المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : " القرصنة " ذات الرنةّ المحزنة !



holly_smoke
08-02-2001, 08:41 PM
" القرصنة " ذات الرنةّ المحزنة !

أعتقد أننا، نحن عباد الله المساكين، من سكان البلدان النامية الطيبين، لم ولن نكون قادرين، على تغيير مصيرنا الحزين، والمساهمة في صياغة وجه القرن الواحد والعشرين، وكسر قمقم التخلف اللعين، الذي يحبس طاقاتنا، ويهدر إمكاناتنا، ويسهل على الآخرين نهب ثرواتنا، إلا إذا انخرطا في عصر المعلوماتية، وأوقفنا استنزاف ثرواتنا الطبيعية، ووضعنا سياساتنا التنموية، على أسس علمية ومنطقية، تفجر كل الإمكانات الحيوية، الكامنة في ثرواتنا البشرية والطبيعية !

وإن لم نلتفت لهذه القضية، التي تطرح نفسها بمنتهى الجدية، فسنخرج من عصر الثورة الرقمية، أسوأ مما خرجنا من عصر الثورة الصناعية، مستنزفين ومديونين، نشهق فلا نلحق ! ونبذل قصارى جهدنا فنبقى متأخرين ولا نسبق ! لأن طبيعة المنافسة، في هذا الكوكب الدوار، تتغير من نهارا إلى نهارا وتفرض نفسها بضراوة واحتدام، فمعالج 486 DX4 الذي كان يعد سريعا قبل عشرة أعوام، أصبح بعد في غاية البطء هذه الأيام ! لذا ليس أمامنا نحن بني يعرب الكرام، إذا أردنا أن يكون لنا مكان بين الأنام، إلا أن نحاول التفاهم واعتماد الحوار، لنحقق التناغم بين الهدف والوسيلة باستمرار، وإلا فسيجرفنا التيار، ويشحطنا سبل المتغيرات الجبار، ليلقي بنا على شاطئ الحياة مهزومين ومقهورين، نتحسر على أمجاد أجدادنا الغابرين، ونقتل أعمارنا في طق الحنك والانتظار! فسباق كل عصر من طبيعته، ونحن في عصر السرعة، التي تصل أحياناً كثيرة إلى حد الصرعة ! والإنسان لا يستطيع الدخول في العصر، إلا بآلة العصر إياه! فأسرع راكب حمار، لا يستطيع اللحاق بابطا طيار!

المتشائمون يقولون إن آوان الدخول في العصر قد فات، وما فات مات ! لكن إفراط المتشائمين، لا يقل خطورة عن إفراط المتفائلين! فالفرصة ما تزال متاحة لشق الطريق، وإن كانت في غاية الحرج والضيق ! صحيح أننا لا نستطيع منافسة البلدان الصناعية، في تطوير وإنتاج المعدات التقنية Hard ware لأننا إذا نملك الكوادر الفنية، فنحن لا نملك مراكز البحوث والمختبرات، لتطوير وإنتاج شرائح الذاكرة والمعالجات ! لكننا نستطيع المساهمة في مجال البرمجيات Soft ware التي هي الجناح الثاني لتكنولوجيا المعلومات، فالاستثمار في مجال البرمجيات، محدود التكاليف والمتطلبات، لكنه كثير الفوائد غزير الثمرات. فهو لا يحتاج إلا لعقل مفكر، وجهاز كمبيوتر متطور. والعقل في رؤوسنا والكمبيوتر في أسواقنا ! وما علينا سوى أن نشغل عقولنا ونستثمر أموالنا.

لكن صناعة البرمجيات العربية الوليدة، حساسة إلى درجة فريدة ، وهي تواجه في بلداننا النامية أخطاراً متنامية ، تهددها بالضربة القاضية !

والقرصنة هي أفة الآفات في صناعة البرمجيات ! وقد سبق وقلت عنها في هذا الركن إنها هي الداء الفالج الذي يهدد صناعة البرامج ! صحيح أن القرصنة البرامجية، لا تقتصر على بلداننا العربية، بل تطرح نفسها بصورة جلية كظاهر عالمية، متزايدة الأهمية ! وإذا كانت القرصنة البرامحية تترك أثاراً سلبية، على دخل شركات المعلوماتية في البلدان الأجنبية، فإنها تهدد جوهر وجود صناعتنا البرامجية، فشركات المعلوماتية في أمريكا وأوربا الغربية كامل كلفة منتجاتها البرامجية، من أسواقها المحلية، وقد تحقق أرباحاً نسبية، حتى لو سرق القراصنة منها كل أسواق منطقتنا العربية !

