Y a z e e d
24-01-2002, 09:44 AM
تأملات في كتاب نهج البلاغة
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين وبعد :
فإن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله الطيبين واجبة على المسلمين دون غلو، وعلى المسلم التمسك بما ثبت في فضائلهم من الأحاديث الصحيحة ، ورفض الروايات التي لا أساس لها ولا سند ، والمدسوسة في كثير من المرويات . وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتعبد الله تعالى في صلاتنا بالصلاة والسلام على محمد وآل محمد قبل التسليم . وأن نقول كما ثبت في الصحيح ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد )[1] . وقال صلى الله عليه وسلم : ( أذكركم الله في أهل بيتي )[2] .
نعمة العقل :
لقد فضل الله تعالى الإنسان على الحيوان بنعمة العقل وجعل التكليف ســاقطا عمن فـقـد هذه النعـمة ، لعـدم مقـدرتـه على التميـيز ، قال تعــالى : { وهديناه النجدين } [3] ، وقال تعالى : { إنا هدينـاه السبيل إما شاكرا وإما كفورا } [4].
ولقـد بشـر الله تعالى أهل العـقـل والفـهم في كتــابه الكـريم ، فقال : { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشرعباد . الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب } [5]، وقال تعالى : { وإلاهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم .إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيى به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون }[6] .
لقد جعلوه أحد مصادر التشريع عندهم ، قال زين الدين العاملي الملقب عندهم بالشهيد الثاني:( والأصول الأربعة الكتاب والسنة والإجماع والعقل )[7].
ورووا في الكافي أن رسول الله قال : ( ما قسم الله للعباد شيئا أفضل من العقل ) [8] ، وفي الكافي أيضا ( سمعنا أبا عبد الله ع يقول لا غنى أخصب من العقل ) [9] ، وفيه أيضا ( عن ابن السكيت أنه قال : فما الحجة على الخلق اليوم ؟ فقال الرضا ع : العقل تعرف به الصادق على الله فتصدقه والكاذب على الله فتكذبه ، فقال ابن السكيت هذا هو والله الجواب ) [10] .
هل الشيعة الإثنا عشرية يخالفون كلام الإمام علي في نهج البلاغة ؟!!
مكانة نهج البلاغة عند الشيعة الإمامية الإثني عشرية :
قال عنه أحد أكبر علماء الشيعة المعاصرين ، الهادي كاشف الغطاء في كتابه مستدرك نهج البلاغة : ( بأن كتاب نهج البلاغة أو ما اختاره العلامة ابوالحسن محمد الرضا . من كلام مولانا أمير المؤمنين .....من أعظم الكتب الإسلامية شأنا - إلى أن قال - نور لمن استضاء به ، ونجاة لمن تمسك به ، وبرهان لمن اعتمده ، ولب لمن تدبره [11]. وقال أيضا ( إن اعتقادنا في كتاب نهج البلاغة أن جميع مافيه من الخطب والكتب والوصايا والحكم والآداب حاله كحال ما يروى عن النبى ص وعن أهل بيته في جوامع الأخبار الصحيحة والكتب المعتبرة ) [12].
وقال عن نهج البلاغة شرح محمد عبده ( أحد شيوخ الأزهر بمصر ) :
( ومن أفاضل شراحه العلامة الشيخ محمد عبده فقد شرحه بكلمات وجيزة 00)[13]
فهم لا يقدحون في متن الكتاب ويقرأونه ويقتنونه للتبرك في بيوتهم ولايتهمون الشارح بزيادة أو نقص فيه لكنهم دائما يفضلون شروح علمائهم ، فإذا لم تتوفر لهم أخذوا بكتاب محمد عبده أو غيره .
وقال بعض علماء أهل السنة عن نهج البلاغة (... ألفه لهم الشريف الرضي وأعانه عليه أخوه المرتضى ، وطريقتهما في تأليفه أن يعمدا إلى الخطبة القصيرة المأثورة عن أمير المؤمنين فيزيدان عليها . . . . ، وإن الصحيح من كلام أمير المؤمنين في نهج البلاغة قد يبلغ عشره أو نصف عشره ، والباقي من كلام الرضي والمرتضى )[14] ؟ وقيل أيضا أن الذي ألفه هو الشريف المرتضى المتوفى سنة 436 هـ فبالرغم من هذه الشقة البعيدة من السنين بينهما وبين علي رضي الله عنه ، إلا أنهما يرويان عنه مباشرة بدون إسناد .
وقد انتهج مثل ذلك صاحب الكتاب المسمى ( مستدرك نهج البلاغه )؟! فكيف لهذا المعاصر[15] أيضا أن يروي عن علي رضي الله عنه الذي عاش في القرن الأول الهجري وهو قد عاش في القرن الرابع عشر بدون ذكر المصادر أو الإسناد ؟.وما يدرينا لعله بعد سـنين أو قرون من الآن يأتـي منهم من يروي عن على رضي الله عنه وبالطريقة نفسـها !!.
فبالرغم من مكانة هذا الكتاب عندهم والمكانة التي يدعون بأنهم يعطونها لعلى رضي الله عنه كادعائهم بأنه معصوم عن الكذب والخطأ والنسيان . وأنه إمام طاعته من طاعة الله ، إلا أنهم يخالفون ما في النهج من كلام نسبوه لعلي رضي الله عنه ولا يطيعونه ، فيا عجبا من هؤلاء القوم الذين يخالفون كتاب الله وسنة رسوله وقول من يزعمون بأنه إمامهم !! . وأمثلة هذه الدلائل على مخالفتهم ما في نهج البلاغة ما يلي :
أولا : أين النص الإلهي بالإمامة الذي يزعمونه ؟ وكيف لعلي رضي الله عنه أن يرفضها لو كان هناك نص ؟! :
1- ففى نهج البلاغة - حسب مارووا - خطبة لعلي حينما دعوه إلى البيعة بعد مقتل عثمان ذي النورين رضي الله عنهما قال فيها : ( دعوني والتمسوا غيري ، فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان ، لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول ، إلى أن قال : وإن تركتموني فأنا كأحدكم ، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم ، وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا )[16] فلله العجب !
إذ لو كان أمر الإمامة أو الخلافة كما يصورها الشيعة بأنها نص إلهى في علي رضي الله عنه وأبنائه الإحدى عشر من بعده ، كما يذكر ذلك الكليني في الكافي : ( عن أبي عبد الله ع قال : إن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود لرجال مسمين ليس للإمام أن يزويها عن الذي يكون بعده )[17] . كيف يستطيع علي رضي الله عنه أن يقول دعوني والتمسوا غيري هل يتهم الشيعة الإمام علي رضي الله عنه بعصيان الله ؟ أين حبهم المزعوم لعلي رضي الله عنه ؟ إن عليا رضي الله عنه عند أهل السنة من خيرة الصحابة ومن أكثرهم طاعة لله ، وإنه من المبشرين بالجنة ، لكننا نقول بأن عليا رضي الله عنه هنا ( وفي نهج البلاغة ) يقرر أن الخلافة يجوز أن تكون له أو لغيره ، ويقول نفسه عن نفسه أن أكون مقتدياً خيرا لي من أن أكون إماماً . فهو لا يرى الأمركما يراه هؤلاء .
2 - وقال علي رضي الله عنه أيضا - حسب مارووا - في نهج البلاغة مخاطباً طلحة والزبير: ( والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ، ولا في الولاية إربة ، ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها )[18].
فهل يجوز بعد هذا لأحد أن يقول بأن هناك نصاً إلهياً وهذا علي رضي الله عنه يقول بأنه ليس له في الخلافة رغبة ؟ وأنهم حملوه عليها . فلو كان هناك نص لما رفض علي رضي الله عنه الخلافة ، و ما العمل وقد جعلوا من أنـكر الإمـامة كافراً ، كما يـقـول ( ابن بابويه القمي ) ! مصرحا ( إعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده أنه كمن جحد جميع الأنبياء ، وإعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدا من بعده من الأئمة إنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء ، ثم أنكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ) [19]. وقال الطوسي : ( ودفع الإمامة كفر ، كما أن دفع النبوة كفر لأن الجهل بهما على حد واحد ) [20].
3 - ورووا في نهج البلاغة أن علياً قال في وصف بيعته بالخلافة ( وبسطتم يدي فكففتها ، ومددتموها فقبضتها ، ثم تداككتم علي تداكُ الهيم على حياضها يوم وردها )[21]. فهذا الوصف منه يدل على أنه لم يقبل عليها وكان يتمنعها حتى أن لم يجد بدا من قبول بيعتهم له .
4 - وورد في نهج البلاغة قول علي رضي الله عنه وهو يذكر أمر الخلافة والإمامة : ( رضينا عن الله قضائه ، وسلمنا لله أمره ....... فنظرت في أمري فإذا طاعتي سبقت بيعتي إذ الميثاق في عنقي لغيري )[22] .
إذن أمر الله الذي سلم له علي : أن تكون الخلافة في أبي بكر ، فأين أمر الله بالخلافة والإمامة لعلي ؟!! .
ويقول علي البحراني في منار الهدى ( ولما رأى ذلك تقدم إلى الصديق ، وبايعه المهاجرون والأنصار ، والكلام من فيه وهو يومئذ أمير المؤمنين وخليفة المسلمين ، لا يتقي الناس ، ولا يظهر إلا ما يبطنه لعدم دواعى التقية ، وهو يذكر الأحداث الماضية فيقول : ( فمشيت عند ذلك إلى أبى بكر ، فبايعته ، ونهضت في تلك الأحداث ... فتولى أبو بكر تلك الأمور فسدد ويسر وقارب واقتصد فصحبته مناصحا ، وأطعته فيما أطاع الله جاهدا )[23].
