إسلامية
20-07-2010, 01:11 AM
من أكثر الأمور التي تجلب الاستقرار والأمن والسلام الاجتماعي ، في أي بلد ما علي وجه الأرض ، هو شعور مواطني هذا البلد ، أنهم جميعا علي قدم المساواة ؛ في الحقوق ، والواجبات ، والمسئوليات ، وأنه لا توجد حواجز أو فوراق علي أساس العرق أو اللون أو غير ذلك ، فالجميع شركاء في الوطن ومساهمون في بناء المجتمع الراشد الصالح ، ويوم أن تشعر بعض فئات المجتمع أنها مهمشة ، أو مهملة ، أو يتحول مواطنو الدولة لدرجات وفئات ، فهذا ينتمي للفئة والدرجة الأولي ، فيحصل علي كافة المزايا والمنافع والحقوق ، وآخر ينتمي للفئة الثانية أو الثالثة ، فيعامل بازدراء ، ولا يتحصل علي حقوقه ، وتضاعف مسئولياته والتزاماته ، و تهمل شئونه ، ولا يسمع صوته ، ولا يهتم بطلباته ورغباته ، فعندها يكون بداية انهيار المجتمعات وتفككها ، وتسلط الأعداء الخارجيين عليها .
ــ هذه الطبقية كانت السبب الرئيسي وراء انهيار ممالك كبري ومجتمعات قوية ، مثلما حدث في ممالك الهند القديمة ، وكذلك مملكة القوط في أسبانيا القديمة ، قبل أن يرث المسلمون كلا المملكتين ، لذلك كانت الحضارة الإسلامية التي تستقي أسسها وأصولها من الكتاب والسنة ، حريصة كل الحرص علي نشر مبادئ الإخوة والمساواة في البلاد التابعة لها ، مما جعل الناس يدخلون في دين الله أفواجا ، طوي النسيان الممالك الكبرى القديمة التي أصرت علي الطبقية والتمايز بين أفراد شعوبها .
البدو قضية الساعة ـ معادلة شديدة التعقيد تلك التي تقف سيناء وأهلها في جانب منها، بينما تقف الدولة في الجانب الآخر، بعد أن تكفلت عدة أحداث غير مسئولة في تصاعد الصدام بينهما إلي درجة غير مسبوقة، ثار فيها البدو علي الحكومة والأمن وحتى علي الشرعية، وقطعوا الطريق الدولي بالقرب من مقر قوات حفظ السلام بمنطقة «الجورة»، قبل أن يلجئوا للاعتصام علي حدود إسرائيل احتجاجا علي رصاصات الشرطة التي بدأت تتجه إليهم بمناسبة ودون مناسبة.
ــ وشهدت المدينة الحدودية الأشهر والأخطر صدامات عدة خلال الأعوام الماضية تصاعدت حدتها حتى وصلت إلي حد الخطر، بعد أن قفزت من مجرد خلافات بسيطة يمكن حلها علي بالمجالس العرفية ، إلي مواجهات مسلحة بين البدو والشرطة - والدولة بشكل غير مباشر-بعد أن اختارت وزارة الداخلية الحل الأمني الأسهل، وحشدت قواتها مدعومة بالمدرعات وقاذفات الصواريخ لضبط من وصفتهم بنفسها بـ«المطلوبين أمنيا»، وكأنها بصدد معركة حربية مع جيش نظامي.
ــ والأزمة الأخيرة التي انتهت بالمعارك التي شهدتها قرية «وادي العمرو» بوسط سيناء ليست نتاج اليوم أو الأمس القريب، لكنها نتيجة طبيعية لسلسلة من الاحتقانات التي خلفتها صدامات سابقة مع الشرطة، تصاعدت بشكل غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة، مع تغير السياسة الأمنية لوزارة الداخلية في التعامل مع البدو في عهد وزير الداخلية الحالي اللواء حبيب العادلي، الذي شهد عصره أكبر وأعنف أزمات البدو مع الشرطة؛ نتيجة للسياسة الأمنية التي يتبعها مع أبناء القبائل .
ــ قد يكون في رؤية كثير من المحللين والمراقبين السياسيين ، أن ملف الأقباط في مصر ، هو الملف الأكثر صعوبة ، والأكثر ترشيحا للتفجر ، وإثارة المتاعب و التدخل في شئون مصر الداخلية ، وذاكرة التاريخ تسعفنا بكثير من الأحداث الدامية بسبب التوتر الطائفي الذي يؤجج ناره العديد من الأطراف الداخلية والخارجية ، وبعض المحللين يربط بين ملف الأقباط وبين السيناريوهات المحتلة للتدخل في مصر عسكريا ، لكن عند التدقيق في واقع ملفات الأزمة في مصر نجد أن ملف البدو هو الأكثر خطورة وقابلية للانفجار وإثارة الكثير من المتاعب للحكومة المصرية
ــ ملف البدو الآن في مصر مرشح بقوة للتفجر والاشتعال خاصة بعد قيام مجموعة من مسلحي البدو بالاعتداء الجزئي علي خط الغاز الذي ينقل الغاز إلي إسرائيل ، في تحد سافر لهيمنة وسلطة الحكومة المصرية ، وكان هذا الاعتداء بمثابة الإحراج غير المحتمل للسيادة المصرية علي أراضيها ، ومما زاد الطين بله حرص وكالات الأنباء العالمية علي نقل أخبار هذا الاعتداء البسيط ، وتضخيمه وتصوير الوضع علي أنه تهديد كبير لاستقرار المنطقة الحساسة والقريبة من الحدود الإسرائيلية ، و لا يخفى علي أحد أمثال هذه الإيماءات المقصودة لخدمة أهداف وأغراض التدخل الخارجي في الشأن المصري المليء والمثقل بمشاكله الداخلية .
