مشاهدة النسخة كاملة : دروس في مصطلح الحديث - البيقونية حفظاً و فهماً -
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على اله وصحبه و التابعين
أما بعد:
فان الله عز وجل قد اختص الله عز وجل هذه الامة بعلم الاسناد, به حفظ الله عز وجل السنة النبوية من التحريف و التبديل و التغير
فهذا فضل الله عز وجل علينا ان سخر لهذه الأمة رجالا لحفظ الاسانيد
يقول عبد الله بن المبارك لولا السند لقال من شاء ما شاء
و اختص من أهل الاسلام اهل السنة بهذا الشرف, فلذا فليس عند غيرنا من الطوائف الاسلامية و غير الاسلامية احد عنده علم لحفظ الحديث متكامل مثلنا
و بعلم الاسناد حفظ الله عز وجل سنة النبي صلى الله عليه و سلم من التحريف و التبديل
حتى نٌقِلت إلينا السنة من رجال نعرفهم جيداً ونعرف أمانتهم وعدم كذبهم,
و سنبدأ باذن الله بشرح مختصر على منظومة البيقوني, لتقريب هذا العلم و التعريف به
و هو مختصر من شرح الشيخ الخضير وفقه الله تعالى
منظومة البيقوني
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
أبدأُ بالحمدِ مُصَلِّياً على مُحمَّدٍ خَيِر نبيْ أُرسلا
وذِي مِنَ أقسَامِ الحديث عدَّة وكُلُّ واحدٍ أتى وحدَّه
أوَّلُها "الصحيحُ" وهوَ ما اتَّصَلْ إسنادُهُ ولْم يَشُِذّ أو يُعلّ
يَرْويهِ عَدْلٌ ضَابِطٌ عَنْ مِثْلِهِ مُعْتَمَدٌ في ضَبْطِهِ ونَقْلهِ
وَ"الَحسَنُ" الَمعْرُوفُ طُرْقاً وغَدَتْ رِجَالُهُ لا كالصّحيحِ اشْتَهَرَتْ
وكُلُّ ما عَنْ رُتبةِ الُحسْنِ قَصُر فَهْوَ"الضعيفُ"وهوَ أقْسَاماً كُثُرْ
وما أُضيفَ للنبي " الَمرْفوعُ " وما لتَابِعٍ هُوَ " المقْطوعُ "
وَ"الُمسْنَدُ" الُمتَّصِلُ الإسنادِ مِنْ رَاويهِ حتَّى الُمصْطفى ولْم يَبنْ
ومَا بِسَمْعِ كُلِّ رَاوٍ يَتَّصِل إسْنَادُهُ للمُصْطَفى فَ"الُمتَّصلْ"
"مُسَلْسَلٌ" قُلْ مَا عَلَى وَصْفٍ أتَى مِثْلُ أمَا والله أنْبأنِي الفتى
كذَاكَ قَدْ حَدَّثَنِيهِ قائِماً أوْ بَعْدَ أنْ حَدَّثَنِي تَبَسَّمَا
" عَزيزٌ " مَروِيُّ اثنَيِن أوْ ثَلاثهْ "مَشْهورٌ" مَرْوِيُّ فَوْقَ ما ثَلاثهْ
"مَعَنْعَنٌ " كَعَن سَعيدٍ عَنْ كَرَمْ "وَمُبهَمٌ " مَا فيهِ رَاوٍ لْم يُسَمْ
وكُلُّ مَا قَلَّت رِجَالُهُ " عَلا " وضِدُّهُ ذَاكَ الذِي قَدْ "نَزَلا "
ومَا أضَفْتَهُ إلى الأصْحَابِ مِن قَوْلٍ وفعْلٍ فهْوَ "مَوْقُوفٌ" زُكنْ
"وَمُرْسلٌ " مِنهُ الصَّحَابُّي سَقَطْ وقُلْ "غَريبٌ" ما رَوَى رَاوٍ فَقطْ
وكلُّ مَا لْم يَتَّصِلْ بِحَال إسْنَادُهُ "مُنْقَطِعُ " الأوْصالِ
"والُمعْضَلُ " السَّاقِطُ مِنْهُ اثْنَان ومَا أتى "مُدَلَّساً " نَوعانِ
الأوَّل الإسْقاطُ للشَّيخِ وأنْ يَنْقُلَ مَّمنْ فَوْقَهُ بعنْ وأنْ
