مشاهدة النسخة كاملة : في 13 سنة مضت "الجزأين"... متجدد~
sensei
26-08-2009, 02:50 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً... مبارك عليكم الشهر وتقبل الله قيامكم وطاعاتكم
ثانياً... رواية "في 13 سنة مضت" رواية كتبتها منذ عامين وكان هناك العديد من المتابعين لها فأشكر كل من شجعني في كتابتها حتى النهاية
كنت حائرة في كتابة الجزء الثاني لها ولقيت صعوبة حتى وجدت الأحداث المناسبة والتي قد تكون بمستوى الجزء الأول... فأحببت أن أعود إلى المنتدى وبرفقتي الجزء الثاني الذي انتظره العديد من الأعضاء جزاهم الله خيراً...
ولكن أحببت أن أضع لكم الجزء الأول مرة أخرى حيث أنني بدلت بعض الأحداث وصححت بعض الأخطاء وأعدت تجزيء الفصول... وهكذا
فإن كنت تود قراءة الجزء الأول مرة أخرى فبمشيئتك وإن كنت لا تريد فقد تعرف التغيرات من الجزء الأول
وأضفت على الجزء الأول عنوان آخر حتى يكون هناك فرق بين الأول والآخر
الجزء الأول بعنوان [عبر نافذة غرفتي] أما الثاني فسيكون [كرات الزجاج]
آملة أن ينال على إعجابكم كما أعجبكم الذي سبقه وأن أستطيع المتابعة حتى آخر الرواية
أترككم مع الجزء الأول من القصة بجميع فصولها ....
_____________________________________________________
في 13 سنة مضت -1-
عبر نافذة غرفتي
كل يوم يكتشف العلماء حقيقة من حقائق العالم، ولكن ما زال العالم يخفي الكثير الكثير من الأمور قد يكتشفها الإنسان أو قد تبقى مجهولة للأبد. قد يعيش الإنسان بين البشر ولكنه يجد نفسه في عالم مظلم منعزل قاسٍ يبدو عالمًا آخرًا، ولكن هناك أبوابًا كثيرة يجب أن تفتح ليدخل الإنسان إلى ذلك المكان...!
..::||الفصل الأول||::..
في صباح يومٍ مشرق صافٍ ذو جوٍ لطيف عند الساعة التاسعة، تدخل فتاة تبلغ من العمر الثامنة عشر عيادة خاصة للأمراض النفسية. طرقت باب غرفة الطبيب أحمد إسماعيل الذي يبلغ خمسًا وأربعين سنة
أحمد: تفضلي
دخلت شيماء بوجه بشوش وابتسامة عريضة: مرحبًا يا أبا يوسف
تعجب أحمد من ردها ولكنه حاول إخفاء ذلك بابتسامة: *أبا يوسف؟* أهلاً بك يا شيماء، كيف حالك؟ تبدين في مزاج رائع!؟ توقعت أن أراكِ عكس ذلك بعد الذي حصل لقيس!
قالت شيماء بتعجب وحيرة: قيس!؟ من يكون هذا؟
انصدم أحمد وتساءل: *أيمكن أن تكون قد نسيته؟!* ثم ابتسم وقال في ذهنه *أن يمحى من ذاكرتها أفضل* وظن حينها أنها فقدت ذاكرتها ونسيت ذلك الفتى نتيجة لانصعاقها بما حدث له.
ثم رد عليها: لا، لا شيء... انسي الأمر... على أية حال لماذا أنتِ واقفة؟ اجلسي لنتحدث قليلاً
شيماء: حاضر
كانت شيماء ترتدي خمارًا أسودًا وعباءةً سوداء واسعة، وهي تخطو نحو الطبيب، فُتحت العباءة قليلاً من الأسفل وبان لون تنورتها، كانت ترتدي تنورة بيضاء وبها زهور وردية
استغرب الطبيب وكان حائرًا جدًا فقال في نفسه: *أبيض وزهري!؟ هذا لا يعقل!!*
فقال لها أحمد بتعجب وما زال يبتسم: أمر غريب... إنك ترتدين ألوانًا زاهيةً اليوم، هذا ليس من عادتك!؟
فردت عليه شيماء بتعجب هي الأخرى: لماذا؟ أنا أرتدي هكذا دائمًا!
عجز عن الرد فأراد تغيير الموضوع: ...!؟ حسنًا، أيمكنني أن أسألك سؤالاً؟
شيماء: بالتأكيد، تفضل
أحمد: ما هو لونك المفضل؟
شيماء بحيرة: سألتني هذا السؤال من قبل!؟
أحمد: أعلم ولكنني نسيت جوابه
تعجبت شيماء كثيرًا ولكنها أجابته: أفضّل الأبيض
أحمد وقد توسعت عيناه: *الأبيض!!* ولماذا اخترتي الأبيض بالذات؟
فكرت شيماء للحظات ثم قالت: لا أعلم... ربما لأنه ناصع أو ربما لأنه لون الفرح، لا أعلم بالضبط لماذا
أحمد: اللون الأبيض جميل... اختيار موفق... نسيت أن أسأل، أي تخصص اخترتِه في الجامعة؟
شيماء مبتسمة: التحقت بجامعة فيرجينيا
فقال أحمد ببهجة: ما زلتِ تحبين الرسم؟
شيماء بابتسامة: أجل
أحمد وملامح الجد على وجهه: *سوف أسألها سؤالاً وأرجو أن لا أسمع الجواب الذي أتوقعه*
ثم سألها وهو يشبك أصابعه تحت ذقنه بكل جدية: إن أعطيتك ورقةً وقلمًا ماذا سترسمين؟
فردت عليه شيماء وهي تبتسم بابتسامة هادئة تختلف عن ابتسامتها المبهجة التي كانت على وجهها منذ أن دخلت الغرفة: في هذه الأيام أرسم لوحاتًا لشخصية قد ابتكرتها مؤخرًا
فأخرج الطبيب أحمد كراسة رسم وقلم رصاص من درج الطاولة وأعطاها إياهما
أحمد: حسنًا، أريد منك أن ترسمي لي هذه الشخصية
وكان قلقًا في نفسه: *كيف سيكون شكله؟؟ إنسان أم شبح؟ ربما مصاص دماء أو زومبي!!*
أمسكت شيماء بالقلم بأناملها الناعمة وبدأت ترسم بكل خفة وسرعة وابتسامة هادئة قد ارتسمت على شفتيها. وبعدما انتهت من الرسمة أرته إياها وقد عادت الابتسامة المبهجة على وجهها
شيماء: هذا هو، أأعجبك؟
دهش أحمد بشدة عندما رأى الرسمة، وزادت نبضات قلبه وتسارعت، وقال في نفسه: *إنه قيس!!*
لاحظت شيماء نظراته الغريبة لكنها لم تقل شيئًا
حاول أحمد تغطية اندهاشه وأجابها: أجل بالتأكيد، ولكن... أنتِ من ابتكره أم رأيته في مكان ما من قبل؟
أجابته شيماء وهي حائرة فكانت متعجبة من ملامحه القلقة: لا، هذه الشخصية من خيالي تمامًا
فقال أحمد بصوت معتدل: حسنًا، اوصفي لي هذه الشخصية، أعني أخلاقه... تحدثي عنه عامة
وضعت شيماء ذراعيها على الطاولة التي أمامها وأسندت جسدها عليها وقالت ببشاشة: مراهق يبلغ من العمر الرابعة عشر، طيب وصافي القلب ولا يحب إيذاء أحد، الابتسامة لا تفارق وجهه، وهو يفضل الغير دائمًا على نفسه
شعر أحمد بضيق في قلبه ولكنه لم يظهره: *ولكن قيس عكس ذلك تمامًا!!* حسنًا تستطيعين المغادرة الآن ولكن أريدُ منك غدًا إحضار جميع الصور التي قمتِ برسمها منذ الأسبوع الماضي
شيماء: حسنًا سوف أفعل... أنا ذاهبة، إلى اللقاء
أحمد: في أمان الله
جلس أحمد يفكر لوحده بعد أن غادرت شيماء الغرفة: *هل يعقل أنها نسيته ولا تذكر شيئًا عنه؟ ولكن صورته مرتكزة في ذاكرتها! المشكلة هي أنها ما زالت تظن فيه الظن الحسن؟ ذلك السفّاح سيبقى متدخلاً في حياة تلك الفتاة حتى بعد مماته!!*
أمّا شيماء فقد عادت إلى بيتها، واستقبلتها والدتها بثينة، كانت بثينة امرأة بشعر أجعد قصير ولم تكن بذلك الجمال، ولكنها ذات جسم ممشوق كعارضات الأزياء
شيماء: أمي، لقد عدت
بثينة بابتسامة: أهلاً بعودتك يا عزيزتي، هل ذهبتِ إلى الطبيب؟
شيماء: بالتأكيد
بثينة: وهل أعطاك ملاحظات هامة؟
شيماء وهي تتأفف من تعب الطريق: لا، الحوار المعتاد، ولكنه هذه المرة طلب مني إحضار رسوماتي له
بثينة: أها...
صعدت شيماء الدرجات ودخلت غرفتها الواسعة، ثم وضعت حقيبتها على كرسي مكتبها وخلعت خمارها وعباءتها، كان شعرها قصيرًا جدًا كالصبيان وبنفس تسريحة الشاب الذي رسمته، وشديد النعومة والسواد، وكان جسدها نحيلاً كثيرًا، أما غرفتها فكانت حيطانها مليئة برسومات لذلك الولد وقد رسمتها بنفسها.
جلست على سريرها، تمد قدميها خارجًا عنه وتستند على ذراعيها، وكانت تفكر: *ماذا كان يعني الطبيب بما قاله؟ من يكون قيس هذا؟! لم أسمع عنه قط!! ولماذا قال بأنه من الغريب أن أرتدِ ألوانًا زاهية؟ أيعقل أنه مشوش الفكر بيني وبين مريض آخر؟ لا يمكن هذا، فلم يحدث هذا الشيء منذ اثنى عشر عام من ترددي إليه! كان علي أن ألح عليه بأن يوضح لي ما قاله*
ثم استلقت على السرير متمددة، وتغطت باللحاف لكي ترتاح قليلاً بعد الدوام الجامعي المتعب دون أن تغير ملابسها حتى. وأثناء نومها رأت في المنام بأنها واقفة في مكان مظلم، من شدة ظلمه لا تستطيع التفريق بين الجدران وأرضية المكان، كانت ترتدي بنطال جينز وقميص رياضي أسود كتب عليه من الخلف (Kill 2 Live) –اقتل لتعيش- بلون أحمر دموي، وكان مرسوم بأعلى الكلام جمجة بيضاء... ثم أتاها صبي يرتدي ثوبًا أبيضًا ناصعًا، ولكن من شدة الظلام لم تستطع رؤية وجهه
قال لها الفتى بصوتٍ ناعم: لم أرَك منذ زمن يا شيماء...
تعجبت شيماء من معرفته اسمها وتساءلت في نفسها: *صوته رقيق وحنون، يشعرني بالراحة*
ثم قالت له وهي تخفي التساؤل الذي بداخلها: مـ..من أنت؟
اقترب منها حتى رأت وجهه، وقال لها بابتسامة هادئة على وجهه: أنا قيس أنسيتِني؟
تعجبت شيماء أكثر عندما رأت وجهه: *هذا الصبي!!! نفسه الشخصية التي ابتكرتها في الآونة الأخيرة!!*
ثم قال قيس والابتسامة نفسها على وجهه: يبدو وكأنكِ نسيتني تمامًا، وفي هذه الحالة لا أسطيع العودة، أريدك أن تتذكريني ليكون لي سببًا في العودة، ابحثي جيدًا في الموضوع ولا تهمليه
ثم بدأ يعود بخطواته إلى الوراء وهو يقول: علي الذهاب الآن، أرجوكِ لا تنسيني، حاولي التذكر
حاولت شيماء الاقتراب منه ومنعه من الذهاب وهي تقول: انتظر قيس!! لا تذهب قبل أن تخبرني بكل شيء!!
ولكنه اختفى وسط الظلام الدامس ولم يبقَ سوى السواد من حولها
شيماء بيأس: اختفى...!!
..::||الفصل الثاني||::..
فتحت شيماء جفنيها، فرأت سقف غرفتها الأبيض، فأدركت أن ذلك المكان المظلم ما هو إلا خيال راودها في المنام، فنهضت من استلقائها وجلست على سريرها وهي تسدد بنظرها إلى حضنها وتفكر في نفسها والانبهار بانٍ على وجهها: *كان حلمًا!! حلم غريب... ربما لأنني كنت أفكر بالأمر؟ لا لا... قيس... هو نفسه الشخصية التي ابتكرتها ولكن كيف؟ ألذلك تغير وجه الطبيب عندما رأى الصورة التي رسمتها له؟!!*
ثم تذكرت ما قاله قيس في الحلم "أريدك أن تتذكريني ليكون لي سبب في العودة"
فقالت شيماء تحدث نفسها بصوت مسموع وهي ممسكة بذقنها: لا أعلم، أأبحث عنه أم أسأل الطبيب أولاً؟ سأسأله وأرى ماذا سيقول
وقفت على الأرض وسارت باتجاه دورة المياه لغسل وجهها، وبعد أن غسلته رفعت رأسها وبدأت تنظر إلى وجهها المنعكس في المرآة وهي تفكر: *الملابس التي كنت أرتديها في الحلم غريبة حقًا!! من المستحيل أن أرتدِ شيئًا كئيبًا كهذا!!..*
أما أحمد، فقد عاد إلى منزله عند الساعة الواحدة قبيل الفجر، كانت جميع الأضواء مطفأة ما عدا ضوء التلفاز ينير الصالة، وكانت زوجته سارة جالسة أمامه، ولكن عندما سمعت صوت خطواته التفتت نحوه
قالت لزوجها وهي تبتسم: لقد تأخرت كثيرًا، أنت تجهد نفسك هكذا
أحمد بتعجب: أنتِ ما زلت مستيقظة؟ قلت لكِ ألف مرة لا تنتظريني إن اجتازت الساعة الحادية عشرة والنصف!
اقتربت منه سارة وأخذت من يده أمتعته وشماغه وقالت: كيف لي أن أنام وأنا بعيدة عنك؟
فابتسم لها وقال: أنت من يرهق نفسه ولست أنا، فذاك عملي وعليّ السهر عليه... كيف الأبناء؟
سارة وهي تسير مع أحمد نحو الغرفة: كالمعتاد، ناموا جميعهم عند الساعة العاشرة
أحمد: هذا جيد
عندما دخلا غرفة النوم، بدأت سارة ترتب أغراضه على المكتب، أما هو فارتدى ملابس النوم واستلقى على السرير
كان ينظر إلى ظهرها بعينين سارحتين وهي ترتب الأمتعة، ثم قال بصوت هادئ: أتعلمين؟
ردت عليه دون التفات: ماذا؟
أحمد بنفس النبرة: اليوم قابلت شيماء
التفتت نحوه سارة وقالت بشفقة: أوه... وكيف كان حالها؟
أحمد: نَسِيَتْه
سارة بتعجب: ماذا!؟
أحمد وما زال يتحدث بكل ثقل وضيق: نـ-- سِـ-- يَتْه...
سارة: كيف هذا؟ أمِنَ الصدمة؟
أحمد: ربما... وربما لا...
اقتربت منه سارة وجلست بجانبه: إذًا... هل أنتَ سعيد الآن؟
أحمد: لا أعلم... فصورته ما زالت في عقلها ولكنها تظنه من خيالها...!
سارة: هذا مريع... مسكينة هذه الفتاة... يبدو أن فقدانها له أثر عليها كثيرًا
أحمد: لكن هذا أفضل لها...
وفي صباح اليوم التالي، ذهبت شيماء إلى موعدها مع الطبيب ومعها حقيبةً كبيرةً تحوي أغلب رسماتها التي رسمتها منذ الأسبوع الماضي، دخلت عليه فرحب بها الطبيب فور دخولها
أحمد بوجه يطمئن القلوب: مرحبًا شيماء، كيف حالك؟
شيماء ولم تبدُ على ما يرام: لا أعلم... مرتبكة ومترددة قليلاً
أحمد مبتسمًا لها: خيرًا؟ ماذا حصل؟ اجلسي وأخبريني
اقتربت شيماء وجلست على الكرسي ووضعت حقيبتها الضخمة على الأرض: يا أبا يوسف... أريدك أن تخبرني عن قيس
ارتبك أحمد ولم يعرف ما يقول: *قيس!! أيعقل أنها ما زالت تفكر بالاسم عندما قلته؟! لا لا... مؤكد أنها سمعت عنه في مكان آخر*
فرد عليها بارتباك يحاول تغطيته بابتسامة زائفة: من هو قيس؟
غضبت شيماء وقالت: أنت تعرف من يكون... الشخصية التي رسمتها البارحة نفسها قيس أليس كذلك؟
أحمد: من قال لك ذلك؟
شيماء: قيس بعينه
اتسعت عيناه وتساءل والفزع في قلبه: *أيعقل هذا!*
زاد ارتباك أحمد وقام من الكرسي وضرب بكفيه الطاولة التي أمامه وسألها وهو يصرخ بخوف: قيس!! قيس ما زال حيًا!؟
تعجبت شيماء من ردة فعله المفاجئة: *لماذا كل هذا الخوف؟ إنه مجرد شاب في الرابعة عشر!!*
ولكنها ردت عليه بصوت مرتبك: لـ..لم أقابله شخصيًا ولكنه أتاني في الحلم
هدأ أحمد قليلاً وجلس على المقعد: *حلم!؟* وماذا قال لك فيه؟
ترددت شيماء في إخباره بما قاله بعدما رأت ردة فعله تلك، ولكنها أجابته من دون أن تنظر في عينيه: قال بأنه لا يستطيع العودة إلا إذا تذكرته ليكون له سبب في عودته
ارتبك أحمد واشتعل غضبه من الداخل: *يعود!؟ لا مستحيل!*
ثم أجابها وهو يحاول تهدئة أعصابه: اسمعي يا بنيتي، عليكِ أن تنسي هذا الشاب ولا تفكري في أمره
شيماء: ولكن...
قاطعها أحمد قائلاً: إذا عاد قيس فسوف يفسد الأرض
شيماء: لماذا؟
أحمد: ليس من الضروري معرفة السبب ولكن الأهم هو أن لا تفكري به
غضبت شيماء ونهضت من مكانها وبدأت بالصراخ على الطبيب: لماذا لا تريد أن تخبرني عنه؟ إنه بحاجة لي وأنا أريد مساعدته، وماذا تعني بأنه سيفسد الأرض؟ إنه مجرد طفل
قال أحمد بأسلوب تهدئة: أنتِ تقولين ذلك لأنكِ لا تذكرين من يكون...
لكن أجابته شيماء بغضب: ولكن سأتذكره وسأبحث عنه حتى أعيده
ثم خرجت من الغرفة غاضبة وأغلقت الباب خلفها بقوة، أما أحمد فقد جلس في مكانه ممسكًا برأسه بكلتا كفيه
أحمد: يا الله، ماذا أفعل بهذه الفتاة؟ إثنتي عشرة سنة وأنا أحاول علاجها... وبعدما تخلصنا من ذلك الفتى تريد أن تعيده!؟ أتمنى أن لا تتذكره أبدًا فقد تكون رؤياها حقيقة...
ثم لاحظ وجود حقيبة مستندة على الطاولة، وكانت الحقيبة التي تحوي لوحات شيماء، فحملها ووضعها على الطاولة، فتحها وأخرج جميع الصور، ورأى بأنها جميعها صورًا لقيس وبوضعيات مختلفة
صرخ أحمد: هاااااه!! جميع رسمات الأسبوع الماضي لقيس!!؟
ثم رفع رأسه وهو ممسك به بكلتا كفيه وصرخ: سوف أجن!
أما شيماء فقد عادت إلى منزلها غاضبة
شيماء: أمي، لقد عدت...
بثينة: ماذا قال لكِ الطبيب؟
شيماء وهي مقطبة الحاجبين: أماه، أخبريني من هو قيس؟
بثينة بتعجب: * لقد نسيته فما الذي ذكرها به؟*
صرخت شيماء: أمي أجيبيني!!
بثينة بارتباك شديد: وما أدراني؟ من يسمي قيس هنا؟
شيماء وهي تصرخ: أعلم أنكِ تعرفينه ولكنك لا تريديني أن أتذكره، أنتِ وأبو يوسف تعرفانه ولكن لا تريدان إخباري من يكون، ولكنني سأعرفه
وتركت المكان وهي غاضبة متجهة نحو غرفتها
بثينة: انتظري قليلاً، شيماء!
دخلت شيماء غرفتها وأقفلت الباب
بثينة بضيق: يا الله، كنا فرحين بنسيانها له كيف طرأ على بالها؟ أيعقل بأن الطبيب تحدث عنه؟ كان علي أن أخبره بأنها نسيته، حقًا إنني حمقاء
قذفت شيماء جسدها على السرير بكل قوة وخلعت خمارها: سأسأل صديقاتي اليوم في الجامعة لربما يعرفنه
ثم نظرت إلى الساعة المعلقة على الحائط لمعرفة الوقت وكانت الساعة تؤشر عند الحادية عشرة والنصف
شيماء بضيق وغضب داخلي: يا ربي، متى ستأتي الساعة الثانية وأذهب إلى الجامعة؟... أف
ثم بدأت تنظر إلى أحد اللوحات المعلقة على الحائط وتتسائل: *من يكون هذا الصبي؟ لا أذكر شيئًا عنه ولا حتى أني شاهدته يومًا! لكن صورته لا تفارق مخيلتي... يبدو أنه كان إنسانًا قريبًا مني كثيرًا ولكن لماذا لا يريد أحد من حولي أن أتذكره؟ أيمكن أنهم ظنوا أني مغرمة به!؟ لا مستحيل فهو مجرد طفل!! وكيف لي أن نسيته تمامًا؟!..*
ثم استلقت على السرير تنظر إلى السقف الواسع تفكر كعادتها: *ربما أحد أقربائي من جهة أبي لذلك والدتي لا تريدني أن أتذكره، ولكن لماذا الطبيب لا يريدني أن أتذكره أيضًا إذا كان هذا هو السبب؟ لا، بالتأكيد هذا ليس سببًا... عندما سألته عن قيس فزع وكأنني أتحدث عن وحش!*
ثم اتسعت عيناها متعجبة وجلست في مكانها بسرعة: *لحظة!! لو كان قيس قريب مني بدرجة عظيمة فأنا بالتأكيد أملك أشياء تخصه أو تذكرني به، منذ أسبوع أخذت أمي بعض الحاجيات ووضعتها في المخزن العلوي، أيمكن أن تكون أشياء تخص قيس!؟*
نهضت شيماء من سريرها واتجهت نحو الباب، فتحته قليلاً ونظرت عبره *الحمد لله، والدتي ليست هنا*
خرجت من الغرفة بكل خفة وبدأت تصعد الدرج المؤدي إلى المخزن وهي تمشي على أطراف قدميها لكي لا تسبب ضجيجًا فتلاحظها والدتها... دخلت المخزن وكان مظلمًا جدًا فهو لا يحتوي على أية نوافذ لينفذ منها النور، فتحت الأضواء وصعقت بعدد الصناديق الموجودة
*يا إلهي!! سأبدأ من أين؟* ثم اتجهت نحو أحد الصناديق، جلست أمامه وفتحته *لنر هذا الصندوق... اممممم... كل ما فيه مجلات وكتب* ثم لاحظت وجود رسمة لطفل وضعت داخل أحد المجلات وجزء منها قد ظهر *تبدو وكأنها رسمة من رسمات طفولتي* أخرجت الرسمة ونظرت إليها بالكامل، لم تصدق ما شاهدته وأنكرت أنها هي من رسمتها، كانت الرسمة عبارة عن ولد يمشي وهو ممسك بيد طفلة صغيرة تمشي معه، وبيدها الأخرى كانت تجر جثة من قدمها والدم ينزف منها، وكان هناك سهم يؤشر على الولد وكتب عليه "قيس" وآخر نحو الفتاة وكتب "شيماء" وكان بخط مبتدئين، أي خط أطفال
شيماء: *ما هذه الرسمة!! لا أذكر أنني رسمت يومًا شيئًا كهذا!!*
وفجأة عبرت مخيلتها لحظات ومقاطع وكأنها جزء من الماضي. كانت حينها تبلغ الخامسة من العمر وجالسة على سريرها وقيس يجلس مقابلها، وكانت تريه الرسمة التي وجدتها.
كانت تتحدث شيماء بكل بهجة وعلى وجهها ابتسامة كبيرة وأسنانها البيضاء ظاهرة وواضحة: ما رأيك بالرسمة؟
رد عليها قيس وهو يبتسم بابتسامة تقذف الطمأنينة في قلب من يراها: مهارتك في الرسم تزداد يومًا بعد يوم حبيبتي...
كان ذلك كل ما تذكرته عندما رأت تلك الرسمة البشعة، ولكنها لم تصدق ما رأته *ما هذا؟ أحقًا حدث هذا الأمر أم كان مجرد خيال؟ قيس كان معي في الغرفة... أيمكن أن... أيمكن أن يكون أخي الأكبر؟! ولكن لماذا يهابونه؟ لماذا يقولون بأنه سيفسد الأرض؟*
ثم صار وجهها جديًا *سآخذ الرسمة معي ربما تفيدني في بحثي*
..::||الفصل الثالث||::..
ذهبت للصندوق المجاور لتتفقده أيضًا *لنر ما في هذا...* وبعد أن فتحته قالت *يبدو وكأنه خالٍ من ذوات القيمة*
كان الصندوق يحوي أدوات معدنية وحادة، فلم تعتقد بأن هناك ما سيفيدها، ولكنها عندما أرادت إغلاق الصندوق لمحت شيئًا...
*لحظة!!* مدّت يدها وأخذته... كان عبارة عن سكين تغلق تلقائيًا عند لفّها ومعلق بها سلسلة طويلة وكأنها كانت تعلق على العنق ونحت عليها تاريخ ميلادها باللغة الإنجليزية (1st . JAN) –الأول من يناير-
*أظن أنها ملكي... كتب عليها تاريخ مولدي، ولكن لماذا هي هنا؟ ولماذا علقت بها سلسلة طويلة؟ أيعقل أنني كنت أعلقها في عنقي؟*
ثم مر في ذاكرتها مشهد آخر...
في منتصف الليل الدامس، وفي غرفة شيماء الصغيرة بالتحديد، كانت النافذة مفتوحة على الرغم من أن المكيفات الهوائية كانت تعمل، وبعد لحظات تسلل قيس عبرها إلى الغرفة.
قيس: مساء الخير شيماء، أحضرت معي اليوم هدية لك، أصبح عمرك اليوم خمس سنوات، كل عام وأنتِ بخير
قالت شيماء وهي فرحة بكثرة: حقًا!! *إنها أول مرة يحضر فيها قيس هدية لي* أريد رؤيتها أريد رؤيتها
ثم أخرج سكينًا من جيب ثوبه وجلس خلفها وقام بتلبيسها
ملأت السعادة قلب شيماء وقالت: وااااو إنها رائعة
ابتسم لها قيس كعادته وأجابها: دعيها معلقة في عنقك دائمًا
شيماء متعجبة: لماذا؟ ماذا سأفعل بها؟
ثم جلس قيس أمامها وأمسكها من كتفيها بكلتي كفيه الدافئتين وقال لها وهو يحدق في عينيها الناظرة إليه: قد تستخدمينها يومًا للدفاع عن نفسك
فردت عليه شيماء بتلك الابتسامة التي ملؤها البراءة: كلامك صحيح
ثم قال لها قيس بصوته الناعم: لا تخبري أحدًا بأني أنا من أهديتكِ إياها
فأجابت موافقة: حاااااضر
وانتهى ذلك المشهد الغريب الذي تذكرته، وهنا تشوشت أفكارها أكثر *ما الذي تذكرته للتو؟! هدية يوم ميلاد فتاة في الخامسة سكين؟!! ماذا كان يعني بالدفاع عن نفسي؟ أيريدني أن أقتل من يقف ضدي؟ كان آتٍ إليّ من النافذة وكأنه بالسر، لماذا؟ أي نوع من البشر كان قيس؟ يبدو طيبًا وواسع القلب ولكن لماذا يقوم بهذه الأمور؟ علي أن أتذكر كل شيء... -ثم التفتت إلى الجهة الأخرى- لنر ما في داخل كيس الملابس*
كان الكيس البلاستيكي محكم الغلق ففتحته بأسنانها، ورأت ما لا يخطر ببال *الملابس الموجودة هنا جميعها سوداء وحمراء!! ما هذا الكلام المكتوب عليه؟ جميعها جمل سلبية وكئيبة!! تبدو ملابس جديدة... أمِن الممكن أن تكون ملكي؟ ولكنني لا أحب الداكن!!*
ثم لفت نظرها أحد قمصان الرياضة
*هذا القميص!! نفسه الذي كنت أرتديه في الحلم!! هذا يعني أن هذه الملابس جميعها ملكي! الرسم الذي عليه يبدو من صنعي وليس جاهزًا... لماذا كنت أفعل هكذا بملابسي؟! ولماذا لا يمكنني التذكر؟؟!! الجملة المكتوبة عليها "Kill 2 Live" أشعر بأن لها مغزى سيوصلني إلى شيء مهم ولكن ماذا؟*
وبعدها نظرت إلى ساعة معصمها وتوسعت عيناها *يا ويلي إنها الواحدة والنصف!! متى سأصل إلى الجامعة!!؟* ثم نهضت من مكانها وأخذت بعض الأشياء التي وجدتها وكان لها أثر في تذكر مقتطفات من الماضي، ثم توجهت نحو غرفتها لترتدي ملابسها للجامعة. نزلت من الدرج وشاهدت والدتها
فقالت شيماء بابتسامة وكأنه لم يحدث خلاف بينهما منذ ساعات قليلة: أمي سأذهب إلى الجامعة الآن، مع السلامه
بثينة: كوني حذرة وأنتِ تقودين السيارة، لا نريد إلحاق أنفسنا بالضرر
شيماء: إن شاء الله
ركبت شيماء سيارتها السوداء وتوجهت نحو الجامعة، وعندما وصلت إليها دخلت بسرعة تبحث عن صديقاتها
كانت تتساءل في نفسها وهي في شدة الضيق: *أين هن؟ أحتاجهن لأمر ضروري!!* وفجأة شاهدتها صديقتها حصة وهي تتلفت يمينًا وشمالاً وكأنها تبحث عن أمر ما
فاقتربت منها حصة وسألتها بابتسامة: مرحبًا شيماء... تبحثين عن من؟
فرحت شيماء كثيرًا وقالت لها: الحمد لله أني وجدتكِ... أريد أن أسألكِ بعض الأسئلة، لنذهب إلى مكان هادئ ومنعزل
تعجبت حصة من ردها: لماذا؟ ما الأمر؟
ذهبتا إلى الكافتيريا بعد أن جرّت شيماء حصة من يدها وجلستا على طاولة منعزلة تقع في الزاوية لتبتعدان عن إزعاج الطلبة
ثم سألت شيماء بكل جدية: أخبريني بالحقيقة، هل تغيرت عن الأسبوع الماضي؟
ابتسمت حصة وردت: تريدين الحقيقة؟ تغيرتِ كثيرًا حتى كدت أن لا أصدق بأن شيماء هي التي تقف أمامي
شيماء: حقًا!؟ للأفضل أم الأسوأ؟
حصة: للأفضل بالتأكيد... ما رأيك أنتِ؟
قالت شيماء بنبرة حيرة: في الحقيقة لا أشعر بأنني تغيرت
تعجبت حصة وكان صوتها يدل على ذلك حين قالت: حقًا!! ولكن كل شيء تغير فيك، أسلوبك في الحديث ومزاجكِ ولباسكِ أيضًا، ولكن الشيء الوحيد الذي لم يعجبني في التغير الذي طرأ عليكِ هو قصة شعرك
استغربت شيماء: شعري!؟
حصة: أجل... كان طويلاً وجميلاً ولكن منذ أسبوع عندما لاحظنا التغير المفاجئ، كان شعرك بهذا الشكل
شيماء بتعجب: *هذا صحيح!! أذكر أنني كنت أبكي في منتصف الليل وأقص شعري بمفردي... لكن لا أذكر سبب بكائي، هذه التسريحة مثل تسريحة قيس تمامًا... أيمكن أنه حدث شيء مريع لقيس في ذلك اليوم!؟*
حصة: كان شعرك جميلاً وغليضًا فلماذا قصصته؟
أجابتها شيماء وعلامات الاستفهام واضحة على ملامحها: لا أعرف لماذا ولكن... أثناء قصي لشعري كنت أبكي
تعجبت حصة: تبكين؟!
شيماء: لا أذكر السبب... على أية حال سأريكِ صورة لشخص وأود أن أعرف إن كنت تعرفينه أم لا
ثم أخرجت لها أحد الرسومات لقيس وسألتها: أتعرفين هذا الفتى؟
تعجبت حصة: هاه!
ثم بدأت تضحك: ههههههههههـ حقًا إنكِ غريبة، تركتِ جميع النجوم المغنيين والممثلين وقمتِ برسم هذا الفتى؟ حتى وإن كان وسيمًا لا يستحق هذا الاهتمام
هنا استغربت شيماء وتحمست وسألتها بصراخ: أتعرفينه؟!
لم تعرف حصة سبب حماس شيماء ولكن ردت عليها: كيف لي أن ألا أعرفه وقد انتشرت قصته في الصحف الأسبوع الماضي...؟ نسيت اسم الفتى... امممم... كان غريبًا... أظن أنه قيس؟
هنا علا صوت شيماء أكثر وقالت: تعرفينه!! أخبريني من يكون!!!
حصة متعجبة: *لماذا متحمسة كثيرًا؟* الآن أنت من رسمته ولا تعرفين من يكون؟
شيماء: أرجوكِ أجيبي عن سؤالي
حصة: حسنًا حسنًا سأخبرك بما أعرف ولكن اهدئي، هذا الفتى...
وبعد الدوام الجامعي، عادت شيماء إلى المنزل الساعة الخامسة والنصف قبيل المغرب وجلست على الإنترنت تبحث عنه وهي تفكر *مستحيل!! الكلام الذي سمعته عن قيس لا يعقل!! كلها إشاعات... الحل الوحيد لأعرف عنه هو أن أبحث عنه بنفسي. لا يمكن لإنسان مثل هذه الصفات التي وصفها الناس يغزو قلبي. حتى تسريحة شعري قمت بتغييرها دون أن أشعر فقط لأصبح مثله!! إنه بالتأكيد إنسان آخر ولكن يجهله الناس*
وهي تتصفح الشبكات وجدت موضوعًا عنه!!
شيماء: وجدته!!
ولكن عندما قرأت الموضوع: *ما كتب هنا نفسه الذي قالته لي حصة... لن ينفعني* وبعد دقائق لفت نظرها موقع إنترنت آخر *هذا الموقع يبدو قديمًا جدًا... لنر ما محتواه...*
دخلت الموضوع وقرأته بالكامل ومن ثم... *تذكرته!! تذكرت كل شيء!!*
..::||الفصل الرابع||::..
*كانت البداية منذ ثلاث عشرة سنة مضت، في فصل الشتاء*
كانت شيماء حينها تبلغ أربع سنوات، أو اقتربت من إكمال الخامسة، وكانت جالسة في غرفتها بمفردها على السرير في منتصف الليل بعد الساعة الواحدة والنصف، وفجأة سمعت صوت خطوات من الشرفة! ثم فتح أحدهم النافذة ليدخل!! كان الهواء باردًا جدًا في الخارج فعندما فُتحت النافذة دخل الهواء البارد إلى الغرفة، فاقشعر جسدها ولكنها لم تخف أبدًا،
فقط سألت والبراءة واضحة على وجهها: من هناك؟
فدخل فتى يقدر له العمر أربع عشرة سنة، كان يرتدي ثوبًا أبيضًا وكان ذو بشرة بيضاء، وشعره أسودًا ناعمًا حريريًا ويملك عينين زرقاوتين فاتحتين، وكان جميل الوجه فيه من الملامح العربية والغربية في نفس الوقت...
أجابها وابتسامة حنونة مرسومة على شفتيه: مرحبًا شيماء... أنا قيس
فتعجبت شيماء وسألته بكل براءة: كيف لك أن تعرف اسمي؟ أنا لم أسمع بك قط؟
فأجابها قيس وما زال مبتسمًا: أعلم أنكِ لا تعرفينني ولكنني أعرفكِ جيدًا
مد قيس يده لها وقال: ما رأيك أن نصبح صديقين؟
تعجبت شيماء وسألت: صديقين!؟ أحقًا سنصبح صديقين؟
جلس قيس مقابلاً لها على السرير وأمسك بكفه الدافئة وجهها البارد وقال: أجل... لماذا الحيرة، ألا تصدقين؟
أجابته شيماء: لا ولكن متعجبة
قيس: ولِمَ التعجب؟
شيماء: لأنها أول مرة يطلب مني أحد مصادقتي
فرد عليها: إذًا فأنتِ وحيدة مثلي فلماذا لا نصبح نحن الاثنين صديقين؟
فرحت شيماء وحركت رأسها ونزل شعرها الطويل على وجهها وقالت: حسنًا
قيس: سوف آتيك كل ليلة
شيماء: حسنًا
قيس: الآن أليس علينا التعرف على بعضنا أكثر؟
سألته شيماء مرة أخرى بكل براءة كالمعتاد: ماذا تعني؟ نحن نعرف بعضنا البعض الآن فأنا أعرف اسمك وأنت تعرف اسمي...!!
قيس: لا... أعني أنه عليّ أن أكون على علم بما تحبين وتكرهين وما يخيفك أو يسعدك، وأنتِ أيضًا يجب أن تعرفي هذه الأشياء عني، فالأصدقاء لا يخفون شيئًا عن بعضهم... لنبدأ باللون، ما هو لونك المفضل؟
ردت عليه بابتسامة عريضة: أنا أحب الأزرق
قيس: ولماذا تحبين اللون الأزرق؟
فكرت شيماء قليلاً ثم قالت وبكل طفولة: لأنه لون السماء والبحر
فأجابها قيس بسؤال حيرها: وهل ترين البحر والسماء شيئين مهمين في حياتك؟
لم تعرف كيف تجِبه على سؤاله فسألته بالمقابل: إذًا أي لون تفضل أنت؟
قيس: أفضل اللون الأحمر
شيماء: ولماذا الأحمر بالذات؟
قيس: لأنه لون الدم
قالها وبنفس الابتسامة الرقيقة المرتسمة على شفتيه!!
فسألت شيماء قيس السؤال نفسه الذي لم تستطع الإجابة عليه: ولماذا تحب الدم؟
قيس: لا أحد يستطيع العيش بدون دم
شيماء: ولكن لماذا لا تحبه لأنه لون الزهور؟
قيس: أولاً يوجد من الزهور ألوانًا عديدة، وثانيًا لأن لونها ليس أصليًا... ألا تصبح بنيّة اللون وتذبل بعد فترة؟
شيماء: هذا صحيح
قيس: ولكن الدم مهما سرى في جسدك وترعرعتِ وكبرتِ لن يتغير لونه
شيماء: أتعلم... أنت ذكي حقًا
ثم سألت وهي مبتسمة: حسنًا قل لي ماذا تفضل من ألعاب؟
قيس: أنا لا أحب اللعب
شيماء: لماذا؟
قيس: لأني لا أجد لعبة مسلية
شيماء: إذًا ماذا تفعل عندما تشعر بالفراغ؟
قيس: أقتل
شيماء متعجبة: تقتل؟ تقتل ماذا؟
قيس: البشر
فسألت بتعجب ولم تخف مما قاله: ولماذا تقتل الناس؟ أأنت إنسان سيء؟
قيس: لا أنا لست سيئًا، ولكن، إن كنتِ تملكين أبًا قاسيًا دائمًا يضربك ويعذبك بغير سبب ألن تتمني له الموت؟ ألا يستحق الموت؟
شيماء: بلى ولكن لا يوجد آباء بهذا الشكل
قيس: بل يوجد يا عزيزتي ولكنكِ تجهلينهم، أنا أقتل هذا الصنف من البشر، الناس السيئين
شيماء: فقط تقتل هذا النوع؟
قيس: لا، يوجد أنواع عديدة من الناس الطغاة والمجرمين ولكن لا يوجد الوقت الكافي لأعددهم لكِ الآن
شيماء: لماذا لا نملك الوقت؟ لدينا وقت طويل حتى الغد
قيس: لا يا عزيزتي فأنتِ تحتاجين إلى النوم الآن وسآتيك غدًا... أنا ذاهب الآن
سار قيس متجهًا نحو النافذة ليخرج عبرها كما دخل
فسألت شيماء بحيرة: لماذا لا تخرج من الباب الأمامي؟
قيس: أفضّل الخروج من النافذة، فهنا المتعة
قالت شيماء بابتسامة: حسنًا ولكن تعال إلى هنا غدًا
قيس: كما تأمرين، مع السلامة يا حلوة
شيماء مبتسمة: مع السلامة
وفي صباح اليوم التالي، بينما كانت الشمس تتوسط السماء وتنيرها، كانت شيماء ما زالت في سباتها حتى أتت الساعة العاشرة والنصف، فدخلت عليها والدتها الغرفة ووجدتها نائمة، ففتحت الستائر ليدخل النور
نادتها والدتها بصوت عالٍ: شيماء استيقظي لماذا أنتِ نائمة حتى هذا الوقت؟ لقد عدت من عملي وأنت ما زلت نائمة؟
نهضت شيماء وجلست في مكانها تفرك عينيها: أمي دعيني أنام قليلاً
بثينة: لا، يكفيك نومًا
بدأت شيماء تفكر بما جرى لها في الليلة الماضية وكيف تربطه بحالها الآن: *إنه الصباح، لماذا؟! أكان حلمًا؟ إن لم يكن كذلك فإن قيس سوف يأتيني هذه الليلة أيضًا فعلي أن أنام كثيرًا حتى أستطيع البقاء معه وقت أطول*
ثم استلقت مرة أخرى على السرير وغطت وجهها الصغير لتعود مرة أخرى إلى النوم، فبدأت بثينة تحاول سحب الفراش عنها ولكنها كانت ممسكة به بقوة
بثينة بعتاب: استيقظي شيماء، على الأقل تناولي فطوركِ
شيماء بتذمر: لا أريد لا أريد، أريد النوم
وبعد إلحاح من والدتها قامت من فوق السرير متجهة نحو المطبخ لتأكل رقائق الذرة مع الحليب
ظلت شيماء جالسة في المطبخ تشعر بالملل والفراغ الشديد: *أففففف عاد الملل مرة أخرى، أتت والدتي لتيقظني ومن ثم خرجت وتركتني إذًا لماذا أيقظتني؟ تريدني أن أبقى وحيدة وأشعر بالملل. متى سأذهب إلى المدرسة ويكون لي أصحاب كُثُر؟ ولكن الآن لدي قيس فنستطيع اللعب سويًا ليلاً، ولكنه قال بأنه لا يحب اللعب، ربما لأنه لا يملك أحدًا يلعب معه؟ لدي فكرة!*
ذهبت شيماء إلى غرفتها الزهرية، واستلقت على بطنها على الأرض وبدأت ترسم بالألوان في كراستها *سأريه هذه الرسمات ربما يكون من محبي الرسم*
وبعد أن انتهت من الرسم أخذت الصور وخبأتها في الدرج المجاور للسرير *سوف أحتفظ بهم حتى الليل وأتمنى أن يأتِ قيس هذه الليلة*
..::||الفصل الخامس||::..
عندما أتى الليل لتطغي ظلمته على شوارع الحي، جاء قيس لزيارتها من النافذة في تمام الساعة الثانية عشرة وخمس دقائق
ألقى عليها التحية بابتسامة تنبع منها الروح: مساء الخير شيماء
فرحت شيماء ونهضت من مكانها جارية نحوه: أتيت اليوم يا قيس!؟
ذهبت عنده وأمسكته من ذراعة فبدأ يمسح على رأسها بكفه الناعمة الدافئة وقال لها متبسمًا كعادته: ألم أقل لكِ أنني سآتيك كل ليلة؟
أجابته شيماء والسعادة تملأ قلبها: أجل ولكن مع هذا خفت أن يصيبك ظرف ولا تأتي
قيس: لا، لا تخافي سآتيك كل ليلة، فهل لي غيرك؟
ثم أمسكته من يده بكفيها الصغيرين وبدأت تجره نحو السرير: كنت أنتظرك لأريك شيئًا
قيس: أها... وماذا سترينني؟
ذهبت شيماء وفتحت الدرج وأخرجت الرسمات وأعطتها لقيس: انظر، رسمتهم لك... أأعجبوك؟
قال لها قيس بنبرة صادقة مفرِحة: واااااو رسمك رائع... أنا لا أستطع رسم زهرة حتى
ثم جلس على السرير معها وبدأ يمرر بين الأوراق
قالت له شيماء بحزن: أوووه... كنت أفكر بأننا سوف نرسم سويًا اليوم
ذهبت خلفه وهو ينظر إلى الرسمات وبدأت تشاهدهم معه وهي متعلقة على ظهره
شيماء: أيهم أعجبتك أكثر؟
قيس: اممممم... دعيني أرى
كانت شيماء قد رسمت خمس رسمات (رسمت نفسها / قيس / بيت / سمكة / ورسمة وهي تضم أمها)
أشار قيس على صورته وسأل: هذا الصبي هو أنا، صحيح؟
شيماء: أجل
قيس: يشبهني كثيرًا، رسمك جميل حبيبتي
شيماء: شكرًا
قيس: وهذه الفتاة هي أنتِ؟
شيماء: أجل
قيس: ولكن من هذه التي تضمك في الصورة الأخرى؟
شيماء: إنها أمي
قيس: لماذا رسمتها هكذا؟ أهي تضمك دائمًا؟
تغيرت ملامح شيماء ونهضت عن ظهره وقالت بضيق: أمي مشغولة دائمًا لأني لا أملك أبًا فلا تملك الوقت الكافي لتجلس معي... لا أذكر حتى متى كانت آخر مرة ضمتني فيها ولكنني لا أعلم لماذا رسمت هذه الرسمة
قيس: أها... أتعلمين، جميع الصور رائعة ولكن في نظري هذه هي الأفضل
شيماء: ولكنني أرى السمكة أجمل؟
قال قيس بكلمات تخرج من الفؤاد: كلما كانت الرسمة تعبر عمّا في داخلك زاد جمالها، في نظري أفضل رسمة هي التي ظهرتي فيها تضمين والدتك لأنها عبرت عن مشاعرك ورغبتك في هذا الشيء والثانية هي عندما رسمتني، على الرغم من أنك رأيتني مرة واحدة في حياتك أتقنتِ الرسم، أما رسمتا البيت والسمكة فأظنها مجرد زيادة للعدد لا غير
شيماء: ماذا تعني بزيادة للعدد؟
قيس: لا يهم انسي الأمر
عم الهدوء المكان لبضع لحظات. كانت شيماء مطأطأة رأسها وبان عليها الحزن، امتلأت عيناها بالدموع فلم يحتمل قيس منظرها
قيس: ما بك يا شيماء؟ أما زلت حزينة لأن والدتك مشغولة عنكِ دائمًا؟
ومن ثم أمسك بذقنها ورفع رأسها فجعلها تنظر في عينيه الزرقاوتين، وبدأ ينظر في عينيها المليئتين بالدموع ولكنها تحاول كتمانها
فقال قيس محاولاً التخفيف عنها: أمك تحبك حتى وإن لم تقضِ وقتها معكِ
شيماء بصوت متقطع: ولكنني دائمًا لوحدي وأشعر بملل شديد
قيس: لن تشعري بالملل يا غاليتي طوال فترة بقائي معكِ
شيماء: ولكنك لا تأتي إلا ليلاً
قيس: لا بأس، فكلاً يحتاج إلى قضاء نصف يومه بمفرده لأنك بالتأكيد تملكين أشياء خاصة لا تريدين فعلها برفقة أحد، وإن شعرت يومًا بالملل فشاهدي التلفاز أو ارسمي أو العبي بأي لعبة تحبينها
ومن ثم فتح ذراعيه وقال بصوته الهادئ الخارج من ثغره المتبسم: تعالي إلى حضني، إن كنت قد فقدتِ الحنان من والديك فبإمكانكِ أخذه مني
ظلت شيماء في مكانها متعجبة لا تفهم ما يقوله: *ما معنى هذا الذي قاله؟!*
أخذ قيس بيدها وسحبها إليه ومن ثم ضمها إلى صدره وقال لها: جسمكِ باردٌ يا حبيبتي لماذا لا ترتدين ملابس نوم بأكمام طويلة؟
شيماء: أمي ألبستني هذه بعد أن حممتني *جسمه دافئ جدًا على الرغم من برودة الجو!!*
قيس: أخبري والدتك بأن الجو بارد وأنك تشعرين بالبرد فعليها أن تلبسك ملابس سميكة وطويلة *أم مهملة*
رفعت شيماء رأسها ونظرت في وجهه وقالت: حسنًا سأخبرها
بقيت قليلاً في حضنه وهو يضمها ويلعب بشعرها، ومن ثم رفعها عن حضنه ووضعها على السرير
قيس: حسنًا أنا ذاهب الآن
لم تشأ شيماء فراق ذلك الحضن الدافئ، شعرت وكأنها لحظات لن تتكرر، بدأت تنظر إلى ظهره وهو يغادر ولكنها أوقفته بصوتها فالتفت نحوها وهي تقول: انتظر لحظة!! لدي سؤال... أنت أكبر مني بكثير فلماذا اخترتني بالذات لتصادقني ولم تذهب إلى أحد في نفس عمرك؟
قيس بابتسامته المعتادة: سوف أخبرك بعد تعمق علاقتنا أكثر
شيماء: لماذا لا تنام معي الليلة؟
قيس: لا أستطيع يا عزيزتي فلدي عمل أقوم به، سأحاول في يومٍ آخر
فتح النافذة ولوح بيده يودعها: أراكِ غدًا، إلى اللقاء
شيماء بحزن: مع السلامة
خرج وقفز من الشرفة، فتساءلت شيماء متعجبة: *كيف له أن يأتِ ويخرج من الطابق الثاني؟!*
*قيس كان أول من جعلني أشعر بأني لست وحيدة في هذا العالم وكان أول وآخر صديق أمين عرفته طوال الفترة التي عشتها وهو الذي أعطاني الحنان الذي فقدته من أمي وأبي...*
..::||الفصل السادس||::..
بعد ثلاثة أشهر من زيارة قيس لشيماء يوميًا، أتى قيس كعادته لزيارتها عند قدوم الليل
جرت شيماء نحوه بلهفة لتضمه: قيس! لقد تأخرت قليلاً لماذا؟
قبل أن تصل إليه أمرها قيس بالتوقف: لا تقتربي أكثر وإلا اتسختِ
كان ثوبه أحمر اللون من كثرة الدماء الملطِّخة له، فقالت شيماء بإحباط: أووووه، أتيت اليوم وثوبك ملطخ بالدماء أيضًا؟
فرد عليها قيس بابتسامة: آسف يا عزيزتي
ثم سألته بابتسامة طفولية: حسنًا قل لي، كم قتلت اليوم؟
قيس: قتلت اليوم إثنين فقط
شيماء: حقًا!! رااائع، ما هي أسماؤهم وماذا فعلوا لتقتلهم؟
ثنى قيس ثوبه للأعلى وربطه حتى لا تتسخ الأرض عند جلوسه، ثم جلس بعيدًا عن شيماء بقرب النافذة واستند للجدار وبدأ بالقص عليها
قيس: الأول اسمه خالد وقد قتلته لأنه كاد أن يعتدي على فتاة وكانت تستنجد فساعدتها
شيماء وبكل براءة: ما معنى يعتدي عليها؟
قيس: ستعرفين عندما تكبرين
شيماء: حسنًا، والآخر
قيس: رجل يدعى جابر، قتل ابنته الصغيرة وكاد أن يقتل زوجته أيضًا ولكنني منعته
شيماء بحزن: ولماذا قتلها؟
قيس: سكّير ولا يشعر بنفسه
شيماء: وما معنى سكير؟
قيس: عصير ذو رائحة كريهة إذا شربه البشر ضاعت عقولهم ويبدؤون بالقيام بأعمال عشوائية وشاربين هذا الشراب يسمونهم سكيرين
شيماء: إذا كان يفعل بهم هكذا فلماذا يشربونه؟
قيس: لأنهم متخلفين... على أية حال، غدًا سيكون يومًا مميزًا
شيماء متعجبة: لماذا؟
قيس: سيصبح عمرك خمس سنوات، ألا تعرفين؟
فرحت شيماء وشبكت أصبعها أثناء كلامها: حقًا؟! هذا يعني أنني سأكبر!!
قيس: أجل، ألا تعرفين هذا؟
شيماء: لا... فأمي لم تخبرني
قيس: حسنًا سأتركك الآن لتنامي
شيماء بإلحاح: لا، أريدك أن تبقى معي!!
قيس وهو يبتسم لها: كما تشائين، سأبقى بجوارك حتى قريب الفجر
شيماء: لماذا لا تبقى إلى أن تنهض أمي من نومها؟
قيس: لا أستطيع، فلدي عمل أقوم به
شيماء: وما هو العمل؟
قيس: سأخبركِ فيما بعد
أشرقت الشمس وشيماء ما زالت نائمة كعادتها، فبعد تعرفها على قيس قلبت النهار ليلاً والليل نهارًا، ففي هذه الأثناء، كانت بثينة والدة شيماء جالسة في غرفة المعيشة مع جارتها تتحدثان
الجارة: لم تقولي لي ما الذي حصل لابنتك؟! كلما آتي لزيارتكِ لا أراها!!
بثينة بضيق: لا أعلم، فأنا أخاف عليها كثيرًا فهي تنام طوال النهار
الجارة: وماذا عن الليل؟
بثينة: أذهب إلى غرفتها قبل نومي وأراها نائمة أيضًا، لا أعلم إن كانت تستيقظ في الليل أم لا
الجارة: ابنتك تشعر بالوحدة فلماذا لا تتزوجين مرة أخرى لتنجبي لها شقيق أو شقيقة؟
بثينة: لا أريد التزوج وأتعب حالتها النفسية، فربما لا تتقبل الوضع
الجارة: إذًا ستتركينها هكذا؟
بثينة: لا بأس فقد اعتادت على الوضع...
حتى الأن لم تدرك بثينة ما يجري لابنتها كل ليلة، فهي امرأة لا تجد وقتًا تتفرغ فيه لشيماء، فتارة في الخارج للعمل وتارة تؤدي أعمال المنزل... وعندما أتى الليل، دخل قيس من النافذة وبانت عليه الفرحة
قيس: مساء الخير شيماء، أحضرت معي اليوم هدية لك، أصبح عمرك اليوم خمس سنوات كل عام وأنتِ بخير
شيماء فرحة: حقًا!! *إنها أول مرة يحضر فيها قيس هدية لي* أريد رؤيتها أريد رؤيتها
ثم أخرج تلك السكين من جيب ثوبه وجلس خلفها على السرير وقام بتلبيسها
شيماء بسعادة تامة: وااااو إنها رائعة
قيس: دعيها معلقة في عنقك دائمًا
شيماء متعجبة: لماذا؟ ماذا سأفعل بها؟
ثم جلس قيس أمامها وأمسكها من كتفيها بكلتا كفيه وقال لها وهو يحدق في عينيها الناظرة إليه: قد تستخدمينها يومًا للدفاع عن نفسك
فردت عليه شيماء بتلك الابتسامة التي ملؤها البراءة: كلامك صحيح
ثم قال لها قيس بصوته الناعم: لا تخبري أحدًا بأني أنا من أهديتكِ إياها
شيماء: حاااضر... ولكن والدتي لن تسمح لي بأن أحمل معي سكينًا
قيس: لا تدعيها تكشف أمرها، دعيها دائمًا تحت ردائك
شيماء: وإن شاهدتها أثناء تحميمي؟
قيس: بإمكانكِ خلعها قبل موعد الاستحمام، لا بأس
ثم أمسكت بالسكين بكفها الناعمة وبدأت تنظر إليها محاولة معرفة ما المكتوب عليها فسألته: ما هذا الذي كتب عليها؟
قيس: إنه تاريخ مولدك، الأول من يناير
شيماء: أهذا يعني أنني سأكبر كلما أتى هذا التاريخ؟
قيس: أجل يا حبيبتي
شيماء: حسنًا وما هو تاريخ مولدك؟
قيس: ستعرفين كل شيء عندما تكبرين
شيماء: لماذا لا تخبرني الآن؟
قيس: لم يأتِ الوقت المناسب لإخبارك
شيماء: ومتى سيأتي الوقت المناسب؟
قيس: عندما يلاحظ الجميع التغير الذي طرأ عليك بعد تعرفك علي
لم تفهم شيماء ما يعنيه: هاه!!
ثم نظر قيس إلى الساعة المعلقة على الحائط وكانت الثالثة والخمس دقائق، فتغيرت ملامحه وارتبك: *الساعة الثالثة فجرًا!!*
ثم ابتسم مرة أخرى ونظر إلى شيماء وهو ممسك بوجهها: حبيبتي علي المغادرة الآن لدي عمل
أمسكت شيماء بذراعه متعلقة به لكي لا يذهب عنها وقالت والدموع تتجمع في عينيها: اجلس معي قليلاً فأنت أتيت متأخرًا
قيس: أعدك أن لا أتأخر مرة أخرى
كادت شيماء أن تبكي: فقط خمس دقائق
قيس: آسف حبيبتي ولكن لدي عمل مهم
شيماء: ما هذا العمل الذي لا يأتي وقته إلا الفجر؟
قيس: أقرأ كتبًا
شيماء: تقرأ؟! تستطيع القراءة وقت آخر
قيس: لا أستطيع القراءة سوى في هذا الوقت سأخبرك التفاصيل فيما بعد علي المغادرة الآن
شيماء بتذمر: دائمًا تقول فيما بعد
قيس محاولاً التخلص بأسرع فرصة: إلى اللقاء
ثم تركها هاربًا بسرعة، أما شيماء فجلست على الأرض مستاءة
شيماء: *دائمًا أسمع الكلام نفسه، أشعر أنه يخفي عني أشياء كثيرة ولا يريد الإفصاح عنها، متى سيأتي اليوم الذي سأفهم قيس جيدًا؟ أتمنى لو أنه يجلس معي طوال اليوم*
..::||الفصل السابع||::..
وبعد ستة أشهر، كفلت بثينة سائقًا ليتكفل هو والخادمة بأخذ شيماء إلى الروضة. وفي المساء كانت شيماء جالسة في حضن قيس وتتحدث معه
شيماء بفرحة: غدًا سيكون أول يوم للدوام المدرسي
قيس: إنك تكبرين بسرعة يا عزيزتي، من سيأخذك إلى الروضة؟
شيماء: بما أن دوام عمل والدتي يصادف موعد المدرسة فسأذهب مع الخادمة والسائق
قيس: إذًا يجب عليك النوم مبكرًا لكي لا تنامين في الفصل
شيماء: لا، لا بأس، سأنام فور عودتي
قيس: أتعنين أنكِ لا تنامين بعد مغادرتي لك؟
شيماء: لا، فأنا أبقى مستيقظة حتى الظهيرة
قيس: بما أن نظامك هكذا فسأبقى معكِ...
ثم قال لها ليتم فرحتها: بما أنكِ لا تنامين فور مغادرتي فلماذا لا أقوم أنا بتسريح شعرك للمدرسة؟
نهضت شيماء من فوق حضنه فرحة وجلست مقابلة له تتحدث: حقًا!! هل تعرف كيفية عمل الضفيرة؟
قيس: أجل بالتأكيد، أتريدينها؟ إذًا اجلسي في حضني سوف أسرحها لك
أحضرت شيماء المشط وهي تقفز وعادت لتجلس في حضنه فبدأ يمشطها
شيماء: قيس،. هل تملك إخوة أو أخوات أصغر منك؟
قيس: لا، لا أملك صغارًا ولا كبارًا
شيماء: ألا تشعر بالملل وأنت وحيد في المنزل؟
قيس: لا، قلت لك طوال فترة وجودي بعيدًا عنكِ أقرأ الكتب، وفي الليل قبل مجيئي إليك أقتل بعض المجرمين أحيانًا أو بعد مغادرتي إذا غادرت مبكرًا
قالت شيماء وهي مبتسمة فقد أصبح شعور الوحدة مألوفًا لديها: أنا من دونك أشعر بالملل وإن كنت أتسلى بشيء ما لا أشعر بالفرح كما عندما أكون معك
قيس: لا بأس، الآن ستذهبين إلى المدرسة وستكونين صداقات كثيرة
وبعد ما انتهى قيس من تسريحه شعرها قال: انتهيت
فنهضت شيماء من حضنه مسرعة وبدأت تنظر إلى صورتها المنعكسة في المرآة، وسعدت جدًا بشعرها: شكرًا، سأخبر الجميع بأنك أنت من سرحها لي لأن الناس يقولون بأن الصبيان لا يعرفون تسريح شعر الفتيات
وبعدها ضم قيس شيماء بقوة وكأنه لا يريد فراقها، وكانت ملامحه كئيبة وتدل على الوحدة، لكنها لم ترَ تلك الملامح، ثم ابتسم مرة أخرى لكي لا تشاهد ذلك التعبير وتركها وبدأ ينظر في وجهها قائلاً: حسنًا حبيبتي علي المغادرة الآن
شيماء: أتعلم؟ لو أن لك أختًا صغرى لأحبتك كثيرًا، ليتني أختك
قيس: وأنا أتمنى لو أنكِ أختي أيضًا... لو كان لدي أخت لما حدث ما حدث
شيماء متسائلة: لماذا؟ ما الذي حدث؟
قيس: سأخبركِ عندما تكبرين قليلاً
ثم تركها مودعًا ولكن هذه المرة تركها وشيماء سعيدة ومتلهفة للدوام المدرسي، لا تعرف ما الذي سيلحق بها بعد خروجها من المنزل كل يوم إلى المدرسة، وما يخبئ لها القدر، وعندما أتت الساعة السادسة والنصف، كانت الخادمة تنادي شيماء
الخادمة: أسرعي شيماء سنذهب إلى المدرسة الآن
شيماء: حسنًا، أنا قادمة
ركبتا السيارة وبدأت شيماء تتساءل والابتسامة لم تفارق وجهها منذ ركوبها حتى وصولها: *كيف سيكون شكل المدرسة؟ هل حقًا سأجد أناس يحبونني؟ هل سيكون هناك أولاد وبنات بعمر قيس أم فقط بعمري؟ قيس قال بأنني سأكوّن صداقات كثيرة هنا وهذا ما أريده، لا تهمني أعمارهم*
وصلت شيماء إلى الروضة ودخلت من الباب الرئيسي لوحدها، وهي تمشي في الساحة شاهدتها مدرستين وبدأتا تتحدثان عنها
نعيمة: انظري إلى تلك الفتاة... اسمها شيماء، أوصتنا والدتها عليها
شيخة: لماذا توصينا؟ ألا نعرف عملنا؟
نعيمة: لا ولكن والدتها مطلقة من زوجها فهي لا تملك أبًا منذ صغرها وهي دائمًا تجلس بمفردها لأن والدتها مشغولة عنها طوال الوقت، فهي تخشى أن ابنتها لن تتأقلم مع الناس
شيخة: فهمت... حقًا إنها مسكينة
ثم ذهب نعيمة إلى شيماء وانخفظت لها لتحدثها
نعيمة: صباح الخير حبيبتي شيماء كيف حالك اليوم؟
فسألت شيماء بتعجب: كيف تعرفين اسمي؟
نعيمة: من منا لا يعرف شيماء الحلوة؟ لنذهب سويًا إلى الفصل لنلعب معًا
فرحت شيماء وقالت: ماذا سنلعب، ماذا سنلعب؟!
نعيمة: أي شيء تحبينه
شيماء: إذًا لنرسم سويًا
نعيمة: سوف تكون هناك حصة خاصة للرسم
بدأت شيماء تلعب في الساحة بكل براءة وهي تنتظر الساعة التي ستمسك بها الألوان لتبدأ رسم ما يدور في خاطرها، كانت تلعب في بادئ الأمر على انفراد، ولكن عندما رأت الأطفال وهم يلعبون سويًا، انضمت إليهم. وفي حصة الرسم...
نعيمة ببشاشة: هيا يا صغاري، كل واحد منكم يمسك باللون الذي يفضله وستجدون أمامكم أوراق بيضاء لترسموا فيها أكثر شيء تحبونه لكي نستطيع فهمكم أكثر
أمسك جميع الطلاب أقلامهم وبدؤوا يخربشون على الورق، منهم من رسم شيئًا مفهومًا ومنهم من لم يستطع رسم شيء سوى الخطوط العشوائية، فبدأت نعيمة تمشي بين الطلاب وترى رسماتهم
أحد الفتيات: مدرّستي انظري، لقد رسمت زهرة باللون الوردي
أحد الفتيان: وأنا رسمت البحر... أحب الذهاب إلى الصيد مع والدي
نعيمة: ما شاء الله، رسمكم رائع جدًا
ثم نظرت إلى شيماء من الخلف وهي ترسم وذهبت من خلفها لترَ اللوحة
نعيمة: ماذا عنكِ يا شيماء؟ ما الذي رسمتِه؟
شيماء بابتسامة ملؤها البراءة: أوه، لقد أنهيتها للتو انظري إليها
ثم مالت قليلاً إلى الجنب لتدع المدرّسة ترى الرسمة، لم تصدق نعيمة ما رأته، فزاد خفقان قلبها وشعرت بارتباك قليل، وقالت محدثة نفسها: *ما هذه الرسمة التي رسمتها هذه الطفلة!!*
وبعد أن انتهى وقت الدرس ذهبت نعيمة لتتصل بوالدة شيماء فورًا وكان ارتباكها قد زاد ومزاجها قد تعكّر، فاتصلت بهاتفها النقال وقامت الوالدة بالرد عليها
نعيمة: السلام عليكم... أ..أم شيماء؟
خافت بثينة وقالت: وعليكم السلام، أجل أنا والدة شيماء هل حدث مكروه لابنتي؟
نعيمة: أريدكِ أن تأتِ أنتِ لاصطحابها هذا اليوم فأود أن أناقشك في موضوع
خافت بثينة أكثر وقالت: لماذا؟ ما الذي حصل لشيماء!؟
نعيمة محاولة التخفيف من ورعها: لا تخافي، فالموضوع ليس بتلك الخطورة ولكن نريد منك الحضور
أغلقت نعيمة الخط بعدما وافقت بثينة على المجيء، وقبل انتهاء الدوام بدقائق ذهبت إلى المدرسة ودخلت غرفة المدرسات لتقابل مربّية فصل شيماء ألا وهي نعيمة
بثينة: السلام عليكم
المدرسات: وعليكم السلام ورحمة الله
بثينة: أنا والدة شيماء...
نعيمة: أوه أهلا... تفضلي بالجلوس
جلست بثينة على الكرسي وجلست نعيمة مقابلة لها وبدأت تتحدث
نعيمة: آسفة على الإزعاج ولكن يوجد أمر مهم يخص ابنتك ولا أعلم إن كنتِ تعرفين عنه أم لا
بثينة بخفقان قلب سريع: أخبريني بسرعة ما الأمر، لقد أفزعتني!!
نعيمة: إنه ليس بتلك الخطورة، كل ما حدث هو...
وبدأت تقص عليها ما حدث...
عندما ذهبت نعيمة لتشاهد ما رسمته شيماء
نعيمة: ماذا عنكِ يا شيماء؟ ما الذي رسمتِه؟
شيماء: أوه، لقد أنهيتها للتو انظري إليها
ثم مالت قليلاً إلى الجنب لتدع المدرّسة ترى الرسمة، كانت شيماء قد رسمت سكينها التي أعطاها إياها قيس وباللون الأحمر، وكانت السكين ملطخة بالدماء وما حولها
نعيمة بدهشة وارتباك: ما هذا!!؟؟
شيماء: إنها سكين وملطخة بدماء المجرمين... هل أضيف بقع أخرى؟
وبدأت ترسم بقع باللون الأحمر
شيماء: سأضع بقعة هنا.. وهنا.. و...
ثم جلست نعيمة بجانبها، وأمسكت شيماء من كتفيها، وغيرت هيئتها لتقابلها، وقالت بشفقة: لماذا قمتِ برسم صورة كهذه؟!!
شيماء وما زالت مبتسمة: لأنك قلتِ أن علينا رسم ما نحبه وبلوننا المفضل
نعيمة: ولماذا تحبين السكين واللون الأحمر؟!
شيماء: لا أستطيع إخبارك عن سبب حبي للسكين فهو سر، أما اللون الأحمر فهو لون الدم
لم تستطع نعيمة الرد عليها، فظلت واقفة عاجزة تنظر إلى ظهر شيماء بكل أسى
وبعد أن قصت نعيمة ما حدث على والدة الطفلة انهارت بثينة باكية
بثينة: لا أصدق أن ابنتي تفعل شيئًا كهذا
نعيمة: أنا لا أعرف أسرار العائلة ولا أود التدخل ولكن ابنتك تحتاج إلى رعاية خاصة واهتمامًا أكبرًا، لا أود مضايقتك ولكن إن كانت ابنتك لا ترَ أن ما فعلته خاطئًا فأظنها تحتاج إلى علاج نفسي فلم أقابل يومًا طفلة لها تفكير مثل ابنتك!! أرجوا أن هذا الكلام لم يضايقك
بثينة: لا أبدًا... سأحاول... على الرغم من أنني لا أعرف أطباء نفسيين
نعيمة: سأبحث معكِ عن واحدًا جيدًا، فهذا واجبي كمربيتها
..::||الفصل الثامن||::..
خرجت والدة شيماء من غرفة المدرسات واتجهت نحو فصل ابنتها، دخلت الباب ولم ترَ سوى القليل من الأطفال ومن بينهم ابنتها
نهضت شيماء من مكانها وجرت نحو والدتها: أمي، لماذا تأخرتِ؟
كانت تبتسم والدتها لها كي لا تلاحظ الابنة تغير وجهها: لقد أتيت مبكرًا ولكن كنت أتكلم مع أستاذتك
شيماء: حسنًا إذًا، لنعُد إلى المنزل
عادت شيماء ووالدتها إلى البيت، فاتجهت والدة شيماء مباشرة إلى غرفتها لتبحث عن طبيب نفسي يعرف التعامل مع الأطفال، فواصلت البحث في الصحف والمجلات والإنترنت لساعات عدة ولكنها لم تجد شيئًا يذكر، وفجأت أتاها اتصال من رقم غريب فأجابت عليه
بثينة: السلام عليكم
المتصل: وعليكم السلام ورحمة الله، هذه نعيمة مربية فصل شيماء
بثينة: أوه... مرحبًا، أهذا رقم منزلك؟
نعيمة: أجل... على أية حال لقد اتصلت الآن لأعطيك رقم هاتف طبيب نفسي
بثينة: حقًا؟ شكرًا لك
نعيمة: لا شكر على واجب، هذا هو الرقم ******* واسم الطبيب أحمد إسماعيل وينادونه بأبي يوسف، سأرسل لكِ عنوان العيادة كرسالة
بثينة: شكرًا يا نعيمة
نعيمة: حسنًا أتركك الآن
بثينة: مع السلامه
فور انتهائها من مكالمتها مع المعلمة اتصلت بالطبيب فرد عليها
أحمد: السلام عليكم
بثينة: وعليكم السلام، دكتور أحمد إسماعيل؟
أحمد: أجل... تفضلي؟
بثينة: في الحقيقة لا أعرف من أين أبدأ
أحمد: ابدئي من أي مكان... خيرًا ما هي مشكلتك؟
بثينة: المشكلة ليست بي بل بابنتي
أحمد: كم عمرها؟
بثينة: خمس سنوات
أحمد: حسنًا ما بها؟
كان أسلوبه جاف جدًا مما جعل والدة شيماء لا ترتاح في حديثها، ولكنها أخبرته بما جرى في يوم شيماء الأول في الروضة
أحمد: امممممم... هل تدعين ابنتك تشاهد الأخبار أو أفلام الرعب والقتل أو هل تشترين لها ألعاب إلكترونية دموية؟
بثينة: لا مستحيل... فأنا ألغيت جميع القنوات ولم أترك سوى قنوات الأطفال لأنني لا أشاهد التلفاز لكثرة أعمالي، وغير هذا، ابنتي لا تملك ألعابًا إلكترونية أبدًا
أحمد: حسنًا هل تملك أختًا أو أخًا أكبر منها أو أحد أبناء الجيران أو الأقارب الذين من المحتمل أن تسمع منهم هذا الكلام؟
بثينة: وهذا ما يحيرني يا دكتور، فهي لا تجلس مع أحد ولا تعرف أحدًا فلا أعلم من أين أتت بهذه الأفكار
أحمد: هل أنتِ تراقبينها أربعًا وعشرين ساعة؟
بثينة بإحراج: في الحقيقة أنا لا أجلس معها إلا قليلاً لأنني لا أملك زوجًا فجميع أعمال المنزل أنا التي أقوم بها وهي تبقى وحيدة مع الخادمة في المنزل
غضب الطبيب وقال: أتتكلين على الخادمة في كل شيء؟!!
صمتت بثينة منحرجة ولم تستطع التفوه بكلمة: .....
أحمد: هل حاولتِ التحدث معها في الموضوع؟
بثينة: ... لا... ولكن لا أظن الخادمة ستعلّم ابنتي هذه الأشياء
أحمد: وما أدراكِ؟ تقولين بأنه لا أحد يجلس معها سوى الخادمة
بثينة: أجل ولكن لا تجلس معها بل فقط تكون في البيت بالقرب منها
أحمد: وما أدراكِ؟
بثينة: لأن ابنتي قالت بأنها لا تحب الجلوس مع الخادمة لأنها لا تجيد العربية وأنها تشعر بالملل وهي بمفردها في المنزل دائمًا
أحمد: إذًا مشكلة ابنتك هي الوحدة
بثينة: ... إذًا ماذا أفعل لها؟
أحمد: ماذا تفعلين؟ حاولي إحضارها إلي في أسرع وقت. لم تقولي لي ما اسمها؟
بثينة: شيماء. حسنًا دكتور، هل أستطيع احضارها اليوم بعد صلاة المغرب؟
أحمد: لا بأس، وقت ممتاز، وأحظري معكِ اللوحة التي رسمتها دون أن تلاحظ ابنتك أنها بحوزتك
بثينة: حسنًا
وانتهى الحوار بينهما على ذلك...
جلست بثينة على مكتبها تفكر قليلاً في موضوع ابنتها وانعزلت بمفردها في الغرفة، ولكن كلّما فكرت أكثر زاد ضيق صدرها وبكت لأنها لا تملك أدنى فكرة عمّا يجري لشيماء
وعندما أتت الساعة السادسة والنصف، خرجت من الغرفة ورأت شيماء جالسة أمام التلفاز وتأكل رقائق البطاطس، فاقتربت منها لتحدثها
بثينة بصوت لطيف: حبيبتي شيماء، تعالي معي سآخذك إلى مكان ما
فزعت شيماء فلم تلحظ قدوم والدتها، ثم قالت: من أين خرجتِ؟ أين كنتِ؟ وأين ستأخذينني؟
بثينة: لقد حدّثت رجلاً عنك يدعى أبو يوسف وقال أنه يود مقابلتك لكي يعرفك أكثر
فرحت شيماء كثيرًا وبدأت بالقفز: *هذا يعني بأنني سأجد صديقًا جديدًا!* هيا لنذهب، أنا أود مقابلته أيضًا
تعجبت بثينة من ردة فعلها: *ما بها متحمسة كثيرًا!! ما أعرفه هو أن الأطفال لا يحبون مخالطة الغرباء!*
شيماء: سأذهب لأغير ملابسي، وأنتِ أيضًا يا أمي اجهزي بسرعة
بثينة باندهاش: حسنًا..!!
خرجتا من المنزل وركبتا السيارة، وطوال طريقهما إلى العيادة النفسية وشيماء تفكر كيف سيكون أبو يوسف، شكلاً وصفاتًا ومعاملةً، حتى وصلتا إلى المشفى الساعة السابعة إلا ربعًا، كانت شيماء ستنفجر من الفرح وكأنها ذاهبة إلى الملاهي، ثم جلستا في غرفة الانتظار...
بثينة: شيماء عزيزتي ابقي هنا سأذهب قليلاً وأعود
شيماء: حااااضر
ذهب أمها وأعطت السكرتير اللوحة ليسلمها للطبيب وعادت إلى غرفة الانتظار لتجلس بجوار ابنتها. كانت السعادة مبانة على وجه شيماء وهي جالسة تحرك قدميها الصغيرتين وتغني بصوتها اللطيف.
وبعد ثلاث دقائق نودي باسمها فدخلتا إلى غرفة الطبيب وكان عمره حينها اثنان وثلاثون عام
أحمد مبتسمًا لكي لا يخيف الطفلة: السلام عليكِ شيماء، تبدين مستعدة للنقاش
شيماء بفرح: أجل بالتأكيد
جلس معها على طاولة دائرية موجودة في وسط الغرفة.
وقبل أن يبدأ حديثه قالت شيماء: أبو يوسف، ما رأيك بأن نصبح صديقين؟
تعجب أحمد من مبادرتها في الكلام: هاه!! أجل بالتأكيد سنصبح صديقين ولكن رويدًا رويدًا
شيماء بابتسامتها المبهجة المعتادة: أعلم، يجب أن تعرف عني وأعرف عنك الكثير
تعجب أحمد وقال في نفسه: *أيعقل أن هذه الفتاة وحيدة دائمًا!؟*
أوشك أن يسألها، ولكنها نطقت قبله قائلة: ما هي هواياتك؟
الدكتور: *يبدو وكأنها هي من ستعالجني ولست أنا* أحب القراءة، وأنتِ؟
شيماء: الرسم، أحب أن أرسم كثييييرًا
وجدها أحمد فرصة ليجرها إلى سؤاله، فقال: ولكن هل تجيدينها؟
شيماء: أجل، أتريد أن ترى؟
أحمد: إذا لم يكن لديكِ مانع
ثم أحست شيماء بإحراج قليل وقالت: امممم... أ..أريد قلمًا وورقة
ابتسم لها الطبيب وأعطاها القلم المعلق في جيبه وورقة من دفتر الملاحظات: خذي هذا وارسمي هنا...
ثم بدأ يحدق بوجهها وهي مندمجة بالرسم وسألها: ماذا سترسمين؟
شيماء: انتظر قليلاً وسترى
وبعد انتهائها أهدته الرسمة وكانت قد رسمت الطبيب
أحمد بتعجب: أهذا أنا؟!
شيماء: أجل
أحمد: ولماذا قمتِ برسمي؟
شيماء: أحب أن أرسم كل شخص جديد أتعرف عليه
أحمد: *حقًا إنها طفلة غريبة!*
ثم قال لها: رسمك جميل
شيماء: شكرًا
أحمد: ولكن يوجد رسمة غريبة قمتِ برسمها صباح هذا اليوم في الروضة وأمك أرتني إياها
ثم أخرج لها رسمتها
شيماء بفرح: يااااااااااااي ها هي الرسمة. كنت أبحث عنها، خشيت أن لا تعيدها لي المدرّسة
أحمد وبان الجد على ملامحه: وما الذي أعجبك في الرسمة؟
شيماء: الذي أعجبني هو أنني قمت برسم أكثر شيء أحبه وباللون الذي أفضله فبالتأكيد سوف أحب الرسمة كثيرًا
أحمد: ولماذا تحبين السكين واللون الأحمر؟
شيماء: سر السكين لن أخبرك إيّاه... لا أسطيع
أحمد: ولكن ألن نكون صديقين؟ والأصدقاء لا يخفون عن بعضهم شيئًا
شيماء: أعلم هذا ولكن الأصدقاء لا يخونون بعضهم أيضًا
تعجب أحمد من ردها فهو ليس فطريًا فهذا الرد أكبر من سنها ثم قال: وأين الخيانة؟ ماذا تعنين؟
شيماء: لأن سر السكين بيني وبين صديقي
أحمد: فهمت... وماذا عن اللون الأحمر؟
شيماء: لأنه لون الدم
زاد تعجب أحمد: ولماذا تحبين الدم!!؟؟
شيماء: لأنه لا يوجد إنسانًا يستطيع العيش بغير دم
أحس أحمد بأن هناك شخص وراء هذه الأفكار المزروعة في رأسها، فسألها: حبيبتي شيماء، هل يمكنكِ إخباري من الذي علّمك هذا الكلام؟
شيماء: إنه قيس
رد أحمد وبثينة باستعجاب: قيس!!!
نظر أحمد إلى أم شيماء وقال لها: من هو قيس؟ سائقكم؟
بدأت شيماء تضحك: هههههههههههـ لا لا، السائق يدعى محمد، قيس هو صديقي
بثينة بتعجب: صديقك!؟
علم الطبيب من سؤال والدتها بأنها لا تعرف من يكون هذا فسأل شيماء: ومنذ متى وهو صديقك؟
رفعت شيماء أربعة أصابع من كفها الأيمن وقالت: عندما كان عمري أربع سنوات
أحمد: هذا يعني منذ سنة تقريبًا... وكم عمره قيس؟
شيماء: لا أعلم ولكنه كبير
أحمد: وكيف تعرفتِ عليه؟
شيماء: قيس يأتيني كل ليلة
صمت أحمد قليلاً ليفكر، ثم قال: فهمت...
ثم نهض من مكانه وقال: سأذهب لبضع دقائق ثم سأعود، انتظريني قليلاً
شيماء: حسنًا
خرج من الغرفة وطلب من والدتها مرافقته
sensei
26-08-2009, 02:53 AM
..::||الفصل التاسع||::..
بدأ الطبيب يسأل والدة شيماء وهو بالخارج
أحمد: أتعرفين من يكون قيس؟
بثينة: لا، فلم أسمع عن رجل في حيّنا بهذا الأسم
أحمد: لا أعني هذا، قالت بأنه يزورها كل ليلة فهل هو شخصية تظهر في التلفاز أو دمية تملكها بهذا الاسم؟
بثينة: لا لم أسمع بشخصية بهذا الاسم، ربما يكون حلمًا
أحمد: لا من المستحيل فتاة بهذا العمر تحلم بأحلام كهذه دون أن يكون تأثيرًا بشيء كمشهد رأته أو ما شابه. على أية حال سوف أعود للنقاش معها ربما أجني من حديثها معلومات هامة عنه
ثم عاد إلى الغرفة وجلس بجوارها
أحمد: آسف على التأخير
شيماء: لا بأس فأنت لم تتأخر، فقيس يتأخر أحيانًا أكثر منك
أحمد: كيف يأتيك قيس؟ قلت بأنه يأتيك كل ليلة وأحيانًا يتأخر
شيماء: أجل، فهو يأتيني كل ليلة من النافذة ويذهب قبيل الفجر
أحمد: كيف يبدو شكله؟ هل يملك شاربًا أو لحية؟ هل هو في عمري؟
شيماء: لا، أصغر منك، لا يملك شاربًا أو لحية، إنه طويل ولكنه أقصر منك، أنا أصل تقريبًا إلى بطنه فقط، يملك شعرًا أسودًا ناعمًا وبشرته بيضاء أبيض مني قليلاً ويرتدي ثوبًا أبيضًا دائمًا ولكن يوجد أمر غريب في عينيه
أحمد بارتباك قليل: عينيه!! ماذا بهما؟!
شيماء: لونهما أزرق فاتح جدًا، لم أر قطريًا يملك عينان زرقاوتان من قبل
أحمد: * حمدًا لله، خشيت أن تقول شيئًا آخرًا* حسنًا وماذا تفعلان عندما تكونان سويًا؟
شيماء: نتحدث عن أمور مختلفة، وأحيانًا أريه بعض لوحاتي التي أرسمها فهو يحبها كثيرًا
أحمد: حسنًا شيماء، هل بإمكانك المجيء إلى هنا يوميًا وتخبريني بما دار بينكما؟
شيماء: أجل بالتأكيد
وهنا انتهى نقاشهما، فأمسكت بثينة بيد ابنتها وسارت نحو الباب لتخرج بعد أن شكرت الطبيب...
فالتفتت شيماء للخلف وهي تسير ولوحت بيدها التي تحمل بها رسمتها تودع الطبيب: وداعًا، أراك غدًا
فابتسم لها أحمد ورد عليها: وداعًا
أخذت بثينة ابنتها إلى السيارة وقادتها إلى البيت، وصلت عند الساعة الثامنة، لم تستطع سؤال ابنتها عن أي شيء خشية أن لا تحسن السؤال، فلم تقل شيئًا واتجهت نحو المطبخ لإعداد الطعام... وبعد العشاء أخذت ابنتها إلى غرفتها ووضعتها على السرير وغطتها، أغلقت الأنوار وقبل خروجها قالت: نامي جيدًا يا عزيزتي فغدًا لديك دوام أيضًا
أجابتها شيماء: حسنًا... سأحاول...
خرجت بثينة وأغلقت الباب خلفها، ثم دخلت غرفتها وجلست على سريرها تبكي
أما شيماء فلم تستطع النوم وهي تفكر في قيس، متى سيأتي وماذا ستقول له عند مجيئه. وعند منتصف الليل أتى قيس كعادته لزيارتها...
قيس بملامحه المعتادة: مرحبًا شيماء
شيماء: أهلاً قيس
قال قيس وهو يفتح الأنوار: كيف كان يومك الدراسي؟
شيماء: كان ممتعًا حقًا، فقد كان هناك وقت مخصص للرسم
قيس: أها... وماذا رسمتِ؟
شيماء: أحضرت معي الرسمة
أخرجت اللوحة من تحت وسادتها ومدتها له
شيماء: قالت المعلمة أنه علينا أن نرسم أكثر شيء نحبه وباللون المفضل لدينا
قيس بعد أن أخذ من يديها اللوحة وبدأ يتأملها: ولكنك تحبين اللون الأزرق
شيماء: تغير ذوقي فكلامك كان صحيحًا
قيس: هكذا إذًا. رسمتك جميلة حقًا
شيماء: أشكرك
قيس: وماذا قالت لك المعلمة؟
شيماء: لم تقل شيئًا عنها ولكن أمي هي التي أتت لتأخذني إلى البيت ولكنني توقعت أن الخادمة هي التي ستأتي
قيس: ومن ثم ماذا حدث؟
شيماء: عدنا إلى المنزل وذهبت للنوم استعدادًا للجلوس معك الليلة، وعندما استيقظت لم أعلم أين ذهبت أمي، وبعد المغرب أخذتني إلى رجل يدعى بأبي يوسف، قالت لي بأنها حدثته عني فأراد مقابلتي، وعندما ذهبت إليه قلت له بأنني أود مصادقته ووافق
قيس: هذا جيد، إذًا عدد أصدقاؤك بدأ يزداد
شيماء: أجل
قيس: *إذًا فوالدتها أخذتها لطبيب نفسي، هههـ حمقاء* حسنًا حبيبتي وماذا قلتِ له؟
شيماء: تحدثنا عنك
قيس: عني!؟
شيماء: أجل، أكان علي أن لا أخبره عنك؟
قيس: لا لا، لا بأس، بل العكس، أفضل ذلك
شيماء: لماذا؟
قيس: لأنكِ عندما تتحدثين عن شخص ما أثناء غيابه فهذا يعني أنكِ تحبينه فهذا يشعرني بالسعادة
شيماء: أجل، فأنا أحبك كثيرًا
قيس: وأنا أيضًا حبيبتي، إذًا أخبريني، هل ستذهبين إلى أبي يوسف غدًا؟
شيماء: أجل فقد طلب مني زيارته يوميًا لأتحدث عنك، يبدو أنه أحبك أيضًا
قيس: *لا أظن أن هذا هو السبب* هذا جيد! فلن تشعري بالوحدة في الفترة النهارية كما في الماضي
مضت ثلاثة أيام منذ أن تغيرت يوميات شيماء، تذهب للمدرسة وتحاول التقرب من الطلاب ولكنهم يرون أن كلامها غريب فيتجنبونها، ومن ثم تنام عند عودتها إلى المنزل، وعند استيقاظها تذهب إلى الطبيب وتخبره بما جرى بينها وبين قيس ولكن لم تقل له شيئًا مهمًا، كل ما في الأمر حوارات عادية جرت بينهما، ولكن بعد تلك الثلاثة أيام، أثناء جلوسها مع الطبيب...
أحمد: كيف حالكِ يا حبيبتي اليوم؟
شيماء بتعاسة: بخير
أحمد: وجهك يقول أمرًا آخرًا، ما الذي جرى؟
شيماء: لا يوجد دوام مدرسي اليوم واستيقظت ولم أجد أمي وبقيت وحيدة حتى أتت أمي بي إلى هنا، وغير هذا ونحن في السيارة لم تكن تتحدث معي...
لم تستطع بثينة قول شيء، فمن شدة قلقها لا تستطيع التحدث مع ابنتها كثيرًا
شيماء: ... وإضافة إلى ذلك، الليلة الماضية عندما أتى قيس لم أستطع الجلوس قريبًا منه
أحمد: ولماذا لم تستطيعي الجلوس بقربه؟
شيماء: دائمًا ما يضعني في حضنه وأحيانًا يلعب بشعري، ولكن في بعض الليالي يأتي وثوبه متسخ بالدماء فلا يسمح لي بالجلوس بقربه لكي لا أتسخ أنا أيضًا
أحمد: متسخ بالدم!! دم ماذا؟
شيماء: دم القتلى
أحمد: قتلى!! أهو مجرم!!؟؟
شيماء: لااااا، قيس طيب القلب لا تقل عنه مجرمًا، إنه يقتل المجرمين لا غير
أحمد: وإن كان كذلك، ليس هو من يحدد مصيرهم ولو كانوا مجرمين!!
شيماء: ولكنهم يستحقون الموت ولا أحد يريدهم في هذه الدنيا
أحمد: ألا تستطيعين تقدير عمر قيس؟
شيماء: لا
أحمد: حسنًا، هل تعلمين من يأمره بالقتل؟
شيماء: لا أظن أن هناك أحدًا يأمره فهو يقوم بهذه الأعمال بإرادته، غير أنه لا يقتل سوى من يستحق الموت وهذا أمر جيد
أحمد: وكم مرة أتاكِ وقال لك بأنه قتل؟
فتحت شيماء ذراعيها وهي تبتسم: كثيييييييرًا, لا أعرف كم
انصدمت والدتها بما سمعته، كيف لابنتها أن تتحدث عن أمور القتل بكل بساطة، وهل حقًا تقابل مجرمًا دون خوف! لم تستطع تمالك نفسها فبدأت بالبكاء
شيماء بتعجب: ما بها والدتي تبكي؟
نهض الطبيب من مكانه وأمر أم شيماء بالمغادرة وأن تنتظر ابنتها في غرفة الانتظار وخرج معها قليلاً ليتحدثان، جلست على الكرسي والدكتور مقابلها...
أحمد: هدئي من روعك يا أم شيماء
بثينة: ولكن من يكون هذا الولد؟! أيمكن أن يكون مجرد خيال؟
أحمد: لا أظنه رجل من خيالها فهي طفلة، لا تخافي سأعرف من يكون ولكن انتظري قليلاً
ترك والدتها المصدومة في غرفة الانتظار وحدها وعاد إلى شيماء
شيماء: لماذا بكت أمي؟
أحمد: لا تخافي، إنه إرهاق بسيط وتريد أن ترتاح... حسنًا أتعرفين كم قتل قيس البارحة؟
شيماء: أجل بالتأكيد لأنني أسأله دائمًا كم قتل ولماذا وما أسماؤهم
أحمد: إذًا أخبريني... *إذا كان ما تقوله حقيقة فهذا يعني أنني سأجد أسماء الضحايا في الأخبار وفي هذه الحالة سيكون قيس ليس مجرد خيال بل رجل يعيش بيننا!*
شيماء: البارحة قام قيس بقتل خمسة أشخاص... أولهم يدعى أحمد مطابقًا لاسمك قتله لأنه حاول قتل زوجته ولكنها لم تمت وهي الآن في المشفى، أتمنى لو أسطيع زيارتها لأطمئن عليها وهي تدعى مها، والمقتول الآخر يدعى حسن، هذا الرجل قام ببيع المخدرات على اثنين من أصحابه جاسم وخالد، وقيس قتلهم ثلاثتهم، وآخر المجرمين كانت فتاة تدعى لطيفة، كانت تخرج من منزلها ليلاً أثناء نوم والديها لتمارس الفاحشة مع الرجال.
تعجب أحمد بشدة وبدأ يجمع الحروف ليرد عليها: ...!!؟؟ حبيبتي شيماء! هل تعرفين معنى المخدرات والفاحشة وهذه الأمور!!!
شيماء: لا، لا أعلم ولكن هذا ما قاله لي قيس وعندما أسأله ما معنى هذا يقول لي بأنني ما زلت صغيرة وسوف أعرف عندما أكبر، توجد أمور كثيرة لا يخبرني إياها لصغر سني، متى سأكبر وأصبح في عمره؟
أحمد: *بما أنه يعلم أنها ما زالت طفلة فلماذا يخبرها بجرائمه وبهذه المواضيع!؟ من المستحيل أن يكون رجلاً من الخيال!! فهو يخبرها بأمور هي لا تفهمها، إنه ليس خيالاً بل رجلاً متخلفًا وهو من يحتاج إلى علاج!!* حسنًا حبيبتي شيماء، تعالي معي لآخذك إلى والدتك لتعودا إلى المنزل
شيماء: حسنًا
أخذ أحمد شيماء إلى غرفة الانتظار وقال لوالدتها بأنه سوف يبحث في موضوع ابنتها فور مغادرتهما فلا تخشى...
..::||الفصل العاشر||::..
ذهب أحمد إلى موظف الاستقبال وأمره بأن يحضر له جميع صحف اليوم ثم عاد إلى غرفته ينتظرها. وبعد عشر دقائق أتى الموظف وسلّمه الصحف.
والصاعقة أتت هنا...! رأى أحمد جميع الجرائم التي أخبرته شيماء عنها مع تطابق أسماء الضحايا، منهم من له سوابق ومكشوف أمره، ومنهم من ستر الله عليهم فلم يذكروا عنهم شيئًا عن أفاعيلهم في الصحف.
