المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف نتجنب الخسارة في أسواق المال



محمد السويسي
12-08-2009, 07:33 PM
إن الهدف من إنشاء الأسواق المالية أو البورصة هو من أجل جذب أموال أكبر عدد ممكن من الأشخاص ، من خلال بيع الأسهم ، للمشاركة في عمل تجاري كبير يحتاج لتضافر الجهود ، على أن توزع الأرباح بالعدالة والتساوي عن كل سهم ، وذلك وفقاً للتعريفات الإقتصادية والتشريعات القانونية . ولكن هل هذا مايجري فعلاً ؟ أي هل أن الأرباح توزع بالعدل والتساوي دون أي أعمال مخادعة ؟ ومن هنا نبدأ لنعرف الجواب الشافي.

إن العالم الغربي هو من أنشأ أسواق البورصة التي تطورت في العالم الأمريكي الجديد مع التوسع التجاري الهائل في قارة عظيمة . وكان الأمر يجري بعدالة حيث كان يجتمع مجموعة من الأشخاص ، كما في أي عمل تجاري يحتاج إلى تضافر ، ليعلنوا عن إنشاء مشروع ما ، كخط سكك الحديد مثلاً أو مصنع إسمنت ، ويعطوا كل مساهم في هذا المشروع صكاً مالياً مقابل مشاركته ، على أن توزع الأرباح بعد نهاية المشروع ، أو عند نهاية كل عام ، أو وفق زمن متفق عليه ، على أن يكون هذا المبلغ بمثابة دفعة على الحساب من أصل الأرباح . ولقد سمي هذا الصك سهماً لاشتقاقه من كلمة مساهمة ليتطابق ومضمونه .

ولكن مع التعقيدات المالية والمصرفية التي رافقت التطور المديني لولاية نيويورك كعاصمة مالية وإقتصادية لأمريكا والغرب ، فإنها قد استقطبت الرأسماليين الأوروبيين من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ، منذ القرن التاسع عشر ، الذين بدأوا يضعون يدهم على الصناعات الأمريكية منذ مطلع القرن العشرين بشكل كثيف ، وعلى الإعلام وإدارة الشركات . ولقد تعزز دورهم المالي بعد الحرب العالمية الثانية حيث ضخت أمريكا الدولار بكثافة داخلياً وخارجياً ، الذي كانت تطبعه دون تغطية ذهبية بموجب إتفاقية برايتون وودز العام 1933 ، وتنفقه بشكل قروض لأوروبا ومعونات لإعادة إعمارها ، وفي الداخل في شكل قروض مفتوحة دون ضمانات تقريباً لتطوير الصناعات الحربية والكهربائية والآليات على أنواعها وصناعة الصلب والزراعة مع تعميم الضمانات الإجتماعية والصحية ، بالإضافة إلى رفع الأجور مما أوجد إنفاقاً هائلاً أدى إلى تضخم مالي سريع . فكان لابد من إستنباط الأسواق المالية وتطويرها أو بالأحرى توسيع مهماتها ودورها بشكل غير معلن لامتصاص الفائض النقدي بترافق مع نظام ضريبي تصاعدي إلى أعلى حد ممكن يسد حاجات الخزينة من خلال أرباح الأسواق المالية ، حيث كان سوق البورصة في نيويورك أهمها ، لتعاونه بصورة غير معلنة مع الحكومة الأمريكية من خلال التلاعب باسعار الأسهم بأسلوب إغرائي معين ، بهدف رئيسي ، هو إمتصاص الفائض المالي لدى المواطنين للمحافظة على القوة النقدية للدولار .

وأعيد شرح الموضوع بشكل تفصيلي مبسط أبدأ به من طرح الأسهم بالأسواق كالتالي :
كل مشروع تجاري يتطلب مالاً كثيراً يُؤسس من خلال مجموعة من الأفراد بنسب متساوية أو متفاوتة على أن توزع الأرباح فيما بعد وفقاً لمساهمة كل فرد .
ثم تطور هذا الأمر مع ضخامة المشاريع إلى شركات مساهمة طرحت صكوكاً بمثابة دين على الشركة عرف مفردها بالسهم – مشتق من كلمة مساهمة – بحيث يمكن للآلاف ، بل لعشرات الآلاف من المواطنين المشاركة في المشروع التجاري للشركة بهدف الربح . والأصل في المشاريع التجارية المساهمة ،أن السهم يظل على سعره الأصلي لعام كامل حتى توزيع الأرباح وعندها ينظر برفع سعره أو طرح أسهماً جديدة ، ولكن القادمين الجدد من أوروبا عمدوا بطريقة إحتيالية إلى التشجيع على التلاعب بالأسهم بحيث يرفعون أسعارها ويخفضونها عشوائياً بناء لإرادتهم ومصالحهم وليس لإرادة المساهمين أو مصالحهم أو واقع السوق ومطتلباته ، بحيث أضحت أسواق المال أو البورصة صالات للقمار مع التلاعب بأسعار الأسهم وأموال المواطنين.

