المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكتاب الإلكتروني، هل يأكل الورقي؟



holly_smoke
08-02-2001, 08:37 PM
الكتاب الإلكتروني، هل يأكل الورقي؟

غريب أمر الإنسان، أيها الأصدقاء والخلان! فهو دائماً منقسم وحيران! هذا يغالي، في الحماسة للماضي، لدرجة يريد معها أن يغلق نوافذ المستقبل دون إبطاء! وذاك يفرط في الحماسة للمستقبل، بحيث يعتبر مجرد ذكر الماضي جريمة نكراء!

وهذا التطرف في الأقوال والأفعال، يشلُّ أعداداً لا تحصى من الرجال! ويهدر ثروات طائلة، وقدرات هائلة، كان من الممكن لو وظفت بصورة عاقلة، أن تسهم في تجليس أحوالنا المائلة! لكننا دائماً نغالي، وعندما نكتشف أخطاءنا، لا نبالي!

في أواسط الثمانينات، ومع انتشار تطبيقات عصر المعلومات، قال الكاتب الفرنسي جورج ستاينر في جريدة الديلي ميل إن : (عصر الكتاب انتهى تقريباً)! ومع أن السنوات الماضية، هزمت هذه المقولة بالضربة القاضية، إلا أن أمثال هذه النبوءة الفاضية، ظلت تظهر بصورة متتالية!

أنا شخصياً، من المتحمسين للكتب الإلكترونية، لكنني لا أجد ما تمتاز به من أهمية، مبرراً للتطاول على الكتب الورقية، والتقليل من فعاليتها الحضارية! فالكتب الورقية، وقبلها الطينية والحجرية، كانت عبر تاريخ البشرية، هي النحل، الذي ينقل غبار الطلع من عقلٍ لعقل!

يقول المتنبي:
أعز مكان في الدنا سرج سابحٍ وخير جليس في الأنام كتاب
أصارحكم، أيها الأخوة والأخوات، أنني قد خدمت عسكريتي في سلك المشاة، ولم أمتط، طوال حياتي، حيواناً أعلى من الحمار! والحمير بكل صراحة، ليس لها سروج ولا تحسن السباحة! لكن صحبتي مع الكتاب لم يتخللها انقطاع ولا غياب، لذا أوافق المتنبي، دون أي ظلٍ من الشك أو التواني، على ما جاء في شطر بيته الثاني! فالكتاب النفيس هو حقاً خير جليس، وأنصح أنيس! كونه يطرد إبليس، ويكبح نوازع التدليس!

صحيح أنني في المرحلة الحالية، أستخدم المراجع والقواميس والكتب الإلكترونية، أكثر من مثيلتها الورقية، لكنني أضع الكتب الورقية على الرأس والعين، لأن فضلها عليّ فضلين! فالكتاب الورقي رباني وغذاني، وجعلني أشعر بكياني، كما ساعدني على فرز الصالح عن الطالح، من إخواني!

لاشك أن تقديري للكتاب، واضح كالمنارة، ولا يحتاج إلى دليل ولا أمارة، غير أني أختلف مع صفي الدين الحلي، في موقفه من الإعارة:

يسائلني صديقي عن كتابٍ فأنكره وأشغل عنه بالي
وأزعم انه خطٌ ســقيمٌ وطِرْسٌ دارسٌ كالشَّنِّ بالي
مخافة أن أرومَ له ارتجاعاً فيقطع دونه حبل الوصال
ولست بواصفِ يوماً حبيباً أُعَرِّضه لأهواء الرجال
فأنا أشجع دائماً على الإعارة، وأعتبرها واحداً من أبواب الشطارة، لأن معير الكتاب دائماً ربحان، بغض النظر عن المستعي،ر كائناً من كان!

وأنا سعيد بكل الإعارات التي قمت بها... فالكتاب الذي عاد إلى بيتي جلب لي معه صديقاً طيباً، والكتاب الذي لم يعد، خلصني من صديق رديء!