وكان علي رضي الله عنه ـ كما ذكر ـ مطيعا لأبي بكر ممتثلاً لأوامره فقد حدث أن وفداً من الكفار جاءوا إلى المدينة المنورة ، ورأوا بالمسلمين ضعفاً وقلة لذهابهم إلى الجهات المختلفة للجهاد واستئصال شأفة المرتدين والبغاة ، فأحس منهم الصديق خطراً على عاصمة إلإسلام والمسلمين ( فأمر الصديق بحراسة المدينة وجعل الحرس على أنقابها يبيتون بالجيوش ، وأمر عليا والزبير وطلحة وعبد الله بن مسعود أن يرأسوا هؤلاء الحرائر ، وبقوا كذلك حتى أمنوا منهم )[24].
ثانيا : - علي رضي الله عنه يعلن ثناءه وحبه لإبي بكر وعمر وعثمان ويمدح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى الله عنهم أجمعين : -
1 - وورد في النهج أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما استشار عليا رضي الله عنه عند انطلاقه لقتال فارس وقد جمعوا للقتال ، أجابه : ( إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة ، وهو دين الله تعالى الذي أظهره ، وجنده الذي أعده وأمده ، حتى بلغ مابلغ وطلع حيثما طلع ، ونحن على موعد من الله تعالى حيث قال عز اسمه { وعد الله الذين آمنوا } وتلى الآية ، والله تعالى منجز وعده وناصر جنده ، ومكان القيم بالأمر في الإسلام مكان النظام من الخرز فإن انقطع النظام تفرق الخرز ، ورب متفرق لم يجتمع ، والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالإجتماع ، فكن قطباً ، واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دونك نار الحرب ، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انقضت عليك من أطرافها وأقطارها ، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك . إن الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا : هذا أصل العرب فإذا قطعتموه استرحتم ، فيكون ذلك أشد لكَلَبِهم عليك وطمعهم فيك . فأما ماذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين فإن الله سبحانه وتعالى هو أكره لمسيرهم منك ، وهو أقدر على تغيير ما يكره . وأما ماذكرت من عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة ، وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة )[25]. انتهى بلفظه . فتدبر منصفاً لهذا الثناء والحب والخوف على عمر من علي رضي الله عنه فأين ذلك كله ممن يكفر عمر رضي الله عنه ويسبه .
2 - وأيضا في النهج لما استشار عمر بن الخطاب عليا رضى الله عنهما في الخروج إلى غزوة الروم ، قال : ( وقد توكل الله لهذا الدين بإعزاز الحوزة ، وستر العورة ، والذي نصرهم وهم قليل لا ينتصرون ، ومنعهم وهم قليل لا يمتنعون ، حي لا يموت ، إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك ، فتلقهم فتنكب ، لاتكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم ، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه . فابعث إليهم رجلاً مجرباً ، واحفز معه أهل البلاء وإلنصيحة ، فإن أظهر الله فذاك ما تحب ، وإن كانت الأخرى ، كنت ردْءاً للناس ومثابة للمسلمين )[26].
تأمل يا أخي الممسلم والمنصف قوله كنت ردءا للناس ومثابة للمسلمين فلوكان عمر رضي الله عنه كافراً مرتداً لم يقل علي ردءا للناس ومثابة للمسلمين فهل علي رضي الله عنه كان يهذي أم أنها الحقيقة التي عميت على أهل الأهواء؟؟؟!! .
3 - وأورد المرتضى في النهج عن علي من كتابه الذي كتبه إلى معاوية رضي الله عنهما : ( إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان ، على مابايعوهم عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد ، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى فإن خرج منهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ماخرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين ، وولاه الله ما تولى )[27].
وهنا يستدل الإمام على رضي الله عنه على صحة خلافته وانعقاد بيعته بصحة بيعة من سبقه ، وهذا يعني بوضوح أن عليا رضي الله عنه كان يعتقد بشرعية خلافة أبى بكر وعمر وعثمان ، كما يذكر في هذا النص الواضح في معناه والذي كتبه إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، بأن الإمامة والخلافة تنعقد باتفاق المسلمين واجتماعهم على شخص ، وخاصة في العصر الأول باجتماع الأنصار والمهاجرين فإنهم اجتمعوا على أبى بكر وعمر ، فلم يبق للشاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يرد .
4 - وفى النـهج أيضـا - حسب ما رووا عن علي رضي الله عنه (لله بلاء فـلان [28] لقـد قـوم الأود[29]، وداوى العمد[30] ، وأقام السنة ، وخلف البدعة ، وذهب نقي الثوب ، قليل العيب ، أصاب خيرها واتقى شرها ، أدى لله طاعة واتقاه بحقه ، رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدي إليها الضال ، ولا يستيقن المهتدي )[31] . وقد حذف الشريف صاحب النهج حفظا لمذهبه لفظ (أبي بكر أو عمر ) وأثبت بدله (فلان ) ، ولهذ الإبهام اختلف الشراح فقال البعض هو أبو بكر والبعض عمر ، ورجح الأكثر الأول وهو الأظهر ، فقد وصفه من الصفات بأعلى مراتبها فناهيك به وناهيك بها ، وغاية ما أجابو أن هذا المدح كان من الإمام لاستجلاب قلوب الناس لإعتقادهم بالشيخين أشد الإعتقاد ولايخفى على المنصف أن فيه نسبة الكذب لغرض دنيوي مظنون الحصول ، بل كان اليأس منه حاصلا قاطعا ، وفيه تضييع غرض الدين بالمرة ، فحاشا لمثل الإمام أن يمدح مثلهما [32]، لو كانا كما يزعمون ، وأيضا أية ضرورة تلجأه إلى هذه التأكيدات والمبالغات ؟ وأيضا في هذا المدح العظيم الكامل تضليل الأمة وترويج الباطل ، وذلك محال من المعصوم - حسب زعمهم - بل كان الواجب عليه بيان الحال لما بين يديه ، فانظر وأنصف .
وقد احتار الإمامية الإثنا عشرية بمثل هذا النص ، لأنه في نهج البلاغة وما في النهج عندهم قطعي الثبوت ، وصور شيخهم ميثم البحراني[33] ذلك بقوله : (واعلم أن الشيعة قد أوردوا هنا سؤالا فقالوا : إن هذه الممادح إلتي ذكرها . في حق أحد الرجلين تنافي ما أجمعنا عليه من تخطئتهما وأخذهما لمنصب الخلافة ، فإما أن لا يكون هذا الكلام من كلامه رضي الله عنه ، وإما أن يكون إجماعنا خطأ ) . ثم حملوا هذا الكلام على التقية وأنه إنما قال هذا المدح - من أجل ( استصلاح من يعتقد صحة خلافة الشيخين . واستجلاب قلوبهم بمثل هذا الكلام )[34] . أى : إن عليا رضي الله عنه - في زعمهم - أظهر لهم خلاف ما يبطن ! ونحن نقول أن قول علي رضي الله عنه هو الحق والصدق ، وهو الذي لا يخاف في الله لومة لائم [35].
5 - وورد في شرح نهج البلاغة رواية عن طريق ميثم البحراني قول علي رضي الله عنه في مناقب أبى بكر وعمر رضي الله عنهما : ( وكان أفضلهم في الإسلام كما زعمت وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة الصديق والخليفة الفاروق ، ولعمري إن مكانهما في الإسلام لعظيم وإن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد رحمهما الله وجزاهما بأحسن ماعملا )[36].
يتضح من هذا أن عليا رضي الله عنه لقب أبابكر بالخليفة الصديق وأظهر في قوله بأفضلية الصديق والفاروق وتضحياتهما للإسلام وشهد بقوله : (ولعمري إن مكانهما في الإسلام لعظيم ) والذي يدل على مكانهما في الإسلام كما اعترف علي رضي الله عنه بنفسه كما دعا لهما بدعاء الرحمة وأبان عن ما في قلبه من الحب والشفقه عليهما.
6 - وجاء في نهج البـلاغة على لسـان علي بخصوص عثـمان رضي الله عنهما ( والله ما أدري ما أقول لك ؟ ما أعرف شيئا تجهله ، ولا أدلك على أمر لا تعرفه ، إنك لتعلم ما نعلم ما سبقناك إلى شيئ فنخبرك عنه ولا خلونا بشيء فنبلغكه ، وقد رأيت كما رأينا وسمعت كما سمعنا وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صحبنا وما ابن قحافة ولا ابن الخطاب بأولى لعمل الحق منك وأنت أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشيجة رحم منهما وقد نلت من صهره مالم ينالا )[37].
فانظر هذا المدح والثناء على عثمان من علي رضي الله عنهما وانظر إلى قوله : ( وما ابن قحافة ولا ابن الخطاب ، بأولى لعمل الحق منك ) فهذه شهادة علي بأن أبابكر وعمركانا على الحق وعملا به وليسا بأولى من عثمان في ذلك فهو لعمل الحق أهل ، فأين هذا من سب من يدعون حب علي ؟ وهل اتبعوا الإمام أم خالفوه ؟! .
7 - وجاء أيضا في أحد شروحهم لنهج البلاغة : ( ولما حوصر عثمان رضي الله عنه في بيته أمر علي رضي الله عنه الحسن والحسين رضي الله عنهما بحرسه والدفاع عنه )[38].
