المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أجل أسواق مالية دون خسائر



محمد السويسي
12-08-2009, 08:50 PM
إن الأسهم قبل أن تبتكر بمفهومها الحالي كانت حصصاً ، هي بمثابة الأسهم ، لعمل تجاري ما بين مجموعة من الأشخاص توزع أرباحة بعد زمن معين متفق عليه وفق مساهمة كل شخص . ولكن مع نزوح كبار الرأسماليين الغربيين من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إلى العالم الجديد في أمريكا وبدء الثورة الصناعية فيه ، لإمكانياته الطبيعية الهائلة ، تمركزوا اعتباراً من نهاية القرن التاسع عشر لينشؤوا قوة ضغط ولوبي مالي هائل في مدينة نيويورك مع بداية القرن العشرين وإنشاء اسواق البورصة التي زاد من قوتها وتغعيلها إتفاقية "برايتون وودز" التي ألغت التغطية الذهبية للنقد الورقي ، فاستُغلت بشكل سلبي مؤذ من قبل هذا اللوبي دون ضوابط أخلاقية ومبادىء إقتصادية ، أدت إلى سلبيات القرن الواحد والعشرين مع إنفجار الأزمة المالية ، لأن هناك حدوداً لقوة الدولار تعتمد على قوة الصناعة الأمريكية شرط تأمين أسواق خارجية لفائض منتجاتها لتجنب الكساد والبطالة . وهاقد فقدت أمريكا أسواقها الخارجية بفعل سياساتها الخارجية الخاطئة كإمبراطورية لاتقهر عسكرياً ، إلا أنها قهرت إقتصادياً لانحراف سياسات البورصة لديها ، بتنسيق غير معلن مع الحكومات الأمريكية ، بالسيطرة المالية على أسواق الأسهم والتحكم بها صعوداً وهبوطاً وفق الحاجة والضرورات كما والتحكم بأسعار النفط بنفس الطريقة لتعويض أي نقص في أموال الخزينة الأمريكية التي تعتمد على نسب الضريبة التصاعدية التي قد تصل إلى 90% ، ولم يكن يخطر ببال الأمريكيين تأثيرات رفع أسعار النفط ، لتعويض تكاليف حروب الخارج ، بنسب عالية غير معقولة على الصناعات الأمريكية التي تعاني بالأساس من " بطء شديد " مع فقدانها أسواقها الداخلية والخارجية لصالح السلع الإغراقية الصينية ، إذ كان الرئيس جورج بوش يعتقد أن التأمينات الإجتماعية وطباعة الدولار دون ضوابط تغطي أي عيب أو مصاعب إفتصادية قد تطرأ على الداخل الأمريكي . وأمريكا اليوم تعاني من تخبط وتدهور إقتصادي طالما أن مصانعها تتراجع وتقفل وتتزايد البطالة لديها ، ولا يمكنها إعادة النهوض إلا بعودة تلك المصانع للعمل وامتصاص البطالة بالبحث عن أسواق جديدة لسلعها أو إستعادة اسواقها القديمة من فم التنين الصيني ، إلا أن هذا يتطلب مساعدة الدول الغنية الأخرى من الدول النامية ومد يدها لها ، شرط الموافقة على إعادة صياغة سياساتها الخارجية جذرياً بما يتلائم مع مقررات الأمم المتحدة ومبادىء ويدرور ويلسون الأربعة عشر في حق الشعوب بحريتها واستقلالها ورفض احتلال دولة لأخرى . قد يكون الإصلاح المالي هيناً مهما بلغت مصاعبه بعد تنقيته ، كالعاصفة التي تنشب في الصحراء ولكن ماتلبث أن تهدأ بعد وقت قليل وقد تغيرت بعض المعالم إلا أنها تظل على حالها ومكانها ، ولكن إصلاح الوضع الإقتصادي أمر آخر وصعب جداً يقتضي إدارة مرنة قابلة للتغيير والتعديل مع " كل نسمة هواء " واتخاذ قرارات جريئة بدءاً ، لاأود الدخول في تفاصيلها وقد دبجت مقالات عدة عنها ، لأن مايعنيني في مقالتي تلك هو الأسواق المالية في العالم العربي والخليجي بالذات التى تتعرض لمليارات الدولارات من الخسائر منذ ما قبل الأزمة المالية وما بعدها نظراً لأنها تتبع التقليد الغربي ، كالأعمى دون عصاه ، في التعامل مع ردهات البورصة رغم الفشل الذريع الذي أصاب الغرب في عقر داره وألحق الخراب بأعظم أمة على الأرض .
إنه ليحز في النفس أننا نتبع أساليب الغرب التي لاتتلائم ونهوضنا الإقتصادي بل وتعيقه لإحجام الكثير من المواطنين عن المشاركة والمساهمة فيها لعدم صدقيتها مع سؤ الإدارة المالية للأسواق وعجزها. إن الصواب في إدارة الأسواق المالية لدينا لتحقيق الجدوى في البناء الوطني هو العودة للجذور ، أي إلى أصول العمل الإقتصادي ومبادئه بشكل سليم كما يقتضي وينبغي ، وذلك بالموافقة المسبقة على استقرار أسعار الأسهم وثبوتها كما عند طرحها ، لمدة عام كامل وأن لاترفع أسعارها إلا بانعقاد جلسة عمومية لحملة الأسهم ، ومنع التداول بها بأسلوب المقامرين دون هدف . فالأسهم هي مجموعة حصص مشتركة لأفراد تتوخى الربح وفق نسب معقولة ، كما أسلفنا ، وليست ورقة يانصيب أو قسائم قمار " لصالات البنغو " تتوخى الإستحواذ على أموال الناس بطرق ملتوية مخادعة . وعند تصحيح الأمر فإن معظم المواطنين سيشاركون في شراء الأسهم لضرورتها في بناء الوطن وإعماره وتقدمه وتطوره من خلال البنوك ، بدل إيداعها وتجميدها فيه فيما لاطائل منه . فهل نملك الشجاعة لاتخاذ هذا القرار الإصلاحي لوقف الخسائر أم سنظل على جهلنا في " قمار البورصة " على أنواعه بنتائجه السلبية وشراء الأسهم الأجنبية فيما لسنا بحاجة إليه وقد فقدنا المليارات من أموالنا في هذا السبيل الخاطىء؟! وتلك أسوأ المصائب على الأمة العربية لقصور النظر وللأسف . وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال.. ، فقد أضحينا أمة كغثاء السيل ، وقد تداعت علينا الأمم لجهلنا ودفن رؤوسنا كالنعام في التراب مع رفضنا مواجهة الواقع وتغييره وفق الأصول الإقتصادية بما يتلائم ومصالحنا وعاداتنا وأخلاقنا ، وذلك أمر سهل بالإمكان تحقيقه وإنجازه عند التخلي عن الأنانية والطمع .