المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصبي والثعبان



محمد السويسي
21-11-2009, 12:24 AM
كان عبدالله يلحظ والده كل أسبوع يأخذ معه كيساً من البيض كان يطلب من أمه إعداده ليحمله عند خروجه من المنزل معتقداً أنها وجبة طعام له يتناولها أثناء عمله الذي كان يجهله على صغر سنه ولما يتعد السابعة من العمر . ولكن في يوم عطلة وقد أخذ والده " الوجبة " المعتادة عاد ظهراً إلى المنزل ليتناول الغداء الذي أعدته زوجته مع عائلته ، فبادره عبدالله سائلاً : ماذا فعلت بغدائك من البيض الذي أخذته معك صباحاً ياوالدي لتعود وتأكل في البيت ، هل تكسّر ورميته ؟ ضحك الوالد قائلاً إن هذا البيض ليس لي بل للثعبان في البستان .
http://www.elazayem.com/0018.jpg
أي بستان ؟ سأل الصغير فاغر الفم وقد أخذته الدهشه كما أخوته فرد عليه والده ، لتعلم ياصغيري أن لي بستاناً من الليمون والفواكه المختلفة خارج القرية أعوده كل يوم وأعتني بشجره لنبيع محصوله للسوق ونأكل مانحتاج من ثمره ، وهذا البيض الذي آخذه كل عدة أيام أطعمه للثعبان على دفعات خلال الأسبوع حتى لايجوع ويبقى في البستان ولا يغادره ليحرسه من القوارض والفئران المغيرة التي قد تفتك ببعض الأثمار كالرمان ، والرمان أنواع منه الحلو ومنه الحامض ، والناس تفضل النوع الأول لذا نزرع فيما بينه النوع الحامض لنضلل الفأر الذي يحب الرمان الحلو ولكن إن ذاق الحامض منه فإنه يغادر البستان دون أن يعود ، ولكن بما أن الأمر ليس مضموناً فإننا ندجن الثعبان ليقوم بدور الحراسة ويقضي على الفأر إن فكر في الغزو والسرقة والنهب أو إن حاول الدخول إلى البستان ، وبذلك أنام الليل قرير العين مع وجود حارس يرعى البستان من الفأر المزعج .
سر الطفل بهذه الرواية الغير متوقعة وألح على والده أن يأخذه في الغد معه لمشاهدة الثعبان ؛ ولم يمانع الوالد على أن تذهب العائلة جميعها في " سيران " لحفلة مشاوي من اللحوم على الغداء .
في ذهابهم إلى البستان ألح الصبي أن يحمل كيس البيض بيده بحرص شديد ليطعم الثعبان بيده وفق تصوره الطفولي . وماإن فتح الوالد البستان وقد وصلوا حتى اندفع عبدالله يتقدم أخوته داخل الحديقة بحثاً عن الثعبان للتفرج عليه وإطعامه وقد عثروا عليه مكوراً بجانب بئر من الماء فحثوا سيرهم نحوه بالتهليل والفرح والدهشة ليصرخ بهم والدهم للوقوف وعدم التحرك وقد اندفع نحوهم ملوحاً لينسل الثعبان مسرعاً كالبرق نحو حاصلات القصب الفاصلة بين بستان وآخر ليندس بينها ويختفي .
لقد كان ثعباناً أسوداً طويل الجسم لامعاً ، يعرف بالحنش ، وهو من النوع السام إلا أنه يكاد يكون عديم الأنياب نظراً لقصرها ؛ ولأنها تقع في مؤخرة الفك فإن مفعول سمها لاتأثير له إلا عند الإطباق على الفرائس الصغيرة حتى نهاية الفم أو إدخال أصبع الإنسان لجوفها، لذا فإن أذيتها وطعامها اقتصر على الفئران والضفادع والعصافير والسحالي والعقارب والأسماك والثعابين الصغيرة . ومن ميزة هذا النوع من الثعابين أنه قابل للتدجين في خدمة الإنسان بما لايعرفه البعض ، كما التفاني في الولاء لصاحبه والإخلاص له بحيث تألفه ولاتغادر موقعها إلا بنقلها منه ، كما تستجيب لندائه عند الصفير لها . وهذه الميزات جعلت البعض يعتقد أن هذا الثعبان غير سام إطلاقاً لذا عمدت إلى اقتنائه في أعمال الحراسة من الفئران والقوارض المؤذية والحشرات في بساتينها وتعتني به كما تعتني بأي حيوان داجن .
http://www.almuhands.org/forum/imgcache2009/4/12693almuhands.org.jpg
رُوع الأطفال لشدة صراخ والدهم خوفاً عليهم من الثعبان الذي لم يعتادهم وجمدوا في أرضهم بحيث وقع كيس البيض من يد عبدالله وتهشم بعضه في نفس اللحظه الذي أمسك به والده من كتفه وحضن أطفاله الذين أخذوا بالبكاء لخوفهم وحزنهم على ذهاب الثعبان دون أن يمتعوا نظرهم بمشاهدته . وقد هدّأ والدهم من روعهم ووعدهم بمشاهدة الثعبان ما إن ينتهون من الغداء ، فأنِسوا مستعجلين طعامهم لمشاهدة ماجاؤوا من أجله .
