مقامه، ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشئ، لأنه يكون قد أسجل على نفسه أنها صادقة فيما تدعي كاثنا ما كان من غير حاجة إلى بينة ولا شهود). قال ابن أبي الحديد: وهذا كلام صحيح. اتساع دولة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها آمال بواسم، وموجات من الأحلام ضحك لها الخليفة كثيرا وسعى في سبيلها كثيرا أيضا.
إننا ندرك بوضوح، ونحن نلاحظ الظرف التاريخي الذي حف بالحركة الفاطمية، أن البيت الهاشمي المفجوع بعميده الأكبر قد توفرت له كل بواعث الثورة على الأوضاع القائمة، والانبعاث نحو وتغييرها وإنشائها إنشاء جديدا، وأن الزهراء قد اجتمعت لها كل إمكانيات الثورة ومؤهلات المعارضة التي قرر المعارضو ن أن تكون منازعة سلمية مهما كلف الأمر. وإننا نحس أيضا إذا درسنا الواقع التاريخي لمشكلة فدك ومنازعاتها بأنها مطبوعة بطابع تلك الثورة، ونتبين بجلاء أن هذه المنازعات كانت في واقعها ودوافعها ثورة على السياسة العليا وألوانها التي بدت للزهراء بعيدة عما تألفه من ظروف الحكم، ولم تكن حقا منازعة في شئ من شؤون السياسة المالية، والمناهج الاقتصادية التي سارت عليها خلافة الشورى،
كان هناك إصرار عجيب من الأمام علي عليه السلام على أن تكون المعارضة سلمية لا تتعدى حدود الاحتجاج وقطع الأعذار، ولو كلف ذلك أن يجر ابن أبي طالب ويسحب من بيته سحبا للمبايعة، أو أن يتعرض البيت الطاهر إلى التهديد بالأحراق.
وإذا أردنا أن نمسك بخيوط الثورة الفاطمية من اصولها، أو ما يصح أن يعتبر من اصولها، فعلينا أن ننظر نظره شاملة عميقة لنتبين حادثتين متقاربتين في تاريخ الإسلام، كان أحدهما صدى للاخر وانعكاسا طبيعيا له، وكانا معا يمتدان بجذور هما وخيوطهما الاولى إلى حيث قد يلتقي أحد هما بالاخر ،أحدهما: الثورة الفاطمية على الخليفة الأول التي كادت أن تزعزع كيانه السياسي، وترمي بخلافته بين مهملات التاريخ. والاخر: موقف ينعكس فيه الأمر فتقف عائشة ام المؤمنين بنت الخليفة الموتور في وجه علي زوج الصديقة الثائرة على أبيها. وان كلتا الثائرتين أن مرده إلى نصيب كل منهما من الرضا بثورتها، والاطمئنان الضميري إلى صوابها وحظ كل منهما من الانتصار في حساب الحق الذي لا التواء فيه وهو أن الزهراء رُددت بعد أن جعلت الخليفة يبكي ويقول: أقيلوني بيعتي، عائشة فشلت فصارت تتمنى أنها لم تخرج إلى حرب ولم تشق عصا طاعة.
.
وفي كتاب أعلام النساء 4: 124، قال أبو بكر بعد المحاورة مع الزهراء: أقيلوني. تاريخ الطبري 3: 353، وفيه: قال أبوبكر إني لا آسى على شئ من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن، وودت أني تركتهن... وذكر منها: فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شئ)، شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد 6: 41 في حبه للأمارة.
