المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فرعون موسى أو فرعون الخروج



محمد السويسي
22-10-2009, 02:43 PM
عام 1881 اكتشفت مومياء الملك رمسيس الثاني في وادي الملوك ونقلت إلى خزانة المومياوات في الدير البحري ومن ثم إلى المتحف المصري في القاهرة بعد خمس سنوات من العثور عليها ، لتنطلق قماقم الجهل بالتاريخ والدين من معاقلها مع إصرار البعض بأن هذه المومياء تعود لفرعون موسى مفسرين الآية الكريمة ، التي تناولت قصة موسى مع فرعون ، على هواهم بمطابقتها قسراً على الأية الكريمة التي جاء فيها " فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية .." .
ولاشك أن السبب الذي أوقعهم في هذا الخطاً والإصرار عليه ، هو أن مومياء رمسيس الثاني كانت أول مومياء تكتشف بحالة شبه سليمة ، وقد فتنوا بها مع وجود الأظافر والأسنان وبعض الشعر على حاله . بل لقد ذهبوا بعيداً في الشطط والتقييم بأن يده عندما فكت الأربطة عنها أرتفعت عالياً ، مما يعني أنها كانت في موقف الدفاع وتغطية الوجه من سيل الماء العرم الذي داهمه بأقل من عشر من الثانية وجمد يده بالأعلى ؟! وهو تفسير موغل في البساطة حتى السذاجة ، إذ أضحوا جميعاً خبراء في الطب والكيمياء إلى جانب الفهم بالدين والتاريخ والجفرافيا.
إن سوق الأمور وتفسيرها بهذا الشكل المتسرع أمر مخجل لما يعتريه من جهل وإساءة للدين وطعن بإيمان الحكام المسلمين ، فهل يعقل أن تكون جثة الفرعون قد إنقذت وقتذاك وظهرت بعد أكثر من ثلاثة آلآف عام لتكون أية وإنذاراً لحكام مصر المسلمين ؟! الذين يؤمنون بالله الواحد القهار ولايشركون به شيئاً . وهل يعقل أن تكون إنذاراً للمصريين على عتبة الإحتلال البريطاني لبلادهم العام 1882 ؟ فماذا إذن لو شاهدوا جثة رجل الجليد في جبال الألب وقد حفظت هيئته بلباسه وشعره ولحيته منذ خمسة آلاف عام وكأنه مات بالأمس دون تحنيط ، وماذا لو شاهدوا جثث أطفال ونساء في جرينلند لازالوا في ثيابهم الجلدية وهم على حالتهم من التجمد منذ خمسمائة عام ؟! فماذا كانوا سيقولون وماذا كانوا سيدعون ؟.
لو تأنوا قليلاً وتمحصوا لوجدوا أن التفسير الأصح للآية الكريمة وأبعادها هو أن الله سبحانه وتعالى كان ينذر بها قوم فرعون ومن سيخلفه من الحكام وقتذاك ، بألا يسيروا مسيرة فرعونهم في تأليه أنفسهم والتباهي بالقوة والخلود إلى حد أجبار الشعب المصري قهراً على السجود له في الدخول والخروج وعند سيره في الشوارع بما لم يسبقه إليه أحد من قبله . لذا فإن إغراقه وتنجية بدنه كان أية للناس وإنذاراً صريحاً لمن خلفه من الحكام المباشرين ، ليظهر الله مدى ضعف هذا الفرعون وقلة حيلته وتفاهته ، ونهياً لهم عن إدعاء الألوهية . لذا فإن هذه الحالة ، بالمصير البشع الذي آل إليه لاتنطبق على رعمسيس الثاني الذي لم يدع الألوهية مطلقاً ، بل تنطبق على فرعون آخر سنأتي على ذكره في سياق المقال بعد أن نطلع على الحالة الدينية لكلا الفرعونين وفقاً لما يلي :
رعمسيس الثاني : هو صاحب المومياء المثيرة للجدل ، وهو آخر ملوك الدولة الفرعونية الحديثة التي حكمت بين 1290 و 1223 ق.م. التي خرج منها أخناتون الفرعون الموحد لله الواحد الفرد الصمد . ورعمسيس هذا هو حفيد رمسيس الأول وابن الملك سيتي الأول ، وهي أسرة متدينة بنت معابد عدة تقرباً من الآلهة ولم تتعرض لديانات وعقائد الآخرين .
