إسلامية
04-04-2010, 05:51 PM
تتابع البلاء على ابن تيمية وعلى تلاميذه ومؤلفاته؛ فكان إظهار مؤلفاته آنذاك يوجب العقوبة والسجن، كما كشف عن ذلك تلميذه ابن عبد الهادي قائلاً: (لَـمَّا حُبس - ابن تيمية - تفرَّق أتباعه، وتفرَّقت كتبه، وخَوَّفوا أصحابه من أن يُظْهروا كتبه، وذهب كل أحد بما عنده وأخفاه، ولم يُظْهروا كتبه، فبقي هذا يهرب بما عنده، وهذا يبيعه أو يهبه، وهذا يخفيه ويودعه، حتى إن منهم من تُسرق كتبه فلا يستطيع أن يطلبها، ولا يقدر على تخليصها)[1].
ولم يقف العناء والأذى على مجرد إظهار مصنفات ابن تيمية، بل امتدَّ الخوف إلى مجرد تدوين أسماء مصنفاته، حيث جاء في رسالة وجَّهها عبد الله بن حامد - أحد علماء الشافعية - إلى ابن رُشَيِّق في رثاء ابن تيمية، إذ يقول ابن حامد: (والله ما كتبتها إلا وأدمعي تتساقط عند ذكره أسفاً على فراقه، وعدم ملاقاته... لكن لما سبق الوعد الكريم منكم بإنفاذ فهرست مصنفات الشيخ، وتأخّر ذلك عني، وأعتقد أن الإضراب عن ذلك نوع تقية، أو لعذر لا يسعني السؤال عنه؛ فسكتُّ عن الطلب، خشية أن يلحق أحداً ضررٌ - والعياذ بالله - بسببي..)[2].
وتكالب أهل البدع والأهواء على عداوته والحط منه؛ سواء كانوا من الروافض أو المتصوفة أو المتكلمين ونحوهم، بل بلغ بهم النَّزَق والحمق إلى تكفيره وتضليله؛ فالحصني - مثلاً - يجاهر بتكفير ابن تيمية، وأسوأ من ذلك العلاء البخاري الذي يكفِّر من سمَّى ابن تيمية شيخَ الإسلام!
ولحق - في ذيل تلك القافلة المتعثرة - شرذمة من المتساقطين المنتكسين في هذا الزمان؛ إذ تتابع نعيقهم وشغبهم، فأحدهم يهذي قائلاً: إن ابن تيمية مرَّ بأزمة روحية. ثم اختلق «الممسوخ» كذبة صلعاء وافترى على ابن تيمية قائلاً: (إن جميع الكفار سيغادرون النار إلى جنة الخلود!)[3].
وأما الآخر فكان مراوغاً فتارةً يتهم ابن تيمية بالتشدد؛ لأن عبارة: (يُستتاب فإن تاب وإلا قُتل) تكررت في عدة مواطن من مؤلفاته! وتارةً ينتقل هذا المتلوِّن إلى نقيض ذلك فيكتب عن التعددية عند ابن تيمية[4].
وثالثٌ من أُغَيْلِمَة الصحافة يطعن في موقف ابن تيمية من الفلسفة، ويتهافت في الدفاع عن الفلسفة ويتدثر في لمزه وهمزه بالعُجْمة والغموض... (فابن تيمية يُغيِّب الأيديولوجي في ثنايا النظر الابستمولوجي!)[5].
وفي غمرة هذه الأحوال الحالكة، والشغب المتلاحق؛ تتحقق الفراسة الإيمانية التي سطَّرها الشيخ أحمد بن مُرِّي - بعد وفاة ابن تيمية -: (والله - إن شاء الله - ليقيمنَّ الله - سبحانه - لنصر هذا الكلام ونشره وتدوينه وتفهمه واستخراج مقاصده واستحسان عجائبه وغرائبه؛ رجالاً هم الآن في أصلاب آبائهم)[6].
(وقد برَّت يمين ابن مُرِّي - بحمد الله ومنّته - فقام الشيخ عبد الرحمن بن قاسم (ت 1392هـ) بمساعدة ابنه محمد (ت 1421هـ) بعد نحو ستة قرون؛ بهذه المهمة الجليلة في (مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية).
