المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال صدق الله العظيم وكذبت النبوءات



حق اليقين
07-06-2010, 08:04 PM
صدق الله العظيم وكذبت النبوءات




بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد :
أيها الأحباب الكرام :
فإن موضوع هذه النبوءات التي يتعلق بها بعض الإخوة المتحمسين حول زوال أمريكا أو إسرائيل ونحو ذلك اعتمادا على بعض الأرقام أو الكتب أو الآيات القرآنية ونحو ذلك لا يجوز شرعا أن نعول عليها ، وقد سبقهم إلى ذلك كثيرون ومن أولهم محمد رشاد خليفة صاحب الإعجاز العددي في القرآن الكريم فضلَّ وأضلَّ ، وقد سمعت بالكثير منها منذ أكثر من عشرين سنة فلم تصدق واحدة منها وكل ذلك لا أساس له من الصحة ومن ذلك صاحب كتاب هرمجدون وعمر أمة الإسلام وغير ذلك
******************
والدليل على بطلان هذه النتائج ما يلي :
1- ما يسمى بعلم الحروف قد استخدمته الفرق الباطنية لتخرج من الدين ولتطعن به فلا يجوز التعويل عليه في تفسير كتاب الله تعالى
2- لقد قمت بجمع جميع الأحاديث المقبولة والمتعلقة بعلامات الساعة الصغرى وقد فاقت ((500)) حديث منذ أكثر من ربع قرن وجمعت كذلك ما صح من علامات الساعة الكبرى وبعدهما ما صح من أخبار المهدي
وقد تبين لدي أن هذه العلامات يكتنفها أمران هامان وهما الإيجاز والإبهام ومن ثم لا نستطيع الجزم بوقوع واحدة منهما إلا بعد وقوعها تماما وانطباق النص عليها انطباقا تاما فلا يجوز أن ننساق وراء العواطف والأحلام أو الدعايات المغرضة التي يروجها بعض أعداء الإسلام وذلك من أجل تخديرنا وإبعادنا عن حقيقة الصراع بين الحق والباطل
فمثلا الدجال فقد كانوا يظنون أنه ابن صياد مع أنه من علامات الساعة الكبرى ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ خَرَجْنَا حُجَّاجًا أَوْ عُمَّارًا وَمَعَنَا ابْنُ صَائِدٍ - قَالَ - فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَبَقِيتُ أَنَا وَهُوَ فَاسْتَوْحَشْتُ مِنْهُ وَحْشَةً شَدِيدَةً مِمَّا يُقَالُ عَلَيْهِ - قَالَ - وَجَاءَ بِمَتَاعِهِ فَوَضَعَهُ مَعَ مَتَاعِى. فَقُلْتُ إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ فَلَوْ وَضَعْتَهُ تَحْتَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ - قَالَ - فَفَعَلَ - قَالَ - فَرُفِعَتْ لَنَا غَنَمٌ فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِعُسٍّ فَقَالَ اشْرَبْ أَبَا سَعِيدٍ. فَقُلْتُ إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ وَاللَّبَنُ حَارٌّ. مَا بِى إِلاَّ أَنِّى أَكْرَهُ أَنْ أَشْرَبَ عَنْ يَدِهِ - أَوْ قَالَ آخُذَ عَنْ يَدِهِ - فَقَالَ أَبَا سَعِيدٍ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آخُذَ حَبْلاً فَأُعَلِّقَهُ بِشَجَرَةٍ ثُمَّ أَخْتَنِقَ مِمَّا يَقُولُ لِىَ النَّاسُ يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْ خَفِىَ عَلَيْهِ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا خَفِىَ عَلَيْكُمْ مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَسْتَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « هُوَ كَافِرٌ ». وَأَنَا مُسْلِمٌ أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « هُوَ عَقِيمٌ لاَ يُولَدُ لَهُ ». وَقَدْ تَرَكْتُ وَلَدِى بِالْمَدِينَةِ أَوَ لَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلاَ مَكَّةَ ». وَقَدْ أَقْبَلْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَنَا أُرِيدُ مَكَّةَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ حَتَّى كِدْتُ أَنْ أَعْذِرَهُ. ثُمَّ قَالَ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّى لأَعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ مَوْلِدَهُ وَأَيْنَ هُوَ الآنَ. قَالَ قُلْتُ لَهُ تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ.
3- لقد ذكر الله تعالى بنص القرآن الكريم سبب هلاك الأمم في آيات عديدة ومن ذلك :

الظلم قال تعالى :
{ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا} (59) سورة الكهف

الفساد في الأرض قال تعالى :
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) سورة الفجر
والكفر والفسوق والعصيان كما فعل بقول نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب عليهم السلام
وغير ذلك من آيات كثيرة
قال تعالى :
{ وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ} (89) سورة هود
وقال عن قوم لوط عليه السلام :
{ فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)

4- قد وعدنا الله تعالى بإهلاك المجرمين والمفسدين والمنحرفين عن منهجه ووعده الحق
قال تعالى :
{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (24) سورة يونس
وقال تعالى :
{ وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (16) سورة الإسراء
وقال تعالى :
{ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} (44) سورة الأنعام
وقال تعالى :
{ قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} (12) سورة آل عمران
{لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ(196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} (197) سورة آل عمران

5- وعد الله تعالى أمة صلى الله عليه وسلم بالنصر المؤزر على عدوهم ووعده الحق
قال تعالى :
{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (55) سورة النــور
وقال تعالى :
{ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (60) سورة الروم
وقال تعالى :
{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} (214) سورة البقرة
وقال تعالى :
{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (33) سورة التوبة
وغير ذلك من آيات قرآنية
وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة بين فيها أن المسلمين سينتصرون على الفرس والروم وأن هذا الدين سينتشر في سائر الأرض بعز عزيز وبذل ذليل ففي مسند أحمد عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلاَ يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلاَمَ وَذُلاًّ يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ ». وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِىُّ يَقُولُ قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِى أَهْلِ بَيْتِى لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْخَيْرُ وَالشَّرَفُ وَالْعِزُّ وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِراً الذُّلُّ وَالصَّغَارُ وَالْجِزْيَةُ.

6- هناك فرق كبير بين الأمة الإسلامية بين الأمم التي سبقتها ، حيث كان الرسل يؤيدهم الله تعالى بالمعجزة ويهلك من عاداهم من الكفار دون أن يكون هناك قتال بين الطرفين
وأما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فأمرها يختلف اختلافا كليا عنهم فقد أمرها تعالى بالأخذ بأسباب النصر مع التوكل التام على الله تعالى ووعدها بعد ذلك بالنصر
والتأييد فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ كل الاحتياطات من أجل الهجرة ولم يعتمد على وعد الله تعالى فقط وكذلك في جميع غزواته والنصر الذي يكون بلا ثمن لا قيمة له بتاتا
فقد قال تعالى لنا :
{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} (214) سورة البقرة
هكذا خاطب الله الجماعة المسلمة الأولى , وهكذا وجهها إلى تجارب الجماعات المؤمنة قبلها , وإلى سنته - سبحانه - في تربية عباده المختارين , الذين يكل إليهم رايته , وينوط بهم أمانته في الأرض ومنهجه وشريعته . وهو خطاب مطرد لكل من يختار لهذا الدور العظيم . .
وإنها لتجربة عميقة جليلة مرهوبة . .
إن هذا السؤال من الرسول والذين آمنوا معه . من الرسول الموصول بالله , والمؤمنين الذين آمنوا بالله . إن سؤالهم: (متى نصر الله ?) ليصور مدى المحنة التي تزلزل مثل هذه القلوب الموصولة . ولن تكون إلا محنة فوق الوصف , تلقي ظلالها على مثل هاتيك القلوب , فتبعث منها ذلك السؤال المكروب: (متى نصر الله ?) . .
وعندما تثبت القلوب على مثل هذه المحنة المزلزلة . .
عندئذ تتم كلمة الله , ويجيء النصر من الله:
(ألا إن نصر الله قريب) . .
إنه مدخر لمن يستحقونه . ولن يستحقه إلا الذين يثبتون حتى النهاية . الذين يثبتون على البأساء والضراء . الذين يصمدون للزلزلة . الذين لا يحنون رؤوسهم للعاصفة . الذين يستيقنون أن لا نصر إلا نصر الله , وعندما يشاء الله . وحتى حين تبلغ المحنة ذروتها , فهم يتطلعون فحسب إلى (نصر الله) , لا إلى أي حل آخر , ولا إلى أي نصر لا يجيء من عند الله . ولا نصر إلا من عند الله .
بهذا يدخل المؤمنون الجنة , مستحقين لها , جديرين بها , بعد الجهاد والامتحان , والصبر والثبات , والتجرد لله وحده , والشعور به وحده , وإغفال كل ما سواه وكل من سواه .
إن الصراع والصبر عليه يهب النفوس قوة , ويرفعها على ذواتها , ويطهرها في بوتقة الألم , فيصفو عنصرها ويضيء , ويهب العقيدة عمقا وقوة وحيوية , فتتلألأ حتى في أعين أعدائها وخصومها . وعندئذ يدخلون في دين الله أفواجا كما وقع , وكما يقع في كل قضية حق , يلقي أصحابها ما يلقون في أول الطريق , حتى إذا ثبتوا للمحنة انحاز إليهم من كانوا يحاربونهم وناصرهم أشد المناوئين وأكبر المعاندين . .
على أنه - حتى إذا لم يقع هذا - يقع ما هو أعظم منه في حقيقته . يقع أن ترتفع أرواح أصحاب الدعوة على كل قوى الأرض وشرورها وفتنتها , وأن تنطلق من إسار الحرص على الدعة والراحة , والحرص على الحياة نفسها في النهاية . .
وهذا الانطلاق كسب للبشرية كلها , وكسب للأرواح التي تصل إليه عن طريق الاستعلاء . كسب يرجح جميع الآلام وجميع البأساء والضراء التي يعانيها المؤمنون , والمؤتمنون على راية الله وأمانته ودينه وشريعته .
وهذا الانطلاق هو المؤهل لحياة الجنة في نهاية المطاف . .
وهذا هو الطريق . .
هذا هو الطريق كما يصفه الله للجماعة المسلمة الأولى , وللجماعة المسلمة في كل جيل .
هذا هو الطريق:إيمان وجهاد . . ومحنة وابتلاء . وصبر وثبات . . وتوجه إلى الله وحده . ثم يجيء النصر . ثم يجيء النعيم . .


