المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كلنا فتح .. لكن أي فتح؟: عن الفساد والصمت و'فشة الخلق' وفوات الأوان.. وأكل أكباد الشه



عبده سيمو
17-07-2010, 12:51 AM
هذا المقال كان يجب نشره قبل عدة عقود، أما الآن فهو مجرد 'فشة خلق' لا يسمن ولا يغني من جوع بعد أن كثر الحديث عن مثل هذه الحالات، بحيث فقدت بريقها مثل ما فقد العديد منا ثقته في أن يحدث التغيير بأقلام من شاركوا في هذه الجهات الفاسدة سابقا حتى ولو صحت ضمائرهم أخيرا'.
هذا التعليق المشبع بالمرارة بتوقيع 'الطيب' وتحت عنوان 'فات الأوان' كتبه أحد القراء الأفاضل لمقال لي نشر في 'القدس العربي' بعنوان 'فساد سلطة الثورة أم فساد أنظمة حكم تحاول إفساد الثورة؟'.
ليست 'فشة خلق' كما أنها ليست 'صحوة ضمير' والأمر برمته غير هذا وحتى لو كان الشباب قد ولى حيث طردته الكهولة للأبد، والعمر قد قارب الوصول إلى خط النهاية، فإن 'فات الأوان' هذه لا تعكس الحقيقة التي تقول بأنه ما دمت أؤمن إيمانا لا يتزعزع بأنه: مادام الصراع قائما فإن استعادة فلسطين تصبح حقيقة قابلة للتحقق (درس من ماجد أبي شرار)، كما أن نضال الفضائيات والمواقع الالكترونية هذه الأيام غير النضال سابقا، أما عن 'الفساد'، المالي الخاص بالمال العام، الذي ابتليت به 'الثورة الفلسطينية' قديما و'السلطة الفلسطينية' حاليا كنت أرى دائما- ومازلت أنه ليس من حق أي أحد أن يتحدث عنه إلا الفلسطينيون أنفسهم فهذه الأموال تخص أطفال فلسطين ولا تخص أي عربي انضم لصفوف الثورة الفلسطينية، والمؤتمن عليها فلسطينيون، ويبقى هذا 'الفساد المالي' شأنا داخليا شديد الخصوصية (إلا بقدر ما يؤثر على مسيرة الثورة التي آمنا بها وانتمينا إليها) كما أن الفساد المالي لنظام الحكم في مصر يخص الشعب المصري وحده (إلا بقدر ما يمس القضايا العربية وفي مقدمتها الثورة الفلسطينية) أما الفساد السياسي والمواقف النضالية من قضية فلسطين، سواء في السلطة الفلسطينية أو نظام الحكم في مصر أو أي نظام عربي فإنها لا تخص الفلسطينيين أو المصريين أو أي شعب عربي بمفرده، بل أن الفساد في مواقف السلطة الفلسطينية ونظام الحكم في مصر أو في أي بلد عربي يخص الشعوب العربية جمعاء لأنها ترتبط بحياتها ووجودها جمعاء.
أما عن الصمت كل هذه العقود فليس له سوى سببين: السبب الأول بالنسبة لي على الأقل خاص بالمكان الذي يسمح لنا بالصراخ، أكان صحيفة أو قناة فضائية، وأنا قاطعت كل صحافة النظام المصري، كما أنه لا توجد صحيفة عربية تسمح بمثل هذا الصراخ لأنها كلها تتبع أنظمة حكم فاسدة أما (الفضائحيات) المصرية والعربية باستثناء قناة فضائية واحدة فكلها لا تستحق حتى مجرد متابعتها. أما السبب الثاني؛ فبالنسبة لي لا أستطيع الكلام إلا عن نفسي فقد أطعمت أبنائي من أموال الشعب الفلسطيني ونشأت ابنتي البكرية في حضانة أيتام فلسطين وعشت طوال عمري لم أتقاض قرشا واحدا من النظام المصري طوال عمري ولم أكتب حرفا واحدا في أية صحيفة تخص النظام المصري طوال عمري وحتى هذه اللحظة، وعندما قررت الخروج عن الصمت فقد اخترت 'القدس العربي' دون غيرها وأنا من سعى للكتابة فيها، ولو لم يرحب بي الأستاذ رئيس تحريرها لم أكن لأكتب حرفا واحدا في أية صحيفة أخرى ولاستمررت في الصمت الذي حافظت عليه وألزمت نفسي به، أما السبب الثاني (وهو الأهم والجدير بالالتفات إليه) فإنه لم يكن من الممكن الحديث في أي أمر من الأمور قبل انقضاء المدة المتفق عليها قانونيا وعرفيا وأخلاقيا، والمحددة (باتفاق الجميع) بخمس وعشرين سنة فلم يكن من الممكن الحديث عن أمور داخلية كانت تعتبر من الأسرار، وكان من الممكن أن تعرض أحدا ما للخطر أو كيانا ما للتشويه، كما أن هناك من الأمور التي