shjoonal3in
30-12-2009, 12:23 AM
الشباب والحلم العربي
بقلم :كامل يوسف حسين
قرأت، مرات عدة، المقابلة التي أجرتها صحيفة « نيويورك تايمز» مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، مؤخرا، وفي كل مرة وجدت نفسي أتوقف طويلا أمام تأكيده على أن تراثه في العمل السياسي العربي، الممتد منذ شغل منصبه في عام 1975، قد يقترن بخيبة الأمل بأكثر مما يقترن بالنجاح، لأن جيله من القادة العرب أخفقوا في تحقيق الحلم العربي بإقامة الدولة الفلسطينية.
من المؤكد أن الكثيرين قد توقفوا أيضا عند تأكيد رجل الدولة العربي البارز على أن العرب، منذ ذلك الوقت، لم يشهدوا لحظات من الفرح، وإنما عرفوا لحظات الأزمات والصراع فحسب. وتساءل: كيف يمكن أن نجد السرور في أي شيء يحدث بينما شعب كالفلسطينيين يعيش على نحو ما نراه اليوم؟ الرسالة التي يبعثها الأمير سعود الفيصل أكثر من واضحة، وتنقل لنا مجموعة من المفاهيم، التي لابد من التعمق في إدراكها والتحرك انطلاقا منها: أولا ـ أن الحلم العربي، خلال العقود الماضية، بالوصول إلى دولة فلسطينية، في إطار معالجة دبلوماسية للصراع العربي ـ الإسرائيلي، لم يتحقق، ولا يبدو في الأفق أن هناك ما يعد بالحد الأدنى من إمكانية تحققه.
ثانيا ـ أن العرب يتحملون نصيبهم من المسؤولية عن هذا الوضع، لكن ذلك لا ينفي المسؤولية عن الولايات المتحدة، التي من خلال دعمها المطلق لإسرائيل جعلت القادة الإسرائيليين يتصورون خيارا قوامه العيش في هذه المنطقة من العالم من دون قبول أهلها بذلك، الأمر الذي يفتح الباب أمام صراع يمكن أن يمتد طويلا.
ثالثا ـ أن العنصر المحوري في استقرار المنطقة هو الصراع العربي ـ الإسرائيلي، والإخفاق في الوصول إلى حل لهذا الصراع يشبه الإمساك بحفنة من ماء أو رمل ما تلبث أن تتسرب من الأيدي تاركة العدم وحده.
والمرء لا يملك إلا أن ينظر بعين التقدير لما طرحه الأمير سعود الفيصل، في هذه المقابلة، غير أن هذا الطرح نفسه يشكل منطلقا للاقتراب من رؤية أكثر شمولا للحلم العربي، تمر بما تتصوره أجيال من العرب قادة وشعوبا.
الحلم العربي، بهذا التصور، يضم محاور عدة، لكنها جميعها تمر بأفق الجمع بين أجنحة معادلة التنمية الاقتصادية وتحقيق الديمقراطية، وهي معادلة لم يقدر لها أن تحقق الحد الأدنى من التكامل في أي مكان من العالم العربي، حتى اليوم.
هنا لابد لنا من أن نتذكر أن المحاولة العربية الأكثر طموحا للتحديث واللحاق بركب التطور العالمي تعرضت للإجهاض في تلك الظهيرة المشؤومة في الخامس من يونيو 1967، والذاكرة العربية تعي المصير المروع للمحاولتين الأكثر جدية لتعويض هذا الإجهاض، فالعراق اليوم يواجه نفقا لا تبدو في نهايته بقعة ضوء، على حين اجتازت الجزائر ما يشبه حربا أهلية خلفت تركة ثقيلة من الموت والدمار.
لست أحاول رسم صورة قاتمة لواقع عربي يعرف القارئ قسماته وملامحه جيدا، لكنني أسعى للوصول إلى إمكانية الإجابة عن علامة استفهام شائكة: إلى أين يمضي الحلم العربي؟
يمكن أن ندرج هنا مجموعة من الحقائق التي تشكل علامات طريق قد تفضي إلى الإجابة المنشودة:
أولا ـ أخطر ما أصيب به الحلم العربي، على الصعيدين السياسي والاقتصادي، هو فقدان الشباب للثقة في هذا الحلم وفي إمكانية تحققه، وهي ظاهرة وصلت إلى هاوية عدم الاهتمام بهذا الحلم واللامبالاة به والانصراف عنه، وهو ما نراه منعكسا في توجه أعداد كبيرة من الشباب العربي إلى الهجرة إلى خارج العالم العربي، حتى ولو كان ذلك يعني انخراطهم في العمل بالوظائف السوداء، وهذا التوجه هو، في حقيقة الأمر، شهادة يحررها هؤلاء الشباب بإفلاس المستقبل العربي، على الأقل من منظورهم.