والثَّانِ لا يُسْقِطُهُ لكنْ يَصِفْ أوْصَافَهُ بما بهِ لا يَنْعرِفْ
ومَا يَخالِفُ ثِقةٌ فيهِ الَملا فالشَّاذُّ و الَمقْلوبُ قِسْمَانِ تَلا
إبْدَالُ راوٍ ما بِرَاوٍ قِسْمُ وقَلْبُ إسْنَادٍ لمتنٍ قِسمُ
وَ" الفَرَدُ " ما قَيَّدْتَهُ بثِقَةِ أوْ جْمعٍ أوْ قَصِر على روايةِ
ومَا بعِلَّةٍ غُمُوضٍ أوْ خَفَا " مُعَلَّلٌ " عِنْدَهُمُ قَدْ عُرِفَا
وذُو اخْتِلافِ سنَدٍ أو مَتْنٍ " مُضْطربٌ " عِنْدَ أهيْلِ الفَنِّ
وَ"الُمدْرَجاتُ" في الحديثِ ما أتَتْ مِنْ بَعْضِ ألفاظِ الرُّوَاةِ اتَّصَلَتْ
ومَا رَوى كلُّ قَرِينٍ عنْ أخهْ " مُدَبَّجٌ" فَاعْرِفْهُ حَقًّا وانْتَخهْ
مُتَّفِقٌ لَفْظاً وخطاً " مُتَّفقْ " وضِدُّهُ فيما ذَكَرْنَا " الُمفْترقْ "
" مُؤْتَلِفٌ " مُتَّفِقُ الخطِّ فَقَطْ وضِدُّهُ "مُختَلِفٌ" فَاخْشَ الغَلَطْ
"والُمنْكَرُ" الفَردُ بهِ رَاوٍ غَدَا تَعْدِيلُهُ لا يْحمِلُ التَّفَرُّدَا
"مَتُروكُهُ" مَا وَاحِدٌ بهِ انفَردْ وأجَمعُوا لضَعْفِه فَهُوَ كرَدّ
والكذِبُ الُمخْتَلَقُ المصنُوعُ علَى النَّبيِّ فذَلِكَ " الموْضوعُ "
وقَدْ أتَتْ كالَجوْهَرِ المكْنُونِ سَمَّيْتُهَا : (مَنْظُومَةَ البَيْقُوني)
فَوْقَ الثَّلاثيَن بأرْبَعٍ أتَت أقْسامُهَا ثمَّ بخيٍر خُتِمتْ
t04SD_Q2mYQ
ترجمة البيقوني الناظم...
الناظم لا يوجد له ترجمة، وقد أختلف في اسمه، هل هو طه أو عمر؟ ولا يعرف على وجه التأكيد إلا البيقوني؛ لإشارته إلى هذه النسبة في أخر المنظومة
وهذا يسلكه بعض العلماء لإخفاء نفسه، مبالغة في الإخلاص لله تعالى، وكل ما أخفى الإنسان عمله كان أقرب إلى الإخلاص؛ لأن الإخفاء والبعد عن أنظار الناس بلا شك يعين النفس على الإخلاص
و على الإنسان أن يلاحظ مثل هذه الأمور، فإذا تيسر أن يعمل عملاً لا يطلع عليه أحد فهذا أقرب بلا شك، ولذا شرعت النوافل في البيوت كما في الحديث « أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة »
و جهلنا باسم الناظم لا يضره, بل يكفيه أن يقال " قال -رحمه الله تعالى-".والأجر يكتب له على مر العصور
(1)
أَبْدَأُ بِالْحَمْدِ مُصَلِّيًا عَلَى *** مُحَمَّدٍ خَيْرِ نَبِيٍّ أُرْسِلاَ
المؤلف –رحمه الله تعالى- بدأ بالبسملة، ثم ثنى بالحمدلة إقتداء بالقرآن الكريم اذ افتتح بالبسملة والحمدلة, و بالنبي –عليه الصلاة والسلام- اذ كان يبدأ في مخاطباته ومراسلاته يبدأ بالبسملة، وفي خطبه يبدأ بالحمدلة. و معنى الحمد ذكر الباري –جل وعلا- بأوصافه الجميلة، ونعمه العظيمة
