المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال الضريبة على القيمة المضافة في لبنان وسلبياتها



محمد السويسي
12-02-2010, 08:47 PM
آن للبنان أن يعيد النظر بسياساته الضريبية للنهوض بالوطن

إن المعالجات الإقتصادية والمالية والمقترحات للنهوض بالوطن منذ عقدين من الزمن وحتى الآن لم تكن سوى محاولات عقيمة لم تأت بأي نتائج إيجابية ، بل أنها زادت الأمور سؤاً وتعقيداً مع تفاقم الدين العام وتجاوزه الخمسون مليار دولار من أصل ثمانية عشر ملياراً منذ نهاية التسعينات من القرن المنصرم حتى تاريخه .
ولم تكن هذه الزيادات أو التراكمات المستدانة من المصارف الداخلية والخارجية سوى خدمة للدين الذي دخل في نفق وقعر لانهاية له وفق السياسات المالية المتبعة من الحكومات المتعاقبة نظراً لقصور مستشاريها من مسؤولي وزارة المالية ومصرف لبنان في طرح البدائل والحلول وتقديم المقترحات لإصلاح الأمور وإطفاء الدين العام ضمن زمن معين ، بدلاً من تناميه السنوي وإدارته بشكل مرهق للمواطن والخزينة معاً ، ووضع الترتيبات الملائمة لإعادة النهوض بالطبقة الوسطى بإيجاد المناخ الإقتصادي الملائم لبعث تجاراتها نظراً لضرورتها بوصفها صمام الأمان في النهوض الوطني والأداة الفعالة في امتصاص البطالة ورفد الخزينة بالمال اللازم لإنجاز مشاريع البلاد بدل الإستجداء الدولي على أعتاب مؤتمرات باريس التي زادت من الطين بلة مع الإعتماد المطلق عليها والإستكانة لها وفق النهج المالي الغربي الغير ملائم للوضع اللبناني مع توافر خيارات أفضل .
إن تزايد الدين العام بدلاً من تناقصه على مدى عقدين من الزمن هو الدليل الواضح على عقم الخطط المتبعة في معالجته من قبل المسؤولين المعنيين ، لذا بات من الضروري إعادة النظر بالأساليب العقيمة المتبعة من ضرائب ورسوم مختلفة ، بدلاً من سوق الحجج والأعذار والتبريرات غير المجدية الذي لاطائل منها سوى المزيد من التراجع والإحباط وزيادة المصاعب المالية على المواطن .
وتعود بداية تراكم الدين العام مع بدء إعادة إعمار بيروت وإطلاق ورشة بناء ضخمة عمت لبنان لمحو آثار حرب السنتين التي سادته في السبعينات .
ورغم أن كلفة إعادة إعمار بيروت كانت متواضعة أمام عظمة الإنجاز الذي تحقق في العاصمة وأهميته إلا أنه كان مبلغاً يتجاوز قدرات الخزينة اللبنانية ووارداتها بأضعاف عدة . ومن هنا كانت الحكومات المتعاقبة تستنبط الوسائل الملائمة وفق تصورها ، لزيادة واردات الخزينة على أمل تسديد الدين والتخلص منه مع تواصل إعمار لبنان ، فعمدت إلى الأخذ بالمقترحات والمشاريع المالية الغير ملائمة للوضع اللبناني عند تطبيقها ، لتأثرها بمناخ العولمة السائد وقتذاك ومقترحات مؤتمرات باريس التي لم تأخذ بالواقع المالي والإقتصادي للمواطن اللبناني وكيفية المعالجة ، إذ كان الهم الأساس هو تأمين المساعدات والقروض التي كانت ولاتزال تزيد من أعباء الخزينة وبالتالي من إرهاق المواطن مع وجود بدائل اجدى وأكثر فعالية .
مثالب الضريبة على القيمة المضافة :
لقد كانت الضريبة على القيمة المضافة وتطبيقاتها وطرق إستيفائها من أسوأ المقترحات التي أخذت بها الحكومات اللبنانية المتوالية ، في سعي غير موفق لتمهيد الطريق الملائم للإنضمام إلى "منظمة التجارة العالمية" دون أن تدرك أبعادها وسلبياتها على وضع الإقتصاد اللبناني بشكل عام والزراعي بشكل خاص كالغريق يتمسك بالقشة في عرض البحر وقد أخذ به الهلع مع وجود قوارب الإنقاذ حوله. فمشروع منظمة التجارة العالمية ، الذي تسعى واشنطن لتعميمه على العالم ولاتتقيد من بنوده إلا بما يلائمها وينفعها ، يرمي إلى رفع الرسوم الجمركية عن البضائع من قبل الدول المستوردة للسلع الأجنبية واستبدالها بالضريبة على القيمة المضافة ، خاصة المنتوجات الزراعية بما يؤدي إلى بوار زراعات الدول النامية وضرب اقتصادها مع إنعدام المنافسة وتغييب الحماية الجمركية بما يعيق نموها ونهوضها نظراً لأنها في معظمها تعتمد على الزراعة مع ضعف الصناعة لديها أو إنعدامها.
