المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جذب الاستثمارات العالمية!



holly_smoke
08-02-2001, 08:26 PM
جذب الاستثمارات العالمية!

تنمو أسواق تقنية المعلومات في البلدان العربية بسرعة تفوق نظائرها في البلدان النامية الأخرى. ويدفع هذا النمو السريع، المزيد من الشركات العالمية لافتتاح مكاتب لها في المنطقة. لكن هذا الحضور العالمي المتزايد، يهدف في معظمه، إلى تسويق البضائع في بلادنا، ولا يوجد سوى النذر اليسير من الاستثمارات العالمية في قطاعات تقنية المعلومات الإنتاجية. ما سبب ذلك؟

لا نريد أن نحمّل مسؤولية هذا الأمر لشركات تقنية المعلومات العالمية وحدها. فعندما وجهنا سؤالاً إلى المدير الإقليمي لإحدى الشركات العالمية المتخصصة في تقنية المعلومات، حول سبب إحجام شركته عن الاستثمار في المنطقة، على الرغم من أنها تستثمر في إسرائيل، أجاب: للأسف، لا يوجد مناخ مناسب للاستثمار هنا.

تستثمر شركات تقنية المعلومات العالمية أموالها بكثافة، في إسرائيل. فشركة إنتل بدأت استثماراتها فيها، منذ عام 1974. وافتتحت عام 1998، مصنعاً ضخماً لإنتاج رقاقات الكمبيوتر، قيمته 1.6 مليار دولار، ويعتبر أكبر مصنع لإنتل خارج الولايات المتحدة الأمريكية. يعمل في هذا المصنع حالياً، 3500 موظف، وتبلغ طاقته التصديرية مليار دولار في العام، وينتج أحدث معالجات بينتيوم المرتكزة على معمارية 0.18 مايكرون.

وافتتحت شركة IBM مركزها العلمي الأول في إسرائيل عام 1972، ثم أسست عام 1992 مركزاً للبحث والتطوير في حيفا. ومنذ ذلك الوقت، والمركز يشارك بفعالية في تطوير منتجات IBM، مثل أجهزة الكمبيوتر، ووسائط التخزين، ولغات البرمجة. يعتبر مركز IBM للبحث والتطوير في إسرائل، أوسع مركز خارج الولايات المتحدة الأمريكية، إذ يضم 270 باحثاً، و100 طالب مشارك في هذه الأبحاث. وتملك مايكروسوفت أيضاً، مركزاً للأبحاث والتطوير في إسرائيل. وعززت الشركة مشاريعها المشتركة مع الشركات الإسرائيلية العام الماضي، إذ وقعت عقداً مع مزود خدمات إنترنت الرئيسي في إسرائيل، Internet Gold ، لإنشاء بوابة مشتركة على شبكة ويب كفرع من شبكة مايكروسوفت التي تعرف باسم MSN. وتتعاون مايكروسوفت حالياً، مع شركة Gilat Satellite الإسرائيلية، لتوفير خدمات إنترنت عبر الأقمار الاصطناعية، للمستهلكين في الولايات المتحدة، قبل نهاية العام الحالي.

وينتج فرع شركة موتورولا في إسرائيل أجهزة الاتصالات والأجهزة الإلكترونية الأخرى، بهدف التصدير إلى الأسواق العالمية، مع العلم أن 80 بالمئة من مكونات هذه المنتجات يصنّع محلياً. وطورت بالإضافة إلى ذلك، منتجات لصالح شركة موتورولا الأم، في الولايات المتحدة الأمريكية. ويعمل في هذه الشركة أكثر من 500 مهندس وفني.