وقد اتبع رعمسيس الثاني خطى والده وجده فبنى عدداً كبيراً من المباني الدينية بما لم يسبقه إليها أحد من الفراعنة ، فأتم المعبد الذي بدأ والده ببنائه في ابيدوس ثم بنى معبداً صغيراً خاصاً به بجوار معبد والده . وفي الكرنك أتم بناء المعبد الذي شرع به جده رمسيس الأول ، وأقام في طيبة معبد الرامسيوم ، وهو معبد جنائزي ضخم بناه تقرباً من الإله أمون . كما أقام معبد أبو سنبل المعروف بضخامته وأقام بالقرب منه معبداً صغيراً في الصخر بجانب تمثال زوجته نفرتاري كرسه لعبادة الإلهة حتحور إلهة الحب . وكان رعمسيس الثاني مثل معظم ملوك المصريين يطلق على نفسه أسماء عدة ، تدل على تدينه وتقربه من الألهة ، منها : " سر معت رع " وتعني المخلص للإله رع ، و" ستب أن رع " وتعني الخادم الدائم لرع . وقد أطلق عليه أبوه عند ولادته أسم " راماسي ماري أموم " أي المولود من أجل رع والمحبوب منه ، مما يدل على تدين والده وأسرته أيضاً . وقد أطلق على نفسه أسماً إضافياً عند التتويج هو " يوزر ماعت رع ستب إن رع " أي المستمد قوته من الإله رع والمختار منه لخدمته .
بعد هذه المقدمة فإنني أعتقد أن ماسقناه كان كافياً لإزالة الإلتباس واستبعاد الملك رعمسيس الثاني من الإدعاءات التي كانت تدفع بأنه فرعون موسى نظراً لتدينه وولائه للآلهة ، بعكس فرعون الخروج الذي ادعى الألوهية لنفسه . إلا أن هذا الإيضاح يدفعنا إلى التساؤل ، إذاً من هو فرعون موسى أو فرعون الخروج الذي أشار إليه القرآن الكريم وأشغل الناس والباحثين ؟
إنه سؤال ضروري وملح ، ولكن لايمكن أن نصل إلى نتيجة لمعرفة هذا الفرعون إلا باستعراض سيرة كل الفراعنة الدينية الذين حكموا مصر من نارمر حتى كليوباترا ونفرتيتي ، حتى إنتهاء الحكم الفرعوني مع مارك أنطونيو ، وعندها سنضع حداً لتلك الأسئلة المزمنة ونحصل على الجواب الشافي بالبرهان والقرائن والخبرة والمعرفة .
سيرة الفراعنة الدينية : لم يعرف عن الفراعنة جميعهم إدعاء الألوهية سوى من ملك واحد هو الفرعون "خوفو" الذي دعا الناس إلى عبادته مع إنكاره المطلق لله والأديان الأخرى ولآلهة أسلافه ، مما يضعه في موضع الشك ، بأنه فرعون موسى أو فرعون الخروج ، الذي سوف يتحول إلى يقين مع إستعراضنا لسيرة عائلته الدينية ومجتمعه وممارساته خلال حياته وفقاً للتالي :
إسرة خوفو : ينتمي خوفو إلى حكام الدولة القديمة التي حكمت لمدة ألف عام امتدت من 3200 إلى 2190 ق.م. وقد عبد ملوك هذه الأسرة الأوائل ، من نارمر إلى مينا ، الآلهة حتحور ورع وأمون وحورس الصقر رب الصعيد وآلهة أخرى عديدة . وقد تميزت هذه العائلة ببناء الإهرامات ، وكان الملك زوسر جد خوفو هو الفرعون الأول في هذه الأسرة الذي عمد إلى بنائها ، فكان هرم سقارة المدرج الذي كان يتكون من ست مصاطب غير متساوية ليكون قبراً له بعيداً عن باقي المقابر ، وقد بنيت غرفة دفن الملك من الجرانيت . وكان متديناً جداً بحيث أنه كان يقدم القرابين للإله خنوم معبود الشلال لوقف الجفاف الذي ضرب مصر وقتذاك لسبع سنوات متتالية مع نقص فيضان النيل .
