المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صروح القرن الجديد



holly_smoke
08-02-2001, 08:35 PM
صروح القرن الجديد

مسلسل تلفزيوني

يذكر معظمنا، ذلك المسلسل الكرتوني، الذي كان يعرض على شاشات تلفزيوناتنا العربية، أواخر الثمانينات، أو أوائل التسعينات، وكان يحمل اسم "اسألوا لبيبة"، وتتردد فيه عبارة: "إذا ظهرت لبيبة فاسألوها، فلبُّ القول ما قالت لبيبة"!

أما لبيبة هذه، فهي كائن خيالي، ينطلق فجأة من الكمبيوتر الخاص بأطفال، هم أبطال المسلسل، لدى تعرّضهم لمشكلة عويصة في مغامراتهم المتنوعة، فتنقذهم من حيرتهم، وتقدم لهم النصيحة، وتوضح لهم الأمور.

تحدثتْ إحدى حلقات المسلسل، عن المستقبل في اليابان، عام 2005 تقريباً، على اعتبار أنه كان مسلسلاً يابانياً على الغالب، وعرضت لبيبة حينها صورة الوضع الذي سيكون عليه ذلك المجتمع المؤتمت، بعد 15-20 سنة. وركزتْ على مفهوم الشبكة العالمية، والاتصالات الحديثة، والعمل عن بعد، والدراسة عن بعد، والشبكة المنزلية، والمنازل الفيديوية، وغيرها مما بدأنا نتلمس ملامحه اليوم، وقبل مضي الفترة التي افترضها المسلسل.

تذكرت هذه الحلقة بالذات، عندما كنت أطالع خبرين، يتحدث أحدهما عن إمكانية تتيحها الشبكة، بالاستعانة بتقنيات جافا، للتحكم عن بعد، كأن تصنع فنجان القهوة في مكتبك، مثلاً، انطلاقاً من منزلك، أو تضبط المكيف الموجود في منزلك، وأنت في فندق بعيد آلاف الكيلومترات عن مدينتك، هذا علاوة عما ظهر وانتشر، من إمكانيات الدراسة عن بعد، أو العمل عن بعد، أو التجارة عن بعد. فيما يتحدث الخبر الآخر عن فتوحات في تصميم المدن الساحلية، تنقل مشاهد وأصوات البحر، لتضعها مباشرة في بعض الشوارع الداخلية في المدينة، عبر شاشات كبيرة، ولواقط ودارات إلكترونية ‍خاصة، فتنقل الإحساس بالبحر إلى الداخل.

خيّل للبعض، منذ نحو عشرين سنة، أن مسلسل "لبيبة" مفعم بالخيال العلمي، إلا أن التطورات اللاحقة برهنت أن الخيال منه براء، وأن ثمة درساً أساسياً يطرحه، وينبغي الالتفات إليه جيداً، وهو ضرورة البدء بإعداد الجيل، قبل وقت كاف، لتحمل الأعباء الملقاة على عاتقه مستقبلاً.

ولنتذكّر الخطة المحكمة التي وضعتها الولايات المتحدة، في أواخر خمسينيات القرن، للّحاق بالسبق الفضائي السوفييتي، والتي طالت التعليم، ومناهجه، وطرقه، منذ مراحل ما قبل الابتدائية، إلى الجامعة والدراسات العليا، تلك الخطة التي كتب لها النجاح في ظروف الحرب الباردة، الدائرة ذلك الوقت بين العملاقين.

ولأن لبيبة كانت تتحدث في حلقاتها المختلفة، عن أمور عديدة، كالتطور الحاصل والمتوقع في علوم الوراثة البيولوجية، ومسألة الاتصالات، والبث الفضائي، والمنزل الإلكتروني، يمكن الجزم أن لبيبة (ومثيلاتها)، كانت جزءاً من خطة تربوية تعليمية شاملة، وضعتها تلك البلدان، في أقصى المشرق وأقصى المغرب، لإعداد الجيل الجديد، لما هو آت.