مرت عليها نفس المدة لا يمكن الحديث فيها لأنها سوف تصب في طاحونة لا أقبل لنفسي أن أقترب منها، وفي نفس الوقت كان السكوت عليها يعتبر خيانة من جانبي لكل فلسطيني شاركته اللقمة وشارك أبنائي أبناءه زجاجة الحليب، فكان لابد من الابتعاد في صمت، ولم يكن من المعقول الانتقال لمنظمة فلسطينية أخرى غير 'فتح' ولذلك كان لابد من المغادرة والعودة إلى مصر بكل المرارة والغضب، فلقد عشت 'فتحاويا' وسوف أبقى 'فتحاويا' ما حييت، وكما كان يقول ماجد أبو شرار: 'نحن فتح وفتح هي نحن، كلنا فتح، لكن...أي فتح؟' كان ماجد أبو شرار هو قائدي الذي التصقت به كطفل وجد أباه بعد ضياع، كان 'فتحاويا' عندما كان يشرف على تحرير نشرة 'فتح' اليومية في عمان المباركة، كان المفوض السياسي العام الذي يكتب القصة القصيرة ومازلت أحتفظ بـ'الخبز المر'، مجموعته القصصية الأولى، منذ أن أهداني إياها منذ ما يزيد عن خمسة وثلاثين عاما، كان هو القائد الرجل، الرجل الرقيق الذي كانت تتكسر على صخرة حزمه وصلابته كل الأفكار الانشقاقية يسارية كانت أم يمينية. داخل 'فتح' انتماؤه الأول والأخير، وكان مصباح علاء الدين الذي كان يفتح الأبواب الموصدة لدولة ما من دول المعسكر الاشتراكي كان يستعصي فتحها على غيره في كل عموم الثورة الفلسطينية، كان طاهر القلب واليد والضمير، وعندما استأذنت منه في مغادرة بيروت طلب مني أن يعرف السبب وصارحته بكل ما كان في صدري (ولهذا قصة أخرى أتمنى أن أحكيها قبل أن يموت أصحابها وشهودها) فطلب مني أن أحتفظ بمخصصي الذي كنت أتقاضاه كمحرر في وكالة الأنباء، فشكرته على كرمه فقال بأن هذا ليس كرما منه، بل لأنني سوف أكون مراسلا لوكالة الأنباء الفلسطينية في أي بلد أكون فيها، فشكرته ووعدته بأنني سوف أفعل عندما أعرف البلد الذي سوف أكون فيه، ثم استشهد ماجد قبل أن أنوي الاستقرار في أي بلد، وبعد ذلك بمدة عدت إلى مصر، وقضيت مدة في السجن وخرجت من السجن معتزلا الناس والأماكن وكل شيء، ولم أكن المصري الوحيد الذي اتخذ هذا الموقف أو الذي يدعي لنفسه هذا الشرف فقد رأيت مصريين عاشوا بين صفوف الثورة الفلسطينية في احترام بالغ للثورة ولمبادئهم ولشرفهم، كما كان الدكتور رؤوف نظمي/ محجوب عمر، والمهندس الناصري بهاء الدين شعبان، وكما كان الصحافي الكبير فهمي حسين/أبو طارق، الذي كان- رحمه الله واحدا من مؤسسي وكالة الأنباء الفلسطينية 'وفا'، بعد أن كان قد ترك خلف ظهره موقعه في مجلة 'روزا اليوسف' أيام مجدها الأول وانسحب في صمت قبل 'أوسلو'، كان الكاتب المفكر المناضل فاروق القاضي/أحمد الأزهري هو أحد المسؤولين الأوائل الموثوق بهم في علاقة الثورة الفلسطينية بكل دول المعسكر الاشتراكي آنذاك، وكما كان فاروق القاضي/أحمد الأزهرين الذي كان رفيق أبو عمار (القائد الرمز) في الطلقة الأولى، بل وقبل الطلقة الأولى فقد سمعت من أبو عمار شخصيا في مكتبه وفي حضور فاروق القاضين كيف تعرف على فاروق القاضي في خمسينات القرن الماضي، عندما كان فاروق طالبا في كلية الحقوق وكان ياسر عرفات/أبو عمار طالبا في كلية الهندسة، وقد وقف في فناء الجامعة وهو يحمل 'الطبلة' يقرع عليها داعيا الطلبة للانضمام له، ويومها تعرف على فاروق القاضي/أحمد الأزهري يومها تركني القائد الرمز في مكتبه لمدة لا تقل عن ثلاث ساعات وهو يحكي عن وجوده في مصر وكان ذلك في حضور فاروق القاضي وآخرين، كان بينهم من يدخل ليجلس مدة من الزمن ثم ينصرف، كما تكرر دخول وانصراف أبو حسن سلامة (الأمير الأحمر) عدة مرات، فيما حكى أبو عمار كثيرا عن مولده في القاهرة كسادس إخوته، وعن زهرة أمه وعن أخته أنعام التي ربته إلى أن التحق بكلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول، التي تغير