رفعت خالد
20-08-2009, 11:34 PM
http://montada.com/picture.php?albumid=827&pictureid=8860
http://montada.com/picture.php?albumid=827&pictureid=8713
- سمير !.. حبيبي.. سمير !
همست بها الأم في أذن طفلها النائم كالحمل الوديع..
- ممممم ؟
- هيا يا صغيري ، نمت كثيرا.. انهض فأنا و والدك سنسافر الآن..
- مممم ؟
- ألا تريد أن تودّعنا ؟ ها ؟
- ممم.. ماذا ؟.. ستسافران ؟
لفظها سمير بصعوبة و هو يفرك عينيه ليزيل منهما شظايا النوم..
- إن جدتك مريضة ، شفاها الله ، و يجب أن نزورها.. وأعدك بمفاجأة سارّة حين عودتي.. ها ؟ ما رأيك ؟
قالتها (مروة) بمرح و هي تعابث طفلها الذي اتسعت ابتسامته لما سمع العبارة الأخيرة..
* * *
(محمد) رجل أعمال ناجح و زوجته (مروة) سكرتيرته الخاصة.. شابان سعيدان و متفاهمان لأقصى حد. ذلك النوع من الأزواج اللذين يتبادلون المجاملات على مائدة الطعام عوض السباب و اللعنات !.. ذلك النوع من الأزواج "العشاق"..
رُزقا بطفل منذ ست سنوات ، وهو (سمير) طبعا.. ولدٌ في غاية الذكاء ، يظهر ذلك من خلال كلامه و تصرفاته التي تفوق سنه بمراحل..
ربياه أحسن تربية و وفرا له ما لا يتوفر عند جلّ أصدقائه في المدرسة.. إذ أنه فتح عينيه في غرفة جدرانها مغلفة بورق وردي فاتح.. غرفة هي عالم لوحدها ، مدينة ألعاب !..
* * *
- متى ستعودان ؟
قالها (سمير) لأمه و هما ينزلان الدرج بهدوء..
- مممم.. أعتقد في المساء إن شاء الله..
في الأسفل ، كان (محمد) يحمل حقيبة صغيرة و يرتدي بذلته السوداء الأنيقة.. ابتسم برقة لما رأى ابنه و حمله بيديه القويتين إلى أعلى.. لوح به هنا و هناك - كما يفعل عادة - ثم أعاده إلى الأرض و (مروة) تراقبه بوجه مبتسم.. قال و هو يربت على كتفه:
- اسمع يا سميرو.. لا تغادر المنزل !.. هه !.. ابق في الداخل و تمتع باللعب في الحاسوب. وإذا شعرت بالجوع ، فطعامك في الثلاجة.. اتفقنا ؟
حرك (سمير) رأسه إيجابا و ابتسامة واسعة على ثغره.. فأردف محمد بعد أن نظر إلى زوجته نظرة ذات معنى:
- سنعود في المساء و سنحضر لك... لا لن أقول !
تمسّك (سمير) برجل والده و هو يتباكى و يصر على معرفة المفاجأة التي تنتظره في المساء ، فارتفعت ضحكات (مروة) وقالت لزوجها تلومه: " حرام عليك ! "
تملص (محمد) بتؤدة من قبضة الولد ، وقال محركا حاجبيه في سخرية:
- قلت لك لن أقول !.. لن أقول.. لن أقول.. لالالالالا ! ستعرف ذلك بنفسك في المساء..
" حرام عليييك ! "
ضحك (سمير) من جنون أبيه و مطّ شفتيه في استسلام و موافقة..
مالت (مروة) على زوجها قائلة بمرح:
- أتدري بمن تذكرني ؟!
- بمن ؟
- بأخي (إسماعيل).. هو مجنون مثلك !.. ههههه..
ابتسم (محمد) وانحنى فوضع قبلة حارة على جبين الصغير ، وما إن اعتدل حتى انحنت (مروة) بدورها لترسم قبلة حنان على خده الأملس..
