المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما الذي تغير في تونس حقا؟



إسلامية
01-08-2009, 12:52 AM
كثيرا ما تبادر إلى ذهني سؤال مفاده: ما الذي تغير في تونس يجعل بعض الكتاب و بعض المنظمات الدولية تشيد بما نجح في صناعته الرئيس زين العابدين بن علي و قرينته، و ظننت كما ظن غيري أن قرار منع الحجاب قد ألغي بقرار رسمي، و أن الحجاب لم يعد "لباسا طائفيا" في سياق الخطاب الرسمي التونسي، و اعتقدت أن الرئيس التونسي فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة لمنافسيه لأجل منافسة شريفة يختار الشعب فيها من يراه الأصلح و الأجدر لقيادته إلى بر الأمان بعد أكثر من عشرين سنة من الإفلاس السياسي و الاقتصادي و الأخلاقي و الاجتماعي، و ظننت أن هنالك قرار بفتح الباب لعودة الحركات السياسية الشعبية و الإسلامية البناءة و المسالمة للعمل السياسي وفق ما يمكن أن تقره أخلاقيات الدول الكبيرة، لكني صعقت و أنا أقرأ حكاية أكاديمي تونسي قرر الترشح للانتخابات المقبلة، و مع أنه جمع التوقيعات المطلوبة مثلما جمع الأوراق الرسمية الخاصة بترشحه، إلا أن نهايته كانت في مستشفى الأمراض العقلية، بعد أن ألقى الأمن التونسي القبض عليه ، و بدل حمله إلى السجن ( لأنه لم يرتكب جنحة مدنية) فقد أحيل إلى مستشفى الأمراض العقلية لأنه تجرأ و قرر الترشح للانتخابات التي يريد الرئيس التونسي ـ الذي لا يقل "فبركة" عن نظيره الجزائري ـ بتحويل الجمهورية إلى مملكة و لو بإحالة المنافسين إلى مستشفيات الأمراض العقلية لمجرد حلمهم بتغيير نظام الحكم من ديكتاتوري إلى "تكنوقراطي"!! فما الذي تغيّر حقا في تونس؟

تونس أحسن بلد عربي في جودة المعيشة!
قبل أيام نشرت إحدى المنظمات الفرنسية أن تونس تحتل المرتبة الأولى عربيا في مستوى المعيشة الأحسن، اللهم لا حسد، لكن المثير للدهشة ان تلك المنظمة الفرنسية اليهودية ( رئيسها يهودي صهيوني لا يخفي تطرفه) ربطت التحسن مستوى المعيشي في تونس بعدد المواطنين الذين يملكون هاتف خلوي معتبرة أن ثمة نمو هائل في مجال الهواتف النقالة، من حيث الإقبال عليها، فالمواطن في تونس يحصل على هاتف نقال بداية من 12 سنة!! بمعنى أن 63% من التونسيين لديهم هواتف محمولة بشكل دائم! تلك هي النقطة الوحيدة التي جعلت تونس تحتل المرتبة الأولى عربيا في منظور الجمعية التي لم تعد تنتقد منذ ثلاثة أعوام وضع المواطن التونسي البسيط الذي يعيش ربع مليون مواطن في بطالة حقيقية، في غياب الحرية الشخصية في العبادة و الممارسة السياسة التي ليست بالضرورة مسلحة و لا متطرفة، بل مجرد توجيه الانتقاد الصغير إلى سياسة زين العابدين بن علي يعني الحبس دون محاكمة، لا أحد أصبح منذ أكثر من ثلاث سنوات ينتقد السلطات التونسية كما الماضي، و لا حتى المنظمات الحقوقية التي كانت تلعب لعبة القط و الفأر مع زين العابدين بن علي لأجل مصالح آنية و ضيقة، حتى فرنسا التي كانت تنتقد تونس سياسيا أصبح نيكولا ساركوزي يتكلم عنه كما تكلم جورج بوش عن شارون بعبارة " الصديق الديمقراطي"، ليس لأن ساركوزي حريص على تواجد تونس في " الكونفدرالية" المتوسطية التي بناها لأجل أن