المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هزيمة المتشائمين!



holly_smoke
08-02-2001, 08:30 PM
هزيمة المتشائمين!

ماضي وحاضر تقنية المعلومات العربية مظلم، ولا توجد مبررات للتفاؤل بالمستقبل! فالعرب قوم ميئوس منهم، ومن يراهن على خططهم المستقبلية، خاسر لا محالة!

هذا ما يراه بعض المتشائمين العرب، ويحاولون البرهنة عليه، بالقول أن العرب مستهلكون للتقنيات الغربية، وعاجزون عن الإنتاج لأسباب بنيوية عميقة، من الصعب تجاوزها في المدى المنظور.

لا يمكننا تجاهل حجج المتشائمين، لأن فيها بعض الحق، لكن بما أنها، لم تكتفِ بالماضي والحاضر، بل تطرقت إلى المستقبل، وبما أننا لا نرَ المستقبل استمراراً آلياً بسيطاً للحاضر، بل نعتقد أنه حافل بإمكانات يصعب استجلاؤها من خلال قراءة سطحية للماضي والحاضر، فقد وجدنا من الضروري إلقاء الضوء على ما يتيحه المستقبل لنا من فرص، وكيف يمكننا اقتناصها.

نبدأ بتحليل مقولة الفيلسوف الألماني الشهير، هيجل: "كل ما هو واقعي عقلاني، وكل ما هو عقلاني واقعي". يتناول الشق الأول من هذه المقولة، الماضي، فيؤكد أن أحداثه لم تأتِ عبثاً، بل حكمتها ضرورات لا مهرب منها، إن حللناها على ضوء العقل. ونتيجة ذلك، أن تخلفنا التقني، الممتد من الماضي، وحتى نقطة الحاضر، كان حتمياً حسب ما يراه العقل السليم، وما كان بالإمكان أن يجري بشكل آخر. أما الشق الثاني من المقولة، فيتناول المستقبل، ويؤكد مشروعية الاعتقاد أنه سيأتي وفقاً للصورة التي نرسمه له في أذهاننا، إن كانت ناجمة عن تحليلات واستدلالات عقلية دقيقة ومتسقة منطقياً. ونتيجة ذلك، أنه يحق لنا رسم صورة للمستقبل، تؤدي بنا إلى تجاوز تخلفنا التقني، شريطة أن ننسج خيوطها بطريقة علمية عقلانية، ونهيأ لها المقدمات المنطقية الضرورية للوصول، إلى النتيجة المنشودة.

ربما يتساءل البعض: وأنى لنا أن نفعل ذلك، ونحن متخلفون؟

يجب أن نفرق، أولاً بين تخلفنا، كأفراد وتخلفنا كنظم ومؤسسات. فالعرب، مثل باقي الشعوب، فيهم الكثير من الأذكياء والموهوبين والمتقدمين في مجالات عديدة، منها تقنية المعلومات. تتمثل المشكلة الرئيسية التي تواجه هؤلاء، في عدم توفر فرصة استثمار إبداعاتهم ضمن حدود العالم العربي، بسبب تخلف نظم المؤسسات العربية، سواء كانت عائدة للقطاع العام أم الخاص. ويستقر بعضهم، لهذا السبب، في بلدان أخرى، حيث تتجلى موهبته وإبداعاته، وتوجد الكثير من الأمثلة على ذلك.

ويجري اليوم تحول كبير في مفهوم شخصية الإنسان، إذ لم تعد محصلة لعلاقات القرية أو المدينة أو البلد الذي عاش فيه! فالعالم بات منفتحاً ومترابطاً، إلى درجة، أصبحت معها تجارب الآخرين، في متناول الفرد أينما كان، وبحيث بدأ مفهوم "الشخصية" يتحول من "محلية" إلى "عالمية-محلية"، ولم يعد نادراً أن تجد أفراداً يجمعون بين محاسن الشرق والغرب معاً (أو بين مساوئهما).

إذا كان التفكير العلمي العقلاني لا ينقص العرب، فهل هو المال؟

المال متوفر أيضاً، والجميع يعلم أن في البلدان العربية ثروات كبيرة.

أين يكمن، إذاً، جوهر المشكلة؟

يكمن في علاقة المال العربي بالإبداع العربي. فالمال في الغرب، هو إبداع (أي يساهم في إنتاج العقل المبدع)، والإبداع هو مال (أي يساهم في إنتاج المال).

يساهم قسم كبير من المال العربي، حالياً، في إنتاج الإبداع الغربي، وكلنا يعلم حجم الاستثمارات العربية في الخارج، الذي يقدر بمئات المليارات من الدولارات. ويوظف قسم هام من الإبداع العربي، حالياً، في إنتاج المال الغربي، وكلنا يعلم العدد الكبير من العلماء والتقنيين الموهوبين الذين يعملون لصالح الشركات والمؤسسات الأجنبية.

النتيجة: لدينا المال والإبداع، لكننا نفتقر للمؤسسات العصرية، التي تجمعهما في بنية واحدة.

نحن لا ندعو لوقف الاستثمارات العربية في الخارج، إذ نعتقد أن هذه الدعوة لن تجد قبولاً لدى المستثمرين العرب. فعالم اليوم مفتوح، والمال يتجه نحو المكان الذي تتوفر فيه الثقة والربحية. لكننا ندعو أن يوجه قسم منها نحو الداخل، لبناء مؤسسات تساهم في تطوير تقنيات عربية متقدمة، ونعتقد أن هذه المساهمة لن تكون مجانية، لأن فرصتها كبيرة، لتحقيق معدلات ربح، لا تقل عن تلك التي تجنيها من الاستثمارات العالمية.

لا يتوقف الأمر على المال العربي المستثمر في الخارج، فما يستثمر في الداخل، ليس قليلاً، لكنه مبعثر في عدد كبير من الشركات الفردية والعائلية. نعتقد، أن الوقت قد حان، بالنسبة للشركات العربية العاملة في إنتاج تقنية المعلومات، للانتقال من شكلها الفردي أو العائلي، إلى مؤسسات عصرية مساهمة، مستقلة نسبياً عن مالكيها، تنمو وفق آليات داخلية متقدمة. وسوف يساعد هذا على اندماج تلك الشركات بعضها ببعض، فيتقلص عددها من آلاف الشركات الصغيرة أو المتوسطة، إلى عشرات الشركات الكبيرة. لأن هذا الاندماج، أصبح اليوم، مطلباً ضرورياً، كي تتمكن تلك الشركات من الصمود، وترتفع بمنتجاتها إلى مستويات الجودة العالمية.

يساهم تحول الشركات الفردية والعائلية، إلى مؤسسات عصرية، في إيجاد سوق للإبداع العربي. فالمؤسسات العصرية، لا تقوم بدون إبداع، والإبداع لا يتجلى إلا من خلال مؤسسات عصرية.

لا نعتقد، أن مؤشرات الحاضر، مظلمة كلياً، فحجم الاستثمارات العائدة نحو الداخل، ينمو وإن كان ببطء، ومساهمتنا في إنتاج تقنية المعلومات يأخذ منحاً صاعداً. وإذا تمكنا من تخطيط مستقبلنا، بشكل علمي عقلاني، فربما نتمكن من تغيير الواقع بحيث يطابق الصورة المتفائلة التي ترسمها له عقولنا. أما إن فشلنا، فنكون قد استمتعنا، على الأقل، بأحلام جميلة تمدنا بالطاقة اللازمة لإعادة المحاولة من جديد. وفي كلا الحالتين، نكون قد هزمنا المتشائمين.