أما والده الملك سنفرو فقد حاول أن يصلح أخطاء هرم سقارة في بناء هرم حقيقي إلا انه كان يحتاج للعمال المهرة في صقل الحجارة وتركيبها ونقلها فقام بحملة إلى بلاد النوبة وعاد بسبعة الآف أسير للعمل في البناء وقطع الحجارة إلى جانب العمال المصريين من الفلاحين الذين لم يكونوا يحسنون البناء أو نحت الحجارة كما أهل النوبة مع تفرغهم للزراعة ، فاستعان بعمال ليبيين لتحسين العمل إلا أنهم فشلوا جميعاً ، رغم مرور أربعة عشر عاماً من العمل الدؤوب ، في بناء هرم سليم الزوايا ومتماسك . وقد وصلت طبقات هرم سقارة إلى ثمانية دون نتيجة وذلك لعدم خبرة المهندسين الذين تولوا هذا العمل . فانتقل الفرعون من بلدة ميدوم إلى بلدة دهشور مع مهندسين جدد لبناء هرم جديد إلا أن الوضع كان أسوأ من الأول إذ بدأ الهرم الجديد يغوص في الرمال ويميل تحت ثقل الحجارة ، فدعي بالهرم المائل . وعندما حاول أن يستعين بالفنيقيين لتصويب الأمر كان الوقت قد فاته وقد وافته المنية بعد أربعاً وعشرون عاماً من الحكم الذي تميز بالعدالة والإستقرار ومحبة الشعب له الذي كان يصفه بالملك الرحوم والكريم المحبوب ليخلفه أبنه خوفو ، ولتبدأ مأساة الشعب المصري وعذاباته مع هذا الفرعون الجديد .
الفرعون خوفو : ورث هذا الفرعون عن والده مملكة قوية وثروة طائلة وكان دائم المرافقة له في غزواته وحله وترحاله لأنه كان قوي الشكيمة شجاعاً في المقاتلة جباراً عنيداً لايخاف . وقد أنبهر بالأبنية التي بناها والده وببناء الإهرامات التي شهد نموها وفشل محاولات إنجاحها . وقد خلقت هذه الإهرامات على عظمتها نوعاً من الغرور والتباهي والتعالي لديه إلى حد إدعاء الألوهية والخلود لنفسه . فكان أول مافعله في هذا السبيل لتأليه نفسه أنه بدل أسمه من " خنم خواف لي " أي ، العبد الذي يعيش بحماية الإله خنوم ورهبته ، إلى أسم "خوفو" أي المعبود المهيب الذي نخافه . وبذل الأموال الطائلة في تقريب وإقناع بعض الكهنة للتخلي عن عبادة ألهة أبائه وأجداده وإزالة صورهم من المعابد وتماثيلهم ووضع صوره وتماثيله مكانهم والدعوة إلى عبادته ، ومن كان يعترض منهم على دعوته تلك كان يعمد إلى قتله . ومن أجل تمرير خطته والدعاية لنفسه لجأ إلى السحرة ليسوقونه لدى شعبه كإله قوي لاشريك له وجعل لنفسه عيداً سنوياً يدعى يوم الزينة الكبير ، كان يجري بحضوره حيث كانت السحرة تجترح فيه العجائب بسحرها أعين الناس فتجعل من الهر فاراً ومن الذئب خروفاً وتشطر الرجل إلى نصفين خداعاً بسحرها فيعيده الفرعون إلى حالته الأولى بتواطء مع السحرة فتضج الناس وتبدأ بالسجود له فيزيده ذلك غروراً إلى حد الإدعاء بخلق العجول بالآلآف حيث كان يعمد إلى استيرادها سراً من بلاد النوبة عند حدود مصر الجنوبية ويضعها في مزرعة خاصة ويرسل مناد في قومه بأن الملك منشغل لأيام في خلق العجول لبيعها من المزارعين الذين كانوا يتهافتون عليها كعجول مقدسة ، ليزيد من شعبيته وتثبيت ألوهيته ؟!