****************

وقال تعالى :
{ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } (110) سورة يوسف
إن الدعوة إلى الله ليست تجارة قصيرة الأجل ; إما أن تربح ربحا معينا محددا في هذه الأرض , وإما أن يتخلى عنها أصحابها إلى تجارة أخرى أقرب ربحا وأيسر حصيلة ! والذي ينهض بالدعوة إلى الله في المجتمعات الجاهلية - والمجتمعات الجاهلية هي التي تدين لغير الله بالطاعةوالاتباع في أي زمان أو مكان - يجب أن يوطن نفسه على أنه لا يقوم برحلة مريحة , ولا يقوم بتجارة مادية قريبة الأجل ! إنما ينبغي له أن يستيقن أنه يواجه طواغيت يملكون القوة والمال ويملكون استخفاف الجماهير حتى ترى الأسود أبيض والأبيض أسود ! ويملكون تأليب هذه الجماهير ذاتها على أصحاب الدعوة إلى الله , باستثارة شهواتها وتهديدها بأن أصحاب الدعوة إلى الله يريدون حرمانها من هذه الشهوات ! . .
ويجب أن يستيقنوا أن الدعوة إلى الله كثيرة التكاليف , وأن الانضمام إليها في وجه المقاومة الجاهلية كثير التكاليف أيضا . وأنه من ثم لا تنضم إليها - في أول الأمر - الجماهير المستضعفة , إنما تنضم إليها الصفوة المختارة في الجيل كله , التي تؤثر حقيقة هذا الدين على الراحة والسلامة , وعلى كل متاع هذه الحياة الدنيا . وأن عدد هذه الصفوة يكون دائما قليلا جدا .
ولكن الله يفتح بينهم وبين قومهم بالحق , بعد جهاد يطول أو يقصر . وعندئذ فقط تدخل الجماهير في دين الله أفواجا .


***************

وبين ربنا سبحانه وتعالى أنه لا بد من الأخذ بالسنن الكونية والشرعية في عوامل النصر والهزيمة
قال تعالى :
قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ (137) هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (138) وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (143) سورة آل عمران
فلا يكفي أن يجاهد المؤمنون . إنما هو الصبر على تكاليف هذه الدعوة أيضا . التكاليف المستمرة المتنوعة التي لا تقف عند الجهاد في الميدان . فربما كان الجهاد في الميدان أخف تكاليف هذه الدعوة التي يطلب لها الصبر , ويختبر بها الإيمان . إنما هنالك المعاناة اليومية التي لا تنتهي:معاناة الاستقامة على أفق الإيمان . والاستقرار على مقتضياته في الشعور والسلوك , والصبر في أثناء ذلك على الضعف الإنساني:في النفس وفي الغير , ممن يتعامل معهم المؤمن في حياته اليومية . والصبر على الفترات التي يستعلي فيها الباطل وينتفش ويبدو كالمنتصر ! والصبر على طول الطريق وبعد الشقة وكثرة العقبات . والصبر على وسوسة الراحة وهفوة النفس لها في زحمة الجهد والكرب والنضال . .
والصبر على أشياء كثيرة ليس الجهاد في الميدان إلا واحدا منها , في الطريق المحفوف بالمكاره . طريق الجنة التي لا تنال بالأماني وبكلمات اللسان !
ولقد كان الله - سبحانه - قادرا على أن يمنح النصر لنبيه ولدعوته ولدينه ولمنهجه منذ اللحظة الأولى , وبلا كد من المؤمنين ولا عناء . وكان قادرا أن ينزل الملائكة تقاتل معهم - أو بدونهم - وتدمر على المشركين , كما دمرت على عاد وثمود وقوم لوط . .
ولكن المسألة ليست هي النصر . .
إنما هي تربية الجماعة المسلمة , التي تعد لتتسلم قيادة البشرية . .
البشرية بكل ضعفها ونقصها ; وبكل شهواتها ونزواتها ; وبكل جاهليتها وانحرافها . .
وقيادتها قيادة راشدة تقتضي استعدادا عاليا من القادة . وأول ما تقتضيه صلابة في الخلق , وثبات على الحق , وصبر على المعاناة , ومعرفة بمواطن الضعف ومواطن القوة في النفس البشرية , وخبرة بمواطن الزلل ودواعي الانحراف , ووسائل العلاج . .
ثم صبر على الرخاء كالصبر على الشدة . وصبر على الشدة بعد الرخاء . وطعمها يومئذ لاذع مرير ! . .
وهذه التربية هي التي يأخذ الله بها الجماعة المسلمة حين يأذن بتسليمها مقاليد القيادة , ليعدها بهذه التربية للدور العظيم الهائل الشاق , الذي ينوطه بها في هذه الأرض . وقد شاء - سبحانه - أن يجعل هذا الدور من نصيب "الإنسان" الذي استخلفه في هذا الملك العريض !
وقدر الله في إعداد الجماعة المسلمة للقيادة يمضي في طريقه , بشتى الأسباب والوسائل , وشتى الملابسات والوقائع . .
يمضي أحيانا عن طريق النصر الحاسم للجماعة المسلمة , فتستبشر , وترتفع ثقتها بنفسها - في ظل العون الإلهي - وتجرب لذة النصر , وتصبر على نشوته , وتجرب مقدرتها على مغالبة البطر والزهو والخيلاء , وعلى التزام التواضع والشكر لله . .
ويمضي أحيانا عن طريق الهزيمة والكرب والشدة . فتلجأ إلى الله , وتعرف حقيقة قوتها الذاتية , وضعفها حين تنحرف أدنى انحراف عن منهج الله . وتجرب مرارة الهزيمة ; وتستعلي مع ذلك على الباطل , بما عندها من الحق المجرد ; وتعرف مواضع نقصها وضعفها , ومداخل شهواتها , ومزالق أقدامها ; فتحاول أن تصلح من هذا كله في الجولة القادمة . .
وتخرج من النصر ومن الهزيمة بالزاد والرصيد . .
ويمضي قدر الله وفق سنته لا يتخلف ولا يحيد .
.
7- لا بد من الأخذ بأسباب النصر والابتعاد عن أسباب الهزيمة
قال تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ (15) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) الأنفال
إن قلب المؤمن ينبغي أن يكون راسخا ثابتا لا تهزمه في الأرض قوة , وهو موصول بقوة الله الغالب على أمره , القاهر فوق عباده . .
وإذا جاز أن تنال هذا القلب هزة - وهو يواجه الخطر - فإن هذه الهزة لا يجوز أنتبلغ أن تكون هزيمة وفرارا . والآجال بيد الله , فما يجوز أن يولي المؤمن خوفا على الحياة . وليس في هذا تكليف للنفس فوق طاقتها . فالمؤمن إنسان يواجه عدوه إنسانا . فهما من هذه الناحية يقفان على أرض واحدة . ثم يمتاز المؤمن بأنه موصول بالقوة الكبرى التي لا غالب لها . ثم إنه إلى الله إن كان حياً , وإلى الله إن كتبت له الشهادة . فهو في كل حالة أقوى من خصمه الذي يواجهه وهو يشاق الله ورسوله