انصدم أحمد مما قرأه: *مستحيل!! كيف يقابل هذا السفاح شيماء المسكينة؟ علي التحدث مع والدتها الآن وبسرعة!!*
ثم أمسك بالهاتف فورًا واتصل لهاتف بثينة النقال، كانت بثينة تقود السيارة ولكن عندما رأت المتصل هو الطبيب أجابت عليه
بثينة: السلام عليكَ أيها الطبيب
أحمد وبكل ارتباك: لا تدعي ابنتك تنام بمفردها هذه الليلة، ابقي معها في الغرفة أو خذيها إلى غرفتك فهو أفضل
بثينة: خيرًا!؟ ما بها ابنتي؟
أحمد: المجرم الذي تتحدث عنه شيماء ليس خيالاً!! رأيت للتو الجرائم التي أخبرتني عنها شيماء في الصحف والتي قام بها قيس مع تطابق الأسماء التي ذكرتها!!
بثينة باندهاش شديد: هذا مستحيل!!
وبعد العشاء، جلست بثينة مع ابنتها تحدثها بوجه بشوش تقول: ما رأيك يا حبيبتي بأن تنامي معي الليلة؟
لم تصدق شيماء ما سمعته، فقد أفرحها ذلك كثيرًا، فأجابتها: حقًا!! هذا رااائع
ولكن سرعان ما تغيرت تعابير وجهها وقالت لأمها: ولكن... قيس...
فقالت والدتها: أتحبينه أكثر من والدتك؟
شيماء: لا... سأنام معك إذًا
ولكنها بدأت تفكر في نفسها: *هذا صحيح... من منهم أحبه أكثر؟ أمي أم أبو يوسف أم قيس؟*
كان ذلك سؤالاً محيرًا ظل عالقًا في رأسها ولم تجد له جوابًا. عندما أتى وقت النوم أخذت أم شيماء ابنتها لتنام معها، وبالتأكيد لم تستطع شيماء النوم ولكنها ظلت مستلقية بجوار والدتها على السرير، أما بثينة فقد غرقت في نومها وفي وقتٍ مبكرٍ أيضًا...
والغريب في الأمر أن قيس أتى إلى غرفة الوالدة، فكادت شيماء أن تصرخ من الفرح: قيـ...!!
قاطعها قيس وهو يضع سبابته أمام شفتيه: شششششششش... لا تتكلمي وإلا استيقظت والدتك... إن أردت التحدث تحدثي بصوت منخفض
شيماء بصوت خافت: حسنًا
قضى قيس تلك الليلة بجوار السرير يتحدث مع شيماء بهمس إلى أن أتى الفجر دون أن تستيقظ والدتها أو تشعر بوجوده، وعند الصباح لم تذهب شيماء إلى الروضة، فهو اليوم الثاني من الإجازة الأسبوعية... فقررت والدتها هذه المرة أن تأخذ شيماء إلى مكان ما، فقد شعرت بالتقصير تجاهها
بثينة بابتسامة: شيماء عزيزتي هل تريدين الذهاب إلى مكان ما؟
شيماء بفرح: أجل بالتأكيد
بثينة: وإلى أين؟
شيماء: اممممم... أود الذهاب إلى المكتبة لأشترِ لي ألوانًا جديدة وكراسات رسم
بثينة: حسنًا عزيزتي، اذهبي وارتدي ملابسك كي أسرح شعرك ونذهب سويًا
شيماء وهي تقفز: حسنًا
أخذتها والدتها إلى المكتبة كما طلبت، على الرغم من أنها ليست بمكان مسلٍّ، إلا أن شيماء استمتعت كثيرًا فوالدتها تهملها دائمًا ولا تأخذها للأمكان العامة.
وعند العصر، ذهبت شيماء إلى الطبيب أحمد وجلسا يتحدثان كعادتهما، وكان هذا هو الحوار...
شيماء: السلام عليك يا أبا يوسف
أحمد: وعليكم السلام ورحمة الله، كيف حالك اليوم يا صغيرتي؟
شيماء: أفضل يوم عشته في حياتي
أحمد: لماذا؟ أبشري ما سبب فرحك؟ *أخشى أن لا تكون بشرى*
شيماء: اليوم ذهبنا سويًا أنا وأمي إلى المكتبة والبارحة أتى قيس وجلس معي وتحدثنا طوال الليل وفي الوقت نفسه نمت مع والدتي على السرير
أحمد بتعجب: *هذا مستحيل!! أتاها قيس وأمها بجوارها؟!*
بثينة متعجبة: شيماء!! هذا الذي يدعى قيس أتى إلى غرفتي البارحة!!؟
شيماء: أجل ولكننا لم نتحدث بصوت عالٍ لكي لا نزعجك
جلست بثينة على الكرسي مصدومة وأمسكت بيمينها رأسها ونظر إليها الطبيب دون أي تعليق ثم واصل حديثه مع شيماء
أحمد: وكيف حدث هذا؟
شيماء: أتى قيس إلى غرفة والدتي وعندما أردت أن أناديه طلب مني السكوت كي لا أيقظ أمي ومن ثم جلس بجواري لكي نستطيع التحدث بصوت منخفض ونسمع بعضنا البعض
أحمد: وما الموضوع الذي كنتما تتحدثان فيه؟
شيماء: كالمعتاد، أخبرته بالحوار الذي دار بيننا وأنني قلت لك أسماء المجرمين الذين قتلهم البارحة، وعندما سألته هل ما فعلته كان خطأ -أعني إخبارك بما فعله قيس- ابتسم لي وقال بل العكس فهو يفضل أن أقول لك كل الحوار الذي يدور بيننا ما عدا بعض الأسرار التي يوصيني أن لا أخبرها لأحد
غضب أحمد في نفسه ولم يفشه لشيماء: *هذا السافل!! إذًا فهو يود استفزازي؟! كيف له أن يدع شيماء تخبرني بجرائمه؟ ألا يخشى من الشرطة أن تقبض عليه وأكون أنا من يخبرهم عنه؟! أيمكن أن يكون الاسم الذي تنادي به شيماء ليس باسمه الحقيقي!! فإن كان اسمه فكيف له أن لا يخشى من ذلك!!؟؟ ربما مجرد اسمًا مستعارًا فلا يوجد أناسًا يسمون بهذا الاسم في دولتنا*
ثم تابع حديثه: وأيضًا ماذا قال؟
شيماء: امممم... قال لي بأنه لا يمانع أن يزورني حتى لو كنت في غرفة محكمة الغلق فهو قادر على المجيء إلي دون أن يراه أحد، ولكن لا أعرف لماذا قال هذا الكلام؟ ماذا كان يعني؟
بالطبع شيماء لم تفهم سبب نومها مع والدتها، فقد ظنته لطفًا من والدتها لا غير
أحمد: *هذا الفتى!! لو رأيته أمامي لكسرت له عنقه!!*
شيماء: أوه نسيت!! قيس يرسل لك تحياته، يبدو أنه يود مصادقتك بسبب كثرة حديثي عنك
أحمد: أوه... *إنه بالتأكيد يود استفزازي!! أيها الفتى الحقير!!*
ثم قالت: وأيضًا وعدني بأمر ما، ولكن لا أستطيع البوح به قبل الغد
أحمد: ماذا!! لماذا لا تخبريني؟
ابتسمت شيماء وقالت: إنه سر
أحمد: أتوسل إليك، أخبريني ما الذي يخطط له قيس؟
شيماء: آسفة فأنا لا أخون أصدقائي
لم يستطع تمالك غضبه أكثر فما كان عليه القول سوى: حسنًا، بإمكانكما المغادرة
غادرتا الغرفة وعم الهدوء المكان وجلس أحمد وحيدًا يتساءل: *من يظن نفسه؟ أيريد إخافتي؟ والأمرّ من ذلك أنه هو من يحثها على إخباري بكل ما يدور بينهما من حديث! كم يبلغ من العمر قيس؟ لا أظنه مراهقًا فلا يوجد مراهقًا يحمل قلبًا أسودًا مثل هذا الرجل...*
ثم أرسل رسالة نصية إلى هاتف الوالدة يقول فيها [راقبي ابنتك هذه الليلة جيدًا]
ولكن في المساء دخلت شيماء غرفتها ولم تشأ النوم مع أمها
بثينة: ما بك شيماء؟ تعالي ونامي بجواري
شيماء: لا أمي أنا آسفة، سأنام معك غداً
بثينة: ولكن...
قاطعتها شيماء: أرجوكِ يا أمي فقط هذه الليلة
ثم دفعت والدتها خارج الغرفة وأغلقت الباب، وبعد ساعتين عندما شعرت والدتها بالنعاس وأرادت الذهاب إلى الفراش، قامت بتفقد ابنتها أولاً لتطمئن عليها فوجدتها نائمة على السرير والأنوار مطفأة، فاطمأنت عليها وغادرت الغرفة، ولكن شيماء لم تكن نائمة بل كانت مستلقية فقط، تنتظر قدوم قيس بكل لهفة.
وعند الساعة الواحدة والنصف أتى قيس من الشرفة كالعادة...
قيس: مرحبًا حبيبتي
شيماء فرحة: مرحبًا قيس، ها... أسنذهب الآن؟
قيس: أما زلت مصرّة؟
شيماء: أجل، غير أنك وعدتني بأن تأخذني معك الليلة لقتل فهد
قيس: أنا وافقت لكثرة إصرارك وإلحاحك علي، ولكن أخشى عليك أن لا تستطيعين تحتمل منظر القتل
شيماء: لا لا، لا أملك أي مانع، سوف أتقبل أي مظهر وأي طريقة قتل
تنهد قيس وقال: حسنًا، لنذهب الآن فقد أرسلت له ورقة أخبره أنني سأقابله بعد ربع ساعة من هذا الوقت
ثم حملها بين ذراعيه وقفز من الشرفة ووقف على قدميه
تعجبت شيماء: ألا تؤلمك قدماك؟ إنه الطابق الثاني؟!
قيس: لا، فقد اعتادت قدماي على هذا الثقل فأنا أقوم بهذا كل يوم
أخذ قيس شيماء إلى زقاق قذر، وكان ذلك المكان هو مكان اللقاء بينه وبين الضحية، كان مختبئًا خلف جدار وشيماء واقفة خلفه، وبدأ ينظر من خلف الجدار باحثًا عن فهد، كان وجه قيس يبدو عليه الجد وقليلاً من الارتباك لوجود شيماء معه
قيس: أين هو؟ من المفترض أن يكون هنا!! حقًا إنه ثمِل
شيماء: ربما سيتأخر قليلاً
وبينما كان قيس غافلاً عن شيماء وهو ينتظر ضحيته قامت شيماء بالنظر من الجهة الأخرى لارتيابها شعور غريب، ولكنها لم تجد أحدًا، فابتعدت عن قيس داخلة إلى ذاك المضيق لتتفقد المكان، وقفت في مكانها تنظر حولها، بدا لها المكان غريبًا فهي غير معتادة على هذه الأماكن، وفجأة ظهر أمامها رجل ثمِل يترنح في مشيه، كان شكله يتقزز منه العاقل، رفع عينيه ليرَ هذه الطفلة البريئة وقد وقفت أمامه
بدأ يمشي نحوها وهو يقول: ما الذي أتى بقردة صغيرة في هذا المكان!! أأنت من أرسل تلك الورقة؟
خافت منه شيماء وبدأت تعود بأدراجها إلى الخلف وعيناها ممتلئتان بالدموع وهي ممسكة بقلادتها –السكين- بيدها اليمنى
ولكنه اتجه نحوها بسرعة وكاد أن يمسك بكتفها وهو يقول غاضبًا: أجيبيني!!
ولكن من الفزع أغمضت شيماء عينيها وأخرجت سكينها بيدها اليمنى وفتحتها وقامت بشق بطنه أفقيًا من جهته اليمنى إلى اليسرى دون أن تعي ما فعلت فكانت لا ترى سوى السواد، وكانت تصرخ وتستنجد بقيس، أثناء ذلك
سمع قيس صراخ شيماء فنظر خلفه فلم يجدها: *أين ذهبت!!*
بدأ يجري نحو مصدر الصراخ وهو مرتبك وخائف عليها: *لن أسامح نفسي لو أصابها مكروه!!*
فوجدها وقد كان فهد جاثيًا أمامها وممسكًا ببطنه ويأنّ من الألم والدم ينزف منه بكثرة، أما شيماء فكانت ممسكة بسكينها بكلتا كفيها والدموع تملئ عينها
قيس: *لا، لا يمكن هذا!! أنا من عليه قتله!!*
ثم تابع الجري نحوه وأدخل يده بداخل بطن الرجل ومن حسن الحظ أن الشق كان عميقًا، فأراد قيس الإمسكاك بأحد أعضائه الداخلة، وعندما أمسك بإحداهم أخرجه من بطنه قاطعًا إياه، وكانت أمعاؤه، فسقط الرجل ميتًا!!
تركت شيماء السكين وأنزلت كلتا ذراعيها وفتحت عينيها مصدومة من المنظر الذي رأته، وتصلبت فلم تغمض عينيها للحظة ولم تنطق بكلمة.
عندما انتهي قيس من جريمته التفت إلى الوراء لينظر إلى شيماء، وعندما رآها بهذه الحالة والدماء تغطي رأسها وجسدها، رمى الأمعاء التي كانت بيده على الأرض وجلس أمام شيماء ممسكًا بكفيه الملطختين كتفيها ويهزها فزعًا
قيس: شيماء ما بك؟؟!!... أجيبيني!!...
لم يسمع منها ردًا فزاد خوفه وكاد أن يبكي
قيس: أتوسل إليك أجيبيني... شيماء!!... شيمااااء!!!
..::||الفصل الحادي عشر||::..
كانت شيماء تحدث نفسها: *ما الذي جرى لي؟ قلت له بأنني سأتحمل أي منظر...! لماذا لا أستطيع الحراك؟ لماذا لا أستطيع النطق؟ أشعر بثقل شديد وألم في صدري...*
كانت عينا قيس على وشك أن تدمع، ولكن حركت شيماء عينيها ونظرت في عيني قيس وانهمرت دموعها من مقلتينها ولكنها لم تقل شيئًا
قيس: شيماء حبيبتي، هل أنت بخير؟ أجيبيني
ابتسمت شيماء حينها بعد أن صارعت نفسها وقالت لقيس بعين تدمع: لقد كان كلامك صحيح عندما أهديتني هذه السكين
قيس: هاه؟
مسحت شيماء دموعها بذراعها الأيسر والسكين في قبضتها، وقالت بصوت مرتعش وابتسامة مرتسمة على شفتيها: أخبرتني حينها أن أدعها معلقة في عنقي دائمًا فقد أستخدمها يومًا للدفاع عن نفسي
شعر قيس بارتياح عندما رأى أن شيماء لم يصبها مكروه، وأنها تجاوزت مرحلة الصدمة بكل سهولة، ثم ضمها بقوة إلى صدره وقال: حمدًا لله أنكِ بخير، لقد أفزعتني، آسف يا عزيزتي، ستكون هذه آخر مرة آخذك معي للقتل، ولكن اكتشفت أنكِ أقوى مما تبدين عليه يا غاليتي...
ثم أبعدها قليلاً عن صدره وهو ممسك بها من كتفيها وبدأ يحدق في وجهها: لقد اتسخت بأكملك يا حبيبتي، حتى شعرك قد تلطخ بدم هذا القذر، لنعُد إلى المنزل كي تتنظفي
شيماء: حسنًا
حملها قيس وذهب إلى منزلها، ثم وقف أمام نافذة الغرفة ينظر إليها من الأسفل
شيماء: كنت أتساءل دائمًا كيف لك أن تأتِ من النافذة وهي في الطابق الثاني؟
قيس: بسيطة، فقط تمسكي بي جيدًا
وضعها خلفه وعلقها على ظهره وقام بتسلق انبوبًا موجودًا على الحائط بالجانب الأيسر من النافذة، ودخل الغرفة ثم وضعها أرضًا
قيس: هيا يا عزيزتي اذهبي واستحمي قبل أن تراك والدتك
شيماء: ولكن... ما زلت لا أستطيع التحمم بمفردي، فقط أعرف كيفية تبديل ملابسي
قيس: ولكن شعرك اتسخ أيضًا!
شيماء: ... إذًا... قم أنت بتحميمي
قيس: هاه!
شيماء: لا يوجد حـ...
قاطعها قيس: حسنًا حسنًا... على الرغم من أنني لم أحمم أحدًا قط... سوف أغسل كفاي وأشمر ثوبي وسأجهز لك الملابس، وأنتِ اذهبي إلى الحمام سآتي إليك فور انتهائي، سأقوم بغسل شعرك وأنت أنهي البقية
شيماء: حسنًا
وبعد أن حممها غسل ثيابها وعلقها على الشرفة ومن ثم بدأ يبحث عن مجففًا للشعر
قيس: ألا تملكون مجففًا للشعر؟
شيماء: لا
قيس: كيف هذا؟
شيماء: كانت أمي تملك واحدًا ولكنني أسقطته وكسرته
قيس: إذًا ماذا ستفعلين إن رأت والدتك الرطوبة في شعرك؟
شيماء: سأبرر الموقف بأي كذبة ولكن الاحتمال الأكبر هو أن الخادمة هي التي ستيقظني
قيس: أظن أنه سيجف إلى موعد المدرسة
شيماء: كيف سيجف بهذه السرعة؟ فالساعة الآن الثالثة والربع فجرًا
قيس: ماذا!! الثالـ... "ثم نظر إلى ساعة الحائط" حسنًا علي الذهاب فورًا، انتبهي على نفسك
شيماء: حسنًا، رافقتك السلامة، وشكرًا على نزهة اليوم
ابتسم لها قيس ثم غادر الغرفة فورًا. وعند الساعة السادسة والربع أتت والدة شيماء لتيقظها من نومها، فتحت الستائر ورأت ثياب شيماء المعلقة
تعجبت بثينة: هاه!!
ثم ذهبت نحو شيماء تيقظها: انهضي يا شيماء أنا من سيأخذك اليوم إلى المدرسة فسيارة السائق تعطلت
استيقظت شيماء وجلست في مكانها تفرك عينيها
بثينة: ما قصة هذه الملابس المعلقة على الشرفة؟
شيماء: هاه!.. أوه تلك... أمي لنسرع قبل تأخر الوقت
جلست بثينة بجوارها وأمسكت بكتفها: لا تغيري الموضوع، على أية حال تبـ...
ثم شعرت برطوبة على كتف شيماء فبدأت تتحسس رأسها
بثينة: شيماء لماذا شعرك رطب! وفيه رائحة عطرة!! هل استحميتي بمفردك؟
شيماء: فيما بعد فيما بعد، لنذهب الأن هيا
قفزت من سريرها بكل نشاط وبدأت ترتدي زي الروضة الرسمي. وأثناء طريقهما إلى الروضة فتحت بثينة الموضوع نفسه وهم في منتصف الطريق
بثينة: شيماء، لماذا كان شعرك رطبًا هذا الصباح؟
شيماء: أمي لا تتحدثي وأنتِ تقودين فسوف تصطدمين بالحائط
بثينة: شيماء أخبريني ولا تخفي عني شيئًا فأنا والدتك
شيماء: كنت... كنت ألعب بالماء مع قيس لذا غيرت ملابسي لأنها ابتلت
بثينة: وماذا عن الشامبو؟
شيماء: هاه!!
بثينة: أنت تكذبين...
ثم وصلتا إلى المدرسة
شيماء: أمي علي الذهاب إلى اللقاء
وفتحت الباب لتهرب من الأسئلة ولكن والدتها أمسكتها من معصمها لأيسر
بثينة: إلى أين أنتِ ذاهبة؟ لن أدعك حتى تخبريني بالحقيقة
شيماء: لا أريد لا أريد
صرخت عليها والدتها: شيماء!!!
شيماء: أمي اتركيني اتركيني
ثم سحبت يدها بقوة واتجهت داخل الروضة جريًا
دخلت الفصل ووضعت حقيبتها
نظر إليها أحد الطلبة وقال: ها هي الفتاة المجنونة، أتت مبكرًا هذا الصباح
نعيمة: لا تتحدث هكذا عن زملائك
شيماء: دعيه يقول ما يقول لأنه هو من سيتحسر بعد أن يلقَ ركلة على أنفه مني
نعيمة: لا يا حبيبتي، ليس من اللائق ضرب أصدقاءك
شيماء: تقولين أصدقاء، وأين الصداقة هنا؟ جميع من في الفصل يتجنبني لأنهم حمقى وعقولهم صغيرة ولا يستطيعون فهم ما أقول
نعيمة: شيماء لا تقولي هذا
شيماء: حسنًا سأصمت فقط إحترامًا لك وإلا لأبكيت هذا المعتوه حتى يعود إلى أمه ليختبئ خلفها كالدجاجة
الصبي: سنرَ من الدجاجة يا مصاصة الدماء
شيماء: وتريدينني أن أصمت؟
نعيمة: .....
الصبي: أنتِ من وصفتني بالدجاجة، فأنت المخطئة
شيماء: سأثبت لك أنك دجاجة
ثم حملت الكرسي لتضربه، سارعت نعيمة وأمسكت بالكرسي
نعيمة: لا يا شيماء سوف تؤذينه
شيماء وهي تجر الكرسي منها: وهذا ما أريده
نعيمة: لا يمكنك إيذاء زملائك
خاف الصبي وهرب باكيًا
فتركت شيماء الكرسي وصرخت: دجاااااجة!!
ثم بدأت تضحك
نعيمة: *شيماء... أهي طفلة حقًا؟!*
وعند انتهاء الدوام المدرسي أتتها والدتها لاصطحابها من المدرسة، وعندما ركبت السيارة لم تتحدث معها والدتها ولم تنطق بكلمة سوى أنها ردت على شيماء السلام، وبعدها لاحظت شيماء بأن الطريق ليس طريق المنزل
فسألت والدتها: أمي إلى أين ستأخذينني؟ هذا ليس طريق البيت!!
لم تجبها والدتها فقد كانت غاضبة منها بشدة...
شيماء: *إلى أين سنذهب؟ أشعر بإرهاق وأريد النوم*
..::||الفصل الثاني عشر||::..
وصلت بثينة إلى العيادة النفسية
شيماء: أمي هل سنقابل أبا يوسف الآن؟ نحن نذهب إليه يوميًا بعد العصر فلماذا الآن؟
بثينة وهي تفتح حزام الأمان: لأنه يفهمك أكثر مني
شيماء: لماذا تقولين هذا؟
فتحت لها والدتها الحزام وقالت: انزلي...
نزلت شيماء من السيارة ونزلت هي الأخرى، اتجهتا نحو الغرفة مباشرة دون الانتظار فلم يكن هناك مراجعين، دخلت شيماء الغرفة، تنظر إلى أحمد بتعجب
بثينة: السلام عليك...
أحمد: وعليكما السلام... تعالي يا شيماء واجلسي بقربي
اقتربت منه شيماء ولكنها لم تجلس بل كانت واقفة أمامه وسألت بصوتها البريء: هل أنت بخير؟
أحمد: هاه! لماذا هذا السؤال؟
شيماء: ليس من عادتنا المجيء إليك في هذا الوقت، فهل أصابك مكروه؟
أحمد: بل أخشى أن من أصابه مكروه هو أنت
شيماء: هاه! لماذا؟
أحمد: أخبرتني أمك بالأمر... أعني عن ما رأته هذا الصباح
شيماء وقد جلست على الكرسي: وهل هذا الأمر خطير؟
أحمد: ما الذي حدث؟
شيماء: ...
أحمد: أخبريني بالحقيقة فكلانا -أنا ووالدتك- قلقين عليك
شيماء: لماذا القلق؟ فأنا بخير
أحمد: البارحة قلت لي بأن قيس وعدك بأمر ما وأنك ستبوحين به اليوم، فما هو؟
شيماء: آسفة لكنني غيرت رأيي
أحمد: أهو من أمرك أن لا تخبري أحدًا؟
شيماء: لا بل أنا قررت بأن لا أبوح به، فأرجوك لا تلح علي فلن أجيبك
أحمد: ... منذ متى وأنتِ تستحمين لوحدك؟
شيماء: أنا لا أستطيع الاستحمام لوحدي، من الذي قال هذا؟
أحمد: إذًا فهو من حممك البارحة؟
شيماء: أنا لم أستحم
أحمد: إن كنت تستطيعين الكذب، فعيناك لا تكذبان
شيماء: ...
أحمد: أخبريني بالحقيقة
شيماء: حسنًا ولكن... حسنًا... سأخبرك، قام قيس البارحة بقتل أحد المجرمين واتسخت ملابسه ولكن في هذه المرة كنت قريبة منه فاتسخت أنا الأخرى، فاضطر لتحميمي كي لا تلاحظ والدتي، وهذا كل ما حدث
أحمد: هناك جزء مفقود
شيماء: أخبرتك بكل شي ولا يوجد ما أخفيه
أحمد: ماذا عن الوعد؟ أوعدك بأن يوسخ ملابسك؟
غضبت شيماء: كف عن هذا الهراء، بدل أن تقومون بشكره فقد خشي على والدتي بأن تصعق عندما ترى ملابسي متسخة
أحمد: سأسألك سؤالاً
شيماء: ماذا؟
أحمد: أتعلمين متى تبكي التماسيح؟
شيماء: ما دخل التماسيح في الأمر؟
أحمد: سألتك سؤالاً فهل تعرفين جوابه؟
شيماء: لا
أحمد: حسنًا سأخبرك، يقال أنها تبكي عندما لا تجد ما تأكله
شيماء: لماذا؟ أتبكي من الجوع؟
أحمد: لا، بل لتدع الفريسة تشعر بالأسى نحوهم
شيماء: ولماذا؟
أحمد: لكي تقترب منهم الفريسة ومن ثم يهجمون عليها لأكلها
شيماء: هذا أمر مريع!!
أحمد: هل كانت الضحية تعلم بما يفكر به التمساح؟ بالطبع لا فقد ظنت بأنه مسكين عندما رأت دموعه، ولكنه يملك وجهًا آخرًا لم يظهره
شيماء: حقًا إنها متوحشة، مسكينة حقًا هذه الفرائس، لقد ظنت به ظنًا حسنًا
أحمد: هذا هو قيس الذي تحبينه
شيماء: ماذا؟!
أحمد: قيس كالتمساح، يظهر لك الوجه الطيب وهو من الداخل وحش يريد القضاء عليكِ وأنت كالضحية المسكينة
غضبت شيماء وقامت من مكانها: كيف لك أن تقارن قيس بهذه التماسيح؟ لا يمكن أن يكون قيس هكذا
أحمد: أنت تظنين فيه الخير لأنك كهذه الفرائس التي تأكلها التماسيح
شيماء: اسمع، أنت لم تقابل قيس يومًا فلا تحكم عليه، وإن كان هذا هو ظنك به فوداعًا، هذه المرة الأخيرة التي آتي بها إلى هنا
بثينة بغضب: خاطبي أبا يوسف باحترام
لم تجب والدتها بل تركت المكان وهي تجرها من يدها: لنخرج من هنا يا أمي، أريد العودة إلى البيت...
بثينة: انتظري شيماء
ركبتا السيارة ولم تتحدثا أبدًا وبدت شيماء غاضبة جدًا ولهذا لم تستطع أمها محادثتها حتى المساء.
وفي المساء دخلت والدتها عليها الغرفة
بثينة: شيماء... تعالي ونامي معي
شيماء: لا أريد
بثينة: ... ولكن...
شيماء: قلت لك لا أريد، أفضل النوم بمفردي
أغلقت بثينة الباب خلفها وبدأت تبكي، أما شيماء فقد فتحت النافذة وبدأت تنتظر قيس وهي على الشرفة إلى أن أتى
وفور وصوله إلى الأعلى قامت بضمه قائلة: لقد اشتقت إليك كثيرًا
قيس بابتسامته المألوفة: لماذا يا عزيزتي؟ ما الذي حصل
بدأت شيماء تبكي وأخفت وجهها بثوبه، فأمسك برأسها وبدأ يمسح عليه: لندخل ونتحدث
دخلا الغرفة وجلسا على السرير متقابلين
شيماء: لقد تشاجرت اليوم مع أحمد ولم أتحدث مع والدتي أيضًا
قيس: وكنت أنا السبب في ذلك؟
شيماء: أنت لم تفعل خطأً، لا أعلم لماذا يكرهونك؟
قيس: أخبريني عزيزتي بالتفاصيل، إن لم يكن هذا يزعجك
شيماء: حسنًا، علمت والدتي بأني استحميت فأخبرت أحمد وعلم أنه أنت من قام بتحميمي
قيس: أنا آسف يا حبيبتي،كان علي أن لا آخذك معي
شيماء: ولكني أنا من ألح عليك
قيس: حسنًا لننس الأمر، أكملي حديثك
شيماء: قال أحمد بأنك تملك وجهًا آخرًا، ولكن تظهر لي الطيبة، فغضبت عليه وخرجت من عنده ولم أتحدث وقتها مع أمي، أما أحمد فقلت بأني لن أذهب إليه مرة أخري
قيس: كان عليك أن لا تفعلي ذلك؟
شيماء: لماذا؟ لقد شتموك؟
قيس: أعلم أن كثيرًا منهم يظنون هذا بي، ولكن لا تلوميهم فهم لا يعرفوني، غير أنك قمتِ بمناداة أبا يوسف باسمه ولم أعتد هذا منك، مهما حصل فهو رجل كبير فلا تناديه باسمه، وهناك أمر آخر، والدتك تخشى عليك، وهذا أمر طبيعي. عليكِ أن تذهبي إلى أبي يوسف غدًا وتعتذري منه
شيماء: لماذا أنا من علي أن أعتذر؟ وكيف تأمرني بأن أعتذر له وقد شبهك بالتماسيح؟
قيس: قلت لك من قبل هذا لأنه لم يعرفني شخصيًا
شيماء: لا أعرف ماذا أقول له
قيس: عند دخولك وبعد سلامك عليه اعتذري له وقولي بأنك لم تقصدي ذلك وكان عليك أن لا تفعلي ذلك فهو بعمر جدك
شيماء: بعمر جدي؟ ولكنه ليس شيخًا...
قيس: أعلم ولكن أود معرفة كيف سيكون شكله عندما يسمع هذا
شيماء: هههههههـ... حسنًا سأذهب واعتذر منه ولكن سأحاول تغيير نظرته نحوك
قيس: حسنًا هذا رائع...
شيماء: وماذا عن أمي؟
قيس: خاطبيها صباح الغد وكأنه لم يحدث شيئًا... الآن هل تريدين سماع قصة لكي تتحسن نفسيتك
شيماء: أجل بالتأكيد، لم أسمع قصة قبل النوم منذ زمن
..::||الفصل الثالث عشر||::..
في اليوم التالي ذهبت شيماء إلى الطبيب بعد أن طلبت منها والدتها ذلك، ووافقت فورًا وذلك ما جعل والدتها تتعجب فقد غيرت رأيها ورضت بسرعة، دخلت عليه ودار هذا الحوار بينهما...
شيماء: السـ..سلام عليكم
أحمد: وعليكم السلام ورحمة الله، سعيد برؤيتك مرة أخرى
شيماء: آسفة عمّا جرى البارحة...
أحمد: لا بأس
شيماء: كان علي أن لا أقول ذلك وإن كنت أنت المخطئ لأنك بعمر جدي
بثينة: شيماء ما هذا؟!!
أحمد: جـ... جـ... جد.... هاه!!؟؟
شيماء: ولكن هذا لا يعني أنني سأسمح لك بشتم قيس... فأرجوك لا تقل ما قلته البارحة عن قيس مرة أخرى
تنهد أحمد ثم قال: حسنًا... لن أشتمه ولكن هل ستتوقفين عن الحديث عنه؟ فما زلت أود سماع المزيد
شيماء: لا بأس إن كان هذا لا يزيد من كراهيتك له
أحمد: حسنًا *لأنني لا يمكن أن أكرهه أكثر من هذا الحد*
جلست شيماء على الكرسي المقابل للطبيب وقالت: أتاني البارحة أيضًا
أحمد: آه... وماذا قال؟
شيماء: قص علي قصة
أحمد: قصة!؟
شيماء: أجل، لأنني كنت في مزاج سيء فأراد أن يروح عني
أحمد: وماذا كانت تحكي القصة؟
شيماء: كان هناك رجل أعزب يعمل كموظف في شركة لتكرير البترول، وكان جميل الوجه ذو جسم رياضي مقسم، لم يجتز حينها الثلاثين من عمره، وهناك أحب زميلته في العمل وكانت غريبة عن البلاد، أي أجنبية، جميلة وذات شعر أشقر، وكانت هي من استدرجته في البداية، وفي أحد الإجازات الصيفية تزوجا بعد أن دامت علاقتهما خمسة أشهر، كانت حياتهما في البداية هادئة، لا تشوبها المشاكل، ولكن مشكلتهم الوحيدة كانت أن الزوجة تأخرت في الحمل كثيرًا، وبعد إحدى عشرة سنة من زواجهما حملت المرأة، ولكن توفي الزوج أثناء حملها في الشهر الثالث، وبعد إنتهاء الشهور الستة الأخرى أنجبت أول طفل لها في تاريخ الأول من يناير بعملية قيصرية ليلاً وكان ولدًا
هنا ارتبكت بثينة وصعقت، نظر إلها الطبيب وسأل: ما بك؟
بثينة: هذه الولادة كوالدة شيماء!! الأول من يناير عند المساء بعملية قيصرية!!
أحمد: ...!!؟؟ *إذًا فهناك مغزى من هذه القصة وليست قصة عادية*
ثم نظر إلى شيماء وسأل: حسنًا وماذا حدث بعدها؟
شيماء: لا أعلم
أحمد: لا تعلمين؟
شيماء: قال بأنه سوف يقص الجزء الآخر من القصة هذه الليلة
أحمد: أها... حسنًا... ألم يقل لك أسماؤهم؟
شيماء: الزوج يدعى سيف والزوجة مارتا
أحمد: ومتى غادر قيس البارحة؟
شيماء: لا أعلم، فقد شعرت بإرهاق ونمت قبل مغادرته
أحمد: أها...
شيماء: ما بك؟ تبدو شاحبًا؟ أما زلت غاضبًا مني؟
أحمد: لا لا، فقط أشعر بإرهاق بسيط
شيماء: إذًا لماذا لا نخرج لنزهة سويًا؟
أحمد: لا أستطيع ترك عملي
شيماء: عمل!؟ وماذا تعمل؟
تعجب أحمد مما قالته: هاه!
ثم نظر إلى بثينة وحرك كفيه وكأنه يسأل *ما الأمر* فابتسمت بثينة وقالت: لا تعلم
شيماء: ما بكما؟
بثينة: لا شيء... لنذهب يا عزيزتي فلا تزعجي أبا يوسف أكثر
شيماء: ولكننا أصدقاء أليس كذلك فلماذا لا نخرج سويًا؟
أحمد: إن شاء الله في نهاية الأسبوع
شيماء بفرح: حقًا!! هذا رائع... إذًا إلى اللقاء، أراك غدًا
تركتا المكان وبدأ أحمد يفكر: *ما المغزى من القصة التي حكاها قيس لشيماء؟ أهذه قصة واقعية أم قام بتأليفها قاصدًا أمر ما ويودني أن أعرفه؟ أكان هدفه من عدم ذكرها كاملة من المرة الأولى أن يدعني أفكر بالأمر؟ أعلم أن قيس يستخدم هذه الطفلة فقط لاستفزازي*
عاد أحمد إلى منزله ليلاً واستقبلته زوجته
سارة: السلام عليك... ليس من عادتك عدم إلقاء السلام عند دخولك؟!
لم يجبها أحمد ولكن بدأ يحدق في وجهها ويفكر: *هل قيس يعرف حياتي الشخصية؟ هل يعرفني شخصيًا؟ أكان مقصده من عدم حمل الزوجة في القصة إلا بعد إحدى عشرة سنة زوجتي؟ ولكنها لم تحمل بعد!؟*
سارة: ما بك؟ تبدو شاحبًا؟
أحمد: لا... لا شيء فقط أفكر بأحد المرضى
سارة: دعك من عملك الآن، يكفي هذا، أنت ترهق نفسك وتعمل حتى في نهاية الأسبوع، عليك أن تغير من هذا النظام
أحمد: ولكنني في الإجازة أعمل بنصف الوقت فلدي وقت أرتاح فيه فلماذا أغير من هذا النظام؟
سارة وقد تغير لونها: ... كما تشاء، افعل ما تريد
ثم تركت غرفة المعيشة متجهة نحو المطبخ ولكنه ناداها: انتظري!
سارة: ماذا هناك؟
أحمد: هل أنت بخير؟
سارة: ما هذا السؤال؟! أنا بخير ألا تراني؟
أحمد: هل تخفين عني أمرًا ما؟
سارة: أنا؟ لماذا؟! أحمد، تبدو غريبًا هذا اليوم!! اذهب واستحم وأنا سأجهز لك الطعام فأنت تحتاج إلى الراحة
تركت الغرفة ولكنه تبعها: انتظري لحظة!!
سارة: ماذا أيضًا
أحمد: هل أنتِ حامل؟
سارة بتعجب: من أخبرك بهذا؟ حقًا إنني أشعر بغثيان ولكنني لم أتأكد بعد ولم أخبر أحدًا وسوف أذهب إلى المشفى غدًا لإجراء التحاليل، فكيف طرأ عليك هذا الأمر؟ هل يبدو التعب على وجهي؟
أحمد: إذًا فكلامي صحيح؟
سارة: قلت لك بأنني لم أتأكد بعد!!
أحمد: *إنه يعنيني حقًا!! ولكنه كيف عرف هذا وسارة لم تخبر أحدًا بعد؟ وما علاقتي بولادة شيماء؟ إنه حقًا رجل غريب!!*
ثم نظر إليها والشرر يتطاير من عينيه من شدة الغضب وقال: لا أريد عشاء، لا أشعر بالجوع
ثم تركها مسرعًا إلى الأعلى
سارة: *لماذا هو غاضب مني؟ ما به؟!*
ثم تبعته صاعدة الدرج ودخلت عليه الغرفة
سارة: أحمد ما بك؟ لماذا أنت غاضب مني؟
أحمد: هاه!؟
سارة: أأنت غاضب مني لأنني لم أخبرك بالأمر؟ ولكنني كنت سأخبرك فور تأكدي
أحمد: أنا لست غاضبًا منك؟
سارة: إذًا لماذا الغضب؟ ألا تريد أبناء؟
أحمد: من قال هذا؟ أنا غاضب من أمر آخر
سارة: إذًا فلماذا غضبت عندما أخبرتك بأنه من الممكن أن أكون حاملاً؟
أحمد: لأن هناك من يريد استفزازي ويرسل إلي ألغازًا عبر أحد مرضاي، وعندما فسرت أحد ألغازه علمت بأنه من المحتمل أن تكوني حامل ولكن كيف عرف هذا؟!
سارة: هذا غريب!! لماذا لم تخبرني من قبل؟ هل تعرف من يكون؟ أهو أحد الأقارب؟
أحمد: لا من المستحيل أن يكون أحد الأقارب، أعرف من يكون تقريبًا اسمه وصفاته ولكنني لم أرَه يومًا. أتقرئين الصحف؟
سارة: أجل
أحمد: جميع جرائم القتل المجهولة التي تحدث في الدولة هو من يقوم بها
ارتبكت سارة وخافت: ماذا!! لماذا لا تخبر الشرطة؟ وكيف عرفت هذا؟
أحمد: أرجوك لا أريدك أن تتدخلي وترهقي خلايا دماغك في التفكير بهذه المسأله، لم أشأ إخبارك من قبل ولكن كما ترين
سارة: كما تشاء ولكن إذا كنت تشعر بضيق وتريد المساعدة فأخبرني بكل شيء، لا أظنك قادرًا على تحمل هذا العبء بنفسك
أحمد: أشكرك
سارة: ألا تريد العشاء الآن؟
أحمد: لا، سآخذ حمامي وأنام...
..::||الفصل الرابع عشر||::..
عند الساعة الثانية عشرة والنصف، أتى قيس لزيارة شيماء
قيس: مساء الخير
شيماء: مرحبًا كيف حالك؟
قيس: بخير كالعادة... أخبريني ماذا حدث بينك وبين أبي يوسف؟
شيماء: تصالحنا، تأسفت له ووعدني بأن لا يصفك بأي سوء، وأيضًا أخبرته بما قلته لي
استلقى قيس بجانبها على السرير: وماذا كانت ردة فعله؟
شيماء: رفع أحد حاجبيه وقال "هاه!!" بتعجب، ههههههـ كدت أن أضحك ولكنني لم أفعلها
قيس: هههههههههههههههه خيرًا فعلتِ
شيماء: لم أنسَ بعد
قيس: ماذا؟
شيماء: القصة... ألن تنهِها لي؟
قيس: لن أنهِها اليوم بل سأقص عليك جزء منها
شيماء: حسنًا... وماذا حدث بعد أن أنجبت الطفل؟
قيس: قامت الأم بتربية ابنها لوحدها وكان أمرًا شاقًا، لم تسافر إلى بلدها بسبب ظروف العمل بل بقيت في دار زوجها، تعمل في المنزل وخارج المنزل مما أدى إلى إهمال طفلها قليلاً كما حدث معك أنت ووالدتك، لا يجلسان كثيرًا مع بعضهما، فهذا ما جعله يتخذ الإسلام دينًا بسبب البيئة التي حوله من الجيران وأبناء الحي، والسبب الآخر هو أنهم أخبروه أن هذه كانت ديانة والده المتوفى، أما أمه لم تملك الوقت لتثقيفه دينيًا، وعندما أصبح ابنها في سن التاسعة، تعرفت على رجل آخر، في هذه الأثناء، بدأت مارتا تهمل ابنها أكثر فأكثر، لم تهمله فقط بل نسيته تقريبًا، فبدأ ابنها لا يراها إلا مرة واحدة اسبوعيًا، ولكنه لم يبالي على الرغم من أنها عائلته الوحيدة، فأهل أبيه المتوفى انقطعوا عن ابنهم منذ أن تزوج لأنهم لم يكونوا موافقين على زواجه من امرأة أجنبية، لكن الفتى لم ييأس من الحياة، على الرغم من أنه لا يملك أصحابًا ولا عائلة، كان لديه الأمل في الحياة كباقي البشر
شيماء: لحظة قليلاً... لماذا لم يملك أصحابًا؟ ألم يذهب إلى المدرسة؟ وماذا عن أبناء الحي؟
قيس: أصحابه من أبناء الحي انتقلوا إلى بقعة أخرى واختفى أثرهم تمامًا، أما المدرسة فكان يذهب إليها ولكنه كان هادئًا جدًا وليس كباقي الأطفال الذين يحبون اللعب واللهو طوال الوقت
شيماء: كان أبوه عربيًا وأمه أجنبية، ووالده مات قبل أن يراه فهل كان يجيد العربية؟ أم يتحدث بالإنجليزية فقط؟
قيس: في البداية كان يتحدث الأجنبية فقط، ولكنه تعلم العربية ممن يجالسهم
شيماء: فهمت الآن... أكمل من فضلك
قيس: حسنًا... دامت علاقة الأم مع ذلك الرجل الغريب أربع سنوات وبعدها بدأ يأتي لرؤية مارتا في منزلها، فكان ابنها ينظر إلى شكلهما البشع يوميًا وهم يسكرون ويلهون طوال اليوم، فانعزل بمفرده في الغرفة وكان حينها يبلغ الثالثة عشر من العمر، وبعد سنة على هذه الحال قرر الزواج منها ولكن العائق كان الابن، لم يطق الرجل رؤية ابنها لأنه كان يشبه والده كثيرًا، خاصةً أنه بدأ الدخول في سن البلوغ وهذا ما زاد شبهه بوالده، ولكنها ألحت عليه بأن يتقبل وجود الابن فهي لا تستطيع التخلص منه، فوافق على ذلك مؤقتًا حتى تزوجا وبدأ يعيش معهما في المنزل بدل أن يذهبا هما معه، فلم يكن يملك مكانًا مستقرًا بعد، وفي أحد الأيام، استيقظ الابن في منتصف الليل وخرج ليشرب كوبًا من الماء، فسمع زوج والدته وهو يناقش الأم بكيفية التخلص من الابن وكان صوتهما عالٍ جدًا لأنهما لم يعيا ما يقولانه، فوجود شخص ثالث بينهما تفكيره وجنسيته ولغته تختلف عمّا هما عليه كان يضايقهما، ففكرا بالتخلص منه وهو نائم، على الرغم من أن والدته كانت معارضة للفكرة في البداية، وافقت عليها بعد إلحاح شديد من حبيبها، خاف الابن وفكر بالهرب، وعلم المجرمان أنه قد سمعهما بعد أن سمعا خطواته، فجريا خلفه وهو يهرب، الأبواب كانت مقفلة والنوافذ قد سيّجت، ولا يملك الوقت للاتصال بالشرطة، فهرع إلى غرفته وأقفل الباب، جلس مرتعبًا وهو يسمع طرقات الباب، أحس أنه سوف يُكسر فبدأ يبحث عن أداة يدافع فيها عن نفسه، ولكنه لم يجد شيئًا حتى كسر الباب ودخل عليه الاثنان، فحمل الابن كرسيًا وبدأ يضربهما حتى الموت!!
قالت شيماء بصوت منخفض وبغضب: يستحقان ذلك
قيس: ماذا قلتِ؟
شيماء: لا عليك أكمل، ماذا فعل بجثتيهما؟
قيس: لم يحتمل رؤية هذا المنظر أمامه، فلم يعتد يومها على منظر الدماء والجثث، ولم يتخيل أنه سيقتل بشرًا يومًا، فرمى الكرسي وجثا على ركبتيه يبكي فزعًا وصدمةً حتى أغمي عليه...
ثم سكت قيس... فقالت شيماء: أكمل
قيس: سنتوقف هنا اليوم
شيماء: ولكن أود معرفة ماذا سوف يحل به؟ هل ستمسكه الشرطة؟
قيس: غدًا ستعرفين
شيماء: اممممم... حسنًا سأنتظر على الرغم من أنني متشوقة حقًا لمعرفة ما سيحدث له، حقًا إنه مسكين... إذًا... ماذا سنفعل الآن؟ نملك وقتًا كافيًا لفعل ما نريد
قيس: لنخرج ونلعب في حديقة المنزل
شيماء: هذا رائع ولكن ماذا سنلعب؟
قيس: اممممم... دعيني أفكر... حسنًا هل جربتِ يومًا تسلق النخيل؟
شيماء: لا
قيس: إنه أمر ممتع، كنت أتسلقهم دائمًا وأنا في سنك
شيماء: إذًا لنذهب للخارج فلدينا نخل كثير هنا
قيس: كما تأمرين
وفي اليوم التالي في وقت الظهيرة، بينما كان أحمد جالس في عمله أرسل رسالة فورية لزوجته عبر الهاتف يسألها عن نتيجة التحاليل وكان حينها متيقن بأنها ستكون إيجابية، فأجابته بـ(مبروك سوف تصبح أبًا "( :" )، ابتسم أحمد ولكن سرعان ما غادرت الابتسامة شفتيه، فهو لا يعلم ماذا سوف يحل له ولابنه من قبل قيس كما فسر القصة، أما شيماء فقد قضت طوال فترة الظهيرة بتسلق النخل وأكل التمر منها، خرجت والدتها لتبحث عنها فوجدتها أعلى النخلة
فزعت بثينة وصرخت: شيماء!! ماذا تفعلين هناك بالأعلى!!؟؟ سوف تقعين
شيماء: لا تخافي فلن أقع، سأنزل حالاً
نزلت شيماء ووقفت أمام والدتها مبتسمة ويديها مشبوكتين خلف ظهرها
بثينة: منذ متى وأنتِ تتسلقين النخل؟
شيماء: منذ البارحة، فقد علمني قيس كيفية تسلقها، إنه أمر سهل
بثينة: ذاك القرد علمكِ!؟
شيماء: أمي إنه ليس قردًا
بثينة: ومن يتسلق الأشجار غير القردة؟
شيماء: لاااا، لا تقولي هذا إنه أمر ممتع، جربيه بنفسك
تنهدت بثينة: أوووه، لندخل إلى المنزل، لم تتناولي الغداء بعد
شيماء: حسنًا
وبعد صلاة العصر، ذهبت شيماء إلى موعدها بالمشفى كالعادة وأخبرت الطبيب بتتمة القصة
ثم سألته: ماذا سيحدث له بظنك؟
أحمد: لا أعلم، ربما ستمسك به الشرطة
شيماء: ولكنني أتمنى لو أنه يستيقظ قبل أن تصل الشرطة إلى المكان ويفر من البيت هاربًا، ماذا كنت ستفعل لو كنت مكانه؟
أحمد: لا أظن أنني أملك الجرأة للقتل، لو كنت مكانه لقُتلت، ولكنه سبب سخيف لقتله، بما أنه كبر لماذا لا يدعونه يعيش منفردًا؟
شيماء: يقول لي قيس بأن تفكير الغرب غبي جدًا، وبما أنهما غبيان فهما يستحقان الموت على هذه الفكرة الغبية أليس كذلك؟
أحمد: ربما... يبدو أنهما كانا ثمِلين عندما قررا قتله لأنك قلتِ بأنهما كانا لا يعيان ما يقولانه
شيماء: أجل كانا كذلك، فقد قال قيس لي هذا ونحن فوق النخلة؟
أحمد: فوق النخلة؟
بثينة: علمها البارحة كيفية تسلق النخل وقضت ظهيرة اليوم وهي تتسلق كالقردة
أحمد: ولكنه خطر، ربما تقعين!
شيماء: قال لي قيس إن كنتِ لا تخافين فلن تقعي ولكن إذا فكرتِ بالوقوع وأنه أمر خطر فسوف تقعين، ولكنني لا أراه أمرًا خطرًا فلن أقع
أحمد: ... سوف أغلق العيادة الآن ألا تريدين الخروج معي؟ لقد وعدتك بأن نخرج في إجازة نهاية الأسبوع
شيماء: هذا راااائع
بثينة: هل أنت جاد؟
أحمد: يمكنك المغادرة وترك عنوان منزلك، سوف اصطحبها إلى المنزل فور انتهائها من اللعب
بثينة: ولكن...
أحمد: أنا وعدتها بأن أخرج معها
بثينة: آسفة على الإزعاج
أحمد: لا بأس
بثينة: إذًا أستأذن...
تركتهما وقلبها يتقطع خوفًا على ابنتها فهي لم تعتد أن تترك ابنتها عند الغرباء، ولكن بما أنه الدكتور أحمد كانت قد اطمأنت قليلاً، أما أحمد فقد أخذ شيماء إلى مدينة الملاهي وظلا يلعبان حتى حل الليل وأخذها إلى المنزل...
..::||الفصل الخامس عشر||::..
عند منتصف الليل أتى قيس إلى الغرفة واستلقى بجانبها على السرير ليتم الحكاية لها
شيماء: إنني متشوقة حقًا لسماع ماذا حدث للفتى
قيس: حسنًا، سأخبرك ماذا حدث للفتى بعد أن قتل والدته وزوجها... استيقظ الفتى ورأى نفسة بثوب أبيض على الرغم من أنه كان يرتدي لباس النوم عندما أغمي عليه وكانت ملطخة بدماء القتيلين، وكان نظيف البدن أيضًا وكأنه أخذ حمامًا قبل نومه، نظر حوله فوجد نفسه في مكتبة صغيرة جدرانها وأرضيتها ورفوفها صنعت من الخشب المقوى، وكانت الغرفة لا تحتوي على أبواب أو نوافذ، فبدأ البحث عن مخرج فلم يجده، فتعجب! كيف دخل هذا المكان إن لم يكن هناك أبوابًا ونوافذ؟؟! ثم جلس على الأرض يبحث عن حل، فبدأ يلتفت حوله وينظر إلى المكان والكتب، لاحظ أن جميع الكتب تملك عنوانًا واحدًا، أي أنها جميعها نسخًا من كتاب واحد، كانت بعنوان "كيف تعيش حياتك"، لم يحب فتحها في البداية ولكنه نهض من مكانه ليبحث عن مخرج مرة أخرى فلربما وجد مخرج سري، ولكنه يئس، فاستند على أحد الجدران منهكًا من كثرة البحث، فنظر خلفه ورأى الكتب قد صُفَّت بانتظام على الرفوف، أخذ كتابًا وبدأ بقراءته، ولكنه أحس بالملل منذ أن قرأ المقدمة، فرمى الكتاب على الأرض وجلس في مكانه يبكي لساعات عدة، بعدها شعر بدوار ونام، استيقظ من نومه ووجد نفسه في بيت مهجور، وعندما خرج منه كانت الشمس قد غابت تمامًا وحل الليل، تابع طريقه نحو الطريق العام ورأى الازدحام والناس المشاة والمجمعات وكأنه لم يحدث شيء، فقد عاد إلى بلاده، فظن أن ما رآه وهو في المكتبة كان مجرد حلم، ولكنه كلما أراد أن يتحدث مع أحد لا يجيبه، تعجب من الأمر، إلى أن حاول الإمساك بأحد المشاة للتحدث معه، ولكن يده فرطت ورأى الرجل خلفه وكأنه يسأل نفسه من الذي أمسك بي!! كيف كان هذا؟ لماذا لم يره؟ لم يجد الفتى جوابًا حتى تذكر المكتبة، كانت تحوي نسخًا لكتاب ضخم بعنوان "كيف تعيش حياتك"، علم أنه موجّه له فقط لأنه لا يستطيع العيش بين البشر، فعاد إلى المنزل الذي استيقظ فيه وبدأ يبحث عن الكتاب فلم يجده حتى حل الفجر، وقبل شروق الشمس بقليل شعر بصداع وسقط على الأرض، وعندما استيقظ وجد نفسه في المكتبة، أخذ الكتاب وبدأ يقرؤه، تعلم الكثير والكثير عن حياته، فقد كانت الكتب حقًا تعنيه وحده، ومن هنا بدأت حياته الغريبة، كان يقضي ليله بين البشر وفي النهار يستيقظ من نومه ليرَ نفسه في تلك المكتبة المحكمة الغلق ويتعلم عن حياته، فعلم أنه لن يستطيع أحد رؤيته إلا إذا كانت ولادة ذلك الشخص كولادته، أي في الأول من يناير بعملية قيصرية، فأصبح يذهب إلى مشفى الولادة سنويًا في الأول من يناير ينتظر مولود يولد بعملية قيصرية، كان هناك الكثير من المواليد ولكنهم جميعهم ولادة طبيعية، وكان من الصعب عليه الذهاب إلى جميع العيادات فكان يتابع المشفى الحكومي فقط لكونه الأكثر إقبالاً عليه، أما في الليالي الأخرى كان يقضيها في قتل المجرمين والتخلص منهم، فكان من السهل عليه دخول المنازل ومعرفة ماذا يحدث فيها، أو يرى ماذا يحدث في أماكن الخلوة، فلا أحد يراه. وبعد سبع سنوات ولدت فتاة، كانت ولادة هذه الطفلة أسعد لحظات حياته، وربما كان أسعد من والديها. أتعرفين من هي تلك الفتاة؟
شيماء: لا، كيف لي أن أعرف؟
قيس: إنها أنتِ يا حبيبتي، وأنا الفتى الذي قتل والدته
تعجبت شيماء: حقًا!! إذًا فأنت تعرفني منذ أن ولدت؟
قيس: أجل
شيماء: وهل هناك مولود آخر ولد بعدي؟
قيس: بعد ولادتك تركت الذهاب إلى المشفى سنويًا فوجودك كان يكفيني ولا أريد أحدًا غيرك، فقد انتظرتك سبع سنوات ولا أود الانتظار أكثر
شيماء: هذا يعني أن والدتي وأبي يوسف لا يستطيعان رؤيتك؟
قيس: هذا صحيح
شيماء: كانت حياتك صعبة حقًا... ولكن لماذا لم تأتِ إلي من قبل على الرغم من أنك كنت تراقبني طوال السنوات الماضية؟
قيس: كنتِ حينها صغيرة ولم أشأ أن أقابلك قبل أن تصلي إلى سن نستطيع فهم بعضنا البعض
شيماء: لا أستطيع تصديق هذا، أنت حقًا الفتى نفسه الذي في الحكاية، فقد أحببت الفتى الذي في قصتك قبل أن أعرف أنه أنت... ولكن... حدث هذا منذ سبع سنوات من ولادتي وكان عمرك أربعة عشر سنة فهذا يعني أن عمرك الآن.. امممم... دعني أحسب...
قيس: ستة وعشرون عام
شيماء: ولكن لا يبدو عليك ذلك!
قيس: عمري توقف، لا أعلم كيف هذا ولكنني لا أكبر، أشعر وكأن يومي يعاد، حيث أنني أقتل هذه الليلة وأستيقظ اليوم التالي وملابسي نظيفة، وكأنني ولدت من جديد، أشعر وكأنني أولد يوميًا، نشاطي ونظافتي وعمري يعاد، حتى تفكيري... لا أشعر أنني في السادسة والعشرون... إنه شعور رائع أليس كذلك؟ فلن أصل إلى سن الشيخوخة بهذه الطريقة ههههههههههـ
شيماء: هذا صحيح... إذًا فسيأتي يومًا سأصبح أكبر منك
قيس: أجل... أرجوا أن تدوم علاقتنا حتى يأتي ذلك اليوم، الآن هل لديك شيئًا تودين قوله قبل مغادرتي؟
شيماء: أجل، اليوم ذهبت مع أبي يوسف إلى الملاهي واستمتعت كثيرًا، هذه أول مرة نخرج بها سويًا
قيس: هذا جيد يبدو أنه يحبك هو الآخر
وفي اليوم التالي بعد دوامها الدراسي الممل، عادت إلى المنزل لتقضي وقتها في الرسم حتى المغرب ثم ذهبت إلى الطبيب أحمد وشكرته على أخذهها إلى الملاهي وبعدها قصت عليه ما أخبرها به قيس وغادرت...
جلس أحمد يفكر وهو واضع يده على خده: *لا يمكنني تصديق ذلك؟ كيف له أن لا يكبر؟ أيظن أننا في فيلم سينيمائي؟ إنه يكذب بالتأكيد لا يمكنني تصديق قصة كهذه، فقط يود إيصال هذه القصة إلى مخيلتي لأصدقه*
ومن ثم فتح حاسوبه الشخصي ليبحث عن هذه الجريمة التي حدثت منذ إثني عشرة سنة، وبعد بحث دام عشرون دقيقة وجد المطلوب، موضوع بعنوان "مقتل زوجين واختفاء ابنهما"، وذكرت المقالة وجود الزوجين مقتولين في منزلهما وفقدان ابنهما حيث لم يجده أحد حتى هذا اليوم، وقد وضعت صورته وهو في العمر نفسه الذي يظهر به أمام شيماء، إنه هو كما وصفته شيماء، فحفظ صورته لديه ليتأكد من صحة توقعاته...
وفي المساء بينما كانت شيماء جالسة مع قيس على السرير متقابلين وكانت تريه أحد الرسمات التي رسمتها بعد عودتها من المدرسة، ألا وهي الرسمة التي وجدتها في المخزن بعد ثلاث عشرة سنة...
شيماء: ما رأيك بالرسمة؟
قيس: مهارتك في الرسم تزداد يومًا بعد يوم حبيبتي
شيماء: شكرًا، ليتني أخرج معك يومًا للقتل
محيت الابتسامة عن وجهه وقال: لا يا حبيبتي لا أريدك أن تصبحي قاتلة مثلي، سوف توقعين نفسك في الخطر
شيماء: ولكن أود مساعدتك
قيس: أنا أصبحت قاتلاً منذ أن قتلت أمي وزوجها فلا بأس أن أتابع ما بدأت به، أما أنت فلا أود أن تصبحي مثلي من هذه الناحية
شيماء وبحزن: حسنًا...
ثم ابتسم لها قيس مرة أخرى وقال لها: أتريدين النوم معي هذه الليلة؟
شيماء وبابتسامة عريضة: أجل بالتأكيد، كنت انتظر هذه اللحظة منذ زمن
نام قيس تلك الليلة بجوار شيماء وهو يضمها...
..::||الفصل السادس عشر||::..
وفي اليوم التالي في العيادة النفسية، أخرج أحمد صورة قيس لشيماء وسألها
أحمد: أهذا هو قيس؟
شيماء متعجبة: أجل!! من أين أتيت بها؟
أحمد: ألم يتغير شكله؟ أهو كما في الصورة تمامًا؟!
شيماء: أجل...
أحمد: ... أمر غريب *لا يوجد الآن سوى احتمالاً واحدًا، ألا وهو أن قيس توفي ومن يزورها يوميًا هو قرينه، فلا يمكنني تصديق قصته!! ولا يمكن لقيس أن يبقى في العمر نفسه!! ولكن أين ذهبت جثته؟ لماذا لم يجدها أحد حتى الآن؟*
شيماء: ألم تخبرني من أين أتيت بها؟
أحمد: إنه سر...
شيماء: سر؟؟!
أمسك أحمد برأسه ونظر إلى الأسفل: انتهت الجلسة اليوم، أراكما فيما بعد...
تعجبت شيماء ولم تغادر المكان ولكن والدتها أمسكت بيدها وسحبتها إلى الخارج وشيماء نتظر إلى الطبيب أثناء مغادرتها، وفور ركوبهما السيارة قام أحمد بالاتصال بوالدة شيماء...
بثينة: *إنه الطبيب؟؟!!*
ثم أجابت عليه: خيرًا...
أحمد: عليكما أن تخرجا من ذلك المنزل، قومي بتخطيط كل شيء والبحث عن منزل آخر دون إخبار شيماء بالأمر، قيس ليس إلا أحد الجن يود مضايقة ابنتك فقيس الحقيقي توفي منذ إثني عشرة سنة!!
بثينة: ....أهذا يعقل...!! ولكن... سأفعل ما بوسعي
أغلقت هاتفها وقادت سيارتها نحو المنزل، ومن يومها ووالدة شيماء تبحث عن سكن جديد لتنتقل إليه دون علم شيماء بالأمر، أما شيماء فلم يتغير حالها، كانت تجلس مع قيس كل ليلة يتحدثان ومن ثم تنقل حوارهما إلى أحمد، وبعد أربعة أشهر، حان وقت خروجهما من المنزل بعد أن قامت والدتها بتدبير جميع الأمور وجمع حاجياتهم، وكان ذلك في الساعة الرابعة عصرًا
شيماء بتعجب: أمي... لِم لَم تخبريني من قبل بأننا سوف نغادر المنزل؟
بثينة: الأمر لا يستدعي إخبارك
شيماء وبحزن: ولكن... قيس لا يعلم مكان منزلنا الجديد، كان عليكِ إخباري من قبل لأعلمه بالأمر!!
بثينة: .....
شيماء: أمي... لننتظر يومًا واحدًا على الأقل
بثينة: لا، لا يمكننا الانتظار، غير أني قمت بنقل حاجياتنا، هيا لنذهب
شيماء: لحظة قليلاً، سأعود حالاً بعد دقيقة
ذهبت شيماء إلى غرفتها جريًا وقامت بكتابة رسالة لقيس على ورقة وألصقتها على سور الشرفة، وكتبت فيها "لقد انتقلنا إلى منزل جديد ولكن لا أعرف أين يقع، أتمنى لو أراك مرة أخرى هناك"، ثم عادت إلى والدتها وغادرتا المكان، كانت شيماء تنظر إلى المنزل بحزن وهي تبتعد عنه حتى اختفى عن الأنظار. وفي المساء لم يأتِ قيس إليها بالطبع وترك ذلك أثرًا كبيرًا في قلبها، أما أحمد فقد اطمأن بأن مشكلة قيس انتهت وما عليه الآن سوى هدم ما بناه قيس فيها من أفكار. ولكن بعد ثلاثة أيام فقط، كانت شيماء جالسة على سريرها حزينة تلعب بالسكين، تفتحها وتغلقها، وفجأة دخل عليها قيس من النافذة
قيس ينفض ثوبه: هنا التسلق أصعب من الغرفة السابقة
نظرت إليه شيماء بفرح: قيس!!
نهضت من مكانها وجرت نحوه تضمه: لا أصدق عينَي!! كيف وجدت المنزل؟
قيس: حتى وإن ذهبتِ فوق القمر سأجدك
شيماء: لا تعرف كم اشتقت إليك، أظن أنني سوف أخبر أبا يوسف بأنك أتيت هذه الليلة من شدة فرحي
وضع قيس سبابته اليمنى على شفتيها وقال: صه... لا أريدك أن تخبري أحدًا
شيماء: لماذا؟
قيس: في الحقيقة، كان هدفهما -أعني والدتك والطبيب- من تغيير سكنكما هو أن لا أعرف مكانكِ، فهم لا يريدون مني مقابلتك أبدًا
شيماء: لماذا؟
قيس: لأنهما يظنان بأني رجل سيء، على أية حال لا تخبريهما أو تخبري أي أحد اتفقنا؟
شيماء: حسنًا، اتفقنا
قيس: ولكن خيرًا فعلت والدتك، فهذا المنزل أقرب إلى ذلك المنزل المهجور الذي أستيقظ فيه
شيماء: هذا راااائع، أود رؤية ذلك المنزل
قيس: لا داعي لذلك، فهو لا يحوي أي شيء مميز، الآن أخبريني، ماذا فعلتِ في الثلاثة أيام الماضية؟
شيماء: كانوا مملين حقًا، لم أستطع النوم ولم أجد من يواسيني ولكن من الآن فصاعدًا سوف نبدأ حياتنا من جديد
قيس: هذا صحيح
وبعد ثمان سنوات مضت وقيس يأتي إلى شيماء ليليًا ولم يكتشف أحد هذا الأمر، كانت شيماء جالسة على سريرها تحاول كتابة إنشاء لمادة اللغة العربية، وكانت ترتدي بنطالاً وقميصًا أسودين، وكتب عليهما باللون الأحمر بعض الجمل باللغة الأجنبية، أما شعرها فقد وصل إلى خصرها وكان ناعمًا وغليضًا وقد رفعته للأعلى. دخل عليها قيس من النافذة
قيس: السلام عليكِ
شيماء وبضيق: وعليك السلام
جلس قيس أمامها على السرير: ما بك؟
شيماء: كالعادة... لا أستطيع التعبير في كتابة هذا الإنشاء السخيف، إنه موضوع تافه
قيس: ما هو الموضوع؟
شيماء: الفرق بين الماضي والحاضر، إنه أتفه موضوع قابلته في حياتي، ويأتينا كل سنة دراسية
قيس: حسنًا سأكتبه عنكِ
أعطته الكراسة والقلم فورًا وقالت بابتسامة: شكرًا لمعاونتك
بدأ يكتب لها الموضوع ويتحدث معها في الوقت نفسه
قيس: كيف حال المدرسة معك؟ وكيف حال أصحابك؟
شيماء وهي تنظر إلى الأعلى: حمدًا لله...
قيس: لم أسمعك يومًا تتحدثين عنها، أيضايقونك هناك؟
شيماء: لا لا، ولكن لا يوجد بها شيء مميز أتحدث عنه
قيس: فهمت...
ثم جثت على ركبيتيها وهي على السرير وقالت: ما رأيك ببدلتي الجديدة؟
رفع قيس رأسه عن الكراسة ونظر إليها: اممممم... في الحقيقة أنا لا أحب اللون الأسود، إنه كئيب جدًا
شيماء: على العكس، أنا أحبه كثيرًا، يحسسني بالغموض وأني أختلف عن البشر، غير أنه يناسب الأحمر الدموي، أحبهما مع بعضهما
قيس: أنا أفضل الأحمر مع الأبيض، إنه أنصع أليس كذلك؟
اعتدلت شيماء في جلستها وقالت: عيناي حساستان ولا تتحملا الألوان الناصعة والأضواء القوية
قيس: ومنذ متى؟ لم تخبريني بهذا من قبل؟!
شيماء: شعرت بهذا منذ أسبوعين، وفي عصر هذا اليوم ذهبت إلى الطبيب... قال بأني أملك إلتهابًا بسيطًا
قيس بعتاب: كان عليكِ أن تفحصيهما من قبل...
شيماء: لا بأس فالأمر ليس بتلك الخطورة
حل الصمت في المكان لبضع ثوانٍ ثم بدأت شيماء بالحديث
شيماء: امممم... أتعلم... لقد وجدت لي هواية جديدة غير الرسم
قيس مبتسم وهو يكتب: وما هي؟
شيماء: التصوير الفوتوغرافي. سألت نفسي ما إذا كان بإمكاني تصويرك؟ أود فعلها حقًا...
قيس: لا أظنك تستطيعين
شيماء: ولكن أنا قادرة على رؤيتك
قيس: أنتِ، ولكن الكاميرا غير قادرة على ذلك
شيماء: دعني أجرب
ثم أخرجت الكاميرا من تحت الوسادة ووجهتها نحوه
شيماء: انظر، استطيع رؤيتك بوضوح عبر العدسة
قيس: إذًا حاولي التقاط صورة
التقطت شيماء صورة له ومن ثم فتحت الذاكرة لتراها
شيماء: أنت غير ظاهر فيها
قيس: أخبرتك
شيماء: ولكن أود أن ألتقط لك صورًا أثناء القتل أو أثناء اتساخ ثوبك بالدم، تبدو حينها جذابًا حقًا
رفع قيس رأسه ونظر إليها وقال بتعجب: جذابًا!!
شيماء: أجل
قيس وهو منزل من رأسه ليكتب: لا أظن ذلك...
شيماء: لماذا؟
قيس: لم أسمع أحد قط يرى الناس المتسخين جذابين!!
شيماء: ولكنك لست كباقي البشر
رفع قيس رأسه وابتسم لها دون أن يقول لها شيئًا وأعطاها الكراسة
قيس: انتهيت
شيماء: بتلك السرعة!!
قيس: المطلوب خمسة عشر سطرًا لا غير، وغير ذلك إنه موضوع سهل
نظرت إلى الكراسة وقالت: خطك رائع! لا يشبه خطي أبدًا، يبدو أنني سوف أعيد كتابته، ولكن شكرًا على كتابته لي، سوف أنقله كما هو
قيس: العفو، ولكن لا تعتمدي علي دائمًا فهذا لن ينفعكِ لحظة الامتحان
شيماء: أجل بالتأكيد
sensei
26-08-2009, 03:21 AM
..::||الفصل السابع عشر||::..
في صباح اليوم التالي ذهبت شيماء إلى المدرسة ودخلت فصلها، جلست على مقعدها وكان في الصف الثالث على الطرف الأيسر. كان الوقت مبكرًا فهي تذهب دائمًا قبل جميع الطالبات، فأخرجت سكينها وبدأت تنحت على الطاولة تقضي وقتها حتى لا تشعر بالملل، وعندما شعرت بأن هناك أحد قادم، خبأت السكين تحت قميصها، فدخلت زميلتها التي تجلس بجوارها...
عائشة: السلام عليكِ
شيماء: وعليكِ السلام...
عائشة: أوه... توقعت أني سوف أكون أول الطالبات، لماذا أتيت في وقت مبـ...
ثم سكتت ولم تنهِ ما كانت تريد قوله وبدأت تنظر إلى طاولة شيماء، فأسرعت نحو شيماء ووقفت أمام الطاولة ووضعت كفيها على الطاولة
وقالت باندهاش: ألهذا تأتين مبكرًا؟؟ لو علمت المعلمة بأنك تقومين بهذا سوف توبخك!! غير ذلك، اصطحاب المشرط إلى المدرسة غير مسموح
شيماء وباستهتار: وماذا يعني!؟ فهذه الطاولات موجودة منذ العصر الحجري ولم تبدل طوال تلك السنين، وهي تالفة من قبل فلا يحق لهم توبيخي، ومن سيعلم بأنني أنا من فعل هذا؟ إلا إذا كنت أنت من سيخبرهم
عائشة: ... أردت فقط أن أساعدك
شيماء وبابتسامة مصطنعة: شكرًا... ولكنني لا أخاف من إدارة المدرسة
لم تقل عائشة شيئًا، فقط علقت حقيبتها على الطاولة وجلست بجوار شيماء، ثم أخرجت كراسة العربي وبدأت تكتب
ثم سألت: شيماء... هل كتبتِ الإنشاء؟
شيماء: أجل...
عائشة: هذا جيد. أنا لم أكتبه كاملاً بعد، فلهذا أتيت مبكرًا
شيماء: إذًا أسرعي قبل أن يدق الجرس
عائشة: أعلم ذلك، لم يبقَ سوى القليل فقد كتبت الكثير البارحة...
ثم عم الهدوء الغرفة مرة أخرى ولا يسمح شيء سوى صوت القلم وهو يخط على الورق. وبعدما انتهت من كتابتها بدأت تتحدث مع شيماء
عائشة: كنت أتساءل، نحن نجلس بجوار بعضنا البعض منذ بداية الفصل الداسي ولا نتحدث سويًا بكثرة!
شيماء: لأنه من الصعب أن تعرف بماذا يفكر به زميلك
عائشة: ماذا تعنين؟
شيماء: أعني بأن الفرد يخشى أن لا يتقبله الشخص الذي أمامه، فيفضل السكوت
عائشة: ولكن هذه نظرية خاطئة، فلا بد من التحدث مع زميله ليستطيع معرفته وفهمه
شيماء: وعندما يعرفه، ماذا سيجني من ذلك؟
عائشة: الصحبة، سيكون له أصدقاء، لم أرك يومًا تجلسين مع أحد، حتى وقت الفسحة تبقين في الفصل وحيدة
شيماء: لأن جميع الفتيات تملكن صديقات هنا فلا يبحثن عن صديقة جديدة
عائشة بابتسامة: أنا هنا. أعني... أنا أملك صديقة ولكن لا أمانع بثانية
شيماء: ولكنك هل تعرفينني جيدًا لتقولي هذا؟
عائشة: لا بأس سوف نتعرف على بعضنا في الأيام القادمة
شيماء: خيرًا إن شاء الله
عائشة: هل تملكين أصحابًا خارج المدرسة؟
شيماء: أجل... واحدًا...
عائشة: ما اسمها؟
شيماء: اسمه... وليس اسمها
تعجبت عائشة: فتى!!؟ لا يمكنك مصادقة الصبيان فقد كبرنا الآن
شيماء: إنه صديقي الوحيد ونحن صحبة منذ أن كنت في الرابعة من العمر
عائشة: يبدو مخلصًا... طوال هذه السنين!! كنت أملك أصدقاء صبيان في الروضة ولكن افترقنا منذ أن دخلنا الصف الأول. ولكن مع ذلك فقد كبرتِ الآن وعليكِ ترك صحبة الفتيان
شيماء: لا بأس فهو يكبرني بإحدى وعشرين سنة
عائشة: حقًا!! وكيف تعرفتِ عليه
نظرت شيماء في عيني عائشة ببرود وقالت: هذا ليس من شأنك
أنزلت عائشة من رأسها وقالت: حسنًا آسفة
شيماء: لا بأس ولكن لا أحب التحدث عنه أمام الناس، فالجميع يكرهه
عائشة: ولماذا؟
شيماء: لأنهم لا يفهمونه، أنا الوحيدة التي أفهمه. انظـ...
وقطع حديثها مجموعة من الفتيات هجمن على الفصل وبدأ الإزعاج
- أففففففف لا أعلم متى سيأتون بباصات جديدة مكيفة
- سوف أموت من الحر
- أحبك يا فصلي البارد
- ستقتلنا الوزارة من شدة الحر
شيماء وبضيق: مزعجات، لم أعتد على الإزعاج
عائشة: ولكنهم على حق، الجو في الخارج حار جدًا وباصات المدرسة لا تحتوي على مكيفات للتبريد
شيماء: أعلم هذا ولكن لماذا يضايقون الغير بلغوهم هذا
عائشة: دعك منهم، أود أن أسألك سؤالاً
شيماء: وما هو؟
عائشة: لماذا لا تملكين أصحابًا؟؟ أعني لماذا تخشين من مصارحة الناس بما يجري في داخلك؟
شيماء: لأنهم لن يتقبلوني بينهم
عائشة: لا تحكمي دون أن تجربي
شيماء: ومن قال بأنني لم أجرب، جميع البشر حمقى
عائشة بتعجب: حمقى...!!؟ ولكن... حاولي إبراز الصفات المحببة للغير
شيماء: تعنين النفاق...
عائشة: لا لا فقط...
قاطعتها شيماء: أتعلمين
عائشة: ماذا؟
شيماء: سأخبرك لماذا لم أكسب صديقات منذ الروضة وحتى الصف الرابع
عائشة: حتى الصف الرابع!؟
شيماء: أجل... لأنني بعدها يئست من الحديث مع زميلاتي بالفصل
عائشة: لماذا؟ ما الذي ينفرهم عنك؟
شيماء: لأن تفكيري يختلف عن باقي الفتيات، فهم يرونني مجرد فتاة مجنونة أو مريضة نفسيًا
عائشة: ما هذا القول!! ربما لأنهم كانوا صغارًا وكان تفكيرك أكبر من سنك، ولكن وصلنا الأن إلى مرحلة نضجت عقولنا وستجدين من يتقبل أفكارك
شيماء باستهزاء: حقًا!! إذًا أثبتي ذلك؟
عائشة: ماذا؟
نظرت إليها شيماء بنظرات مخيفة وقالت: هل شممتي يومًا رائحة الدم؟
صعقت عائشة: ماذ...
قاطعتها شيماء: هل جربتي يومًا إذاء الغير؟؟ هل ترين كل قاتل مجرم؟!
عائشة وهي تنظر في عيني شيماء بخوف: عن ماذا تتحدثـ...؟
قاطعتها شيماء مرة أخرى: أنا لا أظن ذلك؟ أتعرفين ما هو شعورك عندما تجرحين عدوك؟
عائشة: هذا يكفي...
شيماء: إنه أمر رائع... يجعلك تتخلصين من الهم الذي بداخلك
عائشة: توقفي
شيماء: لماذا؟ ألن تتقبلينني؟ أتودين أن تشعري بذلك الشعور؟
أغلقت عائشة أذنيها: توقفي
شيماء: إذا لم تؤذي غيرك فسيأتي اليوم الذي ستؤذين به نفسك!!
ثم صرخت بأعلى صوتها: توقفي!!
هدأ الفصل وبدأ الجميع ينظر إليهما...
نهضت عائشة من مكانها ونظرت إلى شيماء بخوف وقالت والجميع يسمع حوارهما: إنكِ حقًا مريضة نفسيًا
شيماء وبابتسامة: ومن قال بأنني لست كذلك؟
عائشة: تحتاجين طبيبًا نفسيًا
شيماء: أتعالج عند أحدهم، فلا داعي للنصائح
أرادت عائشة ترك المكان وفتحت الباب للخروج، ولكن قالت شيماء بصوت عالٍ لتسمعها: قلت لكِ...
توقفت عائشة في مكانها وبدأت تنظر إلى شيماء وهي ممسكة بالباب لتخرج...
فأنهت شيماء حديثها وقالت: ...بأنك لن تتقبلينني
كادت عائشة أن تبكِ فتركت الفصل هاربة...
..::||الفصل الثامن عشر||::..
صاح الجرس وتجمعت الطالبات في ساحة المدرسة، أما عائشة فلم تصطف مع الطالبات ولكنها عادت إلى فصلها وحملت حقيبتها لتجلس في مكانٍ آخر، فبعد الطابور المدرسي عادت الطالبات إلى فصولهن
وعندما دخلت شيماء ورأت أن عائشة بدلت مكانها تكتفت وضحكت باستهزاء: تهه... *لقد خافت مني*
ثم أنزلت ذراعيها واتجهت نحو مكانها وجلست على مقعدها، وعندما دخلت المعلمة لتبدأ الشرح لاحظت تغير مكان عائشة...
المعلمة: ما بك يا عائشة؟ لماذا أبدلتِ مكانك؟
نظرت عائشة إلى شيماء بطرف عينها خوفًا ولكن عندما التفتت شيماء نحوها مبتسمة نظرت عائشة في الجهة الأخر مغمضة عينيها مرتبكة وخائفة...
المعلمة: هل تشاجرتي مع زميلتك؟
نهضت عائشة من مكانها وقالت: عذرًا أود استخدام الحمام
ثم خرجت من الفصل
المعلمة: لحظة! عائشة...؟!
ثم نظرت إلى الطالبات وسألت: ما الذي جرى
الطالبات: لا نعلم
بعدها سألت شيماء: هل تشاجرتي مع زميلتك
شيماء: لا، فقط هي خائفة مني
المعلمة بتعجب: خائفة؟ لماذا؟!
شيماء: اسأليها بنفسك
خرجت المعلمة من الفصل، وفرحن الطالبات
- سوف يضيع جزء من وقت الحصة ياااااااااي
بدأت المعلمة تبحث عن عائشة، فوجدتها جالسة في أحد زوايا الساحة فذهبت إليها
المعلمة: أهذا هو الحمام؟
فزعت عائشة فهي لم تلاحظ مجيء المعلمة، ونهضت من مكانها بسرعة وشبكت كفيها وراء ظهرها
عائشة: أ...أنا آسفة
المعلمة: أخبريني، ما الذي جرى بينك وبين شيماء
بكت عائشة وقالت: ليتني لم أتحدث معها
المعلمة: لماذا؟
عائشة: إنها مخيفة... لا أستبعد أنها قادرة على أن تلحقني بمكروه
المعلمة: لماذا؟! أخبريني بما جرى...
أخبرتها بما دار بينهما من حوار ولكنها لم تخبرها بأنها تملك سلاح حاد كالمشرط أو السكين فهي لم تره بأم عينها
فقالت المعلمة: ربما كانت تمازحك
عائشة: إنها لا تمزح، لو نظرتِ إلى عينيها لارتعبتِ أنتِ أيضًا منها
المعلمة: حسنًا سوف نبحث في موضوعها، دعينا الآن نعود إلى الفصل وأريدك أن تجلسي بجوارها
عائشة: لا مستحيل
المعلمة: قد تجرحي مشاعرها
عائشة: أجرح مشاعرها ولا تجرح جسدي
المعلمة وهي تضحك: حسنًا افعلي ما تشائين *حقًا أطفال هذا العصر مضحكين، يودون إبراز أنفسهم*
عادت الفتاة مع المدرّسة إلى الفصل، وبدأت درسها، وبعد انتهاء الحصة...
المعلمة: شيماء، هل بإمكانك المجيء معي إلى الغرفة؟ أود التحدث معك
شيماء وبابتسامة: حسنًا
أخذتها إلى غرفة المدرسات وجلست معها تتحدث
المعلمة: آسفة فسوف آخذ وقتًا من حصتك الثانية
شيماء: بل علي أن أشكرك لإخراجي من حصة الاجتماعيات
المعلمة: ... *إن كن لا يحببن المدرسة فلماذا يأتين إليها؟* أود التحدث معك في أمر ما
شيماء: يخص عائشة؟
المعلمة: ...أجل
شيماء: هي من طلبت مني مصارحتها بما في داخلي
المعلمة: أنت ما زلت صغيرة فلماذا تبرزين الشخصية السيئة أمام زميلاتك؟
شيماء: لم أقل شيئًا! فقط سألتها بعض الأسئلة كما تسألين أنت الطالبات في وقت الدرس، لماذا لا تخاف من أسئلتك وتخاف من أسئلتي؟ حقًا إنها غريبة
المعلمة: بل أنت الغريبة، أتريدين إخافة زميلتك؟
شيماء: قلت لك بأنني سألتها بعض الأسئلة لا غير
المعلمة: وهل هذه الأسئلة تطرح على الناس؟ ماذا تقصدين بـ"هل شممتِ يومًا رائحة الدم"؟ وتلك الأسئلة الغريبة؟!
شيماء: الأسئلة كانت واضحة ولكنها لم تجب عليها؟!
المعلمة غاضبة: شيماء!! دعك من المهزلة وكوني جادة في الحديث معي!!
شيماء: أنا أتكلم بكل جدية وصراحة، إن كان كلامي لا يعجبك فهذه مشكلتك أنت
المعلمة: ما هذا الأسلوب!! أتتحدثين مع معلماتك بهذه الطريقة؟
شيماء تصرخ: لم أقل شيئًا!!
المعلمة: لا ترفعي صوتك!!!
نهضت شيماء من مكانها غاضبة واتجهت نحو الفصل دون الرد على المعلمة
المعلمة: شيماء!! لا تذهبي وإلا أخبرت إدارة المدرسة عن تمردك
شيماء وهي تترك الغرفة: لا أخاف من الإدارة
ثم تركت المكان تاركة المعلمة على جمر. فاتجهت المعلمة نحو إدارة المدرسة غاضبة...
المعلمة: أريد رقم والدة أحد الطالبات من الصف الثاني الشعبة الثالثة!!
كانت والدة شيماء جالسة في عملها على المكتب وإذا بهاتفها النقال يرن... فأجابت عليه
بثينة: السلام عليكم؟
المعلمة: وعليكِ السلام... أم شيماء
تنهدت بثينة: هيه... أجل والدتها، ماذا فعلت هذه المرة أيضًا؟
المعلمة: هذه المرة؟؟ هل ابنتك تكثر من المشاكل في المدرسة؟
بثينة: بعض الشيء، ولا فائدة من حديثي معها فهي عنيدة
المعلمة: معذرة ولكن، ابنتك كانت تخيف زميلاتها بجمل سلبية مخيفة
بثينة: عن القتل والسفاحين والدماء... أعلم، فهي لا تملك موضوعًا آخرًا، ولكن أخبري الطالبات بأنها ليست مجرمة، فقط تحب الحديث عن هذه الأمور وتنفير من حولها منها
المعلمة: هل هي متأثرة بالأفلام السينيمائية؟
بثينة: بل بالسفاح المجهول الذي يقتل المجرمين ليلاً، فهي تراه على صواب وأن ما يفعله لا يمد بالإجرام بأية صلة
المعلمة: أتعنين هذه الجرائم المنتشرة منذ أكثر من خمس عشرة سنة؟
بثينة: أجل
المعلمة: ....فهمت الآن، ومنذ متى وهي كذلك؟
بثينة: منذ أن كانت في الرابعة من العمر
المعلمة باندهاش: الرابعة!! كيف هذا؟! وكيف وصلت لها الأخبار... أكانت تشاهد أخبار التلفاز وهي في ذاك السن؟!
بثينة: ... أجل... دعيها وشأنها فقد بنت شخصيتها على هذا النحو ولا جدوى من الحديث معها... آسفة، أنا في عملي الآن، إن كنتِ تريدين التحدث في موضوع شيماء فيمكنني الاتصال فيما بعد
المعلمة: لا، لا داعي لذلك، آسفة على الإزعاج، إلى اللقاء
ثم أغلقت الخط ووضعت كفها على خدها وتنهدت. وعند المغرب ذهبت شيماء إلى الطبيب أحمد...
أحمد: حدثتني والدتك بما جرى اليوم في المدرسة
شيماء: أها... هههههـ لو نظرت إلى وجهها لانفجرت من الضحك
أحمد: لماذا تظهرين شخصيتك كمجرمة؟
شيماء: فقط لا أريد مصادقة أحد
أحمد: لماذا؟
شيماء: لا أحبهم جميعًا... أناس لا يهمهم إلا أنفسهم، ولا يصاحبون إلا للمصالح الشخصية
أحمد: ولكن أفكار البشر تختلف من شخص لآخر
شيماء: ولكن كرهتم ولا أود مصادقة أحد
أحمد: هل ستبقين وحيدة طوال حياتك؟
شيماء: لا أمانع...
..::||الفصل التاسع عشر||::..
أتى الليل وارتدت شيماء بيجاما النوم...
قيس: كيف كانت المدرسة معك اليوم؟
شيماء: جيدة، تحدثت إلى زميلتي أيضًا، لم نتحدث هكذا من قبل
قيس: هذا جيد
شيماء: أجل...
قيس: وماذا عن الإنشاء؟
شيماء: سلمته وأعجب المعلمة
قيس: رائع
ثم بدأت تتمدد وتقول: أشعر بإرهاق شديد، فقد طلبت منا معلمة الرياضيات حل أكثر من عشر مسائل، وهذا أخذ مني وقتًا طويلاً حتى آلمني ظهري
وأثناء تمددها ظهر جزء من بطنها، فلمح قيس جرح عليه...
سأل قيس بجدية: ما هذا؟؟
شيماء وقد أنزلت ذراعيها: ماذا؟
قيس: يوجد جرح على بطنك
ارتبكت شيماء قليلاً ولم تعرف ماذا تقول: ... إنه... ليس بجرح عميق
قيس وبغضب قليل: وما سببه؟
شيماء: دعك منه
قيس: سألتك ما سببه؟!
شيماء: اصطدمت بطاولة المدرسة... هذا كل شيء
قيس: أتكذبين علي..!!؟
شيماء: لا أكذب
قيس: بل تكذبين، أنا أعرفك منذ صغرك فلا تستطيعين إخفاء شيء عني
غضبت شيماء وقالت: إذًا فلماذا تخفي أنت عني الكثير؟!
قيس: أنا لا أخبرك بشيء حتى يأتي الوقت المناسب له، أخبريني الآن أأنت جرحت نفسك؟
شيماء: .....
قيس وبغضب: أجيبيني!!
أنزلت شيماء رأسها وقالت بصوت منخفض: أجل...
زاد غضب قيس وقال: وبأي أداة؟
شيماء: بسكيني...
قيس: لو كنت أعلم أنك ستستخدمينها في هذا الأمر لما أهديتك إياها...
ثم مد يده وقال: أعطني السكين
أمسكتها شيماء بقوة وقالت: مستحيل... لن أعيدها إليك
قيس: قلت لك أعطني السكين!!!
شيماء وقد تجمعت الدموع في عينيها: أعدك أن لا أستخدمها في أمر كهذا
قيس: لا تستخدميها ولا تستخدمي أي سلاح آخر في هذه الأمور
شيماء: ولكن...
قاطعها بصراخ: وما الهدف من تعذيب نفسك!!؟ أهكذا تفكرين؟
بكت شيماء وصرخت: لأنني لا أملك أحدًا أخبره بما أفكر فيه نهارًا
قيس: ... ماذا؟!
شيماء: أجل... لا أملك أحدًا... فعندما أشعر بضيق في صدري لا أجد من يواسيني، فهذا الشيء الوحيد الذي يخفف عني الهم
قيس: وصديقاتك في المدرسة؟
شيماء وقد اعتدل صوتها قليلاً: لا أملك صديقات...
قيس: ولكن....!
شيماء: منذ أن دخلت الروضة لم أحصل على صديقٍ واحدٍ حتى...
قيس: ولماذا؟؟! لماذا لم تخبريني بهذا من قبل؟
شيماء: لم أرد إزعاجك، يكفي أنك اهتممت بي من جميع النواحي
شعر قيس بضيق فقد علم بأنه هو السبب في ذلك فأخذها وضمها إليه دون أن ينطق بكلمة ثم نهض من مكانه يبحث في الغرفة عن شيء ما
شيماء وقد مسحت دموعها: عن ماذا تبحث؟
لم يجبها قيس ولكنه تابع البحث، ثم فتح أحد الأدراج فوجد كراسة جديدة فأخذها وأعطاها إياها
وقال: إذا كنتِ تشعرين بضيق ما عليك سوى كتابة ما يضيقك في هذا الدفتر... وأنا سوف أقرؤه ليلاً، هذه الطريقة أيضًا تخفف من الهم دون أن تؤذي نفسك أو غيرك، فكنت أستخدمها وأنا في عمرك تقريبًا على الرغم من أنه لا يوجد أحد يقرؤها
شيماء: أنا آسفة
وضع يده خلف رأسها وضمه إلى صدره وهو يقول: آسف لأنني صرخت عليكِ، أعدك، لن يتكرر هذا مرة أخرى
لم تستطع شيماء قول شيء، فكانت هذه المرة الأولى التي يوبخها قيس أو يصرخ عليها، فقط ظلت دموعها عالقة على أهدابها...
ترك قيس رأسها وقال وهو يبتسم لها: لا عليكِ... انسي ما حصل وحاولي بناء صداقات في المدرسة
شيماء: لا أستطيع
قيس: بل تستطيعين
شيماء: أكرههم
قيس: ولكنك ستحبينهم
شيماء: مستحيل
قيس: أكره هذه الكلمة
شيماء: ...
قيس: حتى بعد الذي حصل لي لم أيأس، وما زال لدي أمل في الحياة، فكيف تيأسين أنتِ وحالك أفضل من حالي بمئة مرة؟
شيماء: ولكنني أختلف عنك
قيس: فقط تفاءلي خيرًا وستفتح الطرقات أمامك
شيماء: ....
ثم ابتسم قيس لها: احملي هذا الدفتر معك أينما ذهبت وأأكد لك بأنك ستشعرين بالراحة
شيماء: أشكرك
قيس: وهل لي غيرك؟
وابتسمت له شيماء وكان ذلك أخر حوارهما في تلك الليلة، فبعدها أخذها قيس تحت الفراش ونام معها...
في صباح اليوم التالي، بينما كانت شيماء تتناول غداءها في المدرسة، أتت إليها أحد طالبات فصلها...
سعاد وبابتسامة ماكرة: ما بك جالسة بمفردك
أجابتها شيماء دون أن تلتفت وترى وجهها: هذا ليس من شأنك
جلست سعاد بجانبها وقالت: سمعت أنك تتعالجين لدى طبيب نفسي
شيماء ولم تنظر إليها بعد: *حقًا إنها طفلة، بلهاء* وماذا إذًا؟ أخشى أنك أنتِ من يحتاج إلى واحد ولست أنا
سعاد: بماذا كنتِ تتحدثين مع عائشة
شيماء: ليس من شأنك
غضبت سعاد وأمسكت بكتف شيماء: انظري إلي!!
دفعت شيماء يدها ونهضت من مكانها والتفتت إليها بغضب: تودين الشجار؟! لا أنصحك...
ثم أخذت غداءها تاركة سعاد خلفها، وجلست في مكان آخر لتتابع الأكل، فأتت إليها سعاد مرة أخرى
سعاد: هاي أنتِ...