فلماذا تضخم ملف البدو هكذا حتى صار أخطر ملفات مصر الآن ؟ الأسباب كثيرة ولكنها تجتمع في عدة نقاط :
الموقع الجغرافي الخطير ــ قبائل البدو رغم قلة عدد أفرادها ـ أكثر من نصف مليون بقليل ــ إلا أنها تستوطن أخطر بقعة في مصر ـ شبه جزيرة سيناء ـ ، فهي بوابة مصر الشرقية ، ونقطة التماس الحدودية مع أخطر الكيانات الإقليمية والدولية ، و إذا تم وضع المدخل الشمالي الشرقي لسيناء تحت عدسة مكبرة، فسوف يتضح أن مثلث سيناء هو العقدة التي تلحم إفريقيا بآسيا ، وأن المثلث الشمالي منها، والذي يحده جنوباً الخط من السويس إلى رفح تقريباً، هو حلقة الوصل المباشرة بين مصر والشام. وبمزيد من التحديد، فان المستطيل القاعدي الشمالي، الواقع إلى الشمال من خط عرض 30ْ تقريباً، هو إقليم الحركة والمرور والوصل، في حين أن المثلث الجنوبي أسفل هذا الخط، هو منطقة العزلة والفصل. الأول يحمل شرايين الحركة المحورية والحبل السري بين القارتين، والثاني هو منطقة الطرد والالتجاء التي آوت إليها بعض العناصر المستضعفة أو المضطهدة عبر التاريخ ، من أول موسي عليه السلام ومن معه حتى قبائل البدو مؤخرا .
ــ وسيناء لها ثلاثة محاور محور الشمال، الذي يوازي الساحل, محور الجنوب، الذي يصل بين زاوية البحر المتوسط قرب رفح ورأس خليج السويس ، محور الوسط، الذي يترامى كقاطع بين زاوية البحر المتوسط وبين منصف قناة السويس عند بحيرة التمساح ، المحور الشمالي كان أهم خط استراتيجي في سيناء في العصور القديمة، ولكنه في العصر الحديث، عصر الحرب الميكانيكية، فقد هذه الصدارة للمحور الأوسط ، العمود الفقري بلا نزاع في محاور سيناء الاستراتيجية الثلاثة، ويعد اليوم طريق الخطر الأول بلا شك. وقد كان محور تحرك القوات البريطانية بين مصر وفلسطين دائماً، كما ركزت عليه إسرائيل في كل عدوان شنته ويرجع ذلك إلى أنه صالح تماماً لتحرك الحملات العسكرية الثقيلة، فهو يؤدي مباشرة إلى قلب الدلتا في مصر عن طريق وادي الطميلات. وهو كذلك يؤدي شرقاً إلى قلب هضبة فلسطين الداخلية .
ــ إن الأهمية الإستراتيجية لشبه جزيرة سيناء احتلت موقع الصدارة في خريطة التوسع الصهيوني , كما أن معادلة الثقل الإستراتيجي هي : من يسيطر على فلسطين يهدد خط دفاع سيناء الأول , ومن يسيطر على خط دفاع سيناء الأوسط يتحكم في سيناء , ومن يسيطر على سيناء يتحكم في خط دفاع مصر الأخير , ومن يسيطر على خط مصر الأخير يهدد الشمال الإفريقي بأسره ، ويبقي أن نعرف أن معظم الاضطرابات الحادثة الآن بين قبائل البدو ، هي في منطقة وسط سيناء التي أشرنا أنها أخطر محاور الإقليم الاستراتيجي بالغ الأهمية .
التصعيد الأمني الكبير ـ الراصد لتاريخ أزمات سيناء مع الدولة يجد تاريخا مفصليا وفارقا في علاقة البدو بالدولة، هو تاريخ تفجيرات «طابا» في 2004، حيث قابلت الداخلية هذا الحادث بعنف غير مسبوق ضد البدو، ووضعت جميع أبناء سيناء في خانة «الجاني» وتعاملت علي هذا الأساس، مستخدمة كل ما تملك من أدوات وأسلحة.