*******

وقال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (24) وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُون أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) سورة الأنفال
إنها دعوة إلى الحياة بكل صور الحياة , وبكل معاني الحياة . .
إنه يدعوهم إلى عقيدة تحيي القلوب والعقول , وتطلقها من أوهاق الجهل والخرافة ; ومن ضغط الوهم والأسطورة , ومن الخضوع المذل للأسباب الظاهرة والحتميات القاهرة , ومن العبودية لغير الله والمذلة للعبد أو للشهوات سواء . .
ويدعوهم إلى شريعة من عند الله ; تعلن تحرر "الإنسان" وتكريمه بصدورها عن الله وحده , ووقوف البشر كلهم صفا متساوين في مواجهتها ; لا يتحكم فرد في شعب , ولا طبقة في أمة , ولا جنس في جنس , ولا قوم في قوم . . ولكنهم ينطلقون كلهم أحراراً متساوين في ظل شريعة صاحبها الله رب العباد .
ويدعوهم إلى منهج للحياة , ومنهج للفكر , ومنهج للتصور ; يطلقهم من كل قيد إلا ضوابط الفطرة , المتمثلة في الضوابط التي وضعها خالق الإنسان , العليم بما خلق ; هذه الضوابط التي تصون الطاقة البانية من التبدد ; ولا تكبت هذه الطاقة ولا تحطمها ولا تكفها عن النشاط الإيجابي البناء .
ويدعوهم إلى القوة والعزة والاستعلاء بعقيدتهم ومنهجهم , والثقة بدينهم وبربهم , والانطلاق في "الأرض" كلها لتحرير "الإنسان" بجملته ; وإخراجه من عبودية العباد إلى عبودية الله وحده ; وتحقيق إنسانيته العليا التي وهبها له الله , فاستلبها منه الطغاة !
ويدعوهم إلى الجهاد في سبيل الله , لتقرير ألوهية الله سبحانه - في الأرض وفي حياة الناس ; وتحطيم ألوهية العبيد المدعاة ; ومطاردة هؤلاء المعتدين على ألوهية الله - سبحانه - وحاكميته وسلطانه ; حتى يفيئوا إلى حاكمية الله وحده ; وعندئذ يكون الدين كله لله . حتى إذا أصابهم الموت في هذا الجهاد كان لهم في الشهادة حياة .
ذلك مجمل ما يدعوهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو دعوة إلى الحياة بكل معاني الحياة .
إن هذا الدين منهج حياة كاملة , لا مجرد عقيدة مستسرة . منهج واقعي تنمو الحياة في ظله وتترقى . ومن ثم هو دعوة إلى الحياة في كل صورها وأشكالها . وفي كل مجالاتها ودلالاتها .


**********

وقال تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ (45) وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) سورة الأنفال
فأما الثبات فهو بدء الطريق إلى النصر . فأثبت الفريقين أغلبهما . وما يدري الذين آمنوا أن عدوهم يعاني أشد مما يعانون ; وأنه يألم كما يألمون , ولكنه لا يرجو من الله ما يرجون ; فلا مدد له من رجاء في الله يثبت أقدامه وقلبه ! وأنهم لو ثبتوا لحظة أخرى فسينخذل عدوهم وينهار ; وما الذي يزلزل أقدام الذين آمنوا وهم واثقون من إحدى الحسنيين:الشهادة أو النصر ? بينما عدوهم لا يريد إلا الحياة الدنيا ; وهو حريص على هذه الحياة التي لا أمل له وراءها ولا حياة له بعدها , ولا حياة له سواها ?!
وأما ذكر الله كثيراً عند لقاء الأعداء فهو التوجيه الدائم للمؤمن ; كما أنه التعليم المطرد الذي استقر في قلوب العصبة المؤمنة , وحكاه عنها القرآن الكريم في تاريخ الأمة المسلمة في موكب الإيمان التاريخي . ومما حكاه القرآن الكريم من قول سحرة فرعون عندما استسلمت قلوبهم للإيمان فجأة , فواجههم فرعون بالتهديد المروع البشع الطاغي , قولهم:(وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا . ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين) .
إن ذكر الله عند لقاء العدو يؤدي وظائف شتى:إنه الاتصال بالقوة التي لا تغلب ; والثقة بالله الذي ينصر أولياءه . . وهو في الوقت ذاته استحضار حقيقة المعركة وبواعثها وأهدافها , فهي معركة لله , لتقرير ألوهيته في الأرض , وطرد الطواغيت المغتصبة لهذه الألوهية ; وإذن فهي معركة لتكون كلمة الله هي العليا ; لا للسيطرة , ولا للمغنم , ولا للاستعلاء الشخصي أو القومي . .
كما أنه توكيد لهذا الواجب - واجب ذكر الله - في أحرج الساعات وأشد المواقف . .
وكلها إيحاءات ذات قيمة في المعركة ; يحققها هذا التعليم الرباني
وأما طاعة الله ورسوله , فلكي يدخل المؤمنون المعركة مستسلمين لله ابتداء ; فتبطل أسباب النزاع التي أعقبت الأمر بالطاعة: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) . .
فما يتنازع الناس إلا حين تتعدد جهات القيادة والتوجيه ; وإلا حين يكون الهوى المطاع هو الذي يوجه الآراء والأفكار . فإذا استسلم الناس لله ورسوله انتفى السبب الأول الرئيسي للنزاع بينهم - مهما اختلفت وجهات النظر في المسألة المعروضة - فليس الذي يثير النزاع هو اختلاف وجهات النظر , إنما هو الهوى الذي يجعل كل صاحب وجهة يصر عليها مهما تبين له وجه الحق فيها !
والعصبة المؤمنة إنما تخرج للقتال في سبيل الله ; تخرج لتقرير ألوهيته سبحانه في حياة البشر , وتقرير عبودية العباد لله وحده . وتخرج لتحطيم الطواغيت التي تغتصب حق الله في تعبيد العباد له وحده , والتي تزاول الألوهية في الأرض بمزاولتها للحاكمية - بغير إذن الله وشرعه - وتخرج لإعلان تحرير "الإنسان" في "الأرض" من كل عبودية لغير الله , تستذل إنسانية الإنسان وكرامته . وتخرج لحماية حرمات الناس وكراماتهم وحرياتهم , لا للاستعلاء على الناس واستعبادهم والتبطر بنعمة القوة باستخدامها هذا الإستخدام المنكر . وتخرج متجردة من حظ نفسها في المعركة جملة , فلا يكون لها من النصر والغلب إلا تحقيق طاعة الله في تلبية أمره بالجهاد ; وفي إقامة منهجه في الحياة ; وفي إعلاء كلمته في الأرض ; وفي التماس فضله بعد ذلك ورضاه . . حتى الغنائم التي تخلفها المعركة فهي من فضل الله . .
وإنما هو وضع "الذات" في كفة , والحق في كفة ; وترجيح الذات على الحق ابتداء ! . .
ومن ثم هذا التعليم بطاعة الله ورسوله عند المعركة . .
إنه من عمليات "الضبط" التي لا بد منها في المعركة . . إنها طاعة القيادة العليا فيها , التي تنبثق منها طاعة الأمير الذي يقودها . وهي طاعة قلبية عميقة لا مجرد الطاعة التنظيمية في الجيوش التي لا تجاهد لله , ولا يقوم ولاؤها للقيادة على ولائها لله أصلاً . .
والمسافة كبيرة كبيرة . .
وأما الصبر . فهو الصفة التي لا بد منها لخوض المعركة . .
أية معركة . .
في ميدان النفس أم في ميدان القتال .
والمنافقون والذين في قلوبهم مرض لا يدركون حقيقة أسباب النصر وأسباب الهزيمة ; فهم يرون ظواهر الأمور , دون أن تهديهم بصيرة إلى بواطنها ; ودون أن يشعروا بالقوة الكامنة في العقيدة , والثقة في الله , والتوكل عليه , واستصغار شأن الجموع والقوى التي لا ترتكن إلى عقيدة في الله تمنحها القوة الحقيقية . . فلا جرم يظنون المسلمين يومئذ مخدوعين في موقفهم , مغرورين بدينهم , واردين موارد التهلكة بتعرضهم لجحافل المشركين التي يرونها !
إن الواقع المادي الظاهر لا يختلف من ناحية مظهره عند القلوب المؤمنة وعند القلوب الخاوية من الإيمان . ولكن الذي يختلف هو التقدير والتقويم لهذا الواقع المادي الظاهر . . فالقلوب الخاوية تراه ولا ترى شيئاً وراءه ; والقلوب المؤمنة ترى ما وراءه من "الواقع" الحقيقي ! الواقع الذي يشمل جميع القوى , ويوازن بينها موازنة صحيحة:
(ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم) . .
هذا ما تدركه القلوب المؤمنة وتطمئن إليه ; وما هو محجوب عن القلوب الخاوية فلا تحسب حسابه ! وهذا ما يرجح الكفة , ويقرر النتيجة , ويفصل في القضية في نهاية المطاف في كل زمان وفي كل مكان .
وقولة المنافقين والذين في قلوبهم مرض , عن العصبة المسلمة يوم بدر: (غر هؤلاء دينهم) . . هي قولة المنافقين والذين في قلوبهم مرض كلما رأوا العصبة المسلمة تتعرض لجحافل الطاغوت في عنفوانه ; وعدتها الأساسية التي تملكها هي هذا الدين ; وهي هذه العقيدة الدافعة الدافقة ; وهي الغيرة على ألوهية الله وعلى حرمات الله ; وهي التوكل على الله والثقة بنصره لأوليائه .
إن المنافقين والذين في قلوبهم مرض يقفون ليتفرجوا والعصبة المسلمة تصارع جحافل الطاغوت , وفي نفوسهم سخرية من هذه العصبة التي تتصدى للخطر , وتستخف بالخطر ! وفي نفوسهم عجب كذلك ودهشة في اقتحام العصبة المسلمة للمكاره الظاهرة , وللأخطار الواضحة . . إنهم هم لا يعرفون مبرراً لهذا التهور - كما يسمونه - وللإلقاء بالنفس إلى التهلكة ! . . إنهم يحسبون الحياة كلها - بما فيها الدين والعقيدة - صفقة في سوق التجارة . إن كانت ظاهرة الربح أقدموا عليها ; فأما إذا كان الخطر فالسلامة أولى ! . . إنهم لا يدركون الأمور ببصيرة المؤمن , ولا يزنون النتائج كذلك بميزان الإيمان . . إنها في حس المؤمن وميزانه صفقة رابحة دائماً ; فهي مؤدية الى إحدى الحسنيين:النصر والغلب , أو الشهادة والجنة . . ثم إن حساب القوى في نفسه يختلف ; فهناك الله . . وهذا مالا يدخل في حساب المنافقين والذين في قلوبهم مرض !
والعصبة المسلمة في كل مكان وفي كل زمان مدعوة إلى أن تزن بميزان الإيمان والعقيدة ; وأن تدرك ببصيرة المؤمن وقلبه , وأن ترى بنور الله وهداه , وألا تتعاظمها قوى الطاغوت الظاهرة , وألا تستهين بقوتها ووزنها فإن معها الله , وأن تلقي بالها دائما إلى تعليم الله سبحانه للمؤمنين:
(ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم) . .
. . وصدق الله العظيم . .