وأما الصلاة على النبي –عليه الصلاة والسلام- فقد جاء الأمر بها في قوله تعالى" إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا", لا يتم الامتثال، امتثال الأمر في الآية حتى يصلي ويسلم، أما الاقتصار على الصلاة فقط دون السلام، أو السلام دون الصلاة فقط، فلا يتم الامتثال بذلك, و قد صرح النووي في مقدمة شرح مسلم بكراهة إفراد الصلاة دون السلام وابن حجر خص الكراهية بمن كان ديدنه ذلك، يصلي باستمرار ولا يسلم، أو يسلم باستمرار ولا يصلي
مو اعلم ان ممن له حق على الإنسان أن يلحقه بالنبي –عليه الصلاة والسلام-، ويعطفه عليه, الآل، لما لهم من حق، فهم وصية النبي –صلى الله عليه وسلم-، فيعطفون عليه،
وممن له حق أيضاً على المسلمين من وصلهم الدين بواسطتهم، وحملوه إلى الناس بأمانة وإتقان وصدق وإخلاص وهم الصحابة الكرام، الذين نشروا الدين وحملوه إلى أقطار المعمورة، فلهم علينا من الحق أن نصلي عليهم ونسلم تبعاً للنبي –عليه الصلاة والسلام-
فإذا قال: صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه، ولا يفرد الآل، ولا يفرد الصحب؛ و إفراد الآل شعار لبعض المبتدعة، وإفراد الصحب أيضاً شعار لقوم آخرين، وأهل السنة يتوسطون، ويمتثلون جميع الأوامر
و قول الؤلف خير نبي أرسلا: لا شك أنه -عليه الصلاة والسلام- سيد ولد آدم، وهو أفضل الأنبياء، وهو إمامهم وخاتمهم، من ختم الله به الرسالات
وقد جاء النهي عن التفضيل بين الأنبياء، وجاء نهيه -عليه الصلاة والسلام-كما في حديث « لا تفضلوا بين الأنبياء »، وحديث « لا تفضلوني على يونس »و النهي المقصود في الحديث انما يكون اذا أقتضى هذا التفضيل تنقص المفضول؛ لأن سبب ورود النهي جاء بهذا الصدد
بعد البسملة والحمدلة والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- يشرع في الخطب وفي الكتب أن يقول الخطيب أو الكاتب: أما بعد، وجاءت بها النصوص، ثبتت في أكثر من ثلاثين حديثاً، لكن هذا نظم مختصر جداً، يمكن يعوز أن يأتي بكل المطلوب، وإلا الإتيان بها سنة
(2)
"وَ ذِي مِنَ أَقْسَامِ الْحَدِيْثِ عِدَّهْ *** وَكُلُّ وَاحِدٍ أَتَى وَحَدَّهْ"
وَ ذِي يعني هذه المنظومة، وهذه الأبيات من أقسام الحديث عدة، يعني تشتمل على شيء من أقسام الحديث "عِدَّهْ "يعني عديدة، يعني كثيرة أو معددة
وَكُلُّ وَاحِدٍ" يعني من هذه الأقسام " أَتَى وَحَدَّهْ" يعني سيأتي، وعبر بالماضي عن المضارع لانه إذا قطع بمجيء الشيء يعبر عنه بالماضي،كما في قوله تعالى" أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ" وَحَدَّهْ" والحد كما هو معروف التعريف
المنظومات في هذا الفن (مصطلح الحديث) مراتب:
فمثلاً منظومة (غرامي صحيح) لابن الفرح ما فيها إلا الأسماء، تعداد (20 بيتاً) و هي قصيدة غزلية في ظاهرها أتى بجملة من أقسام المصطلح فيها و هي مليحة فصيحة, أراد به الناظم الترويح عن النفس و تسهيل العلم للطلبة...