إن من الخطأ اعتماد الضريبة على القيمة المضافة كمورد رئيسي أو وحيد لرفد الخزينة بالمال على حساب نمو التجارة الداخلية وازدهارها ورفع الحماية الجمركية عن منتوجاتها الصناعية على ضآلتها ، بلوي ذراع الطبقة الوسطى بإفراغ جيوب القوى الشرائية التي بمعظمها من الطبقات الفقيرة والمحدودة الدخل بإرهاقها بالضرائب او الرسوم الفاحشة مباشرة بتحميلها لفواتير الكهرباء والهاتف إلى جانب نفقات إضافية تدفع شهرياً لمولدات الكهرباء الخاصة وفرض رسوم مجحفة على المحروقات بشكل أدى إلى إنعدام القدرة المالية الضرورية للمواطن لتحريك السوق التجاري وبالتالي فقدان الطبقة الوسطى قدرتها على الإستمرار في أعمالها وبوار تجاراتها مع فقدان السيولة من أيدي المواطنين لصالح الضرائب والرسوم المباشرة والضريبة على القيمة المضافة .
وبدلاً من إلغاء هذه الضرائب أو الرسوم المتعددة والضريبة على القيمة المضافة ، رغم وطأتها وفشلها في إصلاح الوضع المالي بعد سنوات من التجربة واستبدالها بالضرائب والرسوم الغير المباشرة بما لها من إيجابيات مع توسع الخيارات للمشترين ، فإن وزارة المالية تتجه إلى اقتراح رفع قيمها من 10 بالمئة إلى 15 بالمئة مما يدل على قصورها وعجزها وفقدان الأمل في قدرتها على المعالجة مستقبلاً كما عدم مقدرتها على إعادة تقييم الوضع للإستفادة من الأخطاء وتجنبها للخروج من الأزمة ووقف تزايد الدين العام والإستدانة .
بل أن الوزارة قد ذهبت بعيداً في عدم إدراكها للأساليب الملائمة والناجعة لإصلاح الوضع المالي في تصريح وزارة المالية ، مع تهيؤها لإعداد الميزانية السنوية ، قالت فيه أن الضرائب على الإستهلاك "يمكن اعتبارها تصاعدية بطبيعة الحال..فإذا اضطررنا إلى زيادة الإيرادات ، فلن نزيد الضرائب على الدخل (والأرباح) لأن ذلك قد يعوق النمو ، أما ضرائب الإستهلاك فوقعها أقل على الإقتصاد" ؟!.
وبالمقارنة مع النظام الإقتصادي العالمي إزاء هذا التصريح ، فقد أعلن الرئيس الأمريكي في تقديمه لميزانية العام الجديد في محاولة لإصلاح وضع بلاده المالي المتدهور عقب الأزمة المالية : "أن الميزانية تهدف إلى ضخ المزيد من الأموال لمكافحة إرتفاع نسبة البطالة وزيادة الضرائب على الأثرياء وتجميد الإنفاق على عدد كبير من برامج الحكومة ".
وحدد اقتراحاً في الميزانية بزيادة الضرائب على الأسر التي يزيد دخلها عن 250 ألف دولار سنوياً ، كما تخصيص 100 بليون دولار بهدف خلق فرص عمل جديدة وزيادة إنفاق الحكومة على البنية التحتية والطاقة .
وهكذا فإن كلام وزارة المالية قد جاء في غير موقعه وفقاً لمفهوم النظام الإقتصادي الحر وطرق إصلاحه ومعالجته لأن مقترحاتها تؤدي إلى المزيد من تراكم الدين العام وتعذر النهوض كما المزيد من الضائقة المعيشية .