تنهدت شيماء وأدارت عينيها: أففففف... ماذا تريدين؟
سعاد: أتيت لأعلن الحرب ضدك يا معقدة
شيماء: *حرب!! هههههـ أفكار أطفال لا غير، أتريد أن تلعب دور الفارس؟* أنا معقدة؟ إذًا أنت ماذا؟ حسنًا... لا تنسي إحضار سيفك غدًا للقتال، هيه
ثم تركتها شيماء بعد أن دفعتها جانبًا، ولكن بعد خطوات توقفت ونظرت خلفها
شيماء: أوه، لقدر لوثت يدي بلمسك، للأسف لم أحظر المطهر معي
ثم تركتها وهي تضحك بسخرية وتركت سعاد تحترق من غضبًا. اتجهت نحو دورة المياه وأقفلت الباب ثم أخرجت سكينها وكفيها ترتجفان وملامحها انقلبت إلى التوتر والارتباك والحزن...
شيماء: *هل أفعلها أم لا؟ وعدت قيس بأن لا أجرح نفسي مرة أخرى...! ماذا عساي أن أفعل؟ فقط جرح صغير لن يؤثر...*
بدت مترددة في الأمر ثم أغلقت السكين وأخرجت الدفتر وبدأت بكتابة ما حدث ويدها ترتعش من التوتر والغضب:-
"أتت إلي سعاد تعايرني لكوني أراجع طبيبًا نفسيًا، لم أظهر لها ضعفي ولكن لا أعلم إلى أي مدى ستصل"
أغلقت الكراسة بسرعة وخبأتها في جيب تنورتها ثم خرجت من دورة المياه، وإذا بالجرس يدق، فتنهدت واتجهت نحو فصلها...
..::||الفصل العشرون||::..
عند المساء، كانت شيماء جالسة على سريرها تنظر إلى سكينها وقيس مستلقٍ بجانبها ويداه تحت رأسه وقد ثنى أحد ركبتيه
شيماء: قيس أخبرني، لماذا أهديتني هذه السكين؟
قيس: قلت لك من قبل، قد تستخدمينها يومًا في الدفاع عن نفسك، وحصل هذا من قبل عندما أخرجتك معي تلك الليلة
شيماء: ولكنك لا تريدني أن أصبح قاتلة
قيس: لا تقتلي فقط اجرحي، وربما في أمور أخرى، مثلاً تخيلي لو كنتِ محبوسة في مكان ما واحتجتِ إلى قطع شيء ولم يكن لديك ما تقطعين به، ستتمنين لو أنك تملكين سكينًا
شيماء: لا أظن أنني سأمر بموقف كهذا
قيس: توجد مواقف كثيرة، برأيي وجود السكين مع أي شخص أمر أساسي
ثم جلس واعتدل من هيأته: أخبريني هل كتبتِ شيئًا في الكراسة؟
شيماء: أجل...
قيس: هذا جيد، أتريدين مني قراءته؟
شيماء: لا، سأخبرك بما حدث بنفسي، فلا شيء يدعو إلى القلق بعد معرفتك بكل شيء
قيس: وما الذي حصل
شيماء: تعرف جارنا سلطان الذي يسكن في المنزل المقابل؟
قيس: أجل ما به
شيماء: يملك ابنة في عمري وأنا أدرس معها منذ سنتين، تكرهني كثيرًا ولا أعرف السبب! ولكنها كانت تكتفي بالنظرات، أما اليوم فأتت لتتشاجر معي!! ههههـ قالت بأنها تريد إعلان الحرب
قيس وقد عرضت ابتسامته وبانت أسنانه: حرب!!
شيماء: أجل، هههههههههههـ
قيس: ربما تأثرت برسوم الأطفال
شيماء: يبدو كذلك
في تلك اللحظة استيقظت بثينة من كابوس، كانت الساعة الثانية قبل الفجر، رأت في منامها شيماء وكانت تأكل لحمها -أي لحم والدتها- وكانت تصرخ فلم تكن ميتة، فاستيقظت وبدأت تستعيذ من الشيطان ثم خرجت لتشرب كوبًا من الماء، وبعدها أرادت أن تطمئن على ابنتها قبل عودتها إلى النوم فسمعتها تتحدث مع قيس
شيماء: أخبرني قيس... ماذا ستفعل لو...
ثم قاطع حديثها محاولة والدتها فتح الباب، كان الباب مقفلاً فبدأت تطرقه
بثينة: شيماء... افتحي الباب...
وواصلت الطرق بقوة، أما شيماء فخافت
شيماء بصوت منخفض: ماذا أفعل...؟! أيعقل أنها سمعت حوارنا؟
قيس: لا بأس افتحي لها الباب فلن تراني
شيماء: المشكلة لا تكمن هنا... ماذا سأقول لها
قيس: اختلقي أي كذبة، فقط لا تدعي والدتك مفزوعة بالخارج
شيماء: حسنًا
ذهبت شيماء وفتحت الباب وهي تفرك عينيها: ما بك يا أمي...؟ لماذا تيقظينني في منتصف الليل؟
بثينة: هل هناك أحد معك في الغرفة
شيماء: *تبًا سمعتني!!* ما هذا السؤال؟ بالتأكيد لا
بثينة: سمعتك تتحدثين مع قيس!!
شيماء: قيس!!؟ حقًا؟؟ ربما ذكرت اسمه وأنا نائمة، تعلمين كم كنت أحبه
بثينة: .... متأكدة؟
شيماء: بالتأكيد... ادخلي وابحثي عنه بنفسك... حسنًا أمي أريد أن أنام فغدًا لدي دوام مدرسي
بثينة: حسنًا عودي إلى النوم... ولا تقفلي الباب، لماذا تقفلينه دائمًا؟
شيماء: لأنني أنكشف أحيانًا وأنا نائمة
نظرت إليها والدتها وعيناها مليئتان بالأسئلة ومن ثم تركتها دون قول شيء، ولكن شكت فيما قالته ابنتها *ترتدي البنطال فكيف ينكشف جسدها...؟*
أما شيماء فدخلت الغرفة وأغلقت الباب ثم استندت عليه
شيماء بصوت منخفض: حمدًا لله... لم تكتشف الأمر
انفجر قيس من الضحك: ههههههههـ
شيماء وما زالت تتحدث بصوت منخفض كي لا تسمعها والدتها: لماذا تضحك؟
قيس: هههههههـ.. كنتِ... كنتِ ههههههههـ، حقًا إنك بارعة
ابتسمت له شيماء: *أول مرة أرى قيس يضحك بهذه الطريقة!!*
أمسك ببطنه وقال: ههههـ... لا أظنها صدقتكِ ولكن هههـ... ولكن على أية حال... نظراتها كانت عجيبة
شيماء: ربما مجيئها في هذه اللحظة كان خيرًا
قيس يمسح دموعه وابتسامة واسعة على شفتيه: لماذا؟
شيماء مبتسمة: لأنني لم أرك تضحك هكذا من قبل
سكت قيس عندما قالت ذلك وأخذ نفسًا عميقًا بعد ذلك الضحك المفرط ورسمت ملامح هادئة على وجهه ومحيت الابتسامة تمامة عنه
شيماء: ما بك؟
نظر إليها قيس وابتسم كعادته: لا شي... كنتِ ستقولين شيئًا...
شيماء: لا أذكر
قيس: قلتِ ماذا ستفعل لو... ثم سكتِ
شيماء: أجل... ماذا ستفعل لو أصبحت قاتلة يومًا ما؟ هل ستقتلني؟
قيس: بل سأقتل نفسي
شيماء: لا تمزح، أنا أتحدث بجدية
قيس: وأنا أيضًا...
شيماء: ولماذا تقتل نفسك؟ اكتفِ بتركي فلا أحد يستحق أن تموت لأجله
قيس: لا يمكنني أن أشاهد فتاة أنا بنيتها وقد أصبحت قاتلة، ولكن لا أظن أنك ستصبحين هكذا
شيماء: ولكن من يعلم بماذا تخبئ لنا الأيام
قيس: هذا صحيح
ذهبت شيماء في اليوم التالي إلى المدرسة، وكانت أول الطالبات كعادتها، وبعد نصف ساعة، دخلت سعاد الفصل بعدما امتلأ بالفتيات. وعبرت بجانب شيماء ودفعت طاولتها أثناء مشيها، فنظرت إليها شيماء بنظرات سخرية وضحكت قليلاً
شيماء: هيه... *أهذا ما تسميه بالحرب؟*
التفتت نحوها سعاد غاضبة: على ماذا تضحكين
شيماء: على أفعالك الطفولية
سعاد: لا تتحدثي وكأنك تكبريني بعشر سنوات
شيماء: بل ربما أنت من يكبر جسدًا ولا يكبر عقلاً
هنا بدأ الجميع ينظر إليهم -كعادة الطالبات- أما عائشة فخرجت لتنادي المعلمة خوفًا من حدوث أمر ما
اتجهت سعاد نحو شيماء وأمسكتها من قميصها: لا تظني نفسكِ ناضجة، فدماغك لا يعادل ربع دماغي
شيماء بسخرية: بالتأكيييييد، فأنا لم أرَ فتاة أنضج منك في هذا السن، والدليل أنك أحضرت السيف معك، بل الرشاشات لإعلان الحرب
دخلت المعلمة في هذه اللحظة الصف مسرعة ومعها عائشة، فرأت سعاد ممسكة بقميص شيماء ومن ثم رفعت يدها لتصفع شيماء فأمسكت شيماء بيدها
نظرت إليها بنظرات مخيفة وابتسامة ماكرة وقالت: صفعة!!؟
ثم تركت يدها ولكمتها على وجهها، فصرخت سعاد وكادت أن تقع إلا أنها استندت بالطاولة التي خلفها، كادت عيناها أن تدمع من شدة الألم وبدأ الدم ينزف من فمها، جرت المعلمة نحوها مسرعة
المعلمة فزعة: هل أنت بخير؟
سعاد وهي تنظر إلى شيماء والشرر يتطاير من عينيها: ....
نظرت المعلمة إلى شيماء غاضبة: كيف لك أن تفعلي ذلك بزميلتك؟
شيماء: هي من بدأ الشجار وأرادت ضربي أولاً
ثم نظرت شيماء إلى سعاد وقالت: اعلمي أنه لو جاء يوم وفاتك سيكون أنا سببه
المعلمة: لا تخيفي زميلاتك
تركت شيماء الفصل غاضبة ولكن فور خروجها ابتسمت بسعادة
شيماء: فعلتها *الآن أشعر بتحسن كبير*
..::||الفصل الحادي والعشرون||::..
أخذت المعلمة سعاد إلى غرفة التمريض، وعند انتهاء الطابور المدرسي طلبوا من شيماء الحضور إلى الإدارة، فلم تتجه شيماء إلى فصلها بل ذهبت مباشرة نحو غرفة المشرفة
المشرفة: بالطبع تعرفين لماذا نوديتِ
شيماء: أجل بالتأكيد، على الرغم من أنه عليكم مناداة سعاد ولست أنا
المشرفة: أنتِ من لكمها وتودين القول بأنها المذنبة؟
شيماء: لم أضربها سوى دفاعًا عن نفسي
المشرفة: نحن في مدرسة للفتيات وليست للبنين، وما هو سبب شجاركما
شيماء: أليس عليكم سؤال المظلوم في نظركم؟ لماذا تسألونني؟
المشرفة: سألتك سؤالاً فأجيبي عليه
شيماء: بدأ الشجار من البارحة، أتت تعايرني لأنني أتعالج لدى طبيب نفسي ولكنني لم أعرها اهتمامًا فغضبت وقالت بأنها ستعلن الحرب ضدي، ففي صباح هذا اليوم بدأت تزعجني فلم أهتم لها، فغضبت وأرادت ضربي فضربتها، والآن تقولون بأنني أنا المذنبة!
المشرفة: سآتي معكِ إلى الفصل وسأسأل الطالبات
شيماء: لا أظنهم سيقولون الحقيقة؟
المشرفة: بل سيقولون الحقيقة وأنتِ ستكونين الكاذبة
شيماء: ولماذا؟ على أية حال فجميع طالبات الفصل يكرهنني فهن معقدات، ولكن لا مشكلة في سؤالهم ربما يكون هناك منهم فرد عاقل
المشرفة في نفسها: *تقول معقدات... إذًا ماذا عنها؟*
اتجهت المشرفة مع شيماء إلى الفصل وكانت الحصة الأولى قد بدأت، فاستأذنت المشرفة في أخذ وقت من الحصة
المشرفة: أود أن أستفسر عما جرى اليوم، أتعرفون من المذنب؟
نهضت أحد الفتيات وكانت صديقة سعاد: الأمر واضح!! انظري إلى شيماء لا تملك أي رضوض فقد هجمت على صديقتي كالوحش. على المدرسة أن لا تقبل بفتاة كهذه
شيماء: تقولين هذا لأن تلك المتعجرفة صديقتك
نظرت المشرفة إلى شيماء: شيماء اصمتي، أنا أسأل الطالبات...
أشاحت شيماء عن المشرفة ونظرت إلى الجهة الأخرى: هيه...
ثم أبعدت المشرفة نظرها عنها لتسأل الطالبات مرة أخرى: وماذا عن رأي البقية؟
لم تنطق أي فتاة وجميعهن سكتن، فنظرت إليهن شيماء بنظرات غضب، فخافت عائشة ووقفت مسرعة
المشرفة: ما بك؟
عائشة: أعلم بأن ما فعلته شيماء كان خطأ، ولكن سعاد هي التي استفزتها
الجميع بدأ ينظر إلى عائشة وقلن بصوت منخفض: عائشة!!
عائشة: رأيت كل شيء بأم عيني، كانت شيماء جالسة في مكانها فبدأت تضايقها سعاد منذ أن أتت إلى المدرسة ولم تفعل بها شيماء شيئًا إلى أن أرادت سعاد صفعها
المشرفة: إذًا فكلامك صحيح
شيماء: ولماذا أكذب؟ فأنا لا أخاف من أحد
المشرفة: إذًا فعلي التحدث مع سعاد، حسنًا آسفة على أخذ جزء من وقتكن...
خرجت المشرفة وأخذت سعاد معها وجلست شيماء على كرسيها، ثم نظرت إلى عائشة وابتسمت لها، أما عائشة فأنزلت رأسها وكأنها لم تر شيئًا. وعند انتهاء الدوام، أتت والدة شيماء لاصطحابها
عند ركوبها مباشرة قالت لها والدتها: سوف آخذك إلى الطبيب أحمد
شيماء: ولماذا!! فاليوم لا أملك موعد لديه
بثينة: أخبرته بما سمعته البارحة
شيماء: قلت لك بأنني كنت نائمة
بثينة: حتى وإن كنتِ نائمة، فبعد مرور تلك السنين ما زلت تتذكرينة وتفكرين به؟
شيماء: بالتأكيد فكان أول صديق لي
بثينة: ولكنك أصبحتِ امرأة فكيف تريدين مصادقة الرجال؟
شيماء: قيس يختلف عنهم، تعلمين بأنني أنا الوحيدة التي أراه وعمره ثابت وكان قبل بلوغه فما المانع؟ فهو لم يبلغ بعد
بثينة: أتريدينني أن أصدق تلك الحكاية؟
شيماء: صدقيها أو لا، لن أنسى قيس وسيظل في قلبي، على أية حال لا مانع في الذهاب إلى أبي يوسف فقد اشتقت للقائه
وبعد وصولهما...
شيماء بابتسامة: السلام عليك أيها الطبيب
أحمد: وعليكِ السلام، آسف على هذا الموعد المفاجئ
شيماء: لا بأس، فهذا ليس ذنبك بل ذنب والدتي
بثينة بعضب وصوت منخفض: شيماء
أحمد: هاه!
شيماء: هي من أخبرتك بما سمعته البارحة
أحمد: إذًا... فأنت تعترفين بأنك تقابلين قيس
شيماء: لا
أحمد: لا تكذبي
شيماء: قلت لك لا
أحمد: أخبرتك من قبل، إن كنت قادرة على الكذب فعينيك لا تكذبان
شيماء بضيق وبصوت منخفض قليلاً: يبدو أنني سوف أنزعهما
أحمد: فأنت تعترفين
شيماء متنهدة: أجل
أحمد: ومنذ متى بدأتما تتقابلان مرة أخرى؟
شيماء: فقط انقطع ثلاثة أيام بعدما انتقلنا إلى المنزل الجديد
بثينة والطبيب: ماذا!!
أحمد: طوال تلك الفترة؟؟!!
شيماء بابتسامة واسعة: أجل
نظر أحمد إلى والدتها بغضب فقالت بثينة: أنا آسفة...
ثم تابع حديثه مع شيماء: أنتِ كبرتِ الآن وعليك أن تتخذي قراراتك وأن تبني أفكارك بنفسك، فكري بالأمر وبأمر قيس، أما زلت تملكين نفس النظرة نحوه؟
شيماء: أجل بالتأكيد، على الرغم من أننا أصبحنا نختلف في بعض الآراء، ولكنه الأفضل دائمًا
أحمد: الأفضل!!؟
شيماء: أجل، فهو دائمًا ينصحني ولا يريدني أن أقع في المشاكل، ودائمًا يحثني على أن لا أسلك الطريق الذي سلكه هو
أحمد: إذًا فلماذا لا يغير طريقه هو الآخر؟
شيماء: لأنه بدأ بالأمر دفاعًا عن نفسه، وبما أنه قتل مرة واحدة فتركه للقتل لن يغير حقيقة أنه قاتلاً، فما يفعله الآن لمصلحتكم ومصلحة الدولة
أحمد: وماذا عن قيس؟... أعني عمره
شيماء: ما هذا السؤال؟! إن لم يكن قد تغير في الماضي هل سيتغير في الثمان سنوات الماضية؟
أحمد: وهل تصدقين قصته؟
شيماء: بالتاكيد؟ وماذا سيجني من الكذب علي؟
أحمد: ......
شيماء: اسمع... لقد بلغت الآن سن الرشد وأعلم ما أقوم به، ولست شيماء الطفلة التي كانت تحكي لك كل ما يجري بينها وبين قيس، فانسَ تلك الأيام فأنا أريد أن أعيش كما أريد
أحمد: هذا يعني أنك لا تودين إخباري بما يجري بينك وبين قيس؟
شيماء: أجل...
أحمد: كما تشائين
بثينة: ماذا؟!
أحمد: لن أجبرك على فعل شيء لا تطيقينه، ولكن إن شعرت يومًا بضيق أو وقعت في مأزق فاعلمي أنني بمثابة والدك، هذا كل ما أستطيع فعله لك. أما عن رأيي بقيس فلا أسطيع تصديق قصته وأظن أنه قرينه يأتي ليسخر منك... لا أعرف ما الذي يهدف إليه ولكن العقل البشري لا يصدق مثل تلك الأساطير
شيماء: أشكرك يا عم، هذا لطف منك. ولكن لا أظن أنني سوف أقع في مأزق ما دام قيس بجانبي، ربما لو كنتُ مكانك لظننت أن قيس مجرمًا ويريد إيقاع من يقابلها في المشاكل، ولكن أنا قابلته شخصيًا وأستطيع رؤية ما في داخله بمجرد النظر إلى وجهه، أما عن قصته فأرى أن تفكيري ليس سطحيًا وأصدق ما قاله لي قيس، أستأذنك الآن...
خرجت شيماء من عند الطبيب وتركت والدتها بالداخل
فسألت بثينة الطبيب: كيف لك أن تقول هذا لها؟
غضب عليها أحمد وقال: لا أستطيع فعل لها أي شيء، أنا من يسكن معها أم أنت؟ لا أستطيع مساعدتها إن كانت مصرة على مقابلته...! وغير هذا تركتيها ثمان سنوات دون مراقبة ولم تعرفي إن كان قيس يقابلها أم لا؟!
لم تجبه بثينة وتركت الغرفة صامتة، صعدت السيارة واتجهت نحو البيت، كانت شيماء ستطير من الفرح فلم يقل أحمد هذا الكلام لها من قبل، شعرت وكأنها هي المنتصرة، ولكن مع ذلك كانت تعرف بأن والدتها لم توافق على الأمر بالطبع...
..::||الفصل الثاني والعشرون||::..
عند الساعة الحادية عشرة، خرج أحمد من العيادة متجهًا نحو منزله، دخل المنزل مرهقًا وألقى التحية على أهل البيت، ثم ألقى بجسمه الثقيل على الكرسي...
سارة بابتسامة: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، هل تناولت عشاءك؟
أحمد: لا، أعدي لي القليل من فضلك
سارة: حسنًا...
جلس أحمد يفكر بأمر قيس وماذا يكون في الحقيقة...
أحمد: *أيعقل أن يكون أحد الجن؟ ولكن ما الهدف من تخلص الجن من المجرمين؟ ولماذا اختار شيماء بالذات؟ أعلي أن أصدق ما قاله لشيماء؟ أيمكن أن يكون قيس نفسه الذي اختفى منذ عشرين سنة؟*
زاد صداع أحمد من التفكير، فأغمض عينه وبدأ يتناسى الأمر، وبقي هكذا إلى أن أتت سارة حاملة له العشاء فوجدته مغمض عينيه...
فسألت: هل أنت نائم؟
فتح أحمد عينيه قليلاً ونظر إليها وقال: لا
فابتسمت ووضعت الطعام أمامه وجلست بجانبه، نظر إليها وتذكر حديث شيماء عن قيس *الابتسامة لا تفارق شفتيه* فكانت هذه عادة زوجته أيضًا حتى وإن كانت في ضيق...
سارة: ما بك؟ لماذا لا تأكل؟
أحمد: أه... حسنًا
أمسك أحمد الملعقة ثم توقف ناظرًا إلى الطعام وسأل سارة بنبرة جادة يشيبها التحيير: هل يوجد حقيقة في تجول أرواح الموتى بيننا؟
سارة بتعجب: ما هذا السؤال؟ بالتأكيد لا، إنها فقط معتقدات الغرب... الناس يحاسبون في قبورهم فكيف لهم التجول؟
أحمد يخاطب نفسه: إذًا ماذا يكون؟
سارة: ماذا؟ من؟
نظر إليها أحمد بعينين باردتين وقال: لا، انسي ما قلته...
سارة: أرجوك أخبرني، ما الذي يشغل بالك؟
أحمد: قلت لك من قبل، لا أريدك أن تتعبي نفسك معي
سارة: أهي نفسها مشكلتك مع القاتل المجهول؟
أحمد بتعجب: أما زلت تتذكرين؟!
سارة: كيف لي أن أنسَ والجرائم ما زالت مستمرة، وأنا أعلم أنك تعرفه شخصيًا؟
أحمد: إذًا فسأخبرك بشيء واحد يحيرني، المجرم عبارة عن مراهق اختفى منذ عشرين سنة ولكن منذ أن اختفى لم يتغير شكله!! أي ما زال بشكله عندما كان في الرابعة عشرة!! لا أعرف كيف هذا!!
سارة: هل أنت جاد؟!
أحمد: أنا بنفسي لا أستطيع تصديق ذلك...
سارة: هل رأيته بنفسك؟
أحمد: لا
سارة: إذًا ربما كذبوا عليك!!؟
أحمد: الأطفال لا يكذبون... فتاة واحدة فقط تستطيع رؤيته وسماعه كما سمعت منها، ولكن لا يوجد سوى حل واحد، ألا وهو تثبيت كاميرات مراقبة في غرفتها لأصدق ذلك
سارة: لا أعرف ماذا أقول... عن نفسي لم أقابل تلك الفتاة شخصيًا ولكن من سماعي لحديثك لا أستطيع تصديق هذا الكلام
أحمد: لهذا قلت لك لا تتدخلي في هذا الأمر... على أيٍ، كيف حال الأطفال؟
سارة: ناموا مبكرًا بعد تناولهم العشاء مباشرة
أما شيماء فكانت في المجمع تشتري بعض الحاجيات، وعادت إلى منزلها الساعة الحادية عشرة والربع، واتجهت نحو غرفتها مباشرة. وعندما أرادت أن تقفل الباب لم تجد المفتاح!! فغضبت واتجهت نحو والدتها
شيماء بغضب وعتاب: أمي!! أين مفتاح غرفتي؟؟!
بثينة وبكل برود: لن أعطيك إياه
شيماء: وإن كنت أود تبديل ملابسي؟
بثينة: لديك الحمام
اشتد غضب شيماء: أمي!!! دعيني أتصرف بحرية في غرفتي، ما الخطأ في أن أملك مفتاح الغرفة!؟
بثينة بعتاب: لا تخاطبيني وكأنني خادمتك! ولا تتحدثي وكأنك تجهلين ما أريده!!!
نظرت شيماء إلى والدتها بغضب ثم تركتها مسرعة في المشي. دخلت غرفتها وأغلقت الباب وتفاجأت بوجود قيس أمامها!!
شيماء منبهرة: قيس!! لماذا أتيت في وقت مبكر جدًا؟
قيس: لماذا آتي متأخرًا وقد علمت والدتك بمجيئي لك
شيماء: هذا صحيح
دخلت عليها والدتها فجأة وسألت بعتاب: تتحدثين مع من؟
شيماء: مع قيس... للأسف لا تستطيعين رؤيته، إنه يقف أمام السرير
قيس: بلغي لها سلامي
شيماء: إنه يسلم عليكِ
بثينة: كفّي عن المهزلة واذهبي إلى فراشك، تريدينني أن أصدق هذا الهراء؟
قيس: إنها لا تؤمن بوجودي؟ ما رأيك أن أثبت لها هذا؟
ابتسمت شيماء في وجه قيس وقالت: أجل
بثينة متعجبة: أجل!!؟
أمسك قيس الفراش بإصبعين ورفعه بارتفاع نصف متر عن سطح السرير وإذا بوالدة شيماء تصرخ، فأمسكت بيد شيماء وخرجت من الغرفة تجري وتجر ابنتها خلفها...
قال قيس مبتسمًا: وأخيرًا أدركت أن ابنتها تقابل شخصًا غريبًا
دخلت بثينة غرفتها مع ابنتها ووقفت في مكانها ويدها على قلبها من شدة الفزع
بثينة بفزع: ماذا كان ذلك؟!!
ضحكت عليها شيماء: ههههههههههههههههـ
بثينة: ما بك تضحكين؟
شيماء: قال لي قيس ما رأيك بأن أثبت وجودي لأمك؟ أظن أن هذا دليل واضح لوجود قيس هههههههههههـ
ثم أرادت شيماء الخروج من الغرفة: أنا عائدة إلى قيس فهو ينتظرني
أمسكت أمها بذراعها ومنعتها من الخروج: لن تعودي إلى غرفتك
شيماء: لماذا؟
بثينة: لماذا!!!؟؟ لن أسمح لك بالجلوس مع ذلك الجني!!؟
شيماء: جني!!
ثم انفجرت من الضحك: ههههههههههـ أمي أنت مضحكة
بثينة خائفة ومتعجبة: .....!!
شيماء: أنا أجلس معه يوميًا في التسع سنوات الماضية والآن بدأ خوفك علي؟ لا تخافي فقيس رجل محترم... وغير هذا، لو كان من الجن لرأيته أنت أيضًا، كيف له أن يظهر لي ولا يظهر لك؟ ههههههههـ
ثم تركت الغرفة ضاحكة، أما بثينة فقد سقطت مفزوعة على الأرض وكلتا يديها على صدرها من شدة الفزع...
دخلت شيماء غرفتها وابتسمت في وجه قيس...
قيس: ماذا قالت أمك؟
شيماء: كدت أن تقتلها من الخوف
قيس: لماذا؟ من المفترض أن تكون عالمة بهذا الأمر
شيماء: دعها، فهي لم تصدق يومًا كلمة قلتها لها، خيرًا فعلت، ربما تراجع نفسها قليلاً وتنظر في أمري فقد ظلمتني كثيرًا فكانت لا تصدق حديثي
قيس: كلامك صحيح... نسيت!! لم تخبريني، هل أخبرت والدتك الطبيب عما سمعته البارحة من حوار بيني وبينك؟
شيماء: أجل وأخذتني إليه أيضًا
قيس متحمس ومبتسم: حقًا!! وماذا قال؟
شيماء: قال بأنني كبرت ولن يجبرني على فعل شيء لا أطيقه
تعجب قيس ولكنه كان سعيدًا في الوقت نفسه: حقًا!! وأخيرًا يئس الرجل من محاولته لتفريقنا، حقًا إنه يعجبني، بلغيه شكري واحترامي
شيماء: حسنًا، كما تأمرني يا أستاذي
أما عن والدة شيماء فكانت في غرفتها جالسة على سريرها خائفة لا تعرف ماذا تفعل، وكانت ممسكة بهاتفها النقال بكلتا يديها
بثينة: *هل أتصل أم لا؟ لا أستطيع النوم من شدة الخوف!! هل أخبر الطبيب بما رأيت اليوم؟ قيس ليس من الجن كما قالت شيماء!! لو كان كذلك لاستطعت رؤيته؟!! ربما قالت شيماء هذا فقط لإبعاد الشبهات عنه. هل أتصل بالطبيب أم لا؟ الوقت ليس متأخرًا أم أنا من يراه كذلك؟!!*
بدت مترددة وحائرة وخائفة في وقت واحد ولكنها في النهاية استقرت على قرار ثابت...
فتحت قفل الهاتف واتصلت بالطبيب...
كان أحمد جالسًا بجوار زوجته يتناول عشاءه، فرن هاتفه، تعجب من ذلك وزوجته أيضًا
سارة: خيرًا إن شاء الله، من الذي يتصل بك في هذا الوقت؟
أمسك أحمد الهاتف ونظر في شاشته ثم قال بتعجب: أم شيماء؟؟!!
سارة: ومن تلك؟
أجاب أحمد على الاتصال: السلام عليكِ، خيرًا يا أم شيماء؟ هل حصل مكروه لابنتك؟
بثينة فزعة: قيس!! إنه مع شيماء في هذه اللحظة!!
أحمد: وما الغريب في ذلك؟ فهذا يتكرر يوميًا
بثينة: ولكنني رأيته!!
صرخ أحمد بحماس: رأيته!!
سارة: ....؟!
بثينة: لم أره ولكن عندما دخلت الغرفة أخبرتني شيماء بأنه معها ولكنني لم أصدق فأراد... فأراد تأكيد ذلك و...
بدأت تتزايد سرعة أنفاس أم شيماء ثم قالت: أنا خائفة...
أحمد: هدئي من روعك يا امرأة، ماذا فعل بعدها؟ ماذا فعل لتأكيد وجوده!!؟؟
سارة: *تأكيد وجوده؟*
حاولت بثينة التخفيف من روعها قليلاً ثم قالت: قام برفع غطاء سرير شيماء ففزعت وخرجت من الغرفة...!!
أحمد: .........!!!
بثينة: إنه ليس إنسيًا ولا جنيًا، إنه... شيء آخر؟
أحمد: وما الذي جعلك إنكار كونه من الجن؟
بثينة: كيف له أن يظهر أمام شيماء بهيئة الإنسان فقط وأنا لا أستطيع رؤيته أو سماعه؟
أحمد: حسنًا... سأتحدث مع ابنتك غدًا فأحضريها الساعة.... أحضريها في وقت الراحة أي الساعة الثالثة والنصف، كونا في العيادة في تمام الساعة الثالثة والربع، سأحاول إقناعها بأن تخبر رجال التحقيق عنه، فقط هدئي من روعك وحاولي نسيان ما رأيت واذهبي إلى النوم
سارة: *رجال التحقيق؟؟ هل أصبح زوجي شرطيًا؟!*
بثينة: أنا حقًا متأسفة على الإزعاج
أحمد: لا بأس، فهي بمثابة ابنتي
بثينة: مع السلامة
أحمد: في أمان الله...
ثم أغلق الهاتف...
سألت سارة: من المتصل؟ ولماذا تغير لونك في نصف الحديث؟ وما دخل رجال الشرطة بعملك؟ أهو ذلك القاتل؟
أحمد: القاتل نفسه... أنا ذاهب إلى النوم
سارة: انتظر! أخبرني بما حدث...! أود حقًا معرفة قصة هذا السفاح
أحمد: لا داعي لذلك
سارة: أتوسل إليك
نظر أحمد إليها بتعجب: هاه!! لماذا التوسل؟!!
سارة: لدي فضول يقتلني، أود معرفة ما القصة
تنهد أحمد ثم قال: حسنًا، سأخبرك ونحن على الفراش
وقبل نومهما قص عليها قصة قيس التي قصتها عليه شيماء وما رأته والدتها هذه الليلة...
سارة وبصوت حزين: مسكين...
أحمد متعجب: مسكين!! لم يترك أحدًا إلا وقتله وتقولين مسكين؟!
سارة: حدث هذا الأمر وهو مراهق، فبالتأكيد سوف يسبب له ذلك الحدث حالة نفسية وأثرًا كبيرًا في قلبه، أشفق عليه، كان مجرد فتى في بداية مراهقته
أحمد: ... أخشى أن تصبحي ممن يؤيده فيما يفعله
سارة: أعلم أن القتل أمر بشح، ولكن حمدًا لله أنه لم يصبح قاتلاً لجميع أصناف البشر، كونه يقتل المجرمين فقط بعد الذي حصل له أمر يحمد عليه، فلو كان شابًا آخرًا، لربما أصبح مجرمًا سفاحًا هاتكًا للدماء البشرية البريئة، ربما قيس لا يريد أن يرَ بشرًا يتعذبون ويعيشون الحياة التي عاشها
أحمد: أيًا كان فهو ما زال مجرمًا، أنتن النساء قلوبكن رقيقة وتشعرن بالأسى تجاه أي فتى
سارة: لماذا؟ ألا تؤيد كلامي؟
أحمد: بلى... نصفه
سارة: حسنًا نم الآن وحظًا موفقًا لك ولشيماء غدًا
أحمد: أتمنى ذلك
..::||الفصل الثالث والعشرون||::..
وفي اليوم التالي، ذهبت شيماء إلى المدرسة وكان يومًا كباقي الأيام؛ شجار مع سعاد، ونظرات خوف من عائشة، ووجوه قلقة من المعلمات، وكعادة شيماء، لا مشاركات صفيّة ولا مساهمات في الأنشطة المدرسية، فقط تجلس وحيدة ومنعزلة عن الفتيات. وبعد الدوام كما توقعت شيماء، أخبرتها والدتها بأنها ستأخذها إلى الطبيب الساعة الثالثة والربع، عادت شيماء إلى المنزل وبدأت تحل واجباتها المدرسية إلى أن أتى وقت الموعد، ذهبت إلى الطبيب وبدأت تنتظر دورها. وعند الساعة الثالثة والخمس وعشرون دقيقة خرج الزائر من غرفة الطبيب ودخلت بعده. كانت تسير أمام والدتها ففتحت الباب ودخلت ثم التفتت إلى الخلف ووضعت ذراعها أمام والدتها تمنعها من الدخول...
شيماء: لا أريدك أن تدخلي معي...
بثينة بتعجب: ماذا!!؟
شيماء: لا أستطيع إخبار الطبيب بكل شيء وأنتِ معي، والهدف من مجيئي إلى هنا هو أن أخبر الطبيب بكل ما في قلبي ليستطيع فهمي
بثينة: .......
أحمد: دعيها تدخل وحدها...
بثينة بعد تردد: حسنًا...
أغلقت شيماء الباب خلفها وجلست مقابلة لأحمد...
شيماء: آسفة حقًا لمجيئي في وقت راحتك، كان عليك ألا تبالي لحديث أمي وبما أخبرتك به، ففي النهاية سوف تعلم في الموعد القادم
أحمد: لكنني أنا من حدد الموعد، ولا بأس بأن يكون في وقت راحتي، ووالدتك لا شأن لها بالموعد
شيماء: ولكنها هي من أخبرك بما رأته البارحة
أحمد: إذًا فقيس كان إنسيًا، وأظن أنني سوف أصدق قصته
شيماء: هذا جيد، فلن تجد جوابًا غير هذا... نسيت أن أخبرك، قيس يشكرك كثيرًا على ما قلته لي البارحة وأنك رجل جدير بالاحترام
أحمد: ......
شيماء: إذًا ماذا أردت أن تقول لي هذا اليوم؟
أحمد: أريدك أن تسلمي قيس إلى الشرطة
شيماء: ماذا!! ولماذا؟!
أحمد: لأنه قاتل!!
شيماء: مستحيل...!! أتظنني سوف أوافق؟
أحمد: لمصلحة بلدك... أرجوك فالشرطة في حيرة من هذا القاتل
شيماء: وكيف لهم أن يمسكوه وهم لا يستطيعون رؤيته؟
أحمد: قلتِ من قبل بأنه يستيقظ كل ليلة ويرى نفسه في منزل مهجور... أين ذلك المنزل؟
شيماء: لا أعلم
أحمد: أخبريني بالحقيقة
شيماء: قلت لك لا أعلم فهو لم يخبرني عن مكانه على الرغم من أنني سألت عنه، فقد قال لي بأنه لا يوجد به ما يميزه، انظر إلى عيني، أليستا تقولان الحقيقة لك دائمًا؟
أحمد: حسنًا صدقتكِ
شيماء: وإن عرفت مكانه ماذا ستفعل؟ هل ستستطيع الإمساك به؟
أحمد: ربما يتم هدم المنزل!!
شيماء: لحسن الحظ لا أعرف مكانه، ووجود قيس في مجتمعنا هو الحل الوحيد لتجريد الدولة من السفلة...
أحمد: شيماء أرجوكِ فكري بالأمر قبل الإجابة
شيماء: الأمر لا يحتاج إلى تفكير... أهذا كل ما لديك لتقوله؟
أحمد: ....
شيماء: إذًا وداعًا
خرجت شيماء وسحبت والدتها وعادتا إلى المنزل.
وبعد عام مضى، في الصباح الباكر، بينما كان الجو شديد الحرارة، ذهبت شيماء إلى المدرسة، دخلت فصلها وكانت زميلاتها نفسهن تقريبًا فقط القليل من الفتيات الجديدات وبعض الطالبات قد انتقلن من المدرسة... كان قد مر على الدوام شهرًا منذ أن دخلت الصف الثالث الإعدادي –المتوسط-، الصف التاسع، وأثناء درس اللغة العربية...
المعلمة: ماذا ترغبون؟ أنأخذ درسًا في النحو أم كتابة إنشاءً؟
- إنشاء
- نحو
- مللنا من النحو
- إنشاء، إنشاء
المعلمة: حسنًا حسنًا... بما أنه سيكون الموضوع الأول في كتابة الإنشاء فأرغب بأن تخترنه أنتن، فما هي رغبتكن؟
- عن الإجازة الصيفية...
- مللنا منه (بتذمر)
- التلوث
- إنه قديم...
ثم نهضت فتاة من مكانها وكانت الأولى على المدرسة دائمًا ومن المتفوقات.
هدى: معلمتي، نحن دائمًا ما نتحدث في الأمور الاجتماعية والسياسية أو أي موضوع يخص دولنا ومجتمعنا
شيماء: *ها هي تتفلسف مرة أخرى*
وتابعت هدى حديثها: فأنتن المعلمات تخترن المواضيع التي اعتدنا عليها كالتحدث عن حقوق المرأة في المجتمع أو القضية الفلسطينية أو عن يوم الاستقلال والاحتفالات الدولية والتلوث
شيماء: *ادخلي في صلب الموضوع، مللنا من حديثك هذا*
هدى: ولكن لماذا لم نتحدث يومًا عن أهم قضية تواجهها دولتنا؟
المعلمة: وما هي؟
هدى: الجرائم المتواصلة الغامضة التي تحقق الدولة فيها؟!
تعجبت شيماء وبانت مهتمة لكلام هدى: .....!!!
هدى: فالقاتل في هذه المرة يختلف عن البقية، فهو لا يقتل سوى المجرمين وإن كانوا بعضهم ليسوا مكشوفين، لكنهم كشفوا بعد موتهم وفحص جثثهم، فقد وجد الأطباء الجنائيين من بين الضحايا من كان يتعاطى المخدرات ولم يكن مكشوفًا قبلاً، ووجدوا من كان قاتلاً بعد أن تأكدوا من الشهود لجرائمه، فالحديث عن هذا القاتل سوف يفتح مجال للطالبات بطرح رأيهم في هذا المجرم فمنهم من يؤيده ومنهم لا...
المعلمة: موضوع غريب حقًا ولكنه رائع، هل توافقن على هذا الموضوع؟
أغلب الطالبات: أجل...
والبقية بقيت صامتة ومنهن شيماء...
المعلمة: حسنًا، لنتناقش في الموضوع، عن نفسي أنا لا أأيد المجرم. ماذا عنكن؟ من التي في صفي؟
أغلب الطالبات رفعن أيديهن إلا القليل وبالتأكيد شيماء منهن فلم ترفع يدها...
تعجبت المعلمة بأن ليست جميع الطالبات رفعن أيديهن فقالت: من منكن تؤيد القاتل؟
رفعت ست طالبات أيديهن ومنهم شيماء
فقالت: مريم، قفي وقولي لي لماذا تؤيدينه؟
وقفت مريم: لأن الذي يقوم به هو الصواب، فقد قتل الكثير من متاجرين المخدرات والمدمنين الذين يدمرون شبابنا، وهو يريد انقاذ الدولة منهم
نهضت فتاة معارضة (رقية): ماذا!! وإن كان كذلك فتوجد أساليب أهون في القتل، أرأيتن الأخبار؟! أرأيتن الجثث؟ يقتل البشر بطريقة وحشية، منهم من قطع أعضاءه ومنهم من فصل رأسه عن جسده والذي مات محترقًا! وأساليب بشعة حقًا، حتى أن أختي الكبرى بدأت لا تتابع الأخبار لكي لا تنظر إلى هذه الجثث بعد أن أغشي عليها عندما رأتها مرة
وقفت فتاة أخرى مؤيدة (ريم): إنه ليس قاتلاً بل بطلاً...
رقية: ماذا!! بطلاً في ماذا؟
ريم: لقد أنقذني مرة
الطالبات والمعلمة: ماذا؟ أنقذك!!؟
ريم: أجل... مرة تشاجر أخي مع أحد شباب الحي، فأراد أن يغيضه بأن يقتل شرفي، ومرة كنت وحيدة في البيت وكان الأهل بالخارج، فاتصل في تلك الليلة وأخبرني بأنه سيأتي هو وأصحابه، فبدأت أصلي وأدعو ربي بأن يساعدني، وأنا أصلي سمعت صوت ضرب للباب الأمامي فكان يحاول كسره بعد أن أقفلت الأبواب، وكنت أنتظر الشرطة بعد أن اتصلت بهم، وفجأة هدأ المكان، وعندما أتت الشرطة كان الشباب قد قتلوا. لم أرَ جثثهم ولكن سمعت بأنهم قتلوا بطريقة وحشية، ولكن هذا لا يهم فهم يستحقون ذلك...
المعلمة متعجبة من طلاقة الفتاة فكانت تتحدث بجدية وحرية وكأنه أمر عادي...
رقية: وإن فعل ذلك فهو ما زال مجرمًا
ثم بدأ الصف يزداد إزعاجًا بعد أن بدأت كل الطالبات بإبداء رأيهن بطريقة غير لائقة فكن جميعًا تتحدثن في وقت واحد...
- إنه مجرم فقد قتل جارنا
- إن قتله فهو يستحق ذلك
- إنه متوحش وقاتل! وبما أن أسلوبه بشع في القتل فلا مانع في أن يقتل أي أحد يغضب عليه
- بعض الناس الذين قتلوا لم نسمع لهم أي سوابق
- إنه شرس سفاح قاتل متوحش!! متى ستمسك به الشرطة؟!
وزاد عدد الفتيات اللاتي يشتمن قيس، والمعلمة كانت تحاول تهدئة الطالبات
المعلمة: من فضلكن التزمن الهدوء...!!
ولا أحد يعير المعلمة اهتمامه... فغضبت شيماء ولم تستطع تمالك نفسها أكثر...
نهضت من مكانها وسقط كرسيها وصرخت على الطالبات: قيس ليس كما تصفنه فلا تتحدثن وكأنكن تعرفنه شخصيًا!!!
سكتت جميع الطالبات وبدأن ينظرن إلى شيماء وقلن بتعجب: قيس!!
شيماء مرتبكة: *يا إلهي ما الذي قلته؟*
المعلمة: من هو قيس؟!
ضحكت سعاد: هههههههـ تظن أن هذا القاتل هو فارسها، ههههههـ تناديه بقيس؟
نظرت إليها شيماء بغضب وقالت في نفسها: *وما الخطأ في أن أكون أعرف قيس شخصيًا*
ثم نظرت إلى المعلمة وقالت: قيس هو اسم القاتل الذي تتحدثون عنه
الطالبات والمعلمة بتعجب: ماذا!!!؟؟
المعلمة: وأنتِ تعرفين القاتل ولا تشكينه لدى الشرطة!!؟
شيماء: ولماذا أشكيه للشرطة؟ أليس خيرًا لنا أن يكون بيننا؟ وهناك أمر آخر، أنا لا أعرف أين يعيش أو رقم هاتفه أو أي شيء من أموره الشخصية
المعلمة: ...!!
شيماء: سأتحدث عن رأيي به منذ أن قابلته، قيس ليس بمجرم كما تزعمون، ومن عاش حياته لأصبح مثله، قيس يحب شعب بلاده ولا يريدهم أن يعيشوا طفولتهم وشبابهم كما عاشها هو، قيس بالنسبة لي هو عائلتي ومعلمي وقدوتي في الحياة وصديقي الوحيد
عندما سمعت عائشة قول شيماء "صديقي الوحيد" تذكرت عندما أخبرتها بأنها لا تملك سوى صديقًا واحدًا...!!: *إذًا فهو هذا القاتل!! يبدو أنه هو من جعلها تصبح هكذا*
شيماء: ولكن لا تطلبن مني أن أخبر الشرطة عنه، فأنا لا أعرف عنه أي شيء حاليًا...
المعلمة: حاليًا...؟! إذًا فقد انقطع عنك، ومنذ متى وأنتِ تعرفينه؟ تبدين متعلقة به
شيماء: منذ أن كنت في الرابعة من العمر...
ريم: هل قابلته حقًا؟؟! إن رأيته مرة أخرى بلغيه شكري وسلامي
المعلمة: ريم!!؟
هدى: الجرائم متواصلة منذ أكثر من عشرين عام، فكم يبلغ من العمر قيس هذا؟
شيماء: بدأ بالقتل منذ أن كان في الرابعة عشر أي في عمرنا الحالي
الطالبات: ماذا!!
المعلمة: كان صغيرًا!! لماذا فعل هذا؟!
شيماء: لم أطلب إذنه في أن أخبركن بقصته...
المعلمة: وماذا عن والدتك؟ هل تعلم بالأمر؟
شيماء: بالتأكيد، على أية حال... لو علم بأننا سوف نكتب إنشاءً عنه سيفرح
المعلمة: أظن أنني سوف أغير الموضوع
الطالبات: لااااااااااااااا
ريم: أود حقًا الكتابة عن هذا الفارس
المعلمة: فارس؟
مريم: أجل... إنه بطل
سعاد: هذا القاتل بطلاً؟ ما الذي فعله؟
هدى: هل فقدتن صوابكن؟ هل أصبح بجرائمه فارس أحلامكن؟
المعلمة: إن لم تهدأن سوف أعطيكن درسًا في النحو!!
الطالبات: لاااااااا... سوف نلتزم بالهدوء
المعلمة: إذًا النقاش انتهى وكل واحدة تفتح كراستها لتكتب عن الموضوع...
..::||الفصل الرابع والعشرون ||::..
وفي المساء أخبرت شيماء قيس بما جرى لها في هذا الصباح...
قيس باندهاش: أأنتِ جادة!!؟
شيماء: زل لساني فلم أرغب في أن أخفي ما قلته فسوف يشككن بي
قيس: أخشى أن تقعي في المشاكل ويصل الأمر إلى رجال التحقيق
شيماء: لا أظن هذا فقد أخبرتهن بأنني لا أعرف عنك شيئًا حاليًا فهذا سيدعهن يعتقدن بأنك هجرتني
قيس بابتسامة: أرجو ذلك...
ثم عرضت ابتسامته قليلاً: ماذا عن الإنشاء؟ أتريدينني أن أكتبه عنكِ؟
شيماء: بالتأكيد لا، أنا أرغب في كتابته...
قيس: أود قراءته فيما بعد
شيماء: مستحييييل
ثم ابتسمت له
قيس بتذمر: ولماذا؟
شيماء: فقط لا أريدك أن تقرأه...
قيس: كما تشائين يا حلوة...
وبعد ثلاثة أيام، شعرت شيماء بأن أغلب طالبات المدرسة ينظرن إليها بنظرات مختلفة، فمنهن من تبتسم حين يونها، ومنهن من يعبس، والأخريات يهربن حين يعبرن أمامها، ولكنها لم تهتم لأمرهن. وبينما كانت جالسة لوحدها في الساحة تكتب معاملة سعاد السيئة لها في كراستها أتت أحد الطالبات من الصف الأدنى
الفتاة بوجه مبتسهم ويداها مشبوكتان خلف ظهرها: مرحبًا...
شيماء بتعجب: من أنتِ؟
الفتاة: أدعى هبة...
ثم جلست بجوارها وقريبًا جدًا منها: أنتِ شيماء أليس كذالك
أزاحت شيماء بجسدها بعيدًا عنها وقالت باستغراب: أجل...! وماذا تريدين مني؟
هبة: سمعت أنكِ تقابلتِ مع القاتل المجهول الذي انتشرت جرائمه في الدولة..!
شيماء: *يال فضولكن يا فتيات، انتشر الخبر في ثلاثة أيام فقط!!* أجل... وماذا إذًا؟؟!
هبة: كيف يبدو شكله وما اسمه؟
شيماء: غريب أنه لم يصل إليكن اسمه أيضًا، وما دخلك أنتِ في شكله أو اسمه؟
هبة: فقط أود أن أعرف أهو كما تخيلته؟
شيماء: لا...
هبة: وما أدراكِ؟
شيماء: لأن شكله لا يطرأ على بال أحد...
هبة: اوصفيه لي أرجوووووكِ
نهضت شيماء من مكانها مبتعدة عنها: لا أحب الحديث مع الغرباء
طاردتها هبة: أخبريني أرجوكِ
التفتت نحوها شيماء وقالت بوجه غاضب قليلاً: لا تلحقي بي لو سمحتِ فأنت تزعجينني...
ثم تركتها واقفة في مكانها...
شيماء: *أكرهكن يا فتيات..!! تجرين وراء مصالحكن... أكرهكن جميعًا..!!! أخشى أن يصل الأمر إلى الشرطة... علي أن أفكر برد من الآن فأعلم أن الخبر سيصل إلى الشرطة قريبًا فالنساء لا يكتمن شيئًا*
ثم أتت سعاد ووقفت في طريقها...
سعاد بمكر: مرحبًا يا صديقة السفاحين
نظرت إليها شيماء بنظرات غضب ولم تجبها...
سعاد: ما بك لا تجيبين؟ هل قطع حبيبك لسانك؟
شيماء: اغربي عن وجهي...!!
سعاد: وماذا ستفعلين لو لم أغرب عن وجهك البشع؟
شيماء: ستندمين
سعاد: أريني...
شيماء: حسنًا يبدو أنكِ لم تتعلمي من خطئك السنة الماضية...
فأرادت شيماء لكمها فتحاشتها سعاد...
سعاد: المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين
شيماء: لم تتركي من الإيمان شيئًا يا شيخة
سعاد: تتشاجرين كالصبيان، قوة بلا عقل...
وإذا بشيماء تضربها بمرفقها في بطنها، فجثت سعاد ممسكة ببطنها من شدة الألم، ثم أمسكت شيماء سعاد من شعرها ورفعت رأسها لتتلاقا أعينهما...
شيماء: هل ستبتعدين عن طريقي أم ماذا؟
سعاد وبخوف: ........
دفعت شيماء رأس سعاد بقوة وعادت إلى الفصل تنتظر انتهاء الفسحة. لم يعرف أحد بالشجار الذي حصل بينهما فلم تكن لسعاد الجرأة بأن تشتكِ. وعند انتهاء الدوام المدرسي، عادت شيماء إلى المنزل ونامت في غرفة المعيشة على الأريكة، ثم استيقظت عند المغرب، فتحت عينيها قليلاً ثم نظرت إلى ساعة معصمها فنهضت مفزوعة واتجهت مسرعة نحو والدتها...
شيماء بعتاب: أمي...! لماذا لم تيقظيني لصلاة العصر!!؟
بثينة: حاولت ولكنك لم تستيقظي، كان وجهك مرهق وأظن أن ذلك سبب نومك الثقيل، لا بأس اقضيها
شيماء: لا بأس..!!
أرادت شيماء أن تخرج بعض كلمات العتاب ولكنها تمالكت نفسها واتجهت نحو دورة المياه لتتوضأ...
وبعد أن انتهت من صلاتها بدأت بحل واجباتها ومن ثم بدأت بالدراسة والمراجعة، فمن شدة فراغها بدأت تقضي وقتها في الدراسة. وعند الساعة التاسعة والنصف أتى إليها قيس...
شيماء: حمدًا لله أتيت باكرًا هذا اليوم
قيس بابتسامته المعتادة: لم ألقي التحية بعد
شيماء خجلة: أوه... آسفة... السلام عليك...
قيس: وعليكِ السلام... لماذا كنتِ ترغبين بمجيئي؟
شيماء: مللت من الوحدة...! أشعر أنني سأموت
قيس: إذًا بما أن الوقت ما زال مبكرًا لماذا لا نخرج سويًا؟
شيماء بتعجب: نخرج...؟؟!!
ثم ابتسمت فرحة: أجل بالتأكيد...! سأرتدي ملابسي وأخرج... انتظرني في الخارج عند الباب الرئيسي
ارتدت شيماء عباءتها وحجابها ونزلت إلى الطابق السفلي بوجه بشوش وابتسامة تلقي البهجة في نفوس الناظرين، رأتها والدتها وهي تجري اتجاه الباب لتخرج...
بثينة: انتظري شيماء...!! أين ستذهبين؟
شيماء: أتنزه
بثينة: لا تخرجي وحدك سآتي معك
شيماء: لا داعي لذلك أمي، فأنت متعبة وتعملين طوال اليوم إلى اللقاء
خرجت شيماء وهي سعيدة بمفردها
بثينة: شيـ...!!!
في الخارج رأت قيس ينتظرها. كان مستندًا على البوابة وينظر إلى قدميه وقد وضع يديه خلفه...
شيماء: آسفة لقد تأخرت
قيس بتعجب: بهذه السرعة!؟ ظننتك ستتأخرين!! لم تتأخري أبدًا
شيماء: هذا جيد... لنذهب الآن
بدآ يمشيان في الحي...
شيماء: أين سنذهب؟
قيس: امممم دعيني أفكر... امممممم
شيماء: هيا حدد
قيس: لا أعلم... إلى أين تودين الذهاب؟
شيماء: لا يهم ما دمت معي... إذًا ما رأيك بالمنزل الذي تستيقظ فيه؟
قيس: أما زلت تودين رؤيته؟
شيماء: ربما هناك علاقة بينك وبين ذلك المنزل... ألم تعرف من هم أصحاب المنزل السابقين؟
قيس: لا، لا أعلم عنه شيئًا
شيماء: هل تفقدت المكان؟
قيس: لا... لم أفكر يومًا لماذا أستيقظ في هذا المكان بالذات وما العلاقة بيني وبينه
شيماء: إذًا لنذهب، فأنت قلت لي بأنه قريب من منزلنا
قيس: حسنًا...
sensei
26-08-2009, 03:25 AM
..::||الفصل الخامس والعشرون ||::..
كانا قيس وشيماء يسلكان طريق خالٍ من البشر فمن الصعب وجود أناس يسيرون في الزقاق في وقت المساء، وهم يعبرون أمام أحد المنازل خرجت سعاد من منزل مع خادمتها، فنظرت إليها شيماء...
سعاد: أوه يال المصادفة...
شيماء: أتعس يوم في حياتي، هل انتقلتم إلى هذا المنزل؟
سعاد: لا وللأسف، ما زلنا نسكن مقابل بيت المجرمين
شيماء باستهزاء: أوه هذا مؤسف، أعانكم الله
سعاد: كنت هنا لزيارة (صديقتي) لأدرس معها...
شيماء باستهزاء: أوه... لحسن حظك تملكين صديقات
قيس: من هذه؟
شيماء بصوت منخفض: فيما بعد
سعاد: فيما بعد؟!!
شيماء: أعني أراك فيما بعد، في المدرسة غدًا إن شاء الله
سعاد: لماذا تسيرين لوحدك في الليل كالعاهرات!!
قيس وشيماء بتعجب: ماذا!!
قامت شيماء بلكمها على وجهها: لا تتحدثي وكأنكِ تعرفينني...!! حقًا إنك وقحة...!! وأنا هنا برفقة أحد ولست بمفردي
وأرادت متابعة الضرب والشجار ولكن أمسك بها قيس...
قيس: لا تغضبي لى حلمك...
فنظرت شيماء إليها بغضب ولم تضربها أما سعاد فكانت مغمضة عينيها تستعد للضرب ولكن شيماء تركتها
شيماء: لنذهب...
فتحت سعاد عينيها عندما سمعتها تقول ذلك لقيس فتعجبت: *مع من تتحدث؟! ولماذا لم تضربني كعادتها!!!؟*
وظلت تنظر إلى شيماء وهي تغادر المكان، وبعد أن اختفت سعاد عن الأنظار بدأ قيس يخاطبها...
قيس: من تكون هذه؟ أهي سعاد؟؟
شيماء: أجل...
قيس: لكمتكِ كانت قوية!! منذ متى وأنتِ تملكين هذه القوة؟
شيماء: منذ طفولتي
قيس: لم أعلم بذلك
شيماء: لأنك لم تفعل يومًا أمرًا يغيضني
قيس: ولكن كانت وقحة حقًا...!! لم أتخيلها هكذا
شيماء: أخبرتك، ويا ليتني أعرف سبب كرهها لي...
قيس: السبب الأغلب في الكره هو الغيرة، ربما تغار منك لأنك أفضل منها في أمر من الأمور
شيماء: ربما... أي طريق نسلك الآن؟
قيس: الأيمن...
شيماء: حسنًا...
وأخيرًا وصلا إلى المنزل، كان كبيرًا بعض الشيء وجميلاً، وبدى نظيفًا من الخارج فلا غبار عليه وكأنه ينظف يوميًا!! دخلا المنزل سويًا وكان كذلك من الداخل، نظيف ومرتب وكأن هناك من يعتني به
شيماء: هذا غريب...!!
قيس: أجل...
شيماء باستغراب: أتعرف ماذا أعني بالغريب؟
قيس: أجل، المنزل مهجور ولا أحد يسكنه ولكنه نظيف ومرتب
شيماء: هذا صحيح، لنبحث عن شيء نستطيع منه معرفة من أصحاب المنزل
قيس: كما تشائين، ولكنه مرتب ونظيف ولا أظنه يحتوي على أي شيء
شيماء: ولكن لن نخسر شيئًا لو بحثنا...
بدآ يبحثان من غرفة لأخرى، ولكن لا جدوى فالمنزل كان لا يحوي ورقة واحدة على الأقل أو دمية أو قطعة قماش، كل ما فيه خالٍ من الأشياء، فلا أدوات في المطبخ ولا ملابس في الخزائن أو حتى ماء في الحمامات، أصبحت الساعة الحادية عشرة وهما يواصلان البحث...
فجلست شيماء على أريكة غرفة المعيشة متعبة: لا فائدة...
قيس: أخبرتك...
نظرت إليه شيماء بتعجب: ألم تشعر بالإرهاق؟
قيس: لا... فأنا لا أتعب، أنام طوال النهار وتريدينني أن أشعر بالتعب فقط لأنني عملت لمدة ساعة ونصف؟
شيماء: تنام؟! ولكنك أخبرتني بأنك تستيقظ في مكان شبيه بالمكتبة!!
قيس: أجل... ولكن أشعر وكأنه حلم، أعني عندما أكون هناك لا يكون سوى مكان أراه في منامي. هذا ما أظنه...
شيماء: هكذا إذًا...
ثم جلس قيس بجانبها: ها... هل نعود إلى المنزل؟ فوالدتك قلقة عليك الآن بالتأكيد
شيماء مندهشة: لحظة قليلاً!! لدي فكرة!!
قيس: وما هي؟
شيماء: ألا تريد معرفة من الذي ينظف المنزل؟
قيس: ربما يولد المنزل من جديد كما أولد أنا
شيماء: هذا ما توقعته أنا أيضًا... أنت عندما تستيقظ ترى ثوبك نظيفًا على الرغم من أنك لطخته بالدماء في الليلة السابقة...
قيس: هذا صحيح...
قيس وشيماء باندهاش: إذًا..!!
قيس: لو حاولنا إفساد الأثاث هل سيعود مرة أخرى غدًا؟
أخرجت شيماء سكينها: هذا ما فكرت به
ثم قامت بتمزيك الأريكة
شيماء: هذا سيكون الدليل، أخبرني غدًا هل عاد كما كان أم بقي تالفًا
قيس: حسنًا
شيماء: أشعر بالإثارة وكأننا في فيلم سينيمائي، الكثير من الأمور الغريبة تحصل لنا
قيس: هذا صحيح... إنك ذكية، أنا استيقظ هنا كل يوم منذ أحد وعشرين سنة ولم أفكر يومًا بهذا
شيماء: شكرًا، لنعد الآن
عادت شيماء إلى المنزل ودخلت من الباب الأمامي برفقة قيس، ومنذ أن دخلت سارعت أمها نحوها وضمتها بقوة
بثينة: كنت قلقة عليك يا حبيبتي أين ذهبتِ؟
شيماء: لماذا الخوف يا أمي...؟ لقد كبرت
بثينة: وهذا أخطر أيضًا! كلما كبرتِ زاد خوفي عليك
شيماء: لا تخافي فقد كان قيس معي...
بثينة: .......
شيماء: حتى وإن كنتِ لا تحبينه ولكنك تعلمين بأنه لن يدع أحد يمسني بشر
بثينة: .... وأين ذهبتما؟
شيماء: فقط كنا نمشي في الحي، كنت أشعر بضيق فخرجت لأستنشق الهواء لا غير
بثينة: حسنًا يا صغيرتي اذهبي إلى النوم...
شيماء مبتسمة: حسنًا
وبينما كانت شيماء تصعد الدرجات مع قيس، كان قيس يحدثها...
قيس: أخبرتك بأن والدتك قلقة عليكِ
شيماء: هذا أمر طبيعي...
قيس: مسكينة... كانت ستدمع عينيها
شيماء: لاحظت ذلك، ولكن لا داعي للقلق... إنها تعظم من خطورة الأمر
ثم قضت الليلة معه في الغرفة تتحدث معه حتى الفجر...
وقبل خروجه قالت: أرجوك لا تذهب...!!
قيس: ولكن سينتهي الليل...!!
شيماء: أريد أن أرى كيف ستستيقظ وترى نفسك هناك وأنت نائم هنا؟!
ابتسم قيس: حسنًا...
أذن الفجر، وقيس لم يحدث له أي شيء...
شيماء: متى ستنام؟
قيس: يأتي إلي الدوار قبل الشروق بعشر دقائق
وبعد نصف ساعة جلس قيس على الأرض، فجلست شيماء على جنبه الأيسر وهي تحدق به...
احمر وجه قيس وقال وهو يحول بنظره إلى الجهة الأخرى: لا تنظري إلي هكذا... إنك تشعريني بالإحراج...
شيماء: أريد أن أرى لحظة نومك
التفت قيس إلى الجهة الأخرى خجلاً وبقيا صامتين...
وبعد لحظات أمسك قيس برأسه وشعر بدوار شديد
سارعت شيماء نحوه وأمسكته من كتفيه: قيس...!!! هل تشعر بالألم؟!
وفجأة سقطت يدا قيس وأغمض عيناه. بدى وكأنه ميتًا وليس نائمًا، فارتعبت شيماء فوضعت يدها على صدره
شيماء: *قلبه ينبض...! شكله لا يوحي بأنه نائم، تنفسه ضعيف جدًا!!!*
أرادت أن تحمله وتضعه على السرير. وأثناء حمله على ظهرها شعرت فجأة بأن الثقل ذهب!! فنظرت خلفها فوجدته قد اختفى...!!
..::||الفصل السادس والعشرون ||::..
عندما رأت شيماء أن قيس قد اختفى، هرعت وارتدت عباءتها وحجابها وخرجت من الغرفة واتجهت نحو باب الخروج لتخرج، ولسوء الحظ كانت والدتها تجلس في غرفة المعيشة تقرأ القرآن، فعندما رأتها وهي على وشك الخروج أوقفتها...
بثينة: شيماء إلى أين أنتِ ذاهبة؟؟!!
شيماء: أود أن استنشق الهواء
بثينة: لا يمكنك الخروج الآن فالشمس لم تشرق بعد
شيماء: بل أشرقت... أعني بقي القليل فقط لشروقها
بثينة بغضب: اسمعي يا شيماء، أنا المسؤولة عنك هنا فلا تتصرفي على هواك!! الوقت ليس بوقت للتنزه فعودي إلى غرفتك حالاً!!...
لم تستطع شيماء قول أي شيء وعادت إلى غرفتها تنتظر وقت المدرسة فقط للخروج، فكانت تنظر إلى الساعة والدقائق تمضي ببطء وكأنها ساعات. وبقيت على هذه الحالة حتى الساعة السادسة، فنهضت مسرعة واستعدت للمدرسة في سبع دقائق ثم حملت حقيبتها وجرت للخارج، فشاهدتها والدتها متعجبة...
بثينة: شيماء!! لماذا تذهبين مبكرًا هكذا!!؟ لم تتناولي فطورك بعد
توقفت شيماء لتتحدث مع والدتها: لا أريد، سآكل في المدرسة
بثينة: لماذا تذهبين باكرًا؟! لا توجد طالبات في المدرسة في هذا الوقت
شيماء: أحب أن أكون أول الحاظرين
ثم ذهبت وهي تجري
بثينة بصوت عالٍ لتسمعها شيماء: هل أوصلك أم أيقظ الخادمة لتأخذك هناك؟
شيماء وهي تجري: سأذهب مشيًا...
ذهبت شيماء إلى ذلك المنزل؛ المنزل المهجور الذي عُلق به قيس لسبب مجهول. وعندما وصلته تعجبت من الأمر...!! كان المنزل على أسوأ حالة شاهدتها في حياتها، الغبار يملأ الجدران، والقذارة تحيط بالمكان...
ثم سمعت صراخ لعب طفل من خلفها وضحكات، فالتفتت لتر من يكون... إنه ابن لأحد سكان الحي، فنادته...
شيماء: يا صبي..!!
التفت نحوها: ماذا هناك؟
أشارت شيماء إلى المنزل وسألت: هل تستطيع رؤية هذا المنزل؟
الفتى: ما هذا السؤال!! بالتأكيد أستطيع...
شيماء: وهل شاهدته يومًا في الليل؟!
الفتى: بالتأكيد فهو يقع أمام منزلنا مباشرة...
شيماء: وكيف يبدو في المساء؟
الفتى: أسئلتك غرية يا امرأة، بالتأكيد كما هو حاله الآن...
تعجبت شيماء ثم قالت: حسنًا... شكرًا لك...
دخلت شيماء المنزل ورأت الأثاث، لم تصدق بأنه نفسه المنزل الذي أتته الليلة الماضية...!! حتى لون الأثاث قد تغير...
وأثناء مشيها رأت قدمان قد خرجتا عن الأريكة، فذهبت هناك وهي تمشي بخوف، وإذا به قيس نائم عليه، والكرسي ممزق ولكن ليس كما مزقته الليلة الماضية... بل أسوأ. فرحت شيماء بشكل لم تتخيله يومًا، كانت هذه المرة الأولى التي ترى بها قيس نهارًا...
شيماء: *ماذا لو أيقظته من النوم!!؟ هل سيعود انسانًا طبيعيًا كباقي البشر؟! هل سيستطيع رؤية النور بعد أحد وعشرون عام!!؟*
ألقت حقيبتها على الأرض وبدأت تهزه وتناديه ولكن ما من فائدة. ثم خرجت من المنزل تجري فرأت الفتى في مكانه...
شيماء: يا فتى؟!
الفتى: ماذا تريدين أيضًا؟
شيماء: هل تستطيع إحضار كوبًا من الماء؟
الفتى: حسنًا ولكن أريد مقابلاً...
شيماء: حسنًا... أملك علكة، ما رأيك؟
الفتى: لا بأس...
ذهب الفتى داخل منزله، وبعد دقيقتين أتى بالماء فأعطته العلكة. ثم دخلت داخل المنزل...
الفتى: لماذا تأتين إلى هذا المنزل؟
شيماء: إنها أول زيارة لي إليه
الفتى: وماذا ستفعلين بكوب الماء؟؟ ظننتك تودين شربه
شيماء: *لحظة قليلاً... أمن المحتمل أن يكون قيس في هذه الفترة ظاهرًا للبشر؟؟!!*
فأجابت الفتى: ادخل معي وسترى...
الفتى: أخاف... ربما يكون مسكونًا...
شيماء: لا تخف فأنا أستطيع رؤية الأشباح
الفتى: أنتِ كاذبة
شيماء: أنا لا أكذب، فأنا أمتلك طاقة هائلة كما ترى في الرسوم...
تردد الفتى قليلاً ثم قال: حسنًا، سأدخل معكِ...
دخلا كلاهما إلى المنزل ووقفت أمام الأريكة... لم ترَ تعبيرًا على وجه الطفل أو أي تعليق...
شيماء: *لا أظنه يستطيع رؤيته، ولكن إن سألته وهو غير قادر على رؤيته سوف يخاف*
فقالت له: ماذا ترى هنا؟؟
الفتى بتعجب: كرسي قديم...
شيماء: وماذا عليه؟
الفتى بفزع: لا تخيفيني!! لا يوجد عليه أي شيء
شيماء: بل يوجد *إنه لا يراه*
الفتى: ماذا!!؟
شيماء: إنه الغبار... أود أن أرى هل سيتنظف بالماء أم لا
الفتى: حقًا إنك غريبة... أنا عائد إلى المنزل
خرج الفتى من المنزل منزعجًا منها وعاد إلى بيته. أما شيماء فسكبت الماء على وجه قيس...
بدى قيس منزعجًا مما قامت به ولكنه لا يستيقظ...
انخفظت شيماء على الأرض أمام وجه قيس بالتحديد وهي تنظر فيه وقالت بضيق: إذًا لا جدوى... *إذًا كيف له أن يعيش كباقي البشر؟؟ ولكن سأحاول مساعدته، أعلم أنه ليس سعيدًا بحاله هذه...*
ثم بقيت في مكانها تحدق في وجه قيس، فبدى هادئًا وكان تنفسه طبيعيًا كأي شخص آخر وليس كما كان في فجر هذا اليوم. وبعدها نظرت إلى ساعتها...
شيماء: *يا إلهي...!! إنها الساعة السابعة إلا خمس دقائق!! سوف أتأخر...!*
حملت حقيبتها وذهبت مسرعة إلى المدرسة، وصلت هناك الساعة السابعة وعشر دقائق وقد أغلقت البوابة. فطرقت على نافذة البواب فخرج لها
شيماء: أتوسل إليك افتح لي البوابة
البواب: البوابة تغلق عند الساعة السابعة
شيماء: ولكن الحصة الأولى لم تبدأ بعد...! *لا أستطيع العودة إلى المنزل وقد خرجت من المنزل مبكرًا...!*
البواب: المديرة تقول على كل طالبة أن تلتزم بحظور الطابور
شيماء: ولكنها المرة الأولى فأرجوك... فقط هذه المرة وإن تأخرت ثانيةً سأعود إلى المنزل...
البواب مبتسم: كنت سأفتح لك الباب...
شيماء: ماذا!!
البواب: أعلم أنكِ تأتين يوميًا أول الطالبات فأعلم أنك تملكين ظرفًا منعك من ذلك
ثم فتح لها البوابة وهو يبتسم
شيماء بغضب: *لو علمت المديرة بأنه يخاطب الطالبات بهذه الصورة لعاتبته...*
دخلت شيماء واتجهت نحو الفصل مباشرة من الخلف، فلو دخلت الساحة في منتصف الطابور المدرسي سوف تعاتَب هي والبواب. دخلت فصلها وجلست في مكانها ثم أخذت تنفض الغبار عن حقيبتها وعباءتها، وعندما دق الجرس عند الساعة السابعة والربع دخلت الطالبات الفصل
مريم (مؤيدة قيس): شيماء!! متى أتيتِ؟
شيماء: الساعة السابعة، ولكن اتجهت نحو الحمام مباشرة فقد شعرت أنني سوف أتقيأ...
عائشة: هذا غريب، ليس من عادتك التأخر
ثم لاحظت وجود الغبار على حقيبتها وملابسها...
عائشة: ماذا حدث!!؟ لماذا أنتِ متسخة؟
شيماء: لقد سقطت في طريقي فقد أتيت هذا اليوم مشيًا...
ثم دخلت مدرسة الرياضيات: السلام عليكن
الطالبات: وعليكِ السلام ورحمة الله وبركاته...
وفي أثناء الحصة الثانية، سمعت شيماء نداء اسمها بالمذياع وطلب حظورها ضروريًا في هذه اللحظة...
معلمة اللغة الإنجليزية: هل ستذهبين؟ إنه درس مهم؟
شيماء: ماذا عساي أن أفعل؟ يريدونني في أمر ضروري
خرجت شيماء واتجهت نحو غرفة المشرفة...
المشرفة: اذهبي إلى غرفة المديرة
شيماء: المديرة!!؟ لماذا؟ أتعرفين سبب مناداتي؟
المشرفة: اذهبي هناك وستعلمين
تنهدت شيماء وتركت المكان وهي تمشي بثقل وكسل واتجهت نحو غرفة المديرة. طرقت الباب
المديرة: تفضلي...
دخلت شيماء الغرفة وتعجبت مما رأته: *شرطيات!!؟ إنها حقًا مصيبة كبيرة...!!*
..::||الفصل السابع والعشرون||::..
جلست شيماء على الكرسي الموجود أمام مكتب المديرة..
شيماء بوجه هادئ: خيرًا؟
المديرة: الشرطة تود استجوابك في قضية ما، لم أتخيل يومًا أن شغبك سيصل إلى مراكز الشرطة
شيماء: أعلم سبب وجود الشرطة هنا وهو لا دخل له في شغبي، ولكن يبدو أن المعلومات لم تصل إليهم كاملة فأتوا لاستجوابي
الشرطية: إذًا فالخبر الذي وصل إلينا كان صحيحًا...؟!
شيماء: أجل...
الشرطية: إذًا من يكون القاتل!!؟
المديرة متعجبة: *قاتل!!؟*
شيماء: لم يصل إليكم اسمه؟
الشرطية: لا لم يصل، ولكن أود معرفة كل شيء تعرفينه عنه. أتعلمين أن التستر على المجرمين جريمة أيضًا؟؟ فأنت تعتبرين مطلوبة لدينا...
شيماء: ولكنه انقطع عن زيارتي ولا أعلم أين يكون
الشرطية: ولماذا لم تخبري عنه في الماضي؟
شيماء: كنت صغيرة حينها، كنا نتقابل منذ أن كنت في الرابعة حتى وصلت الصف الثالث، ولم أره يومًا على خطأ فقد كان هو من رباني وكان يخبرني بكل ما يدور في خاطره
الشرطية: رباكِ؟! أهو أحد أفراد عائلتك؟
شيماء: لا، ليته كذلك، لا صلة بيني وبينه ولا يعرفه أحد. كنت أقابله أنا وحدي خلسة دون علم من أمي ولكنها عرفت فيما بعد
الشرطية: وكيف تم ذلك؟
شيماء: إنها أمور خاصة بنا
الشرطية غاضبة: لا توجد أمور خاصة في التحقيق!!
شيماء: هذا لا شأن له في التحقيق، أنتم تودون معرفة مكانه ومن يكون وكم يبلغ وأشياء متعلقة به، ما دخل علاقتنا في القضية؟
الشرطية: حسنًا، أخبرينا عن اسمه ومواصفاته وعمره وجنسيته ولماذا يقتل هؤلاء البشر؟
شيماء: اسمه قيس قطري الجنسية، ذو بشرة بيضاء جدًا وشعره أسود ناعم وعيناه زرقاوتان لأن والدته كانت أجنبية، أول من قتلهم كانت والدته وزوجها عندما كان في الرابعة عشر لأنهما كانا يخططان في التخلص منه ووالده كان متوفٍ حينها. ثم هرب ولم يجدوه وفكر بأن يقتل المجرمين لأنه لا يريد أن يرَ أناسًا أبرياء يعيشون الحياة التي عاشها، أما عن مكانه فلا أعلم... ولكن ما أعرفه أنه لا يملك منزلاً
الشرطية: إذًا أين يسكن؟
شيماء: لا أعلم... ولكنني أظنه ينام في الزقاق
الشرطية: وفي أي منطقة بالذات؟
شيماء: ألا ترين أن جرائمه منتشرة في جميع المناطق؟ فهو يتجول في البلاد بأكملها للقضاء على هؤلاء السفلة فكيف لي أن أعرف في أي منطقة بالتحديد؟
الشرطية: وأين كنتما تتقابلان؟
شيماء: ولماذا تودين معرفة ذلك؟
الشرطية: أجيبيني..!!
شيماء: لا دخل لهذا الأمر في التحقيق...
الشرطية: بل له دخل... قد نراه يتردد إلى ذلك المكان أو يسكن بالقرب منه
شيماء: هذا مستحيل... فهو كان يأتيني إلى غرفتي لمقابلتي كل ليلة من النافذة
الشرطية: أتريدينني أن أصدق ذلك؟
شيماء: ولماذا لا تصدقي؟ إنها الحقيقة... لم نتقابل يومًا خارج المنزل إلا عندما أخذني معه عندما كنت في الخامسة من عمري لقتل أحد المجرمين
الشرطية: وهل شهدتي الجريمة حينها؟
شيماء: أجل... كان منظرًا رائعًا...
الشرطية: ..... *ما الرائع في هذه المناظر؟! إنها حقًا فتاة غريبة*
ثم نهضن الشرطيات من أماكنهن متجهات نحو المخرج: حسنًا شكرًا على استجوابك معنا
شيماء: لا داعي لشكري... فمهما أخبرتكن عنه فلن تجدوه
وقفت الشرطية في مكانها وقالت: لماذا؟!
شيماء: قد تجدونه في حالة واحدة... إذا سلّم نفسه...
تركت الشرطيات المكان دون الرد عليها، أما شيماء فنهضت من مكانها لتعود إلى فصلها ولكن أوقفتها المديرة
المديرة: انتظري يا شيماء
التفتت شيماء نحوها: ماذا هناك؟
المديرة: هل لي أن أعرف ما قصة هذا المجرم وكيف وصل الخبر إلى الشرطة؟
شيماء: لقد بحت يومًا عن سر معرفتي به أمام الطالبات في أحد الحصص وأظن أن إحداهن أخبرت الشرطة بذلك... على أية حال فأنا لا أخشى أن يعتقل قيس... ففي الحقيقة هو ليس كباقي البشر...
تركت شيماء المديرة حائرة فيما قالته أما هي فعادت إلى الفصل...
وبعد انتهاء الدوام المدرسي سألت شيماء الطالبات ما إذا كانت إحداهن قد أصطحبت معها هاتفها النقال، ووجدت واحدًا لدى عائشة فأعارتها إياه واتصلت بوالدتها
شيماء: السلام عليكم
بثينة: وعليك السلام، سأخرج حالاً لأخذك
شيماء: لا لا، فقد اتصلت لأخبرك أنني سوف أذهب إلى منزل صديقتي لأدرس معها
بثينة: صديقتك!؟
شيماء: أجل، لقد صاحبت فتاة في فصلنا تدعى عائشة... سأذهب إلى منزلها لندرس سويًا
بثينة: حسنًا، إلى اللقاء
شيماء: مع السلامة...
ثم أغلقت الهاتف...
أعادت الهاتف إلى عائشة وقالت بابتسامة: شكرًا لك
عائشة: هل ستأتين حقًا إلى منزلي لندرس؟
شيماء: لا، ولكنني لا أود العودة إلى المنزل فلدي عمل...
ثم حملت حقيبتها لتخرج...
عائشة: انتظري...
شيماء: ماذا!؟
عائشة: لا يمكنك الخروج وحدك في الشارع، هذا خطر عليك
شيماء: لا بأس فالمكان قريب
عائشة: كان عليكِ أن لا تكذبي على والدتك وإخبارها بالحقيقة
شيماء: لا بأس في ذلك، فإن أخبرتها بالحقيقة لن تدعني أذهب
عائشة: أترغبين أن أوصلك إلى المكان؟
شيماء: لا شكرًا، فهو سر...
ثم خرجت مسرعة واتجهت نحو مكان قيس. دخلت عليه وهو ما زال نائمًا، فجلست بالقرب منه وأخرجت كتبها لتدرس، وبدأت بحل واجباتها وأنهتها ثم قامت تراجع الدروس إلى أن غابت الشمس.
وبعد فترة وجيزة بدأت السماء تسود، واختفى نور الشمس تمامًا وساد الظلام المكان حتى كادت لا تستطيع رؤية كفيها. وفجأة، فتحت أنوار المنزل ورأت شيماء المكان وهو يتغير وأصبح كما رأته الليلة الماضية، لم تصدق شيماء عينيها فكان كالحلم...! وعاد الأثاث جديدًا نظيفًا كما كان، وبعدما تجدد المكان فتح قيس عينيه، فرمت شيماء ما بيدها وذهبت نحوه...
شيماء وقد اقتربت من وجه قيس كثيرًا: مساء الخير
فزع قيس: آآآآآ!!!
فابتعدت شيماء عنه وهي تضحك...
قيس بتعجب: مـ..ماذا تفعلين هنا؟!
ثم نظر حوله ووجد حقيبتها المدرسية ورأى أيضًا الأريكة وقد عادت غير ممزقة.
ثم عاد بنظره إلى شيماء: أتيتِ هنا فور خروجك من المدرسة؟
شيماء مبتسمة: أجل...
قيس: وماذا عن والدتك؟
شيماء: أخبرتها أنني سوف أذهب إلى منزل صديقتي لندرس
قيس: إذًا، رأيتِ كل شيء؟
شيماء: أجل...
قيس: كيف عادت الأريكة كالسابق؟
شيماء: في الحقيقة، المنزل في النهار يكون متسخًا وقديمًا ومليء بالغبار وتالف تمامًا وهكذا ينظر إليه البشر في الليل والنهار... فعندما أتيت إلى هنا صباحًا وجدتك نائمًا وحاولت إيقاظك ولكنني لم أستطع، أما المنزل فرأيته وهو يتغير بعد أن حل الظلام، كان منظرًا رائعًا!! شعرت وكأنني في حلم...
قيس: وعندما أصبح هكذا كانت الأريكة غير ممزقة؟
شيماء: أجل...
نهض قيس من مكانه وإذا بسكين تسقط على الأرض من جيبه، فنظرت شيماء إلى السكين بتعجب وأخذتها..
شيماء: هذه سكيني؟!
ثم أخرجت السلسال من تحت قميصها فوجدت سكينها معلقة في مكانها
قيس بابتسامة: إنها ملكي وليست ملكك
شيماء: ولكنها تطابقها تمامًا!! هل اشتريتهما سويًا ونحت عليهما؟
قيس: أنا لم أخبرك عن هذه السكين بعد
شيماء: لماذ؟ وما بها؟
قيس: هذا سلاحي الذي لا يستطيع أحد رؤيته؟
شيماء: حقًا!! وكيف هذا؟! أين وجدته؟؟!!
قيس: كان في جيبي منذ أن استيقظت لأول مرة
شيماء وهي تنظر إلى السكينتين: هذا غريب..!! وكأنه عليك قتل المجرمين حقًا..!!
صمت قيس وقد محيت ابتسامته ولم يقل شيئًا: ....
رفعت شيماء رأسها ونظرت إلى قيس قائلة: وماذا عن سكيني؟ هل كانت معها؟
ابتسم لها قيس مرة أخرى وقال: لا، بل أنا من صنعت واحدة لكِ تطابق التي معي
شيماء بتعجب: حقًا!! إنها رائعة ومتقنة الصنع!! لم أكن أعلم أنك بارع في هذه الأمور أيضًا...
قيس: أيضاً؟ وهل برعت في أمور أخرى من قبل؟
شيماء: أجل
قيس: وما هي الأمور؟
شيماء: لن أخبرك...
قيس: كما تشائين، لن أجبرك
جلست شيماء مع قيس إلى الساعة التاسعة والنصف ثم عادا سويًا إلى منزل شيماء ليتابعان السهر في المنزل. وبما أن شيماء لم تنم طوال اليوم، أحست بتعب شديد فنامت باكرًا ولم تواصل السهر حتى الفجر كالعادة، فتركها قيس نائمة حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف وخرج ليواصل القتل والتخلص من المجرمين...
..::||الفصل الثامن والعشرون||::..
في صباح اليوم التالي، استيقظت شيماء على صوت والدتها...
بثينة: لماذا عباءتك متسخة هكذا!!؟ والحقيبة المدرسية أيضًا!! أين كنتِ البارحة؟ هل ذهبتِ إلى منزل صديقتك حقًا؟
نظرت شيماء إلى ملابسها وتساءلت: *لم تكن متسخة البارحة!!؟*
ثم قالت لوالدتها: لا تغسليهما...
بثينة: لماذا؟
شيماء: سأغسلهما في المساء لوحدي
بثينة: ولماذا؟
شيماء: فقط لا أريدك أن تغسليهما أنتِ
بثينة بتعجب: كما تشائين...!
نهضت شيماء من فراشها منزعجة، فقد أيقظتها والدتها مبكرًا على الرغم من أنه لا يوجد دوام مدرسي.
شيماء: *حللت فروضي البارحة لأرتاح هذا اليوم، وأتت والدتي لتزعجني منذ الصباح*
اتجهت نحو دورة المياه لتغسل وجهها وأسنانها ثم خرجت وبدأت تتصفح الشبكات على الحاسوب...
شيماء: أووووووه *لا شيء جديد كالعادة، أكره الحياة بعيدًا عن قيس... ويريدون القبض عليه!! حقًا إنهم حمقى لظنهم أنني سأرشدهم إلى مكانه...*
نهضت عن الحاسوب بعدما شعرت بالملل وأمسكت بكراستها وبدأت ترسم صورًا دموية كالعادة. تابعت الرسم لساعات عديدة حتى قامت برسم ست صور. وعندما حل المساء أرادت شيماء الخروج من غرفتها ولكنها لاحظت شيئًا غريبًا قبل خروجها...!! الغبار الذي كان على الحقيبة والعباءة قد اختفى!!
شيماء: *كما توقعت!!!*
أخذت الحقيبة معها والعباءة وجرت نحو والدتها، كانت والدتها في المطبخ تعد العشاء...
شيماء وهي تري والدتها الحقيبة والعباءة: أمي، هل ترين العباءة والحقيبة نظيفتين؟
بثينة: ما هذا السؤال!!؟ أتعنين أنكِ قمت بتنظيفهما؟ إن كنتِ لا تجيدين الغسيل فأنا سأنظفهما عنكِ
شيماء مبتسمة: *كما توقعت!!! أشعر وكأنني في فيلم سينيمائي، يال فرحتي*
ثم رمت الحقيبة والعباءة بجوار الباب وقالت: حسنًا أمي، أشكرك مقدمًا على غسلك لهما..
وخرجت وهي تقفز من الفرحة. نظرت إليها والدتها بتعجب وهي تغادر ولكنها لم تعرها اهتمامًا فقد اعتادت على غرابة ابنتها... دخلت شيماء غرفتها وبدأت تنظر من خلال النافذة، وعبرها سمعت صوت شجار في الأسفل، فحملت الكاميرا وارتدت حجابها وعباءتها وخرجت من المنزل. اتجهت نحو مصدر الصوت وهي تسجل الفيلم حتى وصلت إلى موقع القتال. كان هناك خمسة رجال يتشاجرون ووصل شجارهم إلى الضرب والقتال، ولحسن الحظ كانت الإضاءة جيدة عند الرجال وكان ذلك لصالح التسجيل. لم تعرف سبب شجارهم ولكنها استمتعت بالنظر إليهم وتصويرهم وهم لم يلاحظوا وجودها. ثم لمحت قيس مستندًا على أحد الجدران بالقرب منهم وقد أخرج سكينه وبدأ يمسح عليها بسبابة وإبهام الكف الأخرى وهو منزل من رأسه وينظر إليهم بطرف عينيه.
وجهت شيماء الكاميرا نحو قيس ونادت بفرح: قيس!!
لاحظ الجميع وجودها وبدؤوا ينظرون إليها، والتفت قيس نحوها أيضًا، وعندما رآها ارتبك وخاف
قيس وهو يصرخ: شيماء اهربي!!
سار الرجال نحوها ولكنها كانت تركز بنظرها على قيس وقالت له: لماذا؟
أحد الرجال: مع من تتحدث؟
الرجل الآخر: لا يهم ولكن الأهم هو ما تملكه في يديها
اتجه الرجال الخمسة نحوها وعندما نظرت إليهم خافت وصرخت، تركت الكاميرا وغطت عينيها، لكن الكاميرا كانت معلقة على عنقها فلم تسقط أرضًا وتابعت التصوير...
أما قيس فجرى نحو أقرب رجل لشيماء وقطع عنقه
فصرخ الرجال فزعين: ماذا حدث!!
فتحت شيماء عينيها ورأت الرجل متمددًا على الأرض، جسده في مكان ورأسه في مكان آخر والدم يفيض منهما
أعاد قيس ما قاله: شيماء اهربي...!!
شيماء: لا أريد..!!
قيس متعجبًا: لماذا؟!!
شيماء: أريد متابعة التصوير...
قيس: أهذا وقت مناسب للتصوير؟ قد يؤذونك؟؟!!
شيماء: لن يمسني أحد فأنت ستحميني...
أحد الرجال: إلى من تتحدث!!؟؟
الرجل الآخر: وما أدراني؟!
الرجل الثالث: لنقضِ عليها
ابتسمت لهم شيماء: أروني ماذا ستفعلون...
قيس: *شيماء..!! أيتها الحمقاء...!!*
جرى نحوها الرجال وكلاً قد استعد لقتلها فهمّ قيس بقتلهم واحدًا تلو الآخر والجميع كان فزعًا مما يحدث، إلى أن تخلص منهم، اتسخت شيماء بدمائهم وتلطخت ملابسها، وفارت الدماء على كاميراتها
فصرخت: لااااا...!!! قد تتعطل الكاميرا ويذهب تعبي سدى
فبدأت تنظف الكاميرا بعباءتها، وأثناء ذلك اتجه قيس نحوها غاضبًا مما فعلته وكاد أن يضربها من شدة غضبه، ولكنه لم يستطع فعلها، أمسكها من كتفيها فرفعت عينيها عن الكاميرا وبدأت تنظر إليه
قيس بغضب وقليل من الارتباك: ما الذي تفعلينه هنا؟
شيماء بابتسامة: سمعت صوت الشجار عبر نافذة غرفتي فنزلت لأصوره. ألم أخبرك بأنني أحب التصوير..؟ أردت أن أحصل على فيلم نادر التصوير
نظر قيس إلى وجهها المبتسم وهو في حيرة مما فعلته ثم ضمها إليه
قيس: كنت قلقًا عليكِ يا غبية... لا تعيدي هذا التصرف مرة أخرى...
شيماء: لا داعي للقلق، فأنا أعلم أنك لن تدع أحدًا يمسني بسوء
ثم تركها وأمسكها من كتفيها مرة أخرى: اذهبي الآن واستحمّي... ها قد لطختي نفسك بالدماء القذرة مرة أخرى
شيماء مبتسمة: حاضر...
قيس: لا تدعي والدتك تنظر إليكِ
شيماء: حسنًا, ألن تأتِ معي؟
قيس: لا، فهناك أحد أريد قتله يسكن في المنطقة المجاورة، سأقتله وآتي إليكِ حالاً...
شيماء: حسنًا، أنتظرك...
ذهبت شيماء إلى منزلها بحذر شديد كي لا يراها أحد من أبناء الحي، ثم دخلت المنزل بكل هدوء وأرادت التسلل بخفية إلى غرفتها، ولكن لسوء الحظ، أثناء صعودها الدرج إلى الطابق الثاني كانت والدتها تنزل منه فرأتها
بثينة بفزع شديد: يا إلهي!!! ما هذا!؟
شيماء بارتباك: أ...أمي؟؟!
اقتربت منها والدتها وأمسكت بوجهها: ما الذي حدث لك!؟ لماذا أنتِ ملطخة بالدماء!؟ ماذا فعلتِ؟؟!! يا إلهي!!
شيماء: أمي أبعدي يدك عن وجهي ستتسخين، سآخذ حمامي وسأخبرك بما حدث، لا تخافي فأنا لم أقتل أحدًا...
صعدت شيماء للأعلى ودخلت غرفتها وأقفلت الباب...
شيماء: *يا إلهي...!! ماذا عساي أن أفعل؟ تبًا لي...*
أخذت شيماء منديلاً وبللته بالماء وبدأت تنظف الكاميرا ثم دخلت لتأخذ الحمام. وبعد إنتهائها من كل شي وتنظفت، نزلت إلى والدتها لتناول العشاء معها، وبينما كانتا على طاولة الطعام...
بثينة: شيماء، أخبريني يا حبيبتي، لماذا كنتِ متسخة بالدماء هكذا؟! ما الذي حصل، سوف أموت من خوفي عليكِ إن لم تخبريني
شيماء: لا تخافي يا أمي فقيس سيحميني دائمًا
بثينة: ولكن ما الذي حصل؟
شيماء: لم يحصل شيئًا، فقط سمعت صوت شجار فنزلت لأصوره، فعندما رأوني الرجال كادوا أن يقتلوني ظنًا بأني سمعت وصورت ما كانوا يتحدثون عنه قبل شجارهم ولكن قيس قتلهم عندما أرادوا الاقتراب مني. هذا كل ما حصل
بثينة: أخشى أن تتورطي مع رجال الشرطة، لسنا مستعدين لهذا النوع من المشاكل، لا تخرجي مرة أخرى لوحدك... أو حتى مع قيس إن كنتما ستتعرضان للخطر
شيماء: كما تشائين أمي...