أما صناعة البرمجيات العربية، فتعتمد بصورة كلية على دخلها من الأسواق المحلية، لذا فإن القرصنة تقطع شريانها، وتسرق كل مقومات كيانها ! مما يهددها في جميع الأحوال، بالانكماش فالضمور فالزوال ! وهذا يتطلب اتخاذ الإجراءات القانونية، بالسرعة الكلية، لتأمين الحماية الضرورية، للصناعة البرامجية لأنها مهددة بالانقراض إن لم تحظ بالحد الضروري من الرعاية، والقدر الذي تستحقه من الحماية !

لا شك أن كلمة (القرصنة ) لها في الأذن رنة محزنة، فهي على وزن الشيطنة والملعنة …الخ وبقدر اتحاد منتجي البرامج الكومبيوترية التجارية، في البلدان الشرق أوسطية، الخسائر النظرية لشركات المعلوماتية بحوالي 172669 مليون من الدولارات الأمريكية. رغم ذلك صرح رئيس اتحاد المنتجين، بأنه من المتفائلين " رغم أن معدل استنساخ البرامج في المنطقة يزيد عن المعدل العالمي " يقول :

" يتوقع اتحاد منتجي برامج الكمبيوتر التجارية أن يتقلص استنساخ البرامج في المنطقة بنسبة %5 خلال العام الجاري 1997 بسبب المتواصلة إلى يبذلها الاتحاد والسلطات المحلية في دول المنطقة، ويمثل هذا الرقم تحسنا كبيرا نظرا لأن سوق البرامج الأصلية لا يتجاوز حاليا %15 من حجم السوق الإجمالي. وقد حققت دولة الإمارات رقما قياسيا عالميا خلال العام المنصرم في مجال انخفاض القرصنة تجاوز %16.

ومن المتوقع أن تؤدي الفتاوى الدينية التي صدرت عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ا في السعودية، وعن مفتي الديار المصرية، التي نصت على عدم جواز نسخ البرامج الكومبيوترية ي، إلى دعم جهود مكافحة القرصنة في البلدان العربية والاسلامية !

صحيح أن شركة مايكروسوفت تخطط للبدء بحملة لتشجيع استخدام البرامج الأصلية، وسوف تبيح للمؤسسات التعليمية والأكاديمية الحصول على حسم يصل إلي %85 على أسعار البرامج الأصلية، كما تنوي الشركة تطوير برنامج (الترخيص المفتوح) الذي يتيح للمؤسسات التجارية الاستفادة من الحسومات التي تقدم لعمليات التركيب الكبيرة والتي تصل إلي %40 ، لكن هذه الإجراءات على أهميتها الفعلية، لا تكفي لمعالجة ظاهرة القرصنة، التي تتفاقم بصورة محزنة ! وإذا كانت ميكرو سوفت جادة في إيجاد لمعالجة جذرية، لقرصنة البرامج إلكترونية فعليها أن لا تجاهل فرق الدخل الشاسع بين موطني بلدان الشمال الأميرة، ومواطني بلدان الجنوب الفقيرة ! فثمن النسخة الأصلية من حزمة أوفيس 97 يبلغ حوالي 450 من الدولارت الأمريكية، وهذا مبلغ بزيد عن دخل أستاذ في الجامعة لمحة شهرين، في بعض البلدان العربية لذا نقول بكل مسؤولية ، إن الحل الجذري الوحيد للقرصنة البرامجية، يكمن في إصدار ما يشبه (النسخ الشعبية ) من تلك المنتجات البرامجية، وأن تخصص تلك النسخ للبيع في بلدان الجن ، بحيث لا ترهق الجيوب ! وعندما أتكفل باختفاء كلمة " القرصنة " ذات الرنة المحزنة !

أما إذا استمر الحال على هذا المنوال، فمن المتوقع أن تستشري القرصنة، وأن تكون قصتنا مع صناعة البرامج ذات نهاية محزنة !