المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إنترنت والعولمة



holly_smoke
08-02-2001, 08:28 PM
إنترنت والعولمة

يندر أن تطالع صحيفة عربية هذه الأيام، بدون أن تعثر على مقالة أو تعليق يتناول "العولمة". وفيما يؤيد بعض المفكرين العرب "العولمة"، ويرى فيها حلاً لمشاكلنا المستعصية، فإن الكثير منهم يعارضها، ويرى فيها سياسة أمريكية جديدة، تهدف لابتلاع العالم. وبما أن نجاح "العولمة" لا يمكن أن يتحقق بدون التقنيات التي أفرزها التقدم الكبير في مجال الاتصالات، وخاصة إنترنت، التي يصفها بعض المفكرين الأمريكيين، بأنها "آلة العولمة"، رأيت من المفيد بيان كيفية توظيف تقنيات "العولمة"، للحد من الأضرار التي قد تفرزها "العولمة" ذاتها.

ما هي "العولمة" ؟

تُعرّف العولمة بأنها: توسيع نطاق وشكل التعاملات العابرة للحدود القومية، والتي تتمثل في حركة اليد العاملة والأموال والبضائع والخدمات. وتعميق الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين مختلف الكيانات المنتشرة في العالم، سواءً كانت مؤسسات خاصة أم عامة أم حكومية.

يتطلب نجاح "العولمة"، نقلة نوعية نحو نظام يرتكز على سوق عالمي واحد للإنتاج والتوزيع والاستهلاك، بدلاً من الأسواق القومية المستقلة. وينجم عنها تغيرات في التقاليد المحلية والسلوك، للأسباب التالية:

ضرورة التنقلات المستمرة في السلع والأموال واليد العاملة.

ضرورة التزامن في الأحداث الجارية في مختلف بلدان العالم.

ضرورة توحيد السمات الاستهلاكية للمجموعات البشرية، وابتكار طرق بديلة، لتلبية الحاجات والخدمات.

هل "العولمة" أمر جديد؟

ليست العولمة أمراً جديداً من حيث المضمون. فالأمم القوية تحاول منذ آلاف السنين، تحقيق مصالحها من خلال الهيمنة على أكبر عدد ممكن من شعوب العالم. أما من حيث الشكل، فهو جديد، إذ ترتكز استراتيجية "العولمة" على مقومات سياسية واقتصادية وتكنولوجية فريدة. ونعتقد أن الفرق الرئيسي بين الهيمنة القديمة و"العولمة"، يتمثل في أن استراتيجيات الهيمنة القديمة، أتاحت خيارات أكبر أمام الحكومات، وأقل أمام الأفراد والمؤسسات الخاصة، فيما تتيح استراتيجيات "العولمة"، خيارات أقل أمام الحكومات، وأكبر أمام الأفراد والمؤسسات الخاصة.

لماذا تعتبر إنترنت "آلة العولمة"؟

تتيح إنترنت للشركات العالمية إمكانية إجراء البحوث والتطوير والإنتاج، في البلد الذي تراه مناسباً، مهما كان بعيداً عن المقر الرئيسي، وذلك بفضل تقنيات المؤتمرات الفيديوية، وشبكات إنترانت المتصلة بإنترنت، عبر المحيطات.

تتيح إمكانية انتقاء وتشغيل أكثر الأيدي العاملة مهارة وأرخصها سعراً، من أي بلد.

تجسد متاجر وأسواق إنترنت، فكرة السوق العالمية الواحدة، بأفضل صورة ممكنة، وتوصل المنتجين بالمستهلكين، بأيسر السبل.

توفر إنترنت لمدراء الشركات كافة المعلومات عن الأعمال والمشاريع، في أي لحظة، ومن أي مكان في العالم.

تساهم إنترنت، بفضل قوتها الإعلامية، في توحيد السمات الاستهلاكية لمجموعات كبيرة من البشر، في بلدان مختلفة.

إنترنت تتكيف وفق إرادة الشعوب

على الرغم من أهمية إنترنت كتقنية "للعولمة"، إلا أن مسارها يتحدد وفق إرادة كافة شعوب العالم. فقد بدأت نسبة استخدام اللغة الإنجليزية في مواقع ويب، تميل للانخفاض، فبعد أن كانت تمثل 90 بالمئة منتصف عام 1996، انخفضت إلى 83 بالمئة منتصف عام 1997، ثم إلى 72 بالمئة منصف عام 1998. ويعود سبب ذلك إلى تبني دول عديدة، مثل فرنسا وألمانيا واليابان وكوريا، والصين، هذه التقنية، بعد أن كان بعضها محجماً عنها بسبب طغيان الإنجليزية. وبدأت الدول المذكورة في نشر كميات كبيرة من المعلومات بلغاتها القومية.