ــ فوزير الداخلية حبيب العادلي الذي تولي أخطر وأهم وزارة مصرية ، وهي وزارة الداخلية سنة 1996 ، عقب الإطاحة بالوزير السابق حسن الألفي ، علي خلفية حادثة مقتل السياح بالأقصر ، قد استطاع أن يحقق انجازات واسعة في مجال مكافحة العنف ، واستطاع لحد كبير أن يحجم دور الجماعات الإسلامية المسلحة ، حتى قضى علي معظمها ، وهذه الانجازات هي التي أبقت عليه في هذا المنصب الخطير لهذه الفترة الطويلة مقارنة بمن سبقوه ، لذلك فإن عملية تفجيرات الفنادق في طابا قد مثلت تحديا خاصا لانجازات الوزير ، فقرر التعامل معها بمنتهي الحسم ، وتخلي الوزير عن هدوئه المعروف ، وأمر قوات الأمن أن تتعامل مع الأزمة بكل الصلاحيات اللازمة ،
وتم القبض علي أعداد ضخمة من البدو ، واقتيد ألآلاف منهم لمراكز التحقيق ، واستعملت معهم وسائل قاسية في التحقيق ، وذلك دون مراعاة الخصوصية القبلية للبدوي الذي لا يصبر مطلقا علي أمثال هذه الممارسات ، ووصلت حدة التصعيد الأمني للبيوت والعائلات ، وهي أماكن مقدسة وخطوط حمراء عند البدوي، لا يقبل انتهاكها مهما كانت المبررات ، ومن ثم كان الصدام الكبير بين قبائل البدو والأجهزة الأمنية .
ــ التصعيد الأمني من جانب وزارة الداخلية ، واشتدادها في معاملة البدو في أعقاب أحداث 2004 ، وما أنتجه من فصام نكد بين قبائل البدو ووزارة الداخلية ، ثم مع أجهزة الدولة كلها ، كان أكبر من محاولات الحكومة المصرية لربأ صدع هذا الشرخ الخطير ، حتى أن زيارة وزير الداخلية الأخيرة للمنطقة قابلها أبناء القبائل بالمنطقة التي شهدت المصادمات الأخيرة، بتنظيم مؤتمر حاشد، سبقته مسيرة سلمية طاف فيها المئات منهم بقري وتجمعات وسط سيناء، منددين بسياسات التصعيد الأمني، والانتهاكات التي تقوم بها الشرطة ضدهم، في رفض استباقي لنتيجة هذه الزيارة ، ثم قاموا بتحرير وثيقة أسموها " وثيقة إبراء الذمة " وسجلوا فيها شهادتهم للتاريخ علي ما حاق بهم وبأبنائهم من ممارسات أمنية علي خلفية اتهامات لم تتأكد صحتها بضلوعهم في تفجيرات طابا التي هزت شبه جزيرة سيناء في أكتوبر 2004، وكشفوا من خلالها فقدانهم الثقة في الجميع، دولة وشرطة وشيوخ قبائل عينتهم الأجهزة الأمنية واستخدمتهم لجمع أبناء القبائل وحبسهم علي ذمة القضية ،
الوثيقة تعكس بوضوح حالة اليأس التي وصل إليها أهالي المعتقلين علي ذمة تفجيرات طابا، إلي الدرجة التي تدفعهم للانسلاخ عن الواقع، وتسجيل شهادتهم للتاريخ ، وكلها أمور تعكس مدي عمق الشرخ الذي أصاب جدار العلاقة بين البدو والدولة .
ــ وقد يقول قائل أن هناك وضعا أمنيا ووضعا حساسا للغاية لهذه المنطقة وأن ما يجوز على مناطق أخرى في البلاد لا يجوز على هذه المنطقة أو بمعنى آخر أن هذه المنطقة تتطلب حسا أمنيا مرهفا ولكن للأسف الشديد بعض هذا الحس الأمني المرهف قد تجاوز في بعض مفرداته إلى أن يكون يعني بمثابة عصا ثقيلة ، دفعت بالأزمة لحد التفاقم الكبير الذي نراه الآن .
التناول الإعلامي ــ يشعر كثير من البدو أن ثمة تجاهل إعلامي واضح ومتعمد تجاه أزمتهم المتصاعدة منذ عدة سنوات ، وأن وسائل الإعلام الرسمية تمارس نوعا من التستر الإعلامي المقصود علي مطالب البدو و معاناتهم في الفترة الأخيرة ، من أجل قطع التعاطف الشعبي لقضيتهم ، والحق أن الإعلام له دور كبير في تأجيج الغضب عند قبائل البدو ، ذلك أن صورة البدوي في المنتجات الإعلامية تتسم بالسلبية الظاهرة ، والتغاير الواسع عن حقيقة الحال بالنسبة للبدوي ، سلوكيا وأخلاقيا واجتماعيا وسياسيا ،
فالبدوي غالبا ما تصوره وسائل الإعلام ، بالشخص الكسول الذي لا يحسن إلا بالاستظلال بجدار خيمته ، والذي يعيش علي مصادر غير شريفة من الرزق ، مثل الاتجار تهريب السلاح والممنوعات ، والعقل الشعبي في مصر ظل ينظر للبدوي علي أنه خائن وعميل للمحتل الإسرائيلي أبان تواجده في سيناء ، كما أن ثمة خصال بغيضة قد أصبحت علما علي الشخصية البدوية بسبب وسائل الإعلام ، مثل الغدر والحدة والعنف والأنانية والطمع والكسل ، حتى أصبحت شخصية البدوي مخيفة ومريبة لكل من يريد أن يتعامل معها .