ثانيا ـ لم يبلور العالم العربي، حتى اليوم، آليات عملية للتغيير في أي ميدان من ميادين العمل العام، ويصل هذا الواقع إلى مستوى بالغ الخطورة في الحياة السياسية، وينعكس في تمزق النخب وعجزها عن القيادة والتأثير، على حين تتبنى بعض الجماعات العنف أداة للحركة السياسية.
ثالثا ـ التراكم النسبي للإنجازات لا يترك بصمته على الأجيال، وهو ما يعني عمليا أن كل جيل عربي يجد نفسه مضطرا للبدء من الصفر تقريبا، وهكذا يجد عالمنا العربي نفسه غارقا في استمرارية لا تنتهي من حلقات التخلف الجهنمية.
رابعا ـ غياب الجهود المبذولة لترجمة الحلم العربي إلى مشروع عملي وقابل للتحقيق، وهو أمر يرتبط في بعض جوانبه بغياب الإرادة السياسية، حيث تعلمنا تجارب التحديث كافة أنه لا مجال للتقدم الحقيقي من دون انعقاد الإرادة السياسية على خوض غمار تجربة التحديث، بكل ما يقتضيه ذلك من تضحيات.
خامسا ـ ترتفع المأساة الحقيقية المتعلقة بالحلم العربي إلى قمتها مع المحاولات التي يشهدها أكثر من بلد عربي لإفراز بدائل له، في صورة انكفاء قطري على الذات، أو حتى انحسار إلى ما دون ذلك من كيانات.
وعلى الرغم من قتامة هذه الصورة، فإن خيوط الأمل لا يمكن إلا أن ترتبط بعودة الشباب العربي إلى التجمع حول الحلم العربي، معانقة له، وتحقيقا لمقوماته، ودفاعا عنه، لأنه بمعنى من المعاني.. وجودنا ذاته.
http://www.albayan.ae/servlet/Satellite?c=Article&cid=1250780620153&pagename=Albayan%2FArticle%2FFullDetail
بقلم :كامل يوسف حسين
قرأت، مرات عدة، المقابلة التي أجرتها صحيفة « نيويورك تايمز» مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، مؤخرا، وفي كل مرة وجدت نفسي أتوقف طويلا أمام تأكيده على أن تراثه في العمل السياسي العربي، الممتد منذ شغل منصبه في عام 1975، قد يقترن بخيبة الأمل بأكثر مما يقترن بالنجاح، لأن جيله من القادة العرب أخفقوا في تحقيق الحلم العربي بإقامة الدولة الفلسطينية.
من المؤكد أن الكثيرين قد توقفوا أيضا عند تأكيد رجل الدولة العربي البارز على أن العرب، منذ ذلك الوقت، لم يشهدوا لحظات من الفرح، وإنما عرفوا لحظات الأزمات والصراع فحسب. وتساءل: كيف يمكن أن نجد السرور في أي شيء يحدث بينما شعب كالفلسطينيين يعيش على نحو ما نراه اليوم؟ الرسالة التي يبعثها الأمير سعود الفيصل أكثر من واضحة، وتنقل لنا مجموعة من المفاهيم، التي لابد من التعمق في إدراكها والتحرك انطلاقا منها: أولا ـ أن الحلم العربي، خلال العقود الماضية، بالوصول إلى دولة فلسطينية، في إطار معالجة دبلوماسية للصراع العربي ـ الإسرائيلي، لم يتحقق، ولا يبدو في الأفق أن هناك ما يعد بالحد الأدنى من إمكانية تحققه.
ثانيا ـ أن العرب يتحملون نصيبهم من المسؤولية عن هذا الوضع، لكن ذلك لا ينفي المسؤولية عن الولايات المتحدة، التي من خلال دعمها المطلق لإسرائيل جعلت القادة الإسرائيليين يتصورون خيارا قوامه العيش في هذه المنطقة من العالم من دون قبول أهلها بذلك، الأمر الذي يفتح الباب أمام صراع يمكن أن يمتد طويلا.
ثالثا ـ أن العنصر المحوري في استقرار المنطقة هو الصراع العربي ـ الإسرائيلي، والإخفاق في الوصول إلى حل لهذا الصراع يشبه الإمساك بحفنة من ماء أو رمل ما تلبث أن تتسرب من الأيدي تاركة العدم وحده.