**************

وقال تعالى :
{ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} (60) سورة الأنفال
إنه لا بد للإسلام من قوة ينطلق بها في "الأرض" لتحرير "الإنسان" . . وأول ما تصنعه هذه القوة في حقل الدعوة:أن تؤمن الذين يختارون هذه العقيدة على حريتهم في اختيارها ; فلا يصدوا عنها , ولا يفتنوا كذلك بعد اعتناقها . . والأمر الثاني:أن ترهب أعداء هذا الدين فلا يفكروا في الاعتداء على "دار الإسلام" التي تحميها تلك القوة . . والأمر الثالث:أن يبلغ الرعب بهؤلاء الأعداء أن لا يفكروا في الوقوف في وجه المد الإسلامي , وهو ينطلق لتحرير "الإنسان" كله في "الأرض" كلها . . والأمر الرابع:أن تحطم هذه القوة كل قوة في الأرض تتخذ لنفسها صفة الألوهية , فتحكم الناس بشرائعها هي وسلطانها ; ولا تعترف بأن الألوهية لله وحده ; ومن ثم فالحاكمية له وحده سبحانه . .
إن الإسلام ليس نظاماً لاهوتياً يتحقق بمجرد استقراره عقيدة في القلوب , وتنظيماً للشعائر , ثم تنتهي مهمته ! إن الإسلام منهج عملي واقعي للحياة ; يواجه مناهج أخرى تقوم عليها سلطات وتقف وراءها قوى مادية . فلا مفر للإسلام - لإقرار منهجه الرباني - من تحطيم تلك القوى المادية , وتدمير السلطات التي تنفذ تلك المناهج الأخرى , وتقاوم المنهج الرباني . .
وينبغي للمسلم ألا يتمتم ولا يجمجم وهو يعلن هذه الحقيقة الكبيرة . . ينبغي ألا يستشعر الخجل من طبيعة منهجه الرباني . ينبغي أن يذكر أن الإسلام حين ينطلق في الأرض إنما ينطلق لإعلان تحرير الإنسان بتقرير ألوهية الله وحده وتحطيم ألوهية العبيد ! إنه لا ينطلق بمنهج من صنع البشر ; ولا لتقرير سلطان زعيم , أو دولة , أو طبقة , أو جنس ! إنه لا ينطلق لاسترقاق العبيد ليفلحوا مزارع الأشراف كالرومان ; ولا لاستغلال الأسواق والخامات كالرأسمالية الغربية ; ولا لفرض مذهب بشري من صنع بشر جاهل قاصر كالشيوعية وما إليها من المذاهب البشرية . . إنما ينطلق بمنهج من صنع الله العليم الحكيم الخبير البصير , ولتقرير ألوهية الله وحده وسلطانه لتحرير "الإنسان" في "الأرض" من العبودية للعبيد . .
هذه هي الحقيقة الكبيرة التي يجب أن يدركها المهزومون الذين يقفون بالدين موقف الدفاع ; وهم يتمتمون ويجمجمون للاعتذار عن المد الإسلامي ! والجهاد الإسلامي .
(ترهبون به عدو الله وعدوكم , وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم) . .
فهو إلقاء الرعب والرهبة في قلوب أعداء الله الذين هم أعداء العصبة المسلمة في الأرض . الظاهرين منهم الذين يعلمهم المسلمون ; ومن وراءهم ممن لا يعرفونهم , أو لم يجهروا لهم بالعداوة , واللّه يعلم سرائرهم وحقائقهم . وهؤلاء ترهبهم قوة الإسلام ولو لم تمتد بالفعل إليهم . والمسلمون مكلفون أن يكونوا أقوياء , وأن يحشدوا ما يستطيعون من أسباب القوة ليكونوا مرهوبين في الأرض ; ولتكون كلمة اللّه هي العليا , وليكون الدين كله للّه .

8- من أهم أسباب النصر الشهادة في سبيل الله ومن أهم أسباب الهزيمة حب الدنيا وكراهية الموت
قال تعالى :
{ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (24) سورة التوبة
إن هذه العقيدة لا تحتمل لها في القلب شريكا ; فإما تجرد لها , وإما انسلاخ منها . وليس المطلوب أن ينقطع المسلم عن الأهل والعشيرة والزوج والولد والمال والعمل والمتاع واللذة ; ولا أن يترهبن ويزهد في طيبات الحياة . . كلا إنما تريد هذه العقيدة أن يخلص لها القلب , ويخلص لها الحب , وأن تكون هي المسيطرة والحاكمة , وهي المحركة والدافعة . فإذا تم لها هذا فلا حرج عندئذ أن يستمتع المسلم بكل طيبات الحياة ; على أن يكون مستعدا لنبذها كلها في اللحظة التي تتعارض مع مطالب العقيدة .
ومفرق الطريق هو أن تسيطر العقيدة أو يسيطر المتاع ; وأن تكون الكلمة الأولى للعقيدة أو لعرض من أعراض هذه الأرض . فإذا اطمأن المسلم إلى أن قلبه خالص لعقيدته فلا عليه بعد هذا أن يستمتع بالأبناء والإخوة وبالزوج والعشيرة ; ولا عليه أن يتخذ الأموال والمتاجر والمساكن ; ولا عليه أن يستمتع بزينة الله والطيبات من الرزق - في غير سرف ولا مخيلة - بل إن المتاع بها حينئذ لمستحب , باعتباره لونا من ألوان الشكر لله الذي أنعم بها ليتمتع بها عباده , وهم يذكرون أنه الرازق المنعم الوهاب .