و هذه المنظومة (البيقونية) اقتران الاسم بالتعريف
ثم نظم النخبة (قصب السكر) يقرن الاسم والتعريف والمثال والتقسيم مع قواعد يسيرة
ثم (ألفية العراقي) تأتي بهذا كله وتضيف إليه خلاف العلماء في المسائل الاصطلاحية، فيأتي بكل شيء يحتاجه طالب العلم، فلذا من حفظها أتقن هذا الفن، لاسيما إذا طبق بالأمثلة العملية
فرحم الله أهل العلم عملوا على تيسير هذا الفن و تسهله للطلبة و التدرج به
(3-4)
أَوَّلُهَا الصَّحِيحُ وَهْوَ مَا اتَّصَلْ *** إِسْنَادُهُ وَلَمْ يَشُذَّ أَوْ يُعَلْ
يَرْويهِ عَدْلٌ ضَابِطٌ عَنْ مِثلِهِ *** مُعْتَمَدٌ فِي ضَبْطِهِ وَ نَقْلِهِ
الحديث من حيث ثبوته ينقسم الى مقبول و مردود, و المقبول ينقسم الى صحيح و حسن, و المردود(الضعيف) ينقسم الى أقسام كثيرة جداً
و هذا تعريف الحديث الصحيح: فجمع شروطا خمسة:
1- اتصال الاسناد : بأن يكون كل راوٍ من رواته قد تحمله عمن فوقه، بطريق معتبر من طرق التحمل الثمانية، التي تأتي الإشارة إليها, أما إذا انقطع الإسناد سواء كان من أوله أو من أخره، نعم، أو من أثنائه بواحد أو أكثر، سواء كان الانقطاع ظاهراً أو خفياً، على ما سيأتي تفصيله في أنواع الانقطاع الظاهر والخفي، فلا يكون الخبر صحيحاً
2- ان يكون الرواة عدولاً في جميع طبقات السند: و العدل هو من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة , بمعنى أنه لا يترك واجب، ولا يرتكب محرم؛ لأن التقوى فعل الواجبات، وترك المحرمات، والمروءة آداب نفسانية، تحمل مراعاتها التخلق بأجمل الأخلاق، وعدم الخروج على الأعراف فالمروءة ليست من الأمور المحرمة الظاهرة، وإنما هي ملاحظة الغير، وعدم الاشتهار بشيء يختلف فيه الإنسان عن غيره
3- أن يكون الرواة ضابطين في جميع طبقات السند: الضابط: الحازم الحافظ الذي يحفظ الخبر، ويأديه, لأن للرواية طرفين، الرواية لها طرفان: طرف يسمى التحمل، وطرف يسمى الأداء، فالتحمل : أخذ الأحاديث عن الشيوخ، حفظ، والأداء تؤدي إلى التلاميذ،
في حال التحمل لا يشترط شيء، إنما يشترط التمييز، يعني تفهم وتحفظ فقط، لا يشترط أن يكون بالغاً، ولا يشترط أن يكون عدلاً، ولا يشترط أن يكون مسلماً أيضاً حال التحمل؛ لأن العبرة في حال الأداء
مثال: جبير بن مطعم سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو في حال كفره يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور فتحمل على الوجه المطلوب، لكن لو أدى حال كفره ما نقبل؛ لأن العدالة شرط، و لكنه أدى بعد إسلامه فقبلنا، وخرج الخبر في الصحيحين.