ــ تعاطي وسائل الإعلام مع أزمة البدو الأخيرة زاد من حدتها وعمق جراحها ، ذلك أن وسائل الإعلام ، وكما هي عادتها في التعامل مع أي صوت معارض ، راحت تكيل الاتهامات المتنوعة لقبائل البدو ، وتحملهم المسئولية عن تصاعد الأزمة ، في حين تجاهلت كل التجاوزات الأمنية الخطيرة التي سببت كل هذه الاضطرابات ، وراحت أيضا تضخم من الأخطاء البدوية ، وتعمم التصرفات الفردية ، كما يجب أن لا ننسي دور أجهزة الأمن في منع وسائل الإعلام من تغطية أحداث الأزمة ، كما حدث مع المؤتمر الأخير للبدو والذي عقد في قرية المهدية الحدودية قبل أيام .
تجاهل مطالب البدو ــ من حق أي حكومة أن تحرص علي سيادتها وسلطتها المكانية ، وأن تتصدي لأي محاولة للنيل من هذه السيادة والهيبة ، ولكن عليها أيضا أن تعرف أنها مسئولة مسئولية كاملة عن تلبية حاجات مواطنيها ورعاياها وفق النظم والضوابط والأعراف المتداولة ، وليس أبدا معني إثبات السيطرة والسيادة أن تضغط الحكومة علي مواطنيها ، وتتجاهل طلباتهم وحاجاتهم الأساسية ، بدعوي أن هذا معناه الرضوخ والانصياع لفئة من الشعب ، وأنه ينقص من هيبة الدولة والحكومة ، ويفتح الباب أمام تنازلات آخري كثيرة ، لا يمكن أن ترضاها الحكومة .
ــ ثمة شعور جارف لدى أهل سيناء وخصوصا الذين عانوا أكثر من غيرهم بأنهم مستبعدون من نقطة وبؤرة اهتمام الدولة ومن ثم عليهم أن يبحثوا عن وسائل أخرى تعينهم على مواجهة الحياة ، فالإهمال التاريخي لسيناء من ناحية التنمية يشكل عاملا رئيسيا فيما نشهده من أحداث حاليا للأسف الشديد أنه بعد 26 عاما من تحرير سيناء ما زال وسط سيناء وأجزاء كثيرة في شمال سيناء يعني أراضي صحراوية قاحلة كما كانت منذ آلاف السنين ، مطالب البدو لم تتخط حاجز المطالب المنطقية لأي فئة تعاني التهميش والإهمال اللذين يعاني منهما أبناء سيناء، لكنهم قدموا علي هذه المطالب الإفراج عن المعتقلين من أبناء المحافظة الذين اعتقلوا منذ أحداث طابا 2004 ، ثم المطالب المتعلقة بالسماح بتملك البدو لأراضيهم التي يعيشون عليها منذ مئات السنين، وتنمية القرى البدوية؛ خاصة القرى الحدودية، بالإضافة لتخصيص فرص عمل لشباب البدو في المصانع التي تقام بسيناء .
هل تنفجر الأزمة أم تهدأ ؟
ــ الدولة شعرت بعد الاجتماع الأخير لوزير الداخلية مع شيوخ العشائر بسيناء ، أن القضية علي وشك الانفجار إذا لم تدركها حكمة العقلاء ، ولذلك قامت الحكومة بعدة خطوات من شأنها تخفيف حدة السخط البدوي العارم ، مثل الإفراج عن بعض المعتقلين وعلي رأسهم المعتقل السيناوي الأشهر مسعد أبو فجر ، والبدء في مشروعات تنموية من شأنها استيعاب نسبة البطالة العالية في صفوف شباب البدو ، وتخفيف القبضة الأمنية علي منطقة وسط سيناء معقل التوتر والثورة .