ولنأخذ مثلاً، شركة جديدة لايزيد رأسمالها مع الموجودات على مليون دولار تطرح للبيع عشرة آلاف سهم بسعر مائة دولار للسهم الواحد ، فما أن ينقضي وقت قصير حتى يرتفع السهم إلى ثلاثمائة دولار بفعل دعايات كاذبة ، فنجد أن أسهمها التي تم تداولها قد أضحت قيمتها ثلاثة ملايين دولار أي بأكثر من القيمة الفعلية لموجودات الشركة بثلاث مرات ! فإن أفلست الشركة فإن صاحب السهم لن يستطيع إسترجاع قيمة السهم كما اشتراه ، وإن استمرت الشركة فإن نصب أرباح السهم الواحد ستوزع بأقل بكثير من النسب المفترضة نظراً لارتفاع سعره الوهمي وبالتالي أضحت الأرباح وهمية . وعادة فإن الشركات هي من تعمل في الخفاء على التلاعب بأسعار أسهمها لزيادة أرباحها التي إن فاضت كثيراً فإن نسبة الضريبة التصاعدية على الأرباح من قبل مصلحة الضرائب الأمريكية قد تصل إلى حدود 90% - أوقفتها حكومة بوش السابقة وجعلت أقصاها في حدود 60% إلا أن حكومة أوباما أعادت العمل بالنسب القديمة لتغطية التأمينات الإجتماعية مع تزايد البطالة وعجز الخزينة بفعل الأزمة المالية – بالنسبة للشركات الضخمة ، خاصة البترولية . لذا فإن سوق البورصة يرفد الخزينة الأمريكية بمعظم وارداتها بطريقة غير معلنة ، صعوداً أو هبوطاً ، على حساب أموال المساهمين .

كيف تتجنب الخسارة في أسواق المال : عندما تشتري أسهماً لشركة جديدة فيجب عليك أولاً أن تقرأ مضمون المشروع وكيفية توزيع نصب الأرباح . فبعض الشركات عادة تنشر بعد عام من استحداثها ، ميزانياتها وأرباحها لنجد أن نصف المال من مجموع أثمان الأسهم المباعة قد ذهب لدراسة المشروع من حيث التخطيط له أو من حيث الجدوى منه ، وأحياناً لدراسات لامعنى لها . وهي في المحصلة ليست سوى دراسات أو عمليات نصب واحتيال ، بقيمها المالية العالية ، تحترفها الشركات المساهمة ذات النفوذ والحول والطول. أما باقي المبلغ فيذهب معظمه في نفقات الرواتب والتعويضات والإجتماعات والسفر وأجور المديرين ! ويبقى مامجموعه حوالي عشرة بالمائة قد ترحل إلى العام القادم دون توزيع للأرباح مع إنعدامها .

كما وأن تمعنا في قراءة مشروع الشركات الجديدة فإن هناك بنداً ، غالباً مايكتب في الأسطر الأخيرة بخط صغير ، بحيث يعطي الصلاحية للإدارة بأن تُرحل 90% بالمئة من الأرباح السنوية إلى العام القادم ، وتكتفي بتوزع العشرة بالمئة الباقية فقط ؟ وذلك بحكم الضرورة والواقع ، لأن أموال المساهمين أصلاً غير موجودة من حيث أنها قد وزعت كالتالي :
أ‌-رواتب لمديرين وموظفين . وهؤلاء الموظفون غالباً مايكونوا من الأبناء والأقارب والأصحاب ، برواتب عالية جداً طالما أنها من أموال الناس ، مشتري الأسهم.
ب‌- من عمولات الصفقات عند شراء المواد والبضائع والعقارات لزوم العمل بحيث قد تصل العمولة إلى مائة بالمائة ، وليس ذلك مهماً طالما أنها من أموال المساهين .
ت‌- مع إفراغ الشركة من الأموال ، فإنهم يعتمدون في ارباحهم على فارق بيع السهم بتلاعبهم بطريقة مدروسة بالأسهم من خلال "البروكر" أي الوسيط ، الذين يتلقى عمولات مغرية للتضليل بأسعار الأسهم والتلاعب بها بمختلف الوسائل وأعمال الإحتيال بالدعايات الكاذبة المغلوطة . وقد قبضت حكومة أوباما على مجموعة من هؤلاء "البروكيرات " مؤخراً وأحالتهم للقضاء لمحاكمتهم مع إفتضاح تلاعبهم
ث‌-لاينكشف هذا الأمر عادة إلا عندما تفلس الشركة فنجد أنها مديونة ، ولا أموال لديها لأنها قد نهبت سلفاً وان ارباح الأسهم ليست سوى حبر على ورق .