8 - وورد في في نهج البلاغة خطبة على رضي الله عنه والتي تدور حول مدح وثناء على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونعرض هنا جزءاً منها : ( لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما أرى أحدا يشبههم منكم لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم ويقبضون على مثل الجمر من ذكر معادهم كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم ، إذا ذكر الله همرت أعينهم حتى ابتلت جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفا من العقاب ورجاءا للثواب )[39].
9 - وقال أيضا مادحا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (وفي نهج البلاغة ؟!) : ( أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه وقرأو القرآن فأحكموه ، وهيجوا إلى القتال فَوَلِهُوا وَلَهَ اللقاح إلى أولادها ، وسلبوا السيوف أغمادها وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفاً ، وصفاً صفاً ، بعض هلك ، وبعض نجا ، لا يبشرون بالأحياء ، ولا يعزون بالموتى ، مر العيون من البكاء خمص البطون من الصيام ، ذبل الشفاه من الدعاء ، صفر الألوان من السهر ، على وجوههم غبرة الخاشعين ، أولئك أخواني الذاهبون ، فحق لـنا أن نظمأ إليهم ونعض الأيدي على فراقهم )[40].
10 - وهاهو نهج البلاغة مليء من منع علي لأصحابه من السب والشتم والتكفير والتفسيق ، وحتى لمقاتليه في حرب صفين ، وعنوان الخطبة ( ومن كلام له عليه السلام وقد سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم في صفين ) : ( إني أكره لكم أن تكونوا سبابين ، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم ، كان أصوب في القول ، وأبلغ في العذر ، وقلتم مكان سبكم إياهم : ( اللهم احقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بينا وبينهم ، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله ، ويروي عن الغي والعدوان من لهج به )[41].
11 - وجاء في نهح البلاغة ،كتاب علي رضي الله عنه إلى الأمصار يذكر فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين ( وكان بدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام ، والظاهر أن ربنا واحد ، ودعوتنا في الإسلام واحدة ، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله ، والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا ، والأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء)[42].
إن علياً رضي الله عنه لم يكفر أحداً ممن قاتله حتى ولا الخوارج ، ولا سبا ذرية أحد منهم ، ولا غنم ماله ، ولا حكم في أحد ممن قاتله بحكم المرتدين كما حكم أبو بكر وسائر الصحابة في بني حنيفة وأمثالهم من المرتدين ، بل كان يترضى . عن طلحة والزبير وغيرهما ممن قاتلهم ، ويحكم فيهم وفي أصحاب معاوية ممن قاتلهم بحكم المسلمين ، وقد ثبت بالنقل الصبحيح أن مناديه نادى يوم الجمل لايتبع مدبر ، ولا يجهز على جريح ولا يغنم مال [43] . واستفاضت الآثار أنه كان يقول عن قتلى معاويه : إنهم جميعا مسلمون ليسوا كفارا ولا منافقين [44]. وهذا ثبت بنقل الشيعة نفسها ، فقد جاء في كتبهم المعتمده عندهم ( عن جعفر عن أبيه أن عليا - عليه السلام - لم يكن ينسب أحدا من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق ، ولكنه يقول : هم بغوا علينا )[45] .
ثالثا : - علي رضي الله عنه يذم الذين ادعوا التشيع له وخالفوا أوامره من شيعة الكوفة :
وقد وردت في نهج البلاغة نصوص كثيرة نذكر بعضها :
1 - ( لوددت أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلا منهم ، يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث واثنتين صمٌ ذوو أسماع وبكم ذوو كلام وعمي ذوو إبصار )[46].
2 - ورووا في النهج قوله : ( اللهم إني مللتهم وملوني وسئمتهم وسئمونى فأبدلني بهم خيرا منهم ، وأبدلهم بي شرا مني ....) [47].
3 - ورووا في النهج قوله يذم أهل الكوفة : (يا أشباه الرجال ولا رجال ! حلوم الأطفال ، وعقول ربات الحجال ، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة - والله - جرَّت ندماً ، وأعقبت سدما. قاتلكم الله لقد ملأتم قلي قيحا ، وشحنتم صدري غيظا ، وجرعتمونى نغب التًّهمَام أنفاساً ، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان ) [48] .
إن سيرة علي رضي الله عنه وأفعاله وأقواله الثابته عنه تختلف عن أقوال وأفعال بعض المدعين محبته ، لقد خالفوا أوامره حتى قال فيهم مثل هذا الكلام مرات عدة ، ولا زال المدعون التشيع له يفـعلون ما يغضـب علي ، وهو براء مما يفعلون .
رابعا: - علي رضي الله عنه ينهى عن الغلو :
1 - وفي نهج البلاغة حسب ما رووا : ( وقال علي رضي الله عنه بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم ، مخاطبا إياه : لولا أنك أمرت بالصـبر ونهيت عن الجزع لأنفدنا عليك ماء الشؤون ) [49] .
2 - وذكر في نهج البلاغة أيضا أن عليا رضي الله عنه قال : ( من ضرب يده على فخذه عند مصيبته حبط أجره )[50].
قال تعالى : { والصابرين في السراء والضراء وحين البأس } . وقـال تعــالى : { وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنالله وإنا إليه رأجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } .
إن الأئمة المعصومين عند الشيعة لم يقبلوا ما تفعله الشيعة اليوم في أحزانها المبتدعة في أيام عاشورا ولا أوصت به ، بل على العكس تماما .
3 - وجاء فى نهج البلاغة أن علي بن أبي طالب قال : ( وسيهلك في صنفان : محب مفرط يذهب به الحب إلى غير الحق ، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق ، وخير الناس في حالا النمط الأوسط فالزموه ، والزموا السواد الأعظم بأن يد الله على الجماعة ، وإياكم وا لفرقة ) [51].
4 - وجاء في نهج البلاغة - الذي لا تشك الشيعة في كلمة منه - ما يخالف ، اعتقادهم في عصمة الأئمة - حيث قال أمير المؤمنين -كما يروي صاحب النهج : ( لا تخالطوني بالمصانعة ، ولاتظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ، ولا التماس إعظام النفس، بأنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه ، كان العمل بهما أثقل عليه ، فلا تكفوا عن مقالة بحق ، أو مشورة بعدل ، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي )[52]. فهذا علي لاينفي عن نفسه الخطأ فكيف يقول علماؤهم لايجوز على الأئمة الخطأ والسهو والنسيان ؟.
وكان علي رضي الله عنه يناجي ربـه بهـذا الدعـاء - كما يـروي صـاحب النهـج ( اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني فإن عدت فعد علي بالمغفرة ، اللهم اغفر لي ما وأيت[53] من نفسي ولم تجد له وفاء عندي ، اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك بلساني ثم خالفه قلبي ، اللهم اغفر لي رمزات الألحاظ وسقطات الألفاظ وسهوات الجنان وهفوات اللسان [54].
فهذا علي يدعوا الله بأن يغفر ذنوبه من السهو وغيره فأين العصمة التي زعموها للأئمة ؟!.
ومعني العصمة عند الشيعة يختلف بحسب أطوار التشيع وتطوراته ، وقد استقر على ما قرره شيخ الشيعة ـ في زمنه ـ المجلسي صاحب بحار الأنوار ـ المتوفى سنة (1111هـ) ـ في قوله : (( إعلم أن الإمامية اتفقوا على عصمة الأئمة ـ عليهم السلام ـ من الذنوب ـ صغيرها وكبيرها فلا يقع منهم ذنب أصلا لا عمدا ولا نسيانا ولا لخطأ في التأويل ولا للإسهاء من الله ))[55].
فالمجلسي يسبغ على أئمته العصمة من كافة الأوجه المتصورة ، العصمة من المعصية كلها ـ صغيرة أو كبيرة ـ العصمة من الخطأ ، والعصمة من السهو والنسيان .
5 - وجاء في نهج البلاغة عن علي رضي الله عنه أنه قال : ( أوصيكم بتقوى الله الذي ألبسكم الرياش [56]وأسبغ عليكم المعاش ، فلو أن أحدا يجد إلى البقاء سُلًّمَا أو لدفع الموت سبيلاً لكان ذلك سليمان بن داود )[57].
وهذا ينقض الباب الذي وضعه الكليني في الكافي بعنوان :( أن الأئمة ع يعلمون متى يموتون ، وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم ). كيف ؟ وعلي يقول : ( ..أو لدفع الموت سبيلاً ) .
6 - وجاء في نهج البلاغة عن علي رضي الله عنه أنه قال في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم - :
( أرسله على حين فترة من الرسل . . . فقفى به الرسل ، وختم به الوحي ) [58].
فأين هذا القول مما رووه . في الكافي ( أن الحسن العباس المعروفي كتب إلى الرضا ع جعلت فداك أخبرني ما الفرق بين الرسول والنبي والإمام ، قال فكتب أو قال : الفرق بين الرسول والنبي والإمام : أن الرسول الذي ينزل عليه جبرائيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحى وربما رأى في منامه نحو رؤيا ابراهيم ع ، والنبي ربما سمع الكلام وربما رأى الشخص ولم يسمع ، والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص )[59] .
وجاء في بحار الأنوار تسع عشرة رواية تذكر بأن الله تعالى ناجى علياً ، وأن جبرائيل يملي عليه ....)[60] .