وتاريخ ابن الأثير 3: 111، تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي: 80 ـ 81،هاتان الثورتان متقاربتان في الموضوع والأشخاص فلماذا لا تنتهيان إلى أسباب متقاربة وبواعث متشابهة. ونحن نعلم جيدا سر الانقلاب الذي طرأ على عائشة حين إخبارها بأن عليا ولي الخلافة يرجع إلى الأيام الالى في حياة علي وعائشة حينما كانت المنافسة على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين زوجته وبضعته. ومن شأن هذه المنافسة أن تتسع في آثارها فتثبت مشاعر مختلفة من الغيظ والتنافر بين الشخصين المتنافسين وتلف بخيوطها من حولهما من الأنصار والأصدقاء، وقداتسعت بالفعل في أحد الطرفين فكان ما كان بين عائشة وعلي، فلا بد أن تتسع في الطرف الاخر فتعم من كانت تعمل عائشة على حسابه في بيت النبي. نعم إن انقلاب عائشة إنما هو من وحي ذكريات تلك الأيام التي نصح فيها علي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يطلقها في قصة الأفك المعروفة وهذا النصح إن دل على شئ فإنه يدل على انزعاجه منها ومن منافستها لقرينته، وعلى أن الصراع بين زوج الرسول وبضعته كان قد اتسع في معناه وشمل عليا وغير علي ممن كان يهتم بنتائج تلك المنافسة وأطوارها.
(دوافع الخليفة الأول في موقفه) نعرف من هذا أن الظروف كانت توحي إلى الخليفة الأول بشعور خاص
وفي تفصيل الحادثة في صحيح البخاري 3: 24 ، تاريخ الطبري 2: 113 حوادث سنة 6 هـ. نحو الزهراء وزوج الزهراء، ولا ننسى أنه هو الذي تقدم لخطبتها فرده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم تقدم علي إلى ذلك فأجابه النبي إلى ما أراد وذاك الرد وهذا القبو ل يولدان في الخليفة إذا كان شخصا طبيعيا يشعر بما يشعربه الناس، ويحس كما يحسون شعورا بالخيبة والغبطة لعلي ـ إذا احتطنا في التعبير ـ وبأن فاطمة كانت هي السبب في تلك المنافسة بيه وبين علي التي انتهت بفوز منافسه. ولنلاحظ أيضا أن أبابكر هو الشخص الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليقرأ سورة التوبة على الكافرين، ثم أرسل وراءه وقد بلغ منتصف الطريق ليستدعيه ويعفيه من مهمته لا لشئ إلا لأن الوحي شاء أن يضع أمامه مرة اخرى منافسه في الزهراء الذي فاز بها دونه . ولا بد أنه كان يراقب ابنته في مسابقتها مع الزهراء على الأولية لدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويتأثر بعواطفها كما هو شأن الاباء مع الأبناء.
وفي الصواعق المحرمة / ابن حجر الهيتمي: 249 ـ ،قال: وأخرج أبو داود أن أبابكر خطب فاطمة، فأعرض عنه رسول الله ثم عمر فأعرض عنه.
وفي قصة تبليغ سورة براءة، مسند الأمام أحمد 1: 3 ،الصواعق المحرقة: 32، الخصائص / النسائي: 90 ـ 91.
و جاء في الصواعق / ابن حجر: 143 عن أنس قال: (بينما أنا قاعد عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ غشيه الوحي، فلما سرى عنه، قال: إن ربي أمرني أن ازوج فاطمة من علي...) .
إن التاريخ لا يمكننا أن نترقب منه شرح كل شئ شرحا واضحا جليا غير أن الأمر الذي تجمع عليه الدلائل أن من المعقول جدا أن يقف شخص مرت به ظروف كالظروف الخاصة التي أحاطت بالخليفة من علي وفاطمة موقفه التاريخي المعروف، وأن امرأة تعاصر ما عاصرته الزهراء في أيام أبيها من منافسات حتى في شباك يصل بينها وبين أبيها حري بها أن لا تسكت إذا أراد المنافسون أن يستولوا على حقها الشرعي الذي لا ريب فيه.