رأى (سمير) الباب يوشك على الانغلاق.. ثم انفتح مرة أخرى لتظهر أمه وهي تتجه بسرعة نحوه ، وحذائها اللامع يصدر قريعا محببا فوق الأرضية..
انحنت عليه و قالت و هي تبعثر شعره الأشقر :
- شيء أخير يا حبيبي.. إياك أن تقترب من المسبح ! اتفقنا ؟.. حتى لو سقط به (بوبي) فهو يعرف السباحة.. أوكي ؟
- أوكي مامي..
و قبلة أخيرة على الجبين ثم ينغلق الباب أخيرا..
* * *
في "فيلا" فاخرة لا تبعد كثيرا عن الشاطئ كانوا يقيمون.. ثلاثة طوابق شامخة وسط رقعة خضراء شاسعة ، تحيا بها شتى أنواع الأزهار و النباتات و تتخللها ممرات متشعبة تفضي إلى حوض فسيح على شكل دلفين ضخم !.. وحول كل هذا انتصبت أشجار باسقة و كأنما تحرس هذه الجنة من كل ريح عاصفة أو عين حاسدة..
* * *
" وووييي !... أخيرا المنزل لي وحدي ، سأفعل ما أشاء ! "
هتف بها (سمير) و هو يصعد ملتهما درجات السلم الرخامي ، وقد زالت عنه كل آثار النوم..
" ترى ماذا أفعل الآن ؟.. ألعب ؟.. لا ، لا ، ليس بهذه السرعة.. إن بطني فارغ ! "
عبر بخطى سريعة أروقة الطابق الأول متجها نحو المطبخ الحبيب ، ثم الثلاجة العزيزة..
فتحها بسرعة لتتألق عيناه سرورا و هو يرى ما بجوفها.. حمل زجاجة الشيكولاته و قنينة العصير ، ثم اعتلا كرسيا ليصل إلى أعلى الرف ، حيث رقائق "البسكويت" التي يهيم بها حبا..
جلس وقتا لا بأس به يأكل و يشرب بتلذذ ، مستمتعا برؤية عصفوره الأصفر في قفصه و الذي يبدو عليه النشاط بدوره وهو يُصدر أعذب الأصوات..
توجه مرة أخرى إلى الثلاجة ، أعاد ما أخرجه منها و أخرج كيسا ملونا ، عليه صورة كلب..
" بوبيي !.. بوبييييييييي !... هيا أيها الأحمق ، إنه موعد فطورك.. "
" ..........
" بوبييييييي ؟!... لا تلعب دور المختفي مرة أخرى ! "
" .........
" بوببيي ! تعال هنا.. لقد بدأت تغضبني ! "
" ........
" ولكن ما باله لا يجيب ؟! "
و وضع (سمير) الكيس على المائدة ، وقد بدأ يظهر التوتر على مُحيّاه..
همّ بمغادرة المطبخ لما رنّ الهاتف فجأة ، فشهق شهقة رقيقة..
توجه بخطى بريئة إلى البهو.. حمل السماعة بسرعة..
- آلو ؟
- .......
- من ؟؟
- .......
- آلوو ؟!
- ....
وضع السماّعة ساخطا ، و مطّ شفتيه في عدم فهم !
" لماذا لا يجيبني أحد هذا اليوم ؟ "
قالها و صعد إلى الطابق الثاني ، حيث الحاسوب..
* * *
" شيء أخير يا حبيبي.. إياك أن تقترب من المسبح ! اتفقنا ؟.. حتى لو سقط به (بوبي) فهو يعرف السباحة.. أوكي ؟ "
* * *
كان مستغرقا في اللعب.. عليه أن يوجه فوهة المدفع صوب الأهداف التي تظهر و تختفي بسرعة.. سيحطّم الرقم الأول !.. سيفعل..
" تررررررررن "
صوت الهاتف من جديد يُفسد عليه متعة اللعب..
" تبا !.. من هذا الغبي ؟.. ليس أبي بالتأكيد ، فلا شيء مهم يقوله لي..