وتتحدث بعض رواياتهم عن أنواع الوحي للإمام فتذكر أن جعفراً قال : ( إن منا لمن ينكت في أذنه ، وإن منا لمن يؤتى في منامه ، وإن منا لمن يسمع صوت السلسلة تقع على الطشت ( كذا ) ، وإن منا لمن يأتيه صورة أعظم من جبرائيل وميكائيل )[61] .
وقد بالغوا أكثر من ذلك فرفعوهم فوق الأنبياء والرسل فلا يحتاجون حسب زعمهم إلى الوحي في كل الأحوال بل كما جاء في الباب الذي عقده الكليني في الكافي (باب أن الأئمة عليهم السلام إذا شاؤوا أن يعلموا علموا )[62]، وذكر فيه ثلاث روايات كلها تنطق بـ ( أن الإمام إذا شاء أن يعلم أعلم ) [63] ، فالوحي للأئمة ليس بمشيئة الله وحده كما هي الحال مع الرسل - عليهم السلام - بل هو تابع لمشيثة الإمام . بل إن الأئمة تذهب إلى عرش الرحمن - كما يزعمون - كل ليلة جمعة لتطوف به فتأخذ من العلم ما شاءت ، قال أبو عبد الله - حسب زعمهم - إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله - صلى الله عليه وآله - العرش ووافى الأئمة - عليهم السلام - معه ووافينا معهم ، فلا ترد أرواحنا إلى أبداننا إلا بعلم مستفاد ولولا ذلك لأنفدنا ) [64] .
وعقد الكليني في الكافي باباً بعنوان : ( أن الأئمة - عليهم السلام - ولاة أمر الله وخزنة علمه ) [65] ، وضمن هذا الباب ست روايات في هذا المعنى ، وبابٌ بعنوان ( أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم )[66] ، وفيه سبع روايات ، وبابٌ بعنوان : ( أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التى خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل - عليهم السلام ) [67] وفيه أربع روايات .
وزعموا حسب ما ترويه كتبهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استمر طيلة حياته يعلِم علياً علوماً وأسراراً لايطلع عليها أحد سواه ، وقد وصلت مبالغات الشيعة في هذه الدعاوي إلى مرحلة لا يصدقها عقل .. حتى قالوا إن علياً استمر في تلقي العلم من فم رسول الله حتى بعد موته - عليه الصلاة والسلام - وعقد المجلسي لهذا باباً بعنوان (باب ماعلمه رسول الله صلى الله عليه وآله عند وفاته وبعده )[68] .
وقالت الرواية الأولى في هذا الباب إن عليا رضي الله عنه قال : ( أوصاني النبى صلى الله عليه وآله فقال : إذا أنا مِتُّ فغسلني بست قرب من بئر غرس[69] فإذا فرغت من غسلي فأدرجني في أكفانى ، ثم ضع فاك على فمي ، قال ففعلت وأنبأني بما هو كائن إلى يوم القيامة )[70] . وقالت الرواية الثانية بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - كما يزعمون - يا علي إذا أنا مت فاغسلني وكفني , ثم اقعدني وسائلني واكتب )[71].
ومضت بقية الروايات على هذا النسق , حتى قالوا بأن علياً كان إذا أخبر بشيء قال : ( هذا ما أخبرني به النبي صلى الله عليه وآله بعد موته )[72].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - البخاري (6357) .
[2] - رواه مسلم (2408) .
[3] - سورة البلد آيه 10 .
[4] - سورة الإنسان آيه 3 .
[5] - الزمر 17 , 18 .
[6] - البقرة آيه 164 .
[7] - الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقيه . ج3 ص 62 .
[8] - الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني . ج1 ص 12(وهو من أهم كتبهم ).
[9] - الكافي ج 1ص 29 .
[10] - مستدرك الوسائل ج1 ص81 .
[11] - مقدمة / مستدرك نهج البلاغة ص5 .
[12] - الهادي كاشف الغطاء/مستدرك نهج البلاغة ص 191.
[13] - المصدر السابق ص192 .
[14] - شاه عبد العزيز الدهلوي /مختصر التحفة الإثني عشرية ص 58 .
[15] - الهادي بن عباس كاشف الغطاء (1289- 1361هـ) .
[16] - نهج البلاغة ص 178 ، 179 شرح محمد عبده / دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع .
[17] - الكافي/لمحمد بن يعقوب الكليني ج1ص 278 .
[18] - نهج البلاغة ص 397 شرح محمد عبده .
[19] - الاعتقادات للقمي ص111 .
[20] - الطوسي / تلخيص الشافي : 4/131 ، بحار الانوار 8/368 .
[21] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 430 .
[22] - نهج البلاغة ص 81 خطبة 37 ط بيروت بتحقيق صبحي الصالح ، نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 95-96 .
[23] - منار الهدى / لعلي البحراني ص 373 ، وأيضا ناسخ التواريخ ج3 ص532 .
[24] - شرح نهج البلاغة / ج 4 ص 228 ط تبريز ، الشيعة وآل البيت/إحسان إلهي ظهير/ص71 .
[25] - نهج البلاغة ص257 ، 258 شرح محمد عبده / دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع / بيروت .
[26] - نهج البلاغة ص246،247. شرح محمد عبده / دار الاندلس لملطباعة والنشر والتوزيع .
[27] - المصدر السابق ص 446 .
[28] - ورويت ( لله بلاد فلان ) وقال شارح نهج البلاغة الشيعي المعتزلى (ابو الحديد) في ج 12ص3 .( أي لله ما صنع فلان ، والمكنى عنه عمر بن الخطاب ، (وقال ابو الحديد) : وقد وجدت النسخة التي بخط الرضى أبي الحسن جامع نهج البلاغة وتحت فلان عمر ) .
ويقول ابو الحديد في شرحه لنهج البلاغة : سألت عنه النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي فقال لي هو عمر بن الخطاب ، فقلت له : أيثني عليه أمير المؤمنين هذا الثناء ؟ فقال : نعم ، ويقول أيضا في ج 2 ص 4 : اذا اعترف أمير المؤمنين بأنه اقام السنة وذهب نقي الثوب قليل العيب وأنه أدى إلى الله طاعته واتقاه بحقه فهذا غاية مايكون المدح .
[29] - الأود : العوج .
[30] - العمد بالتحريك : العله ، انظر صبحي الصالح في تعليقه على نهج البلاغة ص671.
[31] - نهج البلاغة ص430 شرح محمدعبده .
[32] - أي إلا من اعتقاد بصدق ما يقوله .
[33] - ميثم بن علي البحراني ( كمال الدين ) من شيوخ الإمامية ، من أهل البحرين ، من كتبه : (شرح نهج البلاغة ) ، توفي في البحرين سنة 679 س (معجم المؤلفين :13/55) .
[34] - ميثم البحراني/ شرح نهج البلاغة : 4/98 .
[35] - أصول مذهب الشيعة / د ناصر القفاري ص 764 .
[36] - شرح نهج البلاغة للبحراني ج 3 ص 486 .
[37] - نهج البلاغة ص 291 شرح محمد عبده/دار الاندلس للطباعة والنشر والتوزيع / بيروت ، وشرح أبي الحديد ج9 ص261.
[38] - شرح نهج البلاغة للبحراني ج 4 ص354 .
[39] - نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح ص143، وشرح أبي الحديد ج7ص77 ، وشرح محمد عبده ص190.
[40] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص229، شرح أبي الحديد ج7ص291 .
[41] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 398 ، نهج البلاغة تحقيق صبجي ألصالح ص323 ، شرح أبي الحديد ج11ص21 .
[42] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 543 .
[43] - أصول مذهب الشيعة / د ناصر القفاري .
[44] - منهاج السنة 4/ 181 .
[45] - قرب الإسناد ص 62 ، وسائل الشيعة11/62 .
[46] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص189، وشرح أبي الحديد ج 7 ص70 .
[47] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 72 ، شرح أبي الحديد ج1ص332 .
[48] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 77 ، شرح أبي الحديد ج2ص75 .
[49] - شرح محمد عبده ص436 ، نهج البلاغة شرح أبي الحديد ج 13 ص42 .
[50] - نهج البلاغة شرح أبي الحديد ج 18 ص 342 .
[51] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 237 ، شرح أبي الحديد ج8ص112 .
[52] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص412-413 ، شرح أبي الحديد ج11ص102 .
[53] - وأيت : أي (وعدت) والوأي : (الوعد). وتقول قد وأيت وأيا : أي (وعدت وعدا) .
[54] - نهج البلاغة شرح أبي الحديد ج6 ص176.
[55] - بحار الأنوار 25/ 209 .
[56] - الرياش والريش واحد وهو اللباس أو اللباس الفاخر .
[57] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص326 .
[58] - المصدر السابق ص245 .
[59] - الكافي ج1 ص 176 .
[60] - بحار الانوار 39/151-157.
[61] - بحار الانوار 26/358 ، بصائر الدرجات ص63.
[62] - أصول الكافي 1/258.
[63] - نفس الموضع من المصدر السابق .
[64] - أصول الكافي 1/254 ، بحار الأنوار26/88 - 89 ، بصالر الدرجات ص36 .
[65] - أصول الكافي 1/192-193.
[66] - المصدر السابق 1/223-226 .
[67] - المصدر السابق 255- 256 .
[68] - بحار الانوار 40/213- 218 .
[69] - بئر غرس : بئر بالمدينه المنوره . انظر معجم البلدان 4/193.
[70] - بحار الأنوار 213/40 ، بصائر الدرجات ص80 .
[71] - نفس الموضع من المصدرين السابقين .
[72] - بحار الأنوار 40/215.