وعندما انتهت شيماء من تناول العشاء عادت إلى غرفتها وتفاجأت بوجود قيس في الغرفة ينتظرها. كان ثوبه الأبيض ملطخًا بالدماء ووجهه كذلك، فجلست على السرير وابتسمت له...
ابتسم قيس في وجهها وقال: ما سر هذه الابتسامة؟ لم يعرف أحدًا بما جرى؟
شيماء: لا، فأمي علمت بالأمر
قيس مبتسم: وماذا قالت؟
شيماء: أخبرتها بما جرى واطمأنت قليلاً، كان من المفترض أن ترسل شكرها لك فلولا الله ثم أنت لما كنت هنا الآن، لكنها كانت قلقة أكثر من المشاكل التي قد تلحق بنا إذا علمت الشرطة بأنني كنت في مسرح الجريمة...
قيس: هذا طبيعي، إن كنت أنا الذي لا يقربك خفت عليك فماذا عن والدتك؟
شيماء: لكنني أشعر أنك تحبني وتخشى علي أكثر من والدتي...
قيس: لا تعلمين ما تخفي القلوب، فأنت لا تجالسين أمك ولا تتحدثان كثيرًا. على أية حال، غدًا يوم السبت أليس كذلك؟
شيماء: أجل...
قيس: هل ستخبرين الطبيب بما حدث الليلة؟
شيماء: بالتأكيد، فالطبيب أيضًا في نظري صديق لي ولو أن علاقتنا سطحية قليلاً، ولكن هذا ما قررته عندما كنت طفلة، ما زلت أذكر كيف كان يعاملي كوالد لي وما زال كذلك
قيس: يسعدني سماع ذلك، فأنا أظنه رجل خيّر
شيماء: أفكر في أن أريه الفيلم الذي صورته... أوه... نسيت إيقاف التسجيل...
ذهبت شيماء نحو الكاميرا وأوقفت التسجيل
شيماء وهي ممسكة بالكاميرا: هذه الكاميرا رائعة، تستطيع تسجيل ثلاث ساعات متواصلة، إنها أفضل من السابقة، فكاميراتي القديمة تسجل فقط نصف ساعة...
قيس: وكم طول الفيلم الذي سجلته الآن؟
شيماء: دعني أرى...
فتحت شيماء الكاميرا ونظرت إلى مدة الفيلم
شيماء: طوله ساعة وربع تقريبًا... لا بأس به...
ثم أغلقتها ووضعتها على الطاولة وعادت إلى سريرها وتابعت حديثها مع قيس حتى الفجر...
..::||الفصل التاسع والعشرون||::..
في عصر اليوم التالي، ذهبت شيماء إلى الطبيب النفسي وأخذت معها الفيلم بعد أن أزالت المقطع الأخير لظهور والدتها فيه وسجلته على قرص لتريه إياه، لكن هذه المرة ذهبت بمفردها دون علم من أمها، فخرجت باكرًا قبل عودة بثينة من العمل وذهبت مع السائق والخادمة...
وعندما دخلت على الطبيب دار هذا الحوار بينهما...
شيماء: السلام عليك
أحمد: وعليكِ السلام... أين والدتك؟!
شيماء مبتسمة: أتيت وحدي هربًا منها
أحمد: ولماذا الهرب؟
شيماء: لا أريدها أن تأتِ معي اليوم
أحمد: ولماذا؟؟
شيماء: لأنني أريد أن أريك شيئًا ولا أرغب من والدتي أن تنظر إليه
أحمد: وما هو ذلك الشيء؟
أخرجت القرص وأرته إياه وقالت: شاهده بنفسك...
أدخل أحمد القرص في حاسوبه المحمول وشغّله... في أول الفيلم كان المكان مظلمًا ولكن صوت الشجار كان مسموعًا، وكلما تابعت المشي ارتفع صوت الشجار إلى أن ظهر الرجال الذين كانوا يتشاجرون، ومن ثم ابتعدت الكاميرا عن الرجال ووجهت نحو الطرف... وعندها سمع شيماء وهي تقول بصوت عالٍ "قيس!!"... فتعجب الطبيب ومن ثم نظر إلى الرجال وهم ينظرون إلى شيماء ويسيرون نحوها، ولكنها لم تغير من موقع التصوير وكأنها لم تلاحظهم ولكنهم ظهروا في الطرف من شاشة التصوير، ثم سمعها تقول "لماذا؟"
فأوقف الطبيب الفيلم وسألها: لماذا قلتِ "لماذا"؟ هل قال لكِ قيس شيئًا؟
شيماء: أجل... أمرني بالهرب
أحمد وبخوف قليل في نفسه: حسنًا... شكرًا لكِ
ثم قام بتشغيل الفيلم مرة أخرى وسمع الرجل وهو يقول "مع من تتحدث؟" ومن ثم رد عليه الآخر "لا يهم ولكن الأهم هو ما تملكه في يديها"
فقال أحمد: يعنون الكاميرا؟
شيماء: أظن ذلك...
ثم سمع صراخ شيماء وبعدها نزلت الشاشة إلى الأسفل وكأنها تركتها حينها، أصبح الرجال لا تظهر وجوههم كاملة في الشاشة... فقط من الفم إلى باقي الجسد من الأسفل ولكن فجأة قطعت عنق أول رجل يقف أمام الكاميرا، فلم يتمالك أحمد نفسه وترك مقعده واتجه نحو مغسلة في طرف الغرفة وبدأ يتقيأ فيها فأوقفت شيماء الفيلم واتجهت نحو الطبيب...
شيماء: هل أنت بخير؟؟ آسفة لم أتوقع أن هذا سيحدث لك
أحمد: لا بأس...
شيماء: آسفة... لا داعي لأن تشاهد الفيلم كاملاً
أحمد: بل علي أن أشاهده كاملاً، ربما أستطيع فهم قيس أكثر
شيماء بتعجب: كما تشاء...!!
جلس أحمد على مقعده وقام يتشغيل الفيلم
وعندها سأل: هل سيقتلهم جميعًا
شيماء: أجل
أحمد وبصوت منخفض: الله المستعان...
تابع المشاهدة وسمع الرجال يصرخون قائلين "ماذا حدث!!" وبعدها نظر إليها الرجال مرة أخرى وعندها قالت "لا أريد"
سأل أحمد: ما الذي لا تريدينه؟
شيماء: أمرني قيس بالهرب مرة أخرى...
بعدها قالت شيماء "أريد متابعة التصوير........ لن يمسني أحد فأنت ستحميني......." "إلى من تتحدث!!؟؟....... وما أدراني؟!......... لنقضِ عليها" ثم سمع صوت شيماء وهي تقول بكل جرأة "أروني ماذا ستفعلون" وعندها رأى الرجال وهم يتسابقون نحوها وفجأة بدؤوا يُقتلون وشيماء موجهة التصوير نحوهم، فواحدًا طعن في بطنه والآخر فصل رأسه عن جسده ومنهم من قطعت أطرافه قبل قتله والآخر انشق رأسه... كان أحمد يصد عن بعض المناظر المقززة فهو لا يسحتمل رؤيتها، ولكنه لمح شيئًا عندما قتل آخر رجل...
أحمد: لحظة قليلاً!!
نهضت شيماء من مكانها وذهبت خلف الطبيب لتشاهد الشاشة معه وقالت: ماذا هناك؟؟
أحمد وهو يعيد المقطع: لمحت شخصًا ما...!!
شيماء: ربما كنت تتوهم فأنت تصد عند كل مقطع قتل
أحمد: دعيني أتحقق منه...
أعاد أحمد مقاطع القتل فلاحظ أمرًا غريبًا...!! كلما غادرت نفس من جسد أحد الرجال ظهر قيس لمدة طولها جزء واحد من الثانية واختفى مرة أخرى...!!!
فعندما رأته شيماء قالت بسعادة: إنه قيس!! كيف هذا؟!!!...
قام بمشاهدة المقطع أكثر من مرة. ظهر قيس خمس مرات في الفيلم...
قالت شيماء بفرح: سوف أُري قيس هذه المقاطع، سيسعد كثيرًا...
أحمد بحيرة: ولكن لماذا يظهر فقط عند موتهم؟؟؟ لو تدققي النظر فهو لا يظهر عند طعنهم أو عند احتظارهم، ولكن فقط عندما يتوقفون عن الحركة... أي عندما تغادر أرواحهم أجسادهم...!!!
شيماء: لا أعلم... فأنا أشاهد قيس طوال الوقت فلا يمكنني أن ألاحظ شيئًا كهذا. أيظهر هكذا في الواقع أم فقط عند التصوير؟
أحمد: الله أعلم... ولكن هل كنتِ تعلمين بأن هؤلاء مجرمين؟ وهل كنتِ تعلمين أن قيس سيكون هناك؟
شيماء: لا، فقط سمعت صوت شجار فنزلت لأصور شجارهم دون علم بأنهم مجرمين. ولحسن حظي كان قيس عندهم...
أحمد وقد أوقف الصورة على موضع ظهور قيس: وجهه يحمل معانٍ كثيرة وأولها القلق...
شيماء: أجل، فقد كان قلقًا علي
أحمد: شيماء، هل تستطيعين فهم ما يفكر به الشخص من عينيه ووجهه؟
شيماء: ليتني كذلك...
أحمد: أشعر وكأن قيس مرغم على فعل هذا
شيماء: هذا مستحيل، ربما لا يحب القتل ولكن يود مساعدة الغير
أحمد: ملامحه تقول غير ذلك
شيماء: وما هي الحقيقة؟
أحمد: لا أعلم...
شيماء: أحمد، ما رأيك بأن نري الشرطة هذا الفيلم؟
أحمد بتعجب: أحمد...!!
شيماء: نحن أصحاب أليس كذلك؟ فلماذا التعامل الرسمي بيننا؟
ابتسم أحمد وقال: أنتِ كما كنتِ في صغرك، لم تتغيري، ولكن رأيي في إخبار الشرطة... لا أظنهم سيصدقون فهناك من يستطيع فعل مثل هذه الخدع في الأفلام
شيماء: أنت على حق... حسنًا لنغلق هذا الموضوع، أريد أن أسألك سؤالاً، هل تملك أبناءً؟
أحمد: أجل...
شيماء: هذا رائع!! وكم عددهم؟
أحمد: خمسة، ثلاثة أولاد وبنتين
شيماء: حقًا، حفظهم الله لك... وكم يبلغ أكبرهم؟
أحمد: تسع سنوات
شيماء: ما زال صغيرًا، أهو يوسف؟
أحمد: أجل...
شيماء: ولكن كنت أظنك متزوج قبل أن أتردد إليك عند صغري...!!
أحمد: هذا صحيح، لم يرزقنا الله بالبنبن لمدة طولها أحد عشر عام، أتذكرين عندما أخبرتِني بقصة قيس؟ قلتيها في ثلاث جلسات متفرقة...
شيماء: أذكر ذلك تمامًا...
أحمد: حينها ظننت أن قيس يعنيني في قصته، على الرغم من أنني لم أكن أعلم أن زوجتي حامل ولكن عندما عدت إلى منزلي ذلك اليوم أخبرتي بحملها وكان يوسف في بطنها حينها...
شيماء: يال المصادفة...! ولكن ألا تظن أن إنجاب خمسة أبناء بعد انتظار طال أحد عشر عام شيء رائع؟
أحمد مبتسم: أجل
شيماء: أخبرني بأسمائهم بالترتيب...
أحمد: يوسف، إبراهيم، نورة، محمد وفاطمة وطفل جديد في طريقه إلينا
شيماء: مبارك عليكما، مقدمًا
ثم أدركت شيماء تأخر الوقت فقالت: أنا آسفة!! اندمجت في حديثي ونسيت أن هناك قد يكون مريض بعدي...!!
أحمد: لا بأس ففي يوم السبت لا توجد مواعيد كثيرة وأنتِ آخر زائر لدي. وبما أن اليوم عطلة فأنا أعود إلى المنزل باكرًا وأنتِ تعلمين هذا. حسنًا، آخر شيء أود قوله لك هو أنه مهما حدث لكِ لا تيأسي من الحياة وانظري دائمًا للأمور بنظرة إيجابية...
شيماء: هذا ما يقوله قيس لي أيضًا فهو لا يعجبه ذوقي في اختيار اللون الأسود من أفضل الألوان لدي...
ابتسم لها أحمد وقال: إذًا، أظن أنه علي القول بأن عليكِ اتباع ما يقوله صديقك الحميم...
شيماء: وأخيرًا بدأت تنظر إلى قيس نظرة إيجابية
أحمد: ليس بعد
ابتسمت شيماء وودعت الطبيب وعادت إلى المنزل. وفور دخلوها أتتها والدتها مسرعة...
بثينة بفزع: أين كنتِ؟! خفت عليكِ كثيرًا!! لم تجيبي على هاتفك أيضًا!!!
شيماء بابتسامة: ذهبت للطبيب...
بثينة: ولماذا لم تنتظري عودتي؟ فقد ذهبتِ باكرًا...!!
شيماء: لا أريدك أن تأتي معي...
بثينة: كان عليك إخباري بذهابك على الأقل
شيماء: لو أخبرتك ستلحقين بي... على أية حال لم يحدث شيء...
بثينة: وماذا قال لكِ؟
شيماء: أظن أن الطبيب بدأ يتودد إلى قيس. أنا عائدة إلى غرفتي...
بثينة: ...........
عادت شيماء إلى غرفتها وهي سعيدة، ثم فتحت حاسوبها وقامت بتشغيل الفيلم والتقطت صور قيس منها وقامت بطباعتها
شيماء: *وأخيرًا حصلت على صورًا لقيس...!! خمس صورًا لا تكفيني، أظن أنني سأستأذنه في اصطحابي معه في المهمة القادمة*
ثم خبّأت الصور في ألبوم للصور ووضعته في خزانة ملابسها، وبدأت تراجع دروسها كي يمر الوقت ويأتي الليل. وعندما حل الليل أتى قيس إلى شيماء، فقفزت شيماء من مكانها ورحبت به...
شيماء: مرحبًا بك يا قيس....
قيس بابتسامته المعتادة: مساء الخير. ما سر سعادتك اليوم؟
شيماء: لدي مفاجأة لن تتوقعها أبدًا
قيس: حقًا؟! وما هي؟
عادت شيماء إلى سريرها وأخرجت من تحت وسادتها ألبوم الصور...
شيماء: تعال، تعال... اجلس بجانبي
جلس قيس بجانبها وسأل: ما هذا؟ أفيه صور طفولتك؟
شيماء: لا؟ بل فيه صور أغلى إنسان على قلبي...
قيس متعجب: ومن يكون؟
أمسك قيس الألبوم في يده وفتحه، انبهر عندما رأى صوره وقال: كيف هذا؟!! هذه صور التقطت البارحة أليس كذلك؟
شيماء بابتسامة كبيرة: أجل
قيس: ولكن كيف؟! أنتِ حاولت تصويري من قبل..!!
شيماء: سأريك الفيلم المسجل...
قامت شيماء بتشغيل الفيلم لقيس، فعندما رآه لم يصدق عينيه...
قيس: *لم أتخيل يومًا أن هذا يحدث لي.. أيعقل أن يكون ذلك سببه؟!!*
شيماء: لم تكن تعلم من قبل؟!
قيس: لا...
أمسكت شيماء ألبوم الصور وقالت: ولكنني لم أكتفِ بهذه الصور
قيس بوجه جاد: اسمعي... بعد الذي جرى البارحة لن آخذك معي، قد تتورطين
شيماء: أتوسل إليك... فقط صورة واحدة وأنت مبتسم
قيس: ماذا؟! وأنا مبتسم؟!! كما ترين أنا لا أظهر إلا بعد وفاة الضحية فكيف لي أن أبتسم وأنا أقتل؟
شيماء: حاول أرجوك... فقط مرة واحدة من أجلي
قيس: مستحيل... إن أردت حقًا الحصول على واحدة فسوف نتفق على مكان تضعين فيه الكاميرا وسأقوم أنا بقتله وحدي والتصوير
قفزت شيماء في حضنه وضمته قائلة: شكرًا لك... أحبك...
قيس مبتسم: *كما هي، لم تتغير...*
وفي صباح اليوم التالي، ذهبت شيماء إلى المدرسة بوجه بشوش ومزاج جيد وكان الجميع متعجب من ذلك، وفي ذلك اليوم لم تهتم لنظرات الغير ولشجار سعاد أو عتاب المعلمات، لم ترد أن تعكر مزاجها وبأن يأثر البقية على سعادتها، وظلت هكذا طوال الدوام المدرسي. وبعد المدرسة ذهبت من فورها إلى متجر وثبّتت الكاميرا على النافذة من الخارج. كان ذلك المكان الذي اتفقا عليه قيس وشيماء لقتل الضحية الأخرى، ثم عادت إلى المنزل للمذاكرة.
حل الليل وأتى قيس حاملاً الكاميرا...
شيماء بفرح: هل سجلت الفيلم؟
قيس بابتسامة: أجل...
شيماء: أشكرك...!!
نهضت من مكانها وأخذت من يده الكاميرا وبدأت تشاهد الفيلم، وعندما ظهر قيس، كان أمام الكاميرا مبتسمًا وقد رفع إصبعيه مكونًا إشارة النصر، بدى شكله لطيفًا فجنت شيماء عندما رأته...
شيماء: إنها صورة راااااائعة!!! سأنسخ منها مائة نسخة
قيس بابتسامة يشوبها الإحراج: ولماذا كل هذه النسخ؟ الصورة ليست بتلك الروعة فالدماء تكاد أن تغطي وجهي بالكامل
شيماء: وهذا أكثر شيء أعجبني بها، الدماء وعلامة النصر، إنها حقًا تظهر الانتصار الحقيقي على المجرمين. سأضع واحدة على خزانة المدرسة
قيس بتعجب: هل أنتِ جادة!!؟ سوف يشكون بكِ أنكِ تعاونيني أو تعرفينني وتتسترين علي!!!!
شيماء: لا لا، لن يحدث هذا... سيظنون أنها مجرد تلاعب بالصور. ولو أضع معها الآخريات سيكون رائعًا
قيس: لا!! هذه لا بأس بها ولكن الأخريات!! فهي تصورني وأنا أقتل..!!
شيماء بوجه عابس: هذا صحيح... وللأسف... حسنًا، سأكتفي بهذه إذًا
وفي اليوم التالي قامت شيماء بتنفيذ ما فكرت به ولم يسألها أحد عن الصورة فهذا أمر ليس غريبًا عليها، فالجميع ظنها صورة مركبة وأمور من هذا القبيل...
انتهى العام الدراسي بسلام وأنهت شيماء المرحلة المتوسطة حينها دون أي مشاكل كبيرة حدثت، ولكن لا نعلم ماذا سيحدث عند التحاقها بالثانوية...
..::||الفصل الثلاثون ||::..
"خمس سنوات مضت وما زالت هذه الغريبة تضايقني" كتبتها شيماء في مدونتها التي أعطاها إياها قيس بعد أن بلغت السابعة عشر، أغلقت الكراسة ورفعت رأسها متنهدة، كانت جالسة في أحد ممرات المدرسة الضيقة، وما إن خرجت منها وجدت سعاد أمامها...
سعاد: ماذا كنتِ تفعلين هنا؟
شيماء باستنكار وتعجب شديدين: وما دخلك أنت؟! فضول لم أرَ مثله...!!
سعاد: لأنه أمر غريب... تجلسين في مكان ضيق كهذا وحيدة!! أنتِ في حالة يرثى لها
شيماء: أنا مرتاحة هكذا...
أرادت شيماء المغادرة ولكن سعاد أمسكتها من يدها
سعاد: لماذا تتجاهلينني؟
شيماء: لم أتجاهلك أيتها الغبية، أظن أن حوارنا انتهى، سألتِني سؤالاً وأجبتك
سعاد: لم أنهي كلامي بعد...
تنهدت شيماء ورفعت عينيها للسماء: وماذا لديك أيضًا؟؟
سعاد: رأيتكِ البارحة تغادرين لوحدك من المدرسة بعد الدوام المدرسي
شيماء وبنظرات تعجب وقد رفعت أحد حاجبيها: ما هذا الفضول!!؟ أأنتِ ولية أمري؟!!
سعاد: ولكن تعلمين أن إدارة المدرسة لا تسمح بذلك...
شيماء: بما أن والدتي راضية، فما شأن إدارة المدرسة؟
سعاد: ولكن أليس من الغريب أن تخرجي قبلي وتصلي إلى المنزل بعدي وبفترة طويلة؟ إلى أين ذهبتِ؟
غضبت شيماء: أووووه... ما الذي تريدين الوصول إليه!؟ أتودين معرفة إلى أين ذهبت؟
سعاد: أجل... هذا ما أريده بالتحديد...
شيماء: لن أخبرك...
وأرادت المغادرة فأمسكتها سعاد من قميصها من الخلف من جهة العنق، فبعد أن سحبت القميص رأت سلسالاً...
غضبت شيماء والتفتت نحوها وصرخت في وجهها: ماذا تريدين!؟ اتركيني وشأني..!!
لم تقل سعاد شيئًا ولكنها واصلت التحديق في جهة العنق وتفكر: *ما سبب ارتدائها لقلادة إن لم تكن تظهرها؟!*
عندها غادرت شيماء ولم تتبعها سعاد. ولكن في الحصة الأخيرة، كانت معلمتهم متغيبة فجلسن الطالبات في الفصل يقضين وقتهن كما تشأن، فذهبت سعاد إلى شيماء وجلست بجوارها...
سعاد: مرحبًا...
شيماء: وماذا بعد؟
سعاد: كنت أتساءل اليوم...
ثم أخرجت السلسال من قميص شيماء وهي تقول: ما الهدف من ارتداء سلسـ...
ثم سكتت وهي تنظر إلى السكين فسحبتها شيماء من يدها وضمتها بكفيها
وقالت غاضبة: وما دخلك أنتِ؟
ثم خبأتها مرة أخرى...
سعاد وبتعجب: ماذا!! تحضرين معكِ سكينًا؟!
سكتت الطالبات فور سماعهن بذلك...
أكملت سعاد حديثها: ألا تعلمين أنه مخالف لقوانين المدرسة؟
شيماء: قلت لكِ هذا ليس من شأنكِ!!
سعاد: لا نعلم ما الذي تنوين فعله بهذه...!!
شيماء: اصمتي!! هذه معلقة في عنقي منذ أعوام كثيرة ولم أؤذي أحدًا بها قط... فلا تخاطبيني هكذا
أحد الطالبات: يا إلهي..!! هذا يعني أنكِ كنتِ تصطحبينها معك كل يوم إلى المدرسة؟!
غضبت شيماء ونهضت من مكانها قائلة: أففففف فضوليات!!؟
ثم حملت حقيبتها وخرجت من الفصل ولكن لحقت بها سعاد...
سعاد: لا يمكنك مغادرة المدرسة قبل انتهاء الدوام!!
وأثناء سيرها بسرعة اصطدمت بأحد الطاولات وكان بها مسمار، فشق قميصها وجرحت ذراعها، فصرخت ونظرت إلى موضع الجرح
سعاد وبغضب: تبًا!! لقد انشق قميصي...!!
أتتها إحدى صديقاتها وسألتها: أأنتِ بخير!؟
سعاد: إنه يحرقني...
فنظرت إليه صديقتها فزعة: يا إلهي...!! إنه ينزف بشدة!! تعالي معي إلى الممرضة...
أما شيماء فأرادت الخروج من بوابة المدرسة فأوقفها البواب...
البواب: لا يمكنك المغادرة قبل انتهاء الدوام...
شيماء: ولكننا لا نملك درسًا الأن!! ما هذا القانون التافه
البواب: إذًا فقولي هذا الكلام للمديرة...
شيماء: لا داعي لذلك...
تركت شيماء البوابة الرئيسية وذهبت إلى الساحة الخلفية، وقامت بتسلق الجدار ولو أنه كان صعبًا عليها قليلاً وهي ترتدي تلك الملابس، وما إن وصلت إلى أعلى السور أحست بالإحراج لوجود شاب واقف في الخارج...!! بدأ الشاب يحدق بها متعجبًا، ولكنها نزلت من أعلى السور من الجهة الخارجية دون أن تعره اهتمامًا
فضحك الشاب وقال: حتى أنتن يا طالبات الثانوية تملكن هذه الحركات!!؟ ظننت أن الشباب يفعلونها فقط
نظرت إليه بغضب وقالت: هذا ليس من شأنك
وأرادت المغادرة لكنه قال: انتظري يا فتاة، لماذا لا نذهب سويًا لقضاء وقتنا ما دمنا هاربين من مدرستينا؟
شيماء: أنا لست سافلة مثلك
ثم تبعها وقال: هيا... فقط نصف ساعة
أخرجت شيماء سكينها ووجهتها نحوه وقالت: أتريد أن تكون ثاني ضحية بهذه السكين؟!
ارتعب الشاب وعاد بخطوتين إلى الخلف فأغلقت شيماء السكين وذهبت نحو منزل قيس، دخلت المنزل وجلست على الأرض أمام قيس...
شيماء: لا أعرف ماذا أفعل يا قيس... لا أستطيع حمل سكيني في عنقي طوال الوقت بعد الذي حصل هذا اليوم... أنا آسفة، لم أكن عند حسن ظنك...
ثم تنهدت واستندت على الأريكة: ولكن لا أستطيع الخروج من دونها، فلو تعلم ماذا حدث لي اليوم...!! لولا السكين لكنت في ورطة كبيرة الآن...
ثم بدأت تنظر في وجه قيس وتحدثه: ليتني أعرف ماذا تفعل هناك؟ أظن أنك تشعر بالملل الآن، فبالتأكيد قمت بقراءة الكتاب أكمله طوال تلك السنين... يا ترى أتعلم أنني بجوارك الآن؟!...
جلست شيماء بجوار قيس طوال النهار وقامت بالاتصال بوالدتها عبر هاتفها النقال لتخبرها بأنها ستتأخر. كانت شيماء جالسة تفكر بنفسها وبقيس وبالأمور التي جرت بينهما وبمستقبلهما، ولم تشغل نفسها بأمور أخرى فلم تكن في مزاج للمذاكرة أو القيام بأي أمور أخرى...
حل الظلام واستيقظ قيس ولكنها لم تلاحظه عندما استيقظ هذه المرة، فلم تكن تراقبه، نظر قيس إلى شيماء فكانت جالسة تبكي، فنهض من مكانه وجلس مقابلاً لها...
قيس بابتسامة: لم أر هذه اللآلئ منذ زمن طويل، ولكنني لم أتمنى أن أراها مرة أخرى... أيمكنك إخباري عن سبب بكاءكِ؟ فأنا أعلم أنكِ قوية ولا تبكين على أي شيء
شيماء: سئمت من حياتي...
قيس: قلت لكِ من قبل... لا تيأسي من الحياة... ها أنا ما زلت أطمح في العيش والتمتع في ما بقي من عمري فلماذا لا تكوني مثلي؟
شيماء تمسح دموعها: لا تقارن نفسك بي، فأنت شجاع وصبور أما أنا فلا يوجد من أضعف مني
قيس: لا تقولي هذا فأنتِ أقوى فتاة رأيتها حتى الآن... يكفي بأنك لا تظهرين ضعفك أمام الناس، أليست هذه شجاعة... تعالي، لنعُد إلى المنزل سويًا...
شيماء: حسنًا...
وقف قيس وأمسك بيد شيماء ليعينها على الوقوف ثم غادرا المنزل سويًا وكانا يسيران وهما يمسكان ببعضمها ويتحدثان...
شيماء: لم أتخيل يومًا بأنني سأصبح أطول منك
قيس: ولكنني تخيلتك عجوزًا وأنا ما زلت في العمر نفسه
شيماء: هههههههههه كم أحبك عندما تمزح...
قيس: أعلم ذلك...
شيماء: أتعلم؟
قيس: ماذا؟
شيماء: علمت سعاد بأنني أحمل سكينًا معي إلى المدرسة... إن أخذتها معي غدًا فسوف يأخذونها مني
قيس: هل تظنين أنك تحتاجين إلى حملها معك إلى هناك؟
شيماء: أجل... كثيرًا...
قيس: إذًا ضعيها في جيبك فهي تعلم أنكِ تعلقينها في عنقك
شيماء: ألن يكتشفن الأمر؟
قيس: لا... لا أظن ذلك، فإدارة المدرسة أغبى من أن يفتشوا الفتاة بأكملها
شيماء: أنت على حق...
ثم وصلا إلى باب منزل شيماء...
قيس: سأغادر الآن
شيماء: لماذا؟ ادخل معي
قيس: سآتي إليك فور تنفيذي لبعض المهمات، لا تخافي فالمكان قريب ولن أتأخر...
شيماء: حسنًا، أنتظر عودتك، إلى اللقاء
قيس: سأعود حالاً...
..::||الفصل الحادي والثلاثون ||::..
دخلت شيماء المنزل مبتسمة بعد أن حسّن قيس مزاجها، ولكنها سرعان ما واجهت من عكّر مزاجها...!! أتت والدتها نحوها غاضبة وصفعتها، لم تدرك شيماء سببها وكادت أن تبكي...
شيماء بتعجب: *أمي تضربني!؟ سبعة عشر عامًا لم تمسني يومًا بسوء فلماذا تصفعني!!؟؟*
ثم نظرت شيماء إلى أمها بعينين مليئتين بالدموع وسألت بصوت متقطع: لماذا!؟
بثينة بصراخ وغضب: استطعت تقبل أي أمر منك... تأتين المنزل متأخرة، تشاغبين في المدرسة، تُدخلين مجرمًا منزلنا خفية، تخرجين وتصورين مجرمين أثناء شجارهم، ولكن تؤذين الغير هذا ما لن أسمح لك بفعله
شيماء بحيرة: عن ماذا تتحدثين؟
بثينة: اتصلت بي زوجة سلطان وأخبرتني بأنك قمتِ بخدش ابنتها سعاد بالسكين!! منذ متى وأنتِ تملكين سكينًا وتعلقينها في عنقك؟
شيماء: أقسم لكِ يا أمي لم أفعل لها مكروه!! إنها تكذب!!
بثينة: ولماذا تكذب...
ثم مدت والدتها يدها وقالت بغضب: أعطِني السكين
شيماء: مستحيل...
بثينة: إن لم تعطيني إياها فسآخذها رغمًا عنكِ
شيماء بدموع: لن أعطيكِ إياها
قامت والدتها بسحب السكين من شيماء وقُطعت السلسلة ثم غادرت والدتها وهي تحمل السكين بيدها، فجثت شيماء على الأرض تبكي وتنوح ثم حملت حقيبتها وخرجت من المنزل.
سمعت والدتها صوت إغلاق الباب فعندما نزلت لتبحث عن ابنتها لم تجدها في مكانها...
خرجت شيماء تجري تبحث عن قيس، وسرعان ما وجدته أمامها والدماء تغطيه من رأسه إلى قدميه، فوجدها تبكي بشدة فتعجب من الأمر...
فسألها: ما الذي حدث يا...
لم ينهي حديثه حتى قفزت شيماء بين ذراعيه وضمته وبدأت تبكي بشدة على كتفه وهو يحاول تهدئتها
قيس: اهدئي يا عزيزتي وأخبريني بما جرى...
لم تستطع شيماء الرد عليه فكانت الأحرف لا تخرج من شفتيها من شدة نواحها...
قيس: لنعُد إلى منزلكِ قد تهدئين و...
صرخت شيماء مقاطعة له: لا...
قيس: ماذا!؟
نهضت شيماء عنه وأمسكت بوجهها تخفي دموعها: لا أريد العودة إلى ذاك المكان...
قيس: ولكنه منزلك وقد حل الليل وعليك العودة للنوم...
شيماء: لنذهب إلى منزلك...
قيس: ولكن...
شيماء: إن لم تأتِ معي فسأذهب هناك لوحدي...
قيس: كما تشائين...
ذهبا سويًا إلى هناك وجلست شيماء على الأريكة، أما قيس فجلس على الأرض يقابلها... وبقيا على هذه الحالة تقريبًا ربع ساعة دون النطق بأي كلمة، فكان قيس ينتظر هدوء شيماء واسترخاءها...
وبعدما أحس أنها قد هدأت قليلاً قال: أخبريني بما جرى...
شيماء: أمي صفعتني وأخذت مني السكين...
قيس بتعجب: صفعتكِ!! ولماذا؟؟
نزلت دمعة من عين شيماء مرة أخرى وقالت: إنها سعاد الحقيرة... اتصلت والدتها بأمي وأخبرتها أنني قمت بخدش سعاد في ذراعها وأنا لم أفعل شيئًا كهذا...
عندها زاد بكاء شيماء وانحنت لتضع رأسها على ذراعيها ففخذيها وقالت: سئمت منها... لا أستطيع احتمالها أكثر... ليتها تموت أو تختفي من الدنيا!! إن رأيتها مرة أخرى فسوف أقتلها بكفَّي...
ثم تابعت شيماء البكاء وقيس ينظر إليها بأسى. بعدها نهض قيس من مكانه دون النطق بأي كلمة، ومشى متجهًا نحو المخرج، فرفعت شيماء رأسها ونظرت إليه وهو يغادر...
ثم سألته بعين تدمع: إلى أين أنت ذاهب؟
قيس: قلتُ لك من قبل، لا أريد أن أرى لآلئ عينيكِ مرة أخرى، سأذهب وأنهي الأمر
خرج قيس من المنزل وترك شيماء وحيدة على الأريكة والدموع تفيض من عينيها...
اتجه قيس مباشرة نحو منزل سلطان والد سعاد، واقتحم غرفتها. كانت الأنوار مضاءة وكانت سعاد جالسة على سريرها تقرأ قصة، نظر قيس إليها بطرف عينيه والغضب يملؤهما، ثم اتجه نحو باب الغرفة وأقفل الباب، التفتت سعاد عندما سمعت صوت الباب أثناء قفله فرأت المعلقات تتحرك، وضعت كتابها جانبًا ونهضت لتنظر ما الأمر، لكن قيس حمل المفتاح ورماه خارج المنزل عبر النافذة...
سعاد وبخوف: ما الذي حدث!!؟
ثم جرت بسرعة نحو الباب فلم تستطع فتحه، فبدأت تطرقه وتنادي، وإذا بقيس ينخفض من خلفها ويمسكها من كاحلها ويجرها فتسقط أرضًا، ثم سحبها بعيدًا عن الباب قليلاً وهي تصرخ وتستنجد خائفة ومتعجبة مما يحدث لها، تعالت خفقات قلبها حتى كاد قيس أن يسمعها، اتجه والدها ووالدتها وأختها الصغرى نحو باب الغرفة يحاولون فتحه...
سلطان: ما بك يا سعاد... افتحي الباب...!!
وإذا بسعاد تستنجد: أبي..!! هناك شبح في الغرفة!! لا أستطيع فتح الباب!!!
أخرج قيس سكينه الخفية وبدأ يخدش في ساقها كاتبًا لها (هذا من أجل شيماء)، كان الدم ينزف بشدة حينها لأن الخدوش كانت غزيرة وهي تصرخ متألمة...
فصرخت سعاد خائفة مما قرأته متوجعة وكانت في لحظة ندم: أنا آسفة..!! أنا آسفة يا شيـ...
وقبل أن تلفظ باسمها كاملاً قام قيس بطعنها في بطنها لكي لا يسمعها أقاربها بالخارج، سكتت قليلاً وهي لا تعلم ما الذي يجري لها... تسمع صوت والدتها وأختها تناديانها من خلف الباب تصرخان بخوف وفزع متعجبتان من سكوتها المفاجئ، ووالدها يحاول فتح الباب أو كسره، كانت سعاد فاتحة فاها لصعوبة التنفس، فأدخل قيس كفه اليسرى في فمها وسحب لسانها فهنا عادت بالصراخ وكانت تحاول الهرب أو الحراك ولكن قيس كان جالسًا على ساقيها فلم تستطع النهوض، ثم رفع يمينه حاملاً سكينه وقطع لسانها، بعدها نهض عنها، فوقفت بصعوبة وهي تنوح وتبكي وتتألم، كانت تسير بثقل وهي تمسك بطنها النازف متجهة نحو السرير، أخذت قلمًا محاولة كتابة شيء ما، لكن قيس أمسك بكفها وبدأ يكسر أصابعها واحدًا تلو الآخر، ثم انتقل إلى الكف الأخرى...
ما زالت أسرتها تحاول فتح الباب ولكن أمها ذهبت جريًا لإحضار المفتاح الاحتياطي، أما بالداخل فرأى قيس ساقها التي كتب عليها تلك العبارة، فجلس وسحبها معه وبدأ يقطع ساقها حتى فصلها، ثم بدأ ينظر إلى وجهها غاضبًا يحترق جوفه، فلم يشعر بالارتياح بعد، فجلس مرة أخرى بالقرب منها وبدأ يشوه وجهها بالسكين وهي لم تفارق الحياة بعد، ثم فقع عينها اليسرى وحمل الساق التي قطعها وغادر الغرفة من النافذة. كان قيس على علمٍ بأن عائلتها متجمعة لدى الباب فلم يخشَ من التجول في المنزل، فاتجه نحو المطبخ وأخرج مفرمة اللحم، قام بفرم ساقها ثم ترك المنزل دون تنظيفه...
أما أفراد عائلتها فقد اسطاعوا فتح القفل، وما إن فتح والدها الباب صرخ الجميع بفزع وهم يرون جثة ابنتهم مرمية على الأرض، لم تحتمل أختها المنظر فأغشي عليها، أما الوالد فسارع للاتصال بالإسعاف والشرطة، ولكن فات الأوان فقد ماتت بسبب النزيف الشديد...
عاد قيس إلى المنزل والدم يغطيه كاملاً، ورأى شيماء نائمة على الأريكة ودموعها جافة على خدها، ابتسم عندما رأها ثم جلس بجوارها...
قيس: هذه أول مرة أقتل بشرًا بملئ إرادتي... *ما زلت غير قادر على إخبارها بالحقيقة... أظن أن الوقت لم يحن حتى الآن*
جلس يفكر قليلاً بمصير شيماء غدًا عندما تذهب إلى المدرسة فقد تكون أول المشتبه بهم، ثم وجد حلاً وحيدًا يستطيع به تبرئتها. خرج من المنزل وذهب إلى منزل شيماء، دخله ووجد والدتها ما زالت مستيقظة وكانت تبكي، بدأ ينظر إليها بجفاف ولكنه لم يفعل بها شيء واتجه نحو غرفة والدتها يبحث عن اسم العيادة التي تذهب إليها شيماء، ولكنه لم يجد شيئًا فذهب إلى غرفة شيماء يتابع البحث، وهناك وجد أوراق المواعيد، فنظر إلى العنوان ثم غادر المكان متجهًا إلى العيادة، دخلها دون أية مشاكل واجهته أثناء ذلك، ووجد هناك دفترًا وقلمًا على المكتب فأخذ القلم وورقة من الدفتر وكتب فيها رسالة إلى الطبيب، وعلق الورقة على باب غرفته ثم خرج من المكان.
sensei
26-08-2009, 03:26 AM
..::||الفصل الثاني والثلاثون ||::..
في منزل قيس، اقترب قيس من شيماء وأيقظها من النوم قبيل الفجر...
قيس وهو يهز كتفها: شيماء استيقظي...
فتحت شيماء عينيها وسألت بتعب: ماذا هناك؟
قيس: عليكِ العودة إلى منزلك لتأخذي حمامًا، فملابسك ملطخة بالدماء...
جلست شيماء في مكانها وبدأت تفرك عينها: لا أستطيع، لا أريد رؤية والدتي
قيس: ذهبت إليها فكانت تبكي، إنها قلقة عليكِ...
شيماء: دعها... لماذا تصفعني وتكذبني وتصدق تلك الحقيرة
قيس: ولكن عليكِ الذهاب باكرًا إلى المدرسة...
شيماء: لن أذهب
قيس: قد تقعين في المشاكل إن لم تذهبي غدًا، فقد يشكون بكِ أنكِ قاتلة سعاد
هنا توسعت عينا شيماء من الصدمة وقالت: قتلتها؟!!
قيس: لم يكن هناك خيارًا آخرًا
شيماء بارتباك: ولكنك...!! ولكنك لا تقتل سوى المجرمين!!؟
قيس: كنت صابرًا على ما تفعله لكونها مراهقة ولكنها كبرت، وكلما مرت الأيام تمادت أكثر، هي لا تستحق العيش فهي بنظري مجرمة وقد قتلت من هو أهون منها، ماذا قررتِ؟ ألن تعودي لتأخذي حمامًا؟
أنزلت شيماء من رأسها ونزلت دمعة من عينها فتعجب قيس
قيس: لماذا تبكين؟
شيماء: أشكرك... عرفت الآن أنك ستدافع عني حقًا مهما كانت الضروف
ابتسم لها قيس ومسح دمعتها ثم مد يده لها وقال: ألن نذهب الآن؟
ابتسمت شيماء وأمسكت بيده وقالت: حسنًا ولكن بتسلل...
قيس: كما تشائين...
اتجها سويًا نحو المنزل ولكن كان هناك عائقًا في الطريق... كانت سيارات الشرطة والإسعاف تملأ المكان فكان من الصعب المرور دون ملاحظتهما، وكانت والدة شيماء خارج المنزل لترى ما الذي جرى، فانتهزا الفرصة ودخلا من الباب الخلفي واتجها مباشرة نحو غرفتها وأقفلت شيماء الباب بعد دخولها، قام قيس بفسخ ثوبه وغسل وجهه ويديه أما شيماء فدخلت الحمام واستحمت بسرعة ثم خرجت وصلت فقد أذن الفجر أثناء استحمامها وارتدت الزي المدرسي... ثم فتحت الباب لكي لا تعلم والدتها بأنها أتت إلى المنزل ثم خرجا عبر النافذة بعد أن عم الهدوء بالخارج وغادرت سيارات الشرطة.
ذهبا إلى ذلك المنزل المهجور ودخلت شيماء إلى أحد غرف النوم...
شيماء: إذا نمت هنا فسوف أكون متسخة بالغبار بعد شروق الشمس... فالمكان في الحقيقة ليس نظيفًا ولكن نحن من نراه هكذا...
قيس: إذًا كيف ستنامين؟
شيماء: لِمَ أنام؟ لا داعي لذلك... فلم يبقَ سوى ساعات قليلة ويبدأ الدوام...
قيس: كما تشائين...
وفور إنهاء قيس ما قاله سقط قيس نائمًا، فالشمس أوشكت على الشروق فبدأت تحدق به شيماء إلى أن اختفى...
عند الصباح، ذهبت شيماء إلى المدرسة بمزاج جيد ولو أنها كانت تخفي ذلك، وعند وصولها لدى باب الفصل سمعت صوت بكاء الطالبات فتنهدت قبل دخولها ثم أمسكت المقبض ودخلت، وفور دخولها بدأ الأغلبية ينظر إليها بغضب وحقد...
فعبست في وجوههن وقالت بغضب: لماذا تنظرن إلي هكذا؟
أحد الطالبات وهي تبكي: أنتِ من قتلتها أليس كذلك؟
فتاة أخرى: نعلم أنكِ كنتِ صديقة ذلك السفاح وربما ما زلتِ كذلك، أنت من أرسله بالتأكيد
شيماء: إن كانت قد قُتلت من قِبل قيس فإنها تستحق ذلك، وهناك أمر آخر قيس لا يأخذ الأوامر من أحد فهو يفعل ما يريده
فصرخت أحد الطالبات: كيف لكِ أن تقولي ذلك وزميلتك هي الضحية!؟
شيماء: زميلتي هي المقتولة وصديقي هو القاتل، وأنا أأيد الأقرب إلي والأقرب إلى الصواب
قطع حديثهن معلمتهن عندما دخلت الفصل وكانت تمسح دموعها حينها: اجلسن في أماكنكن، وادعين لصديقتكن فهو أفضل من البكاء، فالبكاء لن يعيدها إلى الحياة...
اعترضت إحدى الطالبات قائلة: كيف لنا أن نهدأ وقاتلتها جالسة بيننا
قالت المعلمة: لا تتهمي زميلتك..!! لا يمكن لسوء التفاهم البسيط يتحول إلى قتل، فقد تكون شيماء بذاتها نادمة على ما كان يجري بينهما قبل وفاتها...!!
شيماء وببرود شديد: لست نادمة...
نظر إليها الجميع بغضب وتعجبت المعلمة من ردها وقالت: لا تقولي هذا..!!
شيماء: ولكنها الحقيقة... إن لم تُقتل فسأكون أنا من يقتلها
المعلمة: شيماء!! كفي عن هذا الهراء!!
شيماء: إنها الحقيقة...
طرق باب الفصل ودخلت أحد العاملات وقالت: تغطين، فالشرطة هنا لاستجواب الطالبات في الجريمة...
المعلمة: ولماذا أتوا رجالاً وليس نساء؟
العاملة: لأن المحقق ذاته الذي يتابع هذه السلسلة من الجرائم أتى بنفسه...
وفي مكان آخر... دخل الطبيب أحمد العيادة عند الساعة السابعة والربع صباحًا وعندما أراد دخول غرفته وجد الورقة التي كتبها قيس ملصقة على الباب وكانت متسخة قليلاً بدماء سعاد والمجرم الذي قتله قبلها، فنزعها ودخل وهو يقرؤها...
(إلى أبي يوسف... قد تواجه شيماء غدًا بعض المشاكل مع رجال الشرطة لأنني قتلت أحد زميلاتها والتي كانت سببًا في أن جعلت شيماء تعيش في جحيم... شيماء لا تعلم بالأمر حتى الآن ولكنها ستكتشف عاجلاً أم آجلاً فهي جارتها... لا أريد أن تتدخل والدتها في الأمر فهي لا تحسن التصرف وليست مؤهلة لحمل المسؤولية، وغير هذا فشيماء تشاجرت مع والدتها وباتت خارج المنزل... فأرجو منك الذهاب إلى المدرسة غدًا إن كانت الشرطة قد ذهبت إلى هناك حقًا وإلا ستقع شيماء في ورطة كبيرة... سأدع الأمور عليك فأنا أثق بك...) وفي نهاية الورقة قام بوضع رقم هاتف المدرسة...
تعجب الطبيب مما فعله قيس ولكنه لم يفكر لماذا قام باختياره هو بالذات أو لماذا قام بفعل هذا الأمر، فكل ما كان يفكر به في تلك اللحظة هي شيماء، فرمى حقيبته على الكرسي وأمسك بالهاتف واتصل بالمدرسة ونبضات قلبه تتسابق...
كانت المديرة في المكتب حينها وكانت على وشك الخروج لتذهب إلى فصل شيماء وتعلم بما يجرى هناك، ولكن رن الهاتف قبل خروجها فأجابت عليه...
المديرة: السلام عليكم
أحمد وبفزع: أأنتِ مديرة المدرسة!!
المديرة: أجل، ومن تكون؟
أحمد: أنا طبيب شيماء النفسي، أحد زميلات القتيلة، أريد الاستفسار هل أتت الشرطة إلى المدرسة؟
المديرة: أجل... وهم يحققون مع الطالبات الآن
أحمد: يا إلهي...!! سيدتي علي المجيء إلى المدرسة حالاً فقد تقع شيماء في ورطة
المديرة: لا يمكنني السماح لأي أحد بالتدخل في هذا الشأن...
أحمد: ولكنني أملك دليلاً من القاتل
المديرة: ماذا!!؟
أحمد: أتوسل إليكِ... دعيني آتي إلى المدرسة وأقابل رجال التحقيق
المديرة: حسنًا... سأخبر البواب بذلك، ولكن ما اسمك يا دكتور؟
أحمد: أحمد إسماعيل... ولكن مهما جرى لا تتصلي بوالدتها وتخبريها بما جرى
المديرة: حسنًا... سأتصل بالبواب الآن... وداعًا
أحمد: مع السلامه
أغلق أحمد الهاتف وحمل معه الورقة وخرج فورًا من غرفته فرآه موظف الاستقبال
فسأله: إلى أين أنت ذاهب يا دكتور؟
أحمد: لدي عمل مهم... قم بإغلاق العيادة إلى أن أعود...
ركب أحمد سيارته واتجه نحو المدرسة بسرعة، أما شيماء فكانت في فصلها ورجال التحقيق قد بدؤوا الاستجواب والسؤال عن سعاد، فكما يعلمون فإن قيس لا يطارد سوى المجرمين، ولكن أغلب الطالبات كن يقفن ضد شيماء ويلومونها بموت سعاد...
إحدى الطالبات: أيها المحقق شيماء كانت على عراك دائم بسعاد وقد قالت لها من قبل "لو أتى يوم وفاتك سأكون أنا السبب في ذلك"، أليس هذا دليل كافٍ بأنها متفقة مع المجرم؟
فتاة أخرى: أجل، وإضافة إلى هذا فشيماء كانت على علاقة حميمة بالمجرم وتعرفه جيدًا وتعرف اسمه أيضًا...
طالبة أخرى: وكانت شيماء تحمل سكينًا أيضًا وسعاد هي من اكتشف هذا ولذلك قامت شيماء بقتلها...
كانت شيماء جالسة دون الدفاع عن نفسها ولم تخف أو تظهر ملامح الخوف على وجهها فكل ما كانت تقوله في نفسها *قيس سيحميني مهما حدث ولن يُقبِل على فعل شيء حتى يتأكد بأنه لن يصيبني مكروه*
المحقق: شيماء... هل أنتِ على علاقة حقًا بالمجرم؟
شيماء: كنت، والجميع يعلم بأنه انقطع عني
المحقق: ولماذا انقطع عنكِ؟
شيماء: لأن والدتي اكتشفت الأمر...
المحقق: متى أول مرة قابلتِه؟ وهل عرفتِ حينها بأنه سفاحًا؟
شيماء وبغضب: قبل الإجابة على أسئلتك أريدك أن تحترم قيس كرجل يريد تطهير دولته ولا تناديه بالسفاح أو المجرم وناده باسمه فهو يدعى قيس وأنتم تعلمون بذلك فقد أخبرت الشرطة من قبل
المعلمة: شيماء تحدثي باحترام
المحقق: لا بأس... إذًا أخبريني متى تقابلتي بقيس، وهل كنتِ تدركين بأنه يقتل؟
شيماء: كنت في الرابعة من عمري وأخبرني في أول لقاء بيننا بأنه يقتل المجرمين...
المحقق: لم تخافي منه؟
شيماء: لا، أبدًا
عند البوابة، وصل أحمد إلى المدرسة وأراد الدخول...
البواب: لا يمكنك الدخول...
أحمد: أنا الطبيب أحمد إسماعيل، قمت بالتحدث مع المديرة للتو
البواب: أرني بطاقتك الشخصية
أخرج أحمد البطاقة فأخذه البواب إلى الفصل ثم عاد إلى غرفته. دخل أحمد الفصل بعجلة...
أحمد: معذرةً
المديرة: أأنت...
أحمد: أجل
شيماء: أحمد!! ما الذي أتى بك إلى هنا؟؟!!
..::||الفصل الثالث والثلاثون ||::..
نظر المحقق إلى أحمد وسأله: أأنت ولي أمرها؟
أجابه أحمد: لا، أنا طبيبها النفسي
المحقق: طبيب نفسي؟
ثم نظر إلى شيماء وقال: لماذا لم تخبرينا بأنك تراجعين طبيبًا نفسيًا؟
شيماء: لم تسألوني كي أجيبكم
بدأ المحقق الحديث مع أحمد: وما هي مشكلة شيماء النفسية؟ أيمكن أن يكون لها علاقة بالقتل أو أن حالتها قد تؤدي إلى فعل أمر كهذا؟
أحمد بارتباك: لا... في الحقيقة هي لا تعاني من شيء يذكر، فقط عندها بعض النظرات السلبية
المحقق: ولماذا تتعالج عندك إذًا؟
أحمد: في الحقيقة كان سبب مجيئها العيادة هو أنها كانت ترسم صورًا دموية وهي في الخامسة من العمر، خشية أنها قد تأثرت بالتلفاز أو تأتيها الكوابيس، ولكن كان السبب بأن القاتل هو الذي يزرع فيها هذه الأفكار...
المحقق: إذًا فكنت تعلم بأنها تقابل القاتل ولم تخبرنا بالأمر
أحمد: في الحقيقة أخذ منا وقتًا طويلاً حتى علمنا عنه، في البداية ظنناه رجلاً من خيالها ولكن عندما علمنا بالأمر...
قاطعته شيماء: عندما علما الطبيب وأمي بالأمر طلبت من قيس عدم المجيء إلي مرة أخرى حفاظًا على حياته
أحمد: *شيماء!! ها أنت تكذبين مرة أخرى... ولكن هذا أفضل، فالشرطة لن تصدق ما سأقوله إن أخبرتهم بالحقيقة*
المحقق: حسنًا، وكيف علمت بما جرى وأتيت إلى هنا؟
شيماء: هذا صحيح... فمن المفترض أن تتصل الإدارة بوالدتي وهي لا تملك رقمك
أحمد: قيس هو من أمرني بذلك
شيماء والشرطة: ماذا!!!؟
المحقق: هل قابلته!!؟
شيماء: لا هذا مستحيل!؟
أحمد: لم أقابله ولكن فوجئت صباح اليوم عندما ذهبت إلى العمل بوجود رسالة علقت على الباب وكانت من قيس...
شيماء: لا يمكن هذا؟! ولماذا ذهب إليك؟
المحقق: أهذه أول مرة يأتي بها قيس إليك؟
أحمد: أجل بالتأكيد... فأنا لا أعرف عنه سوى ما يكتب في الصحف وما أسمعه من شيماء
المحقق: هل أتيت بالرسالة؟
أحمد: أجل...
أخرج أحمد الورقة وقدمها للمحقق، قرأ المحقق ما تحويه الورقة ثم أعطاها لأحد رجال الشرطة ليتحقق من صاحب الدماء الموجودة على الورقة...
بعدها نظر إلى شيماء وسألها: أين بتِّ ليلة البارحة؟
شيماء: يوجد في الحي منزل مهجور فقضيت ليلتي هناك
المحقق: وكيف عرف قيس بذلك إن كان قد انقطع عنك حقًا؟
شيماء: أظن أن قيس ما زال يتربصني، فقد كان يراقبني منذ أن ولدت وهو يعرفني أكثر من والدتي، فمن الصعب عليه تركي
المحقق: وما الهدف من تربصه لكِ أنتِ بالذات؟
شيماء: لأنني محظوظة
المحقق: هذا ليس بجواب مقنع
شيماء: إن أمسكتم به اسأله إذًا...
سكت المحقق قليلاً ثم قال: أتينا هنا لمعرفة الضحية كيف كانت قبل وفاتها لأننا نعلم أن قيس لا يقتل سوى المجرمين
قالت أحد الفتيات: لم نسمع عنها يومًا أي سوء
شيماء: كانت طويلة اللسان لا غير...
المحقق: أتعتقدين أن هذا سبب قتله لها؟
شيماء: ربما... ولكن ربما فعلت شيئًا ما وقيس فقط يعلم عنه
المحقق: حسنًا... أود أن أسألك ما سبب الشجار الذي دار بينك وبين والدتك؟ أكانت الضحية أو قيس لهما علاقة بالأمر؟
شيماء: أجل، كانت سعاد هي السبب، كذبت على والدتي وأخبرتها بأنني قمت بجرحها بالسكين، فأتت والدتي وأخذت مني سكيني فغضبت وخرجت من المنزل
المحقق: سكين!؟ ولماذا تملكين سكينًا؟
شيماء: كانت هدية من قيس، أعطاني إيها في يوم ميلادي الخامس
أحمد: ماذا!! تملكينها منذ أن كنتِ في الخامسة؟
وفجأة تذكر أول لقاء بينه وبين شيماء عندما كانت طفلة، وكان سببه الرسمة التي رسمتها للسكين باللون الأحمر
فقال لها: أهي نفسها السكين التي قمتِ برسمها عندما كنتِ في الخامسة؟
شيماء: أجل
المحقق: قامت برسمها؟
أحمد: أجل... أول مرة أتت بها والدتها إلي كان بسبب رسمها لسكين كأفضل شيء لديها ولكنها لم تخبرنا سبب حبها للسكين وقالت بأنه سر حينها...
المحقق: ولماذا أعطاكِ السكين؟
شيماء: فقط كهدية...
المحقق: وفيمَ استخدمتها؟
شيماء: حتى الآن لم أستخدمها في شيء يذكر
المحقق: حتى الآن؟
شيماء: لم أعني شيئًا...
المحقق: حسنًا... سنتوقف هنا ولكن اعلمي أنكِ ستكونين تحت المراقبة فقيس قد يتواجد حولك أي وقت...
ثم فتحوا الباب للخروج، هو والشرطة والطبيب..
ولكن شيماء قالت شيئًا لفت انتباههم: أليس من الغريب...
توقف رجال الشرطة والطبيب ينظرون إليها فتابعت حديثها...
شيماء: ...أنكم تعرفون كل شيء عنه، اسمه وصفاته منذ عامين، ولم تجدوه حتى الآن؟ وأليس من الغريب بأن يكون هناك رجل قد قتل أكثر من ألف رجل ولم يترك يوماً دليلاً في ساحة الجريمة؟
المحقق: ما الذي تريدين الوصول إليه؟
شيماء: أتساءل فقط، يبدو أن قيس يستحال الإمساك به، ولكن ها هي بصماته طبعت بالدم فهل ستستطيعون الإمساك به الآن؟
المحقق: سنرى
نظر أحمد قبل خروجه إلى شيماء بغضب ثم قال لها: لا تنسي موعد اليوم الساعة الثالثة عصرًا
ابتسمت له شيماء وقالت: بالتأكيد *ها هو يحدد موعدًا جديدًا في وقت راحته، يبدو أنه يريد أن يتحدث فيما جرى البارحة...*
بعدها قضت شيماء يوم دراسي مليء بحصص الفراغ وقد صارحتها الكثير من الفتيات بأمور لم تكن تعرف عنها، فسعاد لم تكن كذلك مع شيماء وحسب بل كانت تضايق كل فتاة لا تدخل قلبها إن كان بسبب أو بدون، فوفاة سعاد لم يكن لصالح شيماء فقط بل لصالح الكثير من الفتيات أو ربما لبعض أقارب سعاد بعينها أيضًا...
انتهى الدوام المدرسي واتجهت فورًا إلى عيادة الطبيب بنفسها وانتظرت دورها هناك، فلم ترغب في العودة إلى المنزل بعد... وعند الساعة الثالثة والربع دخلت عليه...
شيماء بابتسامة: السلام عليك
أحمد وبغضب: وعليك السلام
جلست شيماء على الكرسي وقالت: تبدو غاضبًا اليوم؟ وفي موعد مفاجئًا أيضًا...
أحمد: كيف لك أن تكوني بمزاج جيد وزميلتك قتلت البارحة؟
شيماء: ولهذا أنا في مزاج جيد، وأيضًا أنا حذرتها من قبل وقلت لها بأن تبتعد عن طريقي ولكنها أبت
أحمد: أأنت من أمر قيس بقتلها؟
شيماء: قيس لا يأخذ الأوامر من أحد وهو يفعل ما يراه صوابًا...
أحمد: ولماذا قتلها؟ ماذا فعلت لكِ؟
شيماء: إنها تضايقني منذ خمس سنوات واحتملناها أنا وقيس طوال تلك السنين، ولكنها هذه المرة تمادت فقتلها قيس ولم يستطع كتمان غضبه أكثر
أحمد وقد خف غضبه: وماذا فعلت هذه المرة؟
شيماء: البارحة عندما كنا في المدرسة رأت سعاد السكين المعلقة على عنقي وتعمدت في الصراخ قائلة "أتأتين بسكين إلى المدرسة" ليسمعها كل من في الفصل، عندها خرجتُ دون مبالاة بما قالته، وعند المساء تقابلت مع قيس خارج المنزل وعندها كنت قد سئمت من حياتي ومن مضايقاتها لي ولكنه خفف الهم عني. لكن عندما عدت إلى المنزل استقبلتني والدتي بصفعة!! أتعلم ما معنى هذا؟! بلغت السابعة عشر ووالدتي تصفعني كالطفلة!! ولو أنني اعتدت على ذلك لكان أهون علي ولكن أمي لم تضربني ولو لمرة في حياتها وصفعتني هذه المرة لأن سعاد كذبت على والدتها وقالت بأنني خدشتها بالسكين، فوالدتها شكت لوالدتي فأخذت مني السكين... إثني عشرة سنة والسكين معلقة في عنقي حتى أصبحت جزء مني، وعندما نزعتها أمي كأنها نزعت قلبي... عندها خرجت من المنزل أبحث عن قيس ولكن لحسن حظي كان قيس في طريقه إلي فوجدته بسرعة... لم أشأ أن أعود إلى المنزل فذهبت إلى المنزل المهجور وجلست معه هناك وقلت له ما حدث، حينها قرر قيس قتلها وخرج وتركني هناك، ثم أتى قبيل الفجر وأيقظني وأخبرني بأنه قتلها ولكنه لم يخبرني بأنه كتب لك رسالة يخبرك بما جرى!!
أحمد: وما هي ردة فعل والدتك عندما عدتِ إلى المنزل؟
شيماء: لم أعد إلى هناك بعد...
أحمد: ماذا!! عليك العودة إلى منزلك فور خروجك من هنا، والدتك قلقة عليكِ بالتأكيد
شيماء: لماذا تصفعني؟ لماذا تكذبني وتصدق تلك السافلة؟
أحمد: مهما حدث فهي والدتك وعليكِ العودة إلى المنزل
شيماء: .....
أحمد: حسنًا، لنعد إلى موضوعنا... ولماذا أعطاكِ قيس سكينًا؟
شيماء: قال بأنني قد أستخدمها يومًا في الدفاع عن نفسي، وكان كلامه صحيحًا
أحمد: كلامه صحيحًا!!؟ وفيم استخدمتِها؟!
شيماء: أتذكر عندما كنت في الخامسة أتيت يومًا إليك وكانت أمي قد شكت لك بأنني كنت مبللة الشعر فأخبرتكما بأن قيس حممني لأنني اتسخت عندما جلست بالقرب منه
أحمد: أجل... أذكر شيئًا كهذا...
شيماء: لم تكن هذه الحقيقة
أحمد بتعجب: شعرت حينها أن جزءً كان مفقودًا
شيماء: سأخبرك ولكن لا أريد أن تعلم والدتي بالأمر...
أحمد: حسنًا، أنا لا أخبر والدتك فيما يجري بيننا من حوار فلا دخل لها بالموضوع...
شيماء: هذا الجيد... في الحقيقة في تلك الليلة خرجت مع قيس لقتل أحد المجرمين... أردت فقط رؤيته أثناء قتله للمجرمين ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان...
قصت شيماء ما حدث بالتفصيل وكيف كانت ردة فعل قيس عندما حدث لها ذلك... لم يصدق أحمد ما قالته كانت كالصاعقة نزلت عليه
ولكنها تابعت حديثها قائلة: وليس هذا فقط
أحمد بتعجب وخوف: وماذا أيضًا؟!
شيماء: البارحة عندما رأت سعاد السكين خشيت أن تشتكي لدى إدارة المدرسة ويأخذن السكين مني فهربت من المدرسة، ورآني أحد شباب الحي وبدأ يضايقني، فأخرجت السكين وهددته قائلة "أتريد أن تكون ثاني ضحية بهذه السكين؟" فابتعد عني وسلمت منه
أحمد: .........
شيماء: ولكن البارحة عندما قتل قيس سعاد رأيت فيه ما لم أعلمه من قبل...
أحمد: وماذا رأيتِ؟
شيماء: علمت حينها أن قيس أكثر الناس حبًا وخوفًا علي وعندها زاد حبي له...
أحمد: ولكنه بفعلته هذه أصبح في نظر الجميع رجلاً سافكًا للدماء لا يعرف الرحمة، قتل فتاة بريئة لا ذنب لها...
شيماء: إنها بريئة في نظرك، من يرى أن قيس على صواب فلن يتغير رأيه لقتله سعاد ولكن هذه نظرتك أنت نحوه وليست نظرة الآخرين
أحمد: والمنزل المهجور... أهو المنزل الذي يستيقظ فيه قيس؟
شيماء: إن أجبت بنعم أو لا في كلتا الحالتين قد أكون صادقة أو كاذبة فيفضل عدم الجواب على هذا السؤال...
أحمد: بما أن هذا هو ردك فالمنزل هو نفسه ذلك المنزل
شيماء: وربما أقول لك هذا لتظن هذا الظن... أنا لست غبية وأعرف ما أقوله
أحمد: حسنًا شيماء... عودي الآن إلى منزلكِ
شيماء: لا أريد...
أحمد: قلتُ لكِ عودي إلى المنزل وإلا جعلتكِ تجلسين هنا رغمًا عنك وأتصل بوالدتك لاصطحابك
تنهدت شيماء ثم قالت: حسنًا حسنًا، لا أحب أن أُعامل كالطفلة... في النهاية سأعود إلى ذلك الجحيم
خرجت شيماء وأوقفت سيارة أجرة وعادت إلى منزلها، ما إن دخلت المنزل جاءت والدتها تجري نحوها وضمتها
بثينة: أين كنتِ يا حبيبتي؟
شيماء: آلآن أصبحت حبيبتك؟
بثينة: ما هذا القول؟ لم أنم منذ البارحة من شدة خوفي عليكِ، تعلمين فقد توفيت سعاد البارحة و...
قاطعتها شيماء: وظننتِ أنني أنا من قتلها
بثينة: ....
شيماء: أعيدي إلي السكين
بثينة: لن أعيدها
شيماء: حسنًا افعلي ما تشائين ولكن اعلمي أن السكين ستعود إلي يومًا ما
ثم تركت والدتها وعادت إلى غرفتها لتسترخي بعد ذلك اليوم الشاق...
..::||الفصل الرابع والثلاثون ||::..
عندما أتى الليل، أتى قيس كعادته لها وبدآ يتحدثان، أخبرته شيماء بما جرى لها في المدرسة وبأن الشرطة ستراقبها للقبض على قيس...
قيس: وما زال لديهم الأمل في القبض علي...
شيماء: مساكين... هل نخبرهم بالحقيقة؟
قيس: لا أمانع ولكن هل سيصدقونك؟
شيماء: وهذه هي المشكلة، فكثرة تحقيقهم ووجودهم حولي يضايقني
سكتا قليلاً ثم نظرت شيماء إليه سائلة: قيس... متى آخر مرة بكيت فيها؟
قيس: اممممم... عندما كنتِ على وشك قتل ذلك الرجل لمّا كنتِ في الخامسة، كدت أن أبكي عليكِ عندما لم تجيبيني في أول الأمر ولكنني لم أبكِ حينها...
شيماء: لا... أعني متى بكيت ونزلت دموعك؟
قيس: عندما قتلت سادس مجرم...
شيماء: ولماذا؟
قيس: كنت في بادئ الأمر أبكي بعد قتلي لكل شخص، ولكن اعتدت على الأمر بعدها
شيماء: إن كنت لا تقدر على القتل آن ذاك فلماذا أتيت بفكرة قتل المجرمين؟
قيس: ....لا يهم الآن... الأهم هو أن المجرمون بدؤوا يختفون شيئًا فشيئًا
شيماء: هذا صحيح...
وفي اليوم التالي أثناء فسحة المدرسة، كانت تمشي شيماء بمفردها وذهنها مشغول في أمور بعيدة، فاصطدمت بفتاة جميلة كانت تسير وحدها هي الأخرى وانسكب عصير الفتاة على قميص شيماء...
الفتاة: أنا آسفة... لم أقصد هذا
شيماء: لا بأس فأنا من اصطدم بك...
ثم نظرت شيماء إلى قميصها وقالت: يا إلهي لقد اتسخ كثيرًا...!! ماذا سأفعل الآن؟
الفتاة: لا بأس... اليوم لدينا حصة للرياضة في آخر الدوام سأعيرك قميصي الرياضي...
شيماء: وماذا عنكِ؟
الفتاة: سأرتدي القميص نفسه وسأبدل التنورة إلى البنطال فقط...
شيماء: شكرًا لك...
ذهبت الفتاة إلى فصلها وأخرجت قميصها من الحقيبة وأعطته لشيماء، فذهبت شيماء إلى دورة المياه لتبدل ثيابها وبقيت الفتاة في الخارج تنتظر خروجها، وعندما خرجت شيماء...
شيماء: شكرًا لكِ... سأعيده غدًا، ما اسمكِ؟
الفتاة: سمية...
شيماء: حسنًا سمية... سآتي إلى فصلك غدًا
أرادت شيماء المغادرة ولكن نادتها سمية: انتظري شيماء...
التفتت شيماء متعجبة: أتعرفين اسمي أنتِ أيضًا؟
سمية بارتباك: أ...أجل... في الحقيقة، أردت التحدث معكِ في موضوع...
شيماء: لا بأس، على الرغم من أنني أعرف الموضوع الذي ستتحدثين فيه
ثم جلستا على أحد مقاعد الساحة وبدأ حوارهما...
سمية: سمعت بأنكِ كنت تكرهين سعاد...
شيماء: أجل، لدرجة أن الطالبات يظنون بأنني أنا من قتلها
سمية: كانت سعاد هي صديقتي الوحيدة
شيماء: صديقتك؟
سمية: أجل، ولكن... على الرغم من أنها الوحيدة إلاّ أنني تحسرت عند مصادقتها
شيماء: ولماذا؟
سمية: بسببها كنت على وشك الانحراف... كانت دائمًا تلح علي بالتحدث مع شباب تعرفهم ولكنني كنت أرفض وانكر فعلها
شيماء بتعجب: هل أنت جادة!! سعاد كانت تعرف شبابًا!؟
سمية: أجل... لكن بدأت بمحادثتهم
شيماء: ولماذا!؟
سمية: لأنها كانت تهددني بنشر صوري لديهم... فقلت الحديث معهم على الهاتف أخف علي من أن تصل صوري إليهم فقد أعطيتها بعضهم بعد أن تصادقنا قبل أن أعرف حقيقتها... ولكن البارحة عندما سمعت بوفاتها قمت بإلغاء رقم هاتفي لكي لا يستطيع الرجال الاتصال بي...
شيماء: ولم يأمرونك بالخروج معهم يومًا؟
سمية: بلى ولكن كنت أتعذر في كل مرة، كقولي بأن والداي في المنزل أو أنني لا أملك من يوصلني وغيرها من الأعذار لأتهرب منهم...
تنهدت شيماء ثم قالت: حمدًا لله...
سمية: ولكن مع هذا بكيت عندما سمعت بخبر وفاتها...
شيماء بتعجب: لماذا!!؟
سمية: سعدت بأنني تخلصت من هذه المشكلة ولكن لم أتمنَ موتها!؟ ولكنه الحل الوحيد للتخلص من هذه المشكلة...
شيماء: في الحقيقة أنا بكيت أيضًا عند وفاتها
سمية: حقًا؟
شيماء: أجل... ولكن ليس حزنًا عليها بل كانت دموع فرح وشكر للقاتل
سمية: أنتِ غريبة... كيف لكِ أن تفرحي وشخص قد قتل!؟ حتى وإن كانت قد آذتك!!
شيماء: هذه طبيعتي...
سمية: شيماء، سمعت بأنكِ كنتِ تعرفين القاتل
شيماء: أجل...
سمية: هل أنت من طلب منه قتل سعاد؟
شيماء: بالتأكيد لا، في الحقيقة كنت أفكر أن أقتلها بنفسي
سمية: هل أنتِ جادة!؟
شيماء: عزمت على نفسي بأنها إن ضايقتني مرة أخرى فسوف أقتلها...
سمية: ولكن لحسن حظك أنه قتلها قبل أن تقتليها أنتِ... يدعى قيس أليس كذلك؟
شيماء: أجل...
سمية: اسم غريب ونادر... هل ما زلت تقابلينه أم انقطع عنك؟ سمعت بأنه قد تركك ولكن هل ترينه مصادفة بين الحين والآخر؟ لأنني أشعر بأنه حولك دائمًا...
شيماء: لا
سمية: للأسف...
ثم دق جرس المدرسة فنهضت من مكانها ونظرت إلى شيماء مبتسمة وقالت: حسنًا... آسفة لأخذ وقتك كله، أنا عائدة إلى الفصل، إن رأيتِ قيس مرة أخرى أرجو أن ترسلي له شكري وتحياتي على الرغم من أنني لا أأيد القتل مهما كان السبب... إلى اللقاء
شيماء بابتسامة: وداعًا... *أظن أن ضمير قيس قد يرتاح قليلاً إذا قصصت عليه قصة هذه الفتاة... ها هي فتاة أخرى تشكر قيس لإنقاذ حياتها... إن هذه الدنيا نتنة حقًا*
عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، كانت شيماء جالسة مع قيس في غرفتها وكانا على السرير يتحدثان...
شيماء: أتتني فتاة اليوم تدعى سمية وطلبت مني أن أشكرك لقتلك سعاد ولكنها لا تؤيد القتل! هذا غريب أليس كذلك؟ كيف تشكرك وهي لا تؤيد القتل؟
قيس بابتسامة: قد تكون قد وضِعت تحت مشكلة كبيرة من قِبلها
شيماء: هذا صحيح، أخبرتني بما حدث، قالت بأنها كانت تهددها بصورها وبأنها ستنشرها بين الرجال إن لم تحادثهم...
قيس: أكره هذا النوع من الفتيات... ما الهدف من فعلهن هذا؟ إن كن يردن الانحراف فليفعلن ما يشأن ولكن لماذا يردن أن يجرفن معهن بقية الفتيات؟
شيماء: ربما مقابل المال؟
قيس: ربما...
شيماء: على أية حال... هناك سؤال كان يحرني اليوم قد تعرف جوابه
قيس: وما هو؟
شيماء: أعلم أنني تأخرت حقًا ولم أسأل عنه من قبل، ولكن لم يخطر يومًا على بالي سؤالك
قيس: حسنًا، قولي ما عندك ؟
شيماء: أخبرتني من قبل أنك كنت تراقبني منذ أن ولدت، فهل تعرف سبب طلاق والداي؟ لأنني أرى أن والدتي تكره أبي وعائلته بشدة، فهل عائلته لها دخل في الموضوع أم أنها تكرهم فقط لأنها عائلته؟
قيس مبتسم دون النظر إلى عيني شيماء: لم أتوقع يومًا أن تسأليني هذا السؤال...
شيماء: هل تعرف السبب...
نظر قيس إلى وجهها وقال مبتسمًا: أجل... في الحقيقة كنت في منزلكم عندما حدث الطلاق
شيماء: حقًا!! إذًا أخبرني ما الذي جرى؟
قيس: كان سببًا تافهًا لن تصدقيه...
شيماء: أنا أصدق كل حرف تقوله لي...
قيس: فقط لم تعجب والدتك أمه فكانت تلح عليه بطلاقها
شيماء: إن كان كذلك فلماذا لم تعترض على زواجهما في بادئ الأمر؟
قيس: والده، أي جدك، هو من زوجه إياها، فكانت والدتك الابنة الوحيدة لأبيها كما تعلمين وهو صديق جدك والد والدك، ولكن عند وفاته بدأ الإلحاح والمضايقة...
شيماء: ولم يفكروا بي؟
قيس: كان الإلحاح قبل ولادتك ولكن والدك لم يطلقها مباشرة، لم يجد سببًا مقنعًا في طلاقها ولكن بعدها بدأ يدقق على كل فعل تقوم به فقط ليجد فيها شيئًا سلبيًا ويطلقها ويخلص نفسه من إزعاج أسرته، ففي الفترة الأخيرة كان الشجار بينهما متواصل، كانا مزعجين حقًا، وكنتِ دائمة البكاء بسبب صراخهما الدائم
شيماء تتظاهر الابتسامة: كنت أكره الإزعاج منذ طفولتي إذًا
قيس: لا يوجد طفل في العالم يحتمل سماع الصراخ من حوله، ولكنني لم أدعك تبكين، ففي لحظة طلاقهما كنت أداعبك فكنتِ تضحكين بدل البكاء، وفور أن طلق أبوك أمك حملت حقيبتها وحملتك وخرجت من المنزل رغم أن الوقت كان متأخرًا، ولكنني تبعتكما وكنت بجوارك في السيارة... أذكر كيف كانت والدتك تبكي وتنظر إليك بتعجب، فلم تعتد على رؤيتك تضحكين، فكانت حياتها مليئة بالمشاجرات، فكيف تضحكين في موقف كهذا
شيماء: إذًا فعائلة والدي هي السبب، كما توقعت، معظم المشاكل الزوجية تكون بسبب تدخل أقارب الزوج أو الزوجة... أكره أبي، حتى وإن طلق أمي فهو ما زال أبي وكان عليه زيارتي فكنت طفلة حينها، لم أرَ والدي يومًا ولا أعرف شكله
قيس: لا فائدة من مقابلته فلن ينفعكِ في شيء
شيماء: ولكن كيف ستكون ردة فعلي عندما أراه؟
قيس: قد تبكين؟! أو تعبسين في وجهه هههههههه فأنت هكذا دايمًا
شيماء: كلى الاحتمالين جائزًا
جلسا قليلاً بهدوء دون حديث، ثم ضمت شيماء أطرافها وقالت: أريد حقًا مقابلته، لماذا لم يأتِ لزيارتنا؟ أهذا ما أراده حقًا أم جدتي كانت السبب؟
قيس: هذا ما لا أعرفه
شيماء: أتعرف أين يقطن؟
قيس: أأنت جادة؟ والدتك لن ترضَ بزيارتك له!
شيماء: لا بأس، سأذهب معك دون علمها... ولكن أخبرني هل تعرف منزله؟
قيس: أجل، فهو يعيش الآن مع والدته، ولكن والدتك لا تعرف عنوانهم لأنهم انتقلوا إلى منزل جديد
شيماء: وكيف تعرف مكانه؟
قيس: عرفته مصادفة، فقد ذهبت يومًا للقتل وكانت الضحية جارة لهم
شيماء: إذًا متى الموعد؟
قيس: أي وقت تشائين
شيماء: إذًا لنذهب الآن
قيس بتعجب: لقد تعدت الواحدة!!
ضحكت شيماء قليلاً ثم قالت: كنت أمزح معك، أود الذهاب إليه غدًا مساءً
قيس: كما تشائين
..::||الفصل الخامس والثلاثون ||::..
استيقظت شيماء مبكرًا على الرغم من أنه يوم عطلة، ذهبت لتناول الإفطار مع والدتها، وكالعادة لا تتحدثان سويًا، فقط تلقي كل واحدة منهما التحية على الأخرى، أنهت شيماء طعامها واتجهت نحو غرفتها، فتحت الحاسوب ومن ثم الشبكات وبدأت تتصفح...
شيماء: *كالعادة لا يوجد شيء جديد... الحياة مملة جدًا، سأبحث عن قيس في مواقع الأخبار لنرَ ما وجهة نظر المجتمع نحوه*
فوجدت في أحد المواقع أخبار لم تتوقعها، أحد المقالات كان بعنوان (أكثر من 150 مدمنًا تاب بسبب الجرائم في قطر!!)...
شد هذا العنوان شيماء لقراءته، فقرأته... كانت هناك بعض اللقاءات التي أجريت مع المدمنين التائبين...
- كنت أنا وجميع أصدقائي مدمنوا مخدرات، ولكن قررنا تركها خوفًا على حياتنا، ليس خوفًا من ضررها ولكن خوفًا من قاتل المجرمين المجهول، فقد شعرنا وكأنه اقترب منا كثيرًا فقد قتل الرجل الذي كان يروج لنا هذه السموم، لم تكن نيتنا خالصة لله ولكن بعد تركنا لها شعرنا بلذة الحياة بفضل الله ثم بفضل هذا الرجل المجهول.
- اقسم أنني لو رأيته سأقبله على رأسه!! هذا الرجل ساعدني في تركها على الرغم من أنني لم أتخيل يومًا العيش بدونها، لم أرَ يومًا شابًا أدمن عليها أكثر مني، فبسببها بت في فراشي سبع عشرة مرة وفي كل مرة لا تقل عن الأسبوع وأنا لم أتعدَّ الخامسة والعشرين من عمري بعد!!...
- لا أتمنى أن تجده الشرطة، دعوه طليقًا يساعد الناس على التخلص من هؤلاء السفلة عن طريق التوبة أو محوهم من هذه الدنيا، ففي كلتا الحالتين هي خيرٌ للدولة فلماذا تريدون القضاء عليه؟
كان هناك المزيد من اللقاءات المشابه التي جعلت شيماء تشعر بحماس شديد
شيماء: *يا ترى ماذا سيقول قيس عند مشاهدته هذا الموضوع!؟ هل سيكون سعيدًا أم العكس؟... لنرَ الموضوع الآخر...*
(50 مجرمًا سلّم نفسه لرجال الشرطة خوفًا على حياته!!)
شيماء: رااااائع!!! *هل حقًا كانت دولتنا تحمل الكثير من هؤلاء البشر؟! لم نسمع عنهم يومًا، شكرًا لك يا قيس فأنت تملك دورًا كبيرًا في تطهير دولتك من المجرمين)
قامت شيماء بحفظ المقالات لديها في الحاسوب وتابعت قراءة المقالات التي تخص قيس لساعات عدة، وعند الساعة العاشرة والنصف صباحًا، نزلت شيماء من غرفتها وذهبت إلى المطبخ، كانت والدتها هناك تعد الغداء...
شيماء بوجه مبتسهم: أمي هل تريدين المساعدة؟
بثينة متعجبة: مساعدة؟! منذ متى وأنت تعملين في المطبخ؟
شيماء: منذ اليوم، أشعر بالملل فلماذا أجلس مكتوفة الأيدي وأنتِ تقومين بعمل المنزل بأكمله؟
بثينة: *أمر غريب!؟ ما الذي حدث لها؟ لم تكن كذلك في الصباح!!* حسنًا إن أردت المساعدة فقومي بتنظيف المنزل ودعي الطهي علي
شيماء: حسنًا
ذهبت شيماء تكنس وتنظف المنزل وهي تفكر: *لماذا لا أدع هذا اليوم أسعد يوم في حياتي؟ قرأت خبرًا رائعًا وقد يسعد قيس كثيرًا، وسأقوم اليوم بزيارة والدي ورؤيته لأول مرة، فعلي أن أغير مزاجي مع والدتي ولو لهذا اليوم فقط، ولا أعلم ماذا سيحدث لي أيضًا من مفاجآت*
أصبحت الساعة الثانية عشرة والنصف وشيماء ما زالت تعمل ولم تشعر بإرهاق...
فنادتها والدتها: شيماء!! تعالي وتناولي الغداء!!
شيماء: حسنًا!!
غسلت كفيها واتجهت نحو والدتها مباشرة بوجه سعيد، شعرت والدتها بارتياح عندما رأت ابنتها هكذا فابتسمت والدتها دون النطق بكلمة أو سؤالها عن سبب سعادتها. وأثناء الغداء حدّثت شيماء والدتها عن أمور تحدث معها في المدرسة كجلوسها مع بعض الفتيات والتحدث معهن على الرغم من أنها ليست من عادتها البوح بهذه الأمور لوالدتها، وحدثتها أيضًا عن مستواها الدراسي فكانت تخفي هذه الأمور أيضًا عنها... وبعد انتهائها من الغداء، ذهبت وأخذت حمامًا ثم قامت بطباعة المقالات التي ستريها لقيس...
عند الساعة الثامنة مساءً، أتى قيس من النافذة كالعادة...
قيس بابتسامته الهادئة: السلام عليكِ يا غاليتي
شيماء: وعليكَ السلام يا بطل الدولة
قيس وما زال مبتسمًا: بطل الدولة؟ ومن أين أتيتِ بهذا اللقب؟
شيماء: تعالَ وانظر إلى أعمالك
أخرجت شيماء الأوراق وأهدتها إلى قيس، بدأ يقرأ فيها وقد انشرح صدره حينها، بانت السعادة الحقيقية على وجهه، وابتسماته ملأت وجهه وظهرت أسنانه...
قال وهو بتلك الحال من الدهشة والسعادة: لا أصدق هذا!! الآن شعرت أنني خدمت دولتي في شيء
شيماء بسعادة لرؤيتها قيس بتلك الحالة: ولكنك تخدمها منذ سنوات بقتلك من يفسدها
قيس: ولكن القتل فساد أيضًا وإن كانت نيتي ليست كذلك، ولكن هذا الخبر!! أنتِ تأتين بالعجائب!! كنتُ حقًا محظوظًا عندما ولدتِ أنت في الأول من يناير بالقيصرية!!
شيماء: بل أنا المحظوظة
قيس: لدي فكرة!
شيماء: وما هي؟
قيس: لماذا لا ننذر المجرمين قبل قتلهم، أي نعطيهم مهلة لا تزيد عن الأربعة أيام، إن لم يكفوا عن ذنبهم سأقتلهم وإن صَلِحوا فنتركهم، ولكن إن كذبوا فلن نعطيهم فرصة أخرى، وهكذا نكون قد عدلنا نحن أيضًا... ما رأيك؟
شيماء: أنتَ طيب القلب، إن كنت ستأخذ برأيي فأنا أقول لا داعي لذلك فعليهم أن يتركوا فعلتهم دون تحذير، فضحاياك منتشرة بشكل كبير وعليهم معرفة أنهم سيتبعونهم إن لم يتوبوا...
قيس: حتى وإن كان كذلك فبعضهم لا يأخذ العبرة بسرعة
شيماء: إذًا فافعل ما شئت
قيس: حسنًا... هل نذهب الآن؟
شيماء: أجل، أنا مستعدة...
نزلت شيماء ورأت والدتها جالسة في غرفة المعيشة...
شيماء: أمي، أريد الخروج للتنزه قليلاً، أتسمحين؟
بثينة: ستذهبين لوحدك؟ سآتي معكِ
شيماء: لا أمي أريد الخروج لوحدي
بثينة: أنتِ فتاة لا يمكنني تركك وحدك
شيماء: معي قيس فلا تخافي
شعرت بثينة بضيق ولكنها لم تظهره فقالت: هل أخذت معكِ هاتفك المحمول؟
شيماء: أجل...
بثينة: إذًا توكلي على الله، سأتصل بعد فترة لأطمئن عليكِ
فرحت شيماء وقفزت في حضن والدتها وقبلتها ثم خرجت مودعة لها، أوقفت سيارة أجرة ودخلتها مع قيس واتجها نحو المنزل المطلوب
..::||الفصل السادس والثلاثون ||::..
نزلت شيماء من السيارة ووقفت لدى الباب...
شيماء: قيس أنا خائفة
قيس: من ماذا؟
شيماء: لا أعلم... لا أعرف ماذا أقول!!
قيس: اضغطي على الجرس وفور فتحهم الباب سترين لسانك يتحدث بنفسه
شيماء: حقًا؟
قيس: ثقي بي...
ضغطت شيماء على الجرس وبعد لحظات فُتح لها الباب، فتحه فتى في العاشرة تقريبًا...
الفتى: تفضلي... سأرشدكِ إلى مجلس النساء...
دخل الفتى المنزل وتبعته شيماء، ثم قام بإدخالها المجلس...
الفتى: اجلسي هنا وسأنادي والدتي حالاً...
شيماء: انتظـ...
لكن الولد خرج مسرعًا لينادي والدته ولم يسمعها تناديه. وبعد لحظات أتت والدة الفتى...
دخلت وجلسة على الأريكة: السلام عليك ورحمة الله
شيماء بارتباك قليل: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته...
المرأة: هل لي أن أخدمك؟
شيماء: في الحقيقة أنا شيماء... ابنة محمد من زوجته السابقة، أتيت لمقابلة أبي
المرأة بتعجب: شيماء...؟! انتظري قليلاً سأناديه
ذهبت الامرأة ونادت والد شيماء لمقابلتها، وفور دخوله كان متعجبًا وينظر إلى شيماء بوجه حائر
سألت شيماء بصوت منخفض: أهذا هو؟
قيس مبتسمًا: أجل
ثم سأل محمد: من أنتِ؟
وقفت شيماء وقالت وملامح الجد مرتسمة على وجهها: شيماء، ابنتك
محمد بتعجب: لا أملك ابنة تدعى شيماء!؟ ربما يوجد هناك خطأ
شيماء وقيس: ماذا!!
قيس: أيعقل أنه يتجاهل الحقيقة؟
ارتبكت شيماء أكثر ولم تستطع الكلام: ....
قيس: لحظة قليلاً، كيف نسيت هذا!! في الحقيقة كان اسمك منيرة ووالدك هو من أسماك بذلك الاسم نسبة إلى أمه ولكن فور طلاقهما قامت والدتك بتغيرر اسمك لكون والدته هي السبب في ذلك
شيماء: *أها... فهمت الآن* لقد نسيت... سمعت يومًا بأن اسمي كان منيرة حينها... ولكن غيرت والدتي اسمي بعد طلاقكما
محمد بتعجب يشيبه الضيق: منيرة!!؟ أيعقل أنكِ ابنتي!؟
ثم نظر إلى تلك المرأة وكأنه يأمرها بالمغادرة، غادرت الامرأة المكان وبقيا وحيدان في الغرفة، فجأة امتلأت عينا محمد بالدموع وذهب نحو شيماء يضمها ويبكي، تعجبت شيماء من ردة فعله ولكنها شعرت بإحراج قليل فهو كالغريب بالنسبة لها، أرادت دفعه بعيدًا ولكنها ترددت في الأمر فقد يضيقه ذلك...
فقالت له: كف عن البكاء فهو لا يناسب الرجال!!
نهض عنها وبدأ يمسح دموعه ثم سأل: كيف عرفتِ عنواني؟
شيماء: أعرف رجلاً في الحي كان يعرفك منذ زمن ولكنك لا تعرفه، سألته إن كان يعرف عنوانك فأخبرني به...
محمد: من يكون؟ ربما أعرفه أنا يضًا...
شيماء: لا فأنت لا تعرفه
محمد: ما اسمه
شيماء: قيس...
محمد: لا، لم أسمع به قط... كيف حال والدتك؟
شيماء بجفاف: حمدًا لله على كل حال، أمي تملك وقتًا ضيقًا جدًا فعملها مضاعف خارج وداخل المنزل
محمد: أنا آسف حقًا لما يحدث لكما...
شيماء: الأسف لن يجدي نفعًا الآن
لم يستطع الرد على شيماء فكان يشعر بالذنب...
شيماء: أردت فقط مقابلتك وأطمئن عليك، أو على الأقل أعرف كيف يبدو شكلك...
محمد: فهمت... في أي مرحلة تدرسين الآن؟
شيماء: الثاني الثانوي؟
محمد: وأي تخصص؟
شيماء: الفرنسي...
محمد: هذا جيد... وكيف حياتك المدرسية؟
شيماء: نتنة...
محمد: لماذا؟
شيماء: المشاكل تتبعني أينما ذهبت خارج المدرسة أو بداخلها، هذه هي حياتي الآن
محمد: آسف جدًا... أعلم أنني أنا السبب
شيماء: ربما... وربما لا، فقد أكون كذلك وأنت معنا أيضًا...
محمد: أي نوع من المشاكل تواجهين؟ يمكنني مساعدتك
شيماء: جميع الأنواع، مشاكل مع الطالبات في المدرسة ومع المعلمات وإدارة المدرسة، هذه المشاكل التي اعتدت عليها لأنها تلحقني منذ دخولي الروضة، وهناك مشاكل نفسية وأتعالج الآن لدى طبيب نفسي، وأيضًا مشاكل مع الشرطة... وهذا اعتدت عليه أيضًا...
محمد: الشرطة!!؟ لماذا!!؟
شيماء: أمور كثيرة لا داعي لأن أضايقك بها، يكفي أن والدتي تحمل جبلاً ضخمًا من الضيق في قلبها فلا داعي بأن تحمله أنت أيضًا... أنا ذاهبة الآن...
ثم أدخلت شيماء يدها في جيبها وأخرجت قلمًا وورقة وكتبت عنوان منزلها ومدته نحو والدها...
شيماء: أتمنى أن تأتِ لزيارتي ولو لمرة في السنة حتى أشعر أنني أملك أبًا
أنزل محمد من رأسه وقال: أود ذلك ولكن... لا أستطيع...
شيماء بغضب: أنت ضعيف الشخصية...
رفع محمد رأسه متعجبًا: ماذا!؟
شيماء بغضب: أتريدني أن أقولها مرة أخرى؟ أنت ضعيف الشخصية!! ألا تستطيع فعل ما تشاء؟ افعل ما تراه صوابًا، انظر إلى أين يميل قلبك وافعل ما تشاء، لا تهتم بمن حولك، أتسمي نفسك رجلاً دون أن تملك السلطة؟
قيس: شيماء هذا كثير!!
محمد بتعجب: أأخبرتك والدتك بهذا أيضًا!!؟
شيماء: لا يهم من أخبرني، ولكن اعلم، لا تجبر نفسك على فعل ما لا تريده فهذا سيدمر حياتك، هذا آخر ما أريد قوله... إلى اللقاء
حملت شيماء حقيبتها وخرجت من الغرفة
تبعها والدها: انتظري منيـ... شيماء!!
وعندما خرجت إلى غرفة المعيشة رأت امرأة عجوز جالسة على كرسي متحرك فوقفت تنظر إليها، ونظرت إليها العجوز هي الأخرى، وعندما أتى والد شيماء إلى الغرفة نظر إلى تلك العجوز مرتبكًا
محمد: أ...أمي؟؟
العجوز: من هذه الفتاة؟
محمد: إنها...
قاطعته شيماء محدثة جدتها وهي مبتسمة بمكر وقالت بسخرية: مرحبًا يا جدتي، أنا حفيدتك التي دمرتِ حياة والدتها، سررت بلقائك، ولكن للأسف سأغادر الآن ولا أملك وقتًا للجلوس معكِ، أستأذنك، وادعًا يا جدتي الحبيبة...
خرجت شيماء من المنزل وتبعها والدها، وما إن خرجت من البوابة الخارجية وإذا برجال الشرطة يقفون لدى الباب...
..::||الفصل السابع والثلاثون ||::..
قال أحد رجال الشرطة: مساء الخير
تنهدت شيماء ونظرت إلى الأعلى ثم قالت: وماذا تريد هذه المرّة؟
محمد بتعجب: *كيف لها أن تتحدث مع رجال الشرطة بهذا الأسلوب؟!*
الشرطي: تعرفين لماذا نحن هنا...
شيماء: اسمعوا، إن كنتم تريدون الحديث معي فلنتحدث بعيدًا من هنا فلا نريد أن نزعج أصحاب هذا المنزل...