وان أبعاد قضية فدك السياسيةهذه هي الثورة الفاطمية في لونها العاطفي وهو لون من عدة ألوان أوضحها وأجلاها اللون السياسي الغالب على أساليبها وأطوارها. ومفهومها الحقيقي الذي لا التواء فيه. ما يفهم من قضية مطالبة بأرض، بل يتجلى له منها مفهوم أوسع من ذلك ينطوي على غرض طموح يبعث إلى الثورة وتعديل أمة ا نقلبت على أعقابها
وفي سيرة ابن هشام ـ مج 3 / 4: 653، توجد رواية
(2) إشارة إلى قوله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أوقتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) آل عمران / 144. و الرواية التي تشير إلى ارتداد الناس وانكفائهم عن الإسلام حديث الحوض المشهور، قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا فرطكم على الحوض فيؤتى برجال أعرفهم فيمنعون مني، فأقول أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي...، صحيح البخاري 8: 86 كتاب الفتن، الكشاف / الزمخشري 4: 811، تاريخ الطبري 2: 245. [64] وعلى هذا كانت فدك معنى رمزيا يرمز إلى المعنى العظيم ولا يعني تلك الأرض الحجازية المسلوبة، وهذه الرمزية التي اكتسبتها فدك في التي ارتفعت بالمنازعة من مخاصمة عادية منكمشة في افقها، محدودة في دائرها إلى ثورة واسعة النطاق رحيبة الافق. فلا ترى نزاعا ماديا، أو ترى اختلافا حول فدك بمعناها المحدود وواقعها الضيق، و لاترى تسابقا على غلات أرض مهما صعد بها المبالغون وا رتفعوا؟ فليست شيئا يحسب له المتنازعون حسابا. كلا ! بل هي الثورة على اسس الحكم، والصرخة التي أرادت فاطمة أن تقتلع بها الحجر الأساسي الذي بني عليه التاريخ بعد يوم السقيفة. ويكفينا لأثبات ذلك أن نلقي نظرة على الخطبة التي خطبتها الزهراء في المسجد أمام الخليفة وبين يدي الجم المحتشد من المهاجرين والأنصار، فإنها دارت أكثر ما دارت حول امتداح علي والثناء على مواقفه الخالدة في الإسلام وتسجيل حق أهل البيت الذين وصفتهم بأنهم الوسيلة إلى الله في خلقه وخاصته ومحل قدصه وحجته في غيبه، وورثة أنبيائه في [65] الخلافة والحكم. وإلفات المسلمين إلى حظهم العاثر واختيارهم المرتجل وانقلابهم على أعقابهم، وورودهم غير شربهم، وإسنادهم الأمر إلى غير أهله، والفتنة التي سقطوا فيها، والدواعي التي دعتهم إلى ترك الكتاب ومخالفته فيما يحكم به في موضوع الخلافة والأمامة. فالمسألة إذن ليست مسألة ميراث ونحلة إلا بالمقدار الذي يتصل بموضوع السياسة العليا، وليست مطالبة بعقار أو دار، بل هي في نظر الزهراء (مسألة إسلام وكفر، ومسألة إيمان ونفاق، ومسألة نص وشورى) . وكذلك نرى هذا النفس السياسي الرفيع في حديثها مع نساء المهاجرين والأنصار، إ ذ قالت فيما قالت: (أين زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الروح الأمين والطبين بأمر الدنيا والدين ألا ذلك هو الخسران المبين، وما الذي نقموا من أبي الحسن، نقموا والله نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمره في ذات الله، تالله لو تكافؤوا عن زمام نبذه إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا عتلقه وسار إليهم سيرا سجحا لا تكلم حشاشه، ولا يتعتع راكبه ، ولأوردهم منهلا نميرا فضفاضا تطفح
واحتجاج الزهراء لم يكن حول الميراث أو النحلة، وإنما كان حربا سياسية كما نسميها اليوم وتظلما لقرينها العظيم الذي شاء الخليفة وأصحابه من يبعدوه عن المقام الطبيعي له في دنيا الإسلام، فلم يتكلم إلا عن علي فوصفه بأنه ثعالة وأنه مرب لكل فتنة، وأنه كام طحال، وأن فاطمة ذنبه التابع له، ولم يذكر عن الميراث قليلا أو كثيرا. ولنلاحظ ما جاءت به الرواية في صحاح السنة من أن عليا والعباس كانا يتنازعان في فدك في أيام عمر بن الخطاب، فكان علي يقول إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعلها في حياته لفاطمة، وكان العباس يأبى ذلك ويقول هي ملك رسول الله وأنا وارثه، ويتخاصمان إلى عمر، فيأبى أن يحكم بينهما ويقول: (أنتما أعرف بشأنكما أما أنا قد سلمتها إليكما)فقد نفهم من هذا الحديث إذا كان صحيحا أن حكم الخليفة كان سياسيا موقتا وإن موقفه كان ضرورة من ضرورات الحكم في تلك الساعة الحرجة، وإلا فلم أهمل عمر بن الخطاب رواية الخليفة وطرحها جانبا وسلم فدك إلى العباس وعلي، وموقفه منهما يدل على أنه سلم فدك إليهما على أساس أنها ميراث رسول الله لا على وجه التوكيل،
والصلاة والسلام على أفضل الخلق محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم من الأولين والآخرين.