" تررررررررن "
" حسنا ، حسنا.. أنا قادم !.. لا أملك جناحين كي أطير ! "
قالها الولد بعصبية و بصوت مرتفع ، وهو ينزل الدرج إلى حيث الهاتف اللعين !..
- آلو ؟.. من ؟
- مرحبا سمير...
كان الصوت غريبا و خشنا ، مما جعل (سمير) يقلّص وجهه مستغربا !..
- من أنت ؟
- ليس مهما من أكون.. ولكن المهم شيء آخر !..
- عذرا سيدي.. أنا لا أفهم ماذا تقصد ؟!
- ههههه.. تعجبني.. تتكلم كرجل ناضج.. لذا سأعاملك بنضج أيضا.. أنت تبحث عن (بوبي) أليس كذلك ؟
صُعق (سمير) لما سمع اسم كلبه الذي نسيه تماما !..
- ما به (بوبي) ؟!!
- إنه بجانبي.. يتألم.. لن أخبرك ماذا فعلت به.. لأن دورك سيحين قريبا !..
بقي (سمير) ملصقا أذنه بالسماعة رغم انقطاع الصوت ، لتحل محله تلك النبرة الطويلة التي تحطّم الأعصاب.. "تييييييييت.. "
كانت كل خلية من جسمه ترتعش وحاول جاهدا - وبكل ما أوتي من عقل - أن يحلل ما سمعه قبل قليل..
" قال بأن (بوبي) يتألم !.. و.. وأن دوري سيحين قريبا !؟.. لا ، لا ، هذا غير معقول !.. لابد أنه أبي الذي يمزح إحدى مزحاته المعتادة.. وهذه المرة فعل شيئا ما ليغير صوته !.. هذا أكيد.. "
* * *
أعاد الهاتف إلى جيب معطفه الأسود ، و شبح ابتسامة يطل من ثغره.. و تقدم ، تاركا خلفه جسما صغيرا ملقى على الأرض.. يتلوى !
* * *
عاد إلى أمام الحاسوب ، و بقي لحظات شاردا ، يحدق بالطائرات و هي تقصف مدفعه الذي يُصدر أعمدة من الدخان ، ما يعني أنه قارب الانفجار..
بضغطة زر أغلقه ، و توجه إلى النافذة.. أزاح الستائر ليتبين المسبح المتألقة صفحته تحت الشمس..
صعبٌ أن تعرف بم كان يفكر ذلك الطفل ذو السنوات الست و هو يرمق الطبيعة من خلال النافذة ، شارد الذهن..
و كانت رنة الهاتف هذه المرة كفيلة بأن تجعل قلبه يثب من مكانه !
" أمي أنا خائف ! "
قالها ببراءة ، و عضّ على أصابعه !..
شيء ما دفعه لنزول السلم من جديد.. و رغم ذعره الشديد من سماع ذلك الصوت الأجش مرة أخرى ، تقدم في البهو حذرا..
تردد قليلا قبل أن يرفع السماعة.. وببطء تام ألصقها بأذنه و أرهف السمع..
- سميرو.. أينك يا سميرو ؟!.. أنا قادم إليك !
نفس الصوت الخشن الساخر يخترق مسامعه ، فيصيبه برجفة عنيفة !.. لكن كيف عرف اسم دلعه ؟
ترك السماعة تسقط ليمسكها الخيط و يطوحها هنا و هناك.. بقي برهة ينظر لشيء وهمي في الأرض و الدموع قد بدأت تحتشد في مقلتيه.. ثم أمسك السماعة بعصبية هذه المرة و صرخ:
- من أنت يا جبان ؟ لماذا تفعل هذا ؟ وماذا فعلت ببوبي ؟.. سيقطعك أبي إربا إربا لما يعود !..
- أووه !.. ما أشجع هذا الرجل !.. ومن قال أن والدك سيجدك عندما يعود رفقة أمك الحسناء ؟.. فأنا قد تجاوزت الطابق الأول !..