========================================================
جزا الله مدير موقع البرهان خير الجزاء
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين وبعد :
فإن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله الطيبين واجبة على المسلمين دون غلو، وعلى المسلم التمسك بما ثبت في فضائلهم من الأحاديث الصحيحة ، ورفض الروايات التي لا أساس لها ولا سند ، والمدسوسة في كثير من المرويات . وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتعبد الله تعالى في صلاتنا بالصلاة والسلام على محمد وآل محمد قبل التسليم . وأن نقول كما ثبت في الصحيح ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد )[1] . وقال صلى الله عليه وسلم : ( أذكركم الله في أهل بيتي )[2] .
نعمة العقل :
لقد فضل الله تعالى الإنسان على الحيوان بنعمة العقل وجعل التكليف ســاقطا عمن فـقـد هذه النعـمة ، لعـدم مقـدرتـه على التميـيز ، قال تعــالى : { وهديناه النجدين } [3] ، وقال تعالى : { إنا هدينـاه السبيل إما شاكرا وإما كفورا } [4].
ولقـد بشـر الله تعالى أهل العـقـل والفـهم في كتــابه الكـريم ، فقال : { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشرعباد . الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب } [5]، وقال تعالى : { وإلاهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم .إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيى به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون }[6] .
لقد جعلوه أحد مصادر التشريع عندهم ، قال زين الدين العاملي الملقب عندهم بالشهيد الثاني:( والأصول الأربعة الكتاب والسنة والإجماع والعقل )[7].
ورووا في الكافي أن رسول الله قال : ( ما قسم الله للعباد شيئا أفضل من العقل ) [8] ، وفي الكافي أيضا ( سمعنا أبا عبد الله ع يقول لا غنى أخصب من العقل ) [9] ، وفيه أيضا ( عن ابن السكيت أنه قال : فما الحجة على الخلق اليوم ؟ فقال الرضا ع : العقل تعرف به الصادق على الله فتصدقه والكاذب على الله فتكذبه ، فقال ابن السكيت هذا هو والله الجواب ) [10] .
هل الشيعة الإثنا عشرية يخالفون كلام الإمام علي في نهج البلاغة ؟!!
مكانة نهج البلاغة عند الشيعة الإمامية الإثني عشرية :
قال عنه أحد أكبر علماء الشيعة المعاصرين ، الهادي كاشف الغطاء في كتابه مستدرك نهج البلاغة : ( بأن كتاب نهج البلاغة أو ما اختاره العلامة ابوالحسن محمد الرضا . من كلام مولانا أمير المؤمنين .....من أعظم الكتب الإسلامية شأنا - إلى أن قال - نور لمن استضاء به ، ونجاة لمن تمسك به ، وبرهان لمن اعتمده ، ولب لمن تدبره [11]. وقال أيضا ( إن اعتقادنا في كتاب نهج البلاغة أن جميع مافيه من الخطب والكتب والوصايا والحكم والآداب حاله كحال ما يروى عن النبى ص وعن أهل بيته في جوامع الأخبار الصحيحة والكتب المعتبرة ) [12].
وقال عن نهج البلاغة شرح محمد عبده ( أحد شيوخ الأزهر بمصر ) :
( ومن أفاضل شراحه العلامة الشيخ محمد عبده فقد شرحه بكلمات وجيزة 00)[13]
فهم لا يقدحون في متن الكتاب ويقرأونه ويقتنونه للتبرك في بيوتهم ولايتهمون الشارح بزيادة أو نقص فيه لكنهم دائما يفضلون شروح علمائهم ، فإذا لم تتوفر لهم أخذوا بكتاب محمد عبده أو غيره .
وقال بعض علماء أهل السنة عن نهج البلاغة (... ألفه لهم الشريف الرضي وأعانه عليه أخوه المرتضى ، وطريقتهما في تأليفه أن يعمدا إلى الخطبة القصيرة المأثورة عن أمير المؤمنين فيزيدان عليها . . . . ، وإن الصحيح من كلام أمير المؤمنين في نهج البلاغة قد يبلغ عشره أو نصف عشره ، والباقي من كلام الرضي والمرتضى )[14] ؟ وقيل أيضا أن الذي ألفه هو الشريف المرتضى المتوفى سنة 436 هـ فبالرغم من هذه الشقة البعيدة من السنين بينهما وبين علي رضي الله عنه ، إلا أنهما يرويان عنه مباشرة بدون إسناد .
وقد انتهج مثل ذلك صاحب الكتاب المسمى ( مستدرك نهج البلاغه )؟! فكيف لهذا المعاصر[15] أيضا أن يروي عن علي رضي الله عنه الذي عاش في القرن الأول الهجري وهو قد عاش في القرن الرابع عشر بدون ذكر المصادر أو الإسناد ؟.وما يدرينا لعله بعد سـنين أو قرون من الآن يأتـي منهم من يروي عن على رضي الله عنه وبالطريقة نفسـها !!.
فبالرغم من مكانة هذا الكتاب عندهم والمكانة التي يدعون بأنهم يعطونها لعلى رضي الله عنه كادعائهم بأنه معصوم عن الكذب والخطأ والنسيان . وأنه إمام طاعته من طاعة الله ، إلا أنهم يخالفون ما في النهج من كلام نسبوه لعلي رضي الله عنه ولا يطيعونه ، فيا عجبا من هؤلاء القوم الذين يخالفون كتاب الله وسنة رسوله وقول من يزعمون بأنه إمامهم !! . وأمثلة هذه الدلائل على مخالفتهم ما في نهج البلاغة ما يلي :
أولا : أين النص الإلهي بالإمامة الذي يزعمونه ؟ وكيف لعلي رضي الله عنه أن يرفضها لو كان هناك نص ؟! :
1- ففى نهج البلاغة - حسب مارووا - خطبة لعلي حينما دعوه إلى البيعة بعد مقتل عثمان ذي النورين رضي الله عنهما قال فيها : ( دعوني والتمسوا غيري ، فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان ، لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول ، إلى أن قال : وإن تركتموني فأنا كأحدكم ، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم ، وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا )[16] فلله العجب !
إذ لو كان أمر الإمامة أو الخلافة كما يصورها الشيعة بأنها نص إلهى في علي رضي الله عنه وأبنائه الإحدى عشر من بعده ، كما يذكر ذلك الكليني في الكافي : ( عن أبي عبد الله ع قال : إن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود لرجال مسمين ليس للإمام أن يزويها عن الذي يكون بعده )[17] . كيف يستطيع علي رضي الله عنه أن يقول دعوني والتمسوا غيري هل يتهم الشيعة الإمام علي رضي الله عنه بعصيان الله ؟ أين حبهم المزعوم لعلي رضي الله عنه ؟ إن عليا رضي الله عنه عند أهل السنة من خيرة الصحابة ومن أكثرهم طاعة لله ، وإنه من المبشرين بالجنة ، لكننا نقول بأن عليا رضي الله عنه هنا ( وفي نهج البلاغة ) يقرر أن الخلافة يجوز أن تكون له أو لغيره ، ويقول نفسه عن نفسه أن أكون مقتدياً خيرا لي من أن أكون إماماً . فهو لا يرى الأمركما يراه هؤلاء .
2 - وقال علي رضي الله عنه أيضا - حسب مارووا - في نهج البلاغة مخاطباً طلحة والزبير: ( والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ، ولا في الولاية إربة ، ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها )[18].
فهل يجوز بعد هذا لأحد أن يقول بأن هناك نصاً إلهياً وهذا علي رضي الله عنه يقول بأنه ليس له في الخلافة رغبة ؟ وأنهم حملوه عليها . فلو كان هناك نص لما رفض علي رضي الله عنه الخلافة ، و ما العمل وقد جعلوا من أنـكر الإمـامة كافراً ، كما يـقـول ( ابن بابويه القمي ) ! مصرحا ( إعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده أنه كمن جحد جميع الأنبياء ، وإعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدا من بعده من الأئمة إنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء ، ثم أنكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ) [19]. وقال الطوسي : ( ودفع الإمامة كفر ، كما أن دفع النبوة كفر لأن الجهل بهما على حد واحد ) [20].
3 - ورووا في نهج البلاغة أن علياً قال في وصف بيعته بالخلافة ( وبسطتم يدي فكففتها ، ومددتموها فقبضتها ، ثم تداككتم علي تداكُ الهيم على حياضها يوم وردها )[21]. فهذا الوصف منه يدل على أنه لم يقبل عليها وكان يتمنعها حتى أن لم يجد بدا من قبول بيعتهم له .
4 - وورد في نهج البلاغة قول علي رضي الله عنه وهو يذكر أمر الخلافة والإمامة : ( رضينا عن الله قضائه ، وسلمنا لله أمره ....... فنظرت في أمري فإذا طاعتي سبقت بيعتي إذ الميثاق في عنقي لغيري )[22] .
إذن أمر الله الذي سلم له علي : أن تكون الخلافة في أبي بكر ، فأين أمر الله بالخلافة والإمامة لعلي ؟!! .
ويقول علي البحراني في منار الهدى ( ولما رأى ذلك تقدم إلى الصديق ، وبايعه المهاجرون والأنصار ، والكلام من فيه وهو يومئذ أمير المؤمنين وخليفة المسلمين ، لا يتقي الناس ، ولا يظهر إلا ما يبطنه لعدم دواعى التقية ، وهو يذكر الأحداث الماضية فيقول : ( فمشيت عند ذلك إلى أبى بكر ، فبايعته ، ونهضت في تلك الأحداث ... فتولى أبو بكر تلك الأمور فسدد ويسر وقارب واقتصد فصحبته مناصحا ، وأطعته فيما أطاع الله جاهدا )[23].