فما هي فدك وماهو معناها الحقيقي : قال الامام علي (عليه السلام) بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين.
(1) (نهج البلاغة / تنظيم صبحي الصالح: 416)
فدك: قرية في الحجاز، بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة، وهي أرض يهودية ،وكان يسكنها طائفة من اليهود، ولم يزالوا على ذلك حتى السنة السابعة حيث قذف الله بالرعب في قلوب أهليها فصالحوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على النصف من فدك وروي أنه صالحهم عليها كلها وابتدأ بذلك تاريخها الإسلامي، فكانت ملكا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم قدمها لابنته الزهراء (ع)، وبقيت عندها حتى توفي أبوها صلى الله عليه وآله وسلم فانتزعها الخليفة وأصبحت من مصادر المالية العامة وموارد ثروة الدولة.
و فدك لم تكن أرضا صغيرة أو مزرعا متواضعا كما يظن البعض، بل الأمر الذي أطمئن إليه أنها كانت تدر على صاحبها أموالا طائلة تشكل ثروة مهمة وليس على بُعد هذا أن يتحدد الحاصل السنوي منها وإن ورد في بعض طرقنا الارتفاع به إلى أعداد عالية جدا. ويدل على مقدار القيمة المادية .
ان البحث في سبب إثارة فدك لم يكن كفرا ولا زندقه ولاكذب لان دراسة مسائل السالفين ليس كفرا، ولا ربما بسأل سائل عما بعث الصديقة إلى البدء بمنازعتها حول فدك ؟
وهي مسائلة تاريخية حقيقته ،بل كانت بداية المنازعة ومراحلها نذير ثورة بالفعل عندما اكتملت في شكلها الأخير، ويومها الأخير، تحمل كل ما لهذا المفهوم من مقدمات ونتائج، ولا تتعرض لضعف أو تردد. وما عساه أن يكون هدف السلطة الحاكمة،اأن تقف مع الحوراء على طرفي الخط، أولم يكن يخطر بباله أن خطتها هذه تفتح لها بابا في التاريخ في تعدا د أولياته، ثم يذكر بينها خصومة أهل البيت؟وموقفها السلبي؟أو أنها كان منقاده للقانون، فلم تشأ أ ن تتعد حدود الله تبارك وتعالى في كثير أو قليل، وإن لموقفها الغريب
تجاه الزهراء صلة بموقفها في السقيفة،
(1) ينقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 16: 284 قال: (وسألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد، فقلت له: أكانت فاطمة صادقة؟ قال: نعم، قلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة؟ فتبسم، ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعايته، قال: لو أعطاها اليوم فد ك بمجرد دعواها لجاءت إليه غدا، وادعت لزوجها الخلافة، وزحزحته عن مقامه، ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشئ، لأنه يكون قد أسجل على نفسه أنها صادقة فيما تدعي كاثنا ما كان من غير حاجة إلى بينة ولا شهود). قال ابن أبي الحديد: وهذا كلام صحيح. اتساع دولة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها آمال بواسم، وموجات من الأحلام ضحك لها الخليفة كثيرا وسعى في سبيلها كثيرا أيضا.
