المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فن التشويق و الأحاسيس القوية



رفعت خالد
25-03-2009, 06:44 PM
فن التشويق و الأحاسيس القوية


الحمد لله و الصلاة على رسول الله.

أما بعد..

السلام عليكم ،

لست أديبا و لا كاتبا و لا أجرؤ على ادّعاء ذلك. أنا فقط هاوٍ ، أميل إلى الأدب عامة و النوع الأسود منه خاصة ، يعني أدب الخوف و التشويق و التوتر المتزايد.. فإلى عاشقي هذا النوع أكتب ما أكتب.

لماذا كل هذا العشق للخوف و الرعب ؟.. أين الحب ؟ أين الرفق و الوداعة و الرومانسية الحالمة ؟ أين الإنسانية ؟

حُقّ لكم التساؤل و إلقاء هذه الاستفسارات المنطقية بين قدمي. و جوابي بكل بساطة هو أني لا أعترف بما قلتم.

لا أعترف بالرومانسية. أي رومانسية بالله عليكم ؟ ما دام الإنسان به جانب أسود ، شرير فلا رومانسية و لا هراء. هذا رأيي و لستم ملزمين به. أكره مسلسلات الحب الزائف و أكره القصائد التي فيها غزل مبالغ فيه ، تلك التي يرى فيها الشاعر الثمل أنف حبيبته حبة كرز و عينيها لوزتين !.. حتى تتحول الفتاة المسكينة إلى مجموعة من الفواكه و المأكولات الشهية. و بعدها ربما تزوجها ، و لا أعتقد حينئذ أنها ستظل (فاكهية) إلى ذلك الحد !

المسلسلات تعيد نفسها بشكل قاتل و ممل ، مع تغيير بسيط في كل مسلسل جديد ، و هو قطعة قماش أخرى تسقط من جسم الممثلات فيقتربن من العراء الشامل !

هذا ليس موضوعنا ، لكن كل هذا يصيبني بإحباط و قرف شديدين فأكره الواقع الخدّاع ، المزيف. ماذا بقيَ إذن غير الخيال ؟ هذه الظاهرة الغريبة التي تسمح لعقولنا بالخروج عن نطاق المُعاش و الذهاب إلى ما وراء الأسوار لتصف لنا ما يوجد هناك ، فنصدقها أو نكذبها.

لا سبيل للخروج من الملل إلا إذا لاحت لك علامة استفهام غريبة و غير متوقعة فتقوم من مكانك متحفزا ، باحثا ، مفكرا. من هنا أتى حبي للأدب الأسود. فهو الأدب الوحيد الذي لا يتكرر ، و الذي يتحدى عقلك بعنف لذيذ ، فتتبعه بخوف و حذر في ممر مظلم لا تعلم ما ينتهي إليه.

و ككل شيء ، أصبح هذا الأدب اليوم مشوها و مغلوطا بفعل بعض السخفاء الذين حولوه إلى شيء دموي كريه. أفلام لا ترى فيها إلا الأمعاء و الأعضاء المقتلعة من أول دقيقة و حتى قبيل ظهور التترات. قصص مصاصي الدماء و المسوخ التي تجدها أينما ذهبت. صور الحوادث البشعة و الجرائم العنيفة مع تعليقات ساخرة ، غير مكترثة !

ليس هذا ما أريد ، اطمئنوا !..

فالرّعب - كماأيّ مفهوم - يحتاج إلى حدود تحده و قوانين تُسطّره.. وكما قال كاتب الرعب الدكتور أحمد خالد توفيق فيما معناه (هناك الرّعب الخالص و الرّعب المعوي ، وشبكة الإنترنت مليئة بصنفين من المواقع.. صنف المواقع الإباحية و صنف مواقع الرّعب المعوي !).

و لكي أوضّح وجهة نظري أكثر أقول أنّ الرّعب الحقيقي و الذي يستحق هذه الكناية فعلا هو رعب الغموض ، رعب المجهول. ماذا يوجد وراء الباب المغلق؟.. من يحرّك هذه الأشياء من مكـانها ؟.. ما مصدر هذه الدّمـاء ؟.. من أين تأتي هذه الضحكات ؟.. أين يختفي سكان هذه القرية ؟.. من يحفر فوق شقتي ؟...

و أدباء الرّعب العباقرة لا يجدون ضيرا من إضافة بعض المقاطع العنيفةإلى أعمالهم لأن العنف ليس شيئا خياليا. ولكن ليس إلى ذلك الحد الذي يصبح فيه النص وصفا لرؤوس مقطوعة و أطراف مبتورة و أمعاء متدلية و ديدان في كلّ مكان !.. فهذا أسميه رعبا وحشيا يليق بالدببة و النسور و التماسيح. أما نحن ، فأعتقد أننا ننتمي إلى جنس الإنسان !

و الأمر - من جهة أخرى - أشبه بمواقع الثقافة الجنسية. فهناك منتديات تُناقش بجدية المشاكل الجنسية و الأمراض و المعيقات و.. و هناك منتديات بهاأفلام جنسية للتحميل !.. ألاحظتم الفرق ؟؟

إلا أني أحترم من له رأي مخالف ، و كما قال الفيلسوف الفرنسي (جون جاك روسو) : " أخالفك الرأي و لكني مستعد لأن أموت حتى تقول رأيك ! "

لا داعي للمقطع الأخير طبعا !