وكان علي رضي الله عنه ـ كما ذكر ـ مطيعا لأبي بكر ممتثلاً لأوامره فقد حدث أن وفداً من الكفار جاءوا إلى المدينة المنورة ، ورأوا بالمسلمين ضعفاً وقلة لذهابهم إلى الجهات المختلفة للجهاد واستئصال شأفة المرتدين والبغاة ، فأحس منهم الصديق خطراً على عاصمة إلإسلام والمسلمين ( فأمر الصديق بحراسة المدينة وجعل الحرس على أنقابها يبيتون بالجيوش ، وأمر عليا والزبير وطلحة وعبد الله بن مسعود أن يرأسوا هؤلاء الحرائر ، وبقوا كذلك حتى أمنوا منهم )[24].
ثانيا : - علي رضي الله عنه يعلن ثناءه وحبه لإبي بكر وعمر وعثمان ويمدح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى الله عنهم أجمعين : -
1 - وورد في النهج أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما استشار عليا رضي الله عنه عند انطلاقه لقتال فارس وقد جمعوا للقتال ، أجابه : ( إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة ، وهو دين الله تعالى الذي أظهره ، وجنده الذي أعده وأمده ، حتى بلغ مابلغ وطلع حيثما طلع ، ونحن على موعد من الله تعالى حيث قال عز اسمه { وعد الله الذين آمنوا } وتلى الآية ، والله تعالى منجز وعده وناصر جنده ، ومكان القيم بالأمر في الإسلام مكان النظام من الخرز فإن انقطع النظام تفرق الخرز ، ورب متفرق لم يجتمع ، والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالإجتماع ، فكن قطباً ، واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دونك نار الحرب ، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انقضت عليك من أطرافها وأقطارها ، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك . إن الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا : هذا أصل العرب فإذا قطعتموه استرحتم ، فيكون ذلك أشد لكَلَبِهم عليك وطمعهم فيك . فأما ماذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين فإن الله سبحانه وتعالى هو أكره لمسيرهم منك ، وهو أقدر على تغيير ما يكره . وأما ماذكرت من عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة ، وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة )[25]. انتهى بلفظه . فتدبر منصفاً لهذا الثناء والحب والخوف على عمر من علي رضي الله عنه فأين ذلك كله ممن يكفر عمر رضي الله عنه ويسبه .
2 - وأيضا في النهج لما استشار عمر بن الخطاب عليا رضى الله عنهما في الخروج إلى غزوة الروم ، قال : ( وقد توكل الله لهذا الدين بإعزاز الحوزة ، وستر العورة ، والذي نصرهم وهم قليل لا ينتصرون ، ومنعهم وهم قليل لا يمتنعون ، حي لا يموت ، إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك ، فتلقهم فتنكب ، لاتكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم ، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه . فابعث إليهم رجلاً مجرباً ، واحفز معه أهل البلاء وإلنصيحة ، فإن أظهر الله فذاك ما تحب ، وإن كانت الأخرى ، كنت ردْءاً للناس ومثابة للمسلمين )[26].
تأمل يا أخي الممسلم والمنصف قوله كنت ردءا للناس ومثابة للمسلمين فلوكان عمر رضي الله عنه كافراً مرتداً لم يقل علي ردءا للناس ومثابة للمسلمين فهل علي رضي الله عنه كان يهذي أم أنها الحقيقة التي عميت على أهل الأهواء؟؟؟!! .
3 - وأورد المرتضى في النهج عن علي من كتابه الذي كتبه إلى معاوية رضي الله عنهما : ( إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان ، على مابايعوهم عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد ، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى فإن خرج منهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ماخرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين ، وولاه الله ما تولى )[27].
وهنا يستدل الإمام على رضي الله عنه على صحة خلافته وانعقاد بيعته بصحة بيعة من سبقه ، وهذا يعني بوضوح أن عليا رضي الله عنه كان يعتقد بشرعية خلافة أبى بكر وعمر وعثمان ، كما يذكر في هذا النص الواضح في معناه والذي كتبه إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، بأن الإمامة والخلافة تنعقد باتفاق المسلمين واجتماعهم على شخص ، وخاصة في العصر الأول باجتماع الأنصار والمهاجرين فإنهم اجتمعوا على أبى بكر وعمر ، فلم يبق للشاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يرد .
4 - وفى النـهج أيضـا - حسب ما رووا عن علي رضي الله عنه (لله بلاء فـلان [28] لقـد قـوم الأود[29]، وداوى العمد[30] ، وأقام السنة ، وخلف البدعة ، وذهب نقي الثوب ، قليل العيب ، أصاب خيرها واتقى شرها ، أدى لله طاعة واتقاه بحقه ، رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدي إليها الضال ، ولا يستيقن المهتدي )[31] . وقد حذف الشريف صاحب النهج حفظا لمذهبه لفظ (أبي بكر أو عمر ) وأثبت بدله (فلان ) ، ولهذ الإبهام اختلف الشراح فقال البعض هو أبو بكر والبعض عمر ، ورجح الأكثر الأول وهو الأظهر ، فقد وصفه من الصفات بأعلى مراتبها فناهيك به وناهيك بها ، وغاية ما أجابو أن هذا المدح كان من الإمام لاستجلاب قلوب الناس لإعتقادهم بالشيخين أشد الإعتقاد ولايخفى على المنصف أن فيه نسبة الكذب لغرض دنيوي مظنون الحصول ، بل كان اليأس منه حاصلا قاطعا ، وفيه تضييع غرض الدين بالمرة ، فحاشا لمثل الإمام أن يمدح مثلهما [32]، لو كانا كما يزعمون ، وأيضا أية ضرورة تلجأه إلى هذه التأكيدات والمبالغات ؟ وأيضا في هذا المدح العظيم الكامل تضليل الأمة وترويج الباطل ، وذلك محال من المعصوم - حسب زعمهم - بل كان الواجب عليه بيان الحال لما بين يديه ، فانظر وأنصف .
وقد احتار الإمامية الإثنا عشرية بمثل هذا النص ، لأنه في نهج البلاغة وما في النهج عندهم قطعي الثبوت ، وصور شيخهم ميثم البحراني[33] ذلك بقوله : (واعلم أن الشيعة قد أوردوا هنا سؤالا فقالوا : إن هذه الممادح إلتي ذكرها . في حق أحد الرجلين تنافي ما أجمعنا عليه من تخطئتهما وأخذهما لمنصب الخلافة ، فإما أن لا يكون هذا الكلام من كلامه رضي الله عنه ، وإما أن يكون إجماعنا خطأ ) . ثم حملوا هذا الكلام على التقية وأنه إنما قال هذا المدح - من أجل ( استصلاح من يعتقد صحة خلافة الشيخين . واستجلاب قلوبهم بمثل هذا الكلام )[34] . أى : إن عليا رضي الله عنه - في زعمهم - أظهر لهم خلاف ما يبطن ! ونحن نقول أن قول علي رضي الله عنه هو الحق والصدق ، وهو الذي لا يخاف في الله لومة لائم [35].
5 - وورد في شرح نهج البلاغة رواية عن طريق ميثم البحراني قول علي رضي الله عنه في مناقب أبى بكر وعمر رضي الله عنهما : ( وكان أفضلهم في الإسلام كما زعمت وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة الصديق والخليفة الفاروق ، ولعمري إن مكانهما في الإسلام لعظيم وإن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد رحمهما الله وجزاهما بأحسن ماعملا )[36].
يتضح من هذا أن عليا رضي الله عنه لقب أبابكر بالخليفة الصديق وأظهر في قوله بأفضلية الصديق والفاروق وتضحياتهما للإسلام وشهد بقوله : (ولعمري إن مكانهما في الإسلام لعظيم ) والذي يدل على مكانهما في الإسلام كما اعترف علي رضي الله عنه بنفسه كما دعا لهما بدعاء الرحمة وأبان عن ما في قلبه من الحب والشفقه عليهما.
6 - وجاء في نهج البـلاغة على لسـان علي بخصوص عثـمان رضي الله عنهما ( والله ما أدري ما أقول لك ؟ ما أعرف شيئا تجهله ، ولا أدلك على أمر لا تعرفه ، إنك لتعلم ما نعلم ما سبقناك إلى شيئ فنخبرك عنه ولا خلونا بشيء فنبلغكه ، وقد رأيت كما رأينا وسمعت كما سمعنا وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صحبنا وما ابن قحافة ولا ابن الخطاب بأولى لعمل الحق منك وأنت أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشيجة رحم منهما وقد نلت من صهره مالم ينالا )[37].
فانظر هذا المدح والثناء على عثمان من علي رضي الله عنهما وانظر إلى قوله : ( وما ابن قحافة ولا ابن الخطاب ، بأولى لعمل الحق منك ) فهذه شهادة علي بأن أبابكر وعمركانا على الحق وعملا به وليسا بأولى من عثمان في ذلك فهو لعمل الحق أهل ، فأين هذا من سب من يدعون حب علي ؟ وهل اتبعوا الإمام أم خالفوه ؟! .
7 - وجاء أيضا في أحد شروحهم لنهج البلاغة : ( ولما حوصر عثمان رضي الله عنه في بيته أمر علي رضي الله عنه الحسن والحسين رضي الله عنهما بحرسه والدفاع عنه )[38].