إننا ندرك بوضوح، ونحن نلاحظ الظرف التاريخي الذي حف بالحركة الفاطمية، أن البيت الهاشمي المفجوع بعميده الأكبر قد توفرت له كل بواعث الثورة على الأوضاع القائمة، والانبعاث نحو وتغييرها وإنشائها إنشاء جديدا، وأن الزهراء قد اجتمعت لها كل إمكانيات الثورة ومؤهلات المعارضة التي قرر المعارضو ن أن تكون منازعة سلمية مهما كلف الأمر. وإننا نحس أيضا إذا درسنا الواقع التاريخي لمشكلة فدك ومنازعاتها بأنها مطبوعة بطابع تلك الثورة، ونتبين بجلاء أن هذه المنازعات كانت في واقعها ودوافعها ثورة على السياسة العليا وألوانها التي بدت للزهراء بعيدة عما تألفه من ظروف الحكم، ولم تكن حقا منازعة في شئ من شؤون السياسة المالية، والمناهج الاقتصادية التي سارت عليها خلافة الشورى،
كان هناك إصرار عجيب من الأمام علي عليه السلام على أن تكون المعارضة سلمية لا تتعدى حدود الاحتجاج وقطع الأعذار، ولو كلف ذلك أن يجر ابن أبي طالب ويسحب من بيته سحبا للمبايعة، أو أن يتعرض البيت الطاهر إلى التهديد بالأحراق.
وإذا أردنا أن نمسك بخيوط الثورة الفاطمية من اصولها، أو ما يصح أن يعتبر من اصولها، فعلينا أن ننظر نظره شاملة عميقة لنتبين حادثتين متقاربتين في تاريخ الإسلام، كان أحدهما صدى للاخر وانعكاسا طبيعيا له، وكانا معا يمتدان بجذور هما وخيوطهما الاولى إلى حيث قد يلتقي أحد هما بالاخر ،أحدهما: الثورة الفاطمية على الخليفة الأول التي كادت أن تزعزع كيانه السياسي، وترمي بخلافته بين مهملات التاريخ. والاخر: موقف ينعكس فيه الأمر فتقف عائشة ام المؤمنين بنت الخليفة الموتور في وجه علي زوج الصديقة الثائرة على أبيها. وان كلتا الثائرتين أن مرده إلى نصيب كل منهما من الرضا بثورتها، والاطمئنان الضميري إلى صوابها وحظ كل منهما من الانتصار في حساب الحق الذي لا التواء فيه وهو أن الزهراء رُددت بعد أن جعلت الخليفة يبكي ويقول: أقيلوني بيعتي، عائشة فشلت فصارت تتمنى أنها لم تخرج إلى حرب ولم تشق عصا طاعة.
.
وفي كتاب أعلام النساء 4: 124، قال أبو بكر بعد المحاورة مع الزهراء: أقيلوني. تاريخ الطبري 3: 353، وفيه: قال أبوبكر إني لا آسى على شئ من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن، وودت أني تركتهن... وذكر منها: فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شئ)، شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد 6: 41 في حبه للأمارة.
وتاريخ ابن الأثير 3: 111، تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي: 80 ـ 81،هاتان الثورتان متقاربتان في الموضوع والأشخاص فلماذا لا تنتهيان إلى أسباب متقاربة وبواعث متشابهة. ونحن نعلم جيدا سر الانقلاب الذي طرأ على عائشة حين إخبارها بأن عليا ولي الخلافة يرجع إلى الأيام الالى في حياة علي وعائشة حينما كانت المنافسة على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين زوجته وبضعته. ومن شأن هذه المنافسة أن تتسع في آثارها فتثبت مشاعر مختلفة من الغيظ والتنافر بين الشخصين المتنافسين وتلف بخيوطها من حولهما من الأنصار والأصدقاء، وقداتسعت بالفعل في أحد الطرفين فكان ما كان بين عائشة وعلي، فلا بد أن تتسع في الطرف الاخر فتعم من كانت تعمل عائشة على حسابه في بيت النبي. نعم إن انقلاب عائشة إنما هو من وحي ذكريات تلك الأيام التي نصح فيها علي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يطلقها في قصة الأفك المعروفة وهذا النصح إن دل على شئ فإنه يدل على انزعاجه منها ومن منافستها لقرينته، وعلى أن الصراع بين زوج الرسول وبضعته كان قد اتسع في معناه وشمل عليا وغير علي ممن كان يهتم بنتائج تلك المنافسة وأطوارها.