مثال اخر: الحديث الذي يرويه مالك عن نابع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم, فهذا "اسناد" كل راو فيه لقي و تحمل عن من فوقه, كل رواة الحديث هنا عدول و ظابطين, و الاسناد متصل لانه كل راو تحمل عن من سبقه, فيكون هذا "الاسناد" صحيحاً
واعلم ان مجموع العدالة والضبط ينتج منهما وصف لا بد منه في الرواية هو الثقة
4- أن لا يكون شاذاً, و معنى الشاذ: ما يخالف فيه الثقة من هو أوثق منه. و يأتي
5- ان لا يكون معلأ: و العلة: سبب خفي غامض يقدح في صحة الحديث الذي ظاهره السلامة منها, و يأتي
(5)
وَالحَسَنُ المَعْرُوفُ طُرْقًا وَغَدَتْ *** رِجَالُهُ لاَ كَالصَّحيحِ اشْتَهَرَتْ
هذا تعريف المؤلف للحديث الحسن, و الحسن في مرتبة واقعة بين الصحيح والضعيف، وما كان هذا شأنه يصعب ويعسر تمييزه؛ لأن الإنسان أحياناً يتراءى له أن هذا الطريق إلى الصحيح أقرب، وأحياناً يتراءى له أنه إلى الضعيف أقرب، ولذا صعب تعريف الحديث الحسن و اختلف العلماء اختلاف كبير في تعريف الحسن،
والمتأخرون استنبطوا تعريفاً جامعاً لكل أنواع الحديث الحسن، من خلال أقوال وتعاريف الأئمة المتقدمين, فقسموا الحسن الى قسمين:
حسن لذاته وهو: ما يرويه عدل خفيف الضبط، يعني ضبطه أقل من ضبط راوي الصحيح، بسند متصل، غير معلل ولا شاذ،
فاذا تعددت طرق هذا الحديث ارتقى فسموه الصحيح لغيره
الحسن لغيره هو الضعيف إذا تعددت طرقه بشروط معينة تأتي (في دروس موسعة أكثر ان شاء الله اذ الاحاديث الضعيفة منها ما لا تقبل الإنجبار، ومنها ما يكون الضعف قابل للإنجبار، فترتقي إلى درجة الحسن لغيره، ومنها ما تكون أقل من ذلك فتصح بمجموع طرقها), و معرفة الحسن لغيره لا تتم الا بمعرفة أنواع الحديث الضعيف
(6)
وَكُلُّ مَا عَنْ رُتْبَةِ الحُسْنِ قَصُرْ *** فَهْوَ الضَّعِيفُ وَهْوَ أَقْسَامًا كُثُرْ
كل ما لم تتوافر فيه شروط القبول فهو ضعيف، و شروط القبول هي: العدالة، الضبط، اتصال السند، السلامة من الشذوذ، السلامة من العلة القادحة، عدم الجابر عند الاحتياج إليه و كلما فقدنا شرطا خرج لنا نوع أو انواع, و لذا فهو اقسام كثر
(7)
و مَا أُضِيفَ للنَّبِي المَرْفُوعُ *** وَمَا لِتَابِعٍ هُوَ المَقْطُوعُ
هنا شرع بذكر انواع الحديث بحسب النسبة
فالمرفوع: ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو وصف (سواءٌ كان ضعيفاً و صحيحاً)
الموقوف : ما يضاف إلى الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين , ( و سيشير اليه المؤلف لاحقا في قوله :وَمَا أَضَفْتَهُ إِلَى الأَصْحَابِ مِنْ *** قَوْلٍ وَفِعْلٍ فَهْوَ مَوْقُوفٌ زُكِنْ )
المقطوع: ما أضيف للتابعي فمن دونه
مثل قال الحسن: كذا، أو فعل كذا، أو ابن سيرين، أو سعيد بن المسيب أو غيرهم من التابعين، يقال: هذا خبر مقطوع، (وإن كان إسناده متصلاًَ, فالمقطوع غير المنقطع...)