بعد هذا العرض المبسط فإننا قد أصبحنا ندرك تماماً لماذا أن اسواق البورصة في العالم العربي في خسارة دائمة شبه يومية . لأن المشرفين قد حولوها إلى صالات للقمار مستغلين جهل الناس بالتواطؤ مع كبار الأغنياء من أصحاب الشركات الذين يعمدون إلى المزايدة فيما بينهم على أسهم معينة فيرفعون أسعارها إلى عدة أضعاف فيعلق الجهلة ويسارعون في الشراء ، لتتجمع الملايين من الدولارات للعديد من الشركات الفاسدة ، وعندها يعمد أصحاب الشأن إلى بيع أسهمهم بالتواطؤ المدروس بالأسعار المنخفضة بحيث تهبط قيمة السهم وفق مايحددونه سلفاً ، وبذلك يستفيدون من الفارق بمليارات الدولارات شهرياً ، مستغلين جهل المساهمين بالأمر مع تكرارهم الشراء رغم الخسائر الدائمة .

وعليه فإنني أنصح ممن لايدركون ماهية أسواق المال أو البورصة وكيفية التعامل معها وخلفياتها ، أن لايقدموا على المساهمة في أعمالها ، خاصة أصحاب الرأسمال المتواضع . مع العلم بأن هناك طرقاً عديدة للإستثمار أكثر أماناً وبالتالي أكثر ربحاً ، لمن لايطيقون البيع والشراء بالقعود في مكان معين ، بأن يشتري الفرد عقاراً ما وفقاً لإمكانياته ، في الضواحي بالقرب من المدن أو التجمع السكاني أو عقاراً قيد الإنشاء . أو يتضافر عدة أشخاص ويعقدون إتفاقاً لدى كاتب العدل ، مع وجود محام ومحاسب معاً ، ثم ليقدموا على الإستثمار في العقارات وبالتالي توزع نسب الأرباح بعدالة وفقاً لحصة كل مساهم دون أي خوف من فقدان المال ، مع وضوح المشاركة وإنتفاء أعمال الإحتيال لصفاء النية والإخلاص ومخافة الله التي هي الأساس في كل عمل .

وأتوجه بكلمة أخيرة للمدمنين التعامل مع الأسواق المالية ، أن هناك طرقاً عدة للربح من خلالها ، لن أخوض بها لأنها تتطلب التواجد والإنتباه الشديد والمعرفة . وأنصح أمثال هؤلاء باختصار أن كانوا يتوخون الربح ولا يستطيعون الإقلاع عن تلك العادة المؤذية ألا يشتروا أسهماً تزيد قيمها عن الخمسة دولارات للسهم الواحد وأن يعمدوا إلى بيعها فوراً ماأن يتضاعف سعرها ، لأن معظم الشركات التي تطرح مثل تلك الأسعار المتدنية ، خاصة الأجنبية منها ، غالباً ماتكون إحتيالية والأرباح التي تتأتى منها تأتي من تداول الأسهم بين الناس ، ثم تعلن الشركة الإفلاس وتحقق ربحا من المال الحرام لتختفى من الوجود كما جرت العادة ، لتعود مجدداً إلى طرح شركة جديدة بأسم آخر ، وهكذا دواليك . ومع ذلك فإن الإشتراك في هذه العمليات هو نوع من أعمال القمار طالما أنه لاتثبت أسعار الأسهم .

ومشاكلنا في العالم العربي أننا نتبع التقليد الغربي في أعمال البورصة ، بما فيها من ضرر بالغ على المواطنين ، لصالح الأغنياء من "الهوامير " دون أن تحقق الخزينة أي ربح مالي من هؤلاء المستفيدين لصالح التأمينات الإجتماعية والصحية للمواطنين لإنتفاء الضريبة الملائمة على أرباح هؤلاء كما في الغرب . لذا فالأوفق لإصلاح وضع هذه الأسواق ومنع الخسارة عن المساهمين هو إعادة وضع قانون عادل ومنصف لعملها وفقاً للأصول بمنع رفع أسعار السهم مهما كانت نتيجة ارباحه حتى لايستغفل المواطنين وينهب مالهم ظلماً .

أبو طيف
15-08-2009, 10:58 AM
مشكور ....