* * *
- متى ستعودان ؟
- مممم.. أعتقد في المساء..
* * *
http://montada.com/picture.php?albumid=827&pictureid=8713
- سمير !.. حبيبي.. سمير !
همست بها الأم في أذن طفلها النائم كالحمل الوديع..
- ممممم ؟
- هيا يا صغيري ، نمت كثيرا.. انهض فأنا و والدك سنسافر الآن..
- مممم ؟
- ألا تريد أن تودّعنا ؟ ها ؟
- ممم.. ماذا ؟.. ستسافران ؟
لفظها سمير بصعوبة و هو يفرك عينيه ليزيل منهما شظايا النوم..
- إن جدتك مريضة ، شفاها الله ، و يجب أن نزورها.. وأعدك بمفاجأة سارّة حين عودتي.. ها ؟ ما رأيك ؟
قالتها (مروة) بمرح و هي تعابث طفلها الذي اتسعت ابتسامته لما سمع العبارة الأخيرة..
* * *
(محمد) رجل أعمال ناجح و زوجته (مروة) سكرتيرته الخاصة.. شابان سعيدان و متفاهمان لأقصى حد. ذلك النوع من الأزواج اللذين يتبادلون المجاملات على مائدة الطعام عوض السباب و اللعنات !.. ذلك النوع من الأزواج "العشاق"..
رُزقا بطفل منذ ست سنوات ، وهو (سمير) طبعا.. ولدٌ في غاية الذكاء ، يظهر ذلك من خلال كلامه و تصرفاته التي تفوق سنه بمراحل..
ربياه أحسن تربية و وفرا له ما لا يتوفر عند جلّ أصدقائه في المدرسة.. إذ أنه فتح عينيه في غرفة جدرانها مغلفة بورق وردي فاتح.. غرفة هي عالم لوحدها ، مدينة ألعاب !..
* * *
- متى ستعودان ؟
قالها (سمير) لأمه و هما ينزلان الدرج بهدوء..
- مممم.. أعتقد في المساء إن شاء الله..
في الأسفل ، كان (محمد) يحمل حقيبة صغيرة و يرتدي بذلته السوداء الأنيقة.. ابتسم برقة لما رأى ابنه و حمله بيديه القويتين إلى أعلى.. لوح به هنا و هناك - كما يفعل عادة - ثم أعاده إلى الأرض و (مروة) تراقبه بوجه مبتسم.. قال و هو يربت على كتفه:
- اسمع يا سميرو.. لا تغادر المنزل !.. هه !.. ابق في الداخل و تمتع باللعب في الحاسوب. وإذا شعرت بالجوع ، فطعامك في الثلاجة.. اتفقنا ؟
حرك (سمير) رأسه إيجابا و ابتسامة واسعة على ثغره.. فأردف محمد بعد أن نظر إلى زوجته نظرة ذات معنى:
- سنعود في المساء و سنحضر لك... لا لن أقول !
تمسّك (سمير) برجل والده و هو يتباكى و يصر على معرفة المفاجأة التي تنتظره في المساء ، فارتفعت ضحكات (مروة) وقالت لزوجها تلومه: " حرام عليك ! "
تملص (محمد) بتؤدة من قبضة الولد ، وقال محركا حاجبيه في سخرية:
- قلت لك لن أقول !.. لن أقول.. لن أقول.. لالالالالا ! ستعرف ذلك بنفسك في المساء..
" حرام عليييك ! "
ضحك (سمير) من جنون أبيه و مطّ شفتيه في استسلام و موافقة..
مالت (مروة) على زوجها قائلة بمرح:
- أتدري بمن تذكرني ؟!
- بمن ؟
- بأخي (إسماعيل).. هو مجنون مثلك !.. ههههه..
ابتسم (محمد) وانحنى فوضع قبلة حارة على جبين الصغير ، وما إن اعتدل حتى انحنت (مروة) بدورها لترسم قبلة حنان على خده الأملس..