تقول سوزان إسترادا، وهي من مؤسسي شبكة إنترنت، في مقابلة أجريت معها: "لا يرحب الكوريون بوجود كميات هائلة من صفحات ويب الإنجليزية، بل يرغبون في وجود كميات كبيرة من صفحات ويب باللغة الكورية". وتتوقع إستراد أن تنحسر ظاهرة طغيان الإنجليزية على شبكة إنترنت في المستقبل، بعد أن بدأت دول عديدة بتكثيف حضور لغاتها القومية، على الشبكة.


نتائج حملة "العولمة"

تذكر كتب التاريخ المدرسية، أنه كان لحملة نابليون بونابرت على مصر بعض النتائج الإيجابية، أهمها إدخال تقنية الطباعة. لكننا نعتقد أنه قد ينجم عن حملة "العولمة"، نتائج إيجابية أكبر بما لا يقاس، مقارنة مع حملة نابليون بونابرت، وذلك بفضل التقنيات المتطورة المرافقة لها‍!

أول هذه الإيجابيات، المعلومات الغزيرة التي توفرها لنا إنترنت، والتي يمكنها أن تلعب دوراً مهماً في تنشيط البحث العلمي العربي.

وثاني هذه الإيجابيات، هو تفاعل وجدلية إنترنت غير المحدودة، والتي تسمح للأضعف بإشعال النار في أرض الأقوياء، من خلال شرح قضاياه، وتأسيس جمعيات عالمية داعمة لها، وندوات حوار مفتوح في فضاء الشبكة.

وثالث هذه الإيجابيات، تقنية إنترنت ذاتها، والتي يمكن أن تساعدنا على تأسيس "عولمة" عربية، اقتصادية وثقافية وتعليمية. فإذا كانت "العولمة" تسعى لتأسيس سوق عالمية واحدة، فما الذي يمنعنا من تأسيس سوق عربية واحدة، واستخدام إنترنت كآلة لها؟!

وما الذي يمنع كل دولة عربية من تأسيس عشرة مواقع تعليمية فقط، باللغة العربية، ليجد أبناؤنا أمامهم أكثر من 200 موقع تعليمي، يتصلون بها من الجامعة أو البيت أو أحد مقاهي إنترنت، فيساعدهم في اكتساب المعارف العلمية؟

أعتقد أن أهمية إنترنت بالنسبة للعرب تفوق أهميتها بالنسبة للشعوب الأخرى، لأن أي موقع يشاد على إنترنت باللغة العربية، من أي بلد، سيكون مفيداً لأبناء كافة البلدان العربية الأخرى. وعلى الرغم من هذه الحقيقة الساطعة، نجد أن معظم ما ينشره العرب على إنترنت، هو باللغة الإنجليزية، حتى إن كان موجهاً لمستخدمي إنترنت العرب،كمواقع برامج الكمبيوتر العربية الموجهة للأطفال!!

صدرت منذ مدة قصيرة توصيات وقرارات عن ندوة " آثار العولمة ودور وسائل الإعلام ووكالات الأنباء"، جاء في أحد بنودها ما يلي:

"الدعوة إلى الدخول الواسع والاستعمال الكامل والفاعل لتقنيات المعلوماتية الحديثة (مثل الإنترنت) والطلب إلى الجهات العلمية والتقنية المختصة لتأهيل اللغة العربية كوسيلة تفاعل في شبكات الإنترنت".

نشكر المشاركين في الندوة على اهتمامهم بإنترنت، لكننا نستغرب ما ورد في توصياتهم، عن "تأهيل اللغة العربية كوسيلة تفاعل في شبكات الإنترنت"!

ألم يبلغهم بعد، أن العربية تأهلت في شبكات إنترنت منذ أكثر من سنة ونصف السنة؟! وأن العديد من الجهات (بما في ذلك مجلاتنا)، تستخدمها بنجاح؟!

ألم يسمعوا بعد، بتقنيات صخر ومايكروسوفت الخاصة باستخدام اللغة العربية في إنترنت؟!

كلمة أخيرة: لا نعتقد أن "العولمة" تنذرنا بهزائم تفوق ما حصدناه في مراحل سابقة، إذ لم يسبق لنا أن أدرنا اقتصادياتنا بعقلية تنموية فعالة، بحيث نخشى فقدان ما نجم عنها من مكاسب، بل كنا نتسابق دائماً، على هدر الفرص!

هل نستطيع، الآن، توجيه المركب التقني الذي تعتليه "العولمة" في ما يخدم مصالحنا؟

يتوقف الأمر على توظيف ذكائنا وإرادتنا وإحساسنا بالمسؤولية، وخلاصة تجاربنا السابقة، في تحقيق ذلك. فهل نفعل؟!