ــ هذه الخطوات المحمودة من شأنها تهدئة الأوضاع قليلا ، وليس حل نهائي للأزمة المتفاقمة ، ولابد من أن يعقبها حلول آخري تصل بالمنطقة في النهاية للسلام والاستقرار ، ذلك أن أصابع الصهاينة تعبث بقوة وتأجج نار الفتنة ، بهذه المنطقة شديدة الخطورة والحساسية ، فلقد ألقت قوات الأمن علي عدة جواسيس يعملون في صفوف البدو لصالح العدو الصهيوني بهدف إثارة مزيد من الاضطرابات والقلاقل في منطقة وسط سيناء ، وأعداء الأمة العربية والإسلامية ، وليس مصر وحدها من صالحهم إلهاب المنطقة ، وصب الزيت علي النار فيها ، وهذا مما يجب أن يلتفت إليه ليست الحكومة وحدها ولكن البدو أيضا ، لأنهم من حيث لا يشعرون قد يكونوا معول هدم لبلدهم العزيز الذي طالما دافعوا عنه وببسالة في مواجهة الاحتلال الصهيوني ، ويكفي أن نذكر البدو الآن بموقف آبائهم الذين رفضوا وعود الصهاينة لهم بتمليكهم لأراضيهم بمقابل تدويل سيناء والتنازل عن مصريتهم أمام كاميرات ووكالات العالم، فيما يعرف بمؤتمر الحسنة عام 1968، وهو ما قابله البدو بالرفض التام أمام الكاميرات أيضا مما سبب حرجاً بالغاً لقوات الاحتلال، ورفع رأس البدو عاليا
http://www.islammemo.cc/Tkarer/Tkareer/2010/07/19/103603.html (http://www.islammemo.cc/Tkarer/Tkareer/2010/07/19/103603.html)
ــ هذه الطبقية كانت السبب الرئيسي وراء انهيار ممالك كبري ومجتمعات قوية ، مثلما حدث في ممالك الهند القديمة ، وكذلك مملكة القوط في أسبانيا القديمة ، قبل أن يرث المسلمون كلا المملكتين ، لذلك كانت الحضارة الإسلامية التي تستقي أسسها وأصولها من الكتاب والسنة ، حريصة كل الحرص علي نشر مبادئ الإخوة والمساواة في البلاد التابعة لها ، مما جعل الناس يدخلون في دين الله أفواجا ، طوي النسيان الممالك الكبرى القديمة التي أصرت علي الطبقية والتمايز بين أفراد شعوبها .
البدو قضية الساعة ـ معادلة شديدة التعقيد تلك التي تقف سيناء وأهلها في جانب منها، بينما تقف الدولة في الجانب الآخر، بعد أن تكفلت عدة أحداث غير مسئولة في تصاعد الصدام بينهما إلي درجة غير مسبوقة، ثار فيها البدو علي الحكومة والأمن وحتى علي الشرعية، وقطعوا الطريق الدولي بالقرب من مقر قوات حفظ السلام بمنطقة «الجورة»، قبل أن يلجئوا للاعتصام علي حدود إسرائيل احتجاجا علي رصاصات الشرطة التي بدأت تتجه إليهم بمناسبة ودون مناسبة.
ــ وشهدت المدينة الحدودية الأشهر والأخطر صدامات عدة خلال الأعوام الماضية تصاعدت حدتها حتى وصلت إلي حد الخطر، بعد أن قفزت من مجرد خلافات بسيطة يمكن حلها علي بالمجالس العرفية ، إلي مواجهات مسلحة بين البدو والشرطة - والدولة بشكل غير مباشر-بعد أن اختارت وزارة الداخلية الحل الأمني الأسهل، وحشدت قواتها مدعومة بالمدرعات وقاذفات الصواريخ لضبط من وصفتهم بنفسها بـ«المطلوبين أمنيا»، وكأنها بصدد معركة حربية مع جيش نظامي.
ــ والأزمة الأخيرة التي انتهت بالمعارك التي شهدتها قرية «وادي العمرو» بوسط سيناء ليست نتاج اليوم أو الأمس القريب، لكنها نتيجة طبيعية لسلسلة من الاحتقانات التي خلفتها صدامات سابقة مع الشرطة، تصاعدت بشكل غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة، مع تغير السياسة الأمنية لوزارة الداخلية في التعامل مع البدو في عهد وزير الداخلية الحالي اللواء حبيب العادلي، الذي شهد عصره أكبر وأعنف أزمات البدو مع الشرطة؛ نتيجة للسياسة الأمنية التي يتبعها مع أبناء القبائل .
ــ قد يكون في رؤية كثير من المحللين والمراقبين السياسيين ، أن ملف الأقباط في مصر ، هو الملف الأكثر صعوبة ، والأكثر ترشيحا للتفجر ، وإثارة المتاعب و التدخل في شئون مصر الداخلية ، وذاكرة التاريخ تسعفنا بكثير من الأحداث الدامية بسبب التوتر الطائفي الذي يؤجج ناره العديد من الأطراف الداخلية والخارجية ، وبعض المحللين يربط بين ملف الأقباط وبين السيناريوهات المحتلة للتدخل في مصر عسكريا ، لكن عند التدقيق في واقع ملفات الأزمة في مصر نجد أن ملف البدو هو الأكثر خطورة وقابلية للانفجار وإثارة الكثير من المتاعب للحكومة المصرية
ــ ملف البدو الآن في مصر مرشح بقوة للتفجر والاشتعال خاصة بعد قيام مجموعة من مسلحي البدو بالاعتداء الجزئي علي خط الغاز الذي ينقل الغاز إلي إسرائيل ، في تحد سافر لهيمنة وسلطة الحكومة المصرية ، وكان هذا الاعتداء بمثابة الإحراج غير المحتمل للسيادة المصرية علي أراضيها ، ومما زاد الطين بله حرص وكالات الأنباء العالمية علي نقل أخبار هذا الاعتداء البسيط ، وتضخيمه وتصوير الوضع علي أنه تهديد كبير لاستقرار المنطقة الحساسة والقريبة من الحدود الإسرائيلية ، و لا يخفى علي أحد أمثال هذه الإيماءات المقصودة لخدمة أهداف وأغراض التدخل الخارجي في الشأن المصري المليء والمثقل بمشاكله الداخلية .