الشرطي: شيماء، نحن لا نتبع أوامرك، فأنتِ تعلمين بالتأكيد بأننا نود استجواب أصحاب المنزل فقد يكون قيس أحـ...
قاطعته شيماء: لحظة لحظة لحظة!! أتريد القول بأنني كاذبة عندما أخبرتكم بأنه هجرني؟
محمد: *أقال قيس؟ أهو نفسه الذي أخبر شيماء بعنواني؟ ما الذي يريدونه منه؟*
الشرطي: نحن لا نكذبك ولكن من واجبنا التحقق من الأمر
شيماء: وهذا يعني بأنكم تكذبونني
الشرطي: شيماء لا تحاولي استفزازنا، اتصالنا بوالدتك وأخبرتنا بأنك خرجتِ للتنزه، وها نحن نجدكِ هنا!!
شيماء بغضب: أيها الأحمق
غضب الشرطي وقال: احترمي رجال الشرطة من فضلك!!
شيماء: بل أنتم جميعكم حمقى!! لماذا قمتم بالاتصال بوالدتي قبل استجوابي؟!! أنا هنا لزيارة والدي وإن علمت أمي بالأمر فستغضب مني!! إنها لا تريدني أن أقابل أبي وأنتم "الحمقى" اتصلتم بوالدتي وهذا يعني بأنها ستستجوبني هي الأخرى بعد عودتي...!! أنتم لا تسببون سوى المشاكل والمتاعب لي...
الشرطي: إذًا لنتحقق من الأمر...
تنهدت شيماء وقالت: افعلوا ما تشاؤون ولكنكم تضيعون وقتكم هنا...
سأل الشرطي والد شيماء: أأنت والدها؟
محمد: أ..أجل...
الشرطي: أرنا بطاقتك الشخصية...
أخرج محمد بطاقته فنظر الشرطي إليها ثم قال: حسنًا... آسفون على الإزعاج...
محمد: لا بأس... ولكن لماذا أنتم هنا؟ وكيف عرفتم بمكان شيماء؟ وما علاقتها بهذا الذي يدعى قيس؟ وماذا فعل قيس هذا؟
الشرطي بتعجب: أأنت والدها حقًا ولا تعرف ماذا يجري لابنتك؟
أحس محمد بإحراج وضيق لما قاله الشرطي، فقالت شيماء لتغطي على ذلك: أمي تمنعه من مقابلتي وهذا أول لقاء بيننا فلا تلُمه وكأنك تعرفه، كان أسلوبك غير لائق بقولك ذلك...
محمد: *لماذا كذبت من أجلي؟ فلم تمنعني والدتها من مقابلتي لها أبدًا!!*
الشرطي بتعجب: أصبحت أنا الغير لائق!؟ وماذا عنكِ إذًا... اسمعي يا طفلة أنا ألتزم بحلمي فقط لكونك طفلة ولكن إن تابعتِ حديثك هكذا فستندمين
شيماء: سنرى
محمد: أخبروني ما الذي يجري هنا؟
الشرطي: ابنتك تعرف...
قاطعته شيماء: لا تخبره... إن أردت أن أعطيك معلومات أكثر فلا تخبره
الشرطي: إذًا فأنت لم تخبرينا بكل ما تعرفينه!؟
شيماء: ربما...
غضب الشرطي وقال: حسنًا ادخلي السيارة وأخبرينا بما تعلمين ونحن سنأخذك إلى منزلك
شيماء: حسنًا
محمد: ولكن...
لوحت شيماء لوالدها وهي تصعد السيارة وتبتسم: وداعًا يا أبي... أراك لاحقًا
محمد: أبي... *كيف استطاعت قولها وهي لم ترَني يومًا؟! أصبحت ابنتي فتاة غريبة ومجهولة الصفات!*
دخل محمد المنزل فنظرت إليه والدته وهي عابسة: ما الذي أتى بها إلى هنا؟
محمد: لا أعلم... رجل لا أعرفه أخبرها بعنواننا
الجدة: لا أريد أن أراها هنا مرة أخرى وانسَ أنك تملك ابنة أفهمت!؟
محمد: أجل...
أما شيماء فقد أُخذت إلى المخفر...
المفتش: أخبرينا ما الذي تخفينه حتى الآن؟
شيماء: في الحقيقة لست أنا من يخفيه بل أنتم
المفتيش: لا نريد ألغازًا... ماذا تعرفين، هيا...!
شيماء: أخبرتكم من قبل ولكن لذكائكم الخارق لم تنظروا في الأمر
المفتش: وماذا أخبرتنا؟
شيماء: ألم أخبركم بأن قيس بدأ بقتل والدته وزوجها منذ ثلاث وعشرون سنة ثم من بعدها لم يراه أحد؟ وقامت الشرطة بالتحقيق في الأمر ولكن في النهاية أُغلقت القضية، كانت القضية عن وفاة امرأة وزوجها واختفاء ابنها، فبدلاً من سؤالي عنه وعن شكله ومواصفاته وعن هذه الأمور فلماذا لا تعيدون البحث في ملف القضية؟ فأنتم تملكون معلوماتًا أكبر عنه، هذا ما أردت قوله وأنا لا أخفي عنكم شيئًا
المفتش: أحقًا هذا كل ما في الأمر؟
شيماء: أجل، فقد أخبرتكم من قبل أني لا أعرف المزيد عنه، والآن عليكم أن تعيدوني إلى المنزل كما وعدتموني
المحقق: حسنًا...
وفي طريقها إلى المنزل اتصلت بها والدتها...
شيماء: مرحبًا أمي
بثينة بخوف: ما الذي جرى؟ لماذا اتصلت بي الشرطة مرة أخرى؟
شيماء: وجدوني أتجول وحيدة فاتصلوا بك ليتحققوا فقط ما إذا كنتِ تعلمين بخروجي أم لا، هذا كل ما في الأمر فلا تخافي...
أحد الشرطة: *ها هي تكذب مرة أخرى... أعلينا حقًا تصديق ما تقوله؟ أشعر وكأن كل ما تقوله كذب..!!*
وفي اليوم التالي استيقظت شيماء من نومها وقت الظهيرة، وعند نهوضها رأت والدتها قد غسلت ملابسها وكوتها ووضعتها على مكتبها، فعندما رأت قميص سمية تذكرتها...
شيماء: *يا إلهي لقد نسيت!! قلت لها سأعيده لك غدًا!! حقًا إنني حمقاء كان يوم الخميس، أرجو ألا أنسى تسليمه لها غدًا*
أخذت القميص ووضعته في كيس كي لا تنساه ثم فتحت كتاب الرياضيات للمذاكرة. حل المساء وأتى قيس كعادته وبدأ حديثه معها، وفي أثناء الحديث...
قيس: ماذا حدث بالمدرسة، هل تصادقتِ مع فتيات أم لا؟
شيماء: في الحقيقة لا، هناك الكثير من الفتيات اللاتي قابلتهن وكن لطيفات معي، كعائشة ولكنها لم تلحقني للثانوية، والآن سمية، إنها لطيفة، ولكن... لا أستطيع مصادقة أحد
قيس: لماذا؟
شيماء: لا أعلم... أشعر وكأننا نعيش في عالمين مختلفين، وغير ذلك فأنا لا أشعر بالوحدة أو أنني أفتقد هذا الشيء، فلا يهمني إن كنت أملك أصدقاء أم لا، يكفي وجودك معي ووجود أحمد، على الرغم من أنه يوجد اختلاف كبير بينكما ولكن أشعر وكأنه أب لي أما أنت... قد تكون صديق ومعلم وبطل...
قيس: بطل!؟
شيماء: أجل... ألم تخلصني من المشاكل في أكثر من مرة؟
قيس: ولكنني كنت السبب في حصولها
شيماء: لا... بل أنا السبب... على أية حال قد أكون صديقة لسمية يوم من الأيام ولو أنني أراه أمر صعب...
وفي اليوم التالي ذهبت شيماء إلى سمية وأعطتها القميص، ثم أرادت تركها ولكن...
سمية تناديها: شيماء انتظري...!!
التفتت شيماء نحوها: ماذا هناك؟
سمية: أريد الجلوس معكِ قليلاً...
شيماء: لماذا؟
سمية بإحراج: *لماذا؟!* فقط... لا أحب الجلوس وحيدة ولكنني لا أملك صديقات
شيماء: قد تكون الوحدة أفضل من الصحبة، فقد تجلسين مع من يورطك وأنتِ أعلم بهذا مني...
أرادت شيماء المغادرة مرة أخرى ولكن تابعت سمية حديثها: ولكنكِ تختلفين عن سعاد!! لماذا تقارنين نفسك بها؟!
وقفت شيماء وقالت: أنا لا أقارن نفسي بها، ولكن هذا ما أقوله للناس دائمًا قبل أن تقصي علي ما حدث لك...
سمية: لكن الحياة صعبة دون صديق، فنحن نحتاج إلى مصارحة أحد ما وإخباره بما يدور في قلوبنا وإلا فلن نستطيع العيش بسعادة!!
شيماء: ولكنني أملك صديقًا... فابحثي عن أحدًا يستطيع فهمك...
ثم غادرت شيماء واتجهت نحو مكان منعزل كعادتها... بدأت سمية تتساءل في نفسها...
سمية: *تملك صديقًا؟! أيعقل أنها ما زالت....!!*
جلست تفكر قليلاً وهي حائرة ثم نهضت تبحث عن شيماء مرة أخرى فالفضول يقتلها. وجدتها بكل سهولة فهي لا تكون سوى في الأماكن المنعزلة فمن السهل إيجادها. كانت شيماء جالسة تنظر إلى ألبوم صور، فوقفت سمية أمامها تنظر إليها...
سمية: شيماء...
تفاجأت شيماء فهي لم تلاحظ حضورها وأغلقت الألبوم بسرعة ثم قالت: ماذا هناك؟
سمية: أكنتِ تعنين قيس عندما قلتِ أنكِ تملكين صديق؟
شيماء: لماذا تسألين؟
سمية: لأنني لا أراك تجلسين مع أحد... أهو حقًا قيس؟
شيماء: أجل... كان قيس هو أول صديق لي...
سمية: كان؟! ولكن ماذا عن الآن؟
شيماء: افترقنا...
سمية: هل تقولين الحقيقة؟ ولكن... إن كنتما قد افترقتما فماذا عنكِ؟ أعني إلى من تشكين وتلجئين؟
شيماء: لا أحد
جلست سمية بجانب شيماء وأمسكت بيدها: شيماء أرجوكِ أخبريني بالحقيقة، أعلم أنه لا شأن لي بك ولكن أود حقًا معرفة ذلك، أود معرفة ما إذا كان قد وصل إليه شكري أم لا، أقسم أنني لن أخبر أحدًا فسرك محفوظ في قلبي ولن أبوح به...
شيماء: أنتِ تجهدين نفسكِ... المهم شكرتِه وهذا أمر رائع إن كان قد وصل له أم لا
سمية: أريد أن أرى ردة فعله، وأريد أن أطمئن عليكِ أنتِ أيضًا
شيماء: أنا؟!
سمية: أجل... فإن كنتِ وحيدة الآن فهذا أمر لا يسر
شيماء: لماذا تهتمين بأمري؟
سمية: لا أعلم
شيماء: هناك بالتأكيد سبب معين، أهو لمصلحة أم ماذا؟
سمية: ما هذا القول!؟ بالتأكيد لا!! فقط أشعر وكأنكِ تفتقدين أمرًا ما... تفتقدين ما أفتقده، ألا وهي الصحبة... وأنا أرى فيك الفتاة الصالحة ولو أنكِ غامضة قليلاً، قد كان غموضك يرعبني في بادئ الأمر ولكن نظرتي نحوك تغيرت، أريد أن أفهمكِ أكثر، وأريد أن أفهم الذي بناكِ على هذا النحو... ما هدفه؟ ولماذا اختاركِ أنتِ بالذات؟
شيماء: ....
سمية: ما بكِ يا شيماء؟
ابتسمت شيماء وهي تنظر إلى غلاف ألبوم الصور وقالت: أخبرته ولكنه لم يقل شيئًا واكتفى بالابتسامة
سمية: إذًا فما توقعته كان صحيحًا!!
شيماء: أجل، ولكن لا تخبري أحدًا فقد أقسمتِ
سمية والسعادة تملأ قلبها: بالتأكيد...
كانت سمية سعيدة جدًا لأن شيماء أفشت لها سر من أسرارها التي لم تخبر أحدًا عنها من قبل، فقد ظنت أن هذه بداية لصحبة جديدة...
ثم نظرت إلى ألبوم الصور وأمسكت به: أفيه صورك؟
سحبت شيماء الألبوم من يدها وقالت: لا تفتحيه
سمية بتعجب: لماذا؟
شيماء: يحتوي على أسراري
سمية: حسنًا أنا آسفة
ثم ابتسمت سمية وقالت: أهي صور لقيس؟ أستطيع معرفة ذلك، فبدأت أفهمك قليلاً
لم تقل شيماء شيئًا لها وأنقذها من الموقف جرس المدرسة، فقامت من مكانها وذهبت نحو الفصل. ومنذ ذلك اليوم وسمية تلاحق شيماء أينما ذهبت، أحيانًا تتحدثان في أمور عادية وأحيانًا تكتفيان بالتحية فقط. إلى أن انتهى العام الدراسي وأبلت شيماء بلاء حسنًا وبدأت الإجازة الصيفية، ولكنها لم تصادق سمية طوال تلك الفترة!!
..::||الفصل الثامن والثلاثون ||::..
وفي صباح أحد الأيام، بينما كانت شيماء في أحد نوادي الفنون، رن هاتف منزلها، فأجابت والدتها على الهاتف...
بثينة: السلام عليكم
محمد: وعليك السلام
بثينة بتعجب: *أيعقل أن يكون هو!!؟ ولكن من الذي أعطاه الرقم؟!*
محمد: آسف على الإزعاج ولكن أردت التحدث مع ابنتي
بثينة: ابنتك؟ ومنذ متى وهي ابنتك؟ منذ ثمان عشرة سنة!! بل كانت ابنتك قبل ثمان عشرة سنة...
محمد: آسف لما حصل في الماضي ولكن شيماء هي من قابلتني وأعطتني عنوان منزلكما فهل لي أن أكلمها؟
بثينة: *لا أصدق هذا!! شيماء؟!* شيماء ليست في المنزل
سكت قليلاً ثم قال: إذًا أريد منكِ خدمة
بثينة: ماذا؟
محمد: أخبريني ما علاقة شيماء بهذا الذي يدعى قيس؟
ترددت بثينة فقالت: وما...؟ أهي من أخبرتك عنه؟
محمد: في الحقيقة قالت لي بأنه هو من أعطاها عنوان منزلي وأنه رجل يعيش معكم في الحي، ولكن عندما أرادت الخروج كان رجال الشرطة لدى الباب واستجوبت ظنًا بأن شيماء كانت لدى هذا الذي يدعى قيس، أي ظنوا أن منزلي هو منزله... إن كان يعيش في حيكم فلماذا ظنوا ذلك؟ من يكون هذا؟ وما علاقته بابنتي؟
بثينة: إنها قصة طويلة ولا أظنها تهمك، فهي متعلقة بطفولة شيماء حتى الآن، وفيها من الحديث ما لا يصدقه العقل
محمد: ولكن ما زلت أريد أن أعرف، فمنذ أن سمعت به لم استطع النوم نومًا هنيئًا، بالي مشغول كثيرًا وأنا أفكر بمصير شيماء...
بثينة: وهل والدتك تعلم بهذا الاتصال؟
محمد: ....
بثينة: إذًا وداعًا فلا أود أن أهدم منزلك بهذه المشاكل، ولا تتصل بنا مرة أخرى
ثم كادت أن تغلق الخط ولكن...
محمد: انتظري...
بثينة: ماذا هناك؟
محمد: لا يهمني رأي والدتي فحال ابنتي في هذه اللحظة أهم بكثير
بثينة: ..... *أهو جاد؟ أمر غريب!! ولكن لا مشكلة في إخباره* حسنًا... الحقيقة هي أن ابنتك الشخص الوحيد الذي يعرف السفاح الذي انتشرت ضحاياه في بلدتنا منذ خمس وعشرون عام، وقد أخبرت رجال الشرطة بأنه انقطع عنها ولكنها تحت المراقبة الآن فقد يكون قيس يتجول حولها فقد تبين ذلك من قتله فتاة كانت على عراك دائم معها، وهم يشكّون في الأمر ويظنون أن شيماء ما زالت تقابله، هناك أمور كثيرة حدثت بينهما ولماذا اختارها هي بالذات
محمد: أيعقل هذا القول؟! وكيف تركتِها معه؟
بثينة: أتلومني الآن؟ فأنت مذنب أيضًا فلا تنسَ ذلك... ولكن لا تخف عليها، فقد اعتدت على ذلك أنا أيضًا، حقًا إنه مجرم وأنا أشد الناس خوفًا منه، ولكنني لا أخشَ على ابنتي منه فهو يحبها كثيرًا فقد كان يعرفها منذ أن كانت في الرابعة من العمر...
محمد: ولم تفعلي شيئًا لإيقاف ذلك؟
بثينة: من السهل قول ذلك ولكن من يستطيع تطبيق الأمر؟ إن كنت قادرًا فأوقفه أنت
لم يستطع محمد الرد فاكتفى بالوداع وأغلق الخط، وبعد لحظات عادت شيماء إلى المنزل...
شيماء: السلام عليكم..
بثينة: وعليكم السلام...
أرادت شيماء الصعود إلى غرفتها ولكن نادتها أمها: شيماء...
أدارت رأسها نحوها قائلة: ماذا هناك، أمي؟
فأجابتها والدتها بملامح تعبر عن التساؤل والقلق: تعالي واجلسي بجواري، أريد التحدث معكِ
ذهبت شيماء نحوها وجلست بجوارها: وفي ماذا تريدين التحدث؟
بثينة: لقد اتصل والدك اليوم وأراد التحدث معك
شيماء وبتعجب كبير: حقًا!! هذا تطور كبير!! أكان مترددًا في الاتصال طوال تلك الفترة؟
بثينة: لماذا أخذك قيس إليه؟
شيماء: أنا من طلبت منه ذلك
بثينة بعجب وقلق: لماذا؟ ماذا تريدين منه؟
شيماء: كونه أبي سببًا كافيًا لذهابي إليه
بثينة: وكيف استقبلك؟
شيماء: ربما لا يريدني أن أخبرك بذلك، ولكن لا تخافي علي فوالدي أو عائلته لا يستطيعون مسي بسوء
بثينة: بالتأكيد...
شيماء: أيمكنني المغادرة الآن؟ علي أن أنهي لوحاتي فلدي عمل كثير
بثينة: حسنًا، بإمكانك المغادرة...
كانت شيماء على وشك المغادرة ولكنها تذكرت شيئًا: أوه!! أمي، أريد أن أسلك... هل تحدثتِ مع والدي عن قيس؟ فقد كان هو من أخبرك بأن قيس هو الذي أخذني إليه
بثينة بتردد: أجل...
شيماء: وماذا قلتِ له؟ أقلتِ الكثير؟
بثينة: لا فقط أخبرته بأنك تقابلينه منذ صغرك وأنه القاتل الذي تبحث عنه الشرطة
شيماء بضيق قليل ولكنها تخفيه: حسنًا، لا بأس... سأذهب الآن إلى اللقاء
اتجهت شيماء نحو غرفتها وأخرجت أدواتها وبدأت برسم لوحاتها، كانت كلها عبارة عن قتل ودماء ومناظر كئيبة وقذرة كالعادة، وكانت أيضًا تضع قيس فيها وهو يقتل. من عادتها إغلاق الأضواء عند ممارستها هذه الهواية، وتفتح الستائر والنوافذ ليدخل الضوء من الخارج، تبقى في سكون ومكان هادئ ولا تحب سماع أي صوت من حولها فهذا يقلل من جودة اللوحة فهو يشوش أفكارها... كانت اللوحات مرسومة بأسلوب أدق من الماضي وجميل حقًا ولا يشيبه الأخطاء، فكانت مهارتها قد نمت وتحسنت كثيرًا.
غابت الشمس وانعكس الضوء الأحمر على لوحاتها لتظهرها أكثر رعبًا ودموية، سمعت المؤذن وهو يدعو الناس إلى الصلاة فتركت ما بيدها وذهبت لتغتسل وتزيل آثار الألوان، بعدها أدّت فريضتها وأمسكت بكتاب لتقرأه، فتحت الأنوار ثم جلست على سريرها وبدأت القراءة، وبعد ساعة تقريبًا رن الهاتف ليقطع حبل أفكارها، فأغلقت الكتاب ورفعت سمّاعة الهاتف...
شيماء: السلام عليكم ورحمة الله
محمد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، شيماء؟
شيماء: أجل... سعيدة لاتصالك هذا اليوم، كيف فعلت هذا؟
محمد: كنت قلق عليكِ طوال تلك الفترة... والآن زاد قلقي عندما سمعت ذلك من والدتك
شيماء: لا تقلق وحاول نسيان ما سمعته، أمي تريد أن تخيفك لا غير، ولكن قيس رجل طيب وصالح
محمد: صالح!!؟ يقتل الناس وتقولين بأنه صالح؟
شيماء: أجل... ليس كل قاتل يكون سيء، قد أكون أنا أكثر وحشية منه، وهذه هي الحقيقة
محمد: شيماء... أريد مقابلتك مرة أخرى، أيمكنني ذلك؟
شيماء: بالتأكيد، فباب منزلنا مفتوح يرحب بأي زائر
محمد: لا أستطيع المجيء إلى منزلكما بعد الذي حصل بيني وبين والدتك
شيماء: إذًا أتريدني أن آتي إلى منزلك؟
محمد: لا لا لا...!! لنتقابل في مكان ما
شيماء: لا أستطيع
محمد: لماذا؟
شيماء: سآتي إلى منزلك حالاً، إلى اللقاء
محمد: انتظـ...
أغلقت شيماء الهاتف دون سماع رد والدها فهي تعلم بأنه لن يوافق على ذلك، كتبت رسالة إلى قيس تخبره بأنها قد تتأخر، ثم ارتدت عباءتها وحجابها وخرجت من المنزل.
وفي مكان آخر... في أحد شوارع حي بعيد، كان هناك فتيان يبلغان الثالثة عشر من العمر يسيران ليلاً عائدان إلى منزليهما...
سامي: كان الهدف الذي سجلته في نهاية المباراة رائعًا
يوسف: أجل، ولكن مع هذا لم نستطع الفوز
سامي: لا بأس فهذه الحياة إما خسارة وإما فوز الأهم هو أننا استمتاعنا باللعب
يوسف: هذا صحيح... هل سأراك غدًا في مركز تحفيظ القرآن؟
سامي: سأحاول... تعلم بأن والدي في المشفى وعلي زيارته غدًا، ولكن سأحاول الاستيقاظ باكرًا لتكون الزيارة صباحًا وآتي إلى المركز عصرًا...
وفجأة سمعا صوت رطم في أحد الزقاق، فالتفتا لينظرا ماذا هناك، كان قيس حاملاً إنبوبة معدنية ويضرب بها رأس رجل وقد كان حوله العديد من الضحايا أيضًا... ارتعب يوسف لأنه لم يرَ قيس ولكنه رأى الأنبوبة وهي تضرب الرجل...
فصرخ: ماذا يحدث هناك!! إنه العم مبارك!!
أراد الهرب فأمسك بيد سامي ليجريا سويًا، لكنه لم يستطع، فقد كان سامي واقفًا في مكانه متصلبًا كالحجر ينظر إلى الرجل وهو يُضرب بالعصا ويسمع صراخه ورأسه ينزف دمًا
فصرخ يوسف ينادي صديقه: سامي ما بك!! تحرك أرجوك!
كان يحاول سحبه ولكن لا جدوى، لم يتحرك ولم ينطق بكلمة وهو ينظر إلى ذلك المنظر، قُتل الرجل ورمى قيس عصا الحديد وترك المكان متجهًا نحو الفتيان... هدأ يوسف قليلاً عندما رأى بأن الوضع قد توقف، أما سامي فما زال في مكانه، كان ينظر إلى قيس وهو يغادر...
وعندما عبر قيس بجواره سأله: من أنت!؟
يوسف بخوف ورعب: مع من تتحدث!!
ظن يوسف بأن صديقه بدأ يهذي وغاب عقله...
نظر قيس إلى سامي وسأله بتعجب وابتسامة هادئة: أتستطيع رؤيتي؟!
بدأ سامي يرتجف من الخوف فعندما رآه يوسف على هذه الحالة أمسكه من كتفيه وبدأ يهزه...
يوسف وعيناه مليئتان بالدموع: بالله عليك أجبني يا سامي!!
اقترب قيس من سامي ومسح كفه بثوبه لينظفها لكي لا يوسخ الفتى ثم أمسك بوجه سامي وقال له بصوت رقيق وابتسامة مرتسمة على شفتيه: لا تخف، فقد قتلت هؤلاء لأنهم كانوا مدمني مخدرات وقد رأتهم جارتهم مرة وهم يتاجرون بها، كانوا يخططون لقتلها كي لا يفضح أمرهم!! أيهم أفضل أن تموت امرأة عفيفة أم رجال مجرمون؟
ثم ترك قيس المكان، أما سامي فقد أغشي عليه
sensei
26-08-2009, 03:29 AM
..::||الفصل التاسع والثلاثون ||::..
خاف يوسف على صديقه عندما رآه بهذه الحالة، حاول إيقاظه ومناداته ولكن ما من إجابة، فحمله على ظهره بثقل وهو يبكي وبدأ يجره متجهًا نحو منزله، لحسن الحظ كان المنزل قريب فدخله ورأى عائلته حول آنية الطعام ينتظرون قدوم ابنهم ليشاركهم، إنها عائلة الطبيب النفسي أحمد، فرآه والداه وهو حاملاً لصديقه وعيناه تدمع بشدة وهو يستنجد بأبيه...
يوسف: أبي ساعدني!! لا أعلم ما الذي جرى لسامي!!!
نهض أحمد من مكانه فزعًا وحمل الفتى وقال لابنه: لا تقلق سيكون على ما يرام
أخذ أحمد سامي ووضعه على سرير أحد غرف النوم وتبعاه سارة ويوسف، كانت سارة تحاول التخفيف عن ابنها ومواساته...
أحمد: سارة، اذهبي إلى الأبناء كي لا يقلقوا
سارة: ولكن...
أحمد: لا بأس، يوسف سيبقى معي ويخبرني بما جرى
سارة: أريد معرفة ما الذي جرى...!!
أحمد: سأخبرك فيما بعد...
أتت ريم أصغر أبناء الطبيب والتي تبلغ الرابعة تسأل أباها: ماذا هناك يا أبي؟ ما به سامي؟ لماذا يبكي يوسف؟
أحمد: لا شيء، لا شيء يا حبيبتي، اذهبي الآن مع والدتك وتناولوا عشاءكم
ريم: وماذا عنك؟
أحمد: سآتي حالاً...
أخذت سارة ابنتها وخرجتا من الغرفة، جلس أحمد وابنه يتحدثان...
أحمد: أخبرني بالتفصيل ما الذي جرى؟
يوسف بخوف وصوت متقطع: العم مبارك قُتل...
صعق أحمد عندما سمع ذلك وقال: هل أنت جاد!! ولكن كيف؟
في هذه الأثناء أخذت سارة ابنتها ريم ووضعتها لتتناول الطعام وقالت لإبراهيم: ابقَ معهم فأنا سأذهب قليلاً...
وذهبت إلى أحمد ويوسف ودخلت الباب ووقفت في زاوية الغرفة، لاحظ أحمد وجودها ولكن لم يأمرها بالخروج وتابع حواره مع ابنه...
يوسف: لا أعرف تمامًا ولكن رأينا انبوبة معدنية تطير في الهواء وتضرب رأسه وكأننا في كابوس، وحوله أصحابه مقتولين، العم سالم والعم حسين وغيرهم الذين لا أعرفهم، أنا في كابوس بالتأكيد... متى سأستيقظ؟
خاف أحمد كثيرًا: *إنه قيس بالتأكيد!! ولكن لماذا قتلهم؟!!* ولماذا لم تهربا فورًا؟
يوسف: أردت ذلك ولكن عندما رأى سامي المنظر تحجر في مكانه ومن ثم بدأ يرتجف ويهذي وكأنه يخاطب أحدًا ثم زادت رجفاته وعلا صوت دقات قلبه حتى بدأت أسمعها عن بعد، ومن ثم أغشي عليه
أحمد بصوت عالٍ: هل أنت جاد!! أكان يخاطب أحدًا!!
يوسف: كان يهذي بالتأكيد، لم يكن هناك أحد!!
أحمد: وماذا قال؟
يوسف: فقط سأل (من أنت؟)
أحمد: ....، أتعرف تاريخ ميلاد صديقك؟
سارة: أحمد كف عن هذا الهراء، لا يمكن أن تكون تلك القصة حقيقة!!!
أحمد: سارة أرجوكِ ها هو ابني رأى ذلك المنظر بأم عينه
يوسف: ما الذي تتحدثان عنه؟
أحمد: فقط أخبرني أتعرف في أي تاريخ ولد؟
يوسف: في الأول من يناير
سارة بخوف: هذا مستحيل!!
أحمد: أكانت ولادته طبيعية أم قيصرية؟
يوسف: وما أدراني؟ لماذا تسأل هذه الأسئلة الأن؟ أهذا أمر مهم؟ أنا قلق الآن على صديقي وأنت تسأل هذه الأسئلة التي لا شأن لها بالموضوع!!؟
أحمد: أنا آسف...
سارة: أنا زرت والدته عندما أنجبته، لا أتذكر التاريخ ولكن أذكر أنها كانت ولادة قيصرية وأنجبته الساعة الحادية عشرة ليلاً تقريبًا
أحمد: تبًا... فقد شاهده إذًا!! لا أعرف ماذا سيحدث له بعد هذا اليوم
يوسف: ما الذي تعنيه يا أبي؟! أنت تخيفني؟ عن ماذا تتحدثان؟
أحمد: ما زلت صغيرًا فلن نخبرك... اذهب وتناول العشاء وعندما يستيقظ سنسأله عن الذي جرى
يوسف: لا أشتهي شيئًا بعد المنظر الدامي الذي رأيته سأبقى هنا مع سامي، إن أردتما تناول العشاء اذهبا وعندما يستيقظ سأخبركما...
أحمد: حسنًا كما تشاء...
خرج أحمد من الغرفة ومعه سارة، كان أحمد غاضبًا جدًا وقال بصوت غاضب وحزين: لماذا قتل مبارك والبقية!؟ ما الذنب الذي اقترفوه؟
سارة: .....هدّئ من غضبك فلن ينفعك ذلك
وعندما اقتربت العائلة من إنهاء المائدة، أتى يوسف جاريًا بسعادة وقال: أبي... سامي فتح عينيه!!
أحمد: حقًا!! أنا آتٍ الآن
ذهبوا فورًا إلى سامي، يوسف وأحمد وسارة، وعندما دخلوا عليه رأوه جالسًا في مكانه ينظر حوله
وعندما رآهم سألهم: أين أنا؟
أحمد: أنت في منزلنا يا سامي
سامي: سامي!؟ من يكون؟
أحمد ويوسف وسارة بتعجب: ماذا!!
سامي: من أنا؟
تعجب الجميع من سؤال سامي "من أنا؟" إنه أصعب سؤال يواجه الإنسان، لم يستطع يوسف تمالك نفسه فهم عليه وأمسكه من كتفيه وبدأ يهزه ويبكي
يوسف بصراخ: أنت سامي!! ما الذي جرى لك؟ أتريد أن تخيفنا أم ماذا؟
أحمد: يوسف دعه!! هذا لن يجدي نفعًا
نظر سامي إلى أحمد وسأله: من هذا؟ ولماذا يبكي؟
زاد بكاء يوسف وخرج من الغرفة جاريًا نحو غرفته أما أحمد فبدأ يسأل سامي عمّا جرى له
أحمد: ألا تتذكر شيء؟
سامي: لا
أحمد: لا شيء؟ لا شيء أبدًا؟
ظل سامي صامتًا لبرهة ثم قال: أيهم أفضل أن تموت امرأة عفيفة أم رجال مجرمون؟
انصدمت سارة مما سمعته وخافت، أما أحمد فاستمسك بحلمه وسأله: من قال هذه الجملة؟ من أين أتيت بها؟
سامي: كان شابًا وسيمًا، أبيض البشرة كبياض الثلج، وعينان فاتحتان زرقاوتان، على الرغم من أن الدماء تغطي جسده إلا أن ابتسامته تقذف الطمأنينة في النفوس
سارة: عينان زرقاوتان؟
أحمد: إنه قيس، أجل إنه يملك عينين زرقاوتين... ماذا قال لك؟ لماذا قال "أيهم أفضل أن تموت امرأة عفيفة أم رجال مجرمون؟"؟
سامي: سألته "من أنت؟" فأجابني بـ"أتستطيع رؤيتي؟!" ثم اقترب مني وأمسك بوجهي وقال بصوت رقيق "لا تخف، فقد قتلت هؤلاء لأنهم كانوا مدمني مخدرات وقد رأتهم جارتهم مرة وهم يتاجرون بها، كانوا يخططون لقتلها كي لا يفضح أمرهم!! أيهم أفضل أن تموت امرأة عفيفة أم رجال مجرمون؟"
أحمد: *هذا مستحيل!! لا يمكنني تصديق أنهم كانوا مدمني للمخدرات!! إنه يكذب*
سقطت سارة على الأرض تبكي وهي تقول: حمدًا لله... حمدًا لله...
التفت أحمد نحوها وسألها بتعجب: ما بك؟
سارة: لم أكن أعلم بأنهم كانوا يخططون لقتلي
صدم أحمد مما سمعه وقال: هل أنت جادة؟
سارة: أجل...
أحمد: لماذا لم تخبري رجال الشرطة؟! أو على الأقل تخبريني؟!
سارة: كنت خائفة، لم استطع فعل أي شيء...
لم يستطع أحمد قول شيء بعد أن سمع ذلك من أقرب الناس إليه، واكتفى فقط بالقول في نفسه: *ما الذي حدث لدولتنا؟!*
أما شيماء فقد وصلت إلى منزل والدها ودقت جرس المنزل، فتح لها الصبي نفسه الذي فتح لها المرة الماضية...
الفتى: مساء الخير
شيماء مبتسمة: مرحبًا
الفتى: تعالي للداخل...
سألته شيماء وهما يسيران: ما اسمك يا صغير؟
الفتى: حمد...
شيماء: أأنت ابن محمد؟
حمد: أجل... أتعرفين والدي؟
شيماء: بالتأكيد فأنا ابنته
وقف الفتى في مكانه ونظر إليها: ابنته؟ كيف هذا؟ أنا لا أملك أختًا كبرى
ابتسمت شيماء وقالت له: والدك كان متزوجًا امرأة قبل والدتك ولكنه طلقها...
حمد: إذًا فأنت تكرهيننا الآن أليس كذلك؟ بالتأكيد تحقدين علي وعلى والدتي لأخذ والدك منكما!
شيماء: بالتأكيد لا... فلا ذنب لكما، أمك تزوجت رجلاً وهذا ليس بعيبًا، وأنت ولدت بعد الذي جرى ولا دخلك لك أيضًا... لماذا ظننت بأنني سأكرهكما؟
حمد: لأن صديقي يكره زوجة والده وأبناؤها
شيماء: لأنه صغير ولم يتفهم الأمر حتى الآن، أما أنا فلا أكره سوى شخصًا واحدًا منكم...
حمد: أهو أبي؟
شيماء: لا بل جدتك
حمد بتعجب: وأنتِ أيضًا
ضحكت شيماء وقالت: ولماذا تكرهها أنت؟
حمد: إنها عصبية وكثيرة الصراخ وخاصة على أبي... إنها عجوز فلماذا لا تموت وتخلصنا؟
ضحكت شيماء مرة أخرى وقالت: لندخل الآن فأود رؤية والدي...
حمد: حسنًا.. ولكن ألن تخبريني باسمك؟
شيماء: شيماء...
حمد: حسنًا... أتمنى لو تداومي على زيارتنا ولا تنقطعي، فكم تمنيت لو أنني أملك أخًا أو أختًا كبرى
شيماء: ألا تملك واحدًا؟
حمد: لا فأنا أكبر إخوتي
شيماء: حسنًا... سآتي إلى هنا بين الحين والآخر
دخلا سويًا المنزل وإذا بجدتها جالسة أمامها
فابتسمت لها شيماء بلطف وقالت: السلام عليكِ
نظرت إليها بحقد وكراهية وقالت: لماذا أتيتِ إلى هنا مرة أخرى؟
شيماء: ألن تردي السلام؟
منيرة: لا مكان لك هنا ولا حاجة، فاغربي عن وجهي واخرجي من منزلي
شيماء بعد أن كشفت عن وجهها الحقيقي وأزالت ملامح اللطف: أنا هنا لمقابلة والدي وليس لرؤية وجهك الأجعد!!
تعجب حمد: *إنها جريئة!! تعجبني حقًا، شيماء... أفتخر بأنها أختًا لي*
منيرة: حقًا إنك قليلة التهذيب، أهكذا ربتك والدتك؟ أفضل شيء فعله ابني عندما طلقها وإلا لفسد النسل
شيماء: اصمتي يا عجوز، انظري إلى أخلاقك قبل أن تخاطبيني، وإن كنتِ لا ترحبين بي فغيركِ يرحب بي
منيرة وباستهزاء: ومن؟
أتى والدها في هذه اللحظة ولكنه لم يقل شيئًا وهو ينظر إلى هذا اللقاء الذي لم يتمنى حدوثه مرة أخرى...
فقالت منيرة: اخرجي... ها هو ابني لا يريدك هنا
محمد: .....
شيماء: أحقًا هذه رغبته أم رغبتكِ؟
تدخل حمد قائلاً بتردد: ها... ها أنا أرحب بها
تعجب والده مما قاله أما منيرة فغضبت: أيها المتعجرف الصغير أتطيل لسانك على جدتك؟
حمد بخوف: لم أقل شيئًا فقط أبديت رأيي
منيرة: وتراددني أيضًا؟ سترى ماذا سأفعل بك!!
شيماء وبابتسامة سخرية: هيه... وماذا تستطيعين فعله وأنتِ مقعدة هكذا؟ من السهل قول ذلك ولكن من الصعب تنفيذه...
زاد غضب منيرة وبدأت بالصراخ: أخرجي حالاً أيتها الوقحة
خاف حمد واختبأ خلف شيماء قائلاً بصوت خافت: لا تتركيني هنا لوحدي بعد الذي قُلتُه لها...
شيماء: لن أتحرك حتى أسمع والدي...
محمد: *ما الذي تريدينني أن أقوله!! في ماذا تفكرين؟*
منيرة: محمد... أخبرها بأنك لست أباها منذ أن تركتهما تلك الليلة...
شيماء: اصمتي ودعي والدي يتحدث، لديه قلب وشعور ولديه عقل يفكر فيما يقوله ولسان ينطق به ولا يحتاج إلى حديثك الفارغ هذا، فهو لم يطلب منك أن تختاري له ردًا... ماذا قلت يا أبي هل أغادر أم نجلس ونتحدث؟
قال محمد لوالدته: أنا من اتصلت بها وطلبت رؤيتها
منيرة بتعجب وغضب: ماذا قلت!!؟ هل أنت جاد؟
محمد وتردد في إجابته: أ...أجل
منيرة: أيها...
قاطعتها شيماء: أرأيتِ؟! أنتِ الوحيدة التي لا ترحب بي هنا، فهل لكِ أن تصمتي ولو للحظة؟ فكلامك كثير وفارغ...
ثم أمسكت بيد والدها وسحبته: لندخل إلى المجلس...
تبعهما حمد قائلاً بصوت خافت: انتظراني لا تتركاني لوحدي...
دخلوا ثلاثتهم المجلس وجلسوا على المقاعد...
محمد: لماذا أتيتِ؟ ألم أقل لك أن لا تأتِ إلى هنا؟ انظري ماذا حدث!!
شيماء: لماذا؟ ما الذي حدث؟
محمد: شيماء، لا أستطيع فهمك!! كل هذه المشاجرات التي حدثت وتقولين لم يحدث شيئًا؟
شيماء: ولكن ماذا جنينا من وراء هذا الشجار؟
محمد: المشاكل بالتأكيد
شيماء وحمد: لا أظن ذلك...
نظرت شيماء إلى حمد وقالت: لماذا لا تظن ذلك؟
حمد: لا أعلم ولكن... وجودك كان دافعًا لما قلته، كان لدي الجرأة لا أعرف لماذا، مع أنني خائف الآن ماذا سأفعل بعد مغادرتك؟
شيماء: لا تخف فهي لا تستطيع فعل شيء... أتخاف من نظراتها أم من صوتها؟ إن كان كذلك فسد أذنيك وأغمض عينيك عندما تعبر أمامها...
محمد: لا أعرف ماذا أقول...
شيماء: لا تقل شيئًا ولكن من الآن اتخذ قراراتك بنفسك...
محمد: شيماء!! أهذا ما تريدين الوصول إليه!!؟
شيماء: أجل... ألست قلقًا علي؟ فأنا قلقة عليكِ أيضًا. فبكونك رجل يجب أن تكون الآمر هنا وليس المأمور، ولكن ما أراه غير ذلك، وبسبب هذه الخصلة الذميمة التي تتصف بها ضاعت حياة شخصين، وإن واصلت حياتك هكذا ربما تضيع حياة عائلتك الجديدة... هل ترغب بحدوث ذلك الأمر؟ وأيضًا انظر إلى نفسك، تقول وتفعل أمور وقلبك يتقطع من الداخل أهذا شعور رائع؟
محمد: هل أنتِ حقًا تتعالجين لدى طبيب نفسي أم أنت الطبيب نفسه؟
ضحكت شيماء ومن ثم قالت: لا بالتأكيد... أنت تبالغ
ابتسم محمد وقال: يا ليتني لم أطلقها... فقد أحسنت تربيتك
حمد بتعجب: أبي يبتسم!!
شيماء: وما العجب؟
حمد: أتريدني أن أخبرك الحقيقة يا أبي... لا أريد جرح مشارعك ولكنني لم أنظر إليك يومًا نظرة أب ولكن نظرة روبوت لأنك لا تظهر مشاعرك ولا تفعل إلا ما يقال لك...!!!
شيماء: إذًا فهذا رائع...
ثم التفتت نحو والدها وقالت: ولكن والدتي لا دخل لها بتربيتي
محمد: لماذا؟
شيماء: الفتاة التي تراها أمامك هي الفتاة التي بناها قيس...
محمد: مستحيل... أنتِ تمزحين أليس كذلك؟
شيماء: ولماذا المزاح؟ منذ صغري وأنا وحيدة في المنزل وأمي تعمل طوال الليل والنهار، إما في عملها أو ترتيب المنزل أو الطبخ والتنظيف أو للتسوق وشراء حاجات المنزل... كنت فتاة وحيدة ولا أعرف ما يدور من حولي وما معنى الصحبة والحنان أو معنى العائلة حتى قابلت قيس... هو الذي رباني وعلمني كل هذه الأمور، الحب العطف الحنان والأمل... وهو فخور بي الآن كفتاة ترعرعت تحت يديه
محمد: ولكنه رجل غريب ولا يعيش معكما في المنزل فكيف كان له الوقت الكافي للجلوس معك؟ كيف بدأ الأمر؟
شيماء: عبر نافذة غرفتي...
محمد: نافذة غرفتك؟
شيماء: أجل... أتاني عبر نافذة غرفتي وكان يزورني كل ليلة
محمد: هذا غريب!!
حمد: بل عجيب
محمد بتعجب: عجيب؟ وما العجيب في الأمر؟
حمد: إنها كقصة خيالية...
شيماء: هذا وأنت لا تعرف شيء حتى الآن وقلت خيالية، إذًا ماذا ستقول بعد أن أخبرك بالتتمة؟ لن تصدق ما أقوله...
محمد: لا تخبريه عنه
حمد: لماذا؟
شيماء: لا لن أخبركما
محمد: "أخبركما"؟ ألست أعلم بالأمر أيضًا؟
شيماء: بالتأكيد لا فأنا لا أعني ما تفكر به... إن أخبرتك بهذا الأمر فقد تظنني مجنونة
محمد: لماذا؟
شيماء: لأنه أمر خيالي ولا يصدق... حسنًا أنت من أردت مقابلتي ولم تخبرني بما ترغب قوله
محمد: كنت أريدك أن تنسي قيس ولكن...
شيماء: ولكن هذا مستحيل
محمد: يبدو كذلك... ربما يملك إيجابيات إن كنتِ حقًا ترعرعتِ تحت يديه
شيماء: بل لا يملك سلبيات... حسنًا لا أستطيع الجلوس كثيرًا فهناك من ينتظرني في المنزل...
محمد: أتعنين والدتك؟
شيماء: بل والدي
ثم ابتسمت له وغادرت المكان...
..::||الفصل الأربعون ||::..
أثناء غياب شيماء عن المنزل وصل قيس إلى منزلها، دخل إلى الغرفة عبر النافذة، ووجد الأضواء مطفأة وهذا ليس من عادتها، فأدرك حينها أن شيماء ليست في المنزل. كان المكان مظلمًا لا ينيره سوى ضوء القمر المتخلل للداخل، التفت قيس لشماله وإذا بورقة معلقة على المرآة كتبت عليها "ذهبت إلى والدي اليوم، قد أتأخر قليلاً... سأخبرك بما جرى عندما أعود" ابتسم قيس عند قراءته للورقة، وفور انتهائه نزعها ورماها في سلة المهملات.
جلس وحيدًا في الظلام ينظر حوله، كانت هناك الكثير من اللوحات التي اسندتها شيماء على الحيطان لتجف، ولوحة وضعت على الحامل وكانت مغطاة بقطعة قماش، لم يرفع عنها القماش لأنه يعلم بأنها ليست مكتملة، فمن عادة شيماء تغطية لوحاتها قبل أن تنهيها فهي لا تحب أن يرى أحد لوحاتها قبل الانتهاء.
بدأ يتأمل في اللوحات، جميعها كانت دموية وتحمل مشاعر القسوة والغضب، وقيس موجود في أغلب هذه اللوحات... السواد يعم المكان، والدماء تغطي الجدران، والجثث منهمدة على الأراضي، وملامح الأسى مرتسمة على وجه قيس فيها. رأى قيس هذه المناظر التي طبعت الحزن والأسى في قلبه، نظر إلى الصور التي لا تحوي سوى الدماء الملطِخة لجسده، والأسلحة بين يديه، وهو يقف وسط الظلام...
التفت بعدها نحو المرآة... نظر إلى صورته المنعكسة عليها، كان كما يظهر في اللوحات، الدماء تغطيه لقتله للتو مبارك وأصحابه، وهو يقف في الظلام يحمل ملامح بؤس وحزن.
انخفض أمام أحد اللوحات يفكر وهو ينظر إليها: * أهذه هي نظرة شيماء لي؟ أهي تراني بهذه الصورة دائمًا؟ أم هذا ما يعجبها في شخصيتي؟ القسوة، السفك، الغضب!! لِم لم ترسم واحدة وأنا أبتسم؟ أتحب أن تظهر مشاعري الداخلية في لوحاتها؟... أهي قادرة على إنقاذي وهذا هو تفكيرها؟!!*
ثم جلس مستندًا بجوار أحد اللوحات على الحائط ورفع رأسه ينظر إلى السقف وقال بصوت خافت: أرجو ألا تسيئي التصرف مع أسرة والدك...
وفور انتهائه من هذه الجملة دخلت شيماء عليه، لم تلاحظ في بادئ الأمر وجوده ولكنها فتحت الأضواء ورأته، التفت قيس ونظر إلى وجهها السعيد فأدرك أنه لم تحدث هناك مشكلة، فابتسم لها ونهض من مكانه...
قيس وهو يضع كفيه في جيبيه: أبشري يا جميلة ما الذي حدث هناك؟
شيماء بابتسامة: أظن أنني سأكون سببًا في تغيير فردين من العائلة
قيس مبتسم: ومن هما؟
شيماء: أبي وأخي حمد...
قيس: هذا رائع... إن كان والدك سيتغير إلى الأحسن فقد أنجزت شيئًا عظيمًا...
شيماء: تخيل، أبي أخبر جدتي بأنه هو من اتصل بي وأراد مقابلتي..!! كنت أريده أن يخبرها بنفسه بدلاً من أن أكون أنا من يخبرها، إن أخبرتها أنا فقد يضعف هذا من شخصية أبي أكثر فأكثر، أليس كذلك؟
قيس: بالتأكيد... أحسنتِ التصرف حقًا... وماذا عن حمد؟
شيماء: لقد أبدى رأيه أمام تلك العجوز وقد غضبت منه. أتساءل كيف تريدهم أن يعيشوا هكذا؟ أتريد أن تتحكم بهم كما تشاء؟ إنها حقًا خرفة...
قيس: أكره هذا النوع من البشر...
شيماء بابتسامة عريضة: تستحق الموت أليس كذلك؟
نظر إليها قيس بتعجب دون قول شيء: .....
شيماء: أمزح معك ههههههه
ابتسم قيس وقال: يا لك من مشاغبة...
شيماء: دعك من هذا الآن، فلدي مفاجأة لك... إن أردت تفاصيل ما حدث فسأخبرك بعد المفاجأة
قيس: وما هي؟
ذهبت شيماء نحو اللوحة المغطاة وأزالت عنها الغطاء، لم تكن لوحة ناقصة كما ظن قيس، بل كانت هي المفاجأة التي أعدتها له، كانت اللوحة عبارة عن منظر البحر في وضح النهار وقيس يقف على شاطئه بوجه ضاحك، وهي بجواره... بدأ ينظر إلى الصورة متأملاً فيها، لم يعبر بكلمة أو بملامحه... بقي صامتًا لا يستطيع الكلام أو التعبير عن مشاعره...
فقالت شيماء بصوت هادئ وابتسامة صغيرة قد ارتسمت على شفتيها: أنا على يقين بأنه سيأتي اليوم الذي سنرى فيه ضوء الشمس ينير السماء الزرقاء معًا
لم يرد قيس على كلامها أو يلتفت نحوها، تابع تأمله للرسمة
فسألت: هل أعجبتك؟
فالتفت وضمها بقوة وقال: أنا آسف؟
شيماء: لماذا تتأسف؟
قيس: ستضطرين إلى غسل ملابسك...
شيماء وقد ضمته هي الأخرى: لا بأس... إن كان ذلك سيشعرك بالراحة
قيس: شكرًا لك، إنها أجمل لوحة رأيتها، ليس من بين لوحاتك فقط بل في العالم بأكمله
ثم ابتعد عنها ونظر في وجهها متبسمًا...
شيماء: إذًا... هل آخذها إلى منزلك؟
قيس: هل أنتِ جادة؟
شيماء: أجل ولمَ لا؟
قيس: إذًا لنأخذها غدًا هناك
شيماء: كما تشاء...
قيس: الآن أخبريني بتفاصيل ما حدث...
جلسا سويًا في ذلك اليوم يتحدثان ويضحكان، كانت ليلة تختلف عن جميع الليالي... كل منهما وجد ما يسعده ويغير جزء من حياته، فقيس أدرك أنه أساء الظن بشيماء وهو الآن على يقين بأنها الوحيدة التي تستطيع إنقاذه، وشيماء أثرت تأثيرًا إيجابيًا على والدها وأسعدت قيس في الوقت نفسه. وفي اليوم التالي منذ الصباح، أخذت شيماء لوحتها وقامت بوضعها داخل إيطار ثم اتجهت نحو منزل قيس، كان نائمًا في المكان نفسه، على الأريكة في غرفة المعيشة، نظرت إليه مبتسمة ثم سارت في الطريق المضاد لتعلق اللوحة، وبعد انتهائها من عملها خرجت من المنزل وذهبت لتتجول في المدينة...
أما في منزل أحمد فكان سامي ما زال معهم في المنزل على الفراش ولم ينهض، أصبح كثير النوم والنسيان وكلما استيقظ من نومه يرى من حوله بتعجب وتساؤل من يكونون..!!
استيقظ سامي مرة أخرى عند الساعة الواحدة ظهرًا، كان يوسف جالسًا بجواره، فعندما رأى سامي قد فتح عينيه اقترب منه أكثر ليتحدث معه...
يوسف: سامي...
سامي: من أنت؟...
يوسف: ألا تذكرني؟ البارحة كنا نحن الاثنين نلعب كرة القدم سويًا في النادي ألا تذكر؟
سامي: أي نادي؟... لا أذكر شيئًا... ومن تكون؟ أو... من أكون؟ لا أذكر شيئًا... لا أذكر سوى... ذلك الرجل...
يوسف: أي رجل؟ أتعني العم مبارك رحمه الله؟
سامي: عم؟ لا لم يكن رجلاً كبيرًا... إن كنت تعني الرجل المقتول... أذكر لحظة وفاته عندما قتله ذلك الشاب...
يوسف: أي شاب؟ لم أرَ أحدًا
سامي: كنت وحدي في تلك اللحظة، أنا وهو.. فقط، فكيف لك أن تراه؟
يوسف: بل كنت معك... رأيت مبارك وهو يضرب ولكن لم أستطع رؤية الفاعل... لم يكن هناك أحد، كانت العصا تتحرك بمفردها!!
سامي دون النظر إلى يوسف وكان يحدث نفسه بصوت منخفض: كنت وحدي معه، واقترب مني وأمسك بوجهي... من يكون؟ (ثم التفت إلى يوسف وسأل) أتعرف شابًا يملك عينين زرقاوتين هنا؟ أكنت أعرفه أنا من قبل؟ لا أذكر شيئًا...
دخل عليه أحمد فجأة وأجابه: لا لم تكن تعرفه
سامي: من أنت؟
أحمد: ألا تتذكرني؟ أخبرتك من أنا صباح هذا اليوم ثلاث مرات.. ألا تتذكر؟
سامي: متى حدث هذا؟ إنها المرة الأولى التي أراك فيها...
أحمد: وما هو آخر شيء تتذكره؟
سامي: كنت أسير لوحدي في الليل ورأيت شابًا أبيض البشرة يقتل رجلاً بطريقة وحشية، ثم اقترب مني... وأمسك بوجهي... و... أغشي علي واستيقظت الآن لأرى نفسي هنا...
يوسف: أبي... أنا كنت معه، ولكنني لم أرَ هذا الشاب الذي يتحدث عنه!!
أحمد: يوسف، لا تفكر في الأمر كثيرًا فلا شأن لك في الموضوع
غضب يوسف وقال: لا شأن لي؟ قتل جارنا وصديقي فقد ذاكرته وهو يتحدث عن شخص لم أره!! وكل هذا يحدث من حولي وأنا لا أعرف سببًا له أو جوابًا!! ولا شأن لي؟
أحمد: يوسف، صديقك على ما يرام وسيتحسن قريبًا وسيتذكر كل شيء فلا تخف
يوسف: أبي أنت تخفي عني شيئًا... منذ أن أخبرتك بالحادث تغيرت ملامحك وبدأت تسأل عن أمور لا حاجة لها كتاريخ ميلاده وكيفية الولادة!!
أحمد: حسنًا يا بني... جاء دورك لأسألك... عندما مات مبارك هل ظهر فتى في بداية مراهقته للحظات؟
يوسف: للحظات؟ ماذا تعني؟ أنا لم أرَ شيئًا كنت فقط أنظر إلى وجه صديقي وأحاول سحبه معي لنهرب، لم أركز نظري على الحادثة... وها أنت تسأل سؤالاً آخرًا غريبًا..!!
سامي: أتعرف من يكون؟ الشاب الذي أتذكره كان في عمري تقريبًا... في أول مراهقته... وكان...
أكمل أحمد على حديثه قائلاً: وكان يمتلك عينين زرقاوتين وشعرًا أسودًا حالكًا... يرتدي ثوبًا أبيضًا ووجه أبيض كلون الثلج أليس كذلك؟
يوسف: أبي..!! أتعرف عن من يتحدث سامي؟
سامي: أتعرفه؟
أحمد: أعرفه ولكنني لم أقابله يومًا...
سامي: من يكون؟ أهو أحد أقاربي؟
أحمد: لا... هو فتى وحيد لا يملك أسرة...
يوسف: ولكن يا أبي أنا لم أر أحدًا هناك!! أهو شبح يظهر لأناس معينين فقط؟
أحمد: لا أعلم... أهو شبح أم إنسان.. لا أعرف ما هو حقيقةً...
يوسف: كيف لك أن لا تعرف... ما الذي تعرفه إذًا...؟
أحمد: يوسف، أتوسل إليك لا تزعجني، أيمكنك أن تتركنا لوحدنا؟
يوسف: لا...
أحمد: يوسف...!!
يوسف: قلت لا... لن أغادر
سامي: دعه وشأنه ولكن أخبرني عن هذا الشاب... ما اسمه وكم عمره ولماذا قتل ذلك الرجل... لماذا سألني قائلاً "أتستطيع رؤيتي"؟ ماذا كان يعني بهذا؟
أحمد: إنه يكبرك بعام واحد... أو شكله يوحي بذلك... يدعى قيس وهو يقتل كل من يرتكب جرائم كبيرة كالقتل وتعاطي المسكرات وفعل الفواحش... أما عن سؤاله ذلك السؤال فالسبب هو... أنه لا يستطيع أحد رؤيته إلا إذا كان مميزًا
سامي: مميز؟! كماذا؟
يوسف: أبي ما هذه القصة؟ أريد أن أعرف الحقيقة
أحمد: ألا تصدق والدك؟
يوسف: أنا لا أكذبك ولكن...
أحمد: ولكن إن كنت كاذبًا فلماذا لم تستطع رؤيته؟ إن كنت قد رأيت عصى تتحرك لوحدها شيء يصدق فلماذا لا تصدق بأنه كان هناك من يحملها؟
يوسف: ....
سامي: وماذا على المرء أن يفعل ليستطيع رؤيته؟
أحمد: أن يكون مولود في الأول من يناير ليلاً بولادة قيصرية... اسمع يا سامي... أنا أخبرك بهذه المعلومات لأنها قد تعينك على تهدئة الصدمة التي واجهتها ولكن لا أريدك أن تخبر أحدًا بما قلته لك، فقد يكذبوك ولن يصدقك أحد... أو قد تقع في المشاكل أنت وأسرتك...
يوسف: ألهذا سألتني عن تاريخ مولده؟ هل علمت حينها بأن هذا الذي يدعى قيس هو الذي قتل العم مبارك؟ ولكن كيف؟ من أين تعرفه؟
أحمد: إن كنت ستجلس معنا ابقَ بلا أسئلة ونقاشات فأنا لا أريدك أن تتدخل في هذه المسألة أيضًا...
سامي: ولكن يا عم أريد أن أعرف أنا ذلك أيضًا... إن كنت لا تراه فكيف عرفت عنه؟
أحمد: أعرف فتاة تستطيع رؤيته، وهي مقربة كثيرًا منه، يحبها ويفعل المستحيل من أجلها، ويخاف عليها لكونها الوحيدة التي تعرفه وهو قاتل، كتب يومًا رسالة لي يطلب مني أن أحميها فقد كانت في ورطة حينها لقتله إحدى زميلاتها، وكانت زميلتها عدوة لها فلذلك قتلها، وكان ذلك الاتصال الوحيد المباشر بيننا...
سامي: ولكن لماذا هو غير مرئي؟
أحمد: لا أحد يعرف السبب، وهو بنفسه لا يعرف لماذا حدث له ذلك... حسنًا يا سامي، سأحضر لك الآن غداءك فأنت تشعر بالجوع حتمًا...
..::||الفصل الحادي والأربعون ||::..
غابت الشمس وحل الظلام، استيقظ قيس من نومه ورأى اللوحة أمامه، نهض من مكانه واتجه نحو اللوحة
وقف أمامها مبتسمًا ثم قال في نفسه: *آسف يا شيماء، لقد أسأت الظن فيك، ولكنني الآن على يقين بأنك الوحيدة التي تستطيعين إنقاذي*
ثم خرج قيس من منزله الفخم متجهًا مباشرة إلى غرفة شيماء. وصل إليها الساعة السابعة مساء...
شيماء بتعجب: أتيت اليوم مبكرًا!! ما الأمر؟
قيس مبتسم: فقط اشتقت إليكِ
شيماء: حقًا؟ شكرًا لك...
قيس: رأيت اللوحة... إنها جميلة، ومكانها مميز حقًا
شيماء: شكرًا
قيس: البارحة كان يومك للحديث ولم تدعيني أنطق بكلمة
شيماء متبسمة: آسفة
قيس: لا بأس... فقط أردت أن أخبرك بأنه حدث شيء لم أتوقعه يومًا
شيماء: وما هو؟
قيس: البارحة رآني فتى
شيماء: حقًا!! أمر لا يصدق
قيس: بل صدقي. كنت أقتل رجالاً كانوا يتعاطون المخدرات ورأتهم جارة أحدهم وهم يتعاطونها في أحد الأزقة عبر النافذة ولاحظوها، فأرادوا قتلها فذهبت لقتلهم، ولكن بينما كنت أقتل آخر رجل منهم أتى ولدان ورآ ما حدث، الأول شعر بالفزع لأنه لم يراني وكنت حاملاً إنبوبة من الحديد أضرب بها الرجل، ولكن الآخر رآني وتحدث معي، بدى خائفًا وأغشي عليه، لا أعلم ما الذي حدث له الآن ولكن أعجبني صديقه، فلم يهرب لوحده بعد الذي حدث، فصديقه لم يتحرك عندما رآني من الصدمة ولكنه لم يتركه، بقي بجواره حتى أغشي عليه...
شيماء: إذًا فيوجد هناك غيري...
قيس: لا...
شيماء: كيف لا وأنت أخبرتني للتو..؟!
قيس: ما أعنيه هو أنني لا أملك غيرك... فأصبحت لا أبالي إن ولد شخصًا غيرك قادر على رؤيتي...
ابتسمت شيماء في وجهه وهي غير قادرة على التعبير، فقد شعرت بفرح كبير، وحينها ظنت أن قيس ملكها وحدها...
وبعد يومان وبينما كانت شيماء لدى الطبيب...
أحمد: كيف حالك يا شيماء؟
شيماء: بخير... منذ ثلاثة أيام حدث شيئًا لم أتوقعه سيحدث يومًا
أحمد: وما هو؟
شيماء: منذ يومان استطاع فتى رؤية قيس وهو يقتل، وتحدث معه أيضًا...
أحمد وكأن الأمر جديد عليه: حقًا؟ ما الذي حدث بالضبط؟
شيماء: كان هناك رجال يتعاطون المخدرات ورأتهم زوجة أحد رجال الحي عبر نافذة منزلها، يقول بأن أحد الرجال كان مقربًا لزوج المرأة ولكنه لطيف ولا يعلم بأن صديقه مدمنًا، عندما أدركوا بأنها كشفت أمرهم كانوا يخططون لقتلها، فأعطاهم قيس إنذارًا...
أحمد مقاطعًا شيماء: إنذارًا؟
شيماء: أجل، فقد قرر قيس أن ينذر المجرمين بترك أفعالهم ويعطيهم فرصة لا تزيد عن الأربعة أيام وإن لم يتركوها فسيقتلهم، طبق قيس ذلك منذ زمن... ألا تقرأ أو تسمع الأخبار؟
أحمد: لا، لا أملك وقتًا كافيًا... حسنًا أكملي ماذا حدث بعدها
شيماء: ولكنهم عندما رأوا الإنذار قرروا أن يعجلوا من قتل الامرأة قبل أن يأتي قيس في اليوم الرابع، ولم يكونوا يعلمون أن قيس يراقبهم طوال الأربعة أيام، وفي الليلة التي كانوا يخططون فيها لقتل المرأة قام قيس بقتلهم، وأثناء ذلك أتى فتيان، أحدهما استطاع رؤيته والأخر لم يستطع، فالذي رآه تحجر في مكانه ينظر إلى قيس ومن ثم سأله "من أنت؟" فلفت انتباه قيس وعندها تحدث قيس معه وأخبره بسبب قتله لهؤلاء الرجال ومن ثم أغشي على الفتى...
أحمد: لا يعرف قيس من يكون هذا الفتى وما جرى له بعد ذلك؟ أو هل يعلم شخصيًا من هي المرأة ومن هو زوجها؟
شيماء: لا... لا يعرف أيًا من هذه الأشياء... ولكنه أضاف بقوله أن صديق الفتى الذي رآه وفيًا وقد أعجب به قيس، فقد وقف مع صديقه ولم يهرب لوحده، لو كان شخصًا آخرًا لتركه هاربًا...
أحمد: طبعًا، فهذه تربية سارة
شيماء ولم تستوعب كلام الطبيب: عفوًا
أحمد: الفتى فقد ذاكرته بعد أن استيقظ من غيبوبته
شيماء ولم تفهم الأمر حتى الآن: ماذا؟
أحمد: سامي، صديق ابني يوسف اللذان رأيا قيس وهو يقتل مبارك وأصحابه، فقد ذاكرته ولا يتذكر سوى الحوار الأخير الذي دار بينه وبين قيس...
شيماء: إذًا فأنت تعرف ما حدث أليس كذلك؟
أحمد: أجل...
شيماء: والآن.. هل عادت له ذاكرته؟
أحمد: لا ليس بعد ولكن أظنها فترة وجيزة وستعود الأمور كما كانت فلا تخافي عليه
شيماء: لا أظن أن قيس كان يعلم بأن الفتى هو ابنك...
أحمد: ولا يعلم بأن المرأة التي أنقذها هي زوجتي؟
شيماء: هذا مستحيل!!
أحمد: أيريدني أن أغير نظرتي نحوه أم كانت مجرد مصادفة؟
شيماء: لا، قيس لا يعلم بذلك..!! لا أظنه يعلم لأنه لو علم بذلك لأخبرني فهو لا يخفي عني شيئًا من هذه الأمور...
أحمد: ربما... وربما لم يخبرك بهذا...
شيماء: ....هل توافق قيس الآن؟
أحمد: بالتأكيد لا...
شيماء: ولكن هو من أنقذ زوجتك!!
أحمد: أعلم ذلك وأنا ممتن له، ولكن مع ذلك فما يفعله ذنب كبير
شيماء: ولكن ماذا كنت ستفعل لو لم يكن قيس هناك؟
أحمد: الأعمار بيد الله وكل نفس ذائقة الموت وعلينا الرضاء بالقدر والمجرم ستعاقبه الدولة
شيماء: حسنًا... يبدو أنك لن تتراجع عن هذه الفكرة
أحمد: بالتأكيد، كما أنتِ مصرة على صحة ما يفعله قيس
شيماء: كما تشاء... أنا ذاهبة الآن...
أحمد: لحظة واحدة... أريد أن أطلب منك طلبًا بسيطًا
شيماء: وما هو؟
أحمد: لا تخبري قيس بأني زوج سارة...
شيماء مبتسمة: حسنًا... كما تشاء، فالأصدقاء لا يفشون أسرار بعضهم
قالتها شيماء وهي تعني الجملة التي قالتها عندما تقابلا أول مرة... ابتسم أحمد لما قالته ولو أنه كان خائفًا مما سيجري لهذه الفتاة. حل المساء وعاد أحمد إلى منزله، ثم جلس على مائدة الطعام مع أسرته...
أحمد: ألم ينهض سامي من الفراش حتى الآن؟
سارة: ليس بعد...
أحمد: أهو نائم الآن؟
يوسف: أجل...
فجأة أتى إليهم سامي ماشيًا على قدميه، وكان يترنح في مشيه وماسكًا رأسه وكاد أن يقع، فأسرع أحمد نحوه وأمسك به...
أحمد: عد إلى فراشك، أنت ما زلت مرهقًا...
سامي: لا بأس يا عمي سأرتاح في منزلي...
يوسف وأحمد باستعجاب: منزلك؟!
نظر إليهم رامي بتعجب سائلاً: ماذا دهاكما؟
يوسف: أتعلم من أنا؟
سامي: وما هذا السؤال؟ بالتأكيد أعرفك فأنت صديقي العزيز يوسف...
قفز إليه يوسف وضمه: الحمد لله عدت إلى صوابك
ضحك سامي قليلاً ثم قال: ما بك..؟ فقط أغشي علي قليلاً ولم يحدث شيء؟ أتظنني فقدت ذاكرتي؟
ثم رفع عينيه ونظر إلى أحمد: عمي.. كم الساعة الآن؟ هل أطلت عليكم وأنا نائم؟
أحمد: لقد مضت ثلاثة أيام على الحادث ونهضت من قبل ولكنك كنت فاقدًا الذاكرة...
سامي بتعجب: حقًا!! أنت تمزح بالتأكيد... أنا لا أتذكر شيئًا كهذا..
يوسف: بل هذه الحقيقة... فكنت لا تتذكر شيئًا حتى اسمك، فقط تتذكر الحوار الذي دار بينك وبين القاتل
سامي وبحماس: أجل.. هل رأيته كيف كان يقتل؟ ملامحه كانت مخيفة أثناء ذلك ولكن هل رأيته عندما كان يتحدث معي؟ بدى طيب القلب ولكنني خفت منه... كيف احتملت الوقوف معي عندما اقترب ولم تهرب؟
يوسف: في الحقيقة أنا لا أستـ...
ثم قاطعه أحمد قائلاً بصوت عالٍ: يوسف..!!
نظر إليه يوسف وأدرك بأن والده لا يرغب بأن يتذكر سامي حقيقة قيس التي قصها عليه...
فقال لسامي: لا... فأنا أدرك أن هذا الشاب لا يقتل سوى المجرمين
سامي: ولكن أليس من الغريب أنه فتى في عمرنا؟ أليس ظهور القاتل كان أكثر من عشرين سنة؟
يوسف: ربما يكون أكثر من رجل وليس واحدًا...
..::||الفصل الثاني والأربعون ||::..
كانت شيماء مع قيس في غرفة النوم يتحدثان وهما جالسان على السرير...
قيس: هل قمتِ بالتسجيل في الجامعة؟
شيماء: أجل... والحمد لله قُبِلت...
قيس: في أي جامعة؟
شيماء: فيرجينيا بالتأكيد...
قيس: أوه... هذا رائع، ولكن لماذا اخترتِ هذه الجامعة؟ ألن تكلفك كثيرًا من المال؟
شيماء: أردت أن أهرب من طالبات فصلي فلا أريد أن أقابل أحدًا في الجامعة أيضًا يعلم بأنني أعرفك شخصيًا فلهذا هربت منهن... ولكنها أفضل جامعة للفنون أليس كذلك؟
قيس: هذا صحيح... إنها مختلطة على ما أظن
شيماء: أجل...
قيس مازحًا: إذًا إن حاول أحد الشباب مضايقتك فقط أخبريني لأتخلص منه
شيماء مبتسمة: بالتأكيد
قيس: هل شاهدوا أعمالك؟
شيماء: بالتأكيد ولكنهم كانوا متعجبين منها كثيرًا... فقد أخذت معي اللوحات الدموية والتي تحمل صور الوحوش، أردت أن أكون مميزة بين الطلبة
قيس: هذا رائع...
ثم عم السكون المكان للحظات فقطع هذه اللحظات صوت قيس الهادئ: شيماء...
أجابته شيماء: ماذا هناك؟
قيس مبتسمًا: لو عدت بشرًا عاديًا وبدأت أنمو كباقي الملأ وأصبحت رجلاً هل ستتواصل علاقتنا؟
شيماء: بالتأكيد... فأنا لا أبالي بعمرك، يكفي بأنك أول صديق لي وهذا سبب كافٍ
قيس: هل أنتِ جادة؟ ألن تشعري بالإحراج أمام الناس؟
شيماء: لا، ومنذ متى وأنا أعير الناس اهتمامًا؟
قيس: إذًا إجعليه وعدًا لي، أنني سأقابلك بعد عودتي طبيعيًا...
شيماء: أعدك... وسنذهب سويًا إلى البحر كما رسمت في تلك اللوحة، وسنقف تحت السماء الزرقاء
قيس: أرجو ذلك
ثم نهض من فوق السرير ووقف ناظرًا إليها مبتسمًا وقال: أنا ذاهب الآن...
شيماء: رافقتك السلامة...
مضى أسبوعان وبدأ الدوام المدرسي... شيماء كعادتها مجردة من الأصحاب ولكنها مجتهدة في دراستها لكن الوضع يختلف هنا، ففي الجامعة لا تقابل من يخافونها ويهابونها كما في السابق، ولا يوجد من يراها مريضة نفسية عبر لوحاتها فهم يرونه نوع من أنواع الفنون والخيال، فلوحاتها ورسوماتها تحمل الكثير من المعاني وأحيانًا تكون حاملة العبرة... معاملتها مع زملائها جيدة وقت الدرس ومتعاونة معهم ولكن أوقات الفراغ فكانت وحيدة كالعادة.
وفي أحد الأيام بينما كانت مع قيس في أحد الليالي، كانت ترسم شيماء أحد اللوحات للجامعة وهي تخاطب قيس، أما قيس فكان يراقبها وهي تقوم بذلك ويعطيها بعض الملاحظات أحيانًا، فقد تركت عادتها السابقة، ألا وهي إظهار الصورة للملأ بعد انتهائها منها.
اقترب الفجر وقرر قيس المغارة، فتح النافذة وشرع على القفز، ولكن فجأة أمسك بيده اليسرى بطنه متألمًا وأخرج صوت أنين بسيط ثم حاول أن لا يظهر الألم، ولكن شيماء التفتت عندما سمعته ورأته وهو ممسك ببطنه، فرمت فرشاة الرسم واتجهت نحوه مسرعة...
أمسكت بكتفه وسألته بخوف: ما بك!!؟ ما الذي حدث؟
اصطنع قيس الابتسامة وقال: لا بأس، ألم بسيط وسيذهب حالاً...
شيماء: ومنذ متى وهذا يحصل لك؟
قيس: إنها المرة الأولى...
ثم اعتدل في وقفه وشيماء تقول له: كيف تعرف بأنه سيذهب ولم يحدث لك هذا من قبل؟! هل تشكو من أي مرض؟
قيس: لا، قلت لك أنا بخير... أكثر من عشرين عام مضى ولم أمرض يومًا فيها حتى بزكام فكيف سأشكو من المرض الآن... ها هو الألم قد ذهب، أراكِ لاحقًا... إلى اللقاء
أزال قيس كف شيماء من كتفه وقفز عبر النافذة، كان ما يزال يشعر بالألم ولكنه لم يرغب بأن يُقلق شيماء، فابتعد قليلاً عن المكان لكي لا تراه شيماء ثم استند إلى أحد الجدران وجلس على الأرض ليستريح
قيس: *هل حان يوم وفاتي؟ ما زلت أريد قضاء يومًا واحدًا مع شيماء على الأقل، ما زالت هناك أمور لم أخبرها بها، هل أخبرها بكل شيء أم لا؟ حتى الآن ما زلت حائرًا... أريد وقتًا كافيًا للتفكير...*
وفجأة أغمض قيس عينيه ليعود إلى قفصه داخل المكتبة، وأشرقت شمس الصباح لتخفي قيس عن الأنظار، أما شيماء فقد أنهت لوحتها وذهبت إلى الجامعة لتسلمها، كانت كالعادة بمزاج حسن ونسيت ما جرى لقيس في فجر ذلك اليوم، فقد كانت على يقين بأنه سيعود بخير في المساء بعد أن يولد مرة أخرى عندما يحل الظلام، عادت شيماء من دوامها الدراسي وفتحت خزانة ملابسها لتخرج قميصًا رياضيًا أسودًا، ثم أخرجت ألوانها الخاصة بالرسم على القماش وبدأت ترسم عليه. قامت برسم جمجمة في الخلف ومن ثم أمسكت اللون الأحمر لترسم شلالات من الدم تنزل من أعلى القميص إلى أسفله، ثم تركته ليجف.
حل المساء وأتى قيس بوجهه البشوش مُرحبًا بشيماء واستقبلته هي الأخرى بابتسامة تملأ وجهها والسعادة واضحة من صوتها، أخرجت له القميص وأرته إياه...
شيماء: ما رأيك به؟
قيس: رائع!! أأنتِ من قام بالرسم عليه؟
شيماء: أجل
قيس: أمر لا يصدق، يبدو وكأنكِ اشتريتِه هكذا... إنه متقن!!
شيماء: شكرًا لك... ولكن ينقصه شيء
قيس: ماذا؟
شيماء: توجد مساحة فارغة في أسفل الجمجمة، أود كتابة جملة ما ولكن لا أعرف ماذا أكتب...
قيس: بإمكانك رسم أي شيء إن لم تجدي ما تكتبينه
شيماء: لا فأنا أفضل الكتابات...
قيس: حسنًا سأفكر معك...
وبينما كانا يفكران سويًا زاد ألم بطن قيس فأمسك به بقوة بكلتا يديه وهو يئن من شدة الألم، فألقت شيماء ما بيدها وذهبت إليه
شيماء وبخوف: قيس ما بك!!؟
لم يستطع قيس الإجابة عليها أو النطق بكلمة
فصرخت شيماء وهي تبكي: قيس بالله عليك ما الذي يجري لك؟
وفجأة دفع قيس شيماء عنه متجهًا بسرعة نحو دورة المياه ولكن قبل أن يصل إليها سقط على ركبتيه وبدأ يتقيأ دمًا كثيفًا يشوبه قطع من أحشائه، جلس في مكانه والدم يخرج من فمه وأنفه وشيماء تنظر إليه بفزع غير مصدقة ما يجري أمامها.
..::||الفصل الثالث والأربعون ||::..
جرت شيماء نحو قيس وجلست بجانبه وأمسكته من كتفه وهي خائفة وتبكي...
شيماء: قيس ما الذي حدث!!
نطق قيس بصوت شاحب!! بدى وكأن أحباله الصوتية متقطعة فيصعب عليه الكلام وقال: نهايتي اقتربت
شيماء بغضب: لا ليس بعد!! لماذا تموت هكذا فجأة!! أين هو أملك في العيش؟
قيس: هناك أمرًا لم أخبرك عنه حتى الآن...
شيماء متعجبة: ماذا؟!!...
قيس: إنه سبب قتلي للمجرمين
شيماء: أليس لإنقاذ العالم منهم؟
قيس: هذا فقط سببًا واحدًا... في الحقيقة أنا لا أستطيع العيش دون قتل... فقتلي لبشرًا واحدًا يعطيني فرصة للعيش لمدة ثلاثة أيام إضافية... وإن توقفت عن ذلك فسوف أموت فلهذا اخترت قتل المجرمين لأنني لا أريد أن أصبح ظالمًا...
شيماء: ولماذا لم تقتل حتى الآن؟
اعتدل صوت قيس وتوقف النزيف ثم قال وهو يمسح فمه بكمه: لم أجد من أقتله...
صرخت شيماء وهي تبكي: لماذا لم تقتل أي أحد؟! فلن تصبح مجرمًا فهذه طريقتك في الحياة!!!
غضب قيس وقال بصوت عالٍ وهو يبكي: أهذا ما تعلمته مني!!؟ أن أنهي حياة الغير فقط لأعيش؟ لماذا يُقتل شخص بريء! فقط لأعطي نفسي فرصة للعيش؟؟ لماذا لا تكون له الفرصة لذلك؟
ثم نهض قيس من مكانه وقال ومقلتيه تدمع: هناك أمر أود القيام به قبل موتي
شيماء: لن تموت! ستبقى حيًا وستعود إلى طبيعتك... أقتلني!! إن كنت ستموت وتتركني فلا أريد العيش!!! أقتلني الآن وإلا...
سكتت شيماء عندما أمسك قيس وجهها بيديه المتسختين وقال: ما كنت لأقتلك يومًا، ولكن ما زال لدي أمل في الحياة وسأترك الباقي عليكِ
ثم قبلها على خدها وترك الغرفة ولكن هذه المرة من الباب، فلم تكن لديه القوة لاحتمال القفز من مكان عالٍ كهذا، فتبعته شيماء...
شيماء وهي تنزل من الدرج خلف قيس: قيس انتظر... لا تذهب قبل أن تخبرني بكل شيء!! كيف لي أن أساعدك!؟ ماذا عساي أن أفعل!!؟
لم يرد عليها قيس وتابع طريقه، وإذا بوالدة شيماء تقف في أسفل الدرج وتنظر إليهما
بثينة بتعجب وخوف: من هذا الفتى؟! ما الذي أتى به إلى هنا؟ ولماذا ثوبه متسخ بالدماء هكذا؟
تعجبت شيماء: أمي!! تستطيعين رؤية قيس؟؟!
ابتسم قيس وقال: إذًا لا فائدة الآن من القتل فلن يجدي ذلك نفعًا...
خافت بثينة مما سمعته ولم تستطع الحراك من مكانها خوفًا منه
أما شيماء فقالت: لماذا لا نأخذك إلى المشفى بما أنك ظاهر؟ أرجوك...!!
خرج قيس من المنزل قائلاً: لا تتبعيني إن كنتِ تريدين مساعدتي حقًا...
ثم خرج تاركًا شيماء تبكي على الدرج وتنوح وأمها جثت مصعوقة ومرتعبة من المنظر، كان يمشي قيس في الزقاق مترنحًا من شدة ثقل جسده، متجهًا نحو هدفه، قد يكون على بعد كيلوميترات قليلة ولكنه يراها بمئات الأميال. وفجأة سمع صراخ طفلة فاتجه نحو مصدر الصراخ، رأى رجلاً يهدد فتاة في الرابعة من عمرها بالقتل، ممسكًا ببندقية ويصوبها نحوها، وقبل أن يطلق النار جرى قيس نحوه وقطع رأسه، فسقطت الفتاة مفزوعة وخائفة وبدأت بالبكاء والصراخ، ذهب قيس نحوها وجلس يضمها...
قيس: لا تخافي يا حبيبتي كل شيء على ما يرام، أنا هنا بجانبك...
كانت الفتاة في بادئ الأمر خائفة من قيس ولكن ما إن شعرت بدفء صدره حتى هدأت وضمته بقوة وهي تبكي...
ثم سألته بصوت يرتعش: من أنت؟
قيس: أنا القاتل الذي قتل هذا الرجل، وسوف أسلم نفسي للعدالة الآن...
وقف من مكانه وحمل رأس الرجل وتابع طريقه، وفجأة بدأ يتقيًا دمًا مرة أخرى، ولكنه تابع طريقه إلى أن وصل إلى أحد مراكز الشرطة، فأخذ برأس الرجل وبدأ يكتب رسالته على الأرض بدمه. وما إن انتهى جلس على الأرض مستندًا إلى الجدار ووضع الرأس بجانبه، يسمع صوت أذان الفجر يعم أجواء المكان
ابتسم قيس قائلاً: ها قد اقتربت شمس الصباح على الشروق... هل سأستطيع التحمل لأرى ضوءها؟
ما إن أنهى جملته، فارقت روحه جسده...
أما شيماء فهدأت عن النواح وبدأت دموعها تنهمر من عينيها وهي لا تعرف السبب، نهضت من على الدرج واتجهت نحو غرفتها دون علم بما تصنع، تبعتها والدتها متعجبة من فعلها فقد سكتت فجأة وليس بالصورة الطبيعية، فدخلت خلف ابنتها فرأت الدم المنسكب على الأرض فشعرت باشمئزاز وصدت عنه، أما شيماء فبدأت تنظف المكان والدموع ما زالت تنزل من مقلتيها، ثم فتحت خزانتها وبدأت تخرج ملابسها الداكنة وترميها على الأرض...
بثينة: شيماء!! ما الذي تفعلينه؟
لم تجبها شيماء وكأنها لا تسمعها، فاقتربت منها والدتها وأمسكت بكتفها ونادتها ولكن لا يوجد أية ردة فعل من شيماء وهي تقوم بعملها... ثم أخذت الملابس جميعها ورمتها من أعلى الدرج وبعدها اتجهت نحو غرفة والدتها وأخذت جزءً من ملابسها ووضعتها في خزانتها، ثم قامت برمي لوحاتها ومحت كل ما يذكرها بقيس من غرفتها دون أن تدرك ما تفعله، ولكن قبل ذلك، أمسكت باللون الأحمر وكتبت على القميص الذي رسمت عليه جملة "Kill 2 Live" تعني به قيس، ثم أمسكت بمقص وجلست على سريرها وبدأت تقص شعرها... وما إن انتهت وأزالت الشعر المتساقط خلدت إلى النوم...
استيقظت في الصباح بمزاج مختلف تمامًا، ذهبت نحو والدتها بوجه بشوش وتناولت معها الإفطار، تعجبت والدتها من مزاجها...
بثينة: شيماء...
شيماء مبتسمة: ماذا؟
بثينة: ماذا حدث في الليلة الماضية؟
شيماء: ماذا حدث؟ لم يحدث شيئًا
ثم نظرت بثينة إلى ملابسها التي ارتدتها شيماء فقالت لها: ولماذا ترتدين ملابسي؟
شيماء: أمي هذا ليس وقت للمزاح، إنها ملابسي!
بثينة: *ما الذي يجري هنا؟ أفضل عدم النقاش معها* لا فقط أردت أن تتنشطي للدوام الجامعي
شيماء: لا تخافي فأنا نشيطة...
بعدها أمسكت والدتها بجهاز التحكم للتلفاز وقامت بتشغيله، فكانت الأخبار تبث مباشرة، وبالتأكيد فهم يتحدثون عن موت قيس، فأطفأت والدتها التلفاز مباشرة
فقالت شيماء: افتحيه يا أمي، تبدو أخبارًا مشوقة!!
فتحت والدتها التلفاز وهي مترددة وكان المذيع ينقل النشرة
المذيع: ...وكان ذلك في تمام الساعة السادسة فجرًا، سبب الموت غير معروف علميًا ولكن كان القاتل يعلم بأنه سيموت في تلك اللحظة، كتب بالدم رسالته الأخيرة معترفًا بجرائمه، وكان محتواها "أنا القاتل الذي تبحثون عنه فلا تضايقوها أكثر من ذلك" يا ترى من المعني في قوله؟ رجال الشرطة لا يريدون أن يفشوا بسر هذه الجملة، وحتى الآن لا نعرف كيف...
ثم أغلقت والدتها التلفاز مرة أخرى...
شيماء: أمي دعيني أتابع!!؟
بثينة: *كيف لها أن تكون هادئة وهم يتحدثون عن قيس؟ أيعقل أنها نسيته؟* لا فعليك المغادرة الآن قبل بدء محاضرتك
وقفت شيماء وحملت حقيبتها: حسنًا أنا ذاهبة الآن
بثينة: رافقتكِ السلامة
..::||الفصل الرابع والأربعون ||::..
بعد مغادرة شيماء للمنزل بنصف ساعة ضُرب جرس المنزل. فأرسلت الوالدة الخادمة لفتح الباب، وعندما فتحته كان رجال الشرطة يقفون أمامه...
الضابط: هل لنا أن نرى شيماء؟
الخادمة: شيماء ليست في المنزل، فقد ذهبت إلى الجامعة
الضابط: وماذا عن والدتها؟
الخادمة: لحظة قليلاً...
دخلت الخادمة لتخبر والدة شيماء بالمفاجأة التي تنتظرها لدى الباب، فتغطت ثم طلبت من الخادمة إدخالهم، دخلوا ليستمعوا إلى قصة قيس من والدتها، فقد كان سؤالهم عن كيفية إيجاد قيس بعمره الذي اختفى فيه منذ أربعة وعشرون عام، فقصت عليهم ما حدث لقيس في الماضي وكيف كان يعيش حياته وحيدًا ولا يستطيع أحد رؤيته غير شيماء...
الضابط: يمكنني تصديق قولك لما رأيناه صباح هذا اليوم ولكن هذا يعني بأنكِ لم تريه يومًا...
بثينة: قبيل فجر اليوم استطعت رؤيته لأول مرة...
الضابط: وكيف كان ذلك؟
بثينة: لا أعلم ما الذي جرى تمامًا ولكن رأيته ينزل من الدرج وهو ينزف فاستطعت رؤيته، يبدو أنه ظهر للناس عندما كانت حياته على وشك الانتهاء...
الضابط: وما سبب موته؟ هل تعرفين؟
بثينة: لا للأسف
الضابط: إذًا فعلينا التحقيق مع ابنتك فهي بالتأكيد تعرف ذلك
بثينة: أتوسل إليك لا تحدثها عن قيس مرة أخرى
الضابط: ولماذا؟ أتخافين أن يعود الحزن إليها؟
بثينة: الأمر ليس كذلك ولكن ابنتي نسيته تمامًا وكأنها لم تقابله يومًا في حياتها
الضابط متعجبًا: ولماذا؟
بثينة: لا أعلم!! ولكن عند استيقاظها كانت فتاة أخرى ليست ابنتي التي أعرفها، لقد تغيرت تمامًا
الضابط: إذًا... علينا أن نجعلها تتذكره لنعرف الحقيقة
بثينة: أرجوك لا، لا أريد أن أرى ابنتي كالسابق...
وفجأة تغيرت نبرة صوتها قائلة بتعجب: لحظة!! لقد تذكرت شيئًا..
الضابط: وما هو؟
بثينة: عندما سألت شيماء من يكون هذا الفتى وتعجبتْ من رؤيتي له قال قيس مبتسمًا "إذًا لا فائدة الآن من القتل فلن يجدي ذلك نفعًا"...
الضابط: إذًا فإنه كان يقتل ليبقى خفيًا؟
بثينة: ربما... لا أعلم... ولكن أتوسل إليكم لا تخاطبوا شيماء عنه
الضابط: حسنًا، كما تشائين
أما شيماء فكانت في الجامعة مع زميلاتها محسنة التعامل معهن وكن متعجبات من ذلك ولكنهن سايرنها في الأمر، وقضت ساعات الفراغ معهن وكأنها كانت إحدى صديقاتهن...
أما يوسف فكان مع سامي في المدرسة يتحدثان عما سمعاه صباح اليوم في الأخبار...
يوسف: من يصدق بأن قيس مات؟
سامي: قيس؟ أوه اسم المجرم، كتبت الصحيفة اسم القاتل في الخبر...
يوسف: البارحة كنت تقول بأنه طيب والآن قاتلاً ومجرمًا؟!!
سامي: أنا؟ ولمَ أقول عنه طيبًا؟ ما الشيء الحسن الذي فعله لأقول عنه طيبًا؟
يوسف: عندما خاطبك ذلك اليوم...
سامي: خاطبني؟!
ثم ضحك سامي بسخرية وقال: يبدو أنك كنت تحلم... لم أقابل هذا المجرم أبدًا ولا أريد مقابلته...
يوسف: *ماذا حدث له؟!*
بالطبع جرى لسامي ما جرى لشيماء، فكلاهما نسي قيس تمامًا وكأنه لم يدخل حياتهما أبدًا. هذا ما جرى في الثلاث عشرة سنة الماضية التي عادت بهن شيماء عندما قرأت في شبكة الإنترنت عن جريمة قيس الأولى واختفاؤه...
بعدما تذكرت شيماء ما حدث لها بدأت تبكي وهي في مكانها لا تصدق أن قيس توفي بعد خروجه من عندها تلك الليلة. أطفأت الحاسوب ثم حاولت تهدئة نفسها لظنها أن قيس سيعود لها هذه الليلة، ثم دخلت والدتها عليها وهي تمسح دموعها...
بثينة: شيماء! لماذا تبكين؟!
شيماء: تذكرت كل شيء
بثينة: ماذا تعنين بكل شيء؟
شيماء: أعني قيس وكيف كنت في الماضي
بثينة بتعجب: من هو قيس هذا؟ وكيف كنتِ في الماضي؟!
تعجبت شيماء من رد والدتها ولكن ظنت أن والدتها تحاول تغطية الأمر فقالت: أمي لا داعي بأن تخفي الأمر أكثر، فقد تذكرت كل شيء وسيعود قيس مرة أخرى...
بثينة: لا أعرف عن ماذا تتحدثين ولكن أيًا كان فيبدو أنكِ لا تريدين إخباري عن سبب بكاءكِ، سأترككِ الآن وحدك إن كنت أضايقك بأسئلتي، وداعًا
خرجت بثينة من الغرفة وتركت شيماء حائرة، عندها اتجهت شيماء مسرعة إلى الحاسوب وقامت بفتح موقع الصحيفة التي كتبت خبر موت قيس ووضعت صورته ولكن ما زاد من الأمر عجبًا بأنها رأت خبرًا آخرًا في موقع الخبر السابق!! فأسرعت إلى الموقع الآخر الذي ذكرها بماضيها، الموقع القديم الذي كان يتحدث عن فقدان قيس ذو الأربعة عشر عام، ولكن كان الرابط لا يعمل!!!
شيماء: *كيف حدث هذا!!؟ كنت قد رأيته منذ قليل!!! أيعقل أن قيس اختفى تمامًا؟!!*
ثم بدأت تبحث في أشيائها، السكين وصور قيس والأفلام التي قامت بتسجيلها ما زالت موجودة لديها، كل شيء قامت بفعله مع قيس لا يزال معها ولكن غير ذلك محي من الكون تمامًا...!! فجلست شيماء على سريرها وضمت ساقيها إلى صدرها تنتظر قدوم الليل، وبقيت على هذه الحالة تنتظر قيس وهي تنظر إلى النافذة المفتوحة حتى أتى الفجر ولم يأتِ قيس... فبدأت تبكي فاقدة الأمل بأن تلتقي به مرة أخرى، بعدها نامت وهي تبكي وجفت دموعها على خديها، استيقظت عند الساعة التاسعة لتذهب إلى الجامعة، وعندما خرجت من المنزل رأت ما لم ترغب برؤيته مرة أخرى... كانت سعاد واقفة لدى باب منزلها وما إن نظرت إلى شيماء بدأت بالسخرية منها كعادتها...
شيماء: *هذا أكره شيء حدث بعد أن تذكرت قيس... لماذا عادت هذه القردة مرة أخرى؟ ولكن لا بأس فقد ارتحت من إزعاجها لمدة سنة*
فابتسمت لها شيماء بسخرية وركبت سيارتها مغادرة المكان. كل من قُتل عاد للحياة، وكأنه لم يوجد قيس يومًا في هذا العالم، وهذا ما زاد خوفها أكثر من عدم عودة قيس مرة أخرى، ولكن ما جعل لديها ذرة أمل هي تلك الذكريات التي شاركها قيس إياها.
