المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : زلزلة ليبرالية!



Ibrahim
24-06-2009, 07:04 AM
ما زال الصراع قائما بين الليبرالية حديثة العهد وبين الإسلاميين على الساحة الإعلامية السعودية، وما يزال الليبراليون السعوديون يصعّدون في هجومهم وتطرفهم حتى باتوا ينافسون زملاءهم المخضرمين في الصحافة العربية، مما يدفعني أحياناً للتساؤل: كيف أخفى هؤلاء كل هذا الركام تحت ألسنتهم طوال تلك السنين ليقذفوه في وجوهنا اليوم دفعة واحدة؟

أعترف مقدماً بأن الصحافة الليبرالية السعودية تقدم نموذجاً ملفتاً في العمل الجماعي المنظم، وبالرغم من عدم قدرتي على الجزم بوجود تنظيم حقيقي لهذا العمل، فإن الظاهر يشي بوجود توافق كبير في الكثير من مراحل العمل وكأنه قائم على اتفاق وتنسيق مسبق، فلا تكاد تحدث حادثة أو تطرح قضية أو تطرأ نازلة من النوازل إلا ويتسابق الجميع على الإدلاء بدلوه، ويمكن للمتابع أن يلاحظ الحجم الهائل للأخبار والتحقيقات والمقالات ورسوم الكاريكاتير التي تناقش بمجموعها القضية نفسها وبالطريقة ذاتها، وكأننا أمام حملة إعلامية منظمة للتأثير في الرأي العام بشتى الوسائل وتحت مظلة العقل والمنطق والتنور، ولعل من أهم الأمثلة على هذه الحملات ما حدث ويحدث حتى الآن حول زلزال منطقة العيص غرب المملكة، إذ يبدو أن الحملة ما زالت قائمة بالرغم من مضي عدة أسابيع على اندلاع أول شراراتها.

من الواجب أولا الإقرار بالتجاوز الذي قد يحدث من قبل الإسلاميين المتشددين في الجانب الآخر، والذين اعتادوا في مثل هذه الأحداث على القيام بدورهم المفضل في ترويع الناس وتقريعهم، ثم صب جام غضبهم على الماديين والعلمانيين الذين يقصرون اهتمامهم على البعد المادي وينكرون وجود أي حكمة إلهية، ولا ينسون حتماً عادتهم في السخرية منهم ومن ضلالهم مكتفين بالاستشهاد بالنصوص وتراث السلف، فالإقناع يقف عند حد التذكير بما يراه "أهل العلم" من السلف، لأن عامة المسلمين لا يمكن لهم إلا أن يقنعوا بما قيل في ذلك العصر، وكل ما عداه من رأي فهو من التفلسف ووسوسة الشيطان!

إزاء هذا الانغلاق، قد يُفهم تطرف الرأي الآخر وانغلاقه أيضاً على رأيه بالرغم من تبجيله للانفتاح، وإن كان تفهمنا للخطأ لا يعني بطبيعة الحال الإقرار عليه. فإن كان من المفهوم أن يتبرم الليبراليون بهذا التسطيح في الرأي، فعلى أي أساس علمي يقوم رأيهم إذن؟

تقوم النظرية الليبرالية كلها على أساس أن الكوارث الطبيعية لا علاقة لها بذنوب العباد، فهي ليست أكثر من نتائج طبيعية لسلسة مقدمات تحدث باستمرار أثناء تصارع مكونات الطبيعة وتفاعل بعضها مع البعض الآخر، وهم يقفون متعجبين من "القصور العقلي" لدى الإسلاميين العاجزين عن فهم علاقة الأسباب بالنتائج، فكل ما يجري من كوارث قابلٌ للرصد والتفسير، وربما للتنبؤ أيضاً وحتى الوقاية والمنع.

وعليه، فإنهم يتساءلون في دهشة: كيف يمكن لهذه الحوادث التي نرى أنها تجري في طبيعة صماء جامدة أن تُنسب إلى أعمال الناس؟ وكيف يحق لنا أن نفسر أحداث الطبيعة بتفسيرات دينية طالما كان لكل منهما عالمه الخاص، مما يؤدي بنا إلى الإغراق في التفسير الخرافي والأسطوري البعيد عن الفهم والتعقل؟ ثم كيف تُنسب هذه الكوارث إلى ذنوب الناس في بلد ما في الوقت الذي يتنعم فيه الكفار في مكان آخر؟

هذه هي باختصار تساؤلات الليبراليين المفعمة بالحيرة والدهشة، وحتى التقزز، أما الجواب فيمكن إجماله بما يلي:

1 ـ إن الإقرار مسبقاً بوجود خالق ومدبر وقيوم على هذا الكون، سيصل بنا إلى نصف الطريق، فإذا كان هؤلاء الليبراليون يقرون عقلاً وقلباً بوجود الله تعالى وبخلقه لهذا الكون وباستمرار قيامه على شؤونه، فمن السهل جداً أن يُنسب إليه تعالى التصرف في خلقه، وذلك على النحو الذي لا يرفض فيه العقل نسبة إرادة ما يحدث في الكون إلى الله تعالى، سواء من استمرار للحركات والتفاعلات المنظمة، مثل دوران الأرض أو ما يطرأ من كوارث غير منظمة وغير دورية كالزلازل. ويمكن للمتابع أن يدرك إقرار جميع الليبراليين السعوديين بوجود الله في سياق كلامهم، وهو ما يحق لنا إلزامهم بما ينشأ عنه.

2 ـ إن الإيمان بالله تعالى وبصحة الوحي والسنة، يلزم الإسلاميين بالإقرار بأن لله سنناً كونية، فدلالة النصوص على ذلك لا جدال فيها، ولكن هذا الإيمان لا يعني بالضرورة أنها سنن لا يمكن خرقها، بل إن هذا الإيمان يُلزم الليبراليين في المقابل بالإقرار بأن الله قادر على خرق هذه السنن متى شاء ولأي سبب شاء، وهذا الإيمان يُلزمهم أيضاً بالتسليم عندما يقرؤون: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ}.

3 ـ عندما يرفض الليبراليون نسبة الكوارث الطبيعية إلى ذنوب الناس وعدّها عقاباً إلهياً، فإن رفضهم لا يقوم على أكثر من النظر إلى الأسباب الطبيعية والعجز عن فهم أي سبب آخر، فقولنا بأن كارثة ما هي جند من جنود الله التي يرسلها للعقاب أو التذكير، لا يعني أن تكون هذه الكوارث غير قابلة للدراسة العلمية، بل لا يتعارض ذلك حتى مع إمكانية التنبؤ بحدوثها مسبقاً، فالأمر لا يعدو أن يكون شدة وقعت بعد رخاء، مما يدعو الإنسان إلى التأمل في حاله مع الناس ومع الله تعالى، إذ لا شك في أن البشر جميعاً حتى الملحدين منهم يلجؤون إلى الله تعالى عندما يشعرون بالحاجة إليه، وهذه هي الحكمة الإلهية من الابتلاء الذي يتعرض له الناس، لذا فقد كان الصالحون يستبشرون بالمرض دون أن يتمنوه، لعلمهم بأنه يقربهم إلى الله تعالى ويرقق قلوبهم ويذكرهم بضعفهم وبزوال هذه الدنيا.

وعليه، فإننا نرفض قطعاً الوقوف عند التذكير بالذنوب والاقتصار على الوعظ والترويع والتقريع، بل نقرن هذا التوجه الروحاني بضرورة عدم إلجام العقل عن التفكر في سنن الكون ودراستها وإخضاعها للبحث التجريبي، وقد فرغ علماء الكلام المسلمون منذ مئات السنين من الجمع بين الإيمان والعقل، دون الوقوع في الخطأ الذي وقع فيه العلماء التجريبيون في أوربا مع بزوغ "عصر التنوير"، وهو الخطأ الذي تم تصحيحه تجريبياً في النصف الأخير من القرن العشرين مع انتفاء العلية والسببية في عالم فيزياء الكم.

والسؤال هنا: إذا كان العلمانيون الأوربيون في القرن السادس عشر قد تطرفوا في ماديتهم بسبب عجز تراثهم الكنسي عن التفسير والإقناع، فما الذي يدفع ليبراليي السعودية إلى الوقوع في الخطأ نفسه بعد كل هذه القرون؟ ترى هل هو الجمود السلفي؟.. أفضل أن أترك الجواب معلقاً.

4 ـ يكاد يجمع الليبراليون على مقولة "عقلية" ـ وهي جدلية بامتياز وليست برهانية ـ في سياق مناقشتهم لهذا الموضوع، والتي تقول: إذا كانت ذنوب أهل العيص هي السبب الكامن وراء الزلزال، فإن سكان "بيفرلي هيلز" في كاليفورنيا هم أولى منهم بالزلازل والعذاب.

وهي مقولة يمكن ردها إلى الشكل المنطقي التالي: إن (أ) تؤدي دائماً إلى (ب)، وهذا أمر لم يقل به أحد، فالقول بأن كارثة ما ـ سواء كانت فردية مثل المرض والفقر أو جماعية كالزلازل ـ هي رسالة إلهية إلى البشر لتذكيرهم بحقيقة الدنيا وإنذارهم من الإسراف في المعاصي، فإن هذا القول لا يعني أن الله تعالى قد ألزم نفسه بإرسال هذه الرسائل إلى كل العصاة.

ومن العجيب حقاً أن يدخل أحد الكتاب إلى هذا الموضوع من مدخل عاطفي، فيستغفر الله بالنيابة عن كل الإسلاميين الذين نسبوا الزلزال إلى ذنوب سكان العيص الطيبين، وكأن سكان هذه المنطقة من المسلمين قد عصموا أنفسهم من الخطأ!.. بيد أن ضحالة ثقافة هذا الكاتب تقف دون إطلاعه على ما يقول به علماء المسلمين من أن شدة الابتلاء تزيد طرداً مع زيادة التقوى والقرب إلى الله وليس العكس كما يتوهم، إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: |عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" [رواه الترمذي وقال حديث حسن]، وقال: "أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل" [رواه أحمد].

وعليه، فإن أقصى ما نقوله هو أن ما يتعرض له المسلمون من زلازل لا يعني الطعن في دينهم، بل هو تذكير لهم ولمن حولهم من المسلمين، فضلاً عن كونه خيراً اختاره الله لهم للموعظة قبل حلول موعد الحساب الذي لا عودة بعده. (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:42-44]، فالحكمة من البأس والضرر هي دفع الناس إلى التضرع واللجوء إلى الله.

وقد اعتاد المسلمون طوال تاريخهم، الذي لم تتأثر فيه عقولهم بعلمانية الغرب على هذا التفسير الذي لا يتعارض فيه الدين مع العقل، إذ أخرج ابن أبي شيبة في المصنف بسندٍ حسن عن صفية بنت أبي عبيد زوجة عبد الله بن عمر قالت: [زلزلت الأرض على عهد عمر حتى اصطفقت السرر، فخطب عمر الناس، فقال: أحدثتم، لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم] أي: ما حصل إلا بسبب ذنوب اقترفتموها. كما وقعت هزة أرضية في عهد عمر بن عبد العزيز فكتب على إثرها إلى أهل البلدان: "إن هذه الرجفة شيء يعاتب الله به عباده، فمن استطاع أن يتصدق فليفعل؛ فإن الله يقول: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى)".

5 ـ أما الدليل القطعي الذي أضعه بين أيدي كل المعترضين، فهو قوله تعالى: "وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضّرعون * ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون"، [الأعراف: 94- 95]، فهاتان الآيتان من سورة الأعراف تقطعان بأن الله تعالى يبتلي الأمم على مر التاريخ، وأنه في كل عصر وبعد كل ابتلاء يبدل الله تعالى بالشدة رخاءً، فيأتي الجيل التالي ويقول لقد مر آباؤنا بالرخاء حيناً وبالشدة حيناً آخر، وهذه من عادة الطبيعة ولا علاقة لها بعقاب الله.. وهكذا إلى أن يأتيهم العذاب كما أتى الذين من قبلهم. وأعتقد أن هاتين الآيتين اللتين لم يأت على ذكرهما أحد ممن يناقشون هذه القضية كافيتين للبت في الأمر، فلله الأمر من قبل ومن بعد، إن شاء عفى، وإن شاء أمهل، وإن شاء عاقب بما يشاء ولمن يشاء..

بقلم أحمد دعدوش
المصدر
http://alasr.ws/index.cfm?method=home.con&ContentId=10929

طه الزروق
24-06-2009, 06:07 PM
السلام عليكم :

القصور في فهم الدين و التكلم بلسانه رغم القصور..مطبة إخواننا المدافعين عن الدين سياسيًا..أو الإسلاميين بمصطلح الساحة..بعضهم لا أقول جلهم..

إنها دعوة لمراجعة الخطاب الديني..لتبليغ الرسالة بلسان العصر و على قدر عقول الأمة..و ليس للتجرد من حتمية الدين...بل أن تجعل حتميته واقعًا مُعاشًا...

شكرا أخي على الموضوع الممتاز...