وهذا المجموع غُرَّة في جبين الدهر، زينة لأهل الإسلام، لسان صدق للعلماء، عمدة للباحثين، نفع الله به أقواماً بعد آخرين، وقد انتشر في العالمين انتشار العافية، وكتب الله له من القبول والانتشار ما يعزّ نظيره في جهود المتأخرين، فالحمد لله رب العالمين)[7].
وحَفَل هذا العصر بإصدار موسوعات ومطولات ورسائل متعددة لابن تيمية، مثل: الفتاوى الكبرى، وجامع الرسائل (ت: محمد رشاد سالم)، والدرء، ومنهاج السُّنّة النبوية (ت: محمد رشاد سالم)، والمجموعة العلية (ت: هشام الصيني)، وجامع المسائل (ت: عزير شمس، وعلي العمران)، وغيرها كثير جداً. ولا يزال أهل الإسلام والسنة (يَرِدون من بحره العذب النمير، يرتعون من فضله في روضة وغدير)[8].
وقد حظيت هذه المؤلفات بالانتشار والاحتفاء والقبول ما لم يتحقق لغيرها، ولا يزال هذا الإبريز[9] يزداد تألقاً ولمعاناً مع مرور الأيام، وأضحى هذا التراث مورداً للباحثين في شتى العلوم الشرعية والتاريخية والتربوية...
بل إن جملة من المفكرين البارزين أظهروا انبهارهم بابن تيمية وتراثه، مثل: محمد عمارة في كتابه (رفع الملام)، وأبو يعرب المرزوقي وغيرهما.
لقد أجلب الجناة بخيلهم ورَجِلِهم، وتكالبوا على مؤلفات ابن تيمية بشتى أنواع الكيد والمكر؛ فكذبوا عليه وزوَّروا، وخوَّفوا وحذَّروا، بل كفَّروا وحرَّقوا مؤلفاته!
لكن خاب سعيهم، وتعثَّر شأنهم، فلا تزال هذه المؤلفات ملء السمع والبصر، قد حفظها الله تعــالى، وبـــارك فيهــا؛ إذ هــي مما يُبتغى به وجه الله؛ إذ ما كان لله فهو ينفع ويــدوم[10].
وقــال ابــن عبد الهادي - في شأن هذا الحفظ الرباني -: (ولقد رأيت من خَرْق العادة في حفظ كتبه وجمعها وإصلاح ما فَسَد منها، وردّ ما ذهب منها ما لو ذكرته لكان عجباً، يعلم به كل مصنف أن لله عناية به وبكلامه؛ لأنه يذبّ عن سُنة نبيه صلى الله عليه وسلم تحريفَ الغالين وانتحالَ المبطلين وتأويلَ الجاهلين)[11].
وما أجمل ما قاله بهاء الدين السبكي: (والله يا فلان! ما يبغض ابن تيمية إلا جاهل أو صاحب هوى؛ فالجــاهل لا يدري ما يقول، وصاحب الهوى يصدّه هواه عن الحق بعد معرفته به)[12].
ومع نفاسة هذا التراث وما يحويه من التحقيق البديع، والعمق والرسوخ، والسعة والشمول، وحسن الترتيب، وجزالة الأسلوب؛ إلا أن بعض متسنّنة هذا العصر قد زهدوا في هذا التراث، وفتروا عن تحصيل العلوم الشرعية، وشُغفوا بما استجد من معارف حادثة بما يسمى (البرمجة العصبية) و(تطوير الذات) و (تفجير الطاقات)...!