اسمها فيما بعد ليصبح جامعة القاهرة، حيث انتخبه الطلبة الفلسطينيون هو والطالب صلاح خلف/أبو إياد لرئاسة اتحاد الطلاب الفلسطينيين سنة 1956 وحكى أبو عمار كيف قضى مدة التجنيد في 'الوحدة الفلسطينية' العاملة ضمن القوات المسلحة المصرية برتبة شاويش/رقيب، وبعد سماح أبو عمار لي بمغادرة مكتبه، يومها تسلمت عملي في الإعلام الموحد بوكالة الأنباء الفلسطينية 'وفا' ومن يومها لم أترك فاروق القاضي والشاعر الكبيرمعين بسيسو يوما واحدا طوال بقائي في بيروت، حتى بعد انسحاب فاروق القاضي قبل 'أوسلو' ومغادرته النهائية ليعود إلى الأردن بلد السيدة الفاضلة الكريمة زوجته، فإنه يتكرم علي دائما ويتصل بي ليطمئن فيها علي وأطمئن فيها عليه.
كان في هذا الزمن معنا في 'وفا' شاب فلسطيني طويل القامة ظريفا بسخرياته المرة اسمه محمد وكانت كنيته 'أبو الوفا' كان يطلق على المثقفين العرب الموجودين في الإعلام الموحد تسمية ساخرة وبمرارة فكان يطلق عليهم مجموعة 'المستشارين' حيث كانوا يتقاضون المكافآت الكبيرة، من دون تقديم أي عمل ذي قيمة أو أي شيء يذكر في مقابل هذه المكافآت الكبيرة، وكان كلما جلسنا معا يسألني مازحا في مرارة: 'ما هي أخبار الإخوة المالية؟' وهذا المصطلح 'الإخوة المالية' كان مصطلحا ساخرا يطلقه محمد أبو الوفا على تلك الورقة الصغيرة من أجندة المكتب التي كان يكتب عليها أبو عمار 'إذن الصرف' بمبلغ ما من الليرات اللبنانية لمجموعة 'المستشارين' الذين لم يكن لهم رقم في الحسابات، أي لم تصدر قرارات رسمية بتعيينهم، حيث كان أبو عمار يكتب على ورقة الأجندة الصغيرة هذه العبارة (الإخوة المالية .. يصرف للمناضل فلان مبلغ كذا من الليرات) فلم تكن هناك شيكات في هذا الزمن، وكانت ورقات 'الإخوة المالية' هذه تصرف من المالية مادامت موقعة من أبو عمار، وكانت سخريات أبو الوفا تعكس ظاهرة كانت متفشية آنذاك هي ظاهرة 'المستشارين' الذين كانوا يصرفون هذه الأموال بقصاصة أجندة المكتب الموجهة لـ'الإخوة المالية' وكان كل من هؤلاء المستشارين تابعا لقائد كبير، واتضح بعد ذلك أن مهمتهم (بعضهم على الأقل) هي كتابة الكتب التي تمجد في القائد الذي يتبعه هذا 'المستشار' أو ذاك حيث كان يغدق عليه الأموال التي كانت من حق أطفال فلسطين وسلاح تحرير فلسطين والمقاتلين من أجل فلسطين، إن كل ليرة أو قرش أو دولار، حصل عليها أحد (أي أحد) من هذا المال ليست من حقه إنما هي كانت- وستظل - نارا يأكل ويطعم أبناءه منها كمن يأكل ويطعم أبناءه من أكباد شهداء فلسطين، كانت 'فتح' هي الجسد الفلسطيني المقاتل، وكانت دائما تزخر بالرجال القادرين على المواجهة والتصحيح والسير دائما باتجاه الخط الصحيح، نعم 'فتح' في كبوة، لكن من قال إن 'فتح' لا تستطيع تطهير نفسها من الداخل فهو واهم ولا يعرف حقيقتها، فتح تستطيع الخلاص من 'اللصوص/القادة الصغار/الخونة الجدد' الذين يأكلون أكباد الشهداء، فتح لا تخون ولا تساوم فكما كانت دائما فتح هي الجميع.. وكما كان الجميع هم فتح..لكن أي فتح؟ وما دام الصراع قائما فإن استعادة فلسطين (كل فلسطين) سوف تبقى دائما حقيقة قابلة للتحقق.


براء الخطيب
روائي مصري

عن القدس العربي

الخنجر الدمشقي
18-07-2010, 03:03 AM
يعني مشكور أخ عبده على هذا النقل ، ولكن هل فتح قادرة بالفعل على تطهير نفسها اليوم من الفساد المستشري والنهج الخاطئ الذي انحرفت إليه بوصلتها منذ نهاية حقبة الثمانينات والخروج من بيروت

هل تستطيع فتح أن تتبرأ من لعنة أوسلو وما جلبته من مآس على فلسطين وأهلها

الحديث طويل ، ولكن هل فتح اليوم هي فتح أبو عمار وأبو إياد وأبو يوسف النجار
أم هي فتح دحلان وفياض وعباس وجبريل الرجوب وغازي الجبالي وروحي فتوح والقائمة تطول