فلماذا تضخم ملف البدو هكذا حتى صار أخطر ملفات مصر الآن ؟ الأسباب كثيرة ولكنها تجتمع في عدة نقاط :
الموقع الجغرافي الخطير ــ قبائل البدو رغم قلة عدد أفرادها ـ أكثر من نصف مليون بقليل ــ إلا أنها تستوطن أخطر بقعة في مصر ـ شبه جزيرة سيناء ـ ، فهي بوابة مصر الشرقية ، ونقطة التماس الحدودية مع أخطر الكيانات الإقليمية والدولية ، و إذا تم وضع المدخل الشمالي الشرقي لسيناء تحت عدسة مكبرة، فسوف يتضح أن مثلث سيناء هو العقدة التي تلحم إفريقيا بآسيا ، وأن المثلث الشمالي منها، والذي يحده جنوباً الخط من السويس إلى رفح تقريباً، هو حلقة الوصل المباشرة بين مصر والشام. وبمزيد من التحديد، فان المستطيل القاعدي الشمالي، الواقع إلى الشمال من خط عرض 30ْ تقريباً، هو إقليم الحركة والمرور والوصل، في حين أن المثلث الجنوبي أسفل هذا الخط، هو منطقة العزلة والفصل. الأول يحمل شرايين الحركة المحورية والحبل السري بين القارتين، والثاني هو منطقة الطرد والالتجاء التي آوت إليها بعض العناصر المستضعفة أو المضطهدة عبر التاريخ ، من أول موسي عليه السلام ومن معه حتى قبائل البدو مؤخرا .
ــ وسيناء لها ثلاثة محاور محور الشمال، الذي يوازي الساحل, محور الجنوب، الذي يصل بين زاوية البحر المتوسط قرب رفح ورأس خليج السويس ، محور الوسط، الذي يترامى كقاطع بين زاوية البحر المتوسط وبين منصف قناة السويس عند بحيرة التمساح ، المحور الشمالي كان أهم خط استراتيجي في سيناء في العصور القديمة، ولكنه في العصر الحديث، عصر الحرب الميكانيكية، فقد هذه الصدارة للمحور الأوسط ، العمود الفقري بلا نزاع في محاور سيناء الاستراتيجية الثلاثة، ويعد اليوم طريق الخطر الأول بلا شك. وقد كان محور تحرك القوات البريطانية بين مصر وفلسطين دائماً، كما ركزت عليه إسرائيل في كل عدوان شنته ويرجع ذلك إلى أنه صالح تماماً لتحرك الحملات العسكرية الثقيلة، فهو يؤدي مباشرة إلى قلب الدلتا في مصر عن طريق وادي الطميلات. وهو كذلك يؤدي شرقاً إلى قلب هضبة فلسطين الداخلية .
ــ إن الأهمية الإستراتيجية لشبه جزيرة سيناء احتلت موقع الصدارة في خريطة التوسع الصهيوني , كما أن معادلة الثقل الإستراتيجي هي : من يسيطر على فلسطين يهدد خط دفاع سيناء الأول , ومن يسيطر على خط دفاع سيناء الأوسط يتحكم في سيناء , ومن يسيطر على سيناء يتحكم في خط دفاع مصر الأخير , ومن يسيطر على خط مصر الأخير يهدد الشمال الإفريقي بأسره ، ويبقي أن نعرف أن معظم الاضطرابات الحادثة الآن بين قبائل البدو ، هي في منطقة وسط سيناء التي أشرنا أنها أخطر محاور الإقليم الاستراتيجي بالغ الأهمية .
التصعيد الأمني الكبير ـ الراصد لتاريخ أزمات سيناء مع الدولة يجد تاريخا مفصليا وفارقا في علاقة البدو بالدولة، هو تاريخ تفجيرات «طابا» في 2004، حيث قابلت الداخلية هذا الحادث بعنف غير مسبوق ضد البدو، ووضعت جميع أبناء سيناء في خانة «الجاني» وتعاملت علي هذا الأساس، مستخدمة كل ما تملك من أدوات وأسلحة.
ــ فوزير الداخلية حبيب العادلي الذي تولي أخطر وأهم وزارة مصرية ، وهي وزارة الداخلية سنة 1996 ، عقب الإطاحة بالوزير السابق حسن الألفي ، علي خلفية حادثة مقتل السياح بالأقصر ، قد استطاع أن يحقق انجازات واسعة في مجال مكافحة العنف ، واستطاع لحد كبير أن يحجم دور الجماعات الإسلامية المسلحة ، حتى قضى علي معظمها ، وهذه الانجازات هي التي أبقت عليه في هذا المنصب الخطير لهذه الفترة الطويلة مقارنة بمن سبقوه ، لذلك فإن عملية تفجيرات الفنادق في طابا قد مثلت تحديا خاصا لانجازات الوزير ، فقرر التعامل معها بمنتهي الحسم ، وتخلي الوزير عن هدوئه المعروف ، وأمر قوات الأمن أن تتعامل مع الأزمة بكل الصلاحيات اللازمة ،
وتم القبض علي أعداد ضخمة من البدو ، واقتيد ألآلاف منهم لمراكز التحقيق ، واستعملت معهم وسائل قاسية في التحقيق ، وذلك دون مراعاة الخصوصية القبلية للبدوي الذي لا يصبر مطلقا علي أمثال هذه الممارسات ، ووصلت حدة التصعيد الأمني للبيوت والعائلات ، وهي أماكن مقدسة وخطوط حمراء عند البدوي، لا يقبل انتهاكها مهما كانت المبررات ، ومن ثم كان الصدام الكبير بين قبائل البدو والأجهزة الأمنية .
