المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قناة العرب الكبرى



kfinjan
09-07-2009, 12:23 PM
قناة العرب الكبرى

مشروع مستقبلي عملاق يخترق صحراء الجزيرة العربية

دراسة نشرتها جريدة الزمان بعددها 3335 في 30/6/2009

كاظم فنجان الحمامي
قنوات بحرية تتحدى شعاب الصحاري العربية. وتخترق صمتها الأبدي. وتخرجها من عزلتها الأزلية . . وتيارات مائية تقتحم رمال البوادي الجافة, وتتغلغل في قلب صحراء النفوذ القاسية. وتتدفق في ممرات محفورة عبر صحراء الدهناء القاحلة . لتقطع سكون البيئة الشحيحة. فتلبسها حلة البساتين الخضراء, وتمنحها روعة الجنائن المزدانة بالواحات والرياض والحقول الغنية بالأشجار الباسقة . . ومياه بحرية مالحة كالسم الزعاف. تغيرت تركيبتها اللاذعة بتركيبة مختلفة تماما, بعد معالجتها في محطات التحلية. فتصبح مياها رقراقة, عذبة المذاق.. فتفيض في جداول الدهناء بالماء الفرات, وتتدفق في انهار النفوذ. وتروي بساتين وواحات الجزيرة العربية, وتسقي حقولها المستقبلية المترامية الأطراف بسيل من المياه التي ستجري كالشهد. . أما مياه الخليج العربي فستغير مساراتها وتلتقي مباشرة بمياه البحر الأحمر عبر ممر بحري داخلي يسمح لمرور سفن البحار, التي ستمخر في قناة ملاحية عملاقة بطول 1800 كيلومتر. تقطع خلالها الجزيرة العربية, التي كانت حكرا على سفن الصحراء. . سفن وزوارق تقلع من موانئ العراق والكويت والسعودية والبحرين وقطر والإمارات, وتغادر مياه الخليج العربي متجهة صوب البحر الأحمر, ومنه إلى قناة السويس فالبحر الأبيض المتوسط. مختصرة الطريق إلى أوربا, ومبتعدة عن كل المضايقات المحتملة. ومن دون أن تضطر إلى عبور مضيق هرمز, أو المرور بخليج عمان. أو البحر العربي. أو مضيق باب المندب. . سفن للركاب تقلع من ميناء الرياض. وسفن تجارية ترسو على ارصفة ميناء القصيم. وسباق للزوارق السريعة. يجري سنويا في الممر الملاحي ما بين الرياض والقصيم. ومجاميع من المتفرجين يصطفون على كورنيش الرياض بانتظار توزيع الجوائز على الفائزين. . قناة بحرية أخرى تشق طريقها في الصحراء الإماراتية. يبلغ طولها 75 كيلومترا, وعرضها 150 مترا, وعمقها ستة أمتار. يطلق عليها (قناة العرب) وستكون متاحة للسفن التي لا يزيد طولها على 40 مترا . .
كانت تلك المشاهد مجرد صور مستقبلية متوقعة لمشاريع إستراتيجية طموحة تلامس سقوف الخيال, وتقهر المستحيل, وتقتحم قلعته المنيعة. . مشاريع مصيرية ومستقبلية تتحدى كل الصعوبات, وتتجاوز خطوط كل العقبات. انبرت لها العقول المستنيرة, المسلحة بالإيمان, وبالعلم والمعرفة, وبالحماس والإرادة الفولاذية الصلبة, وبعزيمة لا تلين مهما ارتفعت جدران التحديات الكبرى. . أنها مشاريع سياسية, وسيادية, وأمنية, واقتصادية, وبيئية, وزراعية, واجتماعية, وحضارية, وسياحية. سترى النور في القريب العاجل. وسيكتب لها النجاح في الجزيرة العربية بأذن الله. بعد أن توفرت لها كل المقومات والعوامل والظروف اللازمة لتنفيذها على الأرض. . قد يتصور بعض المحبطين واليائسين والفاشلين أن هذا الكلام مجرد هلوسة وأضغاث أحلام. ومنهم من يظن أنها أفكار متطايرة بلا أجنحة في فضاء الخيال الواسع, ولا تنتمي إلى الواقع . ومنهم من يعتقد أن هذا الكلام فيه الكثير من المبالغة والتهويل. . ومصيبة هؤلاء إنهم لا يؤمنون بالقدرات الإبداعية الخلاقة, التي وهبها الله تعالى للإنسان. وها هو العلم كل يوم. يؤكد لنا عظمة تلك الهبة الربانية. حيث يثبت لنا كل يوم أن الإنسان لديه من القدرات