صحيح أن الحياة العملية، للكتب الإلكترونية، لا تزيد على بضعة أعوام! لكنها رغم ذلك فقد كثرت عليها الأحكام! لاشك أن الكتب الإلكترونية هي البدائل الافتراضية، للكتب التقليدية الورقية، لكن مسيرة الكتب الإلكترونية ما تزال بطيئة، ومحدودة الريعية.. وهذا ما دفع بعض شركات النشر التقليدية، لإلغائها من خططها الاستثمارية!

ما يلفت النظر هو أن الكتب الإلكترونية، ما تزال تقتصر على الأعمال الأدبية الكلاسيكية، بسبب خوف الناشرين، من القراصنة ذوي القلوع، الذين يستعملون شبكة الإنترنت بمثابة شبكة للصيد الممنوع!

لاشك أن الكتب الإلكترونية تفتح نافذة مستقبلية، للمعوقين بصورة كلية أو جزئية.. فميزة الكتاب الإلكتروني انه يقدم لك نصاً حياً على شاشة الحاسب، تستطيع تكبيره وتنسيقه ونسخه وقصه، واستخدامه بالطريقة التي تراها، كما تستطيع أن تقرأه، إذا كنت فقدت عينيك! أما من يعاني من ضعف في النظر، مثلي، فيستطيع تكبير الحرف بقدر ما يشاء. وهذه الإمكانية من شأنها أن تحول القراءة الإلكترونية إلى متعة، حقيقية خاصة على الشاشات المسطحة، التي تضاعف المسرات، كون بعضها يحقق نسبة وضوح أعلى من الشاشة العادية بأربع مرات!

لكن التطورات التكنولوجية الاستثنائية، قد تحكم على الكتب الإلكترونية بأن تموت بسرعة ضوئية! فقد توقع السيد بيل جيتس في كتابه الجديد ( الأعمال بسرعة البرق ) الذي أصدره العام الماضي، أن يتشكل خلال السنوات العشر المقبلة نمط جديد من الحياة، أسماه (نمط الشبكة) وتوقع بلهجة قطعيّة أن (…الأعمال ستتغير في السنوات العشر المقبلة، أكثر مما تغيرت في السنوات الخمسين الأخيرة).

لكن أدق التوقعات تبقى مجرد تهيؤات! فقد توقع كثيرون أن تأكل الصحافة الإلكترونية، الصحافة الورقية، لكن أدبيات المؤتمر العالمي للصحف، الذي عقد في زيوريخ في يونيو/حزيران الماضي، تقول إنه بات لدى معظم الصحف اليومية، في البلدان الغربية، هيئات تحرير متخصصة لإصدارتها الإلكترونية! بل إن بعض الصحف اليومية تحررت من التقييدات الورقية! فصحيفة الجارديان البريطانية تقدم أربعة إصدارات إلكترونية، للأخبار وكرة القدم، والكريكيت، والإعلانات المبوبة! ولا تشكل المواد المأخوذة من الصحيفة الورقية،في الواقع،سوى أربعين بالمائة من مواد هذه المواقع. والطريف في الأمر، أن هذه الأربعين بالمائة لا تحظى إلا باهتمام عشرة بالمائة من زوار تلك المواقع، كما يؤكد سيمون وولدمان مسؤول النشر الإلكتروني لصحيفة الجارديان، في تقريره المقدم إلى الجمعية العالمية للصحف! ومعنى هذا الكلام، أيها السادة الكرام، أن 90% من زوار إصدارات الجارديان الإلكترونية، يبحثون عن معلومات غير تلك التي تنشر في الإصدارة الورقية.

الحرية، هي ميزة الإصدارة الإلكترونية على الإصدارة الورقية.. ففيما تشكل المساحة قيداً على الورق (تقدم الإنترنت للمحرر فضاء بلا حدود!)، على حد قول لورنز ميير، رئيس تحرير مجلة (دير شبيجل) الأسبوعية.

كما أن الإصدارة الإلكترونية قابلة للمراجعة بصورة مستمرة.. فالخبر في الصحيفة الورقية يأخذ صيغة واحدة تتقادم مع الورق، فيما تبقى الإصدارة الإلكترونية منسابة باستمرار، كونها قابلة للتبديل والتجديد! وهذا يشجعني على الاستنتاج بأن الكتب الورقية ستبقى، وأن الكتب الإلكترونية لن تكف عن التطور!