8 - وورد في في نهج البلاغة خطبة على رضي الله عنه والتي تدور حول مدح وثناء على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونعرض هنا جزءاً منها : ( لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما أرى أحدا يشبههم منكم لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم ويقبضون على مثل الجمر من ذكر معادهم كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم ، إذا ذكر الله همرت أعينهم حتى ابتلت جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفا من العقاب ورجاءا للثواب )[39].
9 - وقال أيضا مادحا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (وفي نهج البلاغة ؟!) : ( أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه وقرأو القرآن فأحكموه ، وهيجوا إلى القتال فَوَلِهُوا وَلَهَ اللقاح إلى أولادها ، وسلبوا السيوف أغمادها وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفاً ، وصفاً صفاً ، بعض هلك ، وبعض نجا ، لا يبشرون بالأحياء ، ولا يعزون بالموتى ، مر العيون من البكاء خمص البطون من الصيام ، ذبل الشفاه من الدعاء ، صفر الألوان من السهر ، على وجوههم غبرة الخاشعين ، أولئك أخواني الذاهبون ، فحق لـنا أن نظمأ إليهم ونعض الأيدي على فراقهم )[40].
10 - وهاهو نهج البلاغة مليء من منع علي لأصحابه من السب والشتم والتكفير والتفسيق ، وحتى لمقاتليه في حرب صفين ، وعنوان الخطبة ( ومن كلام له عليه السلام وقد سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم في صفين ) : ( إني أكره لكم أن تكونوا سبابين ، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم ، كان أصوب في القول ، وأبلغ في العذر ، وقلتم مكان سبكم إياهم : ( اللهم احقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بينا وبينهم ، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله ، ويروي عن الغي والعدوان من لهج به )[41].
11 - وجاء في نهح البلاغة ،كتاب علي رضي الله عنه إلى الأمصار يذكر فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين ( وكان بدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام ، والظاهر أن ربنا واحد ، ودعوتنا في الإسلام واحدة ، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله ، والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا ، والأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء)[42].
إن علياً رضي الله عنه لم يكفر أحداً ممن قاتله حتى ولا الخوارج ، ولا سبا ذرية أحد منهم ، ولا غنم ماله ، ولا حكم في أحد ممن قاتله بحكم المرتدين كما حكم أبو بكر وسائر الصحابة في بني حنيفة وأمثالهم من المرتدين ، بل كان يترضى . عن طلحة والزبير وغيرهما ممن قاتلهم ، ويحكم فيهم وفي أصحاب معاوية ممن قاتلهم بحكم المسلمين ، وقد ثبت بالنقل الصبحيح أن مناديه نادى يوم الجمل لايتبع مدبر ، ولا يجهز على جريح ولا يغنم مال [43] . واستفاضت الآثار أنه كان يقول عن قتلى معاويه : إنهم جميعا مسلمون ليسوا كفارا ولا منافقين [44]. وهذا ثبت بنقل الشيعة نفسها ، فقد جاء في كتبهم المعتمده عندهم ( عن جعفر عن أبيه أن عليا - عليه السلام - لم يكن ينسب أحدا من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق ، ولكنه يقول : هم بغوا علينا )[45] .
ثالثا : - علي رضي الله عنه يذم الذين ادعوا التشيع له وخالفوا أوامره من شيعة الكوفة :
وقد وردت في نهج البلاغة نصوص كثيرة نذكر بعضها :
1 - ( لوددت أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلا منهم ، يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث واثنتين صمٌ ذوو أسماع وبكم ذوو كلام وعمي ذوو إبصار )[46].
2 - ورووا في النهج قوله : ( اللهم إني مللتهم وملوني وسئمتهم وسئمونى فأبدلني بهم خيرا منهم ، وأبدلهم بي شرا مني ....) [47].
3 - ورووا في النهج قوله يذم أهل الكوفة : (يا أشباه الرجال ولا رجال ! حلوم الأطفال ، وعقول ربات الحجال ، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة - والله - جرَّت ندماً ، وأعقبت سدما. قاتلكم الله لقد ملأتم قلي قيحا ، وشحنتم صدري غيظا ، وجرعتمونى نغب التًّهمَام أنفاساً ، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان ) [48] .
إن سيرة علي رضي الله عنه وأفعاله وأقواله الثابته عنه تختلف عن أقوال وأفعال بعض المدعين محبته ، لقد خالفوا أوامره حتى قال فيهم مثل هذا الكلام مرات عدة ، ولا زال المدعون التشيع له يفـعلون ما يغضـب علي ، وهو براء مما يفعلون .
رابعا: - علي رضي الله عنه ينهى عن الغلو :
1 - وفي نهج البلاغة حسب ما رووا : ( وقال علي رضي الله عنه بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم ، مخاطبا إياه : لولا أنك أمرت بالصـبر ونهيت عن الجزع لأنفدنا عليك ماء الشؤون ) [49] .
2 - وذكر في نهج البلاغة أيضا أن عليا رضي الله عنه قال : ( من ضرب يده على فخذه عند مصيبته حبط أجره )[50].
قال تعالى : { والصابرين في السراء والضراء وحين البأس } . وقـال تعــالى : { وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنالله وإنا إليه رأجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } .
إن الأئمة المعصومين عند الشيعة لم يقبلوا ما تفعله الشيعة اليوم في أحزانها المبتدعة في أيام عاشورا ولا أوصت به ، بل على العكس تماما .
3 - وجاء فى نهج البلاغة أن علي بن أبي طالب قال : ( وسيهلك في صنفان : محب مفرط يذهب به الحب إلى غير الحق ، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق ، وخير الناس في حالا النمط الأوسط فالزموه ، والزموا السواد الأعظم بأن يد الله على الجماعة ، وإياكم وا لفرقة ) [51].
4 - وجاء في نهج البلاغة - الذي لا تشك الشيعة في كلمة منه - ما يخالف ، اعتقادهم في عصمة الأئمة - حيث قال أمير المؤمنين -كما يروي صاحب النهج : ( لا تخالطوني بالمصانعة ، ولاتظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ، ولا التماس إعظام النفس، بأنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه ، كان العمل بهما أثقل عليه ، فلا تكفوا عن مقالة بحق ، أو مشورة بعدل ، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي )[52]. فهذا علي لاينفي عن نفسه الخطأ فكيف يقول علماؤهم لايجوز على الأئمة الخطأ والسهو والنسيان ؟.
وكان علي رضي الله عنه يناجي ربـه بهـذا الدعـاء - كما يـروي صـاحب النهـج ( اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني فإن عدت فعد علي بالمغفرة ، اللهم اغفر لي ما وأيت[53] من نفسي ولم تجد له وفاء عندي ، اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك بلساني ثم خالفه قلبي ، اللهم اغفر لي رمزات الألحاظ وسقطات الألفاظ وسهوات الجنان وهفوات اللسان [54].
فهذا علي يدعوا الله بأن يغفر ذنوبه من السهو وغيره فأين العصمة التي زعموها للأئمة ؟!.
ومعني العصمة عند الشيعة يختلف بحسب أطوار التشيع وتطوراته ، وقد استقر على ما قرره شيخ الشيعة ـ في زمنه ـ المجلسي صاحب بحار الأنوار ـ المتوفى سنة (1111هـ) ـ في قوله : (( إعلم أن الإمامية اتفقوا على عصمة الأئمة ـ عليهم السلام ـ من الذنوب ـ صغيرها وكبيرها فلا يقع منهم ذنب أصلا لا عمدا ولا نسيانا ولا لخطأ في التأويل ولا للإسهاء من الله ))[55].
فالمجلسي يسبغ على أئمته العصمة من كافة الأوجه المتصورة ، العصمة من المعصية كلها ـ صغيرة أو كبيرة ـ العصمة من الخطأ ، والعصمة من السهو والنسيان .
5 - وجاء في نهج البلاغة عن علي رضي الله عنه أنه قال : ( أوصيكم بتقوى الله الذي ألبسكم الرياش [56]وأسبغ عليكم المعاش ، فلو أن أحدا يجد إلى البقاء سُلًّمَا أو لدفع الموت سبيلاً لكان ذلك سليمان بن داود )[57].
وهذا ينقض الباب الذي وضعه الكليني في الكافي بعنوان :( أن الأئمة ع يعلمون متى يموتون ، وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم ). كيف ؟ وعلي يقول : ( ..أو لدفع الموت سبيلاً ) .
6 - وجاء في نهج البلاغة عن علي رضي الله عنه أنه قال في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم - :
( أرسله على حين فترة من الرسل . . . فقفى به الرسل ، وختم به الوحي ) [58].
فأين هذا القول مما رووه . في الكافي ( أن الحسن العباس المعروفي كتب إلى الرضا ع جعلت فداك أخبرني ما الفرق بين الرسول والنبي والإمام ، قال فكتب أو قال : الفرق بين الرسول والنبي والإمام : أن الرسول الذي ينزل عليه جبرائيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحى وربما رأى في منامه نحو رؤيا ابراهيم ع ، والنبي ربما سمع الكلام وربما رأى الشخص ولم يسمع ، والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص )[59] .
وجاء في بحار الأنوار تسع عشرة رواية تذكر بأن الله تعالى ناجى علياً ، وأن جبرائيل يملي عليه ....)[60] .
وتتحدث بعض رواياتهم عن أنواع الوحي للإمام فتذكر أن جعفراً قال : ( إن منا لمن ينكت في أذنه ، وإن منا لمن يؤتى في منامه ، وإن منا لمن يسمع صوت السلسلة تقع على الطشت ( كذا ) ، وإن منا لمن يأتيه صورة أعظم من جبرائيل وميكائيل )[61] .