ــ التصعيد الأمني من جانب وزارة الداخلية ، واشتدادها في معاملة البدو في أعقاب أحداث 2004 ، وما أنتجه من فصام نكد بين قبائل البدو ووزارة الداخلية ، ثم مع أجهزة الدولة كلها ، كان أكبر من محاولات الحكومة المصرية لربأ صدع هذا الشرخ الخطير ، حتى أن زيارة وزير الداخلية الأخيرة للمنطقة قابلها أبناء القبائل بالمنطقة التي شهدت المصادمات الأخيرة، بتنظيم مؤتمر حاشد، سبقته مسيرة سلمية طاف فيها المئات منهم بقري وتجمعات وسط سيناء، منددين بسياسات التصعيد الأمني، والانتهاكات التي تقوم بها الشرطة ضدهم، في رفض استباقي لنتيجة هذه الزيارة ، ثم قاموا بتحرير وثيقة أسموها " وثيقة إبراء الذمة " وسجلوا فيها شهادتهم للتاريخ علي ما حاق بهم وبأبنائهم من ممارسات أمنية علي خلفية اتهامات لم تتأكد صحتها بضلوعهم في تفجيرات طابا التي هزت شبه جزيرة سيناء في أكتوبر 2004، وكشفوا من خلالها فقدانهم الثقة في الجميع، دولة وشرطة وشيوخ قبائل عينتهم الأجهزة الأمنية واستخدمتهم لجمع أبناء القبائل وحبسهم علي ذمة القضية ،
الوثيقة تعكس بوضوح حالة اليأس التي وصل إليها أهالي المعتقلين علي ذمة تفجيرات طابا، إلي الدرجة التي تدفعهم للانسلاخ عن الواقع، وتسجيل شهادتهم للتاريخ ، وكلها أمور تعكس مدي عمق الشرخ الذي أصاب جدار العلاقة بين البدو والدولة .
ــ وقد يقول قائل أن هناك وضعا أمنيا ووضعا حساسا للغاية لهذه المنطقة وأن ما يجوز على مناطق أخرى في البلاد لا يجوز على هذه المنطقة أو بمعنى آخر أن هذه المنطقة تتطلب حسا أمنيا مرهفا ولكن للأسف الشديد بعض هذا الحس الأمني المرهف قد تجاوز في بعض مفرداته إلى أن يكون يعني بمثابة عصا ثقيلة ، دفعت بالأزمة لحد التفاقم الكبير الذي نراه الآن .
التناول الإعلامي ــ يشعر كثير من البدو أن ثمة تجاهل إعلامي واضح ومتعمد تجاه أزمتهم المتصاعدة منذ عدة سنوات ، وأن وسائل الإعلام الرسمية تمارس نوعا من التستر الإعلامي المقصود علي مطالب البدو و معاناتهم في الفترة الأخيرة ، من أجل قطع التعاطف الشعبي لقضيتهم ، والحق أن الإعلام له دور كبير في تأجيج الغضب عند قبائل البدو ، ذلك أن صورة البدوي في المنتجات الإعلامية تتسم بالسلبية الظاهرة ، والتغاير الواسع عن حقيقة الحال بالنسبة للبدوي ، سلوكيا وأخلاقيا واجتماعيا وسياسيا ،
فالبدوي غالبا ما تصوره وسائل الإعلام ، بالشخص الكسول الذي لا يحسن إلا بالاستظلال بجدار خيمته ، والذي يعيش علي مصادر غير شريفة من الرزق ، مثل الاتجار تهريب السلاح والممنوعات ، والعقل الشعبي في مصر ظل ينظر للبدوي علي أنه خائن وعميل للمحتل الإسرائيلي أبان تواجده في سيناء ، كما أن ثمة خصال بغيضة قد أصبحت علما علي الشخصية البدوية بسبب وسائل الإعلام ، مثل الغدر والحدة والعنف والأنانية والطمع والكسل ، حتى أصبحت شخصية البدوي مخيفة ومريبة لكل من يريد أن يتعامل معها .
ــ تعاطي وسائل الإعلام مع أزمة البدو الأخيرة زاد من حدتها وعمق جراحها ، ذلك أن وسائل الإعلام ، وكما هي عادتها في التعامل مع أي صوت معارض ، راحت تكيل الاتهامات المتنوعة لقبائل البدو ، وتحملهم المسئولية عن تصاعد الأزمة ، في حين تجاهلت كل التجاوزات الأمنية الخطيرة التي سببت كل هذه الاضطرابات ، وراحت أيضا تضخم من الأخطاء البدوية ، وتعمم التصرفات الفردية ، كما يجب أن لا ننسي دور أجهزة الأمن في منع وسائل الإعلام من تغطية أحداث الأزمة ، كما حدث مع المؤتمر الأخير للبدو والذي عقد في قرية المهدية الحدودية قبل أيام .