ما لا يمكن حصرها. فهيأ له كل ما في الكون. وسخر له البحار والأنهار. وقال سبحانه : (( ألم تروا أن الله سخّر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة )). وان هذا التسخير يتطلب من الإنسان أن يبذل جهده ويواصل العمل الدءوب. ويوظف مهاراته ومواهبه. نحو فتح مغاليق الطاقات المتاحة. ليستخدمها في ما يعود على المجتمع بالنفع والخير والازدهار. . فطريق النجاح يبدأ بحلم, أو بأمنية, أو بمقترح, أو بمبادرة, أو بفكرة تسيطر على العقل وتدفعه دفعا لتحقيقها. ولو استعرضنا أمثلة للمشاريع الناجحة في هذا المضمار. لوجدنا أن اغلبها انطلق من فكرة بسيطة لكنها عظيمة. فكرة نسجتها العقول المبدعة, وحولتها إلى صروح حضارية شامخة. . فمن كان يصدق أن مياه المحيط الهادي ستلتقي بمياه المحيط الأطلسي. عبر قناة بحرية يحفرها الإنسان, ويهذبها لكي تكون صالحة لمرور السفن العملاقة ؟؟. . وها هي قناة بنما التي حفرت عام 1914 في الصخور الجبلية الجبارة. لتمهد الطريق أمام السفن, في قناة ملاحية متدرجة, وفريدة من نوعها. يبلغ طولها 80 كيلومترا. تشهد على قدرة الإنسان على تحدي المستحيل. . فما بالك ونحن نتكلم عن قناة ستحفر في ارض رملية هشة. وتربة رخوة سريعة التفتت. ثم أن المعدات والآليات والحفارات الحديثة التي ستستخدم في حفر قناة العرب الكبرى تتفوق كثيرا من حيث الكفاءة والسرعة في الأداء والقدرات الإنتاجية على المعدات البدائية التي استخدمت في حفر قناة بنما للمدة من 1904 إلى 1914 . .
ومن كان يصدق أن مياه البحر الأحمر ستلتقي بمياه البحر الأبيض المتوسط عبر قناة تحفر على حافة صحراء سيناء المعروفة بصلابة حجارتها وقساوة تربتها ؟؟. . وها هي قناة السويس تقف اليوم بشموخ كشاهد إثبات على قدرات الإنسان الخلاقة. وطموحاته التي ليس لها حدود. . ومن كان يصدق أن القناة الهندية الشهيرة. المعروفة باسم (نهر انديرا غاندي) والتي حفرت في صحراء (راجستان). ويبلغ طولها 400 ميل. ومجموع أطوال تفرعاتها النهرية حوالي 5600 ميل. وتروي مزارع بمساحة سبعة ملايين فدان, ستحفرها النساء الهندوسيات الفقيرات الضعيفات بأيديهن وسواعدهن, وفي ظروف قاسية ؟؟. . وهناك تجارب عربية أخرى نجحت في شق الأنهار, وحفر الممرات المائية, وبناء القنوات الملاحية في المناطق الصحراوية القاحلة. . مثال على ذلك. نذكر أن العراق نجح في عام 1983 في حفر نهر جديد يربط الفرات بخور (الزبير). اسمه (شط البصرة), ويبلغ طوله 37 كيلومترا. وهو صالح للملاحة. ويعد من الطرق المائية الداخلية في العراق. إضافة إلى كونه منفذا ملاحيا جديدا على الخليج العربي. . وقام العراق أيضا بشق نهر آخر. اسمه (المصب العام) عبر المقطع الشرقي للبادية الجنوبية. يتألف من مرحلتين. المرحلة الأولى بطول 156 كيلومتر. وتبدأ من مبزل (المسيّب) قرب النعمانية, حتى مبزل (الشطرة) شمال غرب (ذي قار). أما المرحلة الثانية فشملت ربط المرحلة الأولى بالخليج العربي, عن طريق قناة بطول 172 كيلومتر. تبدأ من شمال شرق (ذي قار). وتنتهي عند (شط البصرة), وجميع هذه الأنهار حفرت بالمعدات المحلية التقليدية, والحفارات الحقلية البسيطة. ومن دون أن تشترك في تنفيذ المشروع أية شركة أجنبية. . وباشرت مصر في العام 1997 بشق ترعة عملاقة للري. تبدأ من بحيرة (ناصر) أمام (السد العالي). وتنتهي بواحة (الفرافرة) شمال محافظة (الوادي الجديد). تخترق في طريقها شرق (العوينات). ثم تمتد إلى واحة (باريس) جنوب الخارجة. ويبلغ طولها في هذا المقطع 350 كيلومترا. ثم تواصل طريقها