المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اللاّإنسانية



رفعت خالد
24-05-2009, 02:29 AM
اللاّإنسانية


http://ektob.com/uploads/k/khalidrifaat/52549.jpg


إذا تغاضينا عن الشكل و التكوين البيولوجي ، فإن ما يبدو مُميِّزا لمجتمع الإنسان عن مجتمع الحيوان هو ذلك السّلوك النّظامي، المنهجي الذي تُضفيه قوانين و أعراف تحدّ من الحرّية اللاّنهائية للأفراد ومن غرائزهم الوحشية.. عكس الحيوان تماما والذي لا يحكمه شيء إلا ما هو مجبول عليه ، فينطلق في حريته إلى أقصى الحدود. ومع هذا فإنّ من شأن دراسة سلوكيات الأفراد داخل المجتمع وكيفية تعاملهم مع البيئة ومع الكائنات الحيّة المحيطة بهم أن تجعلنا نلمس أحيانا خرقا لهذه القوانين وعدائية تُجاه البيئة و الآخرين ، وأحيانا أخرى أنانية مُفرطة وغياب الإحساس بالمصلحة العامة ! وهذا يُؤكّد بشدّة أن وجود قوانين صارمة يعيش تحت ظلّها البشر ضرورة لا مناص منها.


لكن الإنسان - قبل كل شيء - يصبو إلى تحقيق مآربه الشخصية وتغيب عليه أثناء ذلك تلك النّظرة الشّمولية للإنسانية ويعزف عن التفكير فيما هو أفضل و أنسب لها ، وهذا إنما هو نتيجة للغرائز و الشهوات المطمورة بداخله والتي تغلّفها الوحشيّة أحيانا. لذا فالخروج من هذه الدّائرة الضيّقة إلى فضاء "الإنسانية" الرّحب حيث التسامح و الحلم و الإيثار و الإخاء أمر أقرب ما يكون إلى الكمال الذي يختصّ به الله جلّ في عُلاه.


وحتّى إن افترضنا جدلاً أن من الممكن أن يمتلك إنسان هذه الخاصية الفريدة في تمييز ما هو مفيد للإنسانية عن غيره فلن يمكنه العمل بها بشكل متواصل و بإخلاص متفان ، وحتما ستزول الرغبة لديه في ذلك عندما يكتشف أنّ الإنسانية أصلا - و هي مجموعة الأفراد - لا تُبالي بأن تمشي في اتجاه الأفضل و الأصحّ أو نحو الخراب و الدّمار !


و خالق هذا الكون و هذه الإنسانية يعلم - سبحانه - بوجود هذا الخلل في عباده وهذا الضّعف في تسييرهم للكون ، وهو ضعف منطقي و معقول تماما. إذ كيف لمخلوقات أن تتحكّم وتخطّط بشكل صحيح لوجودها وهي ليست مسؤولة عنه ولا تتحكّم فيه أصلاً ؟ فالمتحكّم و المُسيّر الوحيد هو الخالق تبارك و تعالى. ومن تمّ ، وبما أنه - سبحانه - يدري هذا الضّعف جيداً ويدري حيثياته و أسبابه و نتائجه وكل شيء عنه ، فقد أنزل الكتب السّماوية و بعث الرّسل و الأنبياء حتى ينسجوا القوانين الصّحيحة و الخطوط الحمراء ، وحتى يُعلّموا الإنسان كيف يصنع بغرائزه و نزواته و متى يحبسها و أين يصرفها لئلاّ يحصل الفساد في البر و البحر ولكي ينجو هذا الإنسان من عذاب خالقه الذي حذره منه. ولم يكن هذا ليحدث - للأسف - لو امتثل الإنسان ، كلّ إنسان ، لأوامر الله مهما خالفت هواه.. لو استسلم لما يريد خالق هذا الكون.. لو حقّر نفسه و قتل كبره و رمى برأيه إلى الزبالة.. لو أمسك بحبل الله الغليظ ولم يُفلته أبدا حتى لا يسقط في غياهب الانحلال و اللاّإنسانية.