وقد بالغوا أكثر من ذلك فرفعوهم فوق الأنبياء والرسل فلا يحتاجون حسب زعمهم إلى الوحي في كل الأحوال بل كما جاء في الباب الذي عقده الكليني في الكافي (باب أن الأئمة عليهم السلام إذا شاؤوا أن يعلموا علموا )[62]، وذكر فيه ثلاث روايات كلها تنطق بـ ( أن الإمام إذا شاء أن يعلم أعلم ) [63] ، فالوحي للأئمة ليس بمشيئة الله وحده كما هي الحال مع الرسل - عليهم السلام - بل هو تابع لمشيثة الإمام . بل إن الأئمة تذهب إلى عرش الرحمن - كما يزعمون - كل ليلة جمعة لتطوف به فتأخذ من العلم ما شاءت ، قال أبو عبد الله - حسب زعمهم - إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله - صلى الله عليه وآله - العرش ووافى الأئمة - عليهم السلام - معه ووافينا معهم ، فلا ترد أرواحنا إلى أبداننا إلا بعلم مستفاد ولولا ذلك لأنفدنا ) [64] .
وعقد الكليني في الكافي باباً بعنوان : ( أن الأئمة - عليهم السلام - ولاة أمر الله وخزنة علمه ) [65] ، وضمن هذا الباب ست روايات في هذا المعنى ، وبابٌ بعنوان ( أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم )[66] ، وفيه سبع روايات ، وبابٌ بعنوان : ( أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التى خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل - عليهم السلام ) [67] وفيه أربع روايات .
وزعموا حسب ما ترويه كتبهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استمر طيلة حياته يعلِم علياً علوماً وأسراراً لايطلع عليها أحد سواه ، وقد وصلت مبالغات الشيعة في هذه الدعاوي إلى مرحلة لا يصدقها عقل .. حتى قالوا إن علياً استمر في تلقي العلم من فم رسول الله حتى بعد موته - عليه الصلاة والسلام - وعقد المجلسي لهذا باباً بعنوان (باب ماعلمه رسول الله صلى الله عليه وآله عند وفاته وبعده )[68] .
وقالت الرواية الأولى في هذا الباب إن عليا رضي الله عنه قال : ( أوصاني النبى صلى الله عليه وآله فقال : إذا أنا مِتُّ فغسلني بست قرب من بئر غرس[69] فإذا فرغت من غسلي فأدرجني في أكفانى ، ثم ضع فاك على فمي ، قال ففعلت وأنبأني بما هو كائن إلى يوم القيامة )[70] . وقالت الرواية الثانية بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - كما يزعمون - يا علي إذا أنا مت فاغسلني وكفني , ثم اقعدني وسائلني واكتب )[71].
ومضت بقية الروايات على هذا النسق , حتى قالوا بأن علياً كان إذا أخبر بشيء قال : ( هذا ما أخبرني به النبي صلى الله عليه وآله بعد موته )[72].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - البخاري (6357) .
[2] - رواه مسلم (2408) .
[3] - سورة البلد آيه 10 .
[4] - سورة الإنسان آيه 3 .
[5] - الزمر 17 , 18 .
[6] - البقرة آيه 164 .
[7] - الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقيه . ج3 ص 62 .
[8] - الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني . ج1 ص 12(وهو من أهم كتبهم ).
[9] - الكافي ج 1ص 29 .
[10] - مستدرك الوسائل ج1 ص81 .
[11] - مقدمة / مستدرك نهج البلاغة ص5 .
[12] - الهادي كاشف الغطاء/مستدرك نهج البلاغة ص 191.
[13] - المصدر السابق ص192 .
[14] - شاه عبد العزيز الدهلوي /مختصر التحفة الإثني عشرية ص 58 .
[15] - الهادي بن عباس كاشف الغطاء (1289- 1361هـ) .
[16] - نهج البلاغة ص 178 ، 179 شرح محمد عبده / دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع .
[17] - الكافي/لمحمد بن يعقوب الكليني ج1ص 278 .
[18] - نهج البلاغة ص 397 شرح محمد عبده .
[19] - الاعتقادات للقمي ص111 .
[20] - الطوسي / تلخيص الشافي : 4/131 ، بحار الانوار 8/368 .
[21] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 430 .
[22] - نهج البلاغة ص 81 خطبة 37 ط بيروت بتحقيق صبحي الصالح ، نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 95-96 .
[23] - منار الهدى / لعلي البحراني ص 373 ، وأيضا ناسخ التواريخ ج3 ص532 .
[24] - شرح نهج البلاغة / ج 4 ص 228 ط تبريز ، الشيعة وآل البيت/إحسان إلهي ظهير/ص71 .
[25] - نهج البلاغة ص257 ، 258 شرح محمد عبده / دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع / بيروت .
[26] - نهج البلاغة ص246،247. شرح محمد عبده / دار الاندلس لملطباعة والنشر والتوزيع .
[27] - المصدر السابق ص 446 .
[28] - ورويت ( لله بلاد فلان ) وقال شارح نهج البلاغة الشيعي المعتزلى (ابو الحديد) في ج 12ص3 .( أي لله ما صنع فلان ، والمكنى عنه عمر بن الخطاب ، (وقال ابو الحديد) : وقد وجدت النسخة التي بخط الرضى أبي الحسن جامع نهج البلاغة وتحت فلان عمر ) .
ويقول ابو الحديد في شرحه لنهج البلاغة : سألت عنه النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي فقال لي هو عمر بن الخطاب ، فقلت له : أيثني عليه أمير المؤمنين هذا الثناء ؟ فقال : نعم ، ويقول أيضا في ج 2 ص 4 : اذا اعترف أمير المؤمنين بأنه اقام السنة وذهب نقي الثوب قليل العيب وأنه أدى إلى الله طاعته واتقاه بحقه فهذا غاية مايكون المدح .
[29] - الأود : العوج .
[30] - العمد بالتحريك : العله ، انظر صبحي الصالح في تعليقه على نهج البلاغة ص671.
[31] - نهج البلاغة ص430 شرح محمدعبده .
[32] - أي إلا من اعتقاد بصدق ما يقوله .
[33] - ميثم بن علي البحراني ( كمال الدين ) من شيوخ الإمامية ، من أهل البحرين ، من كتبه : (شرح نهج البلاغة ) ، توفي في البحرين سنة 679 س (معجم المؤلفين :13/55) .
[34] - ميثم البحراني/ شرح نهج البلاغة : 4/98 .
[35] - أصول مذهب الشيعة / د ناصر القفاري ص 764 .
[36] - شرح نهج البلاغة للبحراني ج 3 ص 486 .
[37] - نهج البلاغة ص 291 شرح محمد عبده/دار الاندلس للطباعة والنشر والتوزيع / بيروت ، وشرح أبي الحديد ج9 ص261.
[38] - شرح نهج البلاغة للبحراني ج 4 ص354 .
[39] - نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح ص143، وشرح أبي الحديد ج7ص77 ، وشرح محمد عبده ص190.
[40] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص229، شرح أبي الحديد ج7ص291 .
[41] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 398 ، نهج البلاغة تحقيق صبجي ألصالح ص323 ، شرح أبي الحديد ج11ص21 .
[42] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 543 .
[43] - أصول مذهب الشيعة / د ناصر القفاري .
[44] - منهاج السنة 4/ 181 .
[45] - قرب الإسناد ص 62 ، وسائل الشيعة11/62 .
[46] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص189، وشرح أبي الحديد ج 7 ص70 .
[47] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 72 ، شرح أبي الحديد ج1ص332 .
[48] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 77 ، شرح أبي الحديد ج2ص75 .
[49] - شرح محمد عبده ص436 ، نهج البلاغة شرح أبي الحديد ج 13 ص42 .
[50] - نهج البلاغة شرح أبي الحديد ج 18 ص 342 .
[51] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 237 ، شرح أبي الحديد ج8ص112 .
[52] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص412-413 ، شرح أبي الحديد ج11ص102 .
[53] - وأيت : أي (وعدت) والوأي : (الوعد). وتقول قد وأيت وأيا : أي (وعدت وعدا) .
[54] - نهج البلاغة شرح أبي الحديد ج6 ص176.
[55] - بحار الأنوار 25/ 209 .
[56] - الرياش والريش واحد وهو اللباس أو اللباس الفاخر .
[57] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص326 .
[58] - المصدر السابق ص245 .
[59] - الكافي ج1 ص 176 .
[60] - بحار الانوار 39/151-157.
[61] - بحار الانوار 26/358 ، بصائر الدرجات ص63.
[62] - أصول الكافي 1/258.
[63] - نفس الموضع من المصدر السابق .
[64] - أصول الكافي 1/254 ، بحار الأنوار26/88 - 89 ، بصالر الدرجات ص36 .
[65] - أصول الكافي 1/192-193.
[66] - المصدر السابق 1/223-226 .
[67] - المصدر السابق 255- 256 .
[68] - بحار الانوار 40/213- 218 .
[69] - بئر غرس : بئر بالمدينه المنوره . انظر معجم البلدان 4/193.
[70] - بحار الأنوار 213/40 ، بصائر الدرجات ص80 .
[71] - نفس الموضع من المصدرين السابقين .
[72] - بحار الأنوار 40/215.
========================================================
جزا الله مدير موقع البرهان خير الجزاء