**************

وقال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} (38)إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41) سورة التوبة
وما يحجم ذو عقيدة في اللّه عن النفرة للجهاد في سبيله , إلا وفي هذه العقيدة دخل , وفي إيمان صاحبها بها وهن . لذلك يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - " من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من شعب النفاق " . فالنفاق - وهو دخل في العقيدة يعوقها عن الصحة والكمال - هو الذي يقعد بمن يزعم أنه على عقيدة عن الجهاد في سبيل اللّه خشية الموت أو الفقر , والآجال بيد اللّه , والرزق من عند اللّه . وما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل .
(إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم , ولا تضروه شيئاً , واللّه على كل شيء قدير) . .
والخطاب لقوم معينين في موقف معين . ولكنه عام في مدلوله لكل ذوي عقيدة في اللّه . والعذاب الذي يتهددهم ليس عذاب الآخرة وحده , فهو كذلك عذاب الدنيا . عذاب الذلة التي تصيب القاعدين عن الجهاد والكفاح , والغلبة عليهم للأعداء , والحرمان من الخيرات واستغلالها للمعادين ; وهم مع ذلك كله يخسرون من النفوس والأموال أضعاف ما يخسرون في الكفاح والجهاد ; ويقدمون على مذبح الذل أضعاف ما تتطلبه منهم الكرامة لو قدموا لها الفداء . وما من أمة تركت الجهاد إلا ضرب اللّه عليها الذل , فدفعت مرغمة صاغرة لأعدائها أضعاف ما كان يتطلبه منها كفاح الأعداء . .


***************

وقال تعالى :
إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) سورة التوبة
إن الدخول في الإسلام صفقة بين متبايعين . . اللّه - سبحانه - فيها هو المشتري والمؤمن فيها هو البائع . فهي بيعة مع اللّه لا يبقى بعدها للمؤمن شيء في نفسه ولا في ماله يحتجزه دون اللّه - سبحانه - ودون الجهاد في سبيله لتكون كلمة اللّه هي العليا , وليكون الدين كله للّه . فقد باع المؤمن للّه في تلك الصفقة نفسه وماله مقابل ثمن محدد معلوم , هو الجنة:وهو ثمن لا تعدله السلعة , ولكنه فضل اللّه ومَنَّه:
(إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة , يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون , وعدا عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن . ومن أوفى بعهده من اللّه ? فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به , وذلك هو الفوز العظيم) .
والذين باعوا هذه البيعة , وعقدوا هذه الصفقة هم صفوة مختارة , ذات صفات مميزة . . منها ما يختص بذوات أنفسهم في تعاملها المباشر مع اللّه في الشعور والشعائر ; ومنها ما يختص بتكاليف هذه البيعة في أعناقهم من العمل خارج ذواتهم لتحقيق دين اللّه في الأرض من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام على حدود اللّه في أنفسهم وفي سواهم:
عونك اللهم ! فإن العقد رهيب . . وهؤلاء الذين يزعمون أنفسهم "مسلمين" في مشارق الأرض ومغاربها , قاعدون , لا يجاهدون لتقرير ألوهية اللّه في الأرض , وطرد الطواغيت الغاصبة لحقوق الربوبية وخصائصها في حياة العباد . ولا يقتلون . ولا يقتلون . ولا يجاهدون جهاداً ما دون القتل والقتال !
ولقد كانت هذه الكلمات تطرق قلوب مستمعيها الأولين - على عهد رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فتتحول من فورها في القلوب المؤمنة إلى واقع من واقع حياتهم ; ولم تكن مجرد معان يتملونها بأذهانهم , أو يحسونها مجردة في مشاعرهم . كانوا يتلقونها للعمل المباشر بها . لتحويلها إلى حركة منظورة , لا إلى صورة متأملة
إن الجهاد في سبيل اللّه بيعة معقودة بعنق كل مؤمن . .
كل مؤمن على الإطلاق منذ كانت الرسل ومنذ كان دين اللّه . .
إنها السنة الجارية التي لا تستقيم هذه الحياة بدونها ولا تصلح الحياة بتركها: (ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) . .
(ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم اللّه كثيراً) . .
إن الحق لا بد أن ينطلق في طريقه . ولا بد أن يقف له الباطل في الطريق ! . . بل لا بد أن يأخذ عليه الطريق . . إن دين اللّه لا بد أن ينطلق لتحرير البشر من العبودية للعباد وردهم إلى العبودية للّه وحده . ولا بد أن يقف له الطاغوت في الطريق . .
بل لا بد أن يقطع عليه الطريق . . ولا بد لدين الله أن ينطلق في "الأرض" كلها لتحرير "الإنسان" كله . ولا بد للحق أن يمضي في طريقه ولا ينثني عنه ليدع للباطل طريقاً ! . . وما دام في "الأرض" كفر . وما دام في "الأرض" باطل . وما دامت في "الأرض" عبودية لغير اللّه تذل كرامة "الإنسان" فالجهاد في سبيل اللّه ماض , والبيعة في عنق كل مؤمن تطالبه بالوفاء . وإلا فليس بالإيمان:و " من مات ولم يغز , ولم يحدث نفسه بغزو , مات على شعبة من النفاق " . . . [ رواه الإمام أحمد , وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي ]
ودع عنك رفعة الإنسان وهو يعيش للّه . ينتصر - إذا انتصر - لإعلاء كلمته , وتقرير دينه , وتحرير عباده من العبودية المذلة لسواه . ويستشهد - إذا استشهد - في سبيله , ليؤدي لدينه شهادة بأنه خير عنده من الحياة . ويستشعر في كل حركة وفي كل خطوة - أنه أقوى من قيود الأرض وأنه أرفع من ثقلة الأرض , والإيمان ينتصر فيه على الألم , والعقيدة تنتصر فيه على الحياة .
إن هذا وحده كسب . كسب بتحقيق إنسانية الإنسان التي لا تتأكد كما تتأكد بانطلاقه من أوهاق الضرورة ; وانتصار الإيمان فيه على الألم , وانتصار العقيدة فيه على الحياة . . فإذا أضيفت إلى ذلك كله . . الجنة . . فهو بيع يدعو إلى الاستبشار ; وهو فوز لا ريب فيه ولا جدال:
(فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به , وذلك هو الفوز العظيم) .
هذه هي الجماعة المؤمنة التي بايعها اللّه على الجنة , واشترى منها الأنفس والأموال , لتمضي مع سنة اللّه الجارية منذ كان دين اللّه ورسله ورسالاته . قتال في سبيل اللّه لإعلاء كلمة اللّه ; وقتل لأعداء اللّه الذين يحادون الله ; أو استشهاد في المعركة التي لا تفتر بين الحق والباطل , وبين الإسلام والجاهلية , وبين الشريعة والطاغوت , وبين الهدى والضلال .
وليست الحياة لهواً ولعباً . وليست الحياة أكلاً كما تأكل الأنعام ومتاعاً . وليست الحياة سلامة ذليلة , وراحة بليدة ورضى بالسلم الرخيصة . . إنما الحياة هي هذه:كفاح في سبيل الحق , وجهاد في سبيل الخير , وانتصار لإعلاء كلمة اللّه , أو استشهاد كذلك في سبيل اللّه . . ثم الجنة والرضوان . .


**************

وقال تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) الصف
إن المؤمن الذي يدرك حقيقة التصور الإيماني للكون والحياة ; ويعيش بقلبه في هذا التصور ; ويطلع على آفاقه وآماده ; ثم ينظر للحياة بغير إيمان , في حدودها الضيقة الصغيرة , وفي مستوياتها الهابطة الواطية , وفي اهتماماتها الهزيلة الزهيدة . .
هذا القلب لا يطيق أن يعيش لحظة واحدة بغير ذلك الإيمان , ولا يتردد لحظة واحدة في الجهاد لتحقيق ذلك التصور الضخم الوسيع الرفيع في عالم الواقع , ليعيش فيه , وليرى الناس من حوله يعيشون فيه كذلك . .
ولعله لا يطلب على جهاده هذا أجرا خارجا عن ذاته . فهو ذاته أجر . .
هذا الجهاد . . وما يسكبه في القلب من رضى وارتياح . ثم إنه لا يطيق أن يعيش في عالم بلا إيمان . ولا يطيق أن يقعد بلا جهاد لتحقيق عالم يسوده الإيمان . فهو مدفوع دفعا إلى الجهاد . كائنا مصيره فيه ما يكون . .