ذهبت إلى الجامعة ولكنها لم تفهم شيئًا ولم تنتبه للشرح، فكل تفكيرها كان بقيس وماذا حل به الآن، وهل ستقابله... وعندما انتهى الدرس...
حصة: كيف حالك اليوم؟
شيماء: لست بخير...
حصة: ولماذا تقولين هذا؟
شيماء: لأنها الحقيقة
حصة: ماذا حدث؟ أخبريني قد أساعدك
شيماء بضيق: هل لكِ أن تتركيني وحدي؟
حصة باستعجاب: ما الذي جرى لكِ؟ البارحة كنتِ بمزاج جيد، أخبريني فأنا صديقتك فـ...
قاطعتها شيماء وقالت: ومن قال هذا؟
حصة: ماذا!!
شيماء: أنا لا أملك أصحابًا، اغربي عن وجهي
غضبت حصة مما سمعته وتركتها دون الرد عليها: *ما الذي جرى لها؟ أتريد أن تلعب بمشاعر من حولها؟ من تظن نفسها؟*
وما إن غادرت حصة حتى بدأت شيماء بالبكاء، شعرت وكأنها في جحيم من دون قيس، فضّلت الموت على البقاء وحيدة في هذا العالم، وفجأة رن هاتفها النقال، فنظرت إلى الرقم وإذا هو رقم الطبيب أحمد...
شيماء: *لماذا الطبيب أحمد يتصل بي؟ من المفترض أنه لا يوجد أي علاقة بنا بعد اختفاء قيس!!...*
..::||الفصل الخامس والأربعون ||::..
مسحت شيماء دموعها وأجابت على اتصال الطبيب...
شيماء: مرحبًا أحمد...
تعجب أحمد: *تركت العادة الرسمية في الحديث معي!! هذا يعني بأنها تذكرت الماضي، أهو سبب حدوث هذا كله؟!* أهلاً شيماء كيف حالك؟
شيماء: أسوأ مما تتصور...
أحمد: أخبريني ماذا حدث؟
شيماء: في ماذا؟
أحمد: اختفت كل آثار قيس، من أخبار وجرائم ومن ذاكرة البشر أيضًا... حتى أنني رأيت جاري مبارك هذا الصباح وكان على قيد الحياة!! كيف حدث ذلك؟ ما الذي فعلتِه؟
شيماء متعجبة: أما زلت تتذكر قيس!! كيف هذا؟ ولماذا؟
أحمد: إذًا فأنتِ تعلمين بما حدث؟
شيماء: بالتأكيد، فقد رأيت أنا أيضًا سعاد المتعجرفة...
أحمد: ولكن لماذا حدث ذلك؟
شيماء: كل شيء تغير في لحظة واحدة فور تذكري لقيس والماضي...
وفجأة بدأت تبكي...
أحمد: *شيماء تبكي!!؟* ما بكِ يا شيماء؟ لماذا تبكين؟
شيماء بصوت متقطع: كم هو أمر محرج أن أبكي أمامك
أحمد: هذا ليس بأمر محرج أبدًا، ابكي فهذا سيعيد لك الروح...
شيماء: لا أعرف ماذا أقول... تذكرت الماضي فقط لأزداد عذابًا لفقدان قيس... لقد كذب علي... قال بأنه سيعود وظللت طوال الليل أنتظره ولم يأتِ... لماذا فعل هذا بي؟ قال بأنه سيعود، وسيبقى معي حتى ولو أصبح رجلاً فلماذا لم يأتِ؟
أحمد: ربما كان حلمًا فقط لتتذكريه، ربما أراد أن يعود إلى قلبك وليس كما ظننتِ.
شيماء: أشعر بالوحدة الآن، لا أريد العيش، كان قيس هو الوحيد الذي يواسيني... أتمنى لو أموت
أحمد: لا تقولي هذا!! فما زلتِ صغيرة ولكِ الفرصة بأن تكونّي صداقات، وأنتِ لستِ وحيدة، ها أنا بجانبك...
شيماء: شكرًا لك... ليتك كنت أبًا لي بدلاً من ذلك المعتوه... إلى اللقاء، سأعود إلى المنزل لا أستطيع احتمال الدوام أكثر، فوجودي كعدمه، لا أستطيع فهم شيء
أحمد: عودي واسترخي فقد تهدئين قليلاً، فإن كنتِ لا تستطيعين التركيز فلن يزيدك حظورك إلا زيادة في التعب النفسي...
شيماء: حسنًا... سأكلمك فيما بعد...
أحمد: حفظك الله...
ذهبت شيماء وركبت سيارتها، كانت في طريقها إلى المنزل وعبرت من المنزل نفسه، المنزل الذي كان قيس يسكنه فوقفت عنده. كان المنزل نظيفًا وأنواره مفتوحة، علمت عندها بأن عائلة تسكنه، فنزلت من السيارة وبدأت تنظر إلى المنزل مترددة هل تطرق بابه أو ترحل، وفجأة خرجت منه فتاة صغيرة في الرابعة تقريبًا تهرب من والدتها وكانت والدتها محجبة وتلحق بها...
المرأة بغضب: قلتُ لك تعالي!!
الفتاة وهي تضحك: لا أريد لا أريد
المرأة: سأخبر والدك...
خرج رجل سمين وقال: لا داعي لتخبريني فقد رأيتها بعيني
نظرت شيماء إليهم وهي تفكر: *لا يمكن أن تكون هذه عائلة قيس، فوالد قيس ذو جسم مقسم وأمه أجنبية وهو لا يملك أختًا صغرى...*
نظر إليها الرجل وقال: هل أستطيع خدمتك؟
ابتسمت شيماء وقالت: لا، فقد أخطأت العنوان
صعدت السيارة وتابعت طريقها وكانت تفكر وهي تقودها: *إن كان قيس لم يقتل أحدًا فهذا يعني بأن... بأنه لم يقتل والدته وزوجها!! فهذا يعني....! لا لا!!! لا أريد أن أفكر بهذا الأمر!!!*
ثم نزلت دمعة من عينها فمسحتها فورًا: *ماذا دهاني؟ أصبحت ضعيفة وأبكي كثيرًا... أكره هذا*
قال الرجل عند مغادرتها: أشعر وكأنني رأيتها في مكان ما...!
المرأة: وأنا أيضًا...
عادت إلى المنزل بسلام فرأتها والدتها فور دخولها فسألتها وهي متعجبة: لماذا عدتِ الآن؟ أليس دوامك ينتهي عند الساعة الخامسة مساءً؟؟
شيماء: لا أستطيع فهم شيء، أشعر بتعب نفسي
بثينة: هذا ليس عذرًا، عودي إلى الجامعة فورًا
شيماء: إن كان الطبيب أحمد بنفسه قال بأنه لا يزيدني حظوري سوى التعب، فأنتِ لستِ أعلم منه في هذه الأمور
بثينة: ومن هو الطبيب أحمد؟
شيماء متعجبة: ألا تعرفيه؟
بثينة: لا، وكيف لي أن أعرفه
شيماء: *إذًا فكان توقعي صحيحًا عندما تعجبت من اتصال أحمد لي* إنه طبيب نفسي... على العموم فأنتِ لا تعرفينه... أنا ذاهبة إلى غرفتي...
وفي اليوم التالي، اتصل محمد لشيماء...
محمد: مرحبًا يا بنيتي...
شيماء: أهلاً أبي كيف حالك؟
محمد: بخير...
شيماء: خيرًا؟ ما هو سبب اتصالك اليوم؟
محمد: في الحقيقة، غدًا سيكون حفل خطبة أختي، أي عمتك، فأردتك أن تأتِ مع والدتك، أعلم أن والدتك لن تأتِ ولكن المكان يرحب بكِ وبها إن شاءت
شيماء: هذا رائع... ألن تغضب جدتي؟
محمد: لا، لا تعيريها اهتمامًا، فأنا وأبنائي وزوجتي كلنا قررنا دعوتك للحفل، وكل منا له حريته الشخصية الآن...
شيماء: حسنًا، سآتي وحدي... ولكن أريد أن أسألك سؤالاً
محمد: وما هو؟
شيماء: أتذكر كيف وجدت عنوان منزلك؟
محمد: أجل، كيف لي أن أنسَ؟
شيماء: وكيف كان ذلك؟
محمد: جارنا السابق فارس هو من أخبرك عندما سألتِه..
شيماء: هذا صحيح *ها قد نسيت وتقول لي "كيف لي أن أنسَ؟" ولكن الحمد لله، تغيرت عائلته تمامًا، شكرًا لك يا قيس على معاونتي لفعل ذلك...*
مضى عامان ونصف ولم يظهر قيس فيه، ففقدت شيماء الأمل. ولكن طوال الفترة الماضية كان أحمد يقابلها أحيانًا ويحاول التخفيف عن حزنها وعذابها لفراق قيس، حتى أخذ مكان قيس في أن يستقبل همومها وحل مشاكلها على الرغم من اختلاف الحلول بين أحمد وقيس، ففي أحد الأيام كانت شيماء ستقابل أحمد في أحد المنتجعات السياحية، ووصلت هناك قبله فجلست في المكان المتفق عليه تنتظره، فجأة سمعت صوت بكاء طفلة... فالتفتت وإذا هي الفتاة نفسها التي تسكن في ذلك المنزل، فنهضت شيماء من مكانها وجلست عند الفتاة تواسيها...
شيماء: ما بك يا حبيبتي لماذا تبكين؟
الفتاة: لقد ضعت...
شيماء: ما اسمكِ يا صغيرة؟
الفتاة: شيماء...
ابتسمت شيماء: *إنه اسمي..* اسم جميل... من أعطاكِ إياه؟
الفتاة: أخي...
شيماء: كفاك بكاءً فلن تغادر عائلتك المكان حتى تجدك... أتيت مع من؟
الفتاة: مع أخي...
شيماء: وكيف يبدو أخوك؟ قد نجده
الفتاة: هو في السادسة عشرة، طويل قليلاً ويملك عينين زرقاوتين وشعرًا أسودًا...
شيماء متعجبة: *عينان زرقاوتان؟! أيعقل أن يكون... لا يمكن هذا*
ثم سألتها: ما اسم أخاكِ؟
وقبل أن تسمع جوابها سمعا صوت شابًا ينادي خلف الفتاة: شيماء!!
فرفعت شيماء عينيها والتفتت الفتاة لترَ أخاها، كان قيس بعينه! لقد كبر وبان عليه ذلك، تغير قليلاً في الشكل والطول، أصبح أكثر رجولة وظهر شاربه، ولكنه ما زال قيس ذو العينين الملفتتين الذي يُعرف منهما مهما مرت الأعوام... فجرت نحوه أخته وضمته...
قيس: أين ذهبتِ؟ قلت لكِ ألا تبتعدي عني...
الفتاة: أنا آسفة
بدأت شيماء تنظر إليه وعيناها تكاد أن تدمع وهو ينظر إليها متعجبًا من متابعتها التحديق به وهي تكاد أن تبكِ
فقالت شيماء: لم أرك منذ زمن يا قيس...
تعجب قيس وسألها: من أنتِ؟
كان هذا السؤال كالرمح الذي غُرس في قلب شيماء، أقرب الناس إليها ينساها وبكل بساطة، فلم تحتمل هذا وكادت أن تغادر المكان ولكنها قالت شيئًا قبل مغادرتها..
شيماء: هل لي أن أسألك سؤالاً؟
قيس: ماذا؟
شيماء: ما هو لونك المفضل؟
قيس: الأحمر...
شيماء: ولماذا اخترت الأحمر؟
قيس: *ما هذا السؤال!* إنه لون جميل... ربما لأنه لون الحب...؟!
ابتسمت له شيماء وغادرت بعد أن اطمأنت عليه...
تساءل قيس متعجبًا وهو ينظر إلى ظهرها وهي تغادر: *من تكون؟ وكيف تعرف اسمي؟ شكلها مألوف لدي, أين رأيتها؟*
لم يهتم قيس لأمرها وغادر من الجهة الأخرى... ومن ثم تذكر أين رآها، فنظر خلفه فلم يراها فقد رحلت: *إنها نفسها الفتاة التي في اللوحة المعلقة في غرفة المعيشة، كانت بجواري على الشاطئ!! ولكن لا أعرف من تكون وكيف وصلت تلك اللوحة إلى المنزل!! كيف كانت بجوراي في اللوحة!؟ أكانت مقربة إلي كثيرًا؟ إذًا كيف نسيتها؟*
وفي تلك اللحظة رأت شيماء أحمد أمامها وكان متعجبًا، فقد رأى قيس أمامه.
فعبرت من جانبه وقالت: إنه ليس بقيس الذي نعرفه...
ثم غادرت المكان تاركة أحمد خلفها... ونزلت دموع الفراق الأليم وبدأت تمسحها بكفيها... ومن ثم التفتت لترَ سراب قيس وقالت متسائلة بعد أن توقفت عن البكاء: *ولكن... ماذا سيحدث لو استطاع قيس تذكري؟*
..::|| النهاية ||::..
sensei
26-08-2009, 03:33 AM
في 13 سنة مضت -2-
كرات الزجاج
في أحد المدارس الابتدائية للبنين، يجلس طفل في السابعة من عمره وحيدًا على طاولة تقع في أحد الأركان المنعزلة والبعيدة عن الطلاب، ينظر إلى الأطفال وهم يتبادلون كراتًا زجاجيةً مختلفة الألوان...
الفتى 1: أنظر!! أبي اشترى لي سبع كرات!!
الفتى 2: الحمراء رائعة!! أتبادلها بالخضراء؟
الفتى 1: لا بأس!!
الفتى 3: أنا أريد القرمزية!! سأعطيك الصفراء ما رأيك؟
كان الطفل ينظر إلى الكرات والضوء يتخللها ليكوّن انعكاسات جذابة على الجدران، يتمنى لو أنه يملك واحدة بين كفيه ولكن...
..::|| الفصل الأول ||::..
في منزل جميل وراقٍ يبهر الناظرين، يجلس في غرفة المعيشة على الأريكة المريحة فتًى ذو شعر أسود وبشرة بيضاء، يملك جسمًا نحيلاً وعينين زرقاوتين وشاربًا خفيفًا، يبلغ السابعة عشر من عمره، يتأمل لوحة علقت أمامه على الحائط ورسم بها الشاطئ وقت النهار ويقف هو قبل بلوغه على الشاطئ بجوار فتاة ذات شعر أسود طويل يضحكان سويًا تحت السماء الزرقاء، عندها تذكر الفتى أول وآخر لقاء جرى اليوم الماضي بينه وبين تلك الفتاة التي باللوحة...
عندما كان في الحديقة، اقتربت منه الفتاة بوجه فرح وكأن من أمامها أغلى شيء تملكه، وتحدثه بابتسامة تملأ شفتيها قائلة له: لم أرك منذ زمن يا قيس
ولكن رده كان: من أنتِ؟
عندها رأى ملامح الصعقة على وجهها ودموعها قد تجمّعت في عينيها وكادت أن تبكي ولكنها أبت أن تخرجها أمامه بل تجرأت بمخاطبته..
الفتاة: هل لي أن أسألك سؤالاً؟
قيس: ماذا؟
الفتاة: ما هو لونك المفضل؟
قيس: الأحمر...
الفتاة: ولماذا اخترت الأحمر؟
قيس بتعجب: إنه لون جميل... ربما لأنه لون الحب...؟!
كانت أسئلتها غريبة فقيس لا يذكر يومًا بأنه رأى هذه الفتاة، ولكن عندما سمعت رده الأخير ابتسمت له ثم أدارت جسدها وتركته، حينها كان يتساءل في نفسه *شكلها مألوف لدي, أين رأيتها؟*
ولكن لسوء الحظ تذكر بعد أن غادرت المكان، كان المكان الذي رآه فيها هو هذه اللوحة التي يتأملها الآن، لكن لم ينتهي الأمر عند ذلك، بل أتى رجل بعمر والده تقريبًا مبتسمًا له ثم مد يده ليصافحه
الرجل: السلام عليك يا قيس...
صافحه قيس بيمينه ورد عليه التحية: وعليك السلام
الرجل: حقًا إنه أمر غريب بأن أصافحك، لم أتخيل يومًا بأني سأصافحك ولكن بما أن القتلى عادوا فسأسامحك
تعجب قيس من كلامه ولم يفهم قصده فسأله: معذرة ولكن... من أنت؟
قال الرجل: أوه نسيت! نحن لم نتقابل يومًا، أنا الطبيب النفسي أحمد إسماعيل الذي كانت تتعالج عنده -وأشار بإصبعه الإبهام إلى خلفه أي أنه يعني تلك الفتاة التي كانت تتحدث معه-
فرد قيس: أتعرف تلك الفتاة؟
تعجب أحمد من رد قيس وقال: إذًا هذا ما كانت تعنيه "وكان يقصد قولها عندما رأته قبل مغادرتها (إنه ليس بقيس الذي نعرفه) فقد قالتها لأحمد فور انتهائها من حوارها مع قيس"
فلم يفهم قيس ما كان يقصد واكتفى بقول: هاه!
ابتسم أحمد وقال: لا بأس، إنس الأمر، لا تقلق على الفتاة فستكون بخير، إلى اللقاء
ثم تركه وجعل قيس حائرًا إلى ذلك الوقت
عندها بدأ قيس يتساءل: *كيف لهذين الاثنين معرفة اسمي؟ فتاة تكبرني بخمس سنوات تقريبًا وطبيبها النفسي؟ كان يتفوه بألغاز أيضًا!! ماذا كان يعني بقوله القتلى عادوا؟! أهو طبيب نفسي أم فيلسوف؟*
ثم أتت والدته وهي تحمل الصحيفة وتريها لابنها
خلود: انظر إلى هذه الفتاة المسكينة، إنها في السادسة من عمرها ولا تملك أسرة منذ عامين ولكنها ترفض العيش مع أي أسرة تريد أن تكفلها، وقد اختفت البارحة، ربما اختُطفت، قلبي يتقطع على حالها، مسكينة حقًا أليس كذلك؟
لم يكن قيس مع والدته وهي تتحدث، بل كان ذهنه منشغلاً في تلك الفتاة والطبيب
فنادته والدته: قيس!!
التفت قيس إليها وقال: لبيكِ؟
خلود: كنت أحدثك ألم تسمع؟
قيس: لا، أنا آسف! كنت سارح الذهن، لو ناديتني باسمي لسمعتك!
خلود: لا بأس لم يكن شيئًا مهما، فقط تأثرت كثيرًا بهذا الخبر...
أمسك قيس بالصحيفة وألقى بنظرة على الخبر، ثم قال: تبدو أصغر من عمرها... ألم يجدوا صورًا أحدث؟ ربما تغير شكلها ولن تُعرف
ثم وضع الصحيفة بجانبه وسأل والدته وهو ينظر إلى اللوحة: أمي، من هذه الفتاة المرسومة في اللوحة؟
خلود: وما أدراني؟
قيس: أتعرفين من هو الفنان الذي رسمها أو متى أحضرت هذه اللوحة إلى منزلنا؟
خلود: لا، لا أعلم، فقد وجدناها مصادفة هنا ولا نعرف من أتى بها، أما الفتاة فلم أرَها يومًا!!
في هذه الأثناء دخل والده وأخته الصغرى...
كانت أخته في السادسة من عمرها وتحب أخاها كثيرًا فكان يدللها منذ صغرها، ففور دخولها جرت نحوه وهي تضحك وألقت التحية عليه
شيماء: مرحبًا قيس!!
ثم قفزت في حضنه فقبلها وأقعدها عليه
ثم سألت خلود زوجها: ناصر، هل تعرف من أتى بهذه اللوحة إلى هنا؟ أعلم بأننا تساءلنا في هذا الأمر من قبل ولكن قيس فتح الموضوع مرة أخرى
ناصر: بالتأكيد الجواب نفسه الذي قلته منذ عامين، لا أعلم، ولم أعرف بعد...
قيس بنبرة هادئة وهو ينظر إلى موضع قدميه: ولكنني قابلتها
خلود وناصر بتعجب: ماذا!!
قيس: أجل... قابلتها البارحة وكانت تعرفني وتعرف اسمي، ألقت التحية علي ولكنني سألتها من تكون، ثم بكت...
ناصر: بكت؟
قيس: أجل... بكت لأنني لم أتذكرها!! ولكنني لم أرها قط فكيف لي أن أتذكرها!!
ناصر: لحظة... أظن أنني...
خلود: أليست هي من...
ثم قالا في الوقت نفسه: إنها الفتاة التي في اللوحة إذًا!!
التفت إليهم قيس وقال بتعجب: ما الأمر..
خلود: كنت أتساءل حينها أين رأيتها؟
ناصر: أجل، وأنا أيضًا!! كيف لي أن لا أتذكر هذه اللوحة؟
قيس: أخبراني ما الأمر...
خلود: منذ عامين رأينا هذه الفتاة واقفة عند باب المنزل، فعندما سألناها من تريد قالت بأنها أخطأت العنوان
قيس: أخطأت العنوان...؟ -أنزل رأسه مرة أخرى- هكذا إذًا...
خلود: أمر غريب...
شيماء: عن ماذا تتحدثون؟
قيس: إنه أمر لا تستطيعين فهمه...
عندها قرر قيس في نفسه أن يبحث عن هذه الفتاة حتى يجدها ويكشف الغموض الذي يدور حوله...
في هذه الأثناء، كانت الفتاة التي يفكر بها قيس (شيماء) جالسة في غرفتها تذاكر، كانت ترتدي ملابس نوم حمراء وسلسلة معلقة على عنقها تحمل سكينًا نحت عليها تاريخ مولدها –الأول من يناير-، ولكن كلما تذكرت ما قاله قيس لها في لقائهما الأخير (من أنتِ؟) بكت ورمت الكتاب من بين يديها، لم تستطع التركيز في دراستها، فتركت كل ما بيدها وضمت ساقيها إلى صدرها وبدأت تبكي
شيماء: *لقد كذب علي!! قال بأنه لن يتركني حتى وإن بلغ وأصبح رجلاً!! لماذا لم يخبرنِ بأنه سينساني؟!*
ثم بدأت تمسح دموعها وهي تقول في نفسها: *لا فائدة من البكاء، علي أن أنساه كما نساني!! فحياتنا الآن تختلف عن الماضي. غير ذلك، أخشى أن يعود إلى عائلته القديمة إن تذكرني ويذهب كل تعبه سدًى*
ثم أمسكت بكتابها مرة أخرى ولكن عند التقاطها له رأت كراسة مرمية أسفل السرير وجزء منها خارجًا، فأخذت الكراسة وفتحتها
شيماء: أوه! إنها الكراسة التي كتبت بها قصتي مع قيس بعد أن تذكرتها *أجل! عندما تذكرت الماضي بعد نسيانه تذكرت تفاصيل الأحداث وكأن كل شيء جرى البارحة وليس في ثلاث عشرة سنة!! لم أشأ أن تمحى هذه الذكريات فكتبتها في هذه الكراسة*
أمسكت شيماء الكراسة وأرادت أن تسترجع شيء من الذي كتبته منذ عامين، فتحت صفحة من المنتصف فكان أول ما لفت نظرها جملة قالتها لقيس في الماضي (أنا على يقين بأنه سيأتي اليوم الذي سنرى فيه ضوء الشمس ينير السماء الزرقاء معًا) عندما قرأتها أغلقت الكراسة بسرعة ووضعتها في الدرج المجاور للسرير وقالت في نفسها *آسفة يا قيس، لا أظن أنني سأفي بهذا الوعد لك!*
أعادت بنظرها إلى الدرج وبدأت تحدق به للحظات، ثم فتحته وأخرجت الكراسة مرة أخرى، بدأت تقلب الصفحات إلى أن وصلت إلى صفحة بيضاء، فأخذت قلمًا كان مرميًا بين كتبها وأوراقها وكتبت في الكراسة بيدها المرتعشة من شدة الكتمان الذي بقلبها (لقد كذب علي قيس فلم يحتفظ بعلاقتنا كما زعم)
..::|| الفصل الثاني ||::..
في بقعة أخرى من هذه الدولة، في منزل متواضع، تجلس فتاة صغيرة في غرفة معيشة يرثى لها، الأشياء مبعثرة والمكان متسخ، كانت تنظر حولها مستاءة من المكان وتشعر بضيق لسبب آخر، رأت شماغًا وعقالاً وضعا فوق التلفاز، فتذكرت اليوم الماضي...
كانت جالسة في غرفة بها أطفال يلعبون سويًا وهي جالسة بانفراد لا تبالي لهم وكأنها في الغرفة لوحدها، ثم انزعجت فخرجت خلسة دون أن يلاحظها أحد، كان ذلك المكان ليس إلا ميتم أتت إليه بعد أن مات والدها آخر أفراد عائلتها منذ عامين، ولكنها لم تشأ أن تظل في ذلك المكان محبوسة وهي تريد أن تجد شخصًا تبحث عنه، طال انتظارها ليأتيها ولكنه لم يأتي، فقررت البحث عنه بمفردها، بدأت تمشي في الشوارع العامة تنظر إلى المشاة، فأتاها رجل غريب لا تعرفه ولكنه كان يعرفها، طويل القامة، حسن الوجه، أسمر البشرة، وكان شعره وعيناه شديدا السواد، يرتدي ثوبًا أبيضًا وشماغًا وكان في التاسعة والثلاثين من عمره يدعى صقر...
اقترب منها صقر وانخفض أمامها: مي، لا فائدة من التجول في الشارع هكذا
خافت الفتاة وتراجعت للخلف وسألت بخوف: من أنت؟ وكيف تعرف اسمي؟
صقر: تعالي معي وستعرفين
صرخت قائلة: لا أريد، لا أريد، لا أريد أحدًا غيره، سوف أجده حتمًا
اقترب منها وامسكها من كتفيها وقال لها: أنا سآخذكِ إليه
سكتت مي عندما قال لها ذلك وظلت تنظر في عينيه، فابتسم لها وقال: هل ستأتين معي الآن؟
فأمسكت بيده وسارت معه
بعدما تذكرت مي، الفتاة التي لم تجتز السابعة بعد، ذلك المشهد قالت في نفسها: *ولكنه لم يأخذني إليه! ولم يحدثني في الموضوع حتى! هل تحدثنا في أمور أخرى أيضًا؟ لا أذكر تمامًا... كل ما فعله كان إرشادي على مرافق هذا المنزل، منذ كم عام لم ينظف هذا المكان؟!*
قطع تساؤلاتها صوت سيارة قادمة، فنهضت من مكانها تنظر إلى الباب، وبعد دقائق دخل صقر حاملاً حقيبة عمله، نظر إليها بعينيه الباردتين، ونظرت هي الأخرى في عينيه، لم ينطق صقر بأي كلمة ولم يلقِ التحية حتى.
التفت صقر وأراد المغادرة لكن مي قالت: أين هو؟
نظر إليها صقر بطرف عينه، فقالت: قلت لي بأنك ستأخذني إليه!
قال لها صقر بجفاف: كيف لي أن أعرف من تريدين وأنتِ لم تخبرينا من يكون! أترينني مشعوذًا لأعرف ما تفكرين به؟
مي: ولكن... ظننتك تعلم..! إذًا لماذا قلت لي ذلـ...
قاطعها صقر وقال: من هو...
لم تجبه مي لسببين، الأول جفاف أسلوبه وهذا يخيفها والآخر هو عدم رغبتها في البوح به
قال صقر: أظن أنني أعلم من يكون
مي بتعجب: هاه!
صقر: أهو قاتل أباك؟
فزعت مي ولم تجبه فقال لها: أنا كنت أكره والدك كرهًا شديدًا وأعلم أنكِ تكرهينه أيضًا، ولأكون صريحًا أكثر، حاولت مرة قتل أباك ولكنني لم أستطع، فالآن أخبريني هل الرجل الذي تنتظرين مجيئه هو قاتل والدك؟
قالت مي بصوت خافت وهي دانية من رأسها: أجل...
صقر: كما توقعت
ثم رفعت رأسها بسرعة وبدأت تنظر إليه وقالت: ولكن لماذا قلت بأنك ستأخذني إليه إن كنت لا تعرفه!
صقر: أنتِ حمقاء... هل تظنينه سيأتي إليك وأنت محبوسة هناك؟ لماذا لم يأتيك في العامين الماضيين؟ وثانيًا، أتظنين أنكِ قادرة على إيجاده بنفسك؟ أنتِ لستِ في مجمع أو ملاهي أو قرية، أنتِ في دولة كاملة! كيف ستجدينه إن لم تكوني تملكين المعلومات؟
مي: أتعني أنك ستبحث عنه من أجلي؟
صقر: أجل، ولكن بمساعدتك...
مي: كيف؟
صقر: هل رأيته؟
مي: بالتأكيد
صقر: كيف كان شكله؟
مي: كان مراهقًا
تعجب صقر من ذلك ولكنه لم يظهره وأكملت مي حديثها قائلة: نحيلاً جدًا ويرتدي ثوبًأ، شعره أسود وكان شديد البياض و...
قاطعها صقر قائلاً: معظم الشباب يملكون هذه المواصفات... ألا يوجد شيء يميزه؟ كندبة مثلاً...
مي: كان جميلاً جدًا ويملك عينين زرقاوتين
صقر: زرقاوتين!! هل أنتِ جادة؟
مي: أجل، أنا تعجبت من ذلك أيضًا ولكنه اقترب مني كثيرًا وضمني كذلك ليهدئ من روعي حينها فرأيتها بوضوح
صقر: ربما كان يضع عدسات لاصقة
مي: لا أظن ذلك لأنه كان بحالة صحية يرثى لها، كان يتقيأ دمًا وأنفه كان ينزف أيضًا
صقر: ومع ذلك يستحيل أن يكون بعينين زرقاوتين، ربما كانتا خضراوتين؟!
مي: لا بل أزرق لا يشيبه لون آخر...
في اليوم التالي صباحًا، كان قيس جالسًا في الفصل يفكر بتلك الفتاة، من تكون وكيف تعرفه، وفي أمر ذلك الطبيب النفسي الغريب –في نظره- وما كان معنى الحديث الذي قاله، ثم أتى إليه صديق طفولته إبراهيم فرآه وهو شارد الذهن يبحر في عالمه الخاص
إبراهيم بعد أن جلس بجواره: هاي قيس، ما بك اليوم!! لم أرك يومًا شارد الذهن!
قيس بضيق دون الاتفات نحوه: لا أعرف تمامًا
إبراهيم: ما بك يا صاح؟ هل يعقل بأنني حسدتك
نظر إليه قيس بتعجب: حسدتني؟
إبراهيم: أجل! فحياتك في نظري مثالية، فالابتسامة لا تفارق وجهك
قيس في نفسه: *هذا صحيح، ولكن في ظنك فقط*
ثم تذكر صوت شاب يقول له: هاي يا ابن العاهرة، لم أرك منذ زمن طويل يا ذو العين الزرقاء
ثم قال في نفسه: *تبًا لك يا سلمان*
إبراهيم: أخبرني...
قيس: ماذا؟
إبراهيم: ما هي مشكلتك؟ قد أساعدك...
قيس وقد التفت وبدأ ينظر أمامه: إنها فتاة---
قاطعه إبراهيم متعجبًا: ماذا!! ولكنك ما زلت صغيرًا!!
التفت قيس نحو إبراهيم بسرعة وقد احمر وجهه وقال بارتباك: لا، أسأت الفهم! دعني أنهي حديثي!...
إبراهيم: أوه... أنا آسف
قيس: قابلت فتاة جامعية لأول مرة في حياتي ولكنها كانت تعرفني وتناديني باسمي...
إبراهيم: ربما تعرف شخصًا آخرًا يشبهك
قيس: مستحيل! رجل يشبهني ويملك عينًا زرقاء ويملك الاسم نفسه!! ستكون معجزة حقًا
إبراهيم: أين التقيت بها؟ وماذا قالت لك؟
قيس: رأيتها في المتنزه، وعندما رأتني قالت لي "لم أرك منذ زمن" وكانت مبتسمة والسعادة تملؤها وكأنها حصلت على كنزها الذي تبحث عنه، ولكن عندما سألتها من تكون بكت! وسألتني سؤالاً غريبًا
إبراهيم بحماس: وما هو
قيس: ما هو لونك المفضل؟
إبراهيم: ما هذا السؤال؟ هل هذا سؤال يسأل في وقت كهذا؟
قيس: لهذا تعجبت من الأمر، والغريب لا يقف هنا وحسب بل سألتني أيضًا بعد أن أجبتها "وما سبب حبك له؟"!!
إبراهيم: أمر هذه الفتاة غريب... ما اسمها؟ ألم تخبرك؟
قيس: كلا... وهناك ما حيرني أكثر وهو ما يشغل بالي...
إبراهيم: وما هو؟
قيس: أتى بعدها رجل بعمر والدي وكان يعرفني أيضًا وصافحني... قال بأنه طبيب نفسي يعالج تلك الفتاة، وقال كلام غريب لم أفهمه
إبراهيم: دعك من هذا، ربما أحد أصحابك حضّر لك هذا المقلب... أهذا الأمر شغل تفكيرك الآن؟! لا تهتم
قيس: لا أعتقد أنه مقلب
إبراهيم: ولماذا؟
قيس: منذ أن رأيت الفتاة شعرت وكأنني رأيتها من قبل، ولم أتذكر أين رأيتها إلا بعد رحيلها
إبراهيم: وأين رأيتها؟
قيس: إنها فتاة مرسومة بجواري في لوحة علقت في منزلنا، وكنا فيها نضحك سويًا على شاطئ البحر
إبراهيم: من أحضر لك تلك اللوحة؟
قيس: لا أحد يعلم... ظهرت في أحد الأيام ولا أحد يعلم من فعل ذلك أو من رسمها
ابتسم إبراهيم وقال: لا تشغل بالك كثيرًا وحاول تناسي الأمر فإن بقيت على هذه الحال سوف يتدنى مستواك الدراسي، لا أحب أن أرَ طالبًا غيرك في المرتبة الأولى
عادت بسمة قيس الهادئة على وجهه بعد الذي قاله إبراهيم ولكنه ما زال مصرّ على معرفة حقيقة الأمر
..::|| الفصل الثالث ||::..
في جامعة فيرجينيا للفنون، كانت شيماء واقفة ترسم لوحة تعكس مشاعرها الداخلية، رسمت لوحة بعنوان "الفراق"... كما اعتادت شيماء على رسم قيس بكل حالاته وأوضاعه، ورسمت مشاهد عاشتها يومًا في الماضي، أحبت أن ترسم منظر الفراق بينهما، حيث يظهر وجه قيس المبتسم في اللوحة ووجهها الحزين وهي تغادر المكان، وأثناء رسمها اللوحة نزلت دمعة من عينها، ولكن الدكتور اقترب منها فمسحت دموعها
الدكتور: لوحة رائعة يا شيماء كما عوّدتنا
شيماء بأسلوب جاف دون النظر إليه: شكرًا
الدكتور: شيماء، تعالي إلى مكتبي بعد هذه المحاضرة، أريد أن أحدثكِ بأمر مهم.
قالت شيماء وهي تنهي الرسمة: حسنًا
عندما انتهت المحاضرة ترك الطلاب المكان وبقيت شيماء لوحدها جالسة على كرسيها في القاعة بينما كان الدكتور يجمع أشياءه
قالت شيماء: هل بإمكاننا التحدث هنا؟ فلا يوجد أحد وأنا لا أملك شيئًا الآن
الدكتور: أوه، حسنًا، كما تشائين
اقترب الدكتور منها وسحب كرسيًا أمامها وجلس مقابلاً لها وقال: في الحقيقة هناك صحفية طلبت مني أن أختار فنانًا من طلابي لتنظم لقاءً معه، ولم أجد أمهر منكِ ولا أكثر خيالاً، فلوحاتكِ تشمل الكثير من الخيال والأفكار والإيحاءات، فهل توافقين؟
شيماء: ....لا أعلم
الدكتور: لا تترددي، إنها فرصة لا تعوض، لن تخسري شيئًا وقد تكون بداية رائعة لتصبحي فنانة مشهورة
شيماء: ومن قال بأن الشهرة هدفي؟
تعجب الدكتور من كلامها، ثم تابعت حديثها: دخولي هذه الجامعة وتعلمي الرسم فقط لأنها هوايتي، ولأتقن رسم ذلك الفتى الذي تراه في لوحاتي
الدكتور: على أية حال، ذلك الفتى الذي نراه بصور متعددة في لوحاتك، أهو من نسج خيالك؟
شيماء: لا، بل شخص أعرفه شخصيًا
الدكتور: هذا غريب! كيف يكون أزرق العينين؟
شيماء: لا شيء مستحيل في خلق الله...
ثم نهضت من مكانها تريد المغادرة ولكن الدكتور أوقفها: ما هو جوابك؟ نعم أم لا؟
شيماء دون الالتفات نحوه: حسنًا، لا بأس، سأقبل اللقاء
ما إن أنهت كلامها غادرت المكان، أما الدكتور كان سعيدًا جدًا لموافقتها: *أشعر أن هذه الفتاة تملك مستقبلاً زاهرًا*
كانت مي جالسة في غرفة المعيشة وصقر مستلقٍ على الأريكة ومغمض عينيه، شعرت بالملل فنهضت من مكانها وبدأت تنظف المكان، فتح صقر عينيه وبدأ ينظر إليها من طرفهما
ثم سأل بصوته الغليظ: ماذا تفعلين؟
فزعت مي فكانت تظنه نائمًا: هل أيقظتك؟ أنا آسفة
صقر: لم أكن نائمًا، أجيبي على سؤالي
مي: أنظف المكان
صقر: ولِمَ؟
مي متعجبة: لِمَ؟ لأن المكان متسخ
ابتسم صقر بسخرية وقال: همم... وهل تتقنين التنظيف وأنتِ بهذا العمر؟
مي: سأحاول بقدر استطاعتي لأنني لا أحتمل المكان
صقر: ولكن اعلمي بأنه لو أعجبني عملكِ ستضطرين إلى تنظيف المنزل كاملاً
فرحت مي وقالت بسعادة: حقًا! إذًا سأبذل ما بوسعي
صقر بتعجب: هااه؟ ظننتك ستغضبين
مي: ولماذا؟ التنظيف عمل ممتع
صقر: هذا جيد، إذًا ابذلي ما بوسعك...
بدأت مي تنظف المكان وترتبه بنشاط وحيوية، أما صقر فهدوء المكان أخذه في نوم عميق، أنهت من الطابق الأول بأكمله كغرف النوم ودورات المياه وحتى المطبخ، شعرت بتعب قليل ولكنها تملك نشاطًا كافيًا لكونها صغيرة، ثم نظرت إلى السلم الغبر، يبدو وكأنه لم يضع أحد قدمه عليه منذ أن صنع من شدة قذارته واتساخه، بدا لها شكله مخيفًا ولكنها أرادت الصعود، ولكن قبل أن تضع قدمها على العتبة الأولى قال لها صقر: هاي، أنتِ!
فزعت مي من صوته المفاجئ في هذا الجو الهادئ ونظرت إليه، ثم هدأت
صقر: إلى أين أنتِ ذاهبة؟
سألت مي بصوتها الصغير: ماذا يوجد بالطابق الثاني؟
صقر: غرف عادية كهذه الغرف ولكنها مهجورة لعدم حاجتنا لها، فإن كنتِ تنوين الذهاب للأعلى لتنظيفه فاحذري أن تخرج لك أسراب من الصراصير
مي: هل لي أن أصعد؟ أم تمانع؟
صقر: لا بأس، اذهبي...
أرادت مي الصعود ولكنها ترددت فالتفتت إلى الوراء وقالت لصقر: أريدك أن تأتِ معي
تعجب صقر: هاه!
مي: أريد رؤية الطابق العلوي معك...
تنهد صقر ثم قام من مكانه، أخرج سيجارة وأوقدها ثم سار نحوها وركب الدرج قبلها فلحقته دون أن ينطقا.
كان المشهد مروع، فالحشرات والغبار وحتى السحالي تواجدت هناك، كانت مي خائفة فأمسكت بثوب صقر
التفت نحوها وقال: هاي يا فتاة! ما بك تشدين ثوبي؟ إن كنتِ خائفة لماذا صعدتِ من البداية؟
مي: أردت استكشاف المكان
تنهد صقر وقال: إذًا استكشفي المكان لوحدك
مي: لا أريد
صقر: أف منكِ... وماذا استفدتِ الآن؟ هل يعجبك المكان لذلك الحد؟
غضبت مي وقالت: لا تسخر مني!
ثم جرت أمامه وسحبته من كفه وفتحت غرفة من الغرف، كانت الغرفة -لكونها مهجورة- يملؤها الغبار والعفن والحشرات، ولكن ما أثار انتباه مي وجود قنينات زجاجية شفافة بأحجام ضخمة بالنسبة لها وكمية هائلة، وكانت محكمة الغلق وتحوي بالداخل كراتًا من الزجاج الملون بكل الألوان التي تخطر على البال، وكانت تعكس النور المتخلل من النافذة لتطبع على الحيطان أضواءً بألوان الطيف. كان المنظر كحلم لهذه الطفلة، انبهرت بجمال الكرات وروعتها
فالتفتت إلى صقر وكانت ما زالت ممسكة بكفه وقالت والبهجة على وجهها: هل بإمكاني اللعب بهم؟
كان صقر ينظر إلى الكرات دون أي تعبير، وتذكر مشهدًا من ماضيه
عندما كان في السابعة من عمره كان يلح على أبيه...
صقر: أبي أرجوك... اشتر لي كراتًا من الزجاج
الأب يصرخ: وماذا ستفعل بهم؟
صقر: جميع زملائي بالمدرسة يملكونها
الأب بغضب: وأنت تذهب إلى المدرسة لتنظر إلى ألعاب الأولاد أم لتدرس؟
صقر: .......
وبعد أن تذكر ذلك ترك يد مي والتفت ليخرج وهو يقول: افعلي ما تشائين
سعدت مي بذلك وضمته من خلفه وهي تقول: شكرًا لك عمي صقر
صقر: لا بأس... وثانيًا لا تناديني بعمي فهذا يحسسني بأني أخو قاسم والدك القذر، اكتفي بمناداتي صقر
مي: حسنًا... ولكن، لماذا أنت لا تناديني باسمي؟ فأنت دائمًا تناديني بـ"هاي" أو "أنتِ"
صقر وهو يسير أمامها قاصدًا النزول: لا يعجبني
مي: ولكن... هل ستناديني هكذا حتى نهاية العمر؟ ولماذا لا يعجبك؟
صقر: معناه قبيح
مي: قبيح؟ ما معناه؟ لا أعرف
صقر: القردة
مي: مستحيل
صقر: لا تصدقي... على أية حال... أنا سأناديك اليمامة إن رضيتِ أم أبيتِ
مي: حسنًا...
صقر وقد وصل إلى الصالون وجلس على الأريكة: والدك هو من اختار لك اسمك أتعرفين ذلك؟
مي: لا أعرف...
صقر: بالنسبة لذلك الفتى... أريد وصفًا أكبر له لأستطيع إيجاده
مي: حسنًا سأحاول
..::|| الفصل الرابع ||::..
بعد انتهاء الدوام المدرسي... كان قيس مع صديقه إبراهيم خارجين من البوابة
إبراهيم: ها هو أبي أتى لاصطحابي... أتريد المجيء معي؟ لم تأتِ إلى منزلي منذ زمن
قيس: لا شكرًا، فأنا أريد أن أبحث عن تلك الفتاة
إبراهيم بتعجب: هل جننت!!
قيس: قل ما تشاء ولكنني مصر على البحث عنها
إبراهيم: إذًا سأتصل أنا بمنزلك وأخبرهم بأنك ستتأخر...
قيس: لا داعي لذلك لأنني سأعود إلى المنزل لالتقاط صورتها
إبراهيم: كما تشاء، إلى اللقاء
عاد قيس إلى منزله وأمسك بجواله، والتقط صورتها المعلقة على الحائط ثم أراد الخروج ولكن أمه رأته
خلود: قيس إلى أين أنت ذاهب؟ عدت إلى المنزل لتوك!
قيس: لدي عمل مهم...
ثم ترك المنزل وبدأ السؤال عنها في الحي، قال فتى يعيش في المنزل المقابل لمنزله: هذه الفتاة تعبر أحيانًا أمام المنزل، إنها تقود سيارة نيسان سوداء
قيس: ومتى عبرت أخر مرة؟
الفتى: ربما الشهر الماضي! لا أعلم بالتحديد
قيس: شكرًا لك...
ثم بدأ قيس يفكر: *بما أنها تعبر هذا المكان فربما تعيش في هذا الحي!*
ولكنه تابع البحث حتى غروب الشمس ولم يسمع أي شيء آخر سوى ما قاله ذلك الفتى، لا أحد يعرفها، فجلس عند أحد المنازل مستندًا على الحائط ليرتاح قليلاً بعد تعب البحث، ثم سمع صوت المؤذن ينادي للصلاة، فنهض فور سماع التكبير لبعد المسجد عن موقعه قليلاً، أدى فريضته ثم جلس قليلاً يفكر بشيماء فأتى إليه إبراهيم
إبراهيم: في ماذا تفكر؟
قيس: أنت هنا؟ منذ متى؟
إبراهيم: كنت أصلي أمامك ولم تلاحظني؟
قيس: آسف لم ألاحظ ذلك
إبراهيم: يبدو عليك التعب –ثم أمسك بجبهته- هل ارتفعت حرارتك؟ فخديك محمرين... لا حرارتك عادية –وأزال كفه عنه- ماذا بك إذًا؟
قيس: أخبرتك بأنني سأبحث عن تلك الفتاة، فأرهقت جسدي لا غير، علي الذهاب الآن لأواصل البحث –وأوشك على النهوض-
إبراهيم: هل جننت!! أتعني أنك لم ترتح أبدًا بعد الدوام؟!
قيس: أجل، وما الغريب في ذلك؟ أخبرتك من قبل
إبراهيم بتعجب: حقًا إنك مجنون!! أظن أن تلك الفتاة سحرتك
قيس: ماذا تقول؟
إبراهيم: منذ متى وأنت تبالي بمن حولك؟ إنسَ الأمر فهذه عادتك؟ لماذا هذه الفتاة بالذات؟
قيس: سألت نفسي ذلك أيضًا، لماذا هذه الفتاة بالذات؟ أشعر أن قلبي يجبرني على ذلك
إبراهيم: قلت لك، لقد سحرتك! اذهب إلى شيخًا ليقرأ عليك
ضحك قيس قليلاً ثم قال: ولماذا ستسحرني فتاة؟ على ماذا؟
إبراهيم: شاب، حسن الوجه، أزرق العينين، أبيض البشرة، عاقل وهادئ، حسن الجسد... كلها صفات تلفت نظر الفتيات وأغلب الفتيات يلجأن إلى السحرة لتحقيق مبتغياتهن!
ضحك قيس مرة أخرى وقال: إنها أكبر مني يا حبيبي... خيالك واسع يا صاح
إبراهيم: العمر لا يهم الفتيات، وثانيًا هذا أمر ليس بغريب عن الواقع!!
قال قيس وهو مبتسم: عد إلى منزلك يا إبراهيم وأنا أريد أن أواصل بحثي
نهض قيس من مكانه وأراد الخروج ولكن أوقفه قول إبراهيم وهو غاضب: لن تجدها
التفت قيس نحوه متعجبًا: لماذا؟
إبراهيم: أعلم أن دولتنا صغيرة ولكن ليس لدرجة أنك تستطيع إيجاد من تريده بكل سهولة
ابتسم قيس وقال: أعلم ذلك ولكن سأواصل البحث
في منزل صقر، كان صقر جالس ينظر إلى التلفاز، فأتت مي من الطابق الثاني وهي تحمل قنينة كبيرة تحوي الكرات الملونة الزجاجية، فتعجب صقر عندما رآها وسألها: ماذا تفعلين؟
مي: أريد أن أنقل جميع القنينات من الأعلى إلى غرفتي، أعجبتني الكرات كثيرًا والمكان في الأعلى قذر حقًا
التفت صقر وقال: افعلي ما تشائين
بدأت مي تنقل القنينات واحدة تلو الأخرى وكانت تنظف الزجاج من الخارج لأنه كان أغبر، أما الكرات فلم يصبها أي شيء لأنها كانت في مكان محكم الغلق حتى الغبار غير قادر على الدخول، كان عدد القنينات هائلاً يتراوح ما بين التسعين إلى المائة، حتى أن غرفة مي امتلأت بهم، وكل قنينة تحتفظ بأكثر من خمسين كرة!
سألت مي: ما سبب وجود هذا العدد الهائل للكرات؟ كرتان من اللون الواحد تكفي
صقر دون أن يلتفت نحوها: كنت أحب جمعهم وأنا صغير
مي: لم أرَ مثلهن في الأسواق أبدًا
صقر: لا يمكنك ذلك لأن بيعها توقف
مي: ما السبب؟
صقر: كانت هذه الكرات موضة أيامنا أما الآن فلا أحد يبالي لها بعد ظهور الألعاب الراقية
مي: ولكن ما زالت بعض المحلات تبيع الكرات والألعاب العادية فلماذا ذهبت هذه الكرات الرائعة؟
التفت إليها صقر وقال بغضب: وما أدراني! أسئلتك كثيرة ولا تنتهي، إن كنتِ تريدين معرفة السبب فاسألي أصحاب المتاجر!!
طأطأت مي من رأسها وقالت: آسفة
التفت صقر وعاد مرة أخرى يشاهد التلفاز: أف...
فتحت مي القنينات وأخرجت جميع الكرات! عندما سمع صقر صوت تدحرج الكرات على الأرض التفت بتعجب وقال لها: ما الذي تفعلينه؟!! لماذا أخرجتِ كل الكرات من مكانها؟!!
مي: أريد أن أضع كل لون في قنينة، لا أريد خلطهم هكذا
أغلق التلفاز ونهض من مكانه ومشى نحوها وهو يتنهد وقال: هل ستصنفينهن جميعهن الآن؟ سأساعدك...
جلس صقر بجانب مي وبدأ يصنف الكرات معها، أمسك بكرة حمراء وبدأ ينظر إليها، تذكر لحظات من ماضيه... جثة والده وهو متمدد على بطنه والدم ينزف من عنقه، فقد كان مطعون في عنقه من الخلف، وتذكر جثة والدته التي كانت ملقاة على سريرها وقد خنقت بحبل حتى موتها، أما هو فكان جالس في غرفته، ضام أطرافه، لا يتحرك ولا ينطق...! حتى أتى رجال الشرطة ورؤوه على هذه الحال...
ثم قطع سرحانه صوت مي وهي تقول: يوجد للون أكثر من درجة! فانظر إلى الوردي... هناك خمس درجات حتى الآن، هذا يجعل التصنيف أصعب
صقر: من قال لك أن تبعثري الكرات جميعهن مرة واحدة، لماذا لم ترتبيهن على فترات؟
مي: لم أتخيل بأن كل هذه الألوان ستكون موجودة
صقر: لا بأس... سأرتبهن معك وسنكمل بسرعة...
وبينما كانا يصنفان الكرات أمسك صقر بدرجات الأزرق، وأخذ من كل لون واحدة ثم سأل مي: اليمامة... لون أية واحدة تطابق لون عيني الفتى أو الأقرب إليه؟
مي: اممم... هذه
ثم أشارت على كرة زرقاء فاتحة جدًا ولكنها لم تكن الأفتح بل التي تليها، لونها كان يطابق لون عيني قيس تمامًا، ثم أمسك باثنتين من ذلك اللون ووضعهما في جيبه وعاد يرتب الكرات مع مي...
أحمد الأنصاري
26-08-2009, 04:06 AM
ماشاء الله كنت احد متابعي الجزء الاول عن كثب الى ان شغلني القسم الذي كنت فيه ونسيت الموضوع ولاكن رجعت مرة اخرى بعد انهاء الموضوع بعام وقرأت القصة مرة اخرى منذ البداية اهنئك اختِ على اسلوبكِ القصصي الرائع , كم اتمنى ان اصبح كذاك في طريقة سرد القصة + البداية القوية
القصة لا استطيع القول بأنها Great ولاكن كانت ممتازة الهم اشي الذي لم يسرني في القصة الاولى هو تاريخ قيس , ذكرة كان سطحي جداَ وعلى السريع كما : انه يقتل حتى يعيش , هل لدية ام واب واخت او عشيرة كاملة نفس الشيء ؟
وان كان كذالك كيف اصابة هاذا الداء " يجب القتل حتى تعيش " نعم في الواقع ربما يعقد من القصة شوي الا انه راح يضيف لها اسس الحبكة التي لم تذهب بشكل مباشر في قصكِ , القصة بشكل عام احتوت وبشكل كبير الى عرض عن شريحة من الحياة " لا اعلم ان كنتِ متعمدة او لا "
ولاكن طريق سردها كان بشكل ممتاز بحيث انه يوجد هنالك من يعاني اهمال الوالدين ! ونجد هاذا الكثير في مجتمعاتنا وايضاَ الطلاق وضياع البنت في المنتصف وجد ايضاَ , والاهم من ذالك الحنان الخارجي كما كانَ علاقة قيس وشيماء !! وبأضافة الى الحالات النفسية كما كان معة قيس وشيماء , جميعهاَ طـٌرحت وبشكل ممتاز
ماكان ينقصنكِ ياختي انه التعمق في القصة والشرح , بخصوص الشخصيات نعم انه قليلة ولاكن لكل واحدة لها دورها الخاص من ردود فعل وحوارات , الحوارات كانت فقط حوارات قيس على مستوى عالي وشمياء تتفاوت مستوى حواراتها , بما انه والدة شيماء والدكتور كان بينهم حوارات عادية , الاحداث ايضاَ , بخصوص الرومنس سوف اتكتم عن هاذا الجانب
هنالك بعض الامور غامضة , وحقيقتاَ ان فشل الكاتب في اظهار سبباَ قوياَ لها فسوف يبقيها غامضة , ينتابني الخوف من مؤلفِ Lost بجعل نهاية المسلسل غامضة ايضاَ :D
حسناَ هاذا ما كنت اتذكرة فقط من القصة التي قرأتها قبل سنه , في طبيعة احال انا شخص ذو ذاكرة ضعيفة لغاية (&) لا اتذكر الا الاشياء التي اشيد بها واعجب بها كـ لعبة فتل فريم 2 + اشتن جو والى ما ذالك
انا ايضاَ افكر بكتابة قصة ولاكن مشكلتي هي البداااااااااية ~_____________~ اسوء شخص يكتب البداية هو انا , معني في بعض الاحيان بعد انتهائي من مشاهدة انمي او مانجا اقوم وافتح الـ Word واكتب القصة مشابه معة بعض التعديلات اتي لم ترق لي بمسلسل !!
اعتذر اختي على الاطالة , سوف اكون متواجد طوال لطرحكِ لقصة الجزء الثاني وان شاء الله راح اكتب رايي في كل اسبوع او كل يوم او كل فصل إن وجدَ , اتمنى لك التوفيق والنجاح والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة ^_^
sensei
26-08-2009, 04:55 AM
السلام عليكم ورحمة الله
بالنسبة لداء قيس ... قيس بنفسه لا يعرف سببه ولا أحد يعلم بذلك... ولذا لم أشأ أن أذكر التفاصيل حيث أن شخصياتها تجهل الأمر... ولكن أضفت بعض التلميحات التي قد تكشف جزءً من الغموض ألا وهي المقدمة...
"كل يوم يكتشف العلماء حقيقة من حقائق العالم، ولكن ما زال العالم يخفي الكثير الكثير من الأمور قد يكتشفها الإنسان أو قد تبقى مجهولة للأبد. قد يعيش الإنسان بين البشر ولكنه يجد نفسه في عالم مظلم منعزل قاسٍ يبدو عالمًا آخرًا، ولكن هناك أبوابًا كثيرة يجب أن تفتح ليدخل الإنسان إلى ذلك المكان...!"
عندما وضعتها مسبقًا لم أكتب المقدمة والسبب هو أنني كنت أضع الفصول فور تأليفها وكتابتها "أي first draft"
وهذا ما أنقص من جودتها... وقد يحدث الأمر نفسه مع الجزء الثاني ولكن سأراعي هذه النقاط
والسلام عليكم
sensei
26-08-2009, 08:01 PM
..::|| الفصل الخامس ||::..
بعد ثلاثة أيام، كان قيس جالسًا في الفصل بوجه شاحب، ومزاج سيء، وحالة يرثى لها
إبراهيم وهو جالس على الطاولة المجاورة لقيس: قيس أخبرتك، إنسَ أمرها أرجوك، انظر ماذا فعلت بك، أنا متأكد بأنها سحرتك
قيس: إبراهيم، دعني لوحدي أرجوك
إبراهيم: أنظر إلى شكلك!! بدأت لا تنام إلا قليلاً وتقضي طوال يومك في الشوارع كأنك مجنون، وتسأل كل من تقابله، حتى بدأت لا تهتم بشكلك –ثم أمسك بثوب قيس من جهة الكتف بسبابته وإبهامه- ثوبك لا تكويه، -أمسك بشعره- وشعرك إن لم يكن ناعمًا لما رأيناه هكذا، حتى الشماغ بدأت لا تلبسه، أشعر بأنني سأراك في نهاية هذا الأسبوع في مستشفى المصح العقلي
وضع قيس رأسه على الطاولة وقال: أرجوك أصمت فرأسي يؤلمني... إن كنت تريد الحديث ففكر بطريقة أستطيع منها إيجادها أو حتى معرفة اسمها
إبراهيم: حسنًا... ذلك الرجل الذي قابلته بعد رحيل تلك الفتاة، والذي قال بأنه طبيبها النفسي، هل ذكر اسمه لك؟
رفع قيس رأسه وقال: صحيح!! كان اسمه... أحمد إسماعيل!!
وقف قيس من مكانه وضمه: أشكرك يا صاح
ثم حمل كتبه وخرج من الفصل جريًا، فتبعه إبراهيم وهو يناديه: قيس! إلى أين أنت ذاهب؟ لم يبدأ الدوام بعد! *كيف لأمر كهذا لم يخطر على باله؟ تلك الفتاة أذهبت بعقله حقًا*
خرج قيس وكان الأستاذ على وشك الدخول ولكنه لم يستطع إيقافه، ثم أراد إبراهيم أن يتبعه وكان يناديه: قيس انتظرني! سآتي معـ...
ولكن الأستاذ وضع ذراعه أمام الباب فقال له وهو غاضب: لن تذهب معه
خاف إبراهيم قليلاً فهذا الأستاذ لا يرحم أحدًا وقال: آ...آسف...
الأستاذ: عد إلى مكانك!
إبراهيم: حسنًا *أين ذهب الأحمق؟! لماذا لم ينتظر حتى انتهاء الدوام؟*
هرب قيس من المدرسة للبحث عن ذلك الطبيب ولكنه في الوقت نفسه كان متعجبًا من ردة فعله: *لماذا أصبحت هكذا؟ لماذا أجري وراء فتاة لا أعرفها!؟ منذ متى وأنا فضولي لهذه الدرجة؟ هناك أمر غريب في تلك الفتاة! أشعر وكأن جسدي هو من يتحكم بي عندما يكون الأمر متعلق بها ولست أنا من يتحكم به*
تسلل إلى منزله لكي لا يلاحظه أحد، ودخل غرفته واتصل بشركة الاتصالات، أجاب عليه الموظف: مرحبًا سيدي هل لي أن أخدمك؟
قيس: أريد رقم طبيب نفسي يدعى أحمد إسماعيل، ولكن لا أعلم أين يعمل ولا أعرف اسمه الكامل... فهل بإمكانك مساعدتي؟
الموظف: أعرفه أعرفه... إنه يملك عيادة خاصة، تفضل خذ الرقم
سجل قيس الرقم عنده وكان سعيدًا جدًا، ثم خرج من المنزل وأخذ معه هاتفه النقال: *لا أظن أن العيادات الخاصة تفتح الآن*
ولكن مع ذلك اتصل قيس على أمل أن يجد من يجيبه، فأجاب عليه السكرتير: السلام عليكم
قيس: وعليكم السلام، هل هذه عيادة الدكتور أحمد؟
السكرتير: أجل...
قيس: أريد العنوان من فضلك...
اتجه قيس فورًا إلى العيادة ودخلها، كان المكان خاليًا من الزوار فسأل قيس موظف الاستقبال: هل يوجد مريض بالداخل؟
الموظف: لا، ولكن استرح حتى...
لم يستمع قيس له ودخل فورًا على الطبيب
الموظف: انتظر! لا يسمح لك بالدخول...!!
دخل قيس وأغلق الباب خلفه، كان أحمد يكتب فسأل وهو يكتب: هل لك أن تنتظر قليلاً و...
رفع أحمد رأسه وصدم لرؤية قيس أمامه: قيس..!؟
قيس: أجل... قيس
أحمد: ما الذي أتى بك إلى هنا؟
قيس: أتيت لأتعالج، ألا يحق لي ذلك؟
أحمد باستعجاب: حسنًا تفضل...!
جلس قيس أمام المكتب فقال له أحمد: ما مشكلتك؟
قيس: أنت أدرى بها... إنها فقدان الذاكرة
أحمد: بني قيس، عليك أن تنسَ ما جرى ولا تفكر في الأمر كثيرًا
قيس: أتيت إلى هنا لأتعالج وليس لأسمع النصائح، فأرجوك أخبرني قبل أن يصيبني الجنون
أحمد: حسنًا، كما قلت أنت، أنا أدرى بحالتك أكثر منك، وأعلم أنه يستحيل أن تستعيد ذاكرتك مهما حاولت وعانيت
قيس: ولماذا؟ وما الفرق بيني وبين من عادت لهم ذاكرتهم؟
أحمد: لأنك تريد تذكر شيء لم يحدث لك من قبل...
قيس: كيف هذا؟ وكيف تعرفني أنت وتلك الفتاة؟ وما معنى قولك في ذلك اليوم (بما أن الموتى عادوا)؟ هل تريدني أن أجن بألغازك؟
أحمد: كل شيء كان وهم
قيس: وهم؟ وما الوهم؟ ها أنت عرفت اسمي فور دخولي ولم أخبرك به فأين الوهم؟ ذلك اللقاء لم يكن وهمًا...
أحمد: لا أعني ذلك اليوم، بل علاقتك بي وبتلك الفتاة
قيس: وكيف كان ذلك؟ أخبرني أرجوك!!
أحمد: لا أستطيع
قيس بغضب: لماذا!!؟
أحمد: لأنه من الأفضل لك نسيانها، وهي لا تريد مقابلتك أيضًا، ورؤيتها لك سيزيدها تعبًا وإرهاقًا!!
قيس: حسنًا إذًا... يبدو أنك لن تتفوه بشيء مفيد... علي أن أجدها بطريقة أخرى إذًا...
ثم نهض من مكانه وأراد الخروج ولكن أحمد قال: الآن عرفت...
التفت قيس إليه وقال: عرفت ماذا؟
أحمد: من أين أخذت العند... فأنت عنيد مثلها
قيس: ما اسمها؟
أحمد: لن أخبرك
قيس: فقط اسمها الأول أرجوك!!
أحمد: لن أخبرك... ليس من عادتي أن أخبر الآخرين عن مرضاي
قيس: حسنًا... إن لم أجدها سأقتلك
أحمد: أتوقع منك ذلك... فهذا ليس بشيء بعيد عنك
تعجب قيس مما قاله أحمد ولكنه لم يبالي له فإن سأله فلن يجيبه حتمًا، وخرج من الغرفة غاضبًا، ثم عاد إليه مرة أخر
قيس: أيها الطبيب
أحمد: ماذا؟
قيس: أريد ورقة تأخر عن المدرسة
ضحك أحمد وأخرج ورقة يسجل بها: هربت من المدرسة؟
قيس: أردت مقابلتك... ظننت أنك ستخبرني بشيء عنها... فقط أخبرني بشيء واحد أرجوك
أحمد: وما هو؟ اسمها؟
قيس: لا... بل ما هي بالنسبة لي؟
رفع أحمد رأسه متعجبًا: هاه! ما هذا السؤال؟
قيس: لم أتحمس يومًا لمعرفة أي شيء، ولم أبالِ يومًا بمن حولي، ولكن هذه المرة... لا أعلم ما الذي يجري لي... أشعر وكأنني سأموت من شدة فضولي...
ابتسم أحمد وأعاد نظره إلى الورقة وتابع الكتابة: *إذًا فكانت علاقته بها صادقة*
قيس: أخبرني أرجوك
أحمد: بإمكاني القول أنها قطعة منك
قيس: قطعة مني؟
أحمد: أجل... هذا جوابي لسؤالك ولن أجيبك على شيء آخر
ثم أعطاه الورقة: عد إلى المدرسة الآن ولا تهرب منها مرة أخرى، فلم أعتد أن أراك فاشلاً
قيس: شكرًا... *ولكن كيف يعرفني هذا الرجل أيضًا؟ يبدو من كلامه أنه يعرف الكثير عني!!*
..::|| الفصل السادس ||::..
عاد قيس إلى المدرسة وكانت الحصة الخامسة قد بدأت، فدخل أثناء الشرح، نظر إليه الأستاذ بعينين غاضبتين فأعطاه الورقة
قيس: كنت لدى الطبيب
إبراهيم: *أيها الكاذب*
الأستاذ: حسنًا تفضل
جلس قيس في مكانه بجانب إبراهيم
إبراهيم بصوت منخفض: أيها الكاذب! أنت لم تذهب إلى الطبيب... ذهبت للبحث عن تلك الفتاة
قيس: بل كنت لدى الطبيب، أحمد إسماعيل
إبراهيم: هل أنت جاد؟! وجدته بتلك السهولة؟
قيس: أجل... ولكنه لم يقل لي شيئًا ولا حتى اسمها
إبراهيم: لماذا؟
قيس: قال لأنني لن أستطيع التذكر، فكيف لي أن أتذكر شيئًا لم يحدث؟
إبراهيم: ما هذا الهراء؟ شيئًا لم يحدث! إذًا كيف يعرفك هو وتلك الفتاة؟
قيس: لا أعلم... ولكنه قال بأن علاقتهما هو والفتاة بي كانت مجرد وهم!
إبراهيم: وهم؟ هذا الرجل يكذب عليك لأنه لا يريد أن يخبرك بالحقيقة
قيس: هذا ظني أنا أيضًا...حسنًا اهدأ لكي لا يعاقبنا الأستاذ
إبراهيم: حسنًا أيها الطالب المثالي
أما في الجامعة، كانت شيماء جالسة تعمل على حاسوبها وفي الوقت ذاته تتحدث مع دكتورها عبر الماسنجر
الدكتور: حدثت الصحافة في الأمر وقالوا أن اللقاء سوف يكون بعد الغد
شيماء: هل سيعرض في الصحف أم في مجلة؟ أنت لم تخبرني بعد!
الدكتور: ولماذا تريدين معرفة ذلك؟ لا يوجد فرق بينهما
شيماء: بل يوجد فرق، لأنه لو سيعرض في الصحيفة لن أقبل
الدكتور: ولماذا؟
شيماء: لي أسبابي الخاصة
الدكتور: لا تخافي، سيعرض في مجلة... وللفنون فقط، أهذا جيد؟
شيماء: أجل
الدكتور: ولكنني أرى الصحف أكثر انتشارًا وستشتهرين أكثر
شيماء: قلت لك أنا لا أريد الشهرة
الدكتور: حسنًا أنا آسف
ثم استأذنت شيماء منه وأغلقت المحادثة...
شيماء: *أنا لم أوافق على اللقاء إلا لأنني خائفة أن يحقد علي إن رفضت... أعرفه جيدًا، لو كره طالبًا سيضعه تحت نعليه! أتمنى أن لا يصل اللقاء إلى قيس... لا أظن ذلك، لأنها ستعرض في مجلة للفنون وهو لا يهتم بهذه الأمور*
وضعت حاسوبها في الحقيبة وحملتها ثم خرجت من القاعة، وإذا بحصة تقف في وجهها
حصة بصوت هادئ: السلام عليكم
شيماء: وعليكم السلام
حصة: مر وقت طويل لم نتقابل
شيماء: أجل...
حصة: كيف تجري أمور الدراسة معك؟
شيماء: كل شيء على ما يرام... لا أجد صعوبة في أي منها
حصة: هذا جيد، وفقك الله
شيماء: شكرًا لك... أنا جائعة، أريد أن أذهب للكافيتيريا
حصة: *تريد التهرب مني أعلم أنها لا تطيقني*
وتابعت شيماء حديثها: هل تأتين معي؟
حصة: هاه!
شيماء: قلت، هل تأتين معي لتناول شيئًا؟
حصة بتعجب: حسنًا...
ذهبتا إلى الكافيتيريا وطلبت شيماء لنفسها ساندويتشًا وشرابًا ساخنًا وسألت حصة: ماذا تريدين؟
حصة: لا أريد شيئًا
شيماء: هذا يعني أي شي
حصة: لا، فأنا لا أريـ...
قالت شيماء للنادل: أحضر اثنين منهما
حصة: قلت لكِ لا أريد
شيماء: لا تخافي لن يكون مسمومًا، فلست أنا من سيصنعه
حصة: ليس هذا ما أعنيه، لا تسيئي الظن، كل ما في الأمر أنني تناولت شيئًا منذ قليل ولا أرغب بالأكل
شيماء: كلي المزيد فجسدك نحيل جدًا
حصة: *ما الذي يجري هنا*
ثم قالت حصة: شيماء...
شيماء: ماذا؟
حصة: هل يعني هذا أنكِ تريدين المصالحة؟
شيماء: مصالحة؟ وهل تشاجرنا من قبل؟
حصة بتعجب: *ما بها؟* أجل تشاجرنا منذ عامين ولم نتحدث بعدها
شيماء: أتسمين ذلك شجارًا؟ كنت في مزاج سيء حينها فقد فقدت شخصًا عزيزًا
حصة: فقدتِ شخصًا عزيزًا؟ أتعنين...
شيماء: توفي...
حصة: آسفة، لقد أسأت الظن
شيماء: لا تعتذري، فأنا حدثتك بخشونة لأنني لا أحب أن أظهر ضعفي للناس
حصة: ولكن البكاء ليس ضعفًا وأنت فقدت أحدًا فمن الطبيعي أن تبكي
شيماء: في نظرك فقط...
حصة بتردد: وماذا عن... قولك...
شيماء: ماذا؟
حصة: عندما قلت بأننا... لم نصبح صديقتين يومًا
شيماء: هذا صحيح
تعجبت حصة: ولكن!! كنا نقضي وقتًا ممتعًا طوال الأسبوع الذي كان يسبق ذلك اليوم!!
شيماء: كانت علاقة زمالة وليست صداقة... فأنتِ زميلتي في المحاضرة وهذا شيء طبيعي... أما دعوتي لكِ للطعام فهذا شيء طبيعي، فنحن لم نتقابل منذ عامين
حصة: لا أريدك أن تغضبي ولكن، أنتِ غريبة الأطوار
شيماء: أعلم ذلك
حصة: من المستحيل أن يفهمك أحد
شيماء: بل يوجد من يفهمني
حصة: حقًا؟ ومن هو؟ والدك؟ أمك؟
شيماء: بل الفتى الذي ترينه في لوحاتي
حصة: ذلك الفتى! أليس من نسج خيالك؟
شيماء: لا
ثم أخذت شيماء الطعام وأمسكت بيد حصة وأخذتها إلى أحد الطاولات
شيماء: اجلسي وكلي الآن، وإن تركتِ قطعة صغيرة سأقتلك
ابتسمت حصة وقالت: حسنًا، شكرًا لك وبارك الله لك في مالك
شيماء: لا شكر على واجب
..::|| الفصل السابع ||::..
كان قيس جالس في غرفته يذاكر في جو هادئ، فجأة رن هاتفه ليحدث ضجة، فأجاب عليه: السلام عليك يا إبراهيم
إبراهيم بحماس: وعليك السلام، قيس هل رأيت الجرائد اليوم؟
قيس: لا، لا أحب الأخبار، ولدي أشياء أهم وأولى أن تقرأ...
إبراهيم: اذهب الآن وانظر إلى الصحيفة
قيس: لم يأتِ أبي بالصحيفة حتى الآن، أخبرني إذًا ما هو الخبر العجيب الذي رأيته في الصحيفة؟
إبراهيم: هناك جريمة قتل
قيس: كل هذا الضجيج والحماس من أجل جريمة قتل؟
إبراهيم: ولكن هناك أمر غريب ذكرني بك!
قيس بتعجب: بي أنا!! وما هو؟
إبراهيم: القاتل نزع عيني الجثة ووضع مكانها كرتين زرقاوتين من الزجاج بنفس لون عينيك تمامًا! أقسم أنها مطابقة تمامًا للون عينيك
قيس: ربما كان يريد أن يعبث في الجثة لا غير
إبراهيم: لا، فقد كتب عليه بالدم (تعال إلي يا أزرق العينين) لا أظن أنه هناك فتى أزرق العينين غيرك!
قيس: يوجد الكثير يا حبيبي وأنا لا أملك أعداءً... الأجانب منتشرين في البلاد بكثرة...
ثم تذكر سلمان فقال في نفسه: *لا أظن أنه سيتمادى إلى القتل! شجاره معي بسيط ولا يصل إلى الجرائم!*
في منزل صقر، دخل صقر المنزل وهو يحمل حقيبة كبيرة على كتفه
مي: مرحبًا بعودتك... لماذا لم تعد البارحة؟ ظللت انتظرك حتى الصباح!
صقر: كان لدي عمل...
مي: لماذا لم تتصل بي لتخبرني؟
صقر: نسيت وانتهى الأمر
ثم اتجه نحو غرفته وأغلق الباب، لم تمر لحظات إلا فتح صقر بابه مرة أخرى وقال: أوه نسيت! لم أسجلك في مدرسة، ومن المستحيل أن أسجلك، فأنتِ هنا في المنزل بصورة غير قانونية... إن كنتِ تودين التعلم حقًا بإمكاني إحضار معلمين إلى المنزل...
مي: حسنًا... موافقة، فأود تعلم الكتابة والقراءة حقًا
عاد صقر إلى غرفته وأغلق الباب، فجلست مي وحيدة تشعر بالملل، فأخرجت الكرات وبدأت تلعب بهن
عند المساء في الكورنيش، كان قيس يمشي مع صديقه إبراهيم لاستنشاق الهواء النقي. لاحظ إبراهيم الهدوء على قيس حيث أن ابتسامته المعتادة محيت من وجهه تمامًا وكان شارد الذهن طوال الوقت، فأراد إبراهيم التخفيف عن قيس...
إبراهيم: ابتسم يا قيس، لا أحب أن أراك هكذا، كل هذا من أجل فتاة؟ دعها وشأنها
قيس: لماذا أنا مهتم لأمرها كثيرًا؟
إبراهيم: أتساءل أنا أيضًا... إنها كباقي الفتيات، ربما مقلب كما قلت لك في السابق
قيس: ولكن اللوحة؟ كيف كانت معي في اللوحة؟!
إبراهيم: في النهاية ستكتشف بأنها من أقربائكم صدقني، بما أنها مرسومة في اللوحة بجانبك لا أظن أنها لا تقربك
قيس: سألت والداي فهما لا يعرفانها أيضًا
إبراهيم: إذًا المقلب من والديك
نظر إليه قيس وقال بضيق: أما زلت مصرًا على فكرة المقلب هذه؟ قلت لك لو أنك نظرت إلى عينيها كيف كانت ممتلئة بالدموع لما قلت ذلك!
إبراهيم: ربما هي ممثلة بارعة
قيس: إبراهيم...
إبراهيم: أجل؟
قيس: هل لك أن تتركني لوحدي وتعود إلى منزلك؟
إبراهيم: للأسف لا
قيس: أرجوك
إبراهيم: أخشى أن تجن وأنا بعيدًا عنك وترمي بجسدك في البحر ولا يوجد بجانبك من يمنعك
قيس: لا تخف، فلن أدخل نفسي جهنم من أجل أمر كهذا
إبراهيم: في هذا صدقت، حسنًا كما تشاء، سأدعك لوحدك
ذهب عنه إبراهيم وهو يلوح له، وبقي قيس يسير وحيدًا تحت تلك السماء الداكنة، كان المكان هادئًا ولم يكن مزدحمًا كعادته، لا يسمع فيه سوى صوت أمواج البحر الهادئة، وكان الجو رائعًا ومنعشًا وصالحًا للتفكير والذهاب إلى عالم آخر بعيدًا عن الناس، وبعد فترة أحس بتعب في ساقيه من كثرة المشي، فرأى كرسيًا يجلس عليه رجل مسن وقد وضع عصاه بجانبه، فذهب إليه قيس وجلس بجواره
قيس: السلام عليك يا عم...
لم يجبه الشيخ، فنظر إليه قيس وإذا به يتأمل في البحر ولا يلتفت بمقلته إلى أي شيء آخر، لم يبالِ قيس له، ظن بأنه خرف، وبعد دقيقة وصلت إليه رسالة على جواله، فأخرجه... كانت رسالة من والدته تسأله "متى ستأتي؟" فكتب لها ردًا يقول فيه "قد أصل البيت عند الساعة العاشرة والنصف" وبعد إرساله الرد بدأ يتصفح ألبوم الصور في جواله، فرأى صورة شيماء التي التقطها من اللوحة المعلقة في منزله، ففتحها ليسأل الرجل العجوز عنها
قيس: لو سمحت...
لم يجبه الرجل، فأمسك قيس بكتفه وقال: معذرة يا عم...
فالتفت نحوه الرجل وقال: أوه، أكنت تحدثني؟... أنا آسف، ولكنني أصم
قيس في نفسه: *لهذا لم يرد السلام*
حاول قيس سؤاله عن شيماء، فأراه الصورة قد يفهم، فقال الشيخ: إنها جميلة، أهي أختك؟
حرك قيس رأسه وقال: لا...
فحاول أن يسأله بالإشارة "أتعرفها؟" حتى فهم الشيخ وقال: لا، ولكنك ما زلت صغيرًا يا بني على الزواج، انتظر حتى يكتمل شاربك
لم يجبه قيس فلم يستطع التعامل معه، فأعاد نظره إلى الشاشة يتأمل في شكل الفتاة، ثم لاحظ تحديق الشيخ في وجهه فالتفت نحوه وأشار بيده "ماذا هناك؟" فقال له الشيخ: عيناك جميلتان، أهي عدسات ملونة؟
قيس: "لا"
الشيخ: هل أنت قطري الجنسية؟
قيس: "أجل"
الشيخ: هذا غريب... لكن شابًا وسيمًا مثلك يستحقهما
قيس: شكرًا *هل فهمها أم لا؟*
الشيخ: لا شكر على واجب... استطيع أحيانًا قراءة الشفتين
فابتسم قيس للشيخ، وفجأة شم رائحة عطرة أتت من خلفه، فالتفت فإذا بها فتاة متبرجة ومتزينة وقد امتلأ وجهها بالمساحيق الملونة، وفاح ريح عطرها من بعد أميال، فصد قيس عنها عندما رآها بهذا الشكل
ثم اقتربت منهما كثيرًا -فأدنى قيس من رأسه- وقالت: آسفة جدي أطلت عليك
وكانت في الآن نفسه تحدثه بلغة الإشارة، فأجابها جدها: لا بأس حبيبتي سعاد، فقد أتى هذا الصبي وأزال عني الملل
سعاد وقد التفتت نحو قيس: شكرًا لك
قيس دون رفع رأسه: العفو
سعاد: هيا جدي لنرحل
وحملت العصا لتعينه على الوقوف، ولكنه قال: لحظة...
سعاد: ماذا هناك؟
الجد: هذا الصبي أراني صورة فتاة في عمرك تقريبًا وهو يبحث عنها، قد تكون معكِ في الجامعة
التفتت نحو قيس وقالت: حسنًا أرني الصورة
قيس: لا داعي لذلك
سعاد: لا بأس أرني إياها، فمعظم الفتيات تدخلن جامعة قطر
فتح قيس الصورة وأعطى سعاد الجوال فقالت بتعجب: شيماء!!
قال قيس متعجبًا في نفسه: *شيماء!! لماذا اسمها شيماء؟ ألهذا أحب اسم شيماء أم أنها مجرد مصادفة؟!*
ثم رفع رأسه وسألها بتعجب: أتعرفينها؟
سعاد باستهزاء: لم أتخيل يومًا بأنها ستصل في وقاحتها إلى الخروج مع الأطفال!
قيس: *أطفال!؟*
سعاد: ولم تكتفي بذلك أيضًا! بل رسمت لوحة لنفسها ونشرتها!! لم أتخيلها بتلك الوقاحة
قيس: *إذًا فهي رسامة ومن الممكن أن تكون هي من رسمت هذه اللوحة!!*
ثم رفع عينيه وبدأ يحدق في عينيها وهو غاضب وقال: معذرة يا أختي، أنا لا أعرف هذه الفتاة ولا أعرف من تكون، إن كانت عاقلة أم كما تزعمين فهذا لا يهمني، ولكن لا تتهميني باتهامات باطلة، سألتك فقط عنها لترشديني عن مكانها فأريد محادثتها في موضوع مهم
سعاد: حسنًا أنا آسفة، نحن ذاهبان إلى المنزل الآن، إنها تسكن في المنزل المقابل لمنزلنا، إن أردت سأوصلك إليها..
قيس: لا بأس...
..::|| الفصل الثامن ||::..
كانت سعاد هي من تقود السيارة وجدها بجوارها، وصعد قيس في الخلف، كان متوترًا قليلاً فلم يعرف كيف سيقابلها، وهم في السيارة، شعر وكأن الطريق الذي تسيره طريق العودة إلى منزله، كان مطابقًا له تمامًا، حتى أنها عندما وصلت إلى الحي عبرت أمام منزله، ولم تمضِ سوى دقائق قليلة من مرورها أمام منزله حتى توقفت فقد وصلت إلى منزلها، نزلت وساعدت جدها في النزول ثم أشارت لقيس على المنزل المقابل: إنها تسكن هناك –ثم ابتسمت بخبث- ليلة سعيدة لكما
غضب قيس بشدة ولكنه لم يقل شيئًا، انتظرها حتى دخلت منزلها هي وجدها ثم اتجه نحو منزل شيماء، أراد الضغط على زر الجرس ثم تردد: *ماذا سأقول إذا فتح الباب؟ قد لا تكون هي من يفتح الباب، ربما أهلها لا يعرفونني كما تعرفني هي... إن فتح لي والدها سيقتلني حتمًا إن طلبتها!! قد يظنني مِن مَن تخرج معهم... أهي حقًا بتلك القذارة أم أنها مجرد إشاعات؟*
ظل قيس مترددًا ثم تراجع وسار إلى منزله، دخل منزله وكانت الساعة الحادية عشرة والربع، فأتت نحوه والدته وهي خائفة وقالت: لماذا تأخرت حبيبي؟
قيس: أنا آسف... قابلت شخصًا لم يكن في الحسبان فقضيت وقتًا معه
ثم أتت نحوه أخته شيماء تجري وهي تناديه: قيييييييييييييييييييييييس
فابتسم لها وحملها ثم قالت: أنا غاضبة منك، وعدتني بأن تلعب معي بحاسوبك هذه الليلة ولكنك قضيت وقتك كله في الخارج
قيس وهو مبتسم: وأنا على وعدي
خلود: قيس! عليك أن تنام فغدًا ستستيقظ من الصباح لتذهب إلى المدرسة
شيماء: ولكن أمي...!!
قيس: أعلم ذلك... لا تخافي سأذهب غدًا إلى المدرسة –ثم نظر إلى شيماء- هيا صغيرتي لنذهب
شيماء: يااااااي
خلود: إن كنت تحتمل السهر ماذا عن أختك؟
قيس: لا تقلقي... القليل من الوقت فقط لن يغير شيئًا
حملها إلى غرفته وفتح حاسوبه، وأقعد شيماء على الكرسي وفتح لها الألعاب ثم قال: العبي لوحدك قليلاً، سأستحم وآتي إليك
شيماء: حسنًا
أخرج ملابسًا نظيفة ودخل الحمام، وبينما كان يستحم كان يفكر: *أنا من اختار اسم أختي عندما ولدت، كانت أمي تريد أن تسميها مريم، ووالدي أحب اسم نورة أكثر، لماذا أتى اسم شيماء على بالي في ذلك اليوم؟ كنت في العاشرة فقط! لا أعرف أحدًا بهذا الاسم فلماذا طرأ على بالي؟ وهل هي حقًا سافلة؟ لكنني عندما رأيتها لأول مرة بدا شكلها محترمًا أكثر من سعاد هذه... ربما بينهما عداوة لذلك تحب أن تنشر الإشاعات عنها... لا أظن أن فتاة مقربة إلي بتلك القذارة، غير ذلك قال الطبيب بأنها قطعة مني! ربما يعني من كلامه أنها مشابهة لي في الصفات من شدة قربنا من بعض، ولكنني للأسف... لا أذكرها!!*
انتهى قيس من حمامه فارتدى ملابسه وخرج لأخته، فالتفتت نحوه مباشرة وقالت: هيا... تأخرت كثيرًا
قيس: حسنًا يا مشاغبة...
ثم جلس مكانها ووضعها في حضنه وبدأ يلعب معها حتى الساعة الواحدة، عندها نهض من مكانه وأغلق الحاسوب وجلس على سريره ثم قال: انتهى وقت اللعب، اذهبي إلى غرفتك ونامي
شيماء: لا أريد
قيس بتوبيخ: علي النوم أنا أيضًا فلدي دوام مدرسي كفاكِ لعبًا
شيماء: ليس هذا ما أعنيه... أريد النوم معك الليلة
ابتسم قيس لها وقال: قولي هكذا منذ البداية، حسنًا تعالي بجانبي...
جرت نحوه وقفزت على السرير، نامت تلك الليلة بجانبه وهو يضمها...
في منزل صقر، كانت مي تلعب بكرات الزجاج الملونة لوحدها، فأتاها صقر: اليمامة... أعطني كرتين مطابقتين للون عيني ذلك الفتى
مي: حسنًا
أخرجت كرتين وأعطته إياهما
صقر: شكرًا
ثم وضعهما في جيبه... قبيل الفجر استيقظت شيماء من نومها فزعة، فاستيقظ قيس أيضًا لأنها حركت ذراعه بقوة حيث أنه كان يضمها بها، فجلس وهو متعجب من رؤيته لها والعرق يتصبب منها
فأمسكها من كتفها وسألها: ما بك يا حبيبتي؟
كانت شيماء ممسكة بقلبها وتتنفس بسرعة وكانت عيناها ممتلئتين بالدموع، فخشي قيس أن تبكي إن نطقت فضمها ولم يعد سؤاله، ولكنه قال: لا بأس حبيبتي، إنه مجرد كابوس
شيماء: ليس كابوس بل رؤيا!
تعجب قيس: رؤيا؟
شيماء وكانت تمسح دموعها: أجل، لأنني أرى أشياءً مشابهة لهذا أحيانًا أثناء اليقظة
قيس: وماذا رأيتِ؟
نظرت في عينيه وقالت: أتعرف فتاة تدعى شيماء؟ باسمي!
قيس متعجبًا: لا
شيماء: رأيتك وأنت تحملها، ثم أخذتها إلى أحد الزقاق وكان هناك رجل يتصرف بغرابة ويحمل قنينة بها عصير لم أر مثل ذلك النوع من قبل، اقترب من الفتاة ومن ثم...
سكتت شيماء ولم تستطع الحديث...
قيس: ومن ثم ماذا؟
بدأت شيماء تبكي: لماذا حدث هذا الشيء!!
قيس خائفًا: ومن ثم ماذا!! هل آذاها؟
شيماء: لا...
قيس: إذًا ماذا حدث!!
شيماء: أخرجت... سـ...سكينًا... ثم...
لم تكمل حديثها وبدأت تبكي، ضمها قيس مرة أخرى وقال لها: لا داعي بأن تخبريني... إنه مجرد حلم فلا تخافي
هدأ المكان ولم يكن هناك صوت سوى صوت بكاء شيماء، وفجأة رن المنبه فأفزعهما، فالتفت قيس وأغلقه ثم قال لشيماء: عودي إلى النوم أنا ذاهب الآن إلى المسجد
شيماء: لا تتركني لوحدي... أنا خائفة!
قيس: لن يحدث شيء لا تخافي
شيماء: أرجوك لا تتركني
قيس: حسنًا سآخذك إلى أمي ونامي بجوارها
حمل أخته واتجه نحو غرفة والداه، طرق الباب فسمع جواب أمه تقول: تفضل!
دخل قيس وهو يحمل أخته ووضعها بجانب أمه: تأتيها كوابيس وتخاف أن تنام لوحدها وأنا ذاهب إلى المسجد
خلود: حسنًا دعها معي –ثم رفعت يديها ودعت له قائلة- ثبت الله خطاك على الخير
ابتسم قيس لأمه وقبلها على رأسها ثم سأل: أين أبي؟ هل خرج إلى المسجد؟
خلود: ليس بعد، إنه في الحمام، اسبقه حبيبي إلى المسجد، لا تنتظره
قيس: حاضر أمي
ذهب قيس إلى المسجد ولم يغادر بعد إنهائه الصلاة، بل ظل هناك حتى أشرقت الشمس، عندها عاد إلى المنزل ليحمل كتبه ويذهب إلى المدرسة
m!ss foshia
27-08-2009, 08:53 PM
سينسي :wow:
ماصدق عيوووني جزء ثاني لاحلى روايه قريتها ماتدرين
قد ايش انا happy مشكوره على الجهد الرائع
انا واختي تابعنا الجزء الاول واكيييييييد راح نتابع الجزء الثاني معاكي
الى الامام اختي تابعي
لك مني ارق واعذب التحيات
layte
28-08-2009, 05:54 AM
السلام عليكم ^.^
ياااااااااااااااااا هذا يعيد الذكريات ^.^ مرة سنتين على مااظن اليس كذالك !. على الاقل بقيت لي هذه -.- فالمنتدى عندما دخلته اول مرة بعد غياب دام اكثر من سنة 0.0 وجدته قد تغير جدريا حتى انني لازلت اشك بان هذا هو المنتدى الذي عرفته 0.0 او انني قد اخطئت في العنوان ! حتى من الستايل ! ومن اسامي بعض الاصدقاء تغيرت ! وحتى حال المنتدى ! اللهم ان كانت ازمة و ستزول !! ...المهم ^.^
اشتقنا كثيرا لقصصك المذهلة وخصوصا تكملة رائعتك هته لاتتصورين مامدى فرحي ^.^
والحمد لله انها جاءت في وقت مناسب جدا سيما ان منتدى القصص نائم جدا لذالك انا لم اعد ادخل اليه كثيرا -.-
المهم ارجوا ان يبدا المنتدى بالاستيقاظ وتفاعل الاعضاء كما كانو في هذا الموضوع وفي كل المواضيع ان شاء الله
...
...انا لم انسى ذالك الوعد 0.0 وربما انت ايضا -.- وان لم تخني الذاكرة فقد قلت لك السبب يوما ما ان لم تنسي ! لكن اعدك نفس الوعد مرة اخرى وساقوم بالجزئين كل على حدى
على اي حال لقد اعدت قراءة التسع اجزاء الاولى حتى استعي بعضا من الذكريات لكن الحمد لله القصة رائعة ومن الصعب ان تنسى كلها و لي عودة مطولة بعد قراءة الاجزاء الجديدة
( كنت انوي قراءة الجزء الاول كاملا لكن والله مااستطعت لاادري يبدو انها اعراض الشيخوخة بدات بالظهور قبل الاوان لاني كنت استطيع ذالك في السابق لكن شيئ طبيعي منذ زمن لم اقرء نصا طويلا بالعربية فانا الان اقرء كل شيئ باللغة الاجنبية وخصوصا الاطالية حتى من المانغا لم اعد اقرئها بالعربية . الله يعينا على هذ الاجزاء )
تحياتي
layte
نعود للمتابعه بإذن الله :)
سأعود للقراءة من البدايه ان شاء الله بعد المغرب:)
sensei
28-08-2009, 04:51 PM
يسعدني أن أراكم مرة أخرى في هذه السلسلة :)
وأرجو ان ينال إعجابكم على الرغم من أنني لم أقتنع كليًا بهذا الجزء
بالنسبة لمن لا يستطيع قراءة الجزء الأول مرة أخرى... فلا ألمه لأنني أكره القراءة أيضًا وخاصة لو لم أتابعها فصلاً بفصل وأفضل قراءة القصص بالإنجليزية بدلاً من العربية
ولكن ما أذكره من تغيرات في الأحداث... "طريقة قتل سعاد" و"الحوار الأخير بين سامي ويوسف" والسبب هو خلل في الحوار حيث أنه قال له "أبي حدثك عنه" <<يعني بقيس
ولكن لو عدنا إلى الفصول السابقة سترى أنه نسي ما قاله له أحمد عندما كان فاقدًا الذاكرة ولم يعيد له ما قاله
أما الباقي فكما أظن فقط تغيير في أسلوب التعبيير والتدقيق الإملائي والنحوي وهكذا
وإليكم الفصول التالية
__________________________
..::|| الفصل التاسع ||::..
أما في منزل صقر، فقد أستدعى صقر مدرسين خصوصيين يعلمون مي ما يلزم من المواد، اللغتين العربية والأجنبية والرياضيات والعلوم... وطلب منهم أن يأتوها في الأيام المقبلة وقت العصر حيث أنه سيكون في المنزل فإن دوامه الوظيفي صباحًا، وبعد أن انتهت من دروسها تركها في المنزل لوحدها وذهب إلى عمله
في بيت شيماء، كانت شيماء في غرفتها ترتدي عباءتها للخروج، إنه يوم اللقاء الذي سيجري بينها وبين الصحافة ولكنها لم تهتم بشكلها أبدًا، فخرجت من البيت كما تخرج كل يوم، عندما دخلت الجامعة اتصل بها الدكتور فورًا فأجابت عليه
شيماء: مرحبًا
الدكتور: صباح الخير، أين أنت! لقد تأخرتِ كثيرًا
شيماء: وصلت للتو إلى الجامعة، سآتيكم حالاً
في مدرسة قيس، كان قيس جالسًا بصحبة إبراهيم
قيس: وجدت عنوان منزلها
إبراهيم متعجبًا: حقًا!! لا أصدق ذلك!! كيف وجدته؟
قيس: بالمصادفة، سألت فتاة رأيتها على الكورنيش البارحة بعد ذهابك، وإذا بها جارة شيماء
إبراهيم: شيماء!