تجاهل مطالب البدو ــ من حق أي حكومة أن تحرص علي سيادتها وسلطتها المكانية ، وأن تتصدي لأي محاولة للنيل من هذه السيادة والهيبة ، ولكن عليها أيضا أن تعرف أنها مسئولة مسئولية كاملة عن تلبية حاجات مواطنيها ورعاياها وفق النظم والضوابط والأعراف المتداولة ، وليس أبدا معني إثبات السيطرة والسيادة أن تضغط الحكومة علي مواطنيها ، وتتجاهل طلباتهم وحاجاتهم الأساسية ، بدعوي أن هذا معناه الرضوخ والانصياع لفئة من الشعب ، وأنه ينقص من هيبة الدولة والحكومة ، ويفتح الباب أمام تنازلات آخري كثيرة ، لا يمكن أن ترضاها الحكومة .
ــ ثمة شعور جارف لدى أهل سيناء وخصوصا الذين عانوا أكثر من غيرهم بأنهم مستبعدون من نقطة وبؤرة اهتمام الدولة ومن ثم عليهم أن يبحثوا عن وسائل أخرى تعينهم على مواجهة الحياة ، فالإهمال التاريخي لسيناء من ناحية التنمية يشكل عاملا رئيسيا فيما نشهده من أحداث حاليا للأسف الشديد أنه بعد 26 عاما من تحرير سيناء ما زال وسط سيناء وأجزاء كثيرة في شمال سيناء يعني أراضي صحراوية قاحلة كما كانت منذ آلاف السنين ، مطالب البدو لم تتخط حاجز المطالب المنطقية لأي فئة تعاني التهميش والإهمال اللذين يعاني منهما أبناء سيناء، لكنهم قدموا علي هذه المطالب الإفراج عن المعتقلين من أبناء المحافظة الذين اعتقلوا منذ أحداث طابا 2004 ، ثم المطالب المتعلقة بالسماح بتملك البدو لأراضيهم التي يعيشون عليها منذ مئات السنين، وتنمية القرى البدوية؛ خاصة القرى الحدودية، بالإضافة لتخصيص فرص عمل لشباب البدو في المصانع التي تقام بسيناء .
هل تنفجر الأزمة أم تهدأ ؟
ــ الدولة شعرت بعد الاجتماع الأخير لوزير الداخلية مع شيوخ العشائر بسيناء ، أن القضية علي وشك الانفجار إذا لم تدركها حكمة العقلاء ، ولذلك قامت الحكومة بعدة خطوات من شأنها تخفيف حدة السخط البدوي العارم ، مثل الإفراج عن بعض المعتقلين وعلي رأسهم المعتقل السيناوي الأشهر مسعد أبو فجر ، والبدء في مشروعات تنموية من شأنها استيعاب نسبة البطالة العالية في صفوف شباب البدو ، وتخفيف القبضة الأمنية علي منطقة وسط سيناء معقل التوتر والثورة .
ــ هذه الخطوات المحمودة من شأنها تهدئة الأوضاع قليلا ، وليس حل نهائي للأزمة المتفاقمة ، ولابد من أن يعقبها حلول آخري تصل بالمنطقة في النهاية للسلام والاستقرار ، ذلك أن أصابع الصهاينة تعبث بقوة وتأجج نار الفتنة ، بهذه المنطقة شديدة الخطورة والحساسية ، فلقد ألقت قوات الأمن علي عدة جواسيس يعملون في صفوف البدو لصالح العدو الصهيوني بهدف إثارة مزيد من الاضطرابات والقلاقل في منطقة وسط سيناء ، وأعداء الأمة العربية والإسلامية ، وليس مصر وحدها من صالحهم إلهاب المنطقة ، وصب الزيت علي النار فيها ، وهذا مما يجب أن يلتفت إليه ليست الحكومة وحدها ولكن البدو أيضا ، لأنهم من حيث لا يشعرون قد يكونوا معول هدم لبلدهم العزيز الذي طالما دافعوا عنه وببسالة في مواجهة الاحتلال الصهيوني ، ويكفي أن نذكر البدو الآن بموقف آبائهم الذين رفضوا وعود الصهاينة لهم بتمليكهم لأراضيهم بمقابل تدويل سيناء والتنازل عن مصريتهم أمام كاميرات ووكالات العالم، فيما يعرف بمؤتمر الحسنة عام 1968، وهو ما قابله البدو بالرفض التام أمام الكاميرات أيضا مما سبب حرجاً بالغاً لقوات الاحتلال، ورفع رأس البدو عاليا
http://www.islammemo.cc/Tkarer/Tkareer/2010/07/19/103603.html (http://www.islammemo.cc/Tkarer/Tkareer/2010/07/19/103603.html)