(دوافع الخليفة الأول في موقفه) نعرف من هذا أن الظروف كانت توحي إلى الخليفة الأول بشعور خاص
وفي تفصيل الحادثة في صحيح البخاري 3: 24 ، تاريخ الطبري 2: 113 حوادث سنة 6 هـ. نحو الزهراء وزوج الزهراء، ولا ننسى أنه هو الذي تقدم لخطبتها فرده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم تقدم علي إلى ذلك فأجابه النبي إلى ما أراد وذاك الرد وهذا القبو ل يولدان في الخليفة إذا كان شخصا طبيعيا يشعر بما يشعربه الناس، ويحس كما يحسون شعورا بالخيبة والغبطة لعلي ـ إذا احتطنا في التعبير ـ وبأن فاطمة كانت هي السبب في تلك المنافسة بيه وبين علي التي انتهت بفوز منافسه. ولنلاحظ أيضا أن أبابكر هو الشخص الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليقرأ سورة التوبة على الكافرين، ثم أرسل وراءه وقد بلغ منتصف الطريق ليستدعيه ويعفيه من مهمته لا لشئ إلا لأن الوحي شاء أن يضع أمامه مرة اخرى منافسه في الزهراء الذي فاز بها دونه . ولا بد أنه كان يراقب ابنته في مسابقتها مع الزهراء على الأولية لدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويتأثر بعواطفها كما هو شأن الاباء مع الأبناء.
وفي الصواعق المحرمة / ابن حجر الهيتمي: 249 ـ ،قال: وأخرج أبو داود أن أبابكر خطب فاطمة، فأعرض عنه رسول الله ثم عمر فأعرض عنه.
وفي قصة تبليغ سورة براءة، مسند الأمام أحمد 1: 3 ،الصواعق المحرقة: 32، الخصائص / النسائي: 90 ـ 91.
و جاء في الصواعق / ابن حجر: 143 عن أنس قال: (بينما أنا قاعد عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ غشيه الوحي، فلما سرى عنه، قال: إن ربي أمرني أن ازوج فاطمة من علي...) .
إن التاريخ لا يمكننا أن نترقب منه شرح كل شئ شرحا واضحا جليا غير أن الأمر الذي تجمع عليه الدلائل أن من المعقول جدا أن يقف شخص مرت به ظروف كالظروف الخاصة التي أحاطت بالخليفة من علي وفاطمة موقفه التاريخي المعروف، وأن امرأة تعاصر ما عاصرته الزهراء في أيام أبيها من منافسات حتى في شباك يصل بينها وبين أبيها حري بها أن لا تسكت إذا أراد المنافسون أن يستولوا على حقها الشرعي الذي لا ريب فيه.
وان أبعاد قضية فدك السياسيةهذه هي الثورة الفاطمية في لونها العاطفي وهو لون من عدة ألوان أوضحها وأجلاها اللون السياسي الغالب على أساليبها وأطوارها. ومفهومها الحقيقي الذي لا التواء فيه. ما يفهم من قضية مطالبة بأرض، بل يتجلى له منها مفهوم أوسع من ذلك ينطوي على غرض طموح يبعث إلى الثورة وتعديل أمة ا نقلبت على أعقابها
وفي سيرة ابن هشام ـ مج 3 / 4: 653، توجد رواية
(2) إشارة إلى قوله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أوقتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) آل عمران / 144. و الرواية التي تشير إلى ارتداد الناس وانكفائهم عن الإسلام حديث الحوض المشهور، قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا فرطكم على الحوض فيؤتى برجال أعرفهم فيمنعون مني، فأقول أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي...، صحيح البخاري 8: 86 كتاب الفتن، الكشاف / الزمخشري 4: 811، تاريخ الطبري 2: 245. [64] وعلى هذا كانت فدك معنى رمزيا يرمز إلى المعنى العظيم ولا يعني تلك الأرض الحجازية المسلوبة، وهذه الرمزية التي اكتسبتها فدك في التي ارتفعت بالمنازعة من مخاصمة عادية منكمشة في افقها، محدودة في دائرها إلى ثورة واسعة النطاق رحيبة الافق. فلا ترى نزاعا ماديا، أو ترى اختلافا حول فدك بمعناها المحدود وواقعها الضيق، و لاترى تسابقا على غلات أرض مهما صعد بها المبالغون وا رتفعوا؟ فليست شيئا يحسب له المتنازعون حسابا. كلا ! بل هي الثورة على اسس الحكم، والصرخة التي أرادت فاطمة أن تقتلع بها الحجر الأساسي الذي بني عليه التاريخ بعد يوم السقيفة. ويكفينا لأثبات ذلك أن نلقي نظرة على الخطبة التي خطبتها الزهراء في المسجد أمام الخليفة وبين يدي الجم المحتشد من المهاجرين والأنصار، فإنها دارت أكثر ما دارت حول امتداح علي والثناء على مواقفه الخالدة في الإسلام وتسجيل حق أهل البيت الذين وصفتهم بأنهم الوسيلة إلى الله في خلقه وخاصته ومحل قدصه وحجته في غيبه، وورثة أنبيائه في [65] الخلافة والحكم. وإلفات المسلمين إلى حظهم العاثر واختيارهم المرتجل وانقلابهم على أعقابهم، وورودهم غير شربهم، وإسنادهم الأمر إلى غير أهله، والفتنة التي سقطوا فيها، والدواعي التي دعتهم إلى ترك الكتاب ومخالفته فيما يحكم به في موضوع الخلافة والأمامة. فالمسألة إذن ليست مسألة ميراث ونحلة إلا بالمقدار الذي يتصل بموضوع السياسة العليا، وليست مطالبة بعقار أو دار، بل هي في نظر الزهراء (مسألة إسلام وكفر، ومسألة إيمان ونفاق، ومسألة نص وشورى) . وكذلك نرى هذا النفس السياسي الرفيع في حديثها مع نساء المهاجرين والأنصار، إ ذ قالت فيما قالت: (أين زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الروح الأمين والطبين بأمر الدنيا والدين ألا ذلك هو الخسران المبين، وما الذي نقموا من أبي الحسن، نقموا والله نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمره في ذات الله، تالله لو تكافؤوا عن زمام نبذه إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا عتلقه وسار إليهم سيرا سجحا لا تكلم حشاشه، ولا يتعتع راكبه ، ولأوردهم منهلا نميرا فضفاضا تطفح
واحتجاج الزهراء لم يكن حول الميراث أو النحلة، وإنما كان حربا سياسية كما نسميها اليوم وتظلما لقرينها العظيم الذي شاء الخليفة وأصحابه من يبعدوه عن المقام الطبيعي له في دنيا الإسلام، فلم يتكلم إلا عن علي فوصفه بأنه ثعالة وأنه مرب لكل فتنة، وأنه كام طحال، وأن فاطمة ذنبه التابع له، ولم يذكر عن الميراث قليلا أو كثيرا. ولنلاحظ ما جاءت به الرواية في صحاح السنة من أن عليا والعباس كانا يتنازعان في فدك في أيام عمر بن الخطاب، فكان علي يقول إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعلها في حياته لفاطمة، وكان العباس يأبى ذلك ويقول هي ملك رسول الله وأنا وارثه، ويتخاصمان إلى عمر، فيأبى أن يحكم بينهما ويقول: (أنتما أعرف بشأنكما أما أنا قد سلمتها إليكما)فقد نفهم من هذا الحديث إذا كان صحيحا أن حكم الخليفة كان سياسيا موقتا وإن موقفه كان ضرورة من ضرورات الحكم في تلك الساعة الحرجة، وإلا فلم أهمل عمر بن الخطاب رواية الخليفة وطرحها جانبا وسلم فدك إلى العباس وعلي، وموقفه منهما يدل على أنه سلم فدك إليهما على أساس أنها ميراث رسول الله لا على وجه التوكيل،