فأبسط القواعد الإقتصادية تقتضي إستيفاء الضريبة من القادرين الذين يملكون الأموال ويكنزونها وليس من الفقراء الذين لايملكون مايعطونه إلا بانتزاعه قسراً بما هو جار حالياً من لقمة عيشهم وكسوتهم وثمن دوائهم ، كما ملوك أوروبا في القرون الوسطى ، وتركهم للديون والإستجداء والقهر وبالتالي الإنحراف وسلوك الجريمة مع تفاقم العوز بما نلحظه على أرض الواقع الذي يتحمل عواقبه فشل المسؤولين المعنيين في استنباط وسائل المعالجة ووضع الخطط الملائمة لتغيير هذا الواقع نحو الأفضل للنهوض بالوطن كما ينبغي .
ضرورة تشكيل لجنة من الخبراء الإقتصاديين :
لذا كان من الضروري لوضع التصور المناسب في البحث عن حل هو أن تعمد الحكومة إلى تشكيل لجنة خاصة من الخبراء الإقتصاديين ، تستعين بمن تشاء وتتولى تقديم التوصيات بالإجراءات الواجب اتخاذها لخفض العجز والتخلص من الدين ورفع واردات الخزينة دون مساس بالطبقة الفقيرة ، على أن يقتصر مصرف لبنان ووزارة المالية على المشاركة فيها بممثلين لهما دون تولي أمرها لفشلهم في تقديم الحلول لعقدين كاملين ومسؤوليتهم عن تنامي الفقر والبطالة والتراجع الإقتصادي ، ودون إشراك القطاع المصرفي لتقديمه مصالحه الخاصة على الصالح العام في مواقف عدة .
لابد من "سواب" للضرائب والرسوم :
إن عمل وزارة المال يكاد ينحصر ، عدا استيفاء الضرائب والرسوم ، في إصدار سندات الخزينة بالعملات الأجنبية (اليوروبوند) وبالإعداد لعمليات مبادلة "سواب" للديون المستحقة سنوياً وكأنه إجراء روتنيي ملزم لاسبيل لتلافيه أو التخلص منه مستقبلاً رغم تعدد البدائل التي لايجدون إليها سبيلاً وللأسف .
والحل البديل يكون باتباع نفس أسلوب عملية "السواب" للدين العام بالعمل على "مبادلة" مطارح الضرائب والرسوم أيضاً وتغيير أسلوب جبايتها .
فبدلاً من إستيفائها مباشرة ، كسيولة مصادرة في وقت سابق لصالح المؤسسات الحكومية بإضافتها على فواتير الهاتف والمحروقات والكهرباء ، فلتعاد هذه السيولة إلى وضعها الطبيعي للسوق ، كما كانت في الماضي قبل إنتزاعها بتدابير متسرعة خاطئة غير مدروسة ، ولتستوفى منه بوسيلة غير مباشرة بما يؤدي إلى تحريكه وإنهاضه من ركوده القسري وإعادة تنشيطه في الأعمال التجارية لعمليات البيع والشراء بالجملة والمفرق التي هي المنفذ الوحيد لإعادة الطبقة الوسطى إلى موقعها السابق لأحياء دورها في امتصاص أكبر قدر من البطالة باستيعاب العاطلين عن العمل بما تؤمن من فرص مناسبة لهم كلما زادت من أعمالها أو نشاطاتها الإقتصادية وبالتالي رفد الخزينة بالمال اللازم لنمو الوطن الذي تكبر به ويكبر بها ويزدهر . ويكون ذلك بإعادة الضرائب والرسوم كما كانت عليه في السابق على السلع المستوردة ، لما في ذلك من إيجابيات .
ويقتضي ذلك الغاء الضريبة على القيمة المضافة لتعذر تطبيقها بشكل سليم ورفع الرسوم نهائياً بكل أنواعها عن فواتيرالكهرباء بما فيه رسم الساعة أو العداد التي يستوفى ثمنها عند التركيب وتخفيض أثمان الكهرباء عند زيادة الإستهلاك لتشجيع المصانع على زيادة إنتاجها بما يزيد من فرص العمل ويشجع المواطنين المخالفين على تركيب عدادات الإستهلاك .
كما ضرورة تركيب عدادات لخزانات الفيول أويل لصالح مؤسسة كهرباء لبنان لتحتسب الكميات المسلمة للصهاريج بشكل سليم عند التعبئة والنقل حفظاً للمال العام ومنع الهدر والنهب وفقاً للمثل السائر " المال السائب يعلم الناس الحرام " ، لأن هذا الضبط سيؤدي حتماً إلى تخفيض كلفة فاتورة الكهرباء على الخزينة .
كما يتطلب ذلك رفع كل الرسوم عن فواتير الهاتف وتخفيض أسعار المخابرة للهاتف المنزلي والنقال ، إذ ليس من المقبول أن يكون سعر التخابر الخليوي في لبنان الأعلى بين بلدان الجوار بما يزيد عن الضعفين ، وتعويض ذلك بفرض الضرائب على الأرباح للشركات والبنوك وأصحاب المال وعلى فوائد الودائع ورؤوس الأموال عند انتقالها للخارج ، لغير الإستيراد ، وفق نسب تصاعدية تبدأ من سقف معين لايحد من الحركة التجارية والتعليم والسياحة والسفر أو يؤثر عليها .