تستثمر إسرائيل اقتصاديا فيها، بل لأن المصالح الدولية تغيرت اليوم، إلى درجة أن تونس تحولت إلى " جنة " في منظور مجلة باري ماتش التي قبل عشر سنوات اتهمت زين العابدين بن علي بأنه أسوأ ديكتاتوري عرفته تونس، و تحول نفس الشخص إلى " رجل براغماتي عرف كيف يقود تونس إلى التطور بعيدا عن الإرهاب الذي أنهك قوى الجزائريين! ". نعم يجب القول هنا أن ثمة ما تغير في تونس، من حيث نفاق الجمعيات الحقوقية التي تبنت سياسة غض البصر أمام التجاوزات غير الإنسانية للنظام ضد مواطنيه، بدءا بحرمانهم من حقوقهم المدنية في اختيار سليم لممثليهم في البلديات و الولايات، و مرورا بمنع حق المواطنة الحقيقية للمرأة التي تملك العصمة في يدها ولا تملك حق ارتداء الحجاب وفق إرادتها و ليس وفق إرادة وزير الشؤون الدينية الذي يصر على القول أن حجاب المرأة لباس طائفي! مع أن 12 ألف فتاة تونسية وقعت عريضة في موقع " بتيسيون" للمطالبة بحق ارتداء الحجاب و كن ما بين 15 و 33 سنة، بمعنى أنهن من جيل جديد نهض على حب الدين رغم كل الحصار القائم عليه في دولة القيروان، و إن لم تعد المنظمات الفرنسية تنتقد تونس اليوم فلأن الرئيس زين العابدين بن علي فهم جيدا الطريق الوحيد الذي يقود إلى "سعادة" الأوروبيين، و المتمثل في الأول و الأخير في حماية الأقليات اليهودية المتواجدة في تونس على حساب الأكثرية المسلمة، و حماية المنظومة الليبرالية الغربية المتمثلة في الفساد بكل تفاصيله السياسية إلى الاجتماعية بدليل أن مجلة "باري ماتش" تكلمت عن " الفكر الجديد في تونس و الذي كان سباقا إلى فهم التطرف الديني و ردعه من الداخل" و كأن زين العابدين بن علي يستخلص تجاربه السياسية القديمة في عبارة :" أنا الزعيم "!!

"إسرائيليون" يصلّون للنظام التونسي:
ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن آلاف اليهود من بينهم 600 "إسرائيلي" تدفقوا هذا الأسبوع على جزيرة جربة في جنوب تونس للقيام بزيارتهم السنوية لمعبد الغربية، و كانت السلطات التونسية قد خصصت لهؤلاء مئات من رجال الأمن لحراستهم و العمل على راحتهم، و قالت الوكالة أن اليهود قدموا من فرنسا و إيطاليا و "إسرائيل" و بعضهم نزل من الطائرة باللباس الديني اليهودي و تم نقلهم من المطار في سيارات خاصة إلى المنطقة التي سوف يزورونها للتعبد، بعد أن صرح رئيس البعثة اليهودية " رينيه طرابلسي" عن جزيل امتنانه للسلطات التونسية و للرئيس التونسي و عقيلته شخصيا على الكرم و الترحيب و العناية و الحراسة الأمنية المشددة التي تجعلهم يشعرون أنهم في بلدهم، و أضاف أن اليهود يصلون لأجل الرئيس التونسي على ما يصنعه لأجلهم! و إن جاء التصريح بهذه الطريقة المباشرة من يهودي معروف بتطرفه، إلا أن التصريح لم يكن جديدا، فالنظم العربية معروفة بكرم الضيافة مع اليهود، إنما المثير أن الدستور التونسي الذي يرفض اللباس الطائفي، لم يمنع دخول "الإسرائيليين" بلباسهم الديني اليهودي و الذي يعد الأكثر تطرفا في العالم كله، في الوقت الذي يتربص رجال الأمن بالمواطنين في الشوارع، و يجردون النساء من مجرد غطاء الرأس لأنه يرمز إلى " التطرف" و يحذرون كل من يطلق