(8)
وَ المُسْنَدُ المُتَّصِلُ الإِسْنَادِ مِنْ *** رَاوِيهِ حَتَّى المُصْطَفَى وَ لَمْ يَبِنْ
المسند : اسم مفعول من الإسناد،
و الاسناد: حكاية طريق المتن
مثلا عنما نقول ان الحديث رواه مالك عن نافع عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا و كذا
السند هو مالك عن نافع عن ابن عمر,
و المتن هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم
و قوله "لم يبن" اي لم ينقطع
-----------------
المؤلف ذكر احد معاني المسند: و هو ما رفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بسند متصل
و لكن أهل العلم لهم استخدمات أوسع لمثل هذا الاصطلاح:
1- فيطلق ويراد به الكتاب الذي رتبت أحاديثه على أسماء الصحابة كمسند أحمد،
2- ويطلق على الكتاب الذي يروى بالأسانيد، ولو كان ترتيبه على الأبواب، كما في تسمية صحيح البخاري (الجامع الصحيح المسند) لأن أحاديثه مسندة (اي ذكرت باسنادها)
3- ويطلق ويراد به المرفوع, و هذا عندما يقولون: أسنده فلان، ووقفه فلان، وحينئذ يكون المراد به المرفوع ( ولو لم يكن متصلاً)
4- ويطلق ويراد به المتصل الإسناد، سواء كان مرفوعاً أو موقوفاً أو مقطوعاً كله مسندو ذلك حين يقولون: أسنده فلان، وأرسله فلان، فالمراد بالإسناد هنا اتصال السند
5- ويطلق ويراد به المرفوع المتصل الإسناد ، المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بإسناد متصل كما ذكر المؤلف هنا
و لا مانع من تعدد الاستعمالات للاصطلاح نفسه, لكن ينبغي على الطالب ان يتنبه لمثل هذا, حتى اذا قرأ كلام أهل العلم فسره باحد الاصطلاحات التي ذكرنا بحسب ما يظهر له من السياق
(9)
ومَا بِسَمْعِ كُلِّ رَاوٍ يَتَّصِل إسْنَادُهُ للمُصْطَفى فَ"الُمتَّصلْ"
هنا قسم الحديث باعتبار الاتصال و الانقطاع
فالمتصل: ما يتصل إسناده بحيث يكون كل راوٍ من رواته تحمله ممن فوقه بطريق معتبر (سواء كان مرفوعاً او موقوفاً او مقطوعاً, و سواء كان صحيحا او حسناً او ضعيفاً)
فاذا كان منسوباً الى المصطفى فيسمى :متصل مرفوع
و اذا كان الى الصحابي سمي: متصل موقوف
و اذا كان الى التابعي و من دونه قلنا : متصل مقطوع
تنبيه: وقول المؤلف: بسمع , و المصطف: على سبيل التغليب, و الا فالحديث يسمى متصلاً لو كان بأي طريقة من طرق التحمل الثمانية التي أشرنا اليها سابقا و سنفصلها لاحقاً, و ساء كان منسوبا الى المصطفى صلى الله عليه وسلم او الى الصحابة فهو يسمى متصلا
و اذا فقدنا الاتصال خرجت لنا انواع منها: المنقطع, و المعضل و المرسل والبلاغات و المعلق و سيأتي شرحها مفصلاً
(10)
مسَلْسَلٌ قُلْ مَا عَلَى وَصْفٍ أَتَى *** مِثْلُ أمَا وَ اللهِ أَنْبَانِي الفَتَى
كذَاكَ قَدْ حَدَّثَنِيهِ قائِماً أوْ بَعْدَ أنْ حَدَّثَنِي تَبَسَّمَا
ترتيب المؤلف لأنواع الحديث يحتاج إلى شيء من إعادة النظر, فانه يقدم انواعا و يؤخر انواعا مترابطة, و يقدم نوعاً كمالياأ على أنواع اهم منه!
و السبب أن المنظومة مختصرة، يمكن الإحاطة بأولها وآخرها وأثنائها في آن واحد، ليست من المطولات التي تحتاج في ترتيبها إلى شيء من التعب والعناء، فإذا حفظها الطالب يتصورها, و المقصود منها ليس الاحاطة بالعلم بل تعطي طالب العلم تصور، ولو من وجه لهذا العلم، اذ على كل طالب علم أن يتصور من جميع العلوم تصوراً ما، ويقبح بطالب العلم أن يخفى عليه شيء مما يحتاجه علم الكتاب والسنة
المسلسل من الكماليات بالنسبة لعلوم الحديث, ، قدمه على كثير من الأنواع المهمة، قدمه على أنواع الضعيف الأتي ذكرها، وهي أهم منه رغم ان التسلسل كمالي وليس بضروري ولا حاجي في الصانعة الحديثية
التسلسل: هو التتابع، فيتفق الرواة على وصف قولي أو فعلي،
ومن التسلسل ما يكون فيه التسلسل بصيغ الأداء مثلاً، أو بأسماء الرواة، أو بأفعالهم وأوصافهم...