إن عموم جيل الصحوة الإسلامية يحتاج إلى تقريب وتيسير لهذا التراث، إضافة إلى أن العبارات المتشابهة التي يشغِّب بها أهل الأهواء فإنها تُرَدّ إلى عباراته وتقريراته الـمُحْكَمة البيّنة، كما يُحتفى بإبراز ما تحويه هذه المصنفات من تقعيد متين، وتأصيل فريد للعلوم الشرعية، وما تتضمنه من فقه للمقاصد وتحقيق لسدِّ الذرائع، ومعالجة للنوازل والمستجدات، ودراية بأحوال النفوس وأدوائها. وبالله التوفيق.
http://www.alabdulltif.net/index.php?option=content&task=view&id=12084 (http://www.alabdulltif.net/index.php?option=content&task=view&id=12084)
يتبع ان شاء الله
ولم يقف العناء والأذى على مجرد إظهار مصنفات ابن تيمية، بل امتدَّ الخوف إلى مجرد تدوين أسماء مصنفاته، حيث جاء في رسالة وجَّهها عبد الله بن حامد - أحد علماء الشافعية - إلى ابن رُشَيِّق في رثاء ابن تيمية، إذ يقول ابن حامد: (والله ما كتبتها إلا وأدمعي تتساقط عند ذكره أسفاً على فراقه، وعدم ملاقاته... لكن لما سبق الوعد الكريم منكم بإنفاذ فهرست مصنفات الشيخ، وتأخّر ذلك عني، وأعتقد أن الإضراب عن ذلك نوع تقية، أو لعذر لا يسعني السؤال عنه؛ فسكتُّ عن الطلب، خشية أن يلحق أحداً ضررٌ - والعياذ بالله - بسببي..)[2].
وتكالب أهل البدع والأهواء على عداوته والحط منه؛ سواء كانوا من الروافض أو المتصوفة أو المتكلمين ونحوهم، بل بلغ بهم النَّزَق والحمق إلى تكفيره وتضليله؛ فالحصني - مثلاً - يجاهر بتكفير ابن تيمية، وأسوأ من ذلك العلاء البخاري الذي يكفِّر من سمَّى ابن تيمية شيخَ الإسلام!
ولحق - في ذيل تلك القافلة المتعثرة - شرذمة من المتساقطين المنتكسين في هذا الزمان؛ إذ تتابع نعيقهم وشغبهم، فأحدهم يهذي قائلاً: إن ابن تيمية مرَّ بأزمة روحية. ثم اختلق «الممسوخ» كذبة صلعاء وافترى على ابن تيمية قائلاً: (إن جميع الكفار سيغادرون النار إلى جنة الخلود!)[3].
وأما الآخر فكان مراوغاً فتارةً يتهم ابن تيمية بالتشدد؛ لأن عبارة: (يُستتاب فإن تاب وإلا قُتل) تكررت في عدة مواطن من مؤلفاته! وتارةً ينتقل هذا المتلوِّن إلى نقيض ذلك فيكتب عن التعددية عند ابن تيمية[4].
وثالثٌ من أُغَيْلِمَة الصحافة يطعن في موقف ابن تيمية من الفلسفة، ويتهافت في الدفاع عن الفلسفة ويتدثر في لمزه وهمزه بالعُجْمة والغموض... (فابن تيمية يُغيِّب الأيديولوجي في ثنايا النظر الابستمولوجي!)[5].
وفي غمرة هذه الأحوال الحالكة، والشغب المتلاحق؛ تتحقق الفراسة الإيمانية التي سطَّرها الشيخ أحمد بن مُرِّي - بعد وفاة ابن تيمية -: (والله - إن شاء الله - ليقيمنَّ الله - سبحانه - لنصر هذا الكلام ونشره وتدوينه وتفهمه واستخراج مقاصده واستحسان عجائبه وغرائبه؛ رجالاً هم الآن في أصلاب آبائهم)[6].
(وقد برَّت يمين ابن مُرِّي - بحمد الله ومنّته - فقام الشيخ عبد الرحمن بن قاسم (ت 1392هـ) بمساعدة ابنه محمد (ت 1421هـ) بعد نحو ستة قرون؛ بهذه المهمة الجليلة في (مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية).
وهذا المجموع غُرَّة في جبين الدهر، زينة لأهل الإسلام، لسان صدق للعلماء، عمدة للباحثين، نفع الله به أقواماً بعد آخرين، وقد انتشر في العالمين انتشار العافية، وكتب الله له من القبول والانتشار ما يعزّ نظيره في جهود المتأخرين، فالحمد لله رب العالمين)[7].