لحيته لأن اللحية مرتبطة بالإرهاب. فكيف يمكننا بعدئذ الحديث عن التغييرات الإيجابية الطارئة في تونس، و أي تغييرات طرأت حقا لنعرفها و نباركها إن كانت تصب في حماية الإنسان من شرور النظم الشمولية التي تحكمه عن إصرار في القتل النفسي. و أرجو ألا يعتقد القارئ أننا ننتقد الشعب التونسي، على العكس، نحن نعي أن الشعب التونسي أصيل بفطرته، مثله مثل الشعوب المغاربية التي تعيش تحت أحذية الطغمة الحاكمة التي حوّلت الجمهوريات إلى ممتلكات خاصة و إلى مملكات و المملكات إلى ديكتاتوريات مغلقة يدريها أفراد الأسرة الحاكمة على حساب الأغلبية المسحوقة. و ما يجري في تونس لا يختلف قيد أنملة عما يجري في الجزائر و المغرب و ليبيا و موريتانيا، و هي حقيقة نقولها بكل أمانة، لكن الذي يبدو أنه تجاوز المدى هو أن تنفرد السلطة التونسية في احتكار السلطات المناوئة للتقاليد و الثقافة الدينية المبنية على أبسط المحاور: حرية العقيدة، وفق ما يمكن أن تعنيه الحرية من سقف بسيط على الممارسة، ففي تحجيم الأفكار البناءة التي تسعى إلى التغيير الجذري، مقابل وضع كل الإمكانيات المادية و الأمنية لحماية يهود يأتون للحج و الصلاة في مناطق تونسية فهذا اسمه التناقض، لأن اليهود الذين يتمسحون بمعبد اكتشفوه قبل ثلاثين سنة بشكله الرسمي هذا، و حولوه إلى مزار مقدس فقط لأنه في دولة مغاربية إستراتيجية بالخصوص و أن العديد من التقارير التي بعضها نشر في صحف صهيونية تكلم عن مشاركة فعلية لبعض اليهود من "جربة" في عمليات تصفية جسدية طالت مناضلين فلسطينيين في الثمانينات من القرن الماضي، و هذا الاعتراف "الإسرائيلي" كان يكفي لإغلاق المعبد كي لا يتحول إلى بقعة استيطانية يهودية جديدة على أرض القيروان، و إن كان النظام التونسي حريص على ديانات اليهود ، فنظن أن ديانة شعبه تستحق الحرص أكثر بالخصوص في هذا الوقت الذي كشفت فيه صحف كثيرة تصدر في الخارج عن تزايد الوعي الديني في تونس، و هو ما لن يسعد النظام الخائف على الكرسي أكثر مما يخاف على كلمة الحق، و طالما الرئيس زين العابدين بن علي يعطي ليهود جربة كل الصلاحيات للعبادة و للباس الديني اليهودي على أرضه في جربة، فالأقربون أولى بالمعروف، و ليس أبسط ما يمكن أن يصنع قناعة التغيير هو عدم الوقوف في وجه الشباب المتدين الذي يحق له تأسيس منتديات دينية دون أن يكون مراقبا من مخابرات بلده كما لو كان مشبوها أو مشروع إرهابي! سيقول قائل أن هذه الإشكالية موجودة في أغلب الدول، و أنا متفقة أنها موجودة في كل الدول، لكن الذي يبدو استثنائيا في هذا الوقت أن نقرأ عشرات المقالات عن التغيير الإيجابي الحاصل في تونس، بما في ذلك بعض الأقلام التي نحترمها و نعي أنها تكتب عن حسن نية، كما نفعل اليوم، لأن القصد ليس انتقادا بسبب الحقد، بل انتقادا حصرا على التنبيه، و حرصا على قول كلمة حق بأن الأنظمة المغاربية لن تهنأ حتى تخلي عاليها واطيها! ليتسنى لليهود زيارة جربة التونسية، وزيارة المعابد اليهودية في المغرب (عدد 9معابد) و معبدين في مدينة تلمسان الجزائرية، و ما خفي كان أعظم!


http://almoslim.net/node/115231 (http://almoslim.net/node/115231)