المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية لقوميات غير الفارسية تدخل حملات مرشحي الرئاسة الإيرانية



Nissan
17-05-2009, 04:54 PM
دبي - نجاح محمد علي

على أعتاب الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في يونيو المقبل، أصبحت قضية القوميات أحد الملفات الحاسمة في الحملة الانتخابية، وعمد العديد من المرشحين إلى التطرق إلى المشكلة القومية، مع الوعد بحلّها في إطار الدستور الذي بات الميثاق الوطني لكل القوى السياسية الإيرانية داخل النظام.

وتتألف إيران من عدة قوميات، فارسية وتركية (أذرية، تركمان) وبلوشية وكردية وعربية، وأقوام يعتبرون أنفسهم قوميات كالغيلانيين والمازندرانيين واللور والبختيارية.

في حين يشكّل الفُـرس نحو 45% من مجموع السكان، يرى متابعون للشأن الإيراني أن ملف القوميات بصدد التحول إلى قنبلة موقوتة.

ملف القوميات قد يسهم في تفكيك الجمهورية الإسلامية وإسقاط نظامها من الداخل إذا لم يُعالج على أساس واقعي والاعتراف بها ضِـمن إطار الدستور الذي أقرها وأيّـد الحقوق القومية للشعوب الإيرانية المختلفة.


بين مؤيدين ومحذرين

ولوحظ عقِب اضطرابات إقليم العرب التي تتكرر بين فترة وأخرى حيث يطالب العرب بحقوقهم المفقودة، أن قضية القوميات استأثرت (ربما لأسباب انتخابية بحتة)، بالاهتمام من قبل المرشحين، حيث تراوحت مواقفهم بين مؤيّد لفتح الملف ومناقشته داخل إطار الدستور، وبين محذر تحت ذريعة تهديد الأمن القومي، والنظر إلى مناقشة قضية القوميات على أنها مؤامرة من الخارج لغرض تفتيت إيران الرئيسي.

الرئيس الأسبق للبرلمان مهدي كروبي، الذي ينتمي للقومية اللورية.. (وهو مرشح إصلاحي للانتخابات الرئاسية) التقى في خطوة نادرة ناشطين من القوميات، وتعهّـد أمامهم بتطبيق المواد المتعلقة بحقوق هذه القوميات والمنصوص عنها في الدستور الإيراني، هذا إذا فاز في الانتخابات، وأعلمهم أنه قام بإنشاء لجنة خاصة بالقوميات غير الفارسية، لقيادة حملته الانتخابية، وأنه طالب بتعديل الدستور وأن يتم انتخاب محافظي الأقاليم بالاقتراع المباشر، داعياً الى منحهم صلاحيات أكبر، وإلى تشكيل مجالس محلية، ما أوجد تعاطفاً معه من قبل تيارات من العرب بشكل خاص دعت الى انتخابه.

كذلك، سعى المرشح المحافظ والقائد الأسبق للحرس الثوري، محسن رضائي، المنتمي إلى القومية البختيارية، إلى خطب ودّ القوميات من خلال زيارات قام بها لمؤسسات مدنية خاصة بالعرب الأهوازيين، وللمحافظات التي تقطنها أغلبية تركية أذرية، ودعا إلى فتح ملف القوميات في إيران، والتحدث عن مشاكل غير الفُرس، دون خوف، وذلك بعد أحداث شهدتها الأهواز عام 2005.

في المقابل، يتعرّض رضائي إلى انتقادات حادّة من ناشطين عرب أسسوا لهم مواقع على الإنترنت، خُصّـصت للحديث عن "أزمة القوميات".

والأهم من كل ذلك، فإن آية الله أحمد جنتي، رئيس مجلس صيانة الدستور المسؤول عن تأهيل المرشحين للانتخابات، حذّر المرشحين ممّا سماه بـ"اللعب بورقة القوميات غير الفارسية"، قائلا: "يبدو من القرائن والشواهد أن البعض يقوم بإثارة الأحاسيس القومية لدى القوميات من أجل تجميع الأصوات في الانتخابات الرئاسية. فهناك قوميات وطوائف عديدة تسكن هذا البلد وتتعايش بودّ وأخوّة، حيث يعرف عقلاء هذه القوميات أنه يجب أن تكون هناك وِحدة بينهم، وذلك من أجل بقاء البلاد والنظام. فلا يمكن العيش دون الوحدة، لأننا لا نستطيع أن نخوض حربا أهلية، حيث على النظام أن يمنح حق الجميع".