9- فلن يهلك الله تعالى الكفار والفجار ونحن نيام ، وعندئذ فلا قيمة لوجودنا أصلا ، قال تعالى :
{ هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (38) سورة محمد
إن الإيمان هبة ضخمة , لا يعدلها في هذا الوجود شيء ; والحياة رخيصة رخيصة , والمال زهيد زهيد , حين يوضع الإيمان في كفة , ويوضع في الكفة الأخرى كل ما عداه . .
ومن ثم كان هذا الإنذار أهول ما يواجهه المؤمن وهو يتلقاه من الله .


**************

10- فلابد أن نبذل كل ما في وسعنا ونكل النتائج على الله تعالى وأهم ذلك الجهاد في سبيل الله
وهو يشمل أنواع كثيرة وأهمها أمران هامان جدا :
الأول- الجهاد في أجل إعادة الخلافة الإسلامية التي تمثل قوة المسلمين ورمزهم وعزتهم وهي فرض بلا نزاع وجميع المسلمين آثمون إن لم يفعلوا ذلك ، ولن تكون إلا بالدماء الرخصية التي تراق في سبيل الله كما فعل عماد الدين الزنكي ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي عليهم شآبيب الرحمة فعندما احتل الصليبيون فلسطين والشريط الساحلي من الشام سارعت الدويلات العفنة لتبرم معهم اتفاقات كما نفعل اليوم وذلك ضمانا لبقائها على كراسيها ولو ضاع الإسلام وأهله ، فلا يهمهم ذلك
ولو كان التغيير يتم بالكلام فقط لسلمت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء يدعوها لسعادة الدارين وهي أعلم الناس بصدقه وكانت أشد الناس عداء لدعوة الإسلام و آخر الناس إسلاما وبالقوة بعد عشرين سنة من معاداة الدعوة الإسلامية وحربها على كافة الأصعدة
وعندما عرض عليهم كلمة تخضع لهم بها العرب والعجم فماذا قالوا له ؟ وأبيك وعشرا
واسمعوا القصة ففي مسند أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ أَبُو جَهْلٍ فَقَالُوا يَا أَبَا طَالِبٍ ابْنُ أَخِيكَ يَشْتِمُ آلِهَتَنَا يَقُولُ وَيَقُولُ وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ فَأَرْسِلْ إِلَيْهِ فَانْهَهُ. قَالَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ وَكَانَ قُرْبَ أَبِى طَالِبٍ مَوْضِعُ رَجُلٍ فَخَشِىَ إِنْ دَخَلَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى عَمِّهِ أَنْ يَكُونَ أَرَقَّ لَهُ عَلَيْهِ فَوَثَبَ فَجَلَسَ فِى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ. فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَجِدْ مَجْلِساً إِلاَّ عِنْدَ الْبَابِ فَجَلَسَ فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ يَا ابْنَ أَخِى إِنَّ قَوْمَكَ يَشْكُونَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ وَتَقُولُ وَتَقُولُ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ. فَقَالَ « يَا عَمِّ إِنِّى إِنَّمَا أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَتُؤَدِّى إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ ». قَالُوا وَمَا هِىَ نَعَمْ وَأَبِيكَ عَشْراً. قَالَ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ». قَالَ فَقَامُوا وَهُمْ يَنْفُضُونَ ثِيَابَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ ( أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَىءٌ عُجَابٌ) قَالَ ثُمَّ قَرَأَ حَتَّى بَلَغَ (لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ ).
ولما ظفر بهم فماذا قالوا له ؟؟
ففي سنن البيهقي: ثُمَّ أَتَى الْكَعْبَةَ فَأَخَذَ بِعِضَادَتَىِ الْبَابِ فَقَالَ :« مَا تَقُولُونَ وَمَا تَظُنُّونَ ». قَالُوا : نَقُولُ ابْنُ أَخٍ وَابْنُ عَمٍّ حَلِيمٍ رَحِيمٍ قَالَ وَقَالُوا ذَلِكَ ثَلاَثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« أَقُولُ كَمَا قَالَ يُوسُفُ (لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ». قَالَ فَخَرَجُوا كَأَنَّمَا نُشِرُوا مِنَ الْقُبُورِ فَدَخَلُوا فِى الإِسْلاَمِ


********************

فإذا كانت قريش لم تسلم للنبي صلى الله عليه وسلم (( وهم أهله )) إلا بالقوة فهل سيسلم حكامنا السلطة لغيرهم بالكلام حفاظا على وحدة الأمة الإسلامية وقوتها ؟؟؟!!!
ولما اجتاح الصليبيون بلاد الشام واستولوا على بيت المقدس وذبحوا جميع المسلمين حتى سار الدم إلى الركب سارع الحكام الخونة والعملاء الذين باعوا دينهم بثمن بخس إلى إبرام اتفاقات مع العدو الصليبي المحتل لضمان بقائهم على كراسيهم ولم يهمهم ذبح جميع المسلمين في بيت المقدس ولا في غيرها المهم بقاء الكراسي والشهوات
ولما قامت الثورة الإسلامية الجهادية في الموصل بقيادة عماد الدين الزنكي فقد وقف هؤلاء الخونة بوجهه وقد حاربهم هو وولده نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي (( عليهم شآبيب الرحمة )) مدة ستين سنة حتى استطاعوا توحيد الشام ومصر ثم تكلل ذلك بمواجهة الصليبيين بعد ستين سنة وانتصار المسلمين عليهم وتحرير بيت المقدس والتاريخ يعيد نفسه فلم ينصرهم الله تعالى وهم نيام أو متفرجون على ما يجري أبدا وإنما نصروا وفق سنن الله الشرعية والكونية
وهذه الدويلات التي نراها اليوم هي أشبه بما كان عليه المسلمون قبيل الحروب الصليبية وأثناءها فكلها تتسابق لإبرام اتفاق معهم بل وتقدم لهم من الخدمات ما لم تقدمه في يوم من الأيام لشعوبها المسحوقة والمحكومة بالحديد والنار وذلك من أجل ضمان عروشها الخلبية و لتمت الأمة برمتها فليس ذلك مهم ، المهم بقاء الكراسي
وهاهم اليوم يرون كيف يذبح المسلمون في كل مكان ولا سيما في فلسطين والعراق فماذا فعلوا ؟؟
نعم لقد فعلوا الكثير الكثير ولكن من أجل حماية العدو فمنعوا كل مساعدة للانتفاضة وقدموا للعدو كل معونة وكل معلومة عن قادة الانتفاضة ليذبحوا واحدا تلو الآخر ، وتكفلوا بإسكات شعوبهم وتخديرهم ، بل واتهام كل من يطالب بفتح الحدود أو الجاهد في سبيل الله في العراق أو فلسطين أو تقديم مساعدة لهم بالتطرف والإرهاب والعمالة ، وهاهي سجونهم مكتظة بالأخيار الأبرار
وهم الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ويتحاكمون إلى الطاغوت وقد أرموا أن يكفروا به
ولن يتخلوا عنها بالكلام والدغدغة أبدا لأنهم لا يؤمنون بالخلافة الإسلامية أصلا ولا بوحدة الأمة الإسلامية التي قال الله تعالى عنها :
{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (92) سورة الأنبياء
، وقد نصبهم أعداء الإسلام علينا (( بالقوة )) ليخدموا مصالحهم ويسحقوا شعوبهم
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حالهم
ففي مسند أحمد عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ كُنَّا قُعُوداً فِى الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَكَانَ بَشِيرٌ رَجُلاً يَكُفُّ حَدِيثَهُ فَجَاءَ أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِىُّ فَقَالَ يَا بَشِيرُ بْنَ سَعْدٍ أَتَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى الأُمَرَاءِ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَنَا أَحْفَظُ خُطْبَتَهُ. فَجَلَسَ أَبُو ثَعْلَبَةَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ ». ث وهو حديث صحيح
وكل من يظن أن التغيير يتم بغير طريق الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس والكلمة ماديا ومعنويا فهو يحلم على سطح كوكب آخر كما هو حال أكثر الحركات الإسلامية التي نشأت بعد سقوط الخلافة الإسلامية فقد أثبتت فشلها الذريع وسقوط أطروحاتها الخيالية ، بل وغدت بوقا لهذه الأنظمة المستبدة مقابل لعاعة من الدنيا