أما بالنسبة للرسوم على القيمة المضافة فيجب حصرها بالمصانع أوبالإنتاج الوطني فقط ، وليس في ذلك مخالفة لمقترحات مؤتمر باريس 3 ولا في مضمون إتفاقية التجارة العالمية رغم أننا غير معنيين بها ، لأنهم يتفهمون وضع لبنان ومشاكله المالية وتوجهاته الخدماتية ، عدا عن أن قيم وارداته من الحبوب أوصادراته من المنتوجات الزراعية متواضعة جداً لذا فإن الغرب سيتفهم وضعه ولا يلومه في أي سياسة إقتصادية ينتهجها تخلصه من ديونه وتزيد من ازدهاره كبلد صغير يعتمد في مداخيله على الخدمات والسياحة بالدرجة الأولى .
السرية المصرفية وسؤ تطبيقها :
رغم أن النظام اللبناني يعتمد السرية المصرفية في معاملاته وإيداعاته المصرفية إلا أنه يمارسها بشكل مؤذ لاقتصاده مع فرحه بانضمامه لمجموعات مكافحة تبييض الأموال لتجفيف منابع الإرهاب على عكس بعض الدول الأوربية والآسيوية التي تقدم مصالحها المالية على أي إجراءات أخرى قد تضر باقتصادها . فالتدابير والمعايير المصرفية التي رافقت هذا الإنتساب أعاقت الحركة النقدية الداخلية ونموها المصرفي مع تحديد سقف الإيداعات السائلة من قبل المواطنين بشكل متدن قياساً إلى متطلبات السوق لكثير من العمليات التجارية الحرة المتعددة الأنواع . إذ أن لبنان لم يكن ليضار لو عدّل التقيد بالشروط المجحفة لمتطلبات الدول الغربية أو تجاهلها أسوة بالآخرين بما يتناسب ونشاطه الإقتصادي كما فعلت سويسرا في رفضها رفع السرية المصرفية عن زبائنها أو إعاقة حركة الأموال الداخلة إليها أو الخارجة منها رغم كل الضغوط الأمريكية في قمتي العشرين وبيتسبرغ حفاظاً على مصالحها .
كما وأنه من الخطأ الإدعاء أو الإعتقاد أن حرية إدخال الأموال إلى لبنان وسحبها تشكل خطراً على الأمن العالمي ، فلبنان دولة مسالمة وضعيفة لاتشكل خطراً على أي من دول العالم أو الجوار ، لذا كان من الخطأ الشديد أن يستعمل لبنان قوانين السرية المصرفية بما يسىء إلى مصالح مواطنيه وأعمالهم التجارية مع تصديه للدفاع عن مصالح الآخرين مع عدم الحاجة إليه لاتخاذ هكذا موقف لعدم قدرته على التأثير في مثل هذه القضايا المتعلقة بالدول الكبرى . إذ كان من الأوفق للغرب أن يعمد إلى مراقبة الأموال الداخلة الى مصارفه ومراقبة تحركاتها ووجهتها لا أن يضغط على الدول الضعيفة كدولة مثل لبنان في موضوع كهذا فيه الكثير من المخادعة وذر الرماد لحساب مصالحه .

chris
13-02-2010, 11:56 AM
اعتقد ان سبب كل هذه الازمات ان كان في اللبنان ام في دولنا العربية يعود لامر واحد فقط

وهو ( الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب )
فهم يختارون مستشارين اقتصاديين ليسوا سوى عبارة عن اصحاب افكرا غبية لا تعرف المزج بين الواقع والخيال
مما يزيد غرق الامة اكثر فاكثر .. وعندما تطلب منهم انقاذ الموقف تتلعثم السنتهم و ينحدر تفكيرهم فلايجدوا الى رد واحد
زيادة الضرائب ... زيادة الضرائب..
طيب على من نزيد الضرائب على رؤوس اموال الاغنياء والشركات العملاقة .. فيقول لا .. انت تريد ان تفلسنا وتمنع العولمة وتضر بالاستثمار .. طبعا على طبقة الشعب المسكين ..


شكرا على هذا الموضوع يا اخي العزيز محمد السويسي



سلام chris

محمد السويسي
13-02-2010, 03:37 PM
الأخ كريس
لقد أصبت تماماً الواقع العربي في كلمات موجزة . أكر مشاركتك وتقبل تحياتي