مثلاً من أشهر المسلسلات المسلسل بالأولية، و هو حديث" الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء"
فهذا الحديث يسمى " المسلسل بالأولية" مازال التسلسل فيه إلى يومنا هذا، بدأ تسلسله من عند سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى
و طريقته ان الراوي يقول "حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه،" قال: حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه، قال: أخبرني فلان وهو أول حديث سمعته منه، إلى يومنا هذا
و هذا الحديث بتسلسله هذا فيه لطيفة و هي رحمة أهل الحديث و أهل السنة, فأول حديث يسمعونه لطلابهم هو هذا الحديث, ثم الطالب اول حديث يحدث به طالبه هو هذا الحديث و هكذا
و من الاحاديث المسلسلة بالفعل: ان يتصف كل راو بوصف كأن يتبسم، أو يقبض على لحيته، وصف فعلي،....... كل واحد من الرواةيقبض لحيته ويقول: آمنت بالقدر، و يتبسم، أو كان يحدث وهو جالس ثم قام أو كل واحد من رواته يحدث وهو مضطجع مثلاً
(11)
" عَزيزٌ " مَروِيُّ اثنَيِن أوْ ثَلاثهْ "مَشْهورٌ" مَرْوِيُّ فَوْقَ ما ثَلاثهْ
هذه قسمة اخرى للحديث بحسب عدد الرواة في كل طبقة عن كل راو
فالمشهور: لا يقل عن ثلاثة في كل طبقة, و لذا سمي مشهورا من الشهرة وهي الوضوح والانتشار
و العزيز:و هو الحديث الذي لا يقل عدد رواته عن اثنين في كل طبقة, بحيث لا يتفرد به راوي، ولو في طبقة من طبقات إسناده، , و سمي عزيز لكون الحديث عُزز و قوي بمجيئه من طريق آخر
فلو رووه عشرة عن اثنين عن عشرة صار عزيز وهكذا،لأن الأقل عند أهل العلم يقضي على الأكثر،
مثاله حديث حديث: « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين » مروي من طريق أبي هريرة ومن طريق أنس، ثم يرويه عن أبي هريرة اثنان وعن أنس اثنان
و سيأتي نوع الغريب: و هو ان يكون مدار الحديث على راو واحد في احد الطبقات على الأقل
مثاله حديث " إنما الأعمال بالنيات" أول حديث في صحيح البخاري.
فقد تفرد بروايته عن النبي -عليه الصلاة والسلام- عمر بن الخطاب، وتفرد بروايته عنه علقمة بن وقاص، وتفرد بروايته عنه محمد بن إبراهيم التيمي، وتفرد بالرواية عنه يحي بن سعيد الأنصاري، وعنه انتشر،
(12)
"مَعَنْعَنٌ " كَعَن سَعيدٍ عَنْ كَرَمْ "وَمُبهَمٌ " مَا فيهِ رَاوٍ لْم يُسَمْ
ذكر هنا نوعان من أنواع الحديث, المعنعن و المبهم
السند المعنعن: ما تكون فيه صيغة الأداء (عن)
مثلا يقول الإمام البخاري : حدثنا الحميدي قال: حديثنا سفيان عن يحيى بن سعيد ...الخ
فهذا معنعن
و السند المعنعن عند أهل العلم محمول على الاتصال بشرطين:
الشرط الأول : أن لا يكون الراوي موصوف بالتدليس؛ فإذا كان موصوفاً بالتدليس فلا تحمل عنعنته على الاتصال حتى يصرح بالتحديث
و معنى التدليس: أن يحدّث الرجل عن شيخ قد لقيه وأدرك زمانه ، وأخذ عنه ، وسمع منه ، وحدث عنه بما لم يسمع منه ، بلفظ يوهم السماع كـ " عن فلان " أو " قال فلان " ، وسُمي هذا بالتدليس لاشتراكه مع المعنى اللغوي في الخفاء في كل منهما . , و هو أنواع نأتي عليها ان شاء الله
الشرط الثاني: المعاصرة , بأن يكون الراوي قد عاصر شيخه الذي يروي عنه
و اما المبهم: فهو الحديث الذي فيه راوٍ لم يصرح باسمه كعن رجل، أو عن بعضهم، أو بعض الناس، أو فتى أو عن شيخ،