يتبع

حق اليقين
07-06-2010, 08:06 PM
تابع


الثاني - مجاهدة أعداء الإسلام بكل ما أوتينا من قوة مادية ومعنوية حتى يكون الدين كله لله
قال تعالى :
{ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} (193) سورة البقرة
وقال تعالى :
{ قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } (29) سورة التوبة
وقال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (123) سورة التوبة
وقال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (73) سورة التوبة
جاهد الإسلام أولا ليدفع عن المؤمنين الأذى والفتنة التي كانوا يسامونها ; وليكفل لهم الأمن على أنفسهم وأموالهم وعقيدتهم . وقرر ذلك المبدأ العظيم الذي سلف تقريره في هذه السورة - في الجزء الثاني - (والفتنة أشد من القتل) . . فاعتبر الاعتداء على العقيدة والإيذاء بسببها , وفتنة أهلها عنها أشد من الاعتداء على الحياة ذاتها . فالعقيدة أعظم قيمة من الحياة وفق هذا المبدأ العظيم . وإذا كان المؤمن مأذونا في القتال ليدفع عن حياته وعن ماله , فهو من باب أولى مأذون في القتال ليدفع عن عقيدته ودينه . . وقد كان المسلمون يسامون الفتنة عن عقيدتهم ويؤذون , ولم يكن لهم بد أن يدفعوا هذه الفتنة عن أعز ما يملكون . يسامون الفتنة عن عقيدتهم , ويؤذون فيها في مواطن من الأرض شتى . وقد شهدت الأندلس من بشاعة التعذيب الوحشي والتقتيل الجماعي لفتنة المسلمين عن دينهم , وفتنة أصحاب المذاهب المسيحية الأخرى ليرتدوا إلى الكثلكة , ما ترك أسبانيا اليوم ولا ظل فيها للإسلام ! ولا للمذاهب المسيحية الأخرى ذاتها ! كما شهد بيت المقدس وما حوله بشاعة الهجمات الصليبية التي لم تكن موجهة إلا للعقيدة والإجهاز عليها ; والتي خاضها المسلمون في هذه المنطقة تحت لواء العقيدة وحدها فانتصروا فيها ; وحموا هذه البقعة من مصير الأندلس الأليم . .
وما يزال المسلمون يسامون الفتنة في أرجاء المناطق الشيوعية والوثنية والصهيونية والمسيحية في أنحاء من الأرض شتى . .
وما يزال الجهاد مفروضا عليهم لرد الفتنة إن كانوا حقا مسلمين !
وجاهد الإسلام ثانيا لتقرير حرية الدعوة - بعد تقرير حرية العقيدة - فقد جاء الإسلام بأكمل تصور للوجود والحياة , وبأرقى نظام لتطوير الحياة . جاء بهذا الخير ليهديه إلى البشرية كلها ; ويبلغه إلى أسماعها وإلى قلوبها . فمن شاء بعد البيان والبلاغ فليؤمن ومن شاء فليكفر . ولا إكراه في الدين . ولكن ينبغي قبل ذلك أن تزول العقبات من طريق إبلاغ هذا الخير للناس كافة ; كما جاء من عند الله للناس كافة . وأن تزول الحواجز التي تمنع الناس أن يسمعوا وأن يقتنعوا وأن ينضموا إلى موكب الهدى إذا أرادوا . ومن هذه الحواجز أن تكون هناك نظم طاغية في الأرض تصد الناس عن الاستماع إلى الهدى وتفتن المهتدين أيضا . فجاهد الإسلام ليحطم هذه النظم الطاغية ; وليقيم مكانها نظاما عادلا يكفل حرية الدعوة إلى الحق في كل مكان وحرية الدعاة . .
وهكذا ينبغي أن يعرف المسلمون حقيقة دينهم , وحقيقة تاريخهم ; فلا يقفوا بدينهم موقف المتهم الذي يحاول الدفاع ; إنما يقفون به دائما موقف المطمئن الواثق المستعلي على تصورات الأرض جميعا , وعلى نظم الأرض جميعا , وعلى مذاهب الأرض جميعا . . ولا ينخدعوا بمن يتظاهر بالدفاع عن دينهم بتجريده في حسهم من حقه في الجهاد لتأمين أهله ; والجهاد لكسر شوكة الباطل المعتدي ; والجهاد لتمتيع البشرية كلها بالخير الذي جاء به ; والذي لا يجني أحد على البشرية جناية من يحرمها منه , ويحول بينها وبينه . فهذا هو أعدى أعداء البشرية , الذي ينبغي أن تطارده البشرية لو رشدت وعقلت . وإلى أن ترشد البشرية وتعقل , يجب أن يطارده المؤمنون , الذين اختارهم الله وحباهم بنعمة الإيمان , فذلك واجبهم لأنفسهم وللبشرية كلها , وهم مطالبون بهذا الواجب أمام الله . .وما يزال هذا الهدف قائما , وما يزال الجهاد مفروضا على المسلمين ليبلغوه إن كانوا مسلمين !
وجاهد الإسلام ثالثا ليقيم في الأرض نظامه الخاص ويقرره ويحميه . .
وهو وحده النظام الذي يحقق حرية الإنسان تجاه أخيه الإنسان ; حينما يقرر أن هناك عبودية واحدة لله الكبير المتعال ; ويلغي من الأرض عبودية البشر للبشر في جميع أشكالها وصورها . فليس هنالك فرد ولا طبقة ولا أمة تشرع الأحكام للناس , وتستذلهم عن طريق التشريع . إنما هنالك رب واحد للناس جميعا هو الذي يشرع لهم على السواء , وإليه وحده يتجهون بالطاعة والخضوع , كما يتجهون إليه وحده بالإيمان والعبادة سواء . فلا طاعة في هذا النظام لبشر إلا أن يكون منفذا لشريعة الله , موكلا عن الجماعة للقيام بهذا التنفيذ . حيث لا يملك أن يشرع هو ابتداء , لأن التشريع من شأن الألوهية وحدها , وهو مظهر الألوهية في حياة البشر , فلا يجوز أن يزاوله إنسان فيدعي لنفسه مقام الألوهية وهو واحد من العبيد !


***************

وبين تعالى أن النصر من عنده وحده حتى لا يزهو المؤمنون حيث قال :
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ (124) بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125){ وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (126) سورة آل عمران
وقد حرص القرآن الكريم على تقرير هذه القاعدة في التصور الإسلامي , وعلى تنقيتها من كل شائبة , وعلى تنحيه الأسباب الظاهرة والوسائل والأدوات عن أن تكون هي الفاعلة . . لتبقى الصلة المباشرة بين العبد والرب . بين قلب المؤمن وقدر الله . بلا حواجز ولا عوائق ولا وسائل ولا وسائط . كما هي في عالم الحقيقة . .
وبمثل هذه التوجيهات المكررة في القرآن , المؤكدة بشتى أساليب التوكيد , استقرت هذه الحقيقة في أخلاد المسلمين , على نحو بديع , هادىء , عميق , مستنير .
عرفوا أن الله هو الفاعل - وحده - وعرفوا كذلك أنهم مأمورون من قبل الله باتخاذ الوسائل والأسباب , وبذل الجهد , والوفاء بالتكاليف . . فاستيقنوا الحقيقة , وأطاعوا الأمر , في توازن شعوري وحركي عجيب !
إن النصر من عند الله . لتحقيق قدر الله . وليس للرسول صلى الله عليه وسلم ولا للمجاهدين معه في النصر من غاية ذاتية ولا نصيب شخصي . كما أنه ليس له ولا لهم دخل في تحقيقه , وإن هم إلا ستار القدرة تحقق بهم ما تشاء !
فلا هم أسباب هذا النصر وصانعوه ; ولا هم أصحاب هذا النصر ومستغلوه !
إنما هو قدر الله يتحقق بحركة رجاله , وبالتأييد من عنده . لتحقيق حكمة الله من ورائه وقصده
وعلى أية حال فهي حكمة الله , وليس لبشر منها شيء . .
حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجه النص من مجال هذا الأمر , ليجرده لله وحده - سبحانه - فهو شأن الألوهية المتفردة بلا شريك .
بذلك ينسلخ المسلمون بأشخاصهم من هذا النصر:
من أسبابه ومن نتائجه !
وبذلك يطامنون من الكبر الذي يثيره النصر في نفوس المنتصرين , ومن البطر والعجب والزهو الذي تنتفخ به أرواحهم وأوداجهم !
وبذلك يشعرون أن ليس لهم من الأمر شيء , إنما الأمر كله لله أولا وأخيرا .
وبذلك يرد أمر الناس - طائعهم وعاصيهم - إلى الله . فهذا الشأن شأن الله وحده - سبحانه . شأن هذه الدعوة وشأن هؤلاء الناس معها:
طائعهم وعاصيهم سواء . .
وليس للنبي صلى الله عليه وسلم وليس للمؤمنين معه إلا أن يؤدوا دورهم , ثم ينفضوا أيديهم من النتائج , وأجرهم من الله على الوفاء , وعلى الولاء , وعلى الأداء