هذا الغرور دفعه إلى التفكير في بناء صرح عظيم أكبر وأعظم من بناء الهرم الذي كان يسعى إليه والده سنفرو ، فأرسل إلى التجار الفنيقيين ، الذين كان والده يتعامل معهم حيث كانوا قد بنوا له اسطولاً بحرياً من الخشب من أربعون سفينة بدلاً من الخوص والبردي لنقل الحجارة والرخام أينما وجدت على طول بحر النيل لتساعد في بناء الهرم وأحضروا له خشب الأرز من جبل لبنان لصنع أبواب قصوره وفي تدعيم الأحجار في داخل هرمه في دهشور ، ليطلب منهم معاونته كما كانوا يعاونون والده لبناء هرم ضخم بعلو شاهق سليم الأضلاع ، فأشاروا عليه بمهندس فنيقي مشهود له بالبراعة الفائقة في بناء المعابد والأبنية الضخمة يدعى "هامان أنو" أو " هامانو " إختصاراً كما وجد منقوشاً في أعلى غرفة الدفن في هرم خوفو . فأرسل إليه فجاءه بلباسه الإرستقراطي برداء حريري بتفصيلة فنيقية يلتف عند الكتف الأيمن كما بدا في تمثال صغير له عثر عليه في الهرم المذكور .
بعد جولة في مصر أمتدت لأسابيع عدة إقترح المهندس "هامان آنو" ، الذي اتخذه الفرعون وزيراً له بعد ذلك ، موقعاً جديداً بعيداً عن إهرامات والده ، لبناء هرمه الكبير فوق هضبة في الجيزة ، موقعه الحالي ، لقربها من مقلع للحجر الكلسي بحيث يمكن جر هذه الحجارة بعد تقطيعها إلى موقع البناء القائم على ثلاثة عشر فداناً وبارتفاع 146 متراً . وقد بنى " هامان " مدينة عمالية قريباً من الهرم كانت تضم صالات ومطابخ للطعام ومستشفى وأطباء لمعالجة حوادث العمل الطارئة وقاعات للنوم ، بل وبنى غرفاً عدة مستقلة لمن يرد إحضار إسرته . وقد استغرق البناء عشرون عاماً ساهم فيها عشرون ألف عامل بصورة دائمة ، حيث كانت تقطع الحجارة وتصقل بأيد مهرة شارك بها فنيقيون متمرسون ينقلونها بخبرتهم سحباً على الرمال مهما بلغ وزنها لترتفع على هضبة تتنامى يوماً بعد يوم بأيد مصرية وفق تنامي البناء وعلوه ليعاد إزالتها خلال فترة وجيزة مع الإنتهاء من بناء الهرم لتظهر عظمة البناء المخبأ ومقدرة المهندسين الفنيقيين على هذا الإنجاز العظيم الذي تعمدوا تخبئته أثناء البناء ليكون مفاجأة للجميع .