رأى (سمير) الباب يوشك على الانغلاق.. ثم انفتح مرة أخرى لتظهر أمه وهي تتجه بسرعة نحوه ، وحذائها اللامع يصدر قريعا محببا فوق الأرضية..
انحنت عليه و قالت و هي تبعثر شعره الأشقر :
- شيء أخير يا حبيبي.. إياك أن تقترب من المسبح ! اتفقنا ؟.. حتى لو سقط به (بوبي) فهو يعرف السباحة.. أوكي ؟
- أوكي مامي..
و قبلة أخيرة على الجبين ثم ينغلق الباب أخيرا..
* * *
في "فيلا" فاخرة لا تبعد كثيرا عن الشاطئ كانوا يقيمون.. ثلاثة طوابق شامخة وسط رقعة خضراء شاسعة ، تحيا بها شتى أنواع الأزهار و النباتات و تتخللها ممرات متشعبة تفضي إلى حوض فسيح على شكل دلفين ضخم !.. وحول كل هذا انتصبت أشجار باسقة و كأنما تحرس هذه الجنة من كل ريح عاصفة أو عين حاسدة..
* * *
" وووييي !... أخيرا المنزل لي وحدي ، سأفعل ما أشاء ! "
هتف بها (سمير) و هو يصعد ملتهما درجات السلم الرخامي ، وقد زالت عنه كل آثار النوم..
" ترى ماذا أفعل الآن ؟.. ألعب ؟.. لا ، لا ، ليس بهذه السرعة.. إن بطني فارغ ! "
عبر بخطى سريعة أروقة الطابق الأول متجها نحو المطبخ الحبيب ، ثم الثلاجة العزيزة..
فتحها بسرعة لتتألق عيناه سرورا و هو يرى ما بجوفها.. حمل زجاجة الشيكولاته و قنينة العصير ، ثم اعتلا كرسيا ليصل إلى أعلى الرف ، حيث رقائق "البسكويت" التي يهيم بها حبا..
جلس وقتا لا بأس به يأكل و يشرب بتلذذ ، مستمتعا برؤية عصفوره الأصفر في قفصه و الذي يبدو عليه النشاط بدوره وهو يُصدر أعذب الأصوات..
توجه مرة أخرى إلى الثلاجة ، أعاد ما أخرجه منها و أخرج كيسا ملونا ، عليه صورة كلب..
" بوبيي !.. بوبييييييييي !... هيا أيها الأحمق ، إنه موعد فطورك.. "
" ..........
" بوبييييييي ؟!... لا تلعب دور المختفي مرة أخرى ! "
" .........
" بوببيي ! تعال هنا.. لقد بدأت تغضبني ! "
" ........
" ولكن ما باله لا يجيب ؟! "
و وضع (سمير) الكيس على المائدة ، وقد بدأ يظهر التوتر على مُحيّاه..
همّ بمغادرة المطبخ لما رنّ الهاتف فجأة ، فشهق شهقة رقيقة..
توجه بخطى بريئة إلى البهو.. حمل السماعة بسرعة..
- آلو ؟
- .......
- من ؟؟
- .......
- آلوو ؟!
- ....
وضع السماّعة ساخطا ، و مطّ شفتيه في عدم فهم !
" لماذا لا يجيبني أحد هذا اليوم ؟ "
قالها و صعد إلى الطابق الثاني ، حيث الحاسوب..
* * *
" شيء أخير يا حبيبي.. إياك أن تقترب من المسبح ! اتفقنا ؟.. حتى لو سقط به (بوبي) فهو يعرف السباحة.. أوكي ؟ "
* * *
كان مستغرقا في اللعب.. عليه أن يوجه فوهة المدفع صوب الأهداف التي تظهر و تختفي بسرعة.. سيحطّم الرقم الأول !.. سيفعل..
" تررررررررن "
صوت الهاتف من جديد يُفسد عليه متعة اللعب..
" تبا !.. من هذا الغبي ؟.. ليس أبي بالتأكيد ، فلا شيء مهم يقوله لي..
