المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : براغيث إلكترونية



holly_smoke
08-02-2001, 08:42 PM
براغيث إلكترونية

في اتصالاتنا الشخصية

تطبيقاً لقانون إصلاح الاتصالات، الذي أقره الكونجرس الأمريكي قبل ثلاث سنوات، أمرت وكالة الاتصالات الفيدرالية، في الولايات المتحدة الأمريكية، بتزويد جميع الأجهزة التلفزيونية، ببراغيث إلكترونية، خلال عامين، أي قبل حلول عام ألفين !

والبرغوث، بكل بساطة، هو حشرة صغيرة نطاطة، لا يزيد طولها، يل حضرات، عن ثلاثة مليمترات، لكنها حشرة كثيرة الإزعاج، رغم أنها في الحقيقة صاحبة مزاج، فهي إن لم تجد دماً طازجاً للفطور، فقد تصوم لشهور وشهور ! لكن المشكلة أنها تنتقل بين الأبدان، ناقلة الأمراض بين بني الإنسان.

أما البراغيث الإلكترونية، فالغرض منها تشكيل مناعة تكنولوجية، ضد مضار بعض المحطات التلفزيونية. والهدف من زرع براغيث الإلكترون، داخل أجهزة التلفزيون، هو تمتين الروابط الأسرية، وتمكين الراشدين من تحمل مسؤولياتهم العائلية، إذ سيساعد البرغوث المدعو (شيبس)، الأمهات والآباء، في حجب البرامج الضارة عن الأبناء، وبالتالي سيساعدهم في قيادة العائلة، في هذه الظروف المائلة !

وقد ابتكر القائمون، على شركات التلفزيون، نظاماً لتصنيف الأفلام والبرامج والتحقيقات، إلى مجموعة من الفئات:

فئة الأطفال، وفئة اليافعين، وفئة المراهقين، وفئة عموم المشاهدين، وفئة يسبقها تنبيه، وأخرى محظورة على غير البالغين!

فقبل ظهور الفيلم على شاشة التلفزيون، يظهر على الشاشة رمز يوحي بالمضمون، ويتيح للأهل أن يعرفوا مبدئياً، ماذا ينتظرون! عندئذ يقوم البرغوث بصورة تلقائية، بحجب البرامج المعنية، التي سبق للأهل أن استبعدوها بواسطة إشارات غير مرئية!

أصارحك يا سيدي المعتبر، أنني شعرت بالانزعاج والكدر، فور قراءتي لهذا الخبر! لأنه ذكرني بداء خبيث اسمه البراغيث! فقد وقعت لي مع البراغيث قصة، حرقت قلبي كالبصة ! وتركت في حلقي غصة !

في الصيف الماضي، دعاني أحد الأقارب، وهو رجل طيب لا يعرف المقالب، لتناول الغذاء في بستانه، برفقه عدد من أصدقائه وجيرانه. وقد وصلت باكراً إلى المكان، فلم أجد الرجل في البستان، بل وجدت ابنه الصغير، جالساً في الظل كالأمير. وما أن رآني الولد، حتى هب واقفاً كمن جاءه المدد، ورحب بي بازدحام شديد، منفذاً تعليمات والده بالتحديد ! وبما أن عملي يتطلب الجلوس المديد، فقد رفضت الجلوس على كرسي البلاستيك البليد، ورحت أتجول بين الأشجار، ممتعاً عيني بالخضار، ومختلف أنواع الثمار.

وقد قادني حظي التعيس، بوسوسة من إبليس، إلى بقعة غير مزروعة تناثرت فيها أكوام روث الماعز كالتلال، فرحت أمشي على تخومها في الظلال. ولطول ما أمضيت في المدينة، فقد تآكلت ذاكرتي المسكينة، ونسيت أن كل بعرة من روث الماعز، إذا ما وضعت في الشمس، تفقس منها البراغيث كالقنبلة العنقودية، وتظل مستنفرة في البرية، بانتظار مرور الضحية ! وقد أوقعني فضولي في هذه البلية! فما كان مني إلاّ أن هربت من "العزيمة"، متغنياً بفضائل الهزيمة، ورحت أحك جلدي بالعرض والطول، ولسان حالي يقول:

وليل البراغيث أعياني وأنصبني لا بارك الله في ليل البراغيث

كأنهن وجلدي إذ خلون به قضاة سوء أعاثوا في المواريث

ولمناسبة الحديث عن البراغيث الإلكترونية، دعوني أذكركم بالقصيدة البرغوثية التي كتبها أمير الشعراء أحمد شوقي، في وصف عيادة صديقة الدكتور محجوب ثابت:

براغيث (محجوب) لم أنسها ولم أنس ما طعمت من دمي

تشق خراطيمها جوربي وتنفذ في اللحم والأعظم

ترحب بالضيف فوق الطريق فباب العيادة فالسلم

قد انتشرت جوقة جوقة كما رشت الأرض بالسمسم

وترقص رقص المواسي الحداد على الجلد والعنق الأسحم

إذا ما "ابن سينا" رمى بلغماً رأيت البراغيث في البلغم

وتبصرها حول باب الطبيب وفي شاربيه وحول الفم

وبين حفائر أسنانه مع السوس في طلب المطعم !

وقد عشنا وشفنا هذه القصيدة الهزلية تنطبق على حال البشرية، بعد الثورة المعلوماتية! فقد أعلنت صحيفة "إلموندو" الإيطالية عن اكتشاف شبكة تجسسية، مختصة في الاستخبارات الإلكترونية، تدعى NSA، تعتبر أخطر وأوسع وأكثر سرية، من شبكة المخابرات المركزية الأمريكية. وهذه الشبكة التجسسية، تتنصت على كل الاتصالات الهاتفية، التي تمر عبر الأقمار الصناعية، عن طريق البراغيث الإلكترونية. وتقول "الموندو" الإيطالية، أن هذه الشبكة تدار من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بالاشتراك مع أربع دول أنجولفونية، هي بريطانيا، كندا، استراليا، ونيوزيلندة‍‍، وقد وصفت لجنة تقدير الخيارات التقنية والعلمية، التابعة للإدارة العامة في البرلمان الأوروبي، عمل هذه الشبكة العالمية، في تقريرها حول "تقنيات" المراقبة السياسية، بالقول:

" إن كل الاتصالات الهاتفية والفاكس والنصوص المرسلة عبر البريد الإلكتروني، عبر أوروبا بأكملها تخضع للتنصت والمراقبة بشكل منهجي مطرد، حيث يتم جمع المعلومات ذات الأهمية من قبل المركز الاستراتيجي البريطاني " مان وذ هيل" لإرسالها إلى المقر العام في وكالة الأمن القومي (إن.إس.آي). ووفقاً للتقارير فإن كل هذه الاتصالات المرمزة وغير المرمزة، تخضع للتفكيك والانتقاء، ثم الدمج في بنك معلومات مشترك بين الدول المعنية".
وتقول الجريدة الإيطالية، أن هذه الشبكة الأخطبوطية، تستطيع التنصت على كل الاتصالات العالمية التي تمر عبر الأقمار الصناعية، الثابتة في مدارات حول الكرة الأرضية. فهي تملك مجموعة من الأقمار الاصطناعية التجسسية، وضعتها وكالة الأمن القومي في المدار الفلكي منذ عام1970. كما أنها تملك شبكة كمبيوتر نافذة، تسمى(قواميس)، تستطيع امتصاص ودرس وتمحيص عدد هائل من الرسائل الرقمية، تصل إلى مليوني محادثة أو رسالة في الدقيقة‍!

لا بارك الله في ليل البراغيث !!!