والمبهم فن في غاية الأهمية بالنسبة لعلوم الحديث؛ لأن معرفة هذا المبهم إذا كان في الإسناد يتوقف عليه التصحيح والتضعيف، والقبول والرد، فلا بد من البحث عنه، وقد يأتي مبهم في طريق، ويبين في طريق أخرى، وألف العلماء في المبهمات، ومن أهمها كتاب الخطيب : (الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة)ومن أجمع ما كتب وألف في الباب (المستفاد من مبهمات المتن والإسناد) للحافظ ولي الدين أبي زرعة ابن الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-، وهو إمام في هذا الشأن
فالتعيين المبهم في غاية الأهمية؛ و قد يكون في الاسناد او في المتن
فان كان في السند فهو مهم لاننا نحتاج إليه في التصحيح والتضعيف
وإن كان في المتن مثل سأل رجل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن كذا فقال، أو يرد ذكره في القصة، تعيينه مهم؛ لننظر في هذا الرجل، هل هو متقدم الإسلام ؟ وهل هو متأخر الإسلام؟ و بالتالي ننظر عند التعارض هذا الخبر متقدم أو متأخر؟ من أجل معرفة الناسخ والمنسوخ بواسطة هذا الرجل، الذي ذكر في متن الحديث، فالمبهمات تعيينها مهم جداً، سواء كانت في المتن أو في الإسناد. و هي في الاسناد اهم منها في المتن.
(13)
وكُلُّ مَا قَلَّت رِجَالُهُ " عَلا " وضِدُّهُ ذَاكَ الذِي قَدْ "نَزَلا "
والمراد بالعلو قلة عدد الرواة، قلة الوسائط بين الراوي والنبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا قلت الوسائط سمي الخبر عالياً، وإذا كثرت الوسائط بين المحدث والنبي -عليه الصلاة والسلام- سمي نازلاً
والعلو سنة عند أهل الحديث مرغوبة، وطريقة متبعة، يرحلون من أجله، ويتعبون من أجل تحقيقه، يرحل الليالي والأيام بل والشهور من أجل أن يستفيد، أن يسقط عنه راوي من السند، بحيث يتلقى الخبر بدون واسطة من راويه, لأن علو الإسناد بقلة الرواة لا شك أنه أقرب إلى الصحة؛ لأن الرواة منافذ، كل واحد منهم منفذ يحتمل أن يرد أو يتأتى الضعف إلى الخبر من قبله،
تنبيه:يبقى أن يكون هذا العلو يجب ان يكون بأسانيد نظيفة، فلا نحرص على أسانيد عالية على أي وجه كان، لأن إذا كان عندنا سند نازل برواة ثقات فانه أفضل من سند عال برواة ضعاف؛ لأن مدار الصحة على نظافة الأسانيد
(14)
ومَا أضَفْتَهُ إلى الأصْحَابِ مِن قَوْلٍ وفعْلٍ فهْوَ "مَوْقُوفٌ" زُكنْ
سبقت الاشارة الى معنى الموقوف, و قد قلنا إن ترتيب المنظومة ليس على الوجه المناسب، وإنما هي هكذا جاءت، ونظراً لاختصارها، وقلت أبياتها، وإمكان الاحاطة بأولها مع آخرها في آن واحد يتجاوز عن مسألة الترتيب الدقيق، لكن لو كانت منظومة كبيرة بحيث إذا نظر في هذا الباب ويحتاج في الباب الذي قبله والذي بعده إلى عناء ومراجعة، قلنا: لا بد إلى إعادة ترتيبها.
(15)
"وَمُرْسلٌ " مِنهُ الصَّحَابُّي سَقَطْ وقُلْ "غَريبٌ" ما رَوَى رَاوٍ فَقطْ
الغريب سبقت الاشارة الى معناه
و المرسل سنذكره في الدرس القادم ان شاء الله تعالى عند ذكر انواع الانقطاع
جميع حقوق برمجة vBulletin محفوظة ©2025 ,لدى مؤسسة Jelsoft المحدودة.
جميع المواضيع و المشاركات المطروحة من الاعضاء لا تعبر بالضرورة عن رأي أصحاب شبكة المنتدى .