" تررررررررن "
" حسنا ، حسنا.. أنا قادم !.. لا أملك جناحين كي أطير ! "
قالها الولد بعصبية و بصوت مرتفع ، وهو ينزل الدرج إلى حيث الهاتف اللعين !..
- آلو ؟.. من ؟
- مرحبا سمير...
كان الصوت غريبا و خشنا ، مما جعل (سمير) يقلّص وجهه مستغربا !..
- من أنت ؟
- ليس مهما من أكون.. ولكن المهم شيء آخر !..
- عذرا سيدي.. أنا لا أفهم ماذا تقصد ؟!
- ههههه.. تعجبني.. تتكلم كرجل ناضج.. لذا سأعاملك بنضج أيضا.. أنت تبحث عن (بوبي) أليس كذلك ؟
صُعق (سمير) لما سمع اسم كلبه الذي نسيه تماما !..
- ما به (بوبي) ؟!!
- إنه بجانبي.. يتألم.. لن أخبرك ماذا فعلت به.. لأن دورك سيحين قريبا !..
بقي (سمير) ملصقا أذنه بالسماعة رغم انقطاع الصوت ، لتحل محله تلك النبرة الطويلة التي تحطّم الأعصاب.. "تييييييييت.. "
كانت كل خلية من جسمه ترتعش وحاول جاهدا - وبكل ما أوتي من عقل - أن يحلل ما سمعه قبل قليل..
" قال بأن (بوبي) يتألم !.. و.. وأن دوري سيحين قريبا !؟.. لا ، لا ، هذا غير معقول !.. لابد أنه أبي الذي يمزح إحدى مزحاته المعتادة.. وهذه المرة فعل شيئا ما ليغير صوته !.. هذا أكيد.. "
* * *
أعاد الهاتف إلى جيب معطفه الأسود ، و شبح ابتسامة يطل من ثغره.. و تقدم ، تاركا خلفه جسما صغيرا ملقى على الأرض.. يتلوى !
* * *
عاد إلى أمام الحاسوب ، و بقي لحظات شاردا ، يحدق بالطائرات و هي تقصف مدفعه الذي يُصدر أعمدة من الدخان ، ما يعني أنه قارب الانفجار..
بضغطة زر أغلقه ، و توجه إلى النافذة.. أزاح الستائر ليتبين المسبح المتألقة صفحته تحت الشمس..
صعبٌ أن تعرف بم كان يفكر ذلك الطفل ذو السنوات الست و هو يرمق الطبيعة من خلال النافذة ، شارد الذهن..
و كانت رنة الهاتف هذه المرة كفيلة بأن تجعل قلبه يثب من مكانه !
" أمي أنا خائف ! "
قالها ببراءة ، و عضّ على أصابعه !..
شيء ما دفعه لنزول السلم من جديد.. و رغم ذعره الشديد من سماع ذلك الصوت الأجش مرة أخرى ، تقدم في البهو حذرا..
تردد قليلا قبل أن يرفع السماعة.. وببطء تام ألصقها بأذنه و أرهف السمع..
- سميرو.. أينك يا سميرو ؟!.. أنا قادم إليك !
نفس الصوت الخشن الساخر يخترق مسامعه ، فيصيبه برجفة عنيفة !.. لكن كيف عرف اسم دلعه ؟
ترك السماعة تسقط ليمسكها الخيط و يطوحها هنا و هناك.. بقي برهة ينظر لشيء وهمي في الأرض و الدموع قد بدأت تحتشد في مقلتيه.. ثم أمسك السماعة بعصبية هذه المرة و صرخ:
- من أنت يا جبان ؟ لماذا تفعل هذا ؟ وماذا فعلت ببوبي ؟.. سيقطعك أبي إربا إربا لما يعود !..
- أووه !.. ما أشجع هذا الرجل !.. ومن قال أن والدك سيجدك عندما يعود رفقة أمك الحسناء ؟.. فأنا قد تجاوزت الطابق الأول !..
* * *
- متى ستعودان ؟
- مممم.. أعتقد في المساء..
* * *