والآتي هو جملة من الاختراقات التكنولوجية على أصعدة المعلومات والفلك والوراثة، وأبرزها وأشملها على الإطلاق هو باختصار: إنترنت!


مفاصل زمنية

تستغل الشعوب والدول عموماً، مناسبة انتهاء قرن من الزمن، وبدء قرن جديد، لتنجز عملاً باهراً، يخلد ذكرى مرحلة لدى أبناء مرحلة أخرى، ويترك بصمات لا تمحى على جدار التاريخ، تبقى راسخة في أذهان الأجيال المتعاقبة.. وكان برج إيفل، مثلاً، البصمة الدامغة والمفصل الفرنسي المثبت على تاريخ 1889، والذي قوبل مشروعه بالتشكيك وسوء التقدير لدى بعض الاقتصاديين، فيما اعتبرته الإنتلجنسيا الفرنسية حينها بمثابة نعي للقرن التاسع عشر، واستقبال مشرّف يليق بالقرن العشرين، عدا عن كونه مخلداً ذكرى الثورة الفرنسية. أما في بلداننا فقد كانت الظروف مختلفة، واتخذ الاحتفال بالقرن الجديد وقتئذٍ شكل دعوات نهضوية تنويرية مختلفة، وإعمار مدارس "التجهيز" الضخمة نسبياً في العديد من المدن العربية الكبرى.

وفي يومنا هذا تبدو إنترنت، هي المفصل المتفق عليه بين العديد من الدول، والذي لا يحدد علامة بارزة ليس بين قرنين فحسب، بل بين ألفيتين أيضاً.

فإنترنت اليوم صورة افتراضية عن العالم الواقعي، علاوة عن أنها جزء منه، وهي مجتمع يشتمل بين ثناياه على منتديات وملتقيات، بالإضافة إلى الأسواق، والمؤسسات، والمختبرات، وأصبحت جزءاً من حياة الكثيرين، يجيدون الإبحار فيها، بغض النظر عن اهتماماتهم الوظيفية، والعلمية، وأداة يومية يستخدمها الجميع، ابتداء من سائقي سيارات الأجرة، وانتهاء بالعاملين في مراكز التطوير والأبحاث، ولا غرابة أن ربات البيوت يمثلن فئة كبيرة من مستخدمي إنترنت، يحسب لها العاملون في التجارة الإلكترونية حساباً خاصاً لدى رسم سياساتهم التسويقية عبر الشبكة.

وهنا يبرز التساؤل عن عملية التأهيل المسبقة، التي تمت (أولم تتم)، في مجتمعاتنا العربية، استعداداً لاستقبال هذا الوافد الجديد. قد تختلف التفاصيل الجزئية بين بلد عربي وآخر، إلا أن المحصلة النهائية متماثلة تقريباً، وهي أنه لم توجد، في الغالبية العظمى من دولنا العربية، هيئات أو مؤسسات، حكومية أم خاصة، تضطلع بمسؤولية البحث والإعداد لدخول إنترنت إلى مجتمعاتنا بشكل لائق، باعتبارها أداة تغيير تقني واجتماعي واقتصادي، عبر حشد خبرات الكوادر والاختصاصيين، التربويين والاجتماعيين والعلميين والاقتصاديين، وتعبيد الطريق أمامها.

بل يتظاهر الأمر أحياناً بصورة مخالفة، ويكتسي حلة السذاجة، بفرَض حسن الطويّة، كالادعاء بأن السبب في تأخر دخول إنترنت إلى بعض البلدان العربية، أنها "أشبه بالطبخ، لا يستساغ إلا بعد أن ينضج".

وما أحوجني هنا إلى لبيبة لتجيبني: ماذا في جعبتنا للألفية الجديدة؟ هل كتب علينا أن نتناول فتات الموائد؟ أم أن قدري، وعذراً من زوجتي، هو أن تحترق الطبخة قبل تناولها؟