لماذا تستثمر شركات تقنية المعلومات العالمية أموالاً طائلة في إسرائيل، فيما تتعامل مع البلدان العربية كأسواق استهلاكية فقط؟ أشارت دراسة أجرتها إحدى مؤسسات الأبحاث في كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، إلى أن تكلفة تطوير منتجات تقنية المعلومات في إسرائيل تبلغ ثلث تكلفتها في الولايات المتحدة. ويعتبر هذا، السبب الحقيقي وراء اندفاع الشركات العالمية، للاستثمار في إسرائيل. لكن، هل تكلفة تطوير منتجات تقنية المعلومات في البلدان العربية، تزيد عن تكلفتها في إسرائيل؟ لا يبدو هذا السؤال مناسباً في المرحلة الراهنة! والأفضل أن نسأل: هل يتوفر المناخ المناسب لتطوير منتجات تقنية المعلومات، في البلدان العربية؟

الإجابة، إجمالا، لا. لأن استثمار الأموال في البحث والتطوير والتصنيع يتطلب شروطاً عديد بعضها غير متوفر في البلدان العربية، منها:

ضعف البنى التحتية لتقنية المعلومات، في معظم البلدان العربية، وهو أمر يعيق الاستثمار. ولا يقتصر مفهوم البنية التحتية، على جودة خطوط الاتصالات، بل يشمل قواعد البيانات، والخدمات المالية الحديثة، والأنظمة الإدارية المرنة، والقوانين الناظمة للاستثمار، وقوانين حقوق الملكية الفكرية، الخ. بدأت بعض البلدان العربية، كالإمارات ومصر والمغرب، تدرك أهمية هذه الأمور لجذب الاستثمارات، وباشرت العمل على توفيرها، ونأمل أن تتسارع الخطى في هذا الاتجاه. أمر آخر مهم جداً يعيق جذب الاستثمارات، هو افتقار الجامعات العربية، إلى وجود مراكز أبحاث حقيقية، ترفد صناعة تقنية المعلومات بالكفاءات التي تحتاجها. فالسياسات التعليمية في البلدان العربية ركّزت على الكم، وأغفلت الكيف. فنجحت في تخريج عدد كبير من حاملي الشهادات الجامعية، لكنها فشلت في تحويل الجامعات إلى بؤر للبحث العلمي. نعتقد أنه إذا لم يكن باستطاعتنا رفع مستوى كافة الجامعات وتجهيزها بالمختبرات ومراكز الأبحاث المتطورة، ، فعلينا أن نعتني، على الأقل، بجامعة واحدة في كل بلد، بحيث نجعلها نموذجية، وننقل إليها الطلاب المتفوقين، في الجامعات الأدنى مستوى.

ومن العوامل الأخرى غير المشجعة على الاستثمار في صناعة تقنية المعلومات، ندرة الشركات العربية المتخصصة في تطوير تقنية المعلومات. وقد يبدو للبعض أن هذا الأمر غير مهم بالنسبة للمستثمرين العالميين، لكن الحقيقة غير ذلك، لأن وجود شركات عربية قوية، سيوفر للشركات العالمية، إمكانية التحالف مع شركاء محليين، وهو أمر أساسي، في عصر العولمة. بالإضافة إلى أنه سيساهم في إيجاد كوادر فنية عالية التأهيل، وهو أمر تبحث عنه الشركات العالمية.

من العوامل التي يمكنها أن تساهم في جذب الاستثمارات إلى المنطقة، وجود تجمعات حقيقية لتقنية المعلومات، أي مناطق متكاملة وظيفياً، ومجهزة بالبنية التحتية اللازمة للاستثمار. ولا تتوفر مثل هذه التجمعات في البلدان العربية، لكن العمل يجري حالياً على مشروعين من هذا النوع: الأول مدينة دبي للإنترنت، والثاني القرى الذكية قرب القاهرة. نتمنى لهما أن يتكللا بالنجاح.

إذا تمكنا من توفير المناخ الملائم لجذب الاستثمارات في تقنية المعلومات، فعلينا أن نتبع ذلك بقوة تفاوضية نضغط فيها على الشركات العالمية، كي تستثمر في بلداننا، خاصة وأن كمية المنتجات التي نشتريها منها تنمو بسرعة كبيرة.