قيس: أجل... اسمها شيماء
إبراهيم: أليست أختك الصغرى...
قاطعه قيس: أجل... أنا من سمّى شيماء أختي بهذا الاسم، وأحب اسم شيماء كثيرًا دون أن أعرف سببه، وفي النهاية أكتشف بأن تلك الفتاة الغريبة اسمها شيماء! هل لها علاقة بحبي لهذا الاسم؟
إبراهيم: حقًا إن المسألة تزداد تعقيدًا
قيس: ورأيت فجر هذا اليوم أغرب من هذا
إبراهيم: وماذا أيضًا؟
قيس: أختي شيماء... بدأت تأتيها كوابيس ولكنها تقول بأنها ترى هذه المناظر أثناء نهوضها أيضًا، لم تستطع إخباري بما رأته فكانت تبكي وخافت أن تنام بمفردها، ولكن سألتني سؤالاً غريبًا
إبراهيم: وما هو؟
قيس: هل تعرف فتاة أخرى تدعى شيماء؟
إبراهيم: ما هذا؟ لو كنت مكانك لجننت!!
قيس: تقول بأنها تراني معها...
إبراهيم: على أية حال... لقد عرفت منزلها أليس كذلك؟ لماذا لا تذهب وتحاول مقابلتها؟
قيس: لا أستطيع! ماذا سيقول أهالي الحي عنها؟
إبراهيم: لماذا كل هذا الخوف؟ أنت أصغر منها سنًا، وقد يظنون بأنك أحد أقاربها أو أنك ذاهب لزيارة أخيها أو أي شيء...
قيس: ولكن سمعتها في التراب...
إبراهيم: حقًا!
قيس: لا أصدق هذه التفاهات فالفتاة التي أخبرتني بذلك أكثر منها تبرجًا ووقاحة... أظن أنها مجرد إشاعات ولكن، حتى وإن كانت إشاعات علي أن لا أقابلها أمام الناس كي لا يسيؤون الظن فيها فقد تظهر أمامهم الإشاعة حقيقة
إبراهيم: أنت على حق...
قيس: وإن لم تكن كذلك... لا أستطيع مواجهتها
إبراهيم: في النهاية لن تستطيع التحمل وستذهب إليها
قيس: أرجو ذلك
وقف إبراهيم من مكانه ثم قال: سأذهب لشراء ماء، أتريد شيئًا؟
قيس: لا شكرًا
تركه إبراهيم لوحده، ولكن بعد لحظات أتى إليه سلمان: مرحبًا يا جميل
نظر إليه قيس بغضب وقال: لا أملك وقتًا لكلامك الفارغ
سلمان: حقًا؟ ولكنني متعجب من أمرك... كيف لك أن تواصل العيش مع عائلة ليست بعائلتك
قيس: اخرس يا متعجرف، وما أدراك عني؟
سلمان: أستطيع رؤية ذلك، وعينيك دليل على صحة كلامي
قيس: اصمت
سلمان: ألا تريد افشاء الحقيقة---
قيس وما زال ملتزمًا بهداوته: اصمت
سلمان: ---بشرة بيضاء وعين زرقاء---
قيس: قلت لك اصمت
سلمان: ---كيف لك أن تكون ابنًا لهذين إلا إن كنت لقيطًا رمتك عاهـ---
لم يتمالك قيس نفسه فصرخ عليه: أصمت!! ألا تفهم!!
سلمان: مهلاً مهلاً يا حبيبتي... لا يناسبكِ الغضب
أراد قيس لكم سلمان بيمينه ولكنه تحاشاه وقال: لن ينتصر فتى همه العلم علي حتى آخر الزمان
فلكمه بيده اليسرى في بطنه، فجثا سلمان على الأرض وهو ممسك ببطنه: تبًا لك
قيس: أهذا آخر الزمان؟
نهض سلمان وأراد لكم قيس ولكنه توقف، فنظر إليه قيس بتعجب فقال سلمان: لا أريد أن أشوه لك وجهك الجميل –ثم غادر المكان-
كان قيس ينظر إليه بتعجب: *هل هذا مجنون أم ماذا؟ ولكن... من أين تعلمت فنون القتال...؟!*
عاد إبراهيم وهو يجري: آسف تأخرت عليك
قيس: لا بأس
نهض قيس من مكانه وبدأ يسير بجوار إبراهيم، ثم ذهبا خلف مبنى المدرسة ولم يكن هناك أحد
فقال إبراهيم: ما رأيك؟
قيس: ماذا؟
إبراهيم: أرجوك فقط مرة واحدة!
قيس متعجب: ولكن ماذا؟
سحب إبراهيم قيس من معصمه الأيمن وأخذه بالقرب من الحائط ثم قال: ساعدني في الوصول إلى الأعلى
قيس: لا تستطيع الهرب! فهناك أربع حصص متبقية، أي ستضيع أربعة دروس!
إبراهيم: دروس، دروس، دروس، ألا تفكر في أمر آخر؟ يوم واحد فقط، وسنراجع ما فاتنا في المنزل
تنهد قيس ثم قال: كما تشاء، مرة واحدة فقط
حمل قيس إبراهيم على كتفه فوصل إلى أعلى الحائط، فمد إبراهيم يده ليعين قيس على الصعود ولكن قيس لم يأخذ بيده، بل قفز وتسلق الحائط بمفرده، تعجب إبراهيم مما فعله قيس فقال: وتملك خبرة أيضًا!! يبدو أنك تتظاهر البراءة
قيس: لا تسيء الفهم، لم أهرب يومًا من المدرسة
إبراهيم: إذًا كيف استطعت الصعود؟
قيس: لا أعلم، أشعر وكأن جسدي متمرن على هذه الأمور على الرغم من أني لم أفعلها قط!
إبراهيم: يبدو أنك فاقد الذاكرة حقًا
ثم نزلا من الجهة الأخرى، وأيضًا نزل قيس بصورة غريبة! حيث أنه قفز مباشرة
إبراهيم: تبدو رائعًا بهذا الشكل فهذا يلائمك أكثر! ألا تؤلمك قدماك؟
قيس: لا، قل ما شاء الله! أخشى أن يكسر كاحلاي الآن
إبراهيم: ما شاء الله تبارك الله... لنذهب الآن
سارا وسط السيارات في الشوارع، فرأى رجلاً يبيع الصحف، فذهب نحوه إبراهيم: أعطني واحدًا
أخذ منه ودفع له، قال له قيس: تهرب من المدرسة لتتفرغ لمشاكل العالم؟
إبراهيم بتعجب: انظر!
نظر قيس إلى الصحيفة: مرة أخرى!
إبراهيم: "أين أنت أيها المجرم!" هل أنت مجرم حقًا؟
قيس: بالتأكيد لا، بل هو المجرم! كيف له أن يقتل رجل ويعبث بجثته أيضًا! هل يعنيني أنا حقًا! لا أظن ذلك فهناك الكثير من الناس غيري، هو لا يعنيني بالتأكيد
إبراهيم: آمل ذلك
قيس: إلى أين تريد الذهاب الآن؟
إبراهيم: لم أحدد بعد
قيس: إذًا فلماذا هربنا من المدرسة؟ لنعد الآن
إبراهيم: لا، لا أرجوك! أريد الذهاب إلى محل للرياضة، حذائي الرياضي تمزق البارحة
ابتسم قيس له وقال: كما تشاء
خرج صقر من عمله وعاد إلى المنزل، رأى مي جالسة أمام التلفاز تشاهد الرسوم المتحركة، فذهب وجلس بجوارها على الأريكة
صقر: كيف كان اليوم معك؟
مي بتذمر: لم أفهم شيئًا
صقر: ستعتادين على الوضع قريبًا
مي: لماذا لا تعلمني أنت؟ لا أستطيع فهم ما يقولونه! لا أعلم لماذا
صقر: حسنًا، سأدرسك عندما أتفرغ
مي: شكرًا لك
..::|| الفصل العاشر ||::..
بعد أسبوع، ذهب قيس إلى المدرسة مبكرًا ولم يأتِ إبراهيم بعد، فبقي قيس لوحده للحظات ثم دخل إبراهيم الفصل وهو يجري
وما إن حطت رجله في الفصل صرخ مناديًا: قيس!
فزع قيس قليلاً فرفع رأسه ونظر إلى إبراهيم وقال: بسم الله، أفزعتني يا رجل، ما الأمر؟
اقترب منه وجلس على طاولته وكان يحمل بين يديه مجله، فكان يلوح بها أمام عيني قيس قالئلاً: وجدت شيئًا مثيرًا هنا!
قيس بتعجب: وما هو؟
فتح إبراهيم المجلة على صفحة اللقاء مع شيماء وقال: ألا يشبهك الفتى الموجود في لوحاتها؟
أمسك قيس المجلة منبهرًا وقال: إنها هي!!
ثم رفع أنظاره عن المجلة وقال لإبراهيم: أريد أن آخذ هذه المجلة معي إلى المنزل
إبراهيم: لااااااا، لا أستطيع، فهي ليست ملكي بل لأختي، ومقابل إحضاري مجلتها دفعت لها خمس مائة ريال، وإن لم أعدها اليوم فلن تعيد نقودي!
قيس بتعجب: خمس مائة ريال؟
إبراهيم: أجل... علمت أن هذا الخبر يهمك فلم أرد أن يضيع من بين يديك
ابتسم له قيس وضمه: شكرًا لك
ثم ابتعد عنه وقال: إذًا سأقرؤه في وقت فراغنا
إبراهيم: وأنا معك... فلم أقرأه في البيت
قيس: لنبدأ القراءة الآن
ضرب الجرس فقال إبراهيم: لا أظن ذلك
قيس: ابق في الفصل إن أردت ولكنني سأهرب هذه المرة
ثم حمل المجلة وخرج من الفصل، فتبعه إبراهيم: قيس انتظرني!
ذهبا خلف المدرسة وجلسا في الحديقة، فتح قيس على الصفحة للقراءة، لكن إبراهيم تساءل قائلاً: ألا يبدو وجهها كئيبًا؟ تعلم أن صورتها ستعرض في المجلة ولم تبتسم حتى!
قيس: ربما تمر في ظروف أصعب من أن تجعلها تبتسم
إبراهيم: ربما...
بدأ قيس يقرأ المقال بصوت جهور وإبراهيم يسمعه
(= نود سماع نبذة بسيطة عنك، اسمك وعمرك وجنسيتك ونبذة عن حياتك
- أدعى شيماء محمد، عمري أحد وعشرون عام، قطرية الجنسية، أعيش مع أمي المطلقة لا أملك إخوة من والدتي
= أخبرينا بدايةً، كيف اكتشفت هذه الموهبة ونميتها؟ وهل هناك أحد من أقاربك ساعدك على ذلك؟
- لا أذكر متى اكتشفتها، فأنا ارسم منذ الصغر، وهناك شخص واحد كان يشجعني على تنمية هذه الموهبة، ألا وهو الفتى الذي ترينه في لوحاتي)
إبراهيم: إنه أنت...!؟
قيس: أنا؟ لا أذكر شيئًا كهذا...
إبراهيم: تابع تابع
(= هل هذا الفتى أحد أقاربك؟
- لا
= جارك؟
- لا
= إذًا من يكون؟
- فتى قابلته لأول مرة عندما كنت في الرابعة من عمري، هو من رباني وعلمني وزرع فيني قوة الشخصية، فهو بالنسبة لي صديق وأب ومعلّم)
قيس: ما هذا؟ عندما كانت في الرابعة؟ أي أنا لم أكن مولودًا بعد؟
إبراهيم بمزاح: كم عمرك اعترف!
قيس: هذا ليس وقت المزاح! أيعقل أنها تكذب؟
إبراهيم: ربما فتًى آخر وليس أنت
قيس: بل أنا انظر!
إبراهيم: تابع، قد يتبين لنا أمر آخر بأنها تعني غيرك
قيس: حسنًا
(= وهل ما زلتِ تلقين التشجيع من قبله؟
- كلا، لأنه توفي منذ عامين ونصف تقريبًا)
قيس: توفي!
إبراهيم: أنظر، إنها لا تعنيك
قيس: إن كان قد توفي حقًا فلماذا نادتني باسمي عندما رأتني في المتنزه؟
إبراهيم: هذا صحيح... ربما تعني بتوفي أي أنك تغيرت عليها، أو فقدانك الذاكرة، ولكن لا يمكنني تصديق ذلك، فقد كانت في الرابعة
قيس: لنكمل القراءة
(= أنا آسفة، على أية حال، لماذا قررت دخول جامعة فيرجينيا للفنون؟
- كان السبب هو أن أبتعد عن كل فتاة قابلتها في سنواتي الدراسية، فلو دخلت جامعة أخرى قد أقابل بعضهن بعكس جامعة فيرجينيا حيث أنها للفنون فقط
= هل كان هذا هدفك الوحيد؟
- أجل
= ولماذا لا تريدين رؤية زميلاتك؟
- لم تكن علاقتي جيدة بهن)
ثم أتى معلم يصرخ عليهما: ماذا تفعلان هنا يا مشاكسين؟
ارتعب قيس من صوته المفاجئ فأغلق المجلة فقال الأستاذ: ألا تعرفان بأن الحصة الأولى بدأت
إبراهيم: لم نسمع الجرس
المعلم: أسرعا وإلا عوقبتما
قيس وإبراهيم: حسنًا
اتجها نحو فصلهما وكانا يتحدثان في طريقهما
إبراهيم: لا بأس، سنكمل في الفسحة
قيس: لا داعي لذلك، مررت بنظري على باقي اللقاء، كان عن الرسم والفنون، المهم أني وجدت ما أريده
إبراهيم: وما هو؟
قيس: المكان الذي تدرس فيه
إبراهيم: فيرجينيا! أتنوي الذهاب إلى تلك الجامعة؟ هذا مستحيل فرسمك رديء حقًا!
قيس:لا بل سأذهب هناك كزيارة، سأحاول أخذ بريدها الإلكتروني إن كانت تملك واحدًا
فتح المجلة مرة أخرى وبدأ يبحث: فقط علي أن أعرف اسم الدكتور الذي يدرسها... ها قد وجدته!
ثم أغلق المجلة وأعطاها لإبراهيم وقال: شكرًا لك
إبراهيم: العفو.. ها، هل ندخل الفصل أم ننتظر الحصة الثانية؟ لا أريد سماع توبيخ هذا اليوم أيضًا
قيس: إذًا سننتظر قليلاً حتى يدق الجرس
ذهبا للبحث عن فصلٍ خالٍ للجلوس فيه فوجدا مختبر الأحياء خاليًا من الطلاب فدخلاه وجلسا في الخلف بعيدًا عن الأنظار، فتح قيس المجلة ونظر إلى أحد لوحات شيماء، كانت هناك فتاة صغيرة ذات شعر أسود طويل جالسة على السرير وهو آتٍ إليها من النافذة، فقال قيس: هذه الصورة، تذكرني بما أخبرتني به أختي شيماء البارحة، قالت بأنها رأتني أدخل غرفة فتاة صغيرة من نافذتها، ووصفت لي الغرفة وهي مطابقة لهذه تمامًا، وكان اسم الفتاة شيماء أيضًا، ومن ثم دخلت وبدأت أحدثها وأداعبها، حتى أنها قالت لي شيئًا تعجبت منه حقًا، قالت بأننا كنا نتحدث عن طبيب نفسي يدعى أحمد، ويكنى بأبي يوسف! على الرغم من أنني لم أكلم أختي عن ذلك الطبيب!
إبراهيم: بدأت أخاف منك
قيس: ولِم؟
إبراهيم: أمزح معك... ليتني قادرًا على مساعدتك
رفع قيس رأسه وقال: قالت لي أيضًا بأن ما رأته ليس في منامها، بل كانت مستيقظة، تقول وكأن هذا الشيء حدث لها وتتذكره، أو أنه مقطع من فيلم شاهدته...!!
إبراهيم: هذا غريب حقًا...
ثم سحب إبراهيم المجلة من يد قيس وبدأ يقرأ من وسط المقال بصوت جهور
(= ما هي أفضل لوحة رسمتها في حياتك؟ وماذا كانت تحوي اللوحة؟
- إنها لوحة رسمتها هدية لقيس...)
التفت قيس عندما سمع ذلك فأكمل إبراهيم القراءة
(...رسمت فيها حلمه الذي كان يحلم به، كانت عبارة عني أنا معه عند الشاطئ، قد تكون اللوحة عادية ولكن بها بعنًى خفي، وما جعلني أحب هذه اللوحة أكثر هو ردة فعل قيس عندما أعطيته إياها، سعد بها وطلب مني أن أعلقها في منزله، ولا أعلم إن كانت موجودة هناك حتى الآن أم لا)
قيس: لا أذكر شيئًا كهذا؟ وأي حلم؟ إنها لوحة عادية
إبراهيم: إذًا فهي تتحدث عن اللوحة نفسها الموجودة في منزلك؟
قيس بتعجب: أجل! ولكن، لم أقابلها يومًا ولم أرَ اللوحة قبل أن توضع في المنزل، وكيف دخلت المنزل دون أن يراها أحد! إبراهيم، إن لم أجد أجوبة على هذه الأسئلة سوف أجن!
إبراهيم: أعلم ذلك، فقد جننت وانتهى الأمر
قيس: إبراهيم أرجوك لا تضايقني أكثر
إبراهيم: ....أتعلم
قيس: ماذا؟
إبراهيم: أتمنى لو أستطيع مقابلتها أنا أيضًا
تعجب قيس من كلامه وسأل: لماذا؟
إبراهيم: أشعر أنها تفهمك وتعرف عنك أكثر مما أنا أعرفه
قيس: ولماذا تقول هذا؟
إبراهيم: أنا صديقك منذ الطفولة وحتى الآن لا أعرف ماذا يجول بخاطرك، لا أعرف بماذا تفكر أو ما هو هدفك في الحياة
قيس: كف عن هذا الهراء، أنا لا أخفي عنك شيئًا مهمًا
إبراهيم: أرجو ذلك
..::|| الفصل الحادي عشر ||::..
عند الساعة الخامسة قبيل المغرب، كانت شيماء تقوم ببعض الأبحاث للجامعة، ثم فوجئت باتصال من رقم غريب، فأجابت عليه
شيماء: السلام عليكم
كانت المتصلة امرأة أجنبية لا تتقن اللغة العربية جيدًا: وعليكم السلام، أأنتِ شيماء ابنة بثينة؟
شيماء: أجل...؟!
المرأة: أمك في طوارئ حمد الآن، وهي تحتضر
شيماء: ماذا!!
أغلقت شيماء الهاتف وانطلقت بسيارتها إلى المستشفى، كانت تبكي بشدة وهي تقود السيارة ولكن ما إن وصلت إلى المستشفى مسحت دموعها ودخلت مسرعة لترَ والدتها، ولكن...
شيماء: كيف حالها والدتي؟
الممرضة: للأسف، فارقت الحياة
شيماء: وما السبب؟!
الممرضة: حادث مروري
كتمت شيماء حزنها ولم تظهره لمن حولها، أدنت من رأسها وشكرت الممرضات على محاولاتهن ثم غادرت المكان، لم تفكر في النظر إلى جثة والدتها حتى واكتفت بالخروج من المستشفى والدموع على وشك النزول، ركبت سيارتها وعادت إلى المنزل، ما إن دخلت غرفتها، وضعت وجهها على الوسادة وبدأت تبكي بشدة، وبقيت على هذه الحال ربع ساعة ثم سكتت، جلست في مكانها وأخرجت سكينها من تحت قميصها وفتحتها، أرادت جرح نفسها ولكن تذكرت وعدها لقيس في تلك الليلة...
" قيس: أأنت جرحت نفسك؟
شيماء: .....
قيس وبغضب: أجيبيني!!
أنزلت شيماء من رأسها وقالت بصوت منخفض: أجل...
زاد غضب قيس وقال: وبأي أداة؟
شيماء: بسكيني...
قيس: لو كنت أعلم أنك ستستخدمينها في هذا الأمر لما أهديتك إياها...
ثم مد يده وقال: أعطني السكين
أمسكتها شيماء بقوة وقالت: مستحيل... لن أعيدها إليك
قيس: قلت لك أعطني السكين!!!
شيماء: أعدك أن لا أستخدمها في أمر كهذا
قيس: لا تستخدميها ولا تستخدمي أي سلاح آخر في هذه الأمور"
أغلقت شيماء السكين وكانت في ضيق كبير فتذكرت...
" فتح قيس أحد الأدراج الموجودة في غرفتها فوجد كراسة جديدة فأخذها وأعطاها إياها
وقال: إذا كنتِ تشعرين بضيق ما عليك سوى كتابة ما يضيقك في هذا الدفتر... وأنا سوف أقرؤه في الليل... هذه الطريقة أيضًا تخفف من الهم دون أن تؤذي نفسك أو غيرك، فكنتُ أستخدمها وأنا في عمرك تقريبًا على الرغم من أنه لا يوجد أحد يقرؤها"
نهضت شيماء من مكانها وبدأت تبحث عن تلك الكراسة حتى وجدتها، فتحتها وكتبت ما جرى لها اليوم
في غرفة قيس، كان قيس يرتدي ثوبه وشماغه، ثم وضع مبلغًا كبيرًا في محفظته وخرج من المنزل، اتجه نحو جامعة فيرجينيا ودخلها وبدأ يبحث عن دكتور شيماء حتى وجده
دخل على مكتبه: مرحبًا
الدكتور: مرحبًا... ماذا تريد؟
قيس: أتيت لأطلب منك خدمة
الدكتور: حسنًا وماذا تريد؟
قيس: سمعت بأنك تدرس طالبة تدعى شيماء محمد...
الدكتور: أجل أجل... عرفت الآن أين رأيتك، أنت الموديل الذي ترسمه
قيس: *وما دخلك أنت؟* أجل...
الدكتور: وهل أتيت للسؤال عنها؟
قيس: أريدك أن تعطِني بريدها الإلكتروني
الدكتور: لا أستطيع فهذا ممنوع
قيس: أتوسل إليك!
الدكتور: لا أستطيع، وبالذات شيماء فهي لا تحب ذلك
قيس: بألف ريال
الدكتور: ماذا!
قيس: هل أزيدهن؟
الدكتور: قلت لك لا أستطيع
قيس: خمسة آلاف
الدكتور: أرجوك غادر مكتبي
قيس: عشرة آلاف
بقي الدكتور صامتًا ولم يقل شيئًا
قيس: آخر كلمة لدي هي مئة ألف مع كتمك لما جرى بيننا، فلا تخبرها بأنك أعطيت أحدًا عنوانها أو أنك قابلتني شخصيًا
الدكتور: ولكن...
قاطعه قيس: أتوافق أم أغير رأيي؟
الدكتور بعد تردد: حسنًا، أوافق
أخذ قيس العنوان وأعطاه المال ثم خرج من مكتبه، نظر إلى عنوانها وتعجب منه، كان العنوان على اسمه ومن ثم تاريخ ميلادها الأول من يناير، تعجب قيس كثيرًا وقال في نفسه: *هذا تاريخ ميلاد أختي شيماء! وما أدراها به؟*
لم يلقَ جوابًا فخرج من الجامعة وقاد سيارته نحو المنزل
كان صقر جالسًا على مكتبه في عمله يتحدث مع زميله، لكن شخصيته كانت مختلفة، فهو في عمله منشرح الصدر وذو مزاج جيد دائمًا، يدخل قلوب من حوله
طارق: قل لي صقر، ما رأيك بأن نذهب إلى الشاطئ في إجازة الأسبوع؟ لم نخرج سويًا منذ زمن! الجو جيد في هذه الأيام بعد حلول الليل، فمن الرائع أن نخيم هناك
صقر بوجه مبتسم: أريد ذلك حقًا ولكن كما تعلم، لدي ابنة الآن
طارق: أوه، نسيت أمرها... كانت ابنة صديقك أليس كذلك؟
صقر: اممم... لم يكن صديقًا، كان جار لي في الحي لا غير
طارق: لو كان كذلك لما أوصاك أنت بالذات عليها، على أيٍ ما اسمها؟
صقر: اليمامة
طارق: اسم جميل... أتساءل، لماذا لم تتزوج حتى الآن فتنجب أبناءً من دمك؟
صقر: لا أريد، الزواج لا يسبب سوى المتاعب
طارق: ومن قال ذلك؟ -ثم ابتسم- أنا أسعد زوج في العالم
صقر: لنخرج من هذا الموضوع...
طارق: كما تشاء، ولكن اعلم بأن الكثير من الموظفات هنا يحلمن بك
نظر إليه صقر بتعجب: هاه!
طارق: حقًا إنك غريب! لم تلاحظ ذلك؟ أين ستجدن رجل بوسامتك وحسن أخلاقك، وأيضًا أنت تحدث الجميع وابتسامتك الرائعة على وجهك فغزوت قلوبهن
صقر: من أخبرك بذلك؟
طارق: لا داعي لأن يخبرني أحد، فأنا قوي الملاحظة –ثم اقترب منه وهمس في أذنه- ما رأيك بمريم
دفعه صقر بخفة وقال: قلت لك أخرج من هذا الموضوع
ضحك طارق ثم قال: كما تشاء، على أية حال، أنا سأذهب لأخيم على الشاطئ في عطلة الأسبوع القادمة مع الأصحاب، أنصحك بالمجيء وأحضر اليمامة معك فلن تزعجنا...
صقر: نحن نذهب هناك للمتعة وليس لتربية الأطفال، فلا أريد أن أزعجكم
طارق: لا بأس لا بأس، سأحظر أبنائي أنا أيضًا فلن تشعر بالملل
ابتسم صقر ثم قال: موافق!
..::|| الفصل الثاني عشر ||::..
في اليوم التالي، كانت شيماء مستلقية على فراشها تحل واجباتها، ولم تخبر أحدًا بوفاة والدتها حتى الآن، سوى جاراتها اللائي اتصلن للسؤال عنها حيث أنهن لم ترين عودتها إلى المنزل، فبعد أن انتهت من وظيفتها نهضت من مكانها واتصلت بوالدها
محمد: السلام عليك حبيبتي
شيماء: وعليك السلام أبي... كيف حالك؟
محمد: بأحسن حال، لن تتخيلي كم أنا سعيد اليوم؟
شيماء: وما السبب؟
محمد: أمور كثيرة، في العمل وفي البيت وكل شيء حولي
شيماء: أرجو أن يدوم ذلك
محمد: وما أحوالك أنتِ؟
شيماء: ...في الحقيقة... لا أريد أن أفسد يومك بهذا الخبر ولكن... اتصالي في هذا الوقت له سبب... أريد أن أخبرك بأمر مهم
محمد: وما هو؟ خيرًا إن شاء الله
شيماء: توفيت والدتي البارحة
سكت محمد للحظات ولم يقل شيئًا، ثم قال بصوت مرتعش: سأتصل بك فيما بعد...
ثم أغلق الهاتف مباشرة ولم يودعها حتى
تحسرت شيماء لأنها أفسدت يوم والدها: *لو أنني انتظرت حتى يأتي الغد لكان أفضل... مسكين أبي، أعلي أن أفسد حياته حتى بعد طلاقه بوالدتي؟*
أما محمد فجلس في مكانه يبكي بشدة، فقد كان يحبها كثيرًا حتى بعد طلاقهما، حيث أن أهله هم من أجبروه على الطلاق، وغير ذلك، كان يريد الاعتذار منها ولكن... توفيت قبل ذلك...
دخلت عليه زوجته: محمد، أريدك أن تذهب إلى...
ثم سكتت ونظرت إليه وهو يمسح دموعه فسألت بتعجب: ما بك؟
محمد: لا شيء...
مها: بل هناك شيء، أنت تبكي وتقول لا شيء؟
محمد: سأخبرك فيما بعد...
مها: حسنًا... كما تشاء... ولكن هل تستطيع الذهاب لشراء بعض الحاجيات للمنزل؟
محمد: لا بأس، أنا ذاهب
خرج محمد من المنزل وركب سيارته، كان يفكر بمصير ابنته بعد وفاة والدتها، فهي الآن تعيش بمفردها في المنزل، وكيف سيحضرها منزله ووالدته ترفض ذلك، وأثناء انشغال ذهنه، لم ينتبه لإشارة المرور، فقطعها واصطدم بشاحنة!
في منزل ناصر الفخم، كان قيس جالس في غرفته يذاكر دروسه ولكن...
قيس بتذمر: لا أستطيع التركيز! *كيف سأركز على دروسي وتفكيري في مكان آخر...؟ أريد أن أقابلها! تبًا*
ثم طُرق باب حجرته فقال: تفضل
دخلت شيماء أخته الصغرى إلى الغرفة فسألها بابتسامة: ماذا هناك يا صغيرة؟
شيماء بتردد: قيس...
قيس: أجل حبيبتي...
شيماء: رأيت شيئًا آخر...
قيس: ...ماذا تعنين؟
شيماء: رأيت للتو مشهدًا لك ولتلك الفتاة التي تدعى شيماء
قيس: لا تبالي إنها مجرد أحلام
شيماء: لم أكن نائمة! أقول لك رأيته للتو!
ناداها قيس: تعالي بالقرب مني
اقتربت منه فحملها ووضعها في حضنه: أخبريني بما يضايقك
شيماء: ما يضايقني هو أنك لا تصدق ما أقوله...
قيس: أنا لا أكذبك ولكن لا يمكن أن تري شيئًا لم يكن من ماضيك أو من خيالك أثناء اليقظة!
شيماء: أتعني أنه مجرد خيال؟
قيس: بالتأكيد
شيماء: ولكنني لم أخبرك بشيء كبير حتى الآن
قيس: وماذا تعنين؟
شيماء: تذكر تلك الليلة عندما استيقظت قبيل الفجر؟
قيس: أجل، أذكرها جيدًا، ولكنك لم تخبريني بما رأيتِ
شيماء: رأيت أبشع منظر في حياتي
تعجب قيس: ...وما هو...؟ إن كنت قادرة على ذكره الآن
شيماء: حسنًا... دخلت على فتاة في الخامسة تقريبًا من نافذة غرفتها في منتصف الليل قالت لك بعد أن رحبت بك "هل نذهب الآن؟" فأجبتها " أمازلت مصرّة؟" فقالت وهي مبتسمة "أجل، غير أنك وعدتني بأن تأخذني معك الليلة لقتل فهد"
قيس بتعجب: قتل! من المستحيل أن أقتل هرة فكيف أقتل بشرًا
شيماء: ولكن هذا ما رأيته... وليس في حلمي فقط بل رأيته أكثر من مرة وأنا مستيقظة... ورأيتك أيضًا تقتل المئات من الناس... هل أكمل؟
قيس: ...أجل، أكملي...
شيماء: قلت لها بأنك وافقت على اصطحابها من كثرة إصرارها وكنت تخشى من أنها لا تستطيع احتمال منظر الدماء، لكنها أكدت لك بأنها ستتقبل أي مشهد تراه
قيس: *هذا جنون!!*
شيماء: ثم أخذتها إلى أحد الأزقة القذرة لكنها ابتعدت عنك دون أن تعي، فرأت هذا الذي يدعى فهد، فسألها المتوحش وهو يترنح "ما الذي أتى بقردة صغيرة إلى هذا المكان!! أأنت من أرسل تلك الورقة؟" كنت أنت من أرسل له الورقة لتستدرجه إلى ذلك المكان وتقتله، لكن شيماء كانت خائفة وكادت أن تبكي ولكنها كانت ممسكة بسكين معلقة على عنقها كتب عليها "الأول من يناير" ففتحتها وشقت بطن الرجل وهي مغمضة عينيها وكانت تصرخ فسمعتها واتجهت نحو مصدر الصوت جريًا وكنت تفكر بأن لو أصابها مكروه لن تسامح نفسك
قاطعها قيس: وما أدراكِ بما كنت أفكر؟
شيماء: عندما أرى هذه الأمور أعلم ما يجول بخاطرك أنت فقط... لا أعلم كيف...!؟
قيس: هذا غريب
شيماء: لكنك عندما رأيت الرجل الجريح قلت في نفسك " لا، لا يمكن هذا!! أنا من عليه قتله!!" لا أعلم جيدًا السبب ولكنني سأعلمه بالتأكيد فكل يوم أرى شيئًا جديدًا... المهم أن ما فعلته لقتله كان مروعًا
قيس: وماذا فعلتُ؟
شيماء: أدخلت يدك داخل الجرح وأخرجت شيئًا طويلاً من بطنه فقطعته ورميته على الأرض
قيس: إنها أمعاؤه...! لا يمكنني فعل شيء كهذا! وماذا جرى للفتاة؟
شيماء: تصلبت في مكانها لفترة وكنت تناديها وتلح عليها بالرد وكدت أن تبكي إلا أنها نطقت وقالت "لقد كان كلامك صحيح عندما أهديتني هذه السكين"
قيس بتعجب: ماذا تعني بهذه الجملة؟
شيماء: أعلم ماذا تعني
قيس: هاه!
شيماء: أنت من أعطاها السكين في يوم ميلادها الخامس وكتبت عليها تاريخ ميلادها الأول من يناير وألبستها إياها قائلاً "دعيها معلقة في عنقك دائمًا قد تستخدمينها يومًا للدفاع عن نفسك"
قيس: هذه مجرد تخيلات لا غير!
شيماء: قيس...
قيس: أجل؟
شيماء: قل لي الحقيقة
قيس: ماذا؟
شيماء: هل أنا شيماء التي في هذه الذكريات؟
قيس: بالتأكيد لا
شيماء: ربما أتخيل شكلها مختلف عني لأنني لا أذكر أن هذه الأمور حدثت لي ولكنها نفسي، كانت في الرابعة أو الخامسة وأنت في أول المراهقة... وتاريخ ميلادها أيضًا!!
قيس: قلت لك لا، وأنت شيماء الوحيدة التي أعرفها
شيماء: حقًا؟
قيس: أجل
شيماء: إذًا ما قصة هذه الأحداث التي...
قاطعها قيس قائلاً: لا أعلم! أقسم أنني لا أعلم وإن اكتشفت الأمر سأخبرك صدقيني
أنزلت شيماء من رأسها وقالت: أنا آسفة
قيس: لك الحق في توقع ذلك، فأنت ترين أشياء مريعة... ولكن لأكون صريحًا معك، أشعر وكأن هناك أمور غريبة بدأت تحدث لي وأنا أحاول أن أجد أجوبة لها، وأظن أن ما ترينه له دخل بالأمر
شيماء وقد رفعت ناظريها: مثل ماذا؟
قيس: تلك الفتاة الموجودة باللوحة... جمعت معلومات كافية عنها، أشعر وكأنها تعلم شيئًا
فابتسمت له شيماء ثم اتجهت نحو الباب لتخرج منه، وقبل إغلاقها الباب أدخلت رأسها وقالت له: حظًا موفقًا في بحثك
فابتسم لها قيس ثم غادرت المكان... أغلق قيس كتبه التي كان يدرس منها وأخرج ورقة من جيبه والتي كتب عليها بريد شيماء، ثم فتح حاسوبه واتصل بالإنترنت ليضيفها، وتمت الإضافة فجعل الحاسوب مفتوحًا ينتظر قدومها...
..::|| الفصل الثالث عشر ||::..
كانت شيماء ابنة محمد في منزلها لوحدها فلم يأتِ أحد يعزيها شخصيًا فالجميع اكتفى باتصال هاتفي، وفجأة صاح الهاتف فرفعته
شيماء: السلام عليكم ورحمة الله
مها وهي تبكي: وعليكم السلام، هل أنتِ شيماء؟
شيماء: أجل، ولكن... من أنتِ؟
مها: أنا زوجة أبيك مها، والدك...
شيماء بخوف: وما به أيضًا؟!
مها: *أيضًا؟* والدك في المستشفى الآن فقد أصيب في حادث مروري مروع
شيماء: ماذا!! أبي أيضًا!! أنا قادمة الآن...!!
خرجت شيماء فورًا من المنزل وصعدت سيارتها وذهبت إلى المستشفى، رأت مها جالسة هناك تبكي فذهبت إليها فورًا
شيماء: أين أبي؟!
مها: في غرفة العمليات، فقد أصيب بجرح عميق في رأسه وكسور في أماكن عديدة من جسده...
جلست شيماء بجوارها وتنهدت ثم قالت: إنّا لله وإنا إليه لراجعون
نظرت إليها مها بتعجب: *كيف لها أن تقول ذلك؟ أتريد قتل والدها؟! وكيف هي هادئة هكذا؟! أهي حاقدة على والدها لأنه تركها هي ووالدتها!! ألا تملك قلبًا؟!!!*
جلستا لفترة طويلة ومها ما زالت تبكي فأزعج شيماء ذلك فقالت: أيمكنك السكوت ولو للحظة؟ سيشفى إن شاء الله لا داعي لكل هذا البكاء...
نظرت إليها مها بغضب وقالت لها: ألا تملكين قلبـ...
ثم سكتت
شيماء: أكمليها، "قلبًا"، قولي ما تشائين فلن آكلك...
مها: كيف لك أن تكوني هادئة هكذا؟ والدك قد يموت وأنتِ جالسة هكذا!!؟
شيماء: وإن بكيت؟ هل سينقذه البكاء؟
مها: ليس هذا ما أعنيه ولكن...
قاطعتها شيماء: لن يحدث سوى ما كتب له، ولن تستطيعي تغيير القدر لا بالبكاء ولا بغيره
سكتت مها للحظات ثم تنهدت شيماء وقامت من مكانها: سئمت من الجلوس، أنا ذاهبة لأشترِ شيئًا آكله، أتريدين شيئًا؟
مها: لا أريد، كيف آكل وزوجي يحتضر؟
تنهدت شيماء ثم قالت: لا تأكلي، وإن مات زوجك الحقي به، واتركي أبناءك لوحدهم لا أب يرعاهم ولا أم
ثم خرجت من غرفة الانتظار، نظرت إليها مها وهي تغادر: *أتريد قتل أبيها؟ لماذا تذكر موته أكثر من مرة على لسانها؟!*
ذهبت شيماء إلى الثلاجة واشترت لها عصيرًا وبطاطس، وبعد أن أكلت ذهبت إلى المصلى وصلّت ركعتين لتدعو ربها أن يشفي لها والدها، كانت تدعي بإلحاح وهي تبكي بشدة، لا تعرف إلى من تلجأ إذا مات والدها، وبعد نصف ساعة عادت إلى غرفة الانتظار وكانت مها ما تزال تبكي، فعندما رأت شيماء قالت لها: نصف ساعة تأكلين!
شيماء: وما دخلك؟!... وأنت خمس ساعات وتبكين!!
مها: لا أعلم كيف لك أن تكوني هادئة هكذا!! ليتني لم أتصل بك!!!
شيماء: اتصالك بي شيء مجبورة أنتِ على فعله وليس على مزاجك، فهو أبي...
مها: ماذا! مجبورة؟
شيماء: أجل مجبورة... وإن لم أكن أعيش معكم فسيظل والدي
مها: ولكني لا أراكِ متأثرة بالموقف!!
شيماء: وهل علي أن أبكِ لأبين أنني حزينة عليه؟ كم تفكيرك سطحيًا!!
ثم خرج الطبيب من غرفة العمليات فجرت نحوه مها فورًا لتسأله عن زوجها فقالت شيماء في نفسها: *لماذا هذه العجلة؟ فقد خرج الطبيب ليخبرنا! أنا أيضًا أريد أن أعرف النتيجة ولكن لن أقفز في وجه الطبيب لأفزعه!!*
مها: أيها الطبيب! كيف حال محمد؟
الطبيب: حمدًا لله، كانت معجزة حقًا... عندما شعرنا بأن لا أمل له بالحياة عاد نبض قلبه بسلام
مها وهي تبكي بشدة: شكرًا لك أيها الطبيب... أشكرك
كانت شيماء ما تزال جالسة في مكانها ولكنها سمعت الحوار فكان عاليًا فابتسمت وقالت في نفسها: *عليكِ أن تشكري الله وليس الطبيب... الشكر لك يا رب*
ثم نهضت من مكانها واتجهت نحو الطبيب وقالت له: أشكركم على جهودكم... والآن، متى نستطيع رؤية والدي؟ هل غدًا صباحًا وقت جيد؟
الطبيب: أجل بالتأكيد... أظن أن حالته ستتحسن غدًا صباحًا وسنأخذه إلى غرفة خاصة
شيماء: شكرًا لك... أنا ذاهبة الآن
مها: إلى أين؟
شيماء: اطمأننت على والدي، فسأعود لأذاكر دروسي فالامتحانات قريبة...
في موقع آخر... كانت مي بجوار صقر يشاهدان التلفاز...
مي: صقر... ألا يبدو هذا الفيلم سخيفًا ومملاً؟ أشعر بالنعاس
صقر: إنه يعجبني، فإن لم ترغبي بمشاهدته فانهضي
مي: أريد أن أرَ فيلمًا بوليسيًا
صقر: هذا الفيلم سيفيدك أكثر في اكتساب اللغة
مي: أجل تذكرت –ثم عبست وقالت- لماذا لم تدرسني بعد؟ قلت بأنك ستعلمني في وقت فراغك
صقر وبكل برود: نسيت... لماذا لم تذكريني؟
مي: خشيت أن تكون مرهقًا
أطفأ صقر التلفاز و نهض من مكانه ثم قال: هيا تعالي
فرحت مي وقفزت من الأريكة ثم تبعته وهي تقفز وقالت: حسنًا...
بدأ يعلمها البداية من كل مادة، وكانت سعيدة حقًا وهو يعلمها على الرغم من جفاف أسلوبه، لكنها أحبته حقًا، فهو في نظرها طيب القلب، فقد كانت تعيش من قبل مع وحش لا يعرف الرحمة، وبعد ساعة أحست بالنعاس، فأغلق الكراسة
صقر: اذهبي إلى النوم...
مي: حسنًا...
تركت المكان متجهة نحو غرفتها، واستلقت على السرير ونامت بعمق
______________________________
السبب في وضعي الفصول بسرعة هو أنني بدأت كتابة هذا الجزء منذ عام ونصف تقريبًا ولكن توقفت عن الكتابة وما علي الآن سوى التدقيق عليها
وصلت في التدقيق إلى الفصل 17 وكتبت فوق الـ20 فصلاً...
أما كتابة أحداث جديدة فسيكون بإذن الله قريب ولكن قد تقل الكتابة في رمضان فلن أستطيع التفرغ للكتابة كثيرًا
ووفق الله الجميع
والسلام عليكم
forst dark
28-08-2009, 09:49 PM
السلام عليكم بصراحة هذه أول مرة أقرأ هذه القصة إنها رائعة ولاأستطيع الصبر حتى أقرأ بقية الفصول
اشكرك اختي و اهنئك على كتابة قصة كهذه
بأسلوب جذاب كهذا
رغم ان نهاية الجزء الأول لم تعجبني كثيرا
و لكنني انجذبت للجزء الثاني كثيرا
أعلم أنها كلمات قليلة لكنها كل ما يجول في خاطري
واصلي الكتابة و لا تحرمينا
بالتوفيق لك يا رب
تحياتي
ahmadatta
30-08-2009, 11:35 AM
مشكوور اخي على القصو
رائعة حدا
hunk 1990
30-08-2009, 03:01 PM
مشكوووور أخي على القصة
أرجو كتابة التكملة في أسرع وقت
sensei
31-08-2009, 03:39 PM
..::|| الفصل الرابع عشر ||::..
في اليوم التالي كان قيس يشرب العصير في المدرسة وهو جالس على مقعده في الفصل فأتاه إبراهيم
إبراهيم: ألم تتناول فطورك هذا الصباح؟
قيس: لا
تنهد إبراهيم ثم جلس بجواره: أخبرني ما الأمر الآن؟ أتيت متأخرًا وهذا ليس من عادتك ولم تتناول فطورك أيضًا!
قيس: قضيت ليلتي بالدراسة، أم نسيت أن لدينا تطبيق فيزياء اليوم؟
إبراهيم بتعجب: كل هذا الإرهاق من أجل تطبيق؟ إذًا ماذا ستفعل ليلة الامتحان؟
قيس: لا شيء... فسأكون قد استعددت له من قبل
إبراهيم: إذًا أخبرني... هل حصلت على ما تريده؟
قيس: ماذا؟
إبراهيم: عنوانها الإلكتروني
ابتسم قيس بابتسامة عريضة وقال: أجل
إبراهيم: حقًا!! هذا جيد... كيف حصلت عليه؟ لا أظن أن الدكاترة يملكون الحق في إعطاء عنوان أي طالب لشخص غريب!
ابتسم قيس وقال: بل يعطون
إبراهيم بتعجب: كيف!
قيس: بالمال
سكت إبراهيم قليلاً ثم قال: مستحيل... لا لا مستحيل!... لا أصدق هذا
قيس: ما بك يا صاح؟
إبراهيم: اشتريت بريدها بالمال!؟ أنت تعرف عنوانها لماذا لم تذهب إليها بنفسك؟
قيس: قلت لك لا أستطيع، قد أشوه سمعتها
إبراهيم: وأنت تخاف على سمعتها!؟ المهم أن تحصل على ما تريده... وكم دفعت إذًا؟!
قيس: مئة ألف
صرخ إبراهيم: مئة ألف!!
التفت إليهم جميع الطلاب ولكن تابع إبراهيم حديثه وبصوت جهور: كل ذلك من أجل بريد إلكتروني؟! حتى وإن كنت غنيًا لا تلعب بالمال هكذا!!
قيس: اهدأ يا فتى... أنا مرتاح هكذا فدعني أفعل ما أشاء
إبراهيم بصوت معتدل وغاضب: تلك الفتاة سحرتك بالتأكيد
ثم ترك الفصل فتبعه قيس وهو يناديه: إبراهيم!
لحق به وأمسكه من معصمه وسأل: ما بك يا إبراهيم؟ لماذا كل هذا الغضب؟
إبراهيم: ما فعلته شيء يقهر!! لم أعتد عليك ذلك!! ما الذي غيرك؟ تلك الفتاة! لو أعطيتني عنوانها لذهبت أنا وكلمتها عوضًا عنك، أو حاولت بألف وسيلة ولا يحتاج ذلك إلى إسراف هذا المبلغ الكبير من أجلها، من تكون لتدفع ذلك من أجلها؟
قيس: لذلك دفعت المبلغ، لأعرف من تكون... ولكن لا تغضب... حدث الأمر وانتهى ولن أعيد الكرة فسامحني...
إبراهيم: عزيزي قيس... أنا لست غاضبًا منك ولكنني متعجب من صنيعك...
قيس: لا أعرف أنا أيضًا لماذا فعلت ذلك
إبراهيم: وهل حدثتها؟
قيس: ليس بعد... ولكن بريدها
إبراهيم: ما به
قيس: بريدها هو اسمي ومن ثم تاريخ مولد أختي شيماء!!
إبراهيم: حقًا؟
قيس: أجل... لذلك عندما دفعت المال لم أتحسر على ما فعلته، أشعر وكأنها تعرف شيئًا... بل تعرف كل شيء
ابتسم له إبراهيم ولكمه بخفة على كتفه وقال: حظًا موفقًا لك
ثم ترك إبراهيم قيس خلفه ومشي، فجرى قيس وقفز عليه وخنقه
إبراهيم: قيس.. أرجـ...أرجوك.. أنت تخنقني!!
قيس: هذا درس لك لكي لا توبخني مرة أخرى
ثم نهض عن ظهره وقال: لنعد الآن إلى الفصل فلماذا تسلك ذلك الطريق؟
إبراهيم: أعيب أن أذهب إلى دورة المياه؟
قيس: أتيت للتو من المنزل! ألا تملكون الماء هناك؟
إبراهيم: سأذهب لغسل وجهي فأشعر بالحر... تعلم، تكييف هذه المدرسة رائع
قيس: أجل، أجل، أفهمك... اذهب وعد ولا تهرب من الحصة
إبراهيم: حاضر أيها المثالي...
عند الساعة الثانية ظهرًا خرجت شيماء من الجامعة متجهة نحو المستشفى، وأثناء قيادتها للسيارة اتصلت بزوجة والدها
أجابت مها: السلام عليكم
شيماء: وعليكم السلام، أحببت أن أسأل عن رقم غرفة أبي
مها: إنه في الغرفة الثالثة عشرة في الطابق الثالث
شيماء: شكرًا *ثلاثمائة وثلاثة عشرة...*
وصلت شيماء المستشفى واتجهت فورًا إلى غرفة والدها، طرقت الباب ثم دخلت
شيماء بوجه بشوش: السلام عليكم
الجميع: وعليكِ السلام
حمد: مرحبًا بأغلى أخت...
ثم اقترب منها وقبلها، حمد هو أخوها من والدها، وابن مها الأكبر، يبلغ من العمر الثالثة عشرة، وتملك شيماء أيضًا منيرة في التاسعة ورقيّة في السابعة وصالح في الخامسة، وكلهم إخوة من جهة الأب... التفت إليها والدها بوجه حزين...
فقالت له وهي مبتسمة: ما بك يا أبي؟ أتغار لأنك آخر من سأسلم عليه؟
ثم ذهبت إلى أبيها وقبلته على رأسه وقالت: كيف حالك؟
محمد: كيف سأكون مرتاحًا وابنتي تسكن لوحدها في المنزل؟
مها: *لوحدها؟*
شيماء: آسفة يا أبي، أنا السبب في الحادث أليس كذلك؟
محمد: لا دخل لك بالأمر، إنه القدر
شيماء: أكنت تفكر بأمري؟
محمد: ...أ..أجل...
شيماء: فدعني أعتذر منك -ثم قبلت رأسه مرة أخرى-
جلست شيماء على السرير مقابلة لوالدها وقالت له: فكرت في ترك الجامعة
الجميع: ماذا!!؟
محمد: لن أسمح لك! أنتِ في جامعة فيرجينيا وتريدين الخروج؟
شيماء: أريد أن أعمل، فإن لم أعمل فأنت أدرى بظروفي
محمد: لن تحتاجي إلى المال ما دمتُ على قيد الحياة
شيماء: مسؤوليتك انتهـ...
قاطعها محمد وهو غاضب: ما زلت والدك وما زلت مسؤولاً عنك، وستأتين للعيش معنا في المنزل
حمد: أصحيح هذا!؟
شيماء: لا أستطيع
محمد: لماذا؟
شيماء: أنا طالبة وأحتاج إلى جو هادئ للدراسة فلا أريد أن أسمع توبيخ تلك العجوز يوميًا، ولسبب آخر، منزلي أقرب للجامعة بكثير من منزلك، لا تخف علي... أستطيع العيش بسلام، وإن خفت من شيء سآتي إليك
مها: هل لكما أن تخبراني ما الأمر؟ أين ذهبت والدتك؟
التفت محمد إلى الجهة الأخرى وكاد أن يبكي، لكن شيماء قالتها وبكل بساطة: توفيت والدتي منذ يومين
مها: ماذا!؟ كيف حدث ذلك!
شيماء: حادث مروري... على أية حال، أنا أعيش لوحدي الآن ومن الصعب أن أعيش معكم...
محمد: افعلي ما يحلو لك لكن لا تتركي الجامعة، أنا سأرسل لك مصروفًا شهريًا... ولا أستطيع تركك لوحدك في المنزل دون رجل! هل تمانعين بأن يعيش معك عمك؟ فهو يعيش لوحده هو الآخر...
شيماء: عم؟! أي عم؟
محمد: عمك فيصل... أصغر إخوتي، سأحدثه بالموضوع ولكن لا أريدك أن تبقي لوحدك
شيماء: شكرًا لك... أوه! نسيت أن أسألك، متى ستخرج من المستشفى؟
محمد: ما بين شهر وشهر ونصف
شيماء: هذا كثير! أعانك الله... حسنًا، أستأذنكم، أريد أن أعود للمذاكرة
حمد: وأنا آتٍ معك
مها ومحمد: لا
حمد: لماذا؟ أختي تحتاج إلى رجل يقف بجانبها
محمد: أنت الصعلوك لا تستطيع فعل شيء، وثانيًا شيماء تريد الذهاب للمذاكرة وليس للعب! وأنت لم تؤدي وظائفك بعد وعليك العودة إلى المنزل
حمد: أرجوك، أرجوك، أرجوك، أرجوووووك!!
شيماء: لا بأس سآخذه معي وسأعيده بعد صلاة المغرب
مها: نخشى أن يرهقك ذلك
شيماء: لا بأس
..::|| الفصل الخامس عشر ||::..
عادت شيماء إلى المنزل وبصحبتها حمد، دخل حمد المنزل منبهر
حمد: المنزل رائع!!
شيماء: أتمزح؟ منزلكم أفخم
حمد: لا، لا، كم تمنيت أن أعيش في منزل كهذا!
شيماء: بإمكانك العيش معي إذًا
حمد: حقًا!!
شيماء: صدقت؟ هل والداك سيسمحان لك؟ إن وافقا فلا أملك مانعًا
حمد: حسنًا سأفاتحهما في الموضوع
شيماء في نفسها: *إنه جاد!*
حمد: غير هذا سأضطر إلى تغيير المدرسة وأخيرًا
شيماء: إذًا فهذا هو هدفك... وما بها مدرستك؟
حمد: التعليم فيها سيء جدًا، إن وجدت أستاذًا واحدًا فقط يجيد الشرح سأعطيك كل نقودي
شيماء: لهذه الدرجة؟
حمد: وأكثر...
ثم صعد الدرج وهو يسأل: أين غرفتك؟
شيماء: سآخذك إليها
سارت معه للأعلى ودلته على غرفتها، دخل الغرفة وزاد انبهاره
حمد: هذه غرفة نوم أم معرض للرسم!!؟
شيماء: أفكر أن أحولها إلى مرسم وانتقل إلى غرفة أخرى
حمد: لا، لا... عليك أن تنامي في غرفة كهذه لتحلمي أحلام رائعة
شيماء بصوت خافت: بل كوابيس...
سمعها حمد وقال: كوابيس!؟ لماذا؟
شيماء: لا شيء... فقط كنت أمزح
ثم ذهب حمد وجلس على حاسوبها وهو يقول: إنه جديد! متى اشتريته؟
شيماء: لم يمض شهر منذ أن اشتريته...
حمد: هذا رائع!! هل يمكنني استخدامه؟
شيماء بابتسامة: أجل
فتح حمد الحاسوب وبدأ يلعب فيه، أما شيماء فاستلقت على سريرها وبدأت تذاكر
وبعد ساعات من الصمت نطقت شيماء: حمد...
حمد: نعم؟
شيماء: أي نوع من الرجال عمي فيصل؟
حمد: طيب ومرح وكثير المزاح، يحبه كل من حوله ويدلل الجميع
شيماء: هذا جيد... وكم عمره؟
حمد: وما أدراني؟ ربما في أواخر الثلاثين... لست متأكدًا
أما صقر فكان يجهز حقائبه للتخييم مع أصحابه، فبدأ ينادي مي: يمامة!! تعالي يا يمامة...
أتت مي إليه وسألت: ماذا تريد؟
صقر: سوف أذهب مع أصحابي للتخييم على الشاطئ، وستأتين معي... فانظري إن كنتِ تريدين أخذ شيء معك إلى البحر...
مي بفرح: سنذهب إلى البحر؟
صقر: وماذا قلت لك للتو؟
مي: هذا رااااائع... سأذهب وأجهز حقيبتي...
ثم ذهبت جريًا ولكنها عادت بخطواتها مرة أخرى إليه وقالت: كم يوم سنبقى هناك؟
صقر: أيام العطلة... يومان
مي: رائع!!!
ثم ذهبت مرة أخرى واتجهت نحو غرفتها، أخرجت حقيبتها ووضعت فيها ملابسها وبدلت ملابسها وارتدت شيئًا خفيفًا ثم عادت إلى صقر وهي تحمل الحقيبة وقالت وهي مبتسمة: انتهيت
صقر: بهذه السرعة؟
مي: أجل... لا أملك ألعابًا لآخذها معي، فاكتفيت بأخذ ملابسي...
صقر: حسنًا إذًا -ثم حمل حقائبه وقال وهو مبتسم لها- لنذهب
تعجبت من ابتسامه لها ولكنها فرحت ولحقته: حسنًا...
صعدا السيارة واتجه صقر إلى الجمعية لشراء بعض الوجبات الخفيفة، كانت مي فرحة جدًا فهي لا تذهب معه إلى أي مكان وذلك خشية أن يجدوه برفقة فتاة مفقودة، فقد كانت هذه المرة الأولى التي تدخل فيه معه محلٍ ما، وغير ذلك كان يسمح لها بشراء ما تريده مما زاد ذلك من سعادتها.
انتهيا من مشترياتهما وذهبا إلى البحر... كان أصحابه طارق وفالح وسالم ينتظرونه، فقد سبقوه إلى المكان ونصبوا الخيمة، طارق في عمر صقر وصديقه منذ المرحلة الثانوية، ويملك أربعة أبناء وأحضرهم معه، خليل في الرابعة وخالد الذي هو بعمر مي، عمره ست سنوات، وتوأمان متطابقان من البنات في السابعة وتدعيان دلال ودانة، أما فالح فهو أعزب ولم يتزوج بعد، وعمره اثنان وثلاثون عام، والأخير هو سالم البالغ من العمر الخمسة والأربعين، يملك ابنًا واحدًا في الثامنة يدعى زايد...
انعزل الأطفال عن الشباب وذهبوا للعب سويًا، فسأل صقر أصحابه: أحظرتما جميع أبنائكما دون نسائكما! كيف ستهتمان بهم؟
طارق: لا بأس، فهم سيهتمون بأنفسهم فليسوا صغارًا...
فالح: ابنك في الرابعة وليس صغيرًا؟
سالم: لحظة قليلاً! وما العيب فينا؟ لنهتم بهم ليومين هل هذا حرام؟ نساؤنا يهتمن بهم طوال العام فلنخفف عنهم العبء ليومين فقط...
صقر: أنتَ لطيف حقًا...
طارق: ولكنه على حق
صقر: سكوتك أفضل إن كان أطفالك بنظرك ناضجين
طارق: ما بك؟ كنت أمزح معكم ههههههه
فالح: بالتأكيد تمزح، فمن المستحيل أن يرى عاقلاً ابنه قد نضج ولم يدخل المدرسة بعد
سالم: أنت على حق
فالح: أترككم الآن
صقر: إلى أين؟
فالح: أريد أن ألعب مع الأطفال
جميعهم: هاااه!!
صقر: دعهم لوحدهم وابقَ معنا
فالح: أتيت لأتسلى وليس للجلوس مع الشيوخ -ثم ضحك- أنا ذاهب الآن
ذهب إلى الأطفال وأول من نظر إليه وهو يجري نحوهم كانت مي، فعندما رأوها تلتفت إلى الوراء التفتوا فرأوه يبتسم لهم
زايد يلوح له: مرحبًا بفالح
ذهب إليه فالح وضربه بخفة على رأسه وقال: كم مرة قلت لك نادني بعمي فالح
زيد: ولكنك لست عمي -وأخرج لسانه-
فالح: يا لك من مشاغب -ثم خلع ملابسه وقال- من يريدني أن ألعبه في الماء؟
بدأ الجميع بالقفز والإلحاح عليه إلا مي، فالتفتت إلى الجهة الأخرى وبدأت تنظر إلى البحر، فلاحظ ذلك فالح فجلس بجوارها وصمت الجميع عندما رأوه قد التفت عنهم، ثم أمسك بكتفها فالتفتت إليه، فسألها وهو مبتسم: ما بك يا يمامة لا تلعبين معنا؟
مي: لا شيء، فقط تذكرت شيئًا...
فالح: ما زلت صغيرة على حمل الهموم، لندخل البحر سويًا
ثم وقف فالح ولكنها ظلّت جالسة وقالت بصوت منخفض: لون البحر اليوم بنفس لون عينيه
لم يسمعها فالح فكان صوت الموج عالٍ فسأل: ماذا قلتِ؟
مي وقد ضمت فخذيها إلى صدرها وقالت: متى سنجده؟
وامتلأت عيناها بالدموع فبدأت تفركهما قبل أن تسقط دموعها، فحملها فالح وأدخلها البحر وتبعه الأطفال ودخلوا البحر خلفه... كان الأصحاب ينظرون إليه عن بعد، فقال طارق: لا داعي لإحضار مربية معنا
سالم: مسكين فالح، متى سيتزوج؟
صقر: لا داعي للزواج فهناك أطفال كثيرون بغير أهالٍ في الميتم
طارق: ليس جميع الرجال مثلك، فالرجل يحتاج أيضًا إلى زوجة
صقر: للهم والغم وزيادة المشاكل
سالم: إن كان هذا تفكيرك فستموت قبل أن تتزوج
صقر: أعلم ذلك...
طارق: أنت تحتاج إلى طبيب نفسي...
صقر: أعلم ذلك
سالم: إن كنت تعلم فلماذا لا تذهب إلى طبيب؟
صقر: أتريد أن يقول عني الناس مجنون؟
طارق: ومن قال هذا؟ الجميع يراجع لدى الأطباء النفسيون
سالم: اعترف يا طارق... أنت تراجع عند من؟
طارق: لا أراجع عند أحد
سالم: ولكنك قلت الجميع
طارق: أعني الأغلبية يا غبي
نهض صقر من مكانه فنظر إليه صاحبيه
طارق: إلى أين؟
صقر: لطهي الغداء
سالم: أجل!! يا أمهر طباخ
طارق: ليت زوجتي تجيد الطبخ مثل صقر...
..::|| الفصل السادس عشر ||::..
في مستشفى حمد، كان محمد جالس لوحده لذهاب زوجته مع الأطفال إلى المنزل، فاتصل بأخيه فيصل
أجاب فيصل بوجه بشوش: يا مرحبًا بالغالي، كيف حالك؟
محمد: بخير والحمد لله... وماذا عنك؟
فيصل: تعلم أنني أكره الوحدة كثيرًا فلذا أنا الآن في طريقي إلى أحد الأصحاب، مللت من الجلوس في المنزل
محمد: أريدك أن تسدي لي خدمة
فيصل: أأمر يا أغلى أخ...
محمد: أنت تكره الوحدة وتريد العيش مع أحد أليس كذلك؟
فيصل: أنت تعلم ذلك... وقلته لك أيضًا للتو للمرة المليون
محمد: ابنتي شيماء من الزوجة السابقة تعيش لوحدها الآن لوفاة والدتها وأخشى عليها ذلك
فيصل: لماذا لا تسكنها معك؟ أليست ابنتك؟
محمد: أجل ولكن... لا تريد المجيء لأن والدتي تكرهها كثيرًا ولا تطيق رؤية وجهها
فيصل: إذًا فتريدني أن أسكنها معي؟
محمد: أرجوك وافق
فيصل: بالتأكيد سأوافق، كيف أترك ابنة أخي تعيش لوحدها؟
محمد: أشكرك... ولكن أفضل أن تذهب إليها لأن جامعتها أقرب من منزلها ومنزلك بعيد جدًا وكان هذا عذرًا أيضًا في عدم رغبتها في المجيء للسكن معي، ولكن سأشاورها أنا أيضًا
فيصل: لا، لا، لا... لا داعي لمشاورتها، أنا سأذهب إليها، في أي جامعة هي؟
محمد: فيرجينيا...
فيصل: أوه، ابنتك فنانة إذًا... حسنًا بما أنها تسكن بالقرب من هناك فهذا يعني بأن منزلها أقرب من مكان عملي، فذهابي إليها لمصلحتي أنا أيضًا... وأخيرًا سأتعرف عليها، شكرًا لك
محمد: أنا من عليه أن يشكرك
فيصل: إذًا... أعطني عنوانها
وفي منزل شيماء، كانت هي وأخوها حمد لا يزالان على نفس حالهما، شيماء تذاكر وهو يلعب على الحاسوب، فتركت شيماء ما بيدها وقالت: حمد، هل يمكنني الجلوس على الحاسوب؟ فقد مللت من الدراسة
حمد: حسنًا...
أغلق حمد لعبته ونهض من الكرسي، وجلست شيماء مكانه، أما هو فأمسك كتابها الذي كانت تدرس فيه وقال: سأتصفح منهجكم قليلاً، أريد معرفة ما تدرسون
شيماء: لا بأس
فتحت شيماء الماسنجر ووجدت إضافة جديدة، كان البريد بعنوان الغريب، فتعجبت منه ولكنها قبلت إضافته
كان قيس في الغرفة يتحدث مع إبراهيم على الهاتف، وقد فتح الماسنجر ينتظر دخول شيماء، فكان يفعل ذلك طوال كل يوم، وما إن رأى شيماء دخلت ودّع صديقه وأغلق الهاتف وانطلق إلى الحاسوب وجلس عليه وبدأ قيس المحادثة...
قيس: السلام عليكم
شيماء: وعليكم السلام؟... من أنت؟
قيس: نادِني بعبد الله، أنتِ الفنانة شيماء أليس كذلك؟
شيماء: أجل! من أين حصلت على بريدي؟
قيس: من دكتورك في الجامعة
شيماء: ولماذا أردت إضافتي؟
قيس: قرأت اللقاء الذي دار معك في المجلة، فأعجبني أسلوبك في الرسم وكيف تتقيدين برسم ذلك الفتى... وغير ذلك أعجبتني شخصيتك وأسلوبك في الإجابة عن الأسئلة التي طرحت عليك
شيماء: ومن تكون ليعطيك الدكتور عنواني؟ أأنت صحفي أيضًا؟ أم دكتورًا في الرسم؟
قيس: ههههه دكتور في الرسم؟ أنا لا أستطيع رسم زهرة حتى
عندما قرأت شيماء هذه الجملة تذكرت ما قاله قيس لها عندما كانت صغيرة بعد أن أرته لوحاتها فقال "واااااو رسمك رائع... أنا لا أستطع رسم زهرة حتى"
شيماء: -ابتسامة-
قيس: ما سبب هذه الابتسامة؟
شيماء: ذكرتني بقيس، ذلك الفتى، فقد قال مثل هذه الجملة تمامًا من قبل...
قيس في نفسه: *يبدو أنني حقًا كنت أقابلها!*
ثم كتب لها: يبدو أنه كان قريب منك كثيرًا
شيماء: وما شأنك أنت؟ لم تخبرني، أأنت صحفي؟ لأن ليس من حق الدكتور إعطاء أحد غريب عنواني...
قيس: لا تنسي بأنك تستطيعين أخذ ما تريدينه مقابل المال
شيماء: ودفعت له؟! كم ريالاً؟
قيس: لا يهم المبلغ، المهم أنني وجدت الفرصة للتحدث معك
شيماء: وماذا ستفعل لو حجبتك الآن؟ لن تتحسر لفقد مالك؟ فإن كنت لا تملك حاجة فآسفة، لا أريد محادثة الشباب
قيس: وماذا عنه...
شيماء: ماذا تعني
قيس: ألم يكن شابًا؟ كيف كنت تحادثينه؟ فقد توفي منذ عامين فقط أي كنت في الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة وتحدثين رجلاً غريبًا
شيماء: قيس لم يكن غريبًا
قيس: ولكن مهما كان بالنسبة لك فهو لا يقربك
شيماء: حسنًا بإمكانك القول بأنني لا أريد مصادقة أحد غيره
قيس: لماذا؟ فقد توفي!! هل ستبقين وحيدة للأبد! لا يستطيع الإنسان العيش منعزلاً عن البشر
شيماء: لا دخل لك، فأنا مرتاحة هكذا
قيس: وما السبب؟
شيماء: لا أحد يستطيع فهمي
قيس: إذًا كيف فهمك قيس؟
شيماء: لأنه هو من رباني
قيس: ولكن هناك بالتأكيد من يستطيع فهمك غيره، فمن المستحيل أن تملكين شخصية لا يتقبلها أحد
شيماء: وإن قلت لك بلى...
قيس: لا تكوني يائسة من الحياة فقط بسبب تجربة قصيرة ممرت بها... لا أعرف ماذا حدث لك ولكن مهما عاملك الناس بخشونة سيكون هناك صنف آخر يحبونك، كوني دائمًا على أمل في الحياة، انظري إلى الأمور بنظرة إيجابية...
ظلت شيماء صامتة ولم تجبه وكانت تقول في نفسها: *هذا الرجل... حديثه شبيه بحديث قيس كثيرًا..!!*
قال قيس بعد أن رآها صامتة: هل ما زلت موجودة؟
شيماء: أجل
قيس: أكنت تفكرين فيما قلته؟
شيماء: بل كنت أفكر بقيس... كان يقول لي دائمًا ما قلته أنت للتو.. لم يحب الجانب السلبي في شخصيتي أبدًا... ولكن عندما أكون بجانبه لا أعرف الحزن أبدًا...
قيس: يبدو أنك كنت تحبينه كثيرًا... حدثيني عنه، أشعر بأن طباعه وتفكيره قريبين مني كثيرًا
شيماء: خسئت أن تكون مثله...
قيس: لا يحق لك القول ذلك دون أن تعرفيني
شيماء: إذًا تحدث أنت عن نفسك وأنا متأكدة بأنك لا تتصف بنصف صفاته حتى
قيس: لا أعرف ماذا أقول عن نفسي فهذا أمر يجب أن يقوله من عاشرني، فانتظري قليلاً حتى تكتشفي صفاتي بنفسك
شيماء: إذًا لن أقول شيئًا
قيس: حقًا إنك جبانة!
شيماء: ماذا تقول يا معتوه؟!
قيس: أنتِ لا تحبين مخالطة الغير خوفًا من أن تؤذَي فتفضلين الصمت
شيماء: هذا غير صحيح
قيس: إذًا وما الصحيح؟
شيماء: فقط لا أحب مخالطة البشر
قيس: وما السبب؟
شيماء: لا يوجد سبب معين
قيس: لا يوجد ردة فعل دون فعل يسبقه
شيماء: اخرس قبل أن أزيلك من قائلمتي
قيس: أتعنين الهرب؟
قالت شيماء بصوتٍ مسموع: تبًا
التفت إليها حمد وسألها: ماذا هناك؟
شيماء: لا شيء
وظلت تحدق في الشاشة ولا تعرف كيف تجيب فكتب قيس: ما بك صامتة؟ هل هربتِ؟
شيماء: اخرس، أنا لست جبانة لأهرب
قيس: إذًا فلا تتهربي من أسئلتي
شيماء: حقًا إنك فضولي... وماذا تريد أن تعرف؟
قيس: إذًا، حدثيني عن هذا الذي يدعى بقيس بكل حواسك، كي تعرفي ما هو الشعور عندما تتحدثين عن شخص غالٍ عليك
شيماء: حسنًا... كان شابًا متفائلاً على الرغم من قسوة حياته، لا يحب أن يمحي الابتسامة من وجهه حتى وإن كان في ضيق، فمن يرى وجهه ينسى همومه... كان طيبًا وحنونًا وشخصًا يصعب فهمه ولكنني نجحت في فهمه جيدًا... كنت سعيدة لأنني الأقرب إليه، فأظن أنني أنا الوحيدة التي رأت دموعه ورأت ابتسامته الحقيقية، وأنا أول من سمعه يضحك بشدة ويقهقه... علمت عنه الكثير... كيف يخفف عن نفسه الهموم، كيف يكافح للوصول إلى هدفه
قيس: *هل قهقهت يومًا؟ لا أذكر أبدًا! والبكاء... لم أبكِ يومًا أمام الناس! أكانت قريبة مني لدرجة أنني جعلتها ترى دموعي وطبيعتي؟!... وكيف أخفف عن همي..! لا أظن أنها تعرف لأن من المستحيل أن أخبر أحدًا مهما كان مقربًا مني... هل أسألها؟*
ثم سأل: وكيف يخفف عن همه؟ لفتت نظري هذه الجملة فأريد معرفة ذلك
شيماء: بالكتابة
قيس: *مستحيل* بالكتابة؟
شيماء: أجل... كان إذا أحس بضيق يكتب ما في قلبه في كراسة ليفرغ فيها حزنه، على الرغم من أنه لا أحد يستطيع قراءتها، أما إن كان بجانبي فيخبرني بما يدور في خاطره، وعلمني هذه الطريقة بعد أن علم أنني لا أملك أصحابًا بالمدرسة... فكنت أكتب في الكراسة نهارًا وأخبره بما حدث ليلاً وما زلت أملك الكراسة نفسها التي أعطاني إياها
قيس: *كل كلمة قالتها هذه الفتاة تدل على صدق كلامها*
شيماء: إذًا أخبرني الآن كم بالمائة يشبهك قيس؟
قيس: *100% بالتأكيد* إمممم 80%
شيماء: تكذب حتمًا
قيس: انظري ماذا ستخبرك الأيام
شيماء: إذًا فهذا يعني أنك تتحداني ما إذا كنت قادرة على مصاحبتك
قيس: بالضبط
شيماء: حسنًا أوافق، فقط لفضولي، أود أن أرى ما إذا كان كلامك صحيح
قيس: سترين
صمتت شيماء قليلاً ثم كتبت: حقًا إنني غريبة فأنا لا أصادق سوى الذكور!
قيس: ولكنك فقط صادقت قيس من قبل!
شيماء: كان هو الأقرب والأعز ولكنني أتعالج عند طبيب نفسي منذ أن كنت في الخامسة أي أعرفه منذ ستة عشر عامًا، وهو بمثابة الصديق الآن... والآن أتيت أنت...
قيس: ألا تريدين أن تجدي من يفهمك؟ لا يهم إن كان رجل أم امرأة...
شيماء: أنت على حق... فلن أجد فتاة تفهمني... إذا كانت أمي رحمها الله لم تستطع فهمي
قيس: رحمها الله! هل هي متوفاة!؟ ولكن في اللقاء قلت بأنك تعيشين معها
شيماء: توفيت منذ يومين وعمي سيأتي للعيش معي قريبًا...
قيس: عظم الله أجرك... لم أعلم بذلك أنا آسف
شيماء: لا بأس...
قيس: هل يمكنني أن أسألك سؤالاً آخرًا عن قيس؟
شيماء: تفضل
قيس: كيف تعرفتما على بعضيكما؟ أعني أنتِ وقيس
شيماء: لم أذكر ذلك في اللقاء لأنه لن يصدقني أحد
قيس: أنا أصدقك
شيماء: من السهل قول ذلك ولكن هل حقًا ستصدقني؟
قيس: بالتأكيد *فكلامك كله يرغمني على التصديق!*
شيماء: عبر نافذة غرفتي
قيس: *إذًا ما تراه أختي...*
شيماء: أول يوم رأيته فيه كان آتٍ من النافذة ويعرف اسمي وماضيي وأشياء عني أنا لا أعرفها... فكان يراقبني منذ ولادتي وانتظرني حتى أكبر ليقابلني... بالتأكيد لن تصدق شيئًا كهذا، فلماذا سيضيع رجل حياته في مراقبة طفلة؟
قيس: بل أصدقك
شيماء: كاذب
قيس: أقسم بالله إنني أصدقك...*ولكن كيف أثبت لها أنني أصدقها؟.... وجدتها!* فأنتِ رسمتِ هذا المشهد على الرغم من أنك لا تريدين أن تخبري أحد كيف التقيتما ببعضكما...
ومن ثم أذن المغرب فقالت شيماء: علي الذهاب الآن فسأصلي ومن ثم آخذ أخي إلى منزله
قيس: أخوك؟
شيماء: أجل، لدي إخوة من أبي
قيس: حسنًا إذًا.. وأنا سأذهب أيضًا...
شيماء: متى نلتقي؟
قيس: أنا متصل طوال اليوم ما عدا الصباح فأكون في المدرسة أو بعد الساعة الواحدة ليلاً
شيماء: أنت ما زلت طالبًا!! ظننتك أكبر من ذلك... على أية حال إلى اللقاء
قيس: مع السلامة
التفتت شيماء إلى أخيها وقالت له: اذهب إلى المسجد ومن ثم تعال لأعيدك إلى منزلك
حمد: أفففف هذا يعني أنني سأعود إلى المنزل قريبًا؟...
شيماء: لا تتذمر وأسرع إلى الصلاة
حمد: حسنًا
..::|| الفصل السابع عشر ||::..
وعند الشاطئ كانت مي تلعب مع الأطفال وتأقلمت معهم، وفجأة نادى سالم الأطفال ليأتوا للعشاء، فجرى الأطفال نحوهم وغسلوا أيديهم عن التراب ثم توجهوا نحو الطعام. جلست مي بجوار صقر وكانت ملتصقة به كثيرًا، فتعجب من الأمر
صقر: يمامة... ابتعدي قليلاً أنت تضايقيني هكذا
مي: لا أريد...
تعجب صقر ولكنه لم يقل شيئًا، أحس أنها تريد التقرب منه أكثر ولم يشأ أن يرى أصحابه جفاف تعامله معها، فأمسك بكتفها وضمها إليه ثم قال: كما تشائين، المهم أن تتناولي جيدًا
فزاد ذلك من سعادتها وارتسمت ابتسامة كبيرة على وجهها... وبعد العشاء دخل الأطفال الخيمة وناموا، أما الشباب فخرجوا ليلعبوا الورق بعد أن رأوا أن الأطفال ناموا جميعهم، ولكن لم يلاحظ أحد أن مي لم تزَل مستيقظة، فلم تستطع النوم، بقيت في مكانها لساعة كاملة تحاول النوم ولكنها لم تستطع، فخرجت إليهم... التفت إليها الجميع عند خروجها فسأل صقر: هل استيقظتِ؟
مي: في الحقيقة أنا لم أنم...
صقر: ولماذا؟ ها هم أصحابك ناموا جميعهم
مي: لم أستطع النوم
فالح: تعالي، تعالي واجلسي معنا
مشت مي نحوهم ببطء فسحبها فالح من معصمها الأيمن وأجلسها في حضنه
سألتهم مي: ماذا تفعلون؟
صقر: ألا ترين؟ نلعب الورق
فالح بعتاب: لا تكن جافًا –ثم التفت إلى مي وقال بابتسامة- هل تجيدين لعبها؟
مي: لا...
فالح: سأعلمك والعبي معنا
صقر: هيه...! دعها فهي طفلة... عليها الذهاب للنوم
فالح: لا تملك الرغبة في ذلك فدعنا نعلمها
سالم بصوت منخفض: ستصبح اللعبة مملة
طارق وقد غمز لسالم: أحب اللعب مع الأطفال لأضمن الفوز
سمعتهم مي فشعرت بضيق ولكنها لم ترد عليهم بل قالت لتثبت جدارتها: علمني القوانين فأريد اللعب
فالح: حسنًا هذا رائع
بدأ فالح يعلم مي كيفية اللعب ولم يأخذ الشرح سوى دقيقتين ومن ثم بدؤوا اللعب
فالح: يمامة... سأساعدك في اللعب
طارق: لا، انتظر لـ...
قاطعتهم مي قائلة: لا أريد، أريد اللعب بمفردي
نظر إليها صقر بطرف عينيه ولكنها لم تلاحظ، ثم أبعد ناظريه وهو يبتسم بابتسامة غامضة... وكانت نتيجة الشوط الأول...
سالم: مستحيل... مجرد حظ جيد
طارق: هل ساعدتها يا فالح؟
فالح: لا دخل لي... كيف سأساعدها وأنا ألعب ضدها
لم تقل مي شيئًا ولم تبتسم حتى على الرغم من أنها الفائزة
طارق: لنلعبها مرة أخرى... ربما كان حسن حظ... بل إنه حسن حظ بالتأكيد
قال صقر بينما كان يقلب الورق وهو مبتسم دون النظر إلى أصحابه: حسنًا لنلعب مرة أخرى
لعبوا مرة أخرى وكانت النتيجة نفسها، فواصلوا اللعب راغبين في الفوز عليها ولكن لا جدوى، لم يتمالك سالم أعصابه فكيف يخسر أمام طفلة في السادسة فنهض قائلاً: أنا ذاهب للنوم، مللت من اللعب
طارق باستهزاء: أتستسلم أمام طفلة؟
سالم: اخرس... ليس لهذا السبب بل بدأت أشعر بالنعاس
ثم غادر المكان ودخل الخيمة وخلد في النوم، أما صقر فأثناء اللعب لم ينطق بكلمة ولكنه كان مبتسمًا طوال الوقت... وبعد ساعة...
فالح: ما شاء الله، أنتِ ذكية حقًا
مي: بل اللعبة سهلة
طارق: حمدًا لله أن أبنائي لا يملكون عقلاً مثلك، لما شعرت أبدًا بالمتعة وأنا ألعبها بالمنزل
ثم نظرت إلى صقر وهو يقلب الورق ووجهه مبتسمًا بنفس تلك الابتسامة الغامضة دون أن ينظم إلى حديثهم، فنهضت من مكانها وجلست بالقرب منه، فنظر إليها متعجبًا: ماذا هناك؟
مي: ما بك... لماذا لا تنظم إلى حوارنا؟
صقر: اكتفي بالاستماع
سكتت مي للحظات ثم قالت: هل سنلعب مرة أخرى؟
صقر وقد وضع الورق في العلبة: كلا، بل سنذهب للنوم
فابتسم لها ولكن بابتسامة تختلف عن تلك الغامضة التي كانت تحير من حوله، بل كانت ابتسامة مبهجة، ثم حملها ودخل إلى الخيمة ووضعها بجانبه
مي: هل سننام سويةً اليوم؟
صقر:أجل...
ابتسمت مي في وجهه بسعادة وأغمضت عينيها استعدادًا للنوم، أما قيس فقد ظل مستيقظًا طوال الليل وهو يفكر بشيماء وماضيه، كيف كانا صديقين وكيف تقول بأنه أكبر منها وهو من رباها، كانت أسئلة كثيرة تدور في ذهنه فطردت عنه النعاس، وفي اليوم التالي خرج قيس صباحًا للترويح عن نفسه، وبينما كان يسير في الزقاق اصطدم برجل
فالتفت إليه قيس وقال: آسـ...
ثم سكت عندما رأى أن الرجل هو نفسه سلمان، فقال له سلمان: أكمل، لماذا سكت؟
قيس بنظرات جافة: لأنه ما دمت مصطدمًا بك فهذا يعني بأنك السبب
سلمان: ولماذا يا أيها اللقيط؟
لم يرغب قيس بمشاجرته فاتجه إلى الطريق المضاد ليعود إلى منزله، فأمسكه سلمان من معصمه: إلى أين أنت ذاهب؟
قيس: عائد إلى المنزل
سلمان: لماذا؟ لقد تقابلنا للتو؟
قيس وقد سحب يده من بين أصابع سلمان: أريد معرفة ما سبب مضايقتك لي؟
سلمان: لا يوجد سبب آخر غير أنك تعجبني وتحيرني
قيس: معذرة، لكنني لست شاذًا
سلمان: ولا أنا
قيس: إذًا اتركني وشأني
ثم غادر المكان، حاول سلمان إيقافه بإمساك كتفه ولكن قيس دفع يده وتابع سيره، دخل منزله مرة أخرى واتجه نحو غرفته، رمى بنفسه على السرير وبدأ يحدث نفسه: *أردت الترويح عن نفسي وإذا بي ألتقي بذلك القرد، يبدو أنني لن أرتاح أبدًا من هذا العناء*
وفجأة طرق أحد الباب، ثم دخلت أخته شيماء
شيماء: قيس، لقد أتى صديقك لزيارتك، إنه ينتظرك في المجلس
صمت قيس للحظات: *أيعقل أنه لحقني؟* أنا آتٍ الآن
نزل الدرج واتجه إلى المجلس، أمسك بالمقبض وهو متردد في الدخول، ولكنه دخل وكان الغضب بانٍ على وجهه، وعندما رأى الزائر إبراهيم، ابتسم وقال: يا لي من غبي
إبراهيم بتعجب: ولماذا؟
قيس: ظننتك شخصًا آخر، على أية حال، ما الذي جاء بك في صباح يوم الجمعة؟
إبراهيم: سمعت بأن هناك إمام حسن الصوت سيصلي الجمعة في مسجد الحي المجاور، فأردت الذهاب معك
قيس: ولكنني لم أغتسل بعد!
إبراهيم بتعجب: وماذا تنتظر؟
قيس: لماذا؟ كم الساعة؟
إبراهيم: إنها الحادية عشرة!
قيس: لم ألحظ ذلك؟ دقائق وسآتي إليك
THE M A S K
02-09-2009, 09:16 PM
كح كح كح كح غبااااااااار
هاي سينسي انا صراحه قطعت المنتدى تماما ولا كان لي نيه ارجع بس اليوم مادري وش جاني
قلت ادخل اشوف اخباره تفاجأت برساله من العضو سينسي قلت مين ذا سينسي ههههه < نسى
دخلت على الرساله وانصدمت اوووووووووووووووو وبدت ترجع لي الذاكره < كان فاقدها
قيس وشيما والدكتور ايييييييي تذكرتها القصه
وسينسي اييه صح هي الكاتبه هع هع
وفيه جزء ثاني واااااااااااااااااااااااااو تحمست عاد وبديت اقرا صراحه روعه روعه روعه
واتوقع انها بتكون افضل بكثيييييييييييييييييييير من الجزء الاول ان شالله
وزين انك رسلتي لي لو مارسلتي كان مادريت ان في جزء ثاني اصلا هع هع :D
وواصلي الكتابه وانا معاك على الأقل احلى من المسلسلات
ايه عجبتني بداية القصه ذكرتني بمسلسل هيروز اول مابدا<<< لازم يشبه القصه بشي ثاني
وو و و و بس :)
:biggthump
sensei
03-09-2009, 06:26 AM
..::|| الفصل الثامن عشر ||::..
عند الساعة الثانية ظهرًا، كانت شيماء في غرفتها ترسم لوحة جديدة، دق جرس المنزل فتركت لوحتها ونزلت إلى الطابق السفلي لتفتح الباب، ففتحت الباب ورأت في الواجهة رجل سمين، فابتسم لها عندما رآها وقال: لا أظن أنني أخطأت في العنوان، فأنتِ تشبهين والدك كثيرًا
شيماء: أأنت...
فيصل: أجل، أنا عمك فيصل
شيماء: حسنًا... تفضل
بدأ فيصل ينقل حقائبه للداخل وما إن انتهى جلس على الأريكة الموجودة بالصالون وهو يتنهد: تعبت، حقًا هذا متعب
شيماء بتعجب: ولكنك لم تفعل شيئًا
فيصل بتعجب: لم أفعل شيئًا!! نقلت كل هذه الحقائب
نظرت شيماء إلى الحقائب ثم عادت بنظرها إلى عمها وقالت: إنهم مجرد ثلاث حقائب، حقًا إنك كسول...
ثم أدارت ظهرها وقالت: الحق بي لأريك غرفتك وملاحق المنزل
نظر فيصل إلى ظهرها بتعجب وهو يفكر: *أحاول أن لا تشعر بغربتي ولكنني بدأت أشعر بالغربة أكثر منها، إنها جريئة*
ثم نهض ولحقها، كانت شيماء قد رتبت غرفة والدتها لعمها، فساعدته على صف أغراضه وترتيبها، ثم انعزلت عنه ودخلت غرفتها وفتحت حاسوبها على أمل أن تلقى عبد الله، وعندما فتحت الماسنجر كان قيس ينتظرها
شيماء: السلام عليك
قيس: وعليك السلام، كيف حالك؟
شيماء: بخير
قيس: كنت أنتظرك منذ زمن، أردت الحديث معك أكثر
شيماء: أتعني التحقيق؟
قيس: تحقيق؟
شيماء: أجل، حوارك البارحة كان مجرد أسئلة وكأنك تستجوبني في جريمة ما
قيس: دون الأسئلة لن نستطيع معرفة بعضنا
شيماء: هذا صحيح...
قيس: إذًا أخبريني، هل أتى عمك للعيش معك؟
شيماء: أجل، وصل منذ قليل
قيس: تبدو علاقتك بعمك جيدة
شيماء: لا، فهذه أول مرة أراه فيها
قيس:حقًا!؟
شيماء: أجل، في الحقيقة أنا لا أعرف أهلي من جهة أبي أبدًا، إن كان والدي رأيته لأول مرة منذ ثلاث سنوات فقط
قيس: ولماذا فكر والدك لرؤيتك بعد تلك السنين؟!
شيماء: أنا من ذهبت إليه وليس هو
قيس: وكيف عرفتِ عنوانه؟ أم والدتك أخبرتك بذلك؟
شيماء: من المستحيل أن تخبرني والدتي عنه، فلم ترد أن أقابله، قيس هو من دلني على مكانه
قيس وقد انبهر من حديثها: قيس!؟
شيماء: أجل، قال بأنه عرف موقع منزله بالمصادفة، فعندما أردت مقابلته دلني على المكان، وذهب معي أيضًا
قيس: أود أن أسألك سؤالاً، ولكن لا تكذبي علي، فلا داعي للكذب ما دام قيس متوفٍ
شيماء: اسأل، قد أجيب وقد لا أجيب
قيس: هل كان قيس سفاحًا؟ فلقد رأيت لوحات له وهو يقتل، فهل هذه حقيقة لا تريدين إظهارها للناس أم حقًا مجرد خيال؟
شيماء: لا تقل سفاحًا بل مصفيًا
قيس: مصفيًا
شيماء: أجل...
قيس: إذًا فقد قتل من قبل؟
شيماء: لا دخل لك في هذا، فما الفائدة التي ستجنيها إن عرفت؟ ولكن لا تخف، فأنا لم أقتل يومًا
قيس: إذًا فقد قتل
شيماء: وماذا لو قتل حقًا؟
قيس: ولماذا يقتل؟ أكان مريضًا نفسيًا؟
شيماء وقد غضبت: لا تقل هذا عنه فأنا لا أسمح لك بذلك، قيس لم يقتل سوى من يستحق الموت، فما قتل إلا لينقذ النفوس البريئة التي كانت ستقع تحت سيطرة أولائك المجرمين، فإن لم يقتلهم لزاد فساد البلاد
قيس في نفسه: *إذًا فأنا قتلت أناسًا من قبل! ولكن لماذا لا أذكر؟ ما الذي يجري هنا؟!*
ثم سأل: وكم عدد الضحايا على يده؟
شيماء: مئات الألوف... وربما وصلوا الملايين وما أدراني
قيس: ألم تخافي منه عندما علمت بأنه قاتل؟ أو قل حبك له؟
شيماء: بالتأكيد لا، فقد أخبرني بذلك في أول لقاء بيننا... اسمع، لا تخبر أحدًا بهذا وإلا قتلتك...
قيس: لا تخافي، فلن أخبر أحدًا، هذا وعد... ولكنني لم أر يومًا في الصحف عن جرائمه! أليس ذلك غريبًا؟
شيماء: إن كنت تتكل على الصحف في معرفة كل الأخبار فلن يصلك شيئًا... إذًا... أخبرني عن نفسك؟ عرفت عني الكثير، فماذا عنك؟
قيس: اسألي أي سؤال وسأجيبك عليه
شيماء: أي سؤال؟
قيس: أجل
شيماء: حسنًا إذًا... كم كان المبلغ الذي دفعته للدكتور؟
قيس: أما زلت تفكرين بالمبلغ؟
شيماء: أجبني، فقد قلت لي بأنك ستجيب على أي سؤال
قيس: حسنًا... دفعت له مائة ألف ريال
تعجبت شيماء: مائة ألف!؟ هل جننت؟
قيس: ربما... نادني بالمجنون فلا مانع لدي
شيماء: ولكن لماذا؟
قيس: أنا بنفسي لا أعلم لماذا، أردت فقط الحصول على بريدك بأية وسيلة دون معرفة السبب
شيماء: أنت غريب
قيس: أعلم، أية أسئلة أخرى؟
شيماء: امممم... هل لديك إخوة؟ وفي أي مرحلة تدرس؟
قيس: لدي أخت صغرى فقط وأنا في الصف الثاني ثانوي
شيماء: ما زلت صغيرًا!!
قيس: ربما العمر، لكنني لست صغيرًا كمل تتصورين
شيماء: أستطيع معرفة ذلك من أسلوبك في الحوار
قيس: إذًا... أخبريني عن حياة قيس، قلتِ بأن حياته كانت صعبة ولكنه مع ذلك كان دائم الابتسامة، كيف كانت حياته وما الصعوبات التي مر بها؟
شيماء: لماذا أنت كثير الأسئلة عن قيس؟ ولماذا علي البوح عن حياته؟ كانت أسرار بيني وبينه، وغيابه لا يعني بأن أبوح بأسراره
قيس: أنا آسف لن أتطفل مرة أخرى
شيماء: يستحسن ذلك
قيس: أنت عصبية حقًا
شيماء: وهل تمانع؟
قيس: ومن أكون لأمانع؟
شيماء: إذًا لا تبدي رأيك!
قيس: تبدين غاضبة فأفضّل السكوت، أراكِ يومًا آخر وأنتِ بمزاج حسن...
شيماء: انتظر
ولكن لم يصل إليه ما قالته لأنه فصل الاتصال، فتنهدت شيماء وأغلقت الحاسوب، ثم نهضت من مكانها واتجهت نحو المطبخ لتأكل شيئًا...
..::|| الفصل التاسع عشر ||::..
على الشاطئ، كانت مي تلعب مع دلال ودانة بالرمل، فأتى الصبيان ليلعبوا معهن
زايد: هيه يا فتيات، ماذا تفعلن؟
دانة: لا دخل للصبيان بنا
خالد: ولماذا؟
دلال: اصمت، لا أستطيع التركيز وأنت تتحدث
زايد: أي تركيز هذا هههههه... من يسمعك يظنك تنحتين
دانة: لا تسخر من أختي وإلا قتلتك
التفتت إليها مي وسألتها: وكيف ستقتلينه؟
تعجب الأطفال من ردها والتفت إليها الجميع، فقالت دانة بتردد: بـ...بالسكين... سأقتله بالسكين
مي: وهل تظنين أن القتل كاللعب بالرمل؟
قالت دانة وهي خائفة: ما بك تتحدثين بهذه الطريقة؟ كنت أمزح فقط عندما قلت ذلك فلا تأخذي الأمور بجدية!
مي: القتل ليس بالأمر الملائم للمزاح
دلال: ما بك يا يمامة؟ الجميع يمزح هكذا
خالد: يمامة رأت والدها وهو يُقتل
ضرب زايد رأس خالد وهو يقول بصوت منخفض: اصمت أيها الأحمق
خالد بصراخ: لا تضرب؟ وماذا قلت؟ إنها الحقـ...