وحَفَل هذا العصر بإصدار موسوعات ومطولات ورسائل متعددة لابن تيمية، مثل: الفتاوى الكبرى، وجامع الرسائل (ت: محمد رشاد سالم)، والدرء، ومنهاج السُّنّة النبوية (ت: محمد رشاد سالم)، والمجموعة العلية (ت: هشام الصيني)، وجامع المسائل (ت: عزير شمس، وعلي العمران)، وغيرها كثير جداً. ولا يزال أهل الإسلام والسنة (يَرِدون من بحره العذب النمير، يرتعون من فضله في روضة وغدير)[8].
وقد حظيت هذه المؤلفات بالانتشار والاحتفاء والقبول ما لم يتحقق لغيرها، ولا يزال هذا الإبريز[9] يزداد تألقاً ولمعاناً مع مرور الأيام، وأضحى هذا التراث مورداً للباحثين في شتى العلوم الشرعية والتاريخية والتربوية...
بل إن جملة من المفكرين البارزين أظهروا انبهارهم بابن تيمية وتراثه، مثل: محمد عمارة في كتابه (رفع الملام)، وأبو يعرب المرزوقي وغيرهما.
لقد أجلب الجناة بخيلهم ورَجِلِهم، وتكالبوا على مؤلفات ابن تيمية بشتى أنواع الكيد والمكر؛ فكذبوا عليه وزوَّروا، وخوَّفوا وحذَّروا، بل كفَّروا وحرَّقوا مؤلفاته!
لكن خاب سعيهم، وتعثَّر شأنهم، فلا تزال هذه المؤلفات ملء السمع والبصر، قد حفظها الله تعــالى، وبـــارك فيهــا؛ إذ هــي مما يُبتغى به وجه الله؛ إذ ما كان لله فهو ينفع ويــدوم[10].
وقــال ابــن عبد الهادي - في شأن هذا الحفظ الرباني -: (ولقد رأيت من خَرْق العادة في حفظ كتبه وجمعها وإصلاح ما فَسَد منها، وردّ ما ذهب منها ما لو ذكرته لكان عجباً، يعلم به كل مصنف أن لله عناية به وبكلامه؛ لأنه يذبّ عن سُنة نبيه صلى الله عليه وسلم تحريفَ الغالين وانتحالَ المبطلين وتأويلَ الجاهلين)[11].
وما أجمل ما قاله بهاء الدين السبكي: (والله يا فلان! ما يبغض ابن تيمية إلا جاهل أو صاحب هوى؛ فالجــاهل لا يدري ما يقول، وصاحب الهوى يصدّه هواه عن الحق بعد معرفته به)[12].
ومع نفاسة هذا التراث وما يحويه من التحقيق البديع، والعمق والرسوخ، والسعة والشمول، وحسن الترتيب، وجزالة الأسلوب؛ إلا أن بعض متسنّنة هذا العصر قد زهدوا في هذا التراث، وفتروا عن تحصيل العلوم الشرعية، وشُغفوا بما استجد من معارف حادثة بما يسمى (البرمجة العصبية) و(تطوير الذات) و (تفجير الطاقات)...!
إن عموم جيل الصحوة الإسلامية يحتاج إلى تقريب وتيسير لهذا التراث، إضافة إلى أن العبارات المتشابهة التي يشغِّب بها أهل الأهواء فإنها تُرَدّ إلى عباراته وتقريراته الـمُحْكَمة البيّنة، كما يُحتفى بإبراز ما تحويه هذه المصنفات من تقعيد متين، وتأصيل فريد للعلوم الشرعية، وما تتضمنه من فقه للمقاصد وتحقيق لسدِّ الذرائع، ومعالجة للنوازل والمستجدات، ودراية بأحوال النفوس وأدوائها. وبالله التوفيق.
http://www.alabdulltif.net/index.php?option=content&task=view&id=12084 (http://www.alabdulltif.net/index.php?option=content&task=view&id=12084)
يتبع ان شاء الله