Black_Horse82
01-02-2002, 08:29 AM
د. يوسف نور عوض
نشر عدد من الكتاب المؤيدين لإسرائيل واللوبي الصهيوني مقالات في الولايات المتحدة ناقدة للسياسة السعودية، وجاءت هذه المقالات مفاجئة للكثيرين الذين كانوا يعتقدون أن العلاقات الامريكية السعودية اقوي من أن تنحدر إلي هذا المستوي، وأحدث هذا الموقف صدمة في المملكة العربية السعودية حيث تصدي عدد من الكتاب في صحافتها بصورة قوية لما كتب في أمريكا مؤكدين علي الثوابت التي تنطلق منها المملكة العربية السعودية. والحقيقة هي ان ما حدث من الكتاب الامريكيين لا يمكن ان يفهم إلا في إطار السياسات المتراجعة في الشرق الاوسط، ذلك ان هؤلاء الكتاب أرادوا تصفية حساباتهم مع كثير من الجهات علي خلفية موقف بلادهم من الارهاب. وكان النقد المبطن للملكة العربية السعودية يتركز حول دعم جهات في المملكة العربية السعودية لتنظيم القاعدة وأسامة بن لادن واتباع فلسفة اصولية جعلت عددا من مواطني المملكة يشاركون في العمليات التي وقعت في الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر. ولم يكن موقف الكتاب الامريكيين هو الذي استرعي الانتباه، بل إن كثيرا من الكتاب العرب الذين لهم مواقف ثابتة حاولوا ان يؤكدوا علي صدق رؤيتهم التي ظل يعبر عنها خطابهم الذي لم يتغير منذ فترة المد القومي والماركسي في حقبة الستينيات، وهو ما يجعلنا نتوقف عند طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الامريكية والمملكة العربية السعودية من اجل توضيح الجوانب الجديرة بالإهتمام في علاقة الطرفين.
يجب في البداية ان نفرق بين وضع الجزيرة العربية ككيان تاريخي لعب دوره في تأسيس الحضارة الاسلامية وبين المملكة العربية السعودية التي تأسست حديثا بجهود رجل واحد وتصميمه وهو الملك عبد العزيز آل سعود، ذلك انه عندما بدأ الملك حركته لم تكن المملكة العربية تمتلك المقومات الاقتصادية التي تجعلها مطمحا للسيطرة من قبل أي حاكم، وإنما كان الملك مدفوعا بطموحاته ونظام القيم الذي يؤمن به. ولم يكن الملك عبد العزيز حاكما يطلب من الاخرين أن ينجزوا له ما يريد، بل كان مقاتلا يتقدم جنوده في كل المعارك التي خاضها، وكان يحظي بقبول تام لقيادته. وقد روي أرمسترونغ صاحب افضل سيرة كتبت للملك عبد العزيز وهي السيرة التي قمت بترجمتها ونشرتها مؤسسة الاهرام، روي ان الملك عبد العزيز جلس ذات مرة امام قصره وطلب من قادته أن يبحثوا لهم