واعتبر جنتي أن أي عمل يمس بالوحدة الوطنية الإيرانية، يُـعدُّ خيانة لا تُغتفر.


حلم إقامة جبهة القوميات

وقبل سقوط النظام العراقي السابق، كان الحديث في صفوف المعارضين، عن إقامة جبهة للقوميات مجرّد حُـِلم يُـراود القوميين الإيرانيين الذين أخفقوا في خطوات عديدة، لأن الشعارات الأممية للجمهورية الإسلامية، وبنود الدستور الذي اعتَـرف بحق القوميات وبتولى الأكفّـاء المسؤولية في البلاد، أحبطت مخططاتهم. يُضاف إلى ذلك اختلاف البرامج والمناهج السياسية، وأساليب العمل المعارض لنظام الجمهورية الإسلامية بين منظمات مسلحة وأخرى سياسية، وضُـعف بعض التنظيمات واعتمادها بالمُـطلق على العامل الخارجي الذي يجعلها عُرضة للاتهام بالتعاون مع الأجنبي، وأيضا بسبب علاقات إيران الممتدة القوية، إقليميا ودوليا، والرِّهان الأمريكي على إعادة العلاقات معها، ومحاورتها بدلا من العمل على إسقاط نظامها.

ويمكن القول إن الولايات المتحدة كانت ترغب قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، في إيجاد أي نوع من أنواع التعاون مع إيران لمواجهة التغلغل الشيوعي إلى المياه الدافئة في الخليج، وقد نهجت بُعيد عام 1992 سياسة احتواء إيران للحؤول دون تصدير ثورتها الاسلامية إلى الخارج، ومارست معها في الوقت نفسه، بعد تفكّك الاتحاد السوفييتي، مضايقات عدّة عبر محاصرتها وتضييق الخناق عليها بدءاً من أذربيجان، ومروراً بمياه الخليج التي انتشرت فيها البوارج الحربية الأمريكية القادرة على ضرب إيران، ونقل قوات للتدخل السريع فيها، وليس انتهاء بأفغانستان وتركيا والعراق، بعد 9 أبريل 2003.


محاولات فاشلة

يجدر التذكير في هذا السياق أن انتصار الثورة الإسلامية في إيران في فبراير 1979 دفع بقوى سياسية من جميع القوميات الإيرانية إلى عقد مؤتمر في طهران بعد أيام قليلة جدّا من سقوط نظام الشاه وشارك فيه آنذاك الحزب الديمقراطي الكردستاني، والمنظمة الثورية لكادحي كردستان "كومله"، والمركز الثقافي للشعب العربي الأهوازي، ومندوبون عن منظمة تقدميي الشعب العربي الأهوازي، وممثلون عن الآذريين من أذربيجان، والمركز الثقافي السياسي للشعب التركماني، والمنظمة الديمقراطية للشعب البلوشي، والتنظيم البلوشي الموحد – بيت البلوش.

وخرج المؤتمر بوثيقة من 11 مادة، نصّـت المادة الأولى منها على أن إيران بلد متعدّد القوميات، وهذه القوميات هي القومية الاذرية في أذربيجان والقومية الكردية في كردستان، والقومية العربية في خوزستان (الأهواز)، والقومية البلوشية في بلوشستان، والقومية التركمانية في صحراء التركمان بالإضافة إلى القومية الفارسية.

ودعت المادة الثانية إلى قيام حكومة فيدرالية مركزية إيرانية تُـدار من قِـبل مناطق الحكم الذاتي المتساوية في الحقوق. أما المادة الثالثة فقد أكّـدت تعيين مناطق الحكم الذاتي على أساس اللغة، والثقافة والأرض والخصائص الاقتصادية المشتركة. أما المادة الرابعة فتضمنت كيفية انتخاب مجالس الحكم الذاتي. والمادة الخامسة عينت مهام هذه المجالس، والمادة السادسة، كيفية انتخاب هذه المجالس. أما المادة السابعة فنصّـت على استقلال القضاء وتفكيك السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) عن بعضهما بعضاً. والمادة التاسعة أوكلت الأمور المتعلقة بالسياسة الخارجية والدفاع الوطني وغيرها من المسائل الحساسة إلى الحكومة الفدرالية المركزية المنتخبة.وطالبت المادة العاشرة الحكومة الفدرالية العمل على إزالة التخلّـف الاقتصادي والاجتماعي الذي لحق بالقوميات الإيرانية في العهود السابقة.