والمرء لا يملك إلا أن ينظر بعين التقدير لما طرحه الأمير سعود الفيصل، في هذه المقابلة، غير أن هذا الطرح نفسه يشكل منطلقا للاقتراب من رؤية أكثر شمولا للحلم العربي، تمر بما تتصوره أجيال من العرب قادة وشعوبا.
الحلم العربي، بهذا التصور، يضم محاور عدة، لكنها جميعها تمر بأفق الجمع بين أجنحة معادلة التنمية الاقتصادية وتحقيق الديمقراطية، وهي معادلة لم يقدر لها أن تحقق الحد الأدنى من التكامل في أي مكان من العالم العربي، حتى اليوم.
هنا لابد لنا من أن نتذكر أن المحاولة العربية الأكثر طموحا للتحديث واللحاق بركب التطور العالمي تعرضت للإجهاض في تلك الظهيرة المشؤومة في الخامس من يونيو 1967، والذاكرة العربية تعي المصير المروع للمحاولتين الأكثر جدية لتعويض هذا الإجهاض، فالعراق اليوم يواجه نفقا لا تبدو في نهايته بقعة ضوء، على حين اجتازت الجزائر ما يشبه حربا أهلية خلفت تركة ثقيلة من الموت والدمار.
لست أحاول رسم صورة قاتمة لواقع عربي يعرف القارئ قسماته وملامحه جيدا، لكنني أسعى للوصول إلى إمكانية الإجابة عن علامة استفهام شائكة: إلى أين يمضي الحلم العربي؟
يمكن أن ندرج هنا مجموعة من الحقائق التي تشكل علامات طريق قد تفضي إلى الإجابة المنشودة:
أولا ـ أخطر ما أصيب به الحلم العربي، على الصعيدين السياسي والاقتصادي، هو فقدان الشباب للثقة في هذا الحلم وفي إمكانية تحققه، وهي ظاهرة وصلت إلى هاوية عدم الاهتمام بهذا الحلم واللامبالاة به والانصراف عنه، وهو ما نراه منعكسا في توجه أعداد كبيرة من الشباب العربي إلى الهجرة إلى خارج العالم العربي، حتى ولو كان ذلك يعني انخراطهم في العمل بالوظائف السوداء، وهذا التوجه هو، في حقيقة الأمر، شهادة يحررها هؤلاء الشباب بإفلاس المستقبل العربي، على الأقل من منظورهم.
ثانيا ـ لم يبلور العالم العربي، حتى اليوم، آليات عملية للتغيير في أي ميدان من ميادين العمل العام، ويصل هذا الواقع إلى مستوى بالغ الخطورة في الحياة السياسية، وينعكس في تمزق النخب وعجزها عن القيادة والتأثير، على حين تتبنى بعض الجماعات العنف أداة للحركة السياسية.
ثالثا ـ التراكم النسبي للإنجازات لا يترك بصمته على الأجيال، وهو ما يعني عمليا أن كل جيل عربي يجد نفسه مضطرا للبدء من الصفر تقريبا، وهكذا يجد عالمنا العربي نفسه غارقا في استمرارية لا تنتهي من حلقات التخلف الجهنمية.
رابعا ـ غياب الجهود المبذولة لترجمة الحلم العربي إلى مشروع عملي وقابل للتحقيق، وهو أمر يرتبط في بعض جوانبه بغياب الإرادة السياسية، حيث تعلمنا تجارب التحديث كافة أنه لا مجال للتقدم الحقيقي من دون انعقاد الإرادة السياسية على خوض غمار تجربة التحديث، بكل ما يقتضيه ذلك من تضحيات.
خامسا ـ ترتفع المأساة الحقيقية المتعلقة بالحلم العربي إلى قمتها مع المحاولات التي يشهدها أكثر من بلد عربي لإفراز بدائل له، في صورة انكفاء قطري على الذات، أو حتى انحسار إلى ما دون ذلك من كيانات.
وعلى الرغم من قتامة هذه الصورة، فإن خيوط الأمل لا يمكن إلا أن ترتبط بعودة الشباب العربي إلى التجمع حول الحلم العربي، معانقة له، وتحقيقا لمقوماته، ودفاعا عنه، لأنه بمعنى من المعاني.. وجودنا ذاته.
http://www.albayan.ae/servlet/Satellite?c=Article&cid=1250780620153&pagename=Albayan%2FArticle%2FFullDetail