الفرعون وموسى : عندما شرع خوفو ببناء الهرم فإنه بعد سنوات من المباشرة به إحتاج إلى الكثير من المال مع خطة هامان الجديدة بإعطاء العمال حقوقهم واستيراد بعضهم من الخارج والعناية بهم ودفع الرواتب المجزية واستبعاد السخرة ، مما عنى المصاريف الكثيرة . فلجأ الفرعون إلى الأغنياء للمساهمة في تمويل مشروعه ، فخاف اليهود على أموالهم ومدخراتهم فعقدوا العزم على الهجرة إلى فلسطين واليمن والجزيرة العربية هرباً من بطشه وحزموا أمرهم في يوم معين للرحيل فدهمهم جنود الفرعون ونكلوا بهم وصادروا مالديهم من أموال وجدوها بحوزتهم ورموا بقادتهم في السجون واستحيوا نسائهم وقتلوا أطفالهم وكل مولود حديث ذكر فعانوا محنة عظيمة غير متوقعة ، فأرسل الله إليهم نبيه موسى خلاصاً لهم بإصراره على الفرعون لإخراجهم من مصر ، إلا أن الفرعون أبى . عندها سار بهم موسى ليلاً ليجتاز بهم النيل نحو سيناء فلحق بهم الفرعون في موكب إحتفالي ضخم ضم كبير الكهنة والسحرة مع الطبل والزمر ، فأركسه الله وكسفه ليغرقه وجيشه ثم لينجيه وحيداً ببدنه ملقى على الرمال أمام ذهول أتباعه ودهشتهم .
أما لماذا نجى الله سبحانه وتعالى الفرعون ببدنه حيث ذهب الآلآف من جنوده في مجارى النيل طعاماً للتماسيح والضباع على الضفاف بحيث لم يتبق منهم أحد ، فإن نجاته لم تكن سوى لحكمة منه مع إطلاعه على السر وأخفى ، إذ كان الفرعون قد اتفق مع كهنته ان لاتقام له أي حفلة جنائزية علنية عند موته بل تنقل جثته سراً إلى مقبرته في الهرم على أن يقال للناس أن الفرعون في غيبة طويلة لخلق البشر والشجر والحيوانات والنبات ؟! للإبقاء على ألوهيته بعد مماته ، وأنه قد إنتدب إبنه خفرع ليقوم مقامه طوال غيابه !
ولو التهم النيل الفرعون لثبتت ألوهيته وعظمته وقتذاك مع غيابه وفقاً للخطة الموضوعة بالقول أنه غاب في شأن إلهي لصالح خلقه من البشر ، ولكن الله أظهره ليفضح أمره ونفاقه وكذبه حيث اجتمع خلق عظيم عند موته ورأوه ملقى على الأرض بين أرجلهم وقد لفظته موجة كبيرة بعلو مائة متر من بين كل الغرقى وألقت به أمام الناس شبه عار فأمسك به كبير الكهنة وهزه قائلاً إذا كنت إلهاً فكيف غرقت وكيف مت لولا أنك كاذب وكافر ومنافق . ثم سحبت جثته بعربة يجرها حمار وتم التجوال بها في المدينة بأمر من رئيس الكهنة الذي كان حاقداً عليه لتسفيهه ألهتهم وقتله المعارضين من رجال الدين لألوهيته ؛ ومع تضامن الكهنة معه فقد أمر بإزالة كل التماثيل والنقوش والصور المتعلقة بخوفو عن جدران المعابد ، بعد أن اختفت جثته وزال أثرها دهساً بالأقدام ونهش الكلاب المسعورة ليلاً لما تبقى منها قبل إنبلاج الصباح . لقد كان رد فعل الجماهير غاضباً بعد الإستماع لخطاب رئيس الكهنة وبعضهم يردد ، كيف لإله أن يغرق ويموت ويلقى في الأرض وهو الذي كان يدعي الخلود والقوة وخلق البشر بعد 23 عاماً من السلطة ؟
ولقد اختفت آثار خوفو نهائياً منذ ذلك الوقت من المعابد الدينية إلا من تمثال صغير من العاج عثر عليه في محافظة المنيا بطول 9 سنتم وضع بالمتحف المصري في القاهرة .
لذا فإن موته كان طياً لصفحة الكفر الصريح وادعاء الألوهية وإنكار وجود الله عندما طلب من هامان أن يوقد له على الطين عند رأس الهرم وقد إنتهى بناؤه ليطلع على رب موسى ، وفي ذلك منتهى الغرور والحماقة . كما كان إظهار جثته سليمة للتعرف إليه تنبيهاً ونذيراً لمن سيخلفه في الحكم لئلا يحل به نفس المصير .
والإيقاد على الطين هي إحدى الخدع التي كان يستعملها خوفو للضحك على شعبه علمه أياها وزيره "هامان أنو " الفنيقي حيث كان يشعل الطين الممزوج بالقار على رأس الهرم في الأعياد والمناسبات الدينية في وعاء حجري ضخم فيلتهب لأيام عدة بنار عظيمة ، لتلتهب الجماهير معها بالتهليل والصراخ وتقع سجوداً لخوفو على هذه المعجزة ، ليعيد الكرة في موكب على النيل ليقذف بالمنجنيق كرات من اللهب إلى النار فلا تنطفىء ويردون ذلك إلى مقدرة خوفو الإلهية . وهي الأساليب التي استعملها الفنيقيون في حروبهم البحرية ضد أعدائهم . وقد أخطأ الفرعون مع النبي موسى ووقع في شر أعماله في إحدى لقاءاته معه ، عندما طلب إلى هامان أن يوقد له على الطين في مفاخرة منه على رأس الهرم ليطلع إلى رب موسى لتشتعل ناراً عظيمة أضاءت ماحولها ، فألقى موسى عصاه في الهواء فإذا بعاصفة رملية تخرج من الصحراء تصفر بصوت مخيف تلتف عالياً حول الجرن الحجري الملتهب على الهرم فتطفىء ناره وتلقي به من عل نحو الأرض ، ثم التفت نحوالفرعون قائلاً تريد ناراً فخذها من جهنم التي وقودها الناس والحجارة ، وألقى عصاه نحو الهرم فإذا بكتلة نارية تحيط بالهرم من أسفله إلى أعلاه وتحيلة إلى كتلة نارية مضيئة ملتهبة لدقائق ، أذهلت الفرعون ومن معه وأرعبتهم ، فاتهم موسى بالسحر ودعاه إلى المنازلة مع سحرته يوم الزينة ، وكان ماكان .
إن جو الفوضى الذي حل بعد موت خوفو بالغضب الشعبي الذي عبر عنه بتكسير ومهاجمة كل مايمت إلى عبادته الخرقاء بصلة ، قطعت الطريق على إبنه خفرع في التأخر باستلام الحكم لسنوات عدة خوفاً من الغضب الشعبي العارم ، بحيث أن إسرة الفرعون أختفت من قصورها ، التي نهبت وأحرقت ، إلى جهة غير معروفة من خلال بعض حراس القصر الأوفياء ليستولي على الحكم أحد ضباط الجيش لينصب نفسه ملكاً ويطلق على نفسه أسم " جرف رع " أي الخادم الأمين لرع ، بدعم من رئيس الكهنة " موت رع " أي المخلص لرع حتى النهاية .
ولم يتسن لأبن خوفو ، الفرعون خفرع ، أن يستلم الحكم إلا بعد وفاة الملك " جرف رع " ورئيس الكهنة ، وتعهده للكهنة باحترام الإله رع وعبادته . ومنذ ذلك الوقت فإنه طوال العهد الفرعوني لم يجرؤ احداً من الحكام على إدعاء الألوهية والقدرة على الخلق .
وبناء على ماتقدم فإن فرعون موسى أو فرعون الخروج هو الملك " خوفو " وليس أي فرعون آخر .