http://www.almuhands.org/forum/imgcache2009/4/12695almuhands.org.jpg
أكثر من ساعة مرت وكأنها دهر بالنسبة للأطفال لما استبد بهم من فضول وشوق وحب اطلاع لمشاهدة الثعبان وهو يأكل ، ووالدهم يمازحهم ويضاحكهم إلى أن حان الوقت الموعود ليأخذ عليهم عهد الأطفال ووعدهم بأن لايقتربوا من الثعبان بل يتأملوه عن بعد عند اقترابه من طعامه حتى لايخاف منهم ويعود للهرب . وما أن أمن الوالد إلى مواثيقهم البريئة حتى أخذ يصفر بإيقاع محسوب وكأنه متفق عليه بينه وبين الثعبان الذي أطل برأسه الصغير وجسمه الأسطواني اللامع بأعين صغيرة ضامرة من بين القصب وكأنه يتفحص المكان ويستكشف الخطر من الزوار الجدد الذين لم يعتادهم ، وما أن أحسن بالإطمئنان مع ترداد صفير سيده ومشاهدته له حتى اقترب بحذر من البيضة التي وضعها له على بعد ثلاثة أمتار من الأولاد ، ليبتلعها ببطىء شديد وقد فتح فمه بشكل واسع جداً أدهش الأطفال مع إتساع رقبته وكبر حجم رأسه واستدارته حول البيضه ليعود لينقبض على مهل ويتماوج الجسم من الرقبة حتى الوسط بانتفاخ متنقل مع تنقل البيضة داخل الجسم ألأنبوبي وانسيابها نحو المعدة .
إنقضت أيام الدراسة وجاء الصيف وكثر البيض من بضعة دجاجات يقتنيها أبو عبدالله في قن داخل حديقة المنزل وقد طلب من زوجته أن تهيء له بضع بيضات في كيس ورقي لأخذها معه كما جرت العادة ، إلا أنها افتقدتها من المطبخ في مكانها المعهود بسلة صغيرة من القش على طاولة زاوية المطبخ كانت قد أودعت بها بيض جمعته من القن لأيام عدة ولما لم تجد منه شيئاً سألت أطفالها ، أين البيض ؟ فأجابت إحداهن بأن أخوها عبدالله كان يأخذ البيض دائماً لأسابيع عدة من السلة ويذهب به خلف المنزل خارج السور ليعود خالي الوفاض دون أن تعرف مايفعل به !
عن غير وعي أخذ الوالد عصاً من جانب الباب وأسرع وزوجته تعدو خلفه ، وقد نبهت على أولادها عدم الخروج ، ليتجه خلف المنزل حيث وجد صغيره وقد استند إلى شجرة جوز ضخمة على بعد أمتار من جل حجري وقد نبتت أسفله الأشواك الكثيفة والقصب بما يشبه جم كبير وابنه ماداً يده يفقش بأصابعه ويصفر بشفتيه شاخصاً نحو الأرض ليقترب الوالد على مهل ليجد صلاً أسوداً خطيرا من نوع الأفاعي الغادرة الشديدة السمية والعدوانية التي اعتقدها الطفل أنها حنشاً كما في بستان والده ، مع عدم قدرته على التمييز بين ثعبان وآخر وقد خدع بظاهر الأمر على صغر سنه ، لذا عمد منذ أول الصيف لأسابيع عدة إلى الخروج خلف المنزل والصفير عند كل تجمع للشجيرات أو الأعشاب والأشواك وقد حمل بيضاً في يده ليضعه على بعد أمتار ثم ينادي إلى أن أصاب معه الأمر مع هذا الثعبان الخطير ، الذي ألفه طمعاً فيما يقدمه له من طعام يومي ، في محاولة طفولية لتقليد والده ببراءة ساذجة وقد سر من المشهد دون أن يدرك خطورته القاتلة .
إن اقتراب هذا الثعبان من المنزل ومجاورته له جعل خطره عظيماً على الطفل وأخوته والعائلة ، بل وسكان القرية جميعاً لعدوانيتة الشديدة مع نعومة ملمسه ، وسعيه للأذى والقتل غدراً بما لايُؤمن له .
عندما وصل أبو عبدالله كان الثعبان يتناول وجبته الثالثة والأخيره ، من البيض ، التي بدأت تعيق حركته وهي لازالت في فمه فحمل الوالد ابنه عبدالله بين يديه بسرعة وأعطاه لأمه للعودة به للمنزل بسرعة والتزامها مع أولادها وعدم الخروج إلى أن يأتي إليها ، وقد اتخذ قراره الحكيم السريع في اللحظة المناسبة والثعبان خائر القوى مع تملك البيض في رقبته ليحكم قبضته عليه بالعصا وإمساكه أسفل رأسه مع خبرته في هذا الشأن حيث شل قدرته وأخرج سكينه ، رفيقه الدائم ،
http://www12.0zz0.com/2009/06/21/09/390830989.jpg
ليقطع رأس الأفعى ليدرأ الخطر الطارىء عن عائلته ويلقي به بعيداً في الوادي ، لإن البيض إن انقطع لسبب ما أوقصر ابنه عن الخروج لإطعامه فإن هذا الثعبان قد يداهم البيت وينتقم من الطفل وأخوته لغدره وشدة عدوانيته بما لايؤمن جانبه مهما أحسن إليه .