أمسك زايد بفم خالد وقال للفتيات: آسفون، نحن ذاهبون للعب لوحدنا، يبدو أنه لا مكان لنا هنا
ابتسمت مي في وجهه وقالت: لا داعي لذلك، تعالوا والعبوا معنا، فكلما زاد العدد زادت المتعة
دلال ودانة: ولكن...!!
مي: وماذا لو لعبوا معنا؟ ما المانع؟
خالد: أسمعتما؟
ثم جرى نحوهن وجلس بين أختيه وقال: بما أن اليمامة سمحت لنا فأنا سأجلس هنا
غضبت دلال وبدأت تدفعه: ابتعد عنا!
أخرج خالد لسانه وقال: لا أريد
أتى خليل وجلس في حضن دلال: وأنا هنا
دلال: انهض أيها القذر
بدأ الشجار بين أبناء طارق وحاول زايد التفكيك بينهم، في هذه الأثناء، شعرت مي بصداع ودوار وبدأت لا تستطيع الرؤية جيدًا، فالتفتت نحو البحر وإذا بها ترى قيس يمشي على البحر، لم يكن سوى وهم ولكنها صدقته، فتح قيس ذراعيه ليضمها...
فقالت بصوت منخفض: ها هو... لقد وجدته!
لم يسمعها أحد فكان المكان مزعج من الشجار المتواصل بين الأطفال، نهضت مي من مكانها واتجهت نحو البحر، وبعد أن غطى الماء ساقيها لاحظ زايد بأن مي ليست بجوارهم، فوقف في مكانه يلتفت يمينًا وشمالاً باحثًا عنها، فوجدها تسير في البحر، فجرى إليها وهو يناديها ليوقفها ولكنها لم تعره اهتمامًا، فأراد اللحاق بها ولكنه تأخر، فقد دخلت مي البحر واختفى أثرها، فجرى مسرعًا هو والبقية نحو الرجال، ودخلوا عليهم الخيمة
قال زايد بفزع وصراخ: أسرع يا عم صقر، يمامة دخلت البحر وغرقت!
نهض الرجال فزعين وأسرعوا إلى البحر ودخلوه جميعهم باحثين عنها، وبعد دقائق وجدها سالم وأخذها إلى الشاطئ...
طارق سائلاً: أما زالت حية!؟
غضب فالح وصرخ عليه: اذكر الله بدلاً من هذا الكلام الفارغ
سالم: هل أحدكم يجيد التنفس الصناعي؟ أنا لم أجربه قط!
أخذها صقر وأسعفها حتى خرج الماء من رئتها وعادت تتنفس بصورة طبيعية ولكنها لم تستعد وعيها بعد، فحملها ووضعها داخل الخيمة على الفراش ثم خرج إلى الشباب
صقر: أظنها ستكون بخير
طارق: لم أعلم أنك تجيد الإسعاف أيضًا
صقر: علمني مدرب السباحة عندما كنت في المرحلة المتوسطة
فالح: جيد أنك ما زلت تتذكر
صقر: وكيف أنسى شيء طبقته مئات المرات؟
خليل: إذًا سنسميك البطل سوبرمان ههههههه
ابتسم صقر في وجهه ثم عاد بنظره إلى أصحابه وتنهد ثم قال: قلت لكم بأن الأطفال لن يسببوا لنا سوى المتاعب
سالم: لا داعي لأن تتحسر على شيء مضى، الأهم هو أن تنهض اليمامة شافية
في الصالون، كانت شيماء جالسة على الأريكة وهي تشعر بضيق شديد
شيماء: *لماذا خاطبته بتلك الطريقة؟ ما كان علي قول ذلك، يبدو أنني ضايقته كثيرًا بكلامي ولكنه لا يستحق ذلك، يكفي بأنه يكون متصلاً طوال الوقت فقط لأستطيع إيجاده في أي وقت أريده، ولكن أسئلته عن قيس كثيرة، هل ما فعلته صحيحًا أم لا؟ ولكن، لماذا أشعر بضيق فمن يكون لأجهد نفسي من أجله؟!*
ثم قطع تفكيرها عمها فيصل عندما أتى وجلس بجوارها
فيصل بابتسامة عريضة: بماذا تفكرين؟
بدأت تنظر شيماء في وجهه بتعجب فاستغرب من ذلك، فبدأ يمسح وجهه بكفيه وهو يقول : هل توجد بقايا من كريم الحلاقة على وجهي؟
بدأت تضحك عليه شيماء: ههههههه، لا وجهك نظيف، فقط تعجبت من أسنانك، فهي تظهر بأكملها عندما تبتسم
فيصل بإحراج: أها... ههههه، حقًا إنني غبي
شيماء: أسنانك جميلة، ناصعة البياض، لم أر مثلها من قبل، أهي طبيعية أم قمت بتبييضها في المستشفى؟
فيصل: بالتأكيد طبيعية
ثم بدأ ينظر إلى وجهها وهو مبتسم دون أن يقول شيئًا فسألته: لماذا تنظر إلي هكذا؟
فيصل: قال لي أخي بأنك لا تبتسمين كثيرًا وإن ابتسمتِ فلا تكون حقيقية بل مجاملة فقط، وأنكِ قليلة الضحك أيضًا، ولكنني لا أراك كذلك، ها أنت تبتسمين وتضحكين كباقي البشر
شيماء في نفسها: *تصرفك هو ما أضحكني* ثم قالت: لا ولكن أبي بارد جدًا وقليل الكلام، كيف سأضحك معه إن كان أسلوبه لا يشجعني
فيصل: أها... إذًا أجيبي عن سؤالي
شيماء: أي سؤال؟
فيصل: بماذا كنتِ تفكرين؟ كان وجهك شاحبًا جدًا!
شيماء وقد عادت ملامح الضيق لها: تشاجرت مع أحد أصدقائي للتو...
فيصل: كنت تحدثين صديقتك وأنتِ في غرفتك؟
شيماء: على الماسنجر
فيصل: أها... ومن المخطئ؟
شيماء: أنا بالتأكيد
فيصل: إذًا فحلها بسيط، بما أنكِ أحسستِ بالذنب فتأسفي منها
شيماء: وهل ستعود الأمور إلى مجاريها كالسابق؟
فيصل: إن شاء الله، جربي فلن تخسري شيئًا، وإن كانت صديقتك تهتم بك وتحبك فسترضى بسرعة أما إن لم يكن لك مكانًا في حياتها فلا تبالي لها كثيرًا
شيماء: *أظنه سينسى ما حصل، فشخصيته ليست جافة، غير ذلك فقد دفع الكثير للحصول على بريدي، وقبل خروجه دل كلامه على أنه ظن من كلامي أني كنت بمزاج سيء وأراد مقابلتي في وقت لاحق... ولكن لماذا أهتم له كثيرًا؟ لم أتحدث معه سوى مرتين فقط! أمر غريب! ألأنه يذكرني بقيس؟*
ثم قالت: سأذهب وأحاول الإصلاح بيننا
ابتسمت له وغادرت المكان، ذهبت إلى حاسوبها لعلها تراه ولكنه لم يكن موجودًا، فغضبت ورمت لوحة المفاتيح بقوة على الأرض، ثم رمت بجسدها على السرير وغطت وجهها بالوسادة
كان قيس جالسًا في غرفته يذاكر، كان قلقًا قليلاً من أن شيماء قد حجبت بريده أو أنه لن يقابلها مرة أخرى، لكنه حاول تناسي الأمر بالمذاكرة
..::|| الفصل العشرون ||::..
عند الشاطئ بعد العشاء، استيقظت مي من نومها ولم تجد أحدًا حولها، فخرجت من الخيمة لترَ جثث الجميع ملقاة على الأرض وقد مثلت بجثثهم حتى صعب عليها التمييز بين الأشخاص، فعندما رأت منظر الجثث والدماء وأعضائهم المنتشرة في كل مكان، صرخت فزعة من هذا المنظر الشنيع...
سمع الشباب صوت صراخها فاتجهوا نحوها مباشرة، كانت مي قد استيقظت من كابوس مفزع، فهرع إليها صقر وأمسكها من كتفيها
صقر بفزع: ما بك صرخت هكذا؟
رفعت عينيها الدامعتين وقالت: أنت... أنتم ما زلتم أحياء؟
صقر: بالتأكيد... ألا تريننا؟
مي: كان مجرد حلم إذًا؟
صقر: أجل... ولكن أخبرينا لماذا دخلتِ البحر؟
هنا تذكرت مي ما رأته قبل غرقها فقالت لصقر: هل رأيته؟ أين هو؟
فالح: عن من تتحدثين
مي: رأيته، كان يقف في البحر، أردت الذهاب إليه
أدرك صقر بأن من تعنيه هو قاتل والدها فقال: كنت تتوهمين، لا يمكن له أن يكون هنا...
مي: بل كان هنا
فالح: من تعنين
صقر: لا يهـ...
قالت مي لفالح ولم تلحظ ما كان سيقوله صقر: قاتل أبي
فالح: ماذا...؟!
وضع صقر كفه على جبهتها فلاحظ ارتفاع حرارتها فقال: حرارتك مرتفعة، استرخي قليلاً وكل ما رأيته كان وهمًا
ثم قال لأصحابه: بما أن حرارة اليمامة ارتفعت سأجمع أمتعتنا ونعود إلى المنزل، نأسف على إزعاجكم
سالم: لا بأس... قد نعود نحن معك
صقر: لا داعي لذلك، ابقوا هنا واستمتعوا بوقتكم...
ثم تركهم وقام بنقل أمتعتهما إلى السيارة، وما إن انتهى عاد إلى مي ورآها نائمة، فحملها ووضعها في سيارته ثم غادر المكان...
في صباح اليوم التالي، كان قيس جالسًا على سريره ينظر إلى الحاسوب عن بعد، دخل عليه والده ورآه على هذه الحال
ناصر: ما بك يا بني؟ الطلاب ينتظرون الإجازة الأسبوعية ليقضوا وقتهم مع عائلتهم وأنت لم تخرج من هذه الغرفة طوال اليومين الماضيين!
قيس: لا أرغب في النزول الآن
ناصر: هل حدث مكروه لأحد أصحابك؟ حالك متغير اليوم
عندها دخلت شيماء الماسنجر فقفز قيس من مكانه وجلس أمام الحاسوب قائلاً بفرح: وأخيرًا دخل من كنت أنتظره!
تنهد ناصر ثم خرج وهو يقول بصوت مسموع: أتمنى أن أرى فتًا واحدًا في هذا العصر لا يرتدي النظارات، انتظر دورك يا قيس للبس النظارات أنت أيضًا
لم يبدأ قيس المحادثة، فقد خشي أن يضايقها أو أن تكون بمزاج سيء كالبارحة، لكنها بدأت الحديث
شيماء: السلام عليكم
قيس: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته –ابتسامة- كيف حالك؟
شيماء: بخير... وماذا عنك؟
قيس: في أحسن حال
شيماء: هذا جيد... بالنسبة لما قلته البارحة
قيس: أنا آسف، أعلم بأنني أكثرت من أسئلتي وتماديت
شيماء: لا، الأمر ليس كذلك، أنا المخطئة فأردت الاعتذار... أنا آسفة
قيس: لا بأس، كلانا أخطأ، ولكنه أمر جرى وانتهى
شيماء: حسنًا، نيابةً عمّا حصل سأخبرك بقصة قيس
فرح قيس وقال بصوت مسموع: أجل!!
ثم كتب لها: حسنًا، سعيد لسماع ذلك
شيماء: ولد قيس يتيمًا، فقد توفي والده عندما كان جنينًا في بطن أمه، لم تعترف به عائلته من جهة والده لأن والدته كانت أجنبية ولم يكونوا موافقين على زواجها بابنهم، أما والدته فكانت تعيش لوحدها هنا وأهلها كانوا في بلادهم، فتربى قيس فقط على يد والدته ولكنه اعتنق الاسلام لانسجامه مع أبناء الحي، أما والدته تعرفت على رجل آخر وكان يأتي إلى منزلهما كل يوم يشرب الخمر معها ويسكران، أما هو فما كان عليه سوى الانعزال عنهما، لم يملك أصحابًا في المدرسة ولم يهتم لهذا الأمر فكان طفلاً هادئًا، وأصحابه في الحي غادروا الديار، كان راضيًا بحياته هكذا ولكن الأمور ازدادت سوءً، فبعد أن تزوجت والدته ثانية قررا قتل قيس عندما وصل سنه الرابعة عشرة حيث أصبح يشبه والده أكثر، مما زاد من ضيق زوجها، لكنه علم بالأمر فحاول الهرب ولكن علما بأمره ولم يستطع الهروب فاضطر لقتلهما دفاعًا عن نفسه ومن ثم هرب ولم يمسكه أحد، وبعد ذلك قرر قتل المجرمين لكي لا يرى أطفالاً يعيشون الحياة التي عاشها... إنها قصة غريبة وقد لا تصدقها ولكن هذا ما جرى حقًا
انبهر قيس بما قرأه: *أهذه حقًا الحقيقة أم أنها كذبت علي واختلقت هذه القصة؟ وإن كانت كذلك كيف لي أن أكون ابنًا لعائلة غير عائلتي هذه ولي ذكريات معهم منذ طفولتي؟ هناك جزء ممحي من القصة!!*
ثم كتب: لم أعلم بوجود وحوش كهؤلاء...
شيماء: ولكن لو لم يحدث هذا لما قابلته في هذه الدنيا
قيس: لماذا
شيماء: إنها أمور معقدة ولا تستطيع فهمها أو تصديقها فلا يستطيع فهمها "الأطفال"
قيس: أطفال!؟
شيماء: كنت أمزح معك... لا يهم الآن، إنسَ أمر قيس وأخبرني عن حياتك
قيس: *كيف أنسى أمره؟ ما تسميه بالأمور المعقدة قد يكون مفتاح اللغز* وعن ماذا تريدينني أن أتحدث؟
شيماء: قلت لك الكثير من أسراري ولم تقل لي شيئًا، هذا ليس عدلاً
قيس: قد يكون الأمر سهلاً عندك بأن تبوحي بأسراك لأنكِ بحتيها لفتًا قبلي، أما أنا فأسراري لم أخبرها لأحد حتى الأن... فيحتاج البوح بها فترة أطول
شيماء: تعني بأنك لن تخبرني هاه! أنت مخادع
قيس: أنا مخادع؟ حرام عليك
شيماء: قلت لي من قبل اسألي عن أي شيء وسأخبرك عنه
قيس: ولكن لي خصوصياتي
شيماء: ولكنني بحت بالكثير!
قيس: أنا لم أجبرك وسألتك فقط فكان لك الخيار بالبوح أو الكتم
شيماء: ها أنت الجبان الآن تتهرب مني
قيس: أنا لم أتهرب من شيء، أنتِ لم تطلبي معرفة أمر معين
شيماء: انتصرتَ...
قيس: أرأيتِ؟
شيماء: يبدو أنني لن أتحدث عن نفسي أبدًا حتى تبوح بما عندك
قيس: وعن ماذا سنتحدث إذًا؟ عن البطل قيس؟
شيماء: ربما، لم لا؟
قيس: ما زلت متعجبًا لماذا اختاركِ أنت بالذات؟
شيماء: قد يكون السبب غريبًا بالنسبة إليك
قيس: وما هو؟
شيماء: لأنني ولدت بنفس الطريقة التي ولد بها
قيس: ماذا تعنين؟
شيماء: كلانا ولدنا في الأول من يناير مساءً وبعملية قيصرية
قيس: *هذا مستحيل!! أختي ولدت بهذه الطريقة ولست أنا*
شيماء: أخبرني... كم هو تاريخ ميلادك؟
قيس: الثالث عشر من إبريل
شيماء: مسكين، تاريخ مولدك ليس مميزًا
قيس: *ولكن يبدو أن هذا ليس بالتاريخ الصحيح كما تقولين* لا أهتم للتاريخ إن كان مميزًا أم لا
شيماء: ومن يهتم، أردت فقط إغاضتك –ابتسامة-
قيس: مشاكسة
شيماء: ماذا!؟ تتحدث وكأنك بعمر أبي، لا تنسَ بأنني أكبر منك
قيس: لم أنسَ ولكنني قلت الحقيقة... *هل أحدثها بأمر الصحف! بالتأكيد سمعت بخبر ذلك المجرم الذي يبحث عني!!* أود أن أسألك
شيماء: إن كان سؤال عني فلن أجيب عنه حتى تخبرني بأسرارك أما إن كان عن أمر آخر فسأجيب
قيس: لا... ليس بأمر خصوصي ولكن لنتعرف على بعضنا أكثر لا غير
شيماء: وما هو؟
قيس: هل تقرئين الصحف؟
شيماء: لا
قيس: ولا تشاهدين الأخبار؟
شيماء: لا... لا أحب الأخبار أولاً، وثانيًا لا أملك الوقت الكافي... ولمَ تسأل؟ أأنت مهووس بالأخبار كالشيوخ؟
قيس: لا ولكن هناك خبر منتشر يذكرني بك
شيماء: وما هو... لحظة قليلاً
قيس: ماذا؟
شيماء: يبدو أن أحد يتجسس على حاسوبي
قيس: ماذا؟!
شيماء: أحدهم يرسل الفايروسات! أهو أنت يا عبد الله!!
قيس: بالتأكيد لا
ولكن لم تصلها آخر رسالة كتبها
قيس: تبًا!! *ما الذي حدث لحاسوبها!! ألم يتعطل إلا في هذه اللحظة؟!!*
نهض من الكرسي وهو غاضب ولكنه حاول الالتزام بحلمه... أما شيماء فثار غضبها وقامت تحاول فتح الحاسوب ولكنه تعطل كليًا! فبدأت تركله وهي غاضبة حتى سقط ثم خرجت من غرفتها
رآها فيصل وهي بهذه الحالة فسألها: ماذا حدث لك؟ لماذا كل هذا الغضب؟ هل تصالحتِ مع صديقتك؟
شيماء: أجل ولكن الحاسوب اندمر وقطع المحادثة
فيصل: المهم أنكما تصالحتما أما الحاسوب فسأصلحه لك
شيماء: وهل تجيد التصليح؟
غمز لها فيصل وقال: كيف لا وهذا عملي؟
شيماء بفرح: شكرًا لك
عاد عمها إلى غرفته وأخذ عدته اللازمة وفتح الحاسوب ليصلحه، ظل عليه دقائق ثم قال: هناك قطع تحتاج إلى تغيير... سأشتري القطع فيما بعد، أمن المهم استخدامه الآن؟
شيماء: لا، فلا أملك عملاً عليه الآن
فيصل: إذًا سأشتريهم غدًا، قد أنسى فذكريني، فأنا كثير النسيان
شيماء: حسنًا
..::|| الفصل الحادي والعشرون ||::..
بعد صلاة العصر، عاد صقر إلى منزله وأخذ مي إلى المستشفى، وفي طريقهم
مي: آسفة صقر... أفسدت رحلتك
صقر: لا داعي للاعتذار فأنت لم تجلبي المرض لنفسك
سكتت مي لفترة ثم سألت: هل وجدت شيئًا عنه؟
صقر: حتى الآن، لا
مي: أشعر بأنني لن أجده أبدًا
صقر: بل سأحضره لك، أعدك
مي وهي تنظر إلى وجه صقر وهو ينظر إلى الطريق: *لماذا هو متحمس للأمر كثيرًا؟*
عند المساء...
فيصل: شيماء، ما رأيك أن نخرج للعشاء في مطعم ما
شيماء: ولماذا لا أطهو الطعام هنا؟
فيصل: أحب الأكل في المطاعم
شيماء: *لهذا أنت سمين* حسنًا، فقط أرتدي ملابسي وآتي إليك
خرجا سويًا وكان ذلك اليوم هو بداية تغير حياة شيماء، حيث أن فيصل أراد أن يعوض سنوات الوحدة التي عاشها، فأصبح يأخذ شيماء كل يومٍ إلى مكان ما ولا يجلسان في المنزل إلا دقائق معدودة أو للنوم، وأحيانًا يذهبان إلى زيارة محمد في المشفى... مضى يومان وكان فيه قيس يقضي معظم وقته في الدراسة وينتظر عودة شيماء، أما مي فشفيت وعادت نشيطة كالسابق، وشيماء نسيت أمر الحاسوب بعد أن ألهاها عمها بالجولات التي كان يأخذها فيها... وبينما كانت شيماء ترتب غرفة نومها، رأت الحاسوب وهو ملقى على الأرض فتذكرت ما كان سيقوله عبد الله (قيس) ولكن تعطله أفسد الأمر، فخرجت من الغرفة وذهبت إلى غرفة عمها وطرقت بابه
فيصل: تفضلي
دخلت شيماء وسألته: عمي، هل اشتريت القطع؟
فيصل: قطع ماذا؟
شيماء: أنسيت؟ قطع الغيار لحاسوبي
فيصل وقد لطم جبهته: أووووووه نسيييييت!!! لماذا لم تذكريني؟
شيماء: أنت أنسيتني اسمي من كثرة أخذي معك للتنزه، جعلتني أرى أماكن لم أرها من قبل
فيصل: هذا جيد إذًا فقد استمتعت
ابتسمت له وقالت: بالتأكيد... -ثم عاد وجهها الطبيعي- ولكن ماذا عن الحاسوب؟
فيصل: غدًا بعد الدوام سأشتري القطع في الطريق وسأعود لأصلحه
شيماء وهي ذاهبة: ولكن احذر وأنت تقود السيارة لكي لا تقع في حادث مروري ويبقى حاسوبي معطل طوال حياته
فيصل: فأنتِ تخافين على حاسوبك أكثر مني؟
شيماء بابتسامة عريضة: أمزح معك، تصبح على خير
فيصل: تصبحين على خير
اتجهت شيماء إلى غرفتها وارتدت ملابس النوم وخلدت في نومها حتى الصباح، نهضت وأكلت فطورها ثم ذهبت إلى الجامعة... أما قيس فنهض من نومه وذهب إلى غرفة أخته ليوقظها، دخل عليها فرآها تهتز وهي على فراشها وكأن بها جان، فخاف عليها وجرى نحوها يحاول إيقاظها
قيس بصراخ: شيماء ما بك!! اصحي من نومك!! شيماء!!!
لم تستيقظ فبدأ قيس يتلفت يمينًا ويسارًا بحثًا عن كوب ماء ليسكبه على وجهها، فلم يجد واحدًا فاتجه نحو الباب جريًا ليجلب الماء ولكن شيماء صرخت فجعلته يدير رأسه وينظر إليها، فرآها جالسة في مكانها مرتعبة وهي ممسكة بقلبها
فاقترب منها وهو يحدثها: شيماء، ماذا حصل؟!
لم تقل شيئًا ولكنه لاحظ اللعاب يسيل من فمها وفجأة بدأت تتقيّأ
فأسرع إليها وأمسكها من كتفها وبدأ يحدثها بصراخ وفزع: هدئي من روعك يا شيماء، ماذا رأيتِ هذه المرة أيضًا؟!!
كانت شيماء تعبة ولم تجبه فقال لها: أنا ذاهب لأخبر أبي بالأمر ليأخذك إلى طبيب
ثم أراد تركها ولكنها أمسكت بيده قائلة: لا داعي لذلك، أنا بخير ولكن ما رأيته جعلني أتقيأ
قيس: وماذا رأيتِ؟
شيماء: كالعادة، رأيتك تقتل، ولكن هذه المرة فتاة مراهقة وقتلتها بصورة مشمئزة!!
قيس: أما زلت ترين هذه الكوابيس؟ انسي الأمر وانهضي للاستحمام، أنا سأنظف لك فراشك
اتجهت نحو الحمام أما هو فحمل المفارش وخرج من الغرفة، فرأته والدته
خلود: ما هذا؟ لماذا تبدل سرير أختك؟
قيس: نهضت من كابوس فتقيّأت عليه
خلود: يا إلهي! وهل هي بخير الآن؟
قس: أجل ولله الحمد، ذهبت لأخذ حمامًا
خلود: هذا جيد
بعد أن انهى قيس من ترتيب الفراش نزل الدرجات ليتناول الفطور مع عائلته، كان يمرر ناظريه إلى والديه وهما يأكلان، ولم يتناول شيئًا بعد، فنظرت إليه أمه متعجبة
خلود: ما بك يا قيس؟ لماذا تنظر إلي هكذا؟
قيس: كنت أفكر... لماذا أنا لا أشبهكما...؟ وبالتحديد، من أين ورثت العين الزرقاء؟
خلود: وما أدرانا؟ خلقك الله هكذا!
قيس: هناك سبب بالتأكيد... أيعقل أنني لست ابنكما؟
سقطت الملعقة من يد شيماء عندما سمعت أخاها يقول ذلك، فغضبت والدته منه وقالت: ما الذي تقوله! أنت ابننا بالتأكيد! ما هذا الكلام الفارغ؟
قيس: وقيس... لماذا اخترتما لي هذا الاسم الغريب؟ أنا الشاب الوحيد في البلاد الآن الذي يملك هذا الاسم
بدأ كل من والديه ينظر إلى الآخر، فتعجب من نظراتهما فسألهما: ما الأمر؟ لماذا تنظران إلى بعضكما هكذا؟ أقلت شيئًا غريبًا؟
ناصر: لماذا أتت هذه الأسئلة في ذهنك الآن؟
قيس: أليس لي الحق بأن أسأل؟ فهذه أمور غريبة حقًا
خلود: حلمت بالاسم
قيس: حلمتِ؟
خلود: أجل، عندما كنت حاملةً بك، رأيت في منامي أنني أملك فتًا في الخامسة والعشرين من عمره تقريبًا... وكان أزرق العينين ويشبهك تمامًا، وكنت أناديه باسم قيس... ولكنني لم أبالي بالحلم كثيرًا فقد وجدته غريبًا وحتى عندما أخبرت ناصر بالحلم طلب مني أن لا أبالي له أيضًا وعساه أن يكون خيرًا...
ناصر: ولكن عندما ولدت ورأينا عينيك فتعجبنا من الأمر وتذكرنا الحلم فأسميناك قيس...
قال قيس بتعجب: هكذا إذًا... أمر غريب *خمس وعشرون عام... أقد يكون عمر قيس الذي كان يتردد إلى شيماء منذ طفولتها؟ ولكن كيف؟!!*
ناصر: لقد نسيت...!
قيس: ماذا؟
ناصر: في اليوم الذي ولدتك أمك، وقبل الولادة بساعات قليلة كنت نائمًا فرأيت في منامي شيئًا غريبًا أنا أيضًا، كان هناك رجل وسيم وجسمه جميل ورياضي أعطاني طفلاً وكان ذلك الطفل هو أنت، وقال لي بأن أهتم بك فأنت أمانة عندي، وقال لي الرجل اسمه... كان اسمه... نسيت
خلود: ألم يكن سيف؟
ناصر: ربما لا أذكر...
قيس: سيف؟ *يبدو من حديثهما أنهما صادقين وأني ابنهما... ولكن من سيف؟ أيعقل أنه والد قيس الذي تعرفه شيماء؟ لا لا فأنا قيس نفسه الذي تعرفه... سأسألها ولكن متى ستدخل؟*
ثم نهض قيس من مكانه وحمل كتبه: إلى اللقاء، أنا ذاهب الآن
ناصر: لم تأكل بعد!
قيس: لست جائعًا، سآكل في المدرسة فهناك فسحة فلا تخافا علي... لن أموت جوعًا –ثم غمز له وابتسم-
خلود: رافقتك السلامه
خرج قيس من المنزل وإذا به يجد إبراهيم أمام وجهه
قيس: بسم الله! ما الذي أتى بك؟
إبراهيم: أردت الذهاب معك اليوم إلى المدرسة
قيس: لماذا لم تدخل المنزل وبقيت في الخارج
إبراهيم: وصلت لتوي
قيس: إذًا لنذهب
وبينما كانا يمشيان...
إبراهيم: هل قالت لك شيماء شيئًا قيمًا؟
قيس: ليس بعد... ما زلنا في بداية المشوار *لا أستطيع البوح بما قالته شيماء حتى أعرف كل شيء*
إبراهيم: هذا سيء... إذًا فقد ذهبت نقودك سدًى
قيس: لا، لا تقل ذلك، فقد أصبحنا أصدقاء، فهي لطيفة جدًا
إبراهيم: لا يبدو عليها اللطف، تبدو عصبية
قيس: قليلاً
إبراهيم: حظًا موفقًا، فلا أريد معرفة المزيد في هذا الأمر، مللت منه
قيس: هذا أفضل حتى لا تزعج نفسك
عند الساعة العاشرة، استقبل هاتف قيس رسالة حيث أخذ معه هاتفه هذه المرة إلى المدرسة
إبراهيم: من يرسل الرسائل في هذا الوقت؟
قيس: وما أدراني
فتح الرسالة وكان محتواها "أنا ووالدتك ذاهبان إلى الشمال لزيارة جدتك فهي متعبة جدًا، قد لا نعود حتى المساء فاحضر أختك من مدرستها"
قيس: إنها من والداي يريدان مني أن اصطحب شيماء من مدرستها
إبراهيم: وأين ذهبا؟
قيس: ذهبا لجدتي فقد مرضت
إبراهيم: شفاها الله
forst dark
05-09-2009, 04:35 AM
مو معقول!!!أنا أستنى من يومين التكملة أرجو أن لا تتأخري أكثر
sensei
05-09-2009, 04:56 AM
يا اختي نحن في رمضان @@ شهر العبادة والغفران... قد أتأخر بعد وضع هذه الفصول فلم أكتب السادس والعشرون بعد
لك هذه الفصول حتى الخامس والعشرين
____________________________________
..::|| الفصل الثاني والعشرون ||::..
عند الساعة الثالثة عصرًا، عاد فيصل ومعه قطع الغيار وقام بتصليح حاسوب شيماء
قفزت شيماء عليه وضمته: أشكرك
فيصل: لا شكر على واجب
شيماء: يبدو أن أحد المواقع التي كنت أتصفحها كانت السبب ولم يكن أحد قراصنة الحاسوب
فيصل: وكيف عرفت ذلك
شيماء: فتحت الموقع نفسه على حاسوب الجامعة ولكن الحاسوب كان محمي ببرنامج ضدهم فأعلمني بذلك
فيصل: هكذا إذًا... حسنًا أنا ذاهب لأرتاح، استمتعي به
شيماء: حسنًا، وشكرًا لك مرة أخرى
ما إن خرج عمها قفزت إلى الحاسوب وفتحت الماسنجر وكان كالعادة قيس متصل
شيماء: السلام عليك
قيس: وعليك السلام، مضى وقت طويل، هل دمر حاسوبك كليًا؟
شيماء: أجل، وأخذ وقتًا لتصليحه
قيس: فهمت...
ثم تذكر قيس حوارًا دار بينه وبين أخته شيماء بعد أن عادا إلى المنزل...
[قيس: شيماء، هل لكِ أن تخبريني ماذا رأيت اليوم في منامك؟
شيماء بوجه مرتبك: حسنًا... رأيتك تدخل من شباك غرفة فتاة تدعى سعاد، ولكنها لم تلحظ وجودك وكأنها لا تراك، أقفلتَ الباب ثم رميتَ المفتاح من الشباك، فخافت وبدأت تستنجد بأهلها وتضرب الباب، ولكنك سحبتها من ساقها وأسقطتها أرضًا ثم أخرجت سكينًا وقمت بشدخ ساقها كاتبًا (هذا من أجل شيماء)، ومن ثم طعنتها في بطنها لأنها كادت أن تصرخ باسم شيماء فصمتت بسبب ألم الطعنة ووجدْتها فرصة لقطع لسانها فقطعته، بعدها وقفت بصعوبة وأرادت كتابة رسالة ولكنك بدأت تكسّر أصابع كفيها واحدًا تلو الآخر ثم قطعت ساقها لكي لا يراها أحد ويقرأ ما عليها وشوهت وجهها بالسكين وفقعت عينها، وبالنهاية حملت ساقها المقطوعة ونزلت من الشباك متجهًا نحو المطبخ وفرمت رجلها بمفرمة اللحم أما هي فماتت من النزيف الشديد]
ثم قال قيس لشيماء: شيماء... لدي بعض الأسئلة... عن قيس
شيماء: يبدو أنك معجب بقيس حقًا... لا بأس اسأل
قيس: هل قتل قيس يومًا عدوًا لك من أجلك؟ وإن كان كذلك، هل أنت من أمره بذلك؟
شيماء: سؤالك غريب، ولكن سأجيب عليه، لقد قتل مرة فتاة كانت تدرس معي وكانت تضايقني لسنوات عدة، ومرة تسببت بفقد أغلى ما عندي وهي سكين كانت هدية من قيس، كذبت على والدتي وقالت بأني آذيتها بها فأخذتها والدتي مني، فذهبت حينها إلى قيس وعزمت بأن أقتل تلك السافلة سعاد، لكنه لم يسمح لي بأن أقتل وغضب من صنيعها فقتلها، ارتحت من إيذائها لي، ليته يقتلها مرة أخرى
قيس: ماذا تعنين بـ "يقتلها مرة أخرى"؟
شيماء: أعني أن أراها تتعذب مرة أخرى وهو يقتلها
قيس: وهل عذبها أيضًا؟
شيماء: أجل، بدأ بشلخ ساقها ثم طعنها وقطع لسانها وهشم عظامها وشوه وجهها المغترة به وانتهى بفرم رجلها، عندما سمعت بما فعله سعدت كثيرًا، كانت تسكن في المنزل المقابل لمنزلنا ودائمًا تنشر الإشاعات عني، فوصفتني بالسافلة، تظنني مثلها، كنت أتعارك معها دائمًا ولكن عندما يكون قيس بجواري يمنعني من ذلك
قيس: *إذًا ما رأته أختي كان حقيقة، ولكن كيف حدث ذلك وكنت في الرابعة عشرة كما وصفت أختي شيماء! لحظة! سعاد... ألم يكن اسم جارتها التي قادتني إلى عنوانها؟ وكانت تقذف شيماء أيضًا! أيمكن أن تكون... عادت إلى الحياة!!؟ أهذا ما تعنيه بأن يقتلها مرة أخرى؟ مستحيل! ما هذا الهراء؟*
شيماء: لماذا سكتّ؟
قيس: لا أملك شيئًا أقوله... ولكن لدي سؤال آخر... هل وصف لك قيس شكل والده؟
ثم قال مباشرة: أوه نسيت، لقد توفي قبل أن يولد
شيماء: ولكنه وصفه لي، رأى صور له بالتأكيد، كان رجل وسيم يشبهه وذو جسم مقسم، يدعى سيف
قيس: *لا يمكن هذا! إنه الرجل الذي رآه والدي بالمنام!*
شيماء: هل لي أن أقول شيئًا؟ منذ أن دخلت وأنت تتحدث
قيس: تكلمي.. آسف لكثرة أسئلتي ولكنني كنت أفكر بهذه الأمور
شيماء: لا بأس، ما أريد قوله هو ماذا كنت ستقول قبل أن يتعطل حاسوبي؟
قيس: أوه، عن الخبر...
شيماء: أجل
قيس: هناك جرائم قتل منتشرة يبدو أن قاتلهم رجل واحد، يقتل الرجال ويقلع أعينهم ويضع مكانها كرات زجاج زرقاء بلون عيني قيس كما رأيتها في لوحاتك، ويكتب بالدم جمل كـ(تعال إلي أيها القاتل) و (أين أنت) و (أين أنت يا ذو العينين الزرقاوتين)... أظنه يعني قيس، قتل حتى الآن على ما أظن سبعة رجال
شيماء بتعجب: لم أسمع بهذا الخبر من قبل
قيس: ألا تصدقين؟ ها هو رابط الصحف
ثم أرسل لها رابط الصحيفة المحلية وبها كان الخبر، ما إن قرأت شيماء الخبر خافت بشدة على قيس فهو الآن لا يعرف أي شيء عن ماضيه كما تظن، فتركت الحاسوب مباشرة وارتدت عباءتها وخرجت من المنزل وركبت سيارتها، أما قيس فواصل حديثه
قيس: أين ذهبتِ؟.... هل قرأتِ الموضوع؟.... هاي شيماء....
بقي قيس في مكانه وترك المحادثة مفتوحة، وأمسك كتابًا وبدأ يقرؤه وهو ينتظر ردًا منها، أما شيماء فاتجهت مباشرة نحو منزل قيس، ما إن وصلت نزلت سيارتها ودقت الجرس دون تردد، فتحت لها شيماء الباب
شيماء ناصر: مرحبًا –ثم تغيرت ملامحها- *هذه الفتاة!!*
شيماء محمد بصوت متقطع وأنفاس ثقيلة: هل قيس موجود؟
شيماء ناصر: أجل، إنه في غرفته، ولكن أ...
لم تنهِ الصغيرة شيماء حديثها إلا دخلت شيماء محمد المنزل واتجهت مباشرة إلى غرفة قيس، فتحت باب غرفته فالتفت ليرَ الداخل فارتبك عندما رأى شيماء، فأغلق المحادثة مباشرة ونهض من الكرسي ووقف في مكانه متعجبًا ومنبهرًا من وجودها في منزله
قيس: *ما الذي أتى بها إلى هنا؟*
اقتربت منه أكثر فعاد بخطواته إلى الخلف، أمسكت بكتفيه وقالت بفزع: قيس! هل اعترض أحد طريقك؟ هل حاول أحد إيذاءك أو هددك؟
قيس: *ما بها تمسك بي دون خجل؟ ولماذا تتحدث هكذا! هل جنت عندما قرأت الخبر؟*
ثم قال لها: لا... ولكن... هل لك أن تبعدي يديكِ عني؟
أدركت شيماء بأن قيس الذي أمامها ليس بقيس الماضي فابتعدت عنه وقالت: أنا آسفة... أعلم أنك لا تعرف من أكون ولكن، أود إخبارك بأن هناك أحد يطاردك، يريد الانتقام
قيس: الانتقام؟
شيماء: أردتك أن تنسى الماضي وأن لا تعره اهتمامًا ولم أرغب بأن أحدثك أو أحاول أن أذكرك به ولكن، يبدو أنني يجب أن أخبرك لكي تأخذ الحذر
أتت شيماء الصغيرة من خلفها وسألتها: أأنت شيماء نفسها -التفتت إليها شيماء محمد- التي كان يزورها أخي قيس في غرفتها؟
تعجبت شيماء مما قالته فلا أحد يعرف عن هذا سواها وأحمد، حتى قيس نفسه لا يذكر ذلك، فقال قيس ليسكتها: شيماء، قلت لك إنها مجرد أحلام
شيماء ناصر: ولكن...
قاطعتها شيماء محمد: أجل... –ثم جلست أمامها- من الذي أخبرك؟
شيماء: رأيته بنفسي، أراك أنتِ وأخي في المنام وأحيانًا وأثناء اليقظة، رأيت الكثير من الأحداث منذ أن كنتِ طفلة حتى كبرتِ... من أنتِ؟
نهضت شيماء وقالت: أظن أن أختك ستفيدك أيضًا، يجب أن نتحدث سويًا...
سارت شيماء أمامهما ولحقاها، اتجهت نحو غرفة المعيشة وجلست على الأريكة، نظرت إلى اللوحة المعلقة التي رسمتها له في الماضي، جلست شيماء أخت قيس بجانبها وبدأت تنظر إليها وهي تتأمل اللوحة، أما قيس فظل واقفًا ينظر إليها بتعجب: *كيف تسير في المنزل وتعرف ملحقاته على الرغم من أنها المرة الأولى التي تدخله؟*
شيماء محمد: هذه اللوحة، أتذكر عندما أهديتها لك؟
قيس: لا
شيماء: قد تبدو لوحة عادية الآن لكنها كانت غالية عليك في الماضي
قيس: ماذا كانت أمنيتي حينها؟
شيماء: هاه؟!
قيس: قلت في اللقاء الذي وضع بالمجلة بأن اللوحة كانت عن حلمي فأعجبتني كثيرًا عندما أهديتني إياها، أنا لا أرَ بها شيئًا مميزًا... فأين الحلم؟
شيماء: هل قرأت...؟!
قاطعتها شيماء الصغرى قائلة: (سيأتي اليوم الذي سنرى فيه ضوء الشمس ينير السماء الزرقاء معًا)
التفت إليها شيماء بتعجب: هذه الجملة... أنا من قالها لقيس في الماضي!
شيماء ناصر: رأيت ذلك... الآن... ولكن ما معنى هذا الكلام؟ ألم يستطع قيس رؤية السماء؟ وما المانع في ذلك؟ لم أفهم كل شيء جرى بينكما...
قيس بتعجب: أهذا كان حلمي؟ ها أنا أرى السماء كل يوم فماذا كنتِ تعنين؟
شيماء محمد: لو كنت تعيش في الفترة المسائية فقط، ألن تتمنى أن ترى النهار؟
قيس: أكنت أعيش في الليل فقط؟ وأين أكون في النهار؟
شيماء: نائمًا... لا يستطيع أن يوقظك أحد
قيس: نائمًا!؟ وكيف عدت طبيعيًا؟
شيماء: ولدت من جديد
تعجب قيس ولم يستطع قول شيء...
شيماء: علي أن أخبرك بتفاصيل ما حدث
ثم رن هاتف المنزل فقالت شيماء ناصر: أنا سأجيب عليه
وتركت المكان، فوجد قيس فرصته ليتحدث بطلاقة فلم يشأ أن يدخل في التفاصيل وأخته الصغرى جالسة بينهما: كنت أقتل المجرمين لأنقذ الأبرياء ولم أكن أملك أصحابًا، وفي الحقيقة لم أكن ابن هذه العائلة بل كنت ابن سيف وامرأة أجنبية لا أعرف اسمها حتى الأن... كنت أزورك كل ليلة عبر نافذة غرفتك وهناك أمور كثيرة جرت بيننا أليس كذلك
شيماء بتعجب: هل تذكرت الماضي!!
قيس: لا، بل أنتِ أخبرتني بذلك...
بدأت شيماء صامتة لدقائق تفكر ثم قالت متعجبة: أأنت عبد الله؟
قيس: أجل
شيماء: ألهذا كنت تسأل كثيرًا عن قيس!! ولكن لماذا فعلت ذلك؟
قيس: منذ أن قابلتك في الحديقة، لم أعرف في بادئ الأمر أين رأيتك، ولكن بعد مغادرتك تذكرت هذه اللوحة، فعزمت على نفسي بأن أقابلك... يبدو أن علاقتي بك كانت قوية جدًا، فعند التفكير بك أشعر بأنني أصبح شخصًا آخر...
أتت أخته شيماء وقالت: المتصل كان والدي، قال بأنهما في طريقهما للعودة، وأحضرا جدتي معهما
شيماء محمد: يبدو أنني سأذهب الآن، ولكن سأعود لأحضر لك مدونة كتبتها منذ عامين تحتوي على قصتي معك بأكملها... قد تفيدك كثيرًا... وأرجوك، لا تخرج من المنزل كثيرًا فأخشى أن يراك ذلك الشخص الذي ينوي القضاء عليك، سأبحث في الأمر ولن أرتاح حتى أعرف من يكون هذا القاتل
قيس: حسنًا، أنتظر لقاءنا القادم
شيماء: مع السلامة
قيس وشيماء: مع السلامة
خرجت شيماء من منزل قيس ودخلت سيارتها، أمسكت الهاتف وأوشكت على الاتصال بطبيبها أحمد، ولكنها ترددت *هل أخبره بما جرى بيننا؟ هل آخذ رأيه في إخبار قيس بالماضي...؟ لا أظن أن أحمد سيؤيد هذه الفكرة... ولكن سأخبره*
..::|| الفصل الثالث والعشرون ||::..
اتصلت بأحمد بينما كان في عمله مع أحد المرضى، فاستأذن من المريض وأجاب على شيماء: السلام عليكم
شيماء: وعليك السلام
أحمد: آسف ولكنني مشغول الآن، سأتصل بك لاحقًا
شيماء: لا بأس إلى اللقاء
أحمد: مع السلامه
أغلقت الهاتف وقادت سيارتها نحو منزلها... وصلت المنزل ونزلت من السيارة، كانت في ضيق شديد وفي مزاج سيء، بالإضافة إلى قلقها على قيس ومن يكون ذلك الرجل الذي يسعى وراءه، عندما دخلت المنزل كان عمها آتٍ من المطبخ يحمل شطيرة جبن في يده، فرآها وهي بذلك الوجه العابس فاقترب منها
فيصل: خيرًا يا شيماء؟ خرجتِ للتو على عجلة والآن أتيتِ بلون مختلف!
شيماء بضيق وهي تجلس على أريكة غرفة المعيشة: لا أعرف ماذا عساي أن أفعل
فيصل: لماذا؟ ما الأمر؟ قد أستطيع مساعدتك...
شيماء: لا تستطيع، أعلم ذلك
فيصل: قولي لي ما المشكلة، قد أستطيع جربي
شيماء: لا أريد... أمر خاص
ابتسم فيصل وقال: هكذا إذًا... لماذا لم تقولي ذلك من قبل؟
وقفت شيماء من مكانها متجهة نحو الغرفة وهي تقول: لأنك حقًا لا تستطيع فعل شيء... أنا ذاهبة لأسترخي...
قال فيصل في نفسه وهو ينظر إلى ظهرها بتعجب: *إنه تحبيط شديد لي*
استلقت شيماء على سريرها وبدأت تتأمل السقف، بدأت عيناها تدمع وهي تحدث نفسها: *لا أستطيع مقابلة قيس مرة أخرى!! أمر صعب... لا أستطيع الحديث معه وكأنه رجل غريب... نظراته لي وأسلوبه في مخاطبتي يخاطبني وكأنه رجل غريب، لا أحتمل هذا!! ولكن علي أن أساعده وأن لا أتركه بمفرده*
قطع تفكيرها هاتفها عندما أتاها اتصال من الطبيب، فجلست في مكانها وأخذت الهاتف بيمينها وأجابت عليه...
شيماء: مرحبًا...
أحمد: مساء الخير يا شيماء
شيماء: مساء الخير... كيف حالك؟
أحمد: بخير وأنت؟
شيماء: لا أعلم
أحمد: كنتِ تبكين أليس كذلك؟ ما الذي حدث لكِ؟
شيماء: هناك مجرم يطارد قيس فاضطررت لمقابلة قيس لتحذيره! أحمد... لا أستطيع احتمال مقابلة قيس وهو يجهل من أكون ولكنني قررت أن أخبره بالماضي
أحمد: لماذا يوجد هناك شخص يطارد قيس؟ أليس من المفترض أن الجميع لا يعلم بأن قيس كان قاتلاً؟
شيماء: هذا ما يحرني... أريدك أن تبحث معي أرجوك... أريد أن أعرف من يعرف عن ماضي قيس؟ وهل هناك أحد من الضحايا لم يعد على قيد الحياة؟ لأنه لو عاد الجميع لما أدرك أحد أن قيس قاتلاً!! أظنك تجيد هذه الأمور فأرجوك ساعدني
أحمد: حسنًا حسنًا... سأبحث لك فورًا!!
شيماء: أشكرك
أنهت شيماء مكالمتها مع الطبيب بعد أن ودعته ونهضت من مكانها باحثة عن المفكرة التي كتبت بها قصتها حتى وجدتها داخل الدرج...
شيماء: *علي أن آخذها إليه ولكن لا أريد مقابلته!!*
وضعت المفكرة في حقيبتها ثم اختبأت تحت فراشها وغطت وجهها
عند المساء في منزل صقر... كانت مي غارقة في نومها، فدخل عليها صقر بهدوء لكي لا يوقظها، فتح قنينة الكرات الزجاجية التي تحوي الكرات الزرقاء المطابقة للون عيني قيس، فأخذ اثنتين ووضعهما في جيبه ثم أغلق القنينة وخرج دون أن تشعر مي به.
خرج من النزل ذاهبًا إلى حي بعيد، نزل من سيارته في مكان مظلم خالٍ من البشر، ولكن كان هناك رجلاً واحدًا يقف هناك وكأنه ينتظر أحدًا، فعندما رأى صقر قال له: صقر؟! ما الذي تفعله هنا؟
صقر: اعتذر حسام عن المجيء وطلب مني مقابلتك نيابة عنه
الرجل بتعجب وهو ممسك بذقنه: هذا غريب! -ثم رفع عينيه ونظر إلى صقر- وماذا أراد مني؟
أدخل صقر يده في جيبه وأخرج مسدسًا ووجهه نحو الرجل قائلاً: أن أقتلك!
ارتعب الرجل وكاد أن يهرب ولكن ما إن أنهى صقر جملته لم يمنح له فرصة للهرب أو النقاش وباشر بإطلاق النار على رأسه، فسقط الرجل ميتًا.
اقترب منه صقر وبدأ يركله ليتحقق من موته، ثم جلس أمامه وأخرج سكينًا من جيبه الآخر وبدأ يعبث في عينيه ليخرجهما ووضع مكانيهما الكرتين الزجاجيتين، ثم أخذ بأحد العينين وهي مغطاة بالدم ليكتب بها على ثوب الرجل (إن لم تأتِ إليّ فأنا سآتيك)، ثم وقف من مكانه وغادر الحي بعد أن جمع أدواته.
في صباح اليوم التالي، بينما كانت شيماء غارقة في نومها عند الساعة التاسعة، أيقظها هاتفها المحمول عندما أتاها اتصال مفاجئ من أحمد. فتحت عينيها بتعب ونظرت إلى الهاتف، فأمسكت به وجلست ثم أجابت عليه...
شيماء بتعب وثقل: صباح الخير
أحمد: صباح الخير... آسف يبدو أنني أيقظتك من نومك
شيماء: لا بأس...
أحمد: لكنني وجدت أمرًا مهمًا بخصوص ما طلبته مني
شيماء وقد اعتدل صوتها وعادت حيويتها: وجته!! أعرفت من المجرم؟
أحمد: من بين الضحايا الذين قتلهم قيس واحد منهم لم يعد للحياة
شيماء: مستحيل!!
أحمد: بل يستحيل... أتذكرين آخر ضحية قتلها، كان رجل قتله قبل وفاته وأخذ رأسه معه إلى مركز الشركة
شيماء: أجل أجل أذكره...
أحمد: هذا الرجل ما زال ميتًا والقاتل مجهول، الخبر يقول أن الجسد وجدوه في فناء منزله أما الرأس فكان أمام مركز الشرطة، أما بالنسبة لجثة قيس والكلام الذي كتبه مسبقًا لم يكن موجودًا!!
شيماء: هكذا إذًا... حقًا إنك رائع يا أحمد! وجدت كل هذه المعلومات بكل سهولة!؟ أنا لم أنم جيدًا البارحة وأنا أبحث ولم أجد شيئًا
أحمد: قولي ما شاء الله قبل أن يحدث لي مكروه
شيماء: ما شاء الله، ما شاء الله
أحمد: ولكن أتساءل لماذا هذا الرجل بالذات؟
شيماء: ربما لأن قيس قتله بعد أن فات الأوان
أحمد: فات الأوان؟ ماذا تعنين بذلك؟
شيماء: هناك أمر لم أخبرك به حتى الآن، قيس لم يكن يقتل عبثًا أو لنشر السلام في الدولة فقط، بل كان عليه أن يقتل ليعيش فهو كالماء والهواء الذي لا يستطيع التخلي عنهما، لم يخبرني بذلك إلا قبل وفاته بدقائق معدودة، وكان سبب موته هو لعدم قتله أي شخص لمدة طويلة، وقبل أن يموت استطاعت والدتي مشاهدته فقال لي (إذًا لا فائدة الآن من القتل فلن يجدي ذلك نفعًا) ولكنه فيما بعد قتل ذلك الرجل...
أحمد: تحليلك منطقي... إذًا هذا يعني أن قيس ما زال قاتلاً ومطلوبًا لدى العدالة
شيماء: لا تقل هذا! قيس حتمًا لا يذكر شيئًا وربما يملك دليلاً قاطعًا يثبت المكان الذي كان فيه عند حدوث الجريمة، قلت لك من قبل، قيس ليس بقيس الذي كنا نعرفه
أحمد: هذا صحيح...
شيماء: أعطني اسم الضحية كاملاً سأبحث عنه
أحمد: لا داعي لذلك، فقد بحثت عنه قبلك
شيماء بتعجب: وهذا أيضًا!!
أحمد: *سأصاب بعين من قبلها* هل سمعتي بالفتاة التي اختفت من الميتم؟
شيماء: كلا... وما علاقتها في الموضوع؟
أحمد: الرجل يدعى قاسم قطري الجنسية وتوفي وهو في الحادي والأربعين من العمر، كان يعمل في الشرطة وهذا ما يجعل من كشف ما كان سيفعله أمر صعب، فلو كان مجرمًا مكشوفًا لما بقي في عمله حتى آخر لحظة، يقال أنه عندما توفي كانت بجانبه بندقية، وأغلب الظن أنها وقعت منه فكانت بصماته فقط عليها، وأيضًا قُتل قاسم بالسكين وليس بسلاح ناري، ولم يملك عائلة سوى ابنة صغيرة وتوفي بينما كانت في الرابعة، يقال أنها رأت المجرم وشهدت وفاة والدها، وبعد عامين أي في هذا العام وبالتحديد منذ أسابيع قليلة فُقدت الفتاة ولم يتم العثور عليها بعد، لا نعلم إن كانت اختطفت أو أنها هربت بإرادتها
شيماء: بما أنها شهدت الجريمة ربما ما زالت تذكر قيس... لأن الاحتمال الأكبر هو أنه لم يكن هناك شاهد آخر للجريمة، ولكن من المستحيل أن تقتل فتاة في السادسة رجال بعمر والدها!!
أحمد: أظن أن هناك من يعتني بها الآن ليأخذ منها المعلومات عن قيس...
شيماء: أيريدان الانتقام؟
أحمد: هذا أغلب الظن
شيماء: ولكن إن كانت قد شهدت الجريمة فلا بد أنها تعرف السبب الذي جعل قيس يقتله
أحمد: هذا صحيح... ولكن هناك أمر غريب، قيل أنها لم تشأ أن تذكر صفاته أبدًا للشرطة وغالب الظن هو خوفها من أن يأتي لقتلها إن أباحت بأمره للشرطة، حتى أنها لم تقدر عمره لهم أو ماذا كان يرتدي على الأقل!
صمتا للحضات ثم قالت شيماء: حسنًا إذًا، شكرًا على كل شيء
أحمد: لا شكر على واجب
شيماء: إلى اللقاء
أحمد: مع السلامه
..::|| الفصل الرابع والعشرون ||::..
بعد أن أغلقت الهاتف، بدأت تستعد للخروج، فأخذت حمامًا وفرشت أسنانها وارتدت ملابسها، ثم نزلت الدَرج ورأت عمها على مائدة الإفطار
فيصل: ألن تأكلي شيئًا؟
شيماء: بلى
ثم وضعت حقيبتها بجوارها وجلست لتأكل معه، كانت تأكل القليل بلقيمات صغيرة، وكان فيصل ينظر إليها، أراد الحديث معها ففتح موضوعًا...
فيصل: لماذا حقيبتك كبيرة جدًا؟
شيماء: تعلم أنني بجامعة للرسم فبالتأكيد حقيبتي ستكون بهذا الحجم
فيصل: وهل عليكِ نقل أدواتك كل يوم معك؟
شيماء: ليس دائمًا، فقط إن كان علي أن أكمل بعض اللوحات في المنزل أو أتمها
فيصل: متى سينتهي دوامك الجامعي اليوم؟ أفكر بأن نذهب لزيارة محمد بالمستشفى فلم نذهب إليه منذ أسبوع
شيماء: هذا صحيح... كدت أن أنسَ أمره من كثرة الأعباء التي علي، مسكين والدي حقًا –ثم نهضت وحملت حقيبتها- إذًا سأكون هنا الساعة السادسة مساءً... مع السلامة
فيصل بابتسامة حارة: رافقتك السلامة
صعدت شيماء السيارة وقامت بتشغيلها، ثم أخرجت الكراسة التي تريد إيصالها إلى قيس ووضعتها خارجًا، ثم بدأت تخاطب نفسها بعد أن بان عليها الضيق والارتباك
شيماء: *ماذا عساي أن أفعل؟ إنه في المدرسة الآن فكيف أوصلها له؟ هل أضعها عند باب المنزل؟ أم عند نافذة غرفته؟ لا، لا... من المحرج أن أتسلق أمام الملأ... سأعبر من أمام منزله وإن وجدت طريقة أهديها إليه سأفعل وإلا فسآتيه عند عودتي...*
انطلقت شيماء بسيارتها نحو هدفها، وقفت عند باب المنزل وظلت تنظر إليه، بدى هادئًا ولا يوجد به أحد، وفجأة لاحظت خروج فتى في التاسعة من عمره تقريبًا من المنزل المقابل
شيماء بتعجب: *أوه!... هذا الفتى!*
نزلت من سيارتها وأخذت معها المذكرة، ثم اتجهت نحو الصبي...
شيماء بابتسامة: مرحبًا يا صبي
الفتى: ماذا تريدين؟
شيماء: تتغيب عن المدرسة، هاه؟
الفتى وقد أشاح بوجهه: أولاً أنا مريض، وثانيًا هذا ليس من شأنك
شيماء: حقًا إنك طويل اللسان... على أيٍ، أريد منك خدمة
الفتى وهو مبتسم: وما المقابل؟
عبست شيماء في وجهه وقالت له: لم تتغير أبدًا منذ أن كنت صغيرًا...
تعجب الفتى وسألها: وهل تعرفينني؟ هل تقابلنا من قبل؟
شيماء: أجل، ولكنك كنت صغيرًا ولا تتذكر... على أية حال، ماذا تريد بالمقابل؟
الفتى: فقط خمسون ريالاً
شيماء: فقط؟ -ثم تنهدت وفتحت محفظتها- حسنًا، خذ أيها الطماع
فأعطته المال وأعطته المذكرة أيضًا وقالت له: أتعرف الشاب الذي يعيش في المنزل المقابل لكم؟ أعني قيس
الفتى: بالتأكيد أعرفه... أتريدينني أن أهديه هذه الكراسة البالية؟
غضبت شيماء لوصف مذكرتها بالبالية ولكنها لم ترد عليه واكتفت بقول: أجل...
الفتى: أنا لست واسطة بين حبيبين، أو بالأصح لا أريد توصيل رسالة غرامك إليه فهو رجل عاقل...
غضبت شيماء ولكنها لم تبدِ ذلك وقالت: أيها الغبي –ثم أشاحت بوجهها وقالت بصوت حزين- في الحقيقة... قيس يكون صديق أخي ولكن... –دمعت عين شيماء بدمعة زائفة وقالت- توفي أخي الأسبوع الماضي وأوصاني بإعادة هذه المذكرة لصديقه –عادت بنظرها إلى الفتى- ولكن... ولكن لا أستطيع مقابلة شاب غريب وهذه أمانة وضعت بين يدي وعلي إيصالها...
أحس الصبي بالندم على ما قاله فقال: أنا آسف، أخطأت في حقك
شيماء: ولكن، أرجو أن لا تفتحها أو تقرأ ما بداخلها، حتى أنا لم أقرأها كما وصاني أخي.. فأرجوك...
قاطعها الفتى قائلاً: أعلم أعلم... اطمئني، لن أفتحها
مسحت شيماء على رأسه وقالت: شكرًا لك
ثم تركته وعادت إلى السيارة لتتجه إلى الجامعة وهي تقول في نفسها: *لا أستطيع تيسير الأمور إلا بالكذب والتمثيل... حقًا إن الأطفال فضوليين*
[أمر يخالف المعالم... طفل يولد بعينين زرقاوتين دون وراثتهما من أبويه]
ظل صقر يتأمل في خبر وجد في أحد المنتديات الشبكية وكان ذلك عنوانه
صقر: *أيعقل هذا الطفل... كيف لطفل في الرابعة عشر قتل قاسم...!؟ لحظة...! قد يكون الخبر زائفًا فلا أحد يصدق المنتديات، ولكن لون العينين... إن كان هذا الطفل هو نفسه فأحسد اليمامة على ذاكرتها القوية*
بدأ بقراءة المقال ولكن لم يُذكر اسم المولود أو اسم والديه أو عائلته، فغضب صقر وبدأ يحطم الحاسوب ويصرخ. كانت مي تسمع الضجيج من الخارج ولكنها لم تفكر بالدخول لخوفها منه...
عند الساعة الواحدة ظهرًا، كان قيس يسير لوحده أمام منزله عائدًا من المدرسة، فرآه ابن جارهم فأوقفه...
الفتى مناديًا إياه: قيس..!
التفت نحوه قيس وابتسم له: مرحبًا سعود، كيف حالك؟
سعود: بخير... أفضل من الأمس
قيس وهو يربت على رأسه: هذا جيد
أخرج سعود المذكرة التي أعطته شيماء من جيب ثوبه وقدمها له وقال: هذه الكراسة أعطتني إياها أخت صديقك المتوفي
قيس: *صديق متوفى؟!*
وأكمل سعود كلامه قائلاً: عظم الله من أجرك
قيس: وإياك... *لماذا كذبت كذبة كهذه؟ لو أعطته المفكرة دون قول شيء لكان أفضل، أو أنها تعطيني إياها بمفردها إن كانت تخشى من إساءة الظن... أمرها غريب!*
وضع قيس المفكرة بين كتبه المدرسية ودخل المنزل، وما إن وضع قدمه داخل غرفة المعيشة رأته جدته ونادته: تعال قيس حبيبي لأقبلك
وضع قيس كتبه جانبًا واقترب من جدته مبتسمًا وقبل رأسها، ثم أمسكت بوجهه وقبلته على خده...
قيس: تبدين في حالٍ أفضل اليوم، حمدًا لله
أم ناصر: ما شعرت بالتعب إلا لفراقك يا بني...
ابتسم قيس وقال: لا تقولي هذا يا جدتي أمام الملأ، فهناك من يغار...
رفعت أم ناصر ناظريها عنه وألقت بنظرها خلفه فوجدت شيماء جالسة تنظر إليهما، فقالت أم ناصر: أهي تغار مني أم منك؟
قيس: اسأليها...
بدأت أم ناصر تناديها: شيماء... شيماء...
لكن شيماء لم تحرك ساكنًا وكانت تنظر إلى الأمام سرحة تفكر بأمر ما، فنظرا إليها بتعجب، فقام قيس بمناداتها أيضًا بصوت هادئ وهو يقترب منها: حبيبتي شيماء، ما بالك؟
لم تجبه شيماء، ولكن فجأة، نزلت دمعة من عينها اليمنى وسالت على خدها، فسألت جدته: ماذا حل بها؟ تبدو غريبة
أحس قيس بأن شيماء ليست في عالمهم الآن، فهي حتمًا تشاهد شيئًا من الماضي، فهرع إليها خشية أن ترَ شيئًا لا يسر وبدأ يهزها: شيماء، استعيدي وعيك..!!
التفتت إليه شيماء بعد أن عادت إلى حالتها الطبيعية وسألته: ماذا هناك..
ثم أحست ببرودة على خدها فمسحته وقالت: هاه! دموع...؟!
قيس: اذهبي واستريحي... سآخذك إلى غرفتك
حملها قيس فضمته ووضعت رأسها على كتفه، فظلت جدتها تتأمل وجهها وأحست بأنها تفكر بشيء ما، فالابتسامة كانت ممحية من وجهها وكادت أن تبكي حتى
أم ناصر: *ما الهم الذي تحمله فتاة في السادسة؟*
..::|| الفصل الخامس والعشرون ||::..
بعد ما غابت الشمس واحمرت السماء، عادت شيماء إلى المنزل مرهقة وصعدت فورًا إلى غرفتها، وضعت أشياءها واستلقت على سريرها قليلاً لترتاح، وبعد دقائق قليلة طرق فيصل عليها الباب
شيماء: ادخل... لماذا الرسميات؟
دخل فيصل عليها وقال: طرق الباب ليس من الرسميات فقط، قد تكونين على هيئة لا تريدين أحد أن يراكِ عليها
شيماء: لدي القفل لو كان كذلك
تعجب فيصل ولكنه لم يقل شيئًا لأن أسلوبها جاف على الرغم من أنها لم تعني شيئًا
فيصل: ألن تذهبي لزيارة محمد؟
شيماء بعد أن جلست في مكانها وقطبت حاجبيها: أوووه..! نسيت ذلك... آسفة... اسبقني وسآتيك حالاً...
كان قيس مستلقٍ على ظهره على السرير، واضعًا ذراعه اليسرى تحت رأسه أما بيده اليمنى فقد أمسك مذكرة شيماء وكان يقرؤها سريًا وأنهى جزءً كبيرًا منها...
[...بعد أن اجتزت سن الثالثة عشر، اتجهت نحو التصوير الفوتوغرافي فأردت أن تكون أول صور ألتقطها تكون لقيس الشاب الذي كرس حياته من أجلي، ولكن على الرغم من أنني أستطيع رؤيته عبر عدسة الكاميرا لم يظهر قيس بالصورة وظهرت الخلفية فقط، هذا ما توقعه قيس عندما قلت له بأنني أريد التقاط صورًا له، قال لي حينها (أنتِ قادرة على رؤيتي ولكن الكاميرا ليست قادرة) كنت أريد أن ألتقط له صورًا كثيرة وفي وضعيات مختلفة كما رسمته في الأسبوع الماضي، عندما لم تظهر صورته في الكاميرا قلت له (أود أن ألتقط لك صورًا أثناء القتل أو أثناء اتساخ ثوبك بالدم، تبدو حينها جذابًا حقًا) تعجب مما قلته ورد علي (لم أسمع أحد قط يرى الناس المتسخين جذابين!!) لا يعلم أنه بالنسبة لي أكثر الناس جاذبية مهما كانت حالته...]
قطع عليه القراءة دخول والده عليه...
ناصر: قيس عزيزي، أريدك أن تذهب إلى الجمعية وتشتري الأغراض التي تريدها والدتك لطهي العشاء، فأنا سآخذ جدتك لموعد في المشفى
قيس: حسنًا أبي...
نهض قيس ليبدل ثيابه وكان يفكر في ما قرأه: *قصة خيالية حقًا... أن أعيش دون أن يراني أحد سوى شيماء... يا ترى هل حقًا قتلي للناس كان مجرد لتجريد الدولة من المجرمين؟ ولكن أشعر أن هناك سببًا آخرًا... سأنهي قراءة المفكرة بعد أن أعود*
نزل قيس العتبات فرأته شيماء فعرفت أنه سيخرج عندما رأته مرتدٍ هكذا فسألته بابتسامة بريئة: إلى أين أنت ذاهب؟
قيس: للجمعية لاشتراء مستلزمات العشاء
جرت نحوه شيماء فرحة وقالت: أريد أن أذهب معك
التفتت أم ناصر إلى قيس وقالت: ماذا..!؟ تذهب بمفردك!!
قيس بعد أن التفت إلى جدته: وما المانع يا جدتي؟
أم ناصر: سيرًا أم بالسيارة؟
قيس: بالتأكيد بالسيارة فهي بعيدة
أم ناصر: لا تذهب
قيس وناصر: ماذا؟!!
ناصر: أمي ولكن...
قاطعته: لماذا لا تذهب أنت؟ تترك هذا الطفل الذي لا يملك رخصة قيادة بالذهاب!؟
ناصر: ولكنني سآخذك إلى المشفى
أم ناصر: لنذهب بعد ذلك ونشتري ما تحتاجه خلود
تنهد ناصر ثم قال: أمي... أولاً أنتِ مريضة ولا أريد أن أتعبك، وثانيًا سوف نتأخر وستتأخر خلود في إعداد العشاء، ثالثًا إنها ليست المرة الأولى التي يذهب بها، عدم امتلاكه لرخصة قيادة لا يعني بأنه لا يجيد القيادة
أم ناصر: قلت لن يذهب.. ماذا لو أوقفته الشرطة؟ قيس ابقَ هنا
قيس: ولكن... سأكون بخير بإذن الله لا تقلقي
أم ناصر: قلت لا تذهب
خلود: يكفي... لا داعي للذهاب قيس، افعل ما تأمرك جدتك... سأغير الطبق –ثم اقتربت من أم ناصر وقبلت رأسها- أرضيتِ الآن؟
أم ناصر وهي مبتسمة: هذه الأم الصالحة، ليست مثلك أيها الابن العنيد
ناصر: أمي، لا تقولي هذا، ولكنكِ حقًا تبالغين في الأمر... لنذهب الآن فقد نتأخر
أما في مستشفى حمد الطبي، دخلت شيماء مع عمها على أبيها فرأت جميع أبنائه وزوجته معه...
شيماء: أوه، يبدو أن الجميع أتى لزيارتك اليوم
جرت نحوها أختها رقية مسرعة وضمتها، ثم ابتعدت عنها وقالت لها: كنا نتحدث عنكِ منذ قليل
شيماء: إذًا فعمري طويل –ثم ابتسمت- في ماذا ذكرتموني؟
حمد: كنت أسأل عنك فلم نرك منذ زمن، لماذا لا تأتين؟
شيماء: لم أجد وقتًا مناسبًا –ثم خطت نحو والدها- دعوني أسلم على والدي قبلاً –قبلته وابتعدت عنه-
محمد: كيف حالك وحال الدراسة؟
شيماء: كل شيء على ما يرام، ولكن أشعر أن مستواي يتدنى شيئًا فشيئًا وفي النهاية سأطرد
محمد بتعجب: لماذا؟
شيماء: ظروفي النفسية، أصبحت لا أطيق الدراسة
شعر محمد بالأسى نحوها، فلم يمضِ نصف شهر على وفاة والدتها وهو أيضًا طريح الفراش ولا يستطيع فعل شيء، وعيشها مع عمها الذي لم تره مسبقًا قد يحسسها بالغربة، ولكن كان هذا ظن والدها فقط فهو لا يعرف سبب ضيقها الحقيقي، والذي كان قبل حدوث هذه الأمور كلها، ألا وهو قيس الذي تمنت لو أنها لم تقابله على أن تقابله وهو لا يذكر شيئًا عنها، وكيف أن تكون نفسه البريئة مهددة للخطر وهو لم يقترف ذنبًا...
تعدت الساعة الواحدة وقيس كان جالسًا على مكتبه في غرفة نومه وما زال يقرأ مفكرة شيماء على ضوء المصباح الخافت بصوتٍ سري...
[...وعندما عدت إلى المنزل بعد أن أوصلني قيس إليه وتركني، دخلت المنزل سعيدة وبمزاج حسن بعد حديثي معه، ولكن والدتي صفعتني بقوة وكانت المرة الأولى التي تضربني بها، سألت والدتي عن السبب فكان أن سعاد الحقيرة كذبت على والدتها قائلة أنني خدشتها بسكيني، ووصل الخبر إلى أمي، أظنها فعلتها بنفسها فقط لتوريطي ولكن هل كراهيتها لي وصلت إلى أن تؤذي نفسها فقط لتسبب لي المشاكل؟ وأخذت والدتي سكيني مني على الرغم من مقاومتي لها، فبعد أخذها لم أحتمل وخرجت جارية أبحث عن قيس فهو الوحيد الذي يستطيع تخفيف همي، وحمدًا لله وجدته في طريقي والدم يغطيه فبدى أنه تركني ليذهب ويكمل عمله، عندما رآني أبكي تعجب فهرعت إليه وضممته بقوة ولم أستطع شرح الأمر له، فبدأ يحاول تهدئتي، أراد أن يعيدني إلى المنزل فأبيت وفضلت الذهاب إلى منزله...] نزلت فجأة دمعة من عين قيس فمسحها متعجبًا *لماذا أنا أبكي...؟!*...
أغلق المفكرة وأطفأ المصباح ونهض إلى فراشه، وضع رأسه على الوسادة ولكنه ظل يفكر بالقصة: *أريد أن أعرف ماذا سيحدث بعدها؟ ولكن الأهم... ما هذا الشعور الذي يراودني عندما أقرأ المفكرة؟! على الرغم من أنني لم أتذكر شيئًا بعد إلا أنني أشعر أن قلبي يتقطع عندما أقرؤها... أشعر بدوار شديد... ما كان علي أن أرهق نفسي كثيرًا حتى ساعة متأخرة من الليل...*
في صباح اليوم التالي، دخل قيس الفصل فلم يجد صاحبه، فتساءل في نفسه: *ما به إبراهيم متأخر اليوم فهذا ليس من عادته؟ هل سيتغيب؟*
لم يهتم قيس كثيرًا ولكنه قرر الاتصال به بعد عودته إلى المنزل. لم يأتِ إبراهيم في ذلك اليوم إلى المدرسة فكان يومًا مملاً بالنسبة له، فقد ظل طوال الوقت بمفرده ينعزل عن الطلبة بجلوسه في الساحة الخلفية بمفرده، وعلى نهاية الفسحة قبل أن يرن الجرس سمع شجار بين شابين وأحس أن أحدهما صوته مألوف، وأدرك أنه سلمان لذا أراد التطفل قليلاً ومشاهدة الشجار، خطى نحو مصدر الصوت ورأى سلمان مرمي على الأرض وآثار ضرب على وجهه، أما الآخر فرأى قيس بطرف عينه ثم ترك المكان، بدأ سلمان يحدق النظر في وجه قيس ثم التفت إلى الجهة الأخرى ونهض من مكانه وترك المكان، سمع قيس صوت جرس المدرسة فعاد إلى فصله.
أثناء الدرس الخامس في ذلك اليوم، سمع قيس نداء له من إدارة المدرسة، فترك الفصل وذهب إلى هناك. فور دخوله رأى سلمان جالسًا على المقعد والشاب الذي تشاجر معه على المقعد الآخر
قيس: خيرًا؟
المشرف: اجلس وارتاح، وسنتحدث في الموضوع
جلس قيس على مقعد وجد بجوار المقعد الذي كان ذلك الشاب الذي تشاجر معه سلمان يجلس عليه، ثم بدأ المشرف حديثه
المشرف: فقد شيك بمبلغ مائة ألف من عند الأستاذ حسين عندما أخذ سلمان أمتعة الأستاذ ليأخذها إلى مكتبه، ومن ثم اتهم عبد الرحمن بسرقة الشيك منه، وعلى الرغم من ذلك وجدناه بين كتب سلمان، ولكنه قال بأنك رأيت الشجار الذي دار بينهما بينما كان يحاول استعادة الشيك وأخذه إلى حسين فهل هذا صحيح؟
قال قيس بكل هدوء وهو ينظر إلى وجه المشرف: لم أرَ شيئًا...
سلمان: ماذا؟! تكذ...
قاطه المشرف: أأنت صديق أحديهما؟
قيس: كلا، لا أعرفهما...
غضب سلمان وبدأ يصرخ في وجه قيس: لا تكذب! رأيت الشجار الذي...
قاطعه قيس وقال بصوت عالٍ قليلاً وبدأ ينخفض تدريجيًا: قلت لم أرَ شيئًا... كل ما رأيته هو سلمان مرمي على الأرض برضوض في وجهه، هذا كل ما رأيته
عبد الرحمن: يبدو أنه استغل رؤية قيس للشجار الذي دار بيننا فأراد رمي التهمة علي
سلمان بغضب: بل أنت من وضعت الشيك بين أمتعتي بعد أن خشيت أن يكون قيس شاهدًا على فعلتك
المشرف: إذًا ما كان سبب الشجار يا عبد الرحمن
عبد الرحمن: شجار عادي كباقي المشاجرات التي تحدث بين عائلتينا، فوالده يدين لأبي بأموال باهضة وأبي يطالبهم منذ فترة طويلة لذا يأتي لمضايقتي، لا عجب أنه أراد سرقة هذا المبلغ لتسديد الديون، يمكنني إثبات ذلك فهذا بسيط
ظل سلمان صامتًا فلم يستطع رد حقيقة الديون هذه، لذا انقلب الأمر ضده، ثم علا صوت قيس قائلاً: أيمكنني الذهاب الآن يا أستاذ؟ لا أريد أن يفوتني الدرس
المشرف: بإمكانك الذهاب، شكرًا
قيس: العفو...
لاحظ قيس تحديق سلمان له ببغض وهو يغادر المكان لكنه لم يلتفت نحوه أو يعره اهتمامًا.
layte
07-09-2009, 07:13 PM
السلام عليكم :
قرائة الان بعض من الفصل الاول ولدي استفسار
هل تقصدين بكرات الزجاج لعبة الاطفال تلك التي تدعى باللغة الام الكلال وهاهي
http://esyria.sy/sites/images/hama/round/086102_2009_01_22_11_10_42.jpg
sensei
07-09-2009, 08:16 PM
لا... بل كرات بحجم العين... من خيالي لم أرَ مثلها
الكلال أصغر حجمًا وملونة "وليست بلون واحد كما في الصورة"
:)
layte
08-09-2009, 02:46 AM
اه توقعت ذالك !
الان اخيرا اكملت قرائة جميع الفصول انتظر الفصل القادم بشغف
الحقيقة ان هذا الجزء مشوق اكثر من الجزء الاول الا انه يحتوي الكثير من الغموض جعلني احتار كثير لكن الان اخت قيس سنها ست سنوات اليس كذالك ؟ اي ان مي مثلها تماما اذا هل هذا يعني ان كل من ازداد في 1 يناير يستطيع ان يستذكر حيات قيس الماضية ؟
sensei
08-09-2009, 07:36 PM
هل هذا يعني ان كل من ازداد في 1 يناير يستطيع ان يستذكر حيات قيس الماضية ؟
كلا، لأن الأمر لا ينطبق على أحمد ومي... بل يتذكره من أثر في حياته بقوة "غير شيماء التي كان لا بد من أن تتذكره كي يعود"
أي، لو سارت الأمور كما يفترض، يجب أن تكون شيماء الوحيدة التي تذكر قيس
كما لو أنك تتذكر ما حدث في الجزء الأول، سامي صديق يوسف لا يذكره
layte
08-09-2009, 08:49 PM
اه فهمت الان
نقطة اخرى لم افهمها : صقر يجب ان يكون شاكرا لقيس لقتله لابو مي اذا لماذا يجري ورائه هل حقا يريد قتله ؟
sensei
08-09-2009, 09:14 PM
إن لم يتضح السبب حتى الآن سيتضح فيما بعد
somaua
08-09-2009, 10:53 PM
لا إنه يتبعه لإجل مي
layte
08-09-2009, 11:24 PM
لا إنه يتبعه لإجل مي
غير مستبعد لكن شخصيته لاتوحي بذالك يبدو اكثر غرابة من قيس
mahone98
09-09-2009, 01:48 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سلمت أناملك أختي "سينسي" على القصة الرائعة
قصة مشوقة با نتظار الفصول القادمة
وشكرا
m!ss foshia
09-09-2009, 06:48 AM
راااائعة انتي سينسي
قصه مرررره روووعه والتكملة اروع
لديك اسلوب يشد القارئ سلمت اناملك اختي
بانتظار التكمله على احر من الجمر
forst dark
10-09-2009, 11:15 PM
آسف إن أزعجتك لكن القصة جد جميلة جدا وأرجو إكمالها وخذي راحتك
sensei
12-09-2009, 06:40 AM
لا إزعاج ولا شي بس حبيت أبين لج أني ما بقدر أكتب لكم كل يومين أو ثلاث بس باخذ وقت أطول
________________________________
..::|| الفصل السادس والعشرون ||::..
في منزل صقر، كانت مي جالسة لوحدها في المنزل بعد أن خرج صقر إلى العمل، كانت تتجول في المنزل فدخلت غرفة صقر، رأت الحاسوب المحطم ملقاً على الأرض، فانخفضت أرضًا وأمسكت بقطعة من الفتات المنتشر على الأرض وحاولت إعادتها في مكانها ولكنها سقطت مرة أخرى، فأمسكت بكفيها ركبتيها وهي على الأرض وتتأمل الحطام وتفكر: *ما الذي جرى البارحة لصقر؟!*
خشيت إن أزالت فتات الزجاج يقابلها صقر بالتوبيخ، فخرجت من غرفته دون تغيير موضع أي شيء واتجهت نحو غرفتها، ثم جلست وبيدها قنينة الكرات الزجاجية الوردية ففتحتها وبدأت باللعب بهم.
كانت شيماء جالسة على الأريكة في غرفة المعيشة تشرب الشاي وتشاهد التلفاز، عبر من جانبها فيصل وهو متزين فعرفت أنه سيخرج، ولكنها لم تفكر في أن تسأله عن وجهته ولكنه بادرها في الحديث
فيصل: شيماء، أنا ذاهب لزيارة والدتي في المستشفى فهي تعبة قليلاً، أتريدين المجيء؟
شيماء بتعجب: جدتي...؟ -ثم ضحكت وقالت- أتريد قتلها؟ يكفي بأنها متعبة
فيصل: ولماذا أقتلها؟
شيماء: لا تقل لي بأنك لا تعلم بأنها تكرهني، فإن رأتني أمامها ستصاب بالجلطة
ضحك فيصل قليلاً ثم سار وهو يقول: كما تشائين، أنا ذاهب، إلى اللقاء
شيماء: رافقتك السلامة
بعد أن خرج وأغلق الباب خلفه بدأت شيماء تخاطب نفسها أثناء مشاهدتها للتلفاز: *مريضة هاه...؟ على أيٍ، أتمنى لها الشفاء*
عند الساعة الرابعة عصرًا اتصل قيس بإبراهيم ليطمئن عليه، فأجابه بصوت شاحب: أهلاً قيس
قيس: أهلاً... ما به صوتك هكذا؟
إبراهيم: استيقظت هذا الصباح وإذا أجد نفسي مصاب بالبرد
قيس: شفاك الله... وكم يومًا ستتغيب؟
إبراهيم: يوم أو يومين إضافيين لا أكثر
قيس: هكذا إذًا... بالمناسبة، أخذنا اليوم في حصة الرياضيات...
قاطعه إبراهيم: مهلا،ً مهلاً!! اترك الدروس فيما بعد، رأسي يؤلمني الآن ولا أريد أن يزيد الصداع بالمعادلات والتعقيدات!!
ضحك عليه قيس ثم قال: حسنًا إذًا، أنا ذاهب لأواجه التعقيدات هذه، إلى اللقاء...
إبراهيم: مع السلامه
أغلق قيس الهاتف وهو يضحك على صديقه ثم توجه إلى غرفته، فتح الماسنجر حتى إذا دخلت شيماء يخاطبها، ولكنها لم تكن موجودة فتركه مفتوحًا وبدأ دراسته.
وعند المساء كان قد وصل إلى خاتمة قصة شيماء التي كتبتها [...وبعد أن تذكرت كل ذلك لم يعد قيس مرة أخرى وظللت أنتظره طوال الليل، ربما كان يعني بعودته كما فهم أحمد، أن يعود لقلبي وذاكرتي وليس عودته من الموت، ولكن إن كان كذلك لماذا اختفى أثره تمامًا؟ لماذا لا يذكره أحد؟ لم أجد جوابًا على تلك الأسئلة ولا أظنني سأجدها يومًا...]
قلَب قيس الصفحة فوجد شيئًا إضافيًا مكتوبًا على الرغم من أن القصة انتهت، كانت الصفحة مكتوبة بقلم مختلف والخط تغير قليلاً إلى الأفضل، وكان محتواها [لقد كذب علي قيس فلم يحتفظ بعلاقتنا كما زعم]
عندما قرأ ذلك قال في نفسه: *لا بد أنها كتبت هذه بعد أن تقابلنا في الحديقة... لماذا سألتها ذلك السؤال عندما شعرت أن نهايتي اقتربت؟ ألم أكن أعلم أنني سأنساها أم كنت أريد أن أصاحبها مرة أخرى؟*
بعد أسبوع، في مساء الأربعاء، كان قيس بمفردة في غرفته جالس على سريره يتأمل شاشة الحاسوب وكانت عيناه تكاد أن تدمع، جفنيه كانا محمران وأنفه ووجنتاه كذلك، كان يشعر بضيق شديد في قلبه، ثم التفت عن الحاسوب وأخذ كراسة حمراء موضوعة تحت الوسادة، فتحها وبدأ يكتب بها (أنا السبب في طرد سلمان من المدرسة، لو أنني شهدت له، ولكنني لم أعرف التفاصيل فهل أنا السبب حقًا؟ هل ما فعلته صحيح؟ وماذا عن شيماء التي لم تدخل الشبكة منذ أن تلاقينا وجهًا لوجه؟ لماذا بدأت تتهرب مني؟)
نزلت دمعة من عينه اليمنى فمسحها بظهر كفه ثم أعاد الكراسة إلى مكانها، استلقى على شماله وظل يفكر: *ألا تنوي شيماء مقابلتي مجددًا؟ أكان هدفها فقط أن تحذرني من الخطر الذي يطاردني؟ ألم تحزن لفراقي؟ فلماذا تتهرب مني إذًا؟*
ظل قيس يفكر طوال الليل، وظن أنه لو لم يفعل شيئًا لن يلتقي بشيماء مرة أخرى. في اليوم التالي لم يشأ قيس أن يذهب إلى المدرسة مما أثار فضول والديه فهذا ليس من عادة ابنهما، ولكنهما لم يلحا عليه بالذهاب فما كان قيس ليتغيب دون سبب، غير ذلك، فقد لاحظا كيف كان يكثر من السؤال عن أمور أهملتها ونسيتها الأسرة منذ أعوام، لذا، واصل قيس نومه حتى الساعة العاشرة صباحًا، ثم خرج من المنزل حيث أنه كان لوحده فيه، فوالده في العمل وأخته في المدرسة، أما والدته وجدته فذهبتا لزيارة أحد الأقارب. اتجه إلى أول مكان التقى به بشيماء، ألا وهو المتنزه، ظل جالسًا على أحد المقاعد وكان وجهه شاحبًا من قلة النوم والهم والتعب، ثم صادف أن رأى أحمد يسير أمامه فوقف أحمد أمام رجليه وألقى إليه التحية...
أحمد: أهلاً قيس، يا لها من مصادفة
قيس: أوه... أهلاً أيها الطبيب
جلس أحمد بجواره وبدأ يكلمه: ألا يجب أن تكون في المدرسة الآن؟
قيس: لا أملك مزاجًا لفعل أي شيء... وماذا عنك؟ ألا يجب أن تكون في عملك؟ ما أعرفه عنك أنك تعمل في الإجازات حتى...
أحمد: كبرت في السن الآن وأحتاج إلى إجازة... هل أخبرتك شيماء حتى عن عملي؟
قيس: كل شيء كان مكتوبًا في الكراسة، فقراءتي لها جعلتني أعيش الأحداث
أحمد: وما به وجهك شاحب هكذا؟
قيس: أمور كثيرة جرت لي
أحمد: أكل هذا لأنك عرفت الماضي؟
قيس: ليس فقط لهذا السبب... أكثر شي يحزنني هو أن شيماء انقطعت عني
أمسك أحمد بكتف قيس وقال: كنت أعلم أن هذا ما سيحدث وقد قلت لك من قبل أنها لا تريد مقابلتك ولكنها اضطرت فقط لتحذرك
قيس بنظرات حزن: ولكن لماذا؟
أحمد: أنت تعلم الآن كيف كان قيس الماضي مقرب إليها وكيف هو الآن لا يعرف شيئًا عنها سوى قصة قرأها في مدونة للذكريات، أتظنها قادرة على احتمال مقابلة أعز الناس إليها وهو فاقد الذاكرة؟ لذا كان يستحسن أن يظل قيس الذي تعرفه متوفى وأن لا تعلم بعودته
قيس: ولكنني لم أشأ تركها...! كنت أعلم في الماضي بأن هذا ما سيحدث لي، ولكنني أردت مقابلتها مرة أخرى ومتابعة العيش معها...
أحمد: وما أدراك بما كنت تفكر إن كنت لا تذكر شيئًا؟
قيس: لأن أختي الصغرى أخبرتني
أحمد بتعجب: أختك الصغرى؟ وما دخلها؟!
قيس: يبدو أن شيماء لم تخبرك، شيماء أختي تملك عقل قيس الماضي، هذا ما أظنه، فهي تتذكر ما دار بيني أنا وشيماء وحتى ما كان يدور في خاطري، فعندما سألتها لماذا وعدت شيماء أنني سأظل صديقًا لها حتى لو عدت طبيعيًا، ألم أكن أعلم أنني سكون إنسانًا آخرًا، فأجابتني بأن ما أخبرتك به كان مرادي
أحمد بتعجب: وكيف هذا؟ كيف لها أن تحمل ذكرياتك؟
قيس: إن كنا سنسأل "كيف" فلن نجد جوابًا، فهذا ليس بالأمر الوحيد الغريب الذي يحدث لنا
أحمد: أنت على حق...
ظلا صامتين لبرهة ثم قال له أحمد: إذًا ما الذي تنوي فعله الآن؟ هل ستبقى مكتئبًا وتؤذي نفسك وصحتك وتترك المدرسة لتظل جاهلاً... هل هذا أملك في الحياة الذي كنا نسمع عنه دائمًا؟ هل الأعوام والصعوبات التي قضيتها في عالم الظلمة للوصول إلى هذا المكان لا قيمة لها الآن؟ وماذا عن شيماء؟ أهذا ما تريده حقًا؟ ألا تعرف أنها لو علمت بحالك هذه قد تجن! فهي لا تحتمل أن تتأذي ولو بشوكة في إصبعك فماذا لو رأتك بهذا الوجه الشاحب؟
ثم نهض أحمد مستعدًا للمغادرة، قال له قيس: إذا أبو يوسف، ماذا علي أن أفعل؟
أحمد: افعل ما تراه صوابًا، وثانيًا نادني بأحمد فلا داعي للرسميات بيننا
ثم تركه وهو يقول: والزم ارتداء النظارات الشمسية لتبعد الشبهات عنك فقد يراك المجرم بالمصادفة
بينما كانت مي تشاهد التلفاز، دخل صقر المنزل بعد أن فتح الباب بقوة فأحدث ضجيجًا، فالتفتت مي لتراه فوجدت ملامح الغضب تعلو وجهه فخافت في نفسها ولم تبدي ذلك، فبدأ يخطو نحوها بخطوات واسعة فوقفت في مكانها وتراجعت بخطوتان للوراء، أمسك صقر بمعصمها وبدأ يجرها فخافت وقالت له بصوت مرتعش: مـ..ماذا هناك؟
لم يجبها صقر بل تابع جرها إلى الحمام، فحملها ووضعها في الحوض ثم بدأ يبحث عن شيء بين أدوات الحلاقة، كانت مي تنظر إلى وجهه وهي تعرق من الخوف ونبضات قلبها تتسارع لحظة بلحظة، فكان يبحث بكل فوضوية وسرعة فقد بدى وكأنه وصل الحد الأقصى من الغضب، وبعد أن وجد مقصًا أخذه واقترب منها وقال بجفاف وخشونة: التفتي!
التفت مي وساقيها ترتعشان، وفجأة بدأت خصلات من شعرها تنزل على قدميها، فسألت بتردد: لماذا... تقص شعري؟
فرد عليها وهو يواصل القص وبسرعة هائلة من شدة غضبه: لم أتوقع أن أحدًا من هؤلاء المغفلين سيلاحظ أنك مي المفقودة!
مي: ماذا تعني؟
صقر: صورتك التي انتشرت في الصحف كانت لك منذ عامين وقد تغيرتِ فلم أتوقع أن أحد الشباب سيلاحظ الشبه بينك وبينها، ولكن سالم لاحظ ذلك
مي: إذًا... هل كشف أمرنا؟
صقر: كلا، فقد أزلت الشبهات، لكن قد يلاحظ غيره ذلك فلا بد من تغيير شكلك
اطمأنت قليلاً وقالت في نفسها: *إذًا فهو ليس غاضبًا مني*
عم السكون للحظات ثم قالت مي بحزن: ولكنني أحب الشعر الطويل...
لم يجبها صقر واستمر في عمله فعاد السكون للمكان، أمسكت مي بشعرها من الخلف وقالت: هذا يكفي، فشعري أصبح بالكاد يربط!
صقر: لا يكفي...
بعد دقائق انتهى صقر من القص، غسل المقص وأعاده مكانه، ثم خرج وقال: نظفي المكان واستحمي -وأغلق الباب خلفه-
خرجت مي من حوض الاستحمام لتنظف المكان قبلاً فرأت وجهها في المرآة، فبعد أن رأت أن شعرها أصبح قصيرًا كالصبيان أدنت من رأسها وكادت أن تبكي لولا أنها حبست دموعها وهي تخاطب نفسها: *لا بأس، سيطول مع مرور الأيام، هدفي الآن هو إيجاد قاتل أبي فقط*
بعدها رفعت رأسها تنظر إلى وجهها مرة أخرى فشعرت بدوار قليل وأصبحت لا ترى بوضوح، فأغمضت عينيها وبدأت تفركهما وهي تفكر: *ما الذي يحدث لي؟!*
m!ss foshia
12-09-2009, 08:36 AM
ماشاء الله عليك اختي التكملة روعه
حزنت لحال قيس المسكين
ولمي ايضا المسكينه <<< اقول الكل صارو مساكين
سلمت اناملك اختي
تابعي وسأنتظر الباقي
sensei
13-09-2009, 03:43 AM
أعتذر لكل من يتابع معي الرواية...
سأتوقف عن كتابتها ولن أعرض المزيد...
لمعرفة السبب اكتب اسم الرواية في متصفح غوغل وانظر إلى النتائج
والسلام عليكم
layte
16-09-2009, 09:08 PM
انا مافهمت السبب ممكن توضيح اكثر...
sensei
18-09-2009, 07:35 AM
لو كتبت اسم الرواية في محرك بحث بتشوف أن روايتي انباقت وأكثر من شخص عارضها في منتدى ثاني وناسبها لنفسه "أي من كتاباته" والبعض قام ينقل من الجزء الثاني بعد...
فابتعادًا من السرقات الأدبية أنا ما أبي أضيف فصول زيادة
ما تعرف كيف كان شعوري وكيف حسيت بضيق وكم يوم ظليت بضيق لين ما هديت
لو تبي تعرف أكثر عن هالمسألة ادخل موقعي اللي بالتوقيع وشوف مذكرتي
أنا ما زلت أكتبها وبحاول أوصلها لكل عضو "في هالمنتدى" بأي وسيلة
والله المستعان
جميع حقوق برمجة vBulletin محفوظة ©2025 ,لدى مؤسسة Jelsoft المحدودة.
جميع المواضيع و المشاركات المطروحة من الاعضاء لا تعبر بالضرورة عن رأي أصحاب شبكة المنتدى .