************

يجب أن تكون البيعة خالصة لوجه الله تعالى ليس إلا
ففي مسند أحمد عَنْ عَامِرٍ قَالَ انْطَلَقَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- وَمَعَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ إِلَى السَّبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَقَالَ « لِيَتَكَلَّمْ مُتَكَلِّمُكُمْ وَلاَ يُطِيلُ الْخُطْبَةَ فَإِنَّ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَيْناً وَإِنْ يَعْلَمُوا بِكُمْ يَفْضَحُوكُمْ ». فَقَالَ قَائِلُهُمْ وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ سَلْ يَا مُحَمَّدُ لِرَبِّكَ مَا شِئْتَ ثُمَّ سَلْ لِنَفْسِكَ وَلأَصْحَابِكَ مَا شِئْتَ ثُمَّ أَخْبِرْنَا مَا لَنَا مِنَ الثَّوَابِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَيْكُمْ إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ. قَالَ فَقَالَ « أَسْأَلُكُمْ لِرَبِّى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَأَسْأَلُكُمْ لِنَفْسِى وَلأَصْحَابِى أَنْ تُؤْوُنَا وَتَنْصُرُونَا وَتَمْنَعُونَا مِمَّا مَنَعْتُمْ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ ». قَالُوا فَمَا لَنَا إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ قَالَ « لَكُمُ الْجَنَّةُ ». قَالُوا فَلَكَ ذَلِكَ.
ونقف لحظة أمام هذا المشهد الذي يطيل القرآن عرض مناظره وحركاته - مشهد سخرية الذين أجرموا من الذين آمنوا في الدنيا - كما أطال من قبل في عرض مشهد نعيم الأبرار وعرض مناظره ومناعمه . فنجد أن هذه الإطالة من الناحية التأثيرية فن عال في الأداء التعبيري , كما أنه فن عال في العلاج الشعوري . فقد كانت القلة المسلمة في مكة تلاقي من عنت المشركين وأذاهم ما يفعل في النفس البشرية بعنف وعمق . وكان ربهم لا يتركهم بلا عون , من تثبيته وتسريته وتأسيته .
وهذا التصوير المفصل لمواجعهم من أذى المشركين , فيه بلسم لقلوبهم . فربهم هو الذي يصف هذه المواجع . فهو يراها , وهو لا يهملها - وإن أمهل الكافرين حينا - وهذا وحده يكفي قلب المؤمن ويمسح على آلامه وجراحه . إن الله يرى كيف يسخر منهم الساخرون . وكيف يؤذيهم المجرمون . وكيف يتفكه بآلامهم ومواجعهم المتفكهون . وكيف لا يتلوم هؤلاء السفلة ولا يندمون ! إن ربهم يرى هذا كله . ويصفه في تنزيله . فهو إذن شيء في ميزانه . . .
وهذا يكفي !
نعم هذا يكفي حين تستشعره القلوب المؤمنة مهما كانت مجروحة موجوعة .
ثم إن ربهم يسخر من المجرمين سخرية رفيعة عالية فيها تلميح موجع . قد لا تحسه قلوب المجرمين المطموسة المغطاة بالرين المطبق عليها من الذنوب . ولكن قلوب المؤمنين الحساسة المرهفة , تحسه وتقدره , وتستريح إليه وتستنيم !
ثم إن هذه القلوب المؤمنة تشهد حالها عند ربها , ونعيمها في جناته , وكرامتها في الملأ الأعلى . على حين تشهد حال أعدائها ومهانتهم في الملأ الأعلى وعذابهم في الجحيم , مع الإهانة والترذيل . .
تشهد هذا وذلك في تفصيل وفي تطويل . وهي تستشعر حالها وتتذوقه تذوق الواقع اليقين . وما من شك أن هذا التذوق يمسح على مرارة ما هي فيه من أذى وسخرية وقلة وضعف . وقد يبلغ في بعض القلوب أن تتبدل هذه المرارة فيها بالفعل حلاوة , وهي تشهد هذه المشاهد في ذلك القول الكريم .
ومما يلاحظ أن هذا كان هو وحده التسلية الإلهية للمؤمنين المعذبين المألومين من وسائل المجرمين الخسيسة , وأذاهم البالغ , وسخريتهم اللئيمة . .
الجنة للمؤمنين , والجحيم للكافرين . وتبديل الحالين بين الدنيا والآخرة تمام التبديل . .
وهذا كان وحده الذي وعد به النبي صلى الله عليه وسلم المبايعين له . وهم يبذلون الأموال والنفوس !
فأما النصر في الدنيا , والغلب في الأرض , فلم يكن أبدا في مكة يذكر في القرآن المكي في معرض التسرية والتثبيت . .
لقد كان القرآن ينشئ قلوبا يعدها لحمل الأمانة . وهذه القلوب كان يجب أن تكون من الصلابة والقوة والتجرد بحيث لا تتطلع - وهي تبذل كل شيء وتحتمل كل شيء - إلى شيء في هذه الأرض . ولا تنتظر إلا الآخرة . ولا ترجو إلا رضوان الله . قلوبا مستعدة لقطع رحلة الأرض كلها في نصب وشقاء وحرمان وعذاب وتضحية واحتمال , بلا جزاء في هذه الأرض قريب . ولو كان هذا الجزاء هو انتصار الدعوة وغلبة الإسلام وظهور المسلمين !
حتى إذا وجدت هذه القلوب التي تعلم أن ليس أمامها في رحلة الأرض شيء إلا أن تعطي بلا مقابل . وأن تنتظر الآخرة وحدها موعدا للجزاء . وموعدا كذلك للفصل بين الحق والباطل . . حتى إذا وجدت هذه القلوب , وعلم الله منها صدق نيتها على ما بايعت وعاهدت , آتاها النصر في الأرض , وائتمنها عليه . لا لنفسها . ولكن لتقوم بأمانة المنهج الإلهي وهي أهل لأداء الأمانة , مذ كانت لم توعد بشيء من المغنم في الدنيا تتقاضاه ; ولمتتطلع إلى شيء من المغنم في الأرض تعطاه . وقد تجردت لله حقا يوم كانت لا تعلم لها جزاء إلا رضاه !
وكل الآيات التي ورد فيها ذكر للنصر في الدنيا جاءت في المدينة . بعد ذلك . وبعد أن أصبح هذا الأمر خارج برنامج المؤمن وانتظاره وتطلعه . وجاء النصر ذاته لأن مشيئة الله اقتضت أن تكون لهذا المنهج واقعية في الحياة الإنسانية تقرره في صورة عملية محددة , تراها الأجيال . فلم يكن جزاء على التعب والنصب والتضحية والآلام . إنما كان قدرا من قدر الله تكمن وراءه حكمة نحاول رؤيتها الآن ! ( الظلال )




*********************

وأما من يعتمد على هذه الأرقام وغيرها من أحلام فهم الكسالى والخاملون الذين لا يريدون أن يبذلوا شيئا ، ويرغبون بكل شيء ولن يكون ذلك أبدا
قال تعالى :
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (24) سورة الأحزاب
وفي البخاري عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ غَابَ عَمِّى أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِى قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ قَالَ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ - يَعْنِى أَصْحَابَهُ - وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ » - يَعْنِى الْمُشْرِكِينَ - ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ الْجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ إِنِّى أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ. قَالَ سَعْدٌ فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ. قَالَ أَنَسٌ فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلاَّ أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ. قَالَ أَنَسٌ كُنَّا نَرَى أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِى أَشْبَاهِهِ (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
وفي مسند أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَجُعِلَ رِزْقِى تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِى وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِى وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ».


******************

حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وعده الله تعالى بالنصر على الأعداء ويرى مصارعهم في بدر ومع لم يعتمد على ما وعده الله فقط
ففي صحيح البخاري عن ابن عباس قَالَ حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَاسْتَقْبَلَ نَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ « اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِى مَا وَعَدْتَنِى اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِى اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِى الأَرْضِ ». فَمَازَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ. وَقَالَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ كَذَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ) فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلاَئِكَةِ0000
وفي صحيح مسلم عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِى خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ « اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَ لاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَمْثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ - أَوْ خِلاَلٍ - فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِى عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِى يَجْرِى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ فِى الْغَنِيمَةِ وَالْفَىْءِ شَىْءٌ إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلاَ تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلاَ ذِمَّةَ نَبِيِّهِ وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلاَ تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِى أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لاَ ».



****************

نسأل الله تعالى أن يردنا وإياكم إلى الحق وأن يجعلنا من المجاهدين في سبيله على كل الأصعدة
آمين