وأخيرا، نصت المادة الحادية عشرة على أن السلطات المحلية في مناطق الحكم الذاتي، إضافة إلى إدارة المناطق الذاتية، ملزمة أيضا بتنفيذ السياسات العامة للحكومة الفيدرالية المركزية، وعليها أن تبذل قُـصارى جهودها من أجل تحكيم أواصر الصداقة والتعاون والتضامن بين كل أبناء الشعوب الإيرانية.

وقد اصطدمت هذه المطالب برفض من الجمهورية الإسلامية الوليدة التي شكّـكت بنوايا المنظمات التي أصدرت الوثيقة، واعتبرت أنها تحركت من منطلقات قومية "لا تتوافق مع الرؤية الإسلامية التوحيدية".

وحصل في تلك الأيام أن بعض الأقاليم، خصوصاً في كردستان وخوزستان وبلوشستان، شهدت اضطرابات اتهمت "الثورة" الادارة الأمريكية والنظام العراقي السابق بتأجيجها، ما دفع السلطات الجديدة إلى رفض دعوات الفيدرالية القومية جُـملة وتفصيلا، بل والتشكيك في مُـطلقيها، ومحاكمتهم بتهمة الخيانة.


الإصلاحات والقوميات

لا يُـمكن إنكار أن الحركة الإصلاحية التي قادها الرئيس السابق محمد خاتمي منذ فوزه في انتخابات مايو 1997، والتي عُرفت بالثاني من خورداد (الشهر الثاني في التقويم الإيراني)، أعطت دُفعة قوية للتيارات القومية، فنشأت أحزاب وجمعيات شارك قادتها في الحكم أو بالتمثيل داخل البرلمان قبل إقصاء معظمهم، بل جميعهم في الانتخابات التشريعة التي جرت في فبراير 2004.

وحاول نفر من الإصلاحيين في وزارة الداخلية العمل من أجل السماح بشكل واسع بنشاط الأحزاب غير الفارسية في إطار ما يسمح به الدستور الإيراني، انطلاقا من أن الاتجاهات الانفصالية والاستقلالية بين القوميات الإيرانية غير الفارسية، انخفضت في المناطق التي تقطنها القوميات غير الفارسية، كأذربيجان وكردستان وخوزستان، في فترة رئاسة خاتمي الذي أطلق الحريات رافعا شعار تعزيز سلطة القانون.

وتوقّـعت دراسات لإصلاحيين معتدلين ينشطون ضمن جمعية علماء الدين المناضلين (روحانيون مبارز)، التي ينتمي إليها خاتمي ووزير داخليته عبدالواحد موسوي لاري، ونائبه السابق محمد علي أبطحي، ورئيس البرلمان الأسبق مهدي كروبي (انسحب من الجماعة)، أن النزعات الانفصالية في الأقاليم غير الفارسية ستبدو ضئيلة، إذا ما طبقت الحكومة المادتين 15 و19 من الدستور، اللتين لا تعارضان إطلاقا إنشاء أحزاب قومية فيها.

إلا أن الإصلاحيين القوميين من ورثة الزعيم الراحل محمد مصدق، (الذين باتوا يملكون نفوذا قويا في إيران من ذوي النزعات المتطرفة)، ينظرون بأفق ضيق إزاء قضية القوميات، ويرفضون تطبيق المادتين 15 و19 من الدستور، وهم يروِّجون لنظرية إيران ذات قومية واحدة ولغة واحدة وثقافة واحدة.

ويمثل هؤلاء تياراً متطرفاً داخل جبهة المشاركة الإسلامية الإصلاحية، وحزب "بان ايرانيست"، وحزب الأمة الإيرانية (حزب ملت إيران)، وتيار متطرف داخل الجبهة الوطنية (جبهة ملي)، التي حكم الإمام الخميني الراحل بارتدادها لمعارضتها قانون القصاص، ومعظم زعماء حركة تحرير إيران (نهضت أزادي) المحظورة، والتي تملك دُوراً للنشر وصُحفاً تصدر داخل لإيران بتراخيص ملفوفة.

وبشكل عام، فإن الإصلاحيين (عدا الأصوليين الإسلاميين منهم، كتيار الرئيس السابق خاتمي)، هم أبعد ما يكونون إلى تطلعات الحركات القومية، رغم المرونة الظاهرة في خطابهم السياسي.

وإذا كان المحافظون متأثرين تماماً بالتعاليم والمفاهيم الإسلامية، فإن الإصلاحيين يقعون تحت تأثيرات تمزج بين الإسلام من جهة والقومية الفارسية من جهة أخرى بما يجعلهم من الناحية العقدية الأبعد عن تطلعات القوميات الأخرى.






http://www.alarabiya.net/articles/2009/05/17/73041.html