إلى واحة (الداخلة). ثم (الفرافرة). لتصل في مرحلتها النهائية إلى 850 كيلومترا. . وفي نية مصر حفر قناة بحرية أخرى. ستشق طريقها من البحر الأبيض المتوسط إلى منخفض (القطارة) في الصحراء المصرية. ومن المحتمل أن يبلغ طولها نحو 55 كيلومترا. ومن المؤمل أن تخلق تجمعات عمرانية وحضارية جديدة. . وهناك قناة بحرية أخرى من المؤمل أن تشق طريقها في صحراء (النقب) وتحيي الصحراء الأردنية باتجاه غور (الصافي). وقنوات بحرية محفورة أخرى خطط لها من اجل إنقاذ البحر الميت من الجفاف الذي بات يحوم حوله. . وباشرت دبي قبل حلول عام 2008 بتنفيذ مشروع قناة العرب Arabian Canal تبلغ تكلفته 11 مليار دولار. يتألف من جزيرة عائمة على قناة مائية صناعية بطول 75 كيلومترا . تصل بين واجهة دبي البحرية شرقا, حتى مطار دبي الدولي الجديد, ومن ثم تعود باتجاه جزيرة النخلة (جميرا). وستسهم هذه القناة في إنعاش الحياة الصحراوية. وستكون معلما بارزا. وواجهة سياحية لأبناء الإمارات وزوارها. ويتضمن المشروع توسيع الواجهة البحرية على مساحة 20000 هكتار. وبطول 33 كيلومترا, وذلك بمحاذاة منطقة الجزر الواقعة على القناة المائية. والى الشرق من المطار الدولي الجديد. وستتغلغل القناة في أعماق الصحراء وتدور حول مطار جبل علي الدولي (قيد التنفيذ الآن). وتعود لتصب في البحر مجددا. ومن المؤكد ان هذه القناة ستكون صالحة لمرور السفن. . ودعونا الآن نتكلم عن قناة العرب الكبرى. المزمع حفرها في صحاري المملكة العربية السعودية. وهي قناة مائية تربط البحر الأحمر بالخليج العربي. . وكان أول من فكر بها, وتعمق في دراستها. هو الباحث السعودي المتميز ( الأستاذ فايز بن سعيد الشهراني) . . تبدأ القناة من ساحل رأس الخفجي الواقع على الخليج العربي. وتمر بصحراء النفوذ الكبير حتى تصل إلى منطقة الدرع العربي. في مكان يقع بين جنوب تيماء وشمال العلا. وتصب في البحر الأحمر بالقرب من مدينة الوجه. وتتفرع منها قنوات فرعية باتجاه الشمال والجنوب. . وسنرى كيف أن هذه القناة الأسطورية ستمثل قفزة قياسية هائلة لم يسبق لها مثيل. ووثبة هندسية وعمرانية مذهلة. وثورة اقتصادية عارمة. لأنها ستحيي الصحراء الخاملة. وتبث الروح في الرمال الخامدة. وترسم وجها حضاريا مشرقا لتلك البوادي القاحلة. وتفتح للخليج العربي منفذا ثانيا على بحار الله الواسعة. وتقلب كل الموازين والحسابات السياسية والأمنية والعسكرية والتجارية والتنموية والزراعية رأسا على عقب. . فالموانئ الواقعة على ضفاف حوض الخليج العربي. ليس لها أي منفذ على بحار الدنيا. إلا من خلال مضيق هرمز. وهو الآن البوابة الوحيدة التي تمر منها كل السفن والناقلات المغادرة والقادمة من والى موانئ الخليج العربي. . وعلى هذا الأساس فإن القناة الجديدة ستمنح بلدان مجلس التعاون الخليجي حرية الحركة الملاحية خارج الضغوط التي تولدها الظروف الجغرافية والسياسية غير المستقرة. . ثم أن هذه القناة الجديدة ستقدم خيارات ملاحية أضافية للسفن المترددة على الخليج. وأنها ستكون مفضلة على الخيار الوحيد المتمثل بمضيق هرمز. فالقناة الجديدة ستختصر الطريق, وتقلص الفترة الزمنية اللازمة للوصول إلى قناة السويس. وتوفر للسفن كمية كبيرة من الوقود المستهلك. وترسم لها مسلكا آمنا من العواصف والتقلبات البحرية السائدة في البحر العربي, والمحيط الهندي. . ثم أن هذه القناة العملاقة ستسهم في نقل المياه البحرية إلى قلب الصحراء التي تعد اكبر مستودع للطاقة الشمسية. .وهذا يعني توفر المورد المائي الذي لا ينضب, وتوفر مصدر الطاقة التي لا تنضب. ويعني أيضا إمكانية استغلال الطاقة الشمسية في تحلية المياه المالحة وإنتاج كميات هائلة من المياه العذبة, التي ستغمر الجداول والسواقي. فتروي الصحراء العذراء, التي لم تزرع من قبل. . وأكاد اجزم هنا على أن المدة الزمنية اللازمة لحفر تلك القناة ستكون اقل بكثير من المدة التخمينية أو التصميمية للمشروع. وذلك من خلال إتباع خطة تقضي بوجوب المباشرة بتنفيذ عمليات الحفر في كل المقاطع والأجزاء دفعة واحدة. وبخطوط متوازية. واستخدام الحفارات الميدانية المتحركة في قشط الطبقات العليا. وإزالة الطبقات الوسطى لمقاطع القناة. أما الحفارات البحرية فينبغي أن تباشر عملها من الجهتين (الخليج والبحر الأحمر). وستكون محددة بالحفارات القاطعة الماصة من نوع ( Cutter suction Dredger ) وبإحجام وقدرات إنتاجية متباينة, بحيث يسمح للحفارات ذات الغاطس الأقل بالتغلغل في العمق الصحراوي, وتهذيب الأعماق إلى مستوى متفق عليه. ثم تتبعها الحفارات ذات الغاطس الكبير, والتي تتميز بالقدرات الإنتاجية العالية. . أن هذه الحفارات الجبارة. القادرة على التهام الحصى, وسحق الحجارة. لم تكن موجودة في العصور التي حفرت فيها قنوات السويس وبنما. أو أنها لم تكن بمستوى الكفاءة الإنتاجية للحفارات المعاصرة. . وبالتالي فان أدوات ومعدات الحفر والتعميق الحديثة ستكون في متناول اليد. وان حالة التمدن والتحضر ستطغي على الصحاري المنطوية على كثبانها الرملية منذ آلاف السنين. . ختاما نذكر أن المملكة العربية السعودية بوجه خاص. والدول العربية بوجه عام في أمس الحاجة للإسراع بتنفيذ هذا المشروع المستقبلي الكبير. . فالمملكة العربية السعودية مطالبة الآن بالتصدي لمشكلة ندرة المياه العذبة. وانخفاض المنسوب السنوي للأمطار. وتوفير المزيد من المياه العذبة للأعداد السكانية المتنامية. ومعالجة تردي أوضاع المزارع بسبب شحة المياه. . وان جميع هذه المشاكل والظروف القاسية لا يمكن معالجتها إلا من خلال حفر هذه القناة وإيصالها إلى قلب الصحراء. . ثم أن مشكلة الاختناق الملاحي الذي قد تتعرض لها رئة الخليج الوحيدة. المتمثلة بمضيق هرمز. وظروف الأمن الملاحي اللازمة لتأمين سلامة ناقلات البترول والغاز الطبيعي. تحتم على دول مجلس التعاون ضرورة البحث عن المنافذ الأخرى المتاحة. وبالتالي ستكون لديها الحرية الكاملة في رسم المسارات الآمنة لسفنها وناقلاتها. . أن تبني مثل هذا المشروع سيؤدي حتما إلى سيطرة المملكة العربية السعودية على أهم ممر ملاحي في العالم. . وسيؤدي إلى التوسع في القاعدة الاقتصادية للمملكة وتنويع مصادرها ومواردها الوطنية. وتحويل البوادي إلى مراكز تجارية ومالية عالمية. وإكساء الصحاري بالبساتين الخضراء. التي تتخللها البحيرات والواحات الترفيهية والسياحية. وسيؤدي المشروع إلى تحقيق مكاسب أخرى تقف في مقدمتها الأهداف الرامية إلى توفير كميات كبيرة من المياه العذبة. وتحقيق الاستفادة المثلى من الطاقة الشمسية. . ختاما نقول إن المشاريع الأسطورية تبدأ بحلم. فان لم يكن لديك حلم. لن يكون أمامك هدف. أو دافع. ولكي يتحول الحلم إلى حقيقة لابد من وجود خطة. فالخطة هي الدليل الذي يقودنا خطوة خطوة نحو النجاح. . وان الانجازات الأسطورية العظيمة نتاج خطط عظيمة. وأهداف سامية. وخطوات صحيحة. وضعت على الطريق. في الاتجاه الصحيح. نحو بلوغ الهدف المنشود, وتحقيق الحلم الموعود, الذي سيجعل العرب يمتلكون اكبر قناة ملاحية داخلية في العالم. ومن الله العون والتوفيق. .