المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية نُذُرُ سقوط الإمبراطورية الأمريكية



Black_Horse82
10-01-2002, 01:14 AM
(الشبكة الإسلامية)
رضا صمدي ـ تايلاند



لقد كانت بريطانيا إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس ، كما كان يتشدق كبار الجنرالات الإنجليز ، وكانت هذه الإمبراطورية هي التي تصوغ سياسيات العالم ، وتضع المعايير لكل ما هو مسموح وغير مسموح به في السياسة الدولية ، وإفراز الكيان الصهيوني كان ممهورا بتوقيع اللورد بلفور وزير خارجية بريطانيا إبان الحرب العالمية الأولى ، وكل التقسيمات الحدودية بين الدول التي حازت استقلالها كان بتدبير من قسم الحدود السياسية في وزارة الخارجية ... وما من خلاف سياسي يعتصر ويستنزف التكتل الدولي في تلك الأيام إلا وكان لبريطانيا العظمى دور ما في توجيهه وحسم خياراته .

ولكن الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية كانتا قد استنزفتا الكثير من طاقات تلك الإمبراطورية، ومع أن تكاليف الحربين قامت بغالبيتهاالمستعمرات البريطانية، وخاصة في مجال التموين الحربي الغذائي ـ بل والبشري في كثير من الأحيان ـ إلا أن استنزاف الموارد كان له دور في تقليص النفوذ المالي البريطاني الذي وجه كل إمكانياته نحو الطاقة الحربية ، ومثل هذا يقال عن المارد الألماني الذي ظهر على حين غفلة من الاستعمار البريطاني ، فقد تعاظم دوره وتفاقم إلى أن اندحر هو أيضا إثر الاستهلاك النازي لموارد ألمانيا في حرب لا هدف من ورائها إلا انتزاع النفوذ من الغير.

الإمبراطوريةالفرنسية كانت ذات شبه بالإمبراطورية الفيكتورية، إلا أن النزعة القومية للفرنسيين أنقذتهم من مأزق كبير ، وهو تحمل مسئوليات الحرب العالمية الثانية ، إذ ما من شك أن قائد التحالف كان هم الإنجليز وكانت تكاليف الحرب بكاملها تخرج من الخزانة البريطانية ... لقد كانت الطاقة منحصرة في الفحم الحجري آنذاك ، وكانت بريطانيا صاحبة أكثر مناجم الفحم الحجري إنتاجا في أوروبا وآسيا وأفريقيا، وسيطرت بريطانيا على كثير من المراكز التجارية ومعابر الاقتصاد المهمة سواء البحرية والبرية ، ولم يكن للطيران الجوي نفوذ ذو بال مثل هذه الأيام … مع ذلك كله عجزت حكومة تشرشل أن تجمع بين نصر الحرب العالمية الثانية على ألمانيا ، وبين الصمود أمام حالة الكساد العالمي التي قضت على كل طموحات الحكومات الأوروبية في إنقاذ ما تبقى من ويلات الحرب الكونية ، مما جعل أوروبا لا تتورع عن طلب العون من المارد الصغير الذي خرج من قمقمه منذ قليل ، ألا وهو الولايات المتحدة الأمريكية التي ما دخلت في تجمع التحالف إلا عندما دمر اليابانيون الأسطول البحري لأمريكا في بيرل هاربر ، مما شجع الكونجرس على اتخاذ قرار الحرب بشجاعة لم تكن معهودة في السياسة الأمريكية منذ استقلت أمريكا عن بريطانيا في القرن الثامن عشر الميلادي .

من كل ما سبق يمكننا أن نستعرض الوضع الراهن الذي تمر به الإمبراطورية الأمريكية متمثلة في كل ما هو أمريكي ، بداية بالاقتصاد وانتهاء بالأوضاع الاجتماعية الداخلية.

إن أمريكا تحاول الآن أن تجمع بين تكاليف الحرب الباهظة ، وبين الصمود أمام حالة الكساد العالمي التي طالت الاقتصاد الأمريكي في نهاية عهد كلينتون ، وجورج بوش الابن لم يضع في خطته الإصلاحية لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي معطيات حرب كونية متسعة الأطراف كالتي يتحدث عنها باول ورامسفيلد … بل كان الرهان الذي قاده الحزب الجمهوري هو تغليب العامل الصناعي الذي يمثله اللوبي الممول لحملة بوش ، وعلى وجه الخصوص : الطاقة.

وبعيدا عن مجازفات بعض المحللين أن أمريكا قامت بتفجير مبنى التجارة العالمي كذريعة لمهاجمة أفغانستان ومن ثم السيطرة على مصادر الطاقة الجديدة في بحر قزوين والتي تعتبر البديل المغري لبترول الخليج والذي يكفل مصدر طاقة يكفي لثلاثمائة سنة أخرى كما يقول بعض المحللين .. أقول بعيدا عن مجازفات هذا التحليل فإننا لا يمكن أن نغض الطرف عن أن انتصار أمريكا في هذه الحرب سيكون بمثابة تعويض كاف لكل تكاليف الحرب التي تكبدتها ، بيد أن كثيرًا من المراقبين يشككون في استفادة أمريكا من هذه الحرب ، وأن غاية ما يمكن أن تحصله أمريكا من هذه الحرب هو توطيد نفوذها العالمي كشرطي للعالم ، أو فرض سيطرة قارية تضمن لها المزيد من الانتشار التجاري في الدول المذعنة لنفوذها … ويذكِّر هؤلاء المراقبون بحالة الانتعاش التي عادت على أمريكا بعد حرب الخليج الثانية، إذ كانت الشركات الأمريكية هي صاحبة حصة الأسد في إعمار الكويت والسعودية ، وكانت صاحبة النصيب الأعظم من حصص الأسلحة المبيعة لدول المنطقة بعد ازدياد التوتر بين الدول العربية والعراق .

وفي المقابل فإن هناك بعض المراقبين يتنبأ بأن الحسابات الأمريكية ستختلف هذه المرة ، ويراهن على أن المعطيات بين هذه الحرب الأمريكية الأفغانية وبين حرب الخليج الثانية تختلف في كثير من عناصرها وأهدافها واستراتيجياتها … أهم الاختلافات هو أن حرب الولايات المتحدة أصلا من أجل الإرهاب كما تزعم ، وهذا الإرهاب لا يمكن أن ينقطع بانتصارها في أفغانستان ، بل إنه سيتعاظم بل سيكون أكثر شراسة ودموية كما يقول أولئك المراقبون ، خاصة أن الدماء والأشلاء التي تركتها أمريكا في أفغانستان ستظل محفورة في ذاكرة الكثير من المسلمين الناقمين على أمريكا ، وسيظل تدمير أمريكا هدفاً استراتيجيا لكل الجماعات الإسلامية المناوئة للغرب … مثل هذا التحدي لم تضع أمريكا له أي اعتبار ، وهي تظن أن القضاء على الإرهاب سيجعلها متفرغة لتوسعة النفوذ الاقتصادي أكثر فأكثر ، والواقع أن حادثا إرهابيا واحدا تم تمويله بحوالي خمسمائة ألف دولار ، ونفذه بضعة عشر من أفراد تلك الجماعات الإرهابية كان كفيلا بتغريم أمريكا أكثر من مائة مليار دولار في خلال شهرين ( حادث تفجير مبنى التجارة العالمي في 11 سبتمبر من هذا العام ) ، فهل تستطيع أمريكا أن تصمد أمام عمليات من هذا النوع ، خاصة أن مصالحها مترامية الأطراف ، ليس في أراضي الولايات المتحدة فقط ، بل في كل بقعة في العالم ؟!!

الاختلاف الثاني : هو أن أمريكا تبدو وحيدة في تمويل هذه الحرب ، وإن كان البعض يجزم بأن كل الدول تتعاون مع أمريكا في تمويلها ، باعتبار أنها حرب ضد الإرهاب الدولي ، إلا أن التمويل الدولي لا يمكن أن يرقى إلى مستوى التمويل الكامل ، وغاية ما يمكن إثباته : إنما هو تمويل في بعض النواحي الميدانية واللوجستية الخفيفة ، أما التمويل الاقتصادي الشبيه بتمويل الكويت والسعودية لحرب الخليج فهذا ما انقطع أمل الولايات المتحدة في تحصيله حتى الآن .

هذا جانب من النذر التي ترهص بتقلص النفوذ الأمريكي في العالم ، ويؤيده حالة الكساد العالمي الذي تعتبر أمريكا معيارا مهما له .. فالشركات الأمريكية تعاني عجزًا كبيرًا في ميزانياتها ، وخاصة شركات الأسلحة والطيران ، ولاحقا شركات البترول التي تأثرت مع الدول المنتجة ، وتشير آخر التقارير الاقتصادية أن الميزان التجاري الأمريكي ابتدأ يعاني خللا واضحا بسبب تدهور الاقتصاد العالمي وتأثر المبيعات الأمريكية من حالة الكساد التي تمر بها غالب الدول الغنية ، مما أثر على مشترياتها من السلع الأمريكية … ولا شك أن تكاليف الحرب ستضيف الكثير من التبعات على الاقتصاد الأمريكي ، ولا يمكن أن نتصور تحسن عافية الاقتصاد الأمريكي على الأقل في الخمس سنوات القادمة … في هذه السنوات سيبقى الصراع الأمريكي مع ما تسميه الإرهاب الدولي هو حجر العثرة الذي ينذر بسقوط الإمبراطورية ، لأن ملامح الصراع تشير إلى حالة استنزاف مالي غير عادية، مما حدى ببعض المحللين الأمريكية أن يسمي هذه الحرب بالورطة التي تورطت فيها أمريكا .

أما في حالة هزيمة أمريكا في أفغانستان على غرار هزيمة فيتنام فإن هذا سيزيد من العزلة الأمريكية العالمية ، وسيضعف من أهليتها لقيادة العالم ، ويجب أن نلاحظ أن أفغانستان نفسها كانت أول مسمار في نعش الاتحاد السوفيتي ، وليس من البعيد أن تكون أفغانستان أيضا أول حرف في خطاب نعي أمريكا .

إن الشعوب الإسلامية تنظر الآن إلى أمريكا نظرة مختلفة عن نظرتها لها قبل هذه الأزمة ، بل إن كثيرا ممن يعتبرون حلفاء أمريكا لم يخفوا امتعاضهم من الصلف الأمريكي ، وكان تصريح وزيرة بريطانية بغضبها من حالة الصلف الأمريكية وجها آخر للتحالف الذي تقوده أمريكا، والذي يعطينا انطباعا أن أي حرب لا يمكن أن تفرز تحالفا قويا في كل عناصره ، وهذه روسيا كانت حليفة أمريكا وبريطانيا وفرنسا في الحرب العالمية الثانية ، ولكن نفس هذه الحرب كانت سببا في جعل التنافس بين الغرب بأسره ويمثله أمريكا وبريطانيا وبين روسيا بداية لما يسمى بالحرب الباردة .

إن توغل أمريكا في وسط آسيا لا تطمئن إليه روسيا والصين ، وإن كانتا أعلنتا تأييدهما للحملة الأمريكية ضد الإرهاب الدولي ، ولكن هذا التصريح إنما هو للاستهلاك العالمي ، فالعقيدة العسكرية الصينية لا يمكنها أن تسمح بأي نفوذ غربي قريب من أراضيها ، وما غضبها من تأييد أمريكا لتايوان ببعيد …

إذا … هل ينقلب هذا الصراع الأمريكي الأفغاني إلى صراع دولي تديره المصالح والفوائد المرصودة في أراضي تلك المنطقة ، أم أن الدول العظمى ستستطيع اقتسام الكعكة بهدوء ؟؟؟

إن الواقع المقروء ينذر بمواجهة قوية بين المصالح العالمية ، بما فيها بريطانيا الحليف القوي لأمريكا ، ولكن المواجهة القوية المتوقعة في المنطقة فهي المواجهة بين اقتصاد أمريكا واقتصاد الصين ودول الآسيان والمارد الأوروبي … لا نقول إن هذه الحرب هي التي ستدمر أمريكا ونفوذها على المدى القريب ، ولكنها نذير واضح على أن السياسة الأمريكية تتجه نحو الانتحار ، وهي ظاهرة يمكن ملاحظتها على كثير من الممالك والدول المتضخمة في نفوذها وسطوتها …

إن هذه الرؤية التي عرضناها لم تأخذ في معطياتها الخلل الأمريكي الداخلي المتمثل في حالة الترف المرتفعة ، ونسبة الجرائم المخيفة ، وارتفاع ضحايا الأمراض الفتاكة مثل الإيدز وضحايا المخدرات ، ناهيك عن التفكك الاجتماعي الذي يعترف به كل مراقب للشأن الأمريكي … وفي الثمانينات صدر كتاب بعنوان: سقوط أمريكا ، لم يكن في مادته احتساب المعارك الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية بقدر تشديده على الدمار الداخلي الذي يعاني منه المجتمع الأمريكي … وآخر ما نلفت إليه الانتباه ، والذي قد يكون له دور كبير في تفتيت الإمبراطورية الأمريكية هو وجود الميليشيات المسيحية والانفصالية التي ترفض الهيمنة الفيدرالية للحكومة الأمريكية المركزية في واشنطن … وتواجه السلطات الفيدرالية حربا حقيقية مع تلك الميلشيات التي كان أقوى نشاط لها هو تدمير مبنى أوكلاهوما الفيدرالي منذ خمس سنوات .

إن الشأن الأمريكي وضع لا يمكن التنبؤ بمستقبله بسهولة ، ولكن الإرهاصات الواقعية تعتبر مادة كافية للمؤرخين وعلماء الاجتماع كي يستطيعوا أن يستشرفوا المستقبل المنظور… فهل يعتبر سقوط الإمبراطورية الأمريكية مستقبلا أكيدا أم مجرد أماني يتغنى بها أعداء أمريكا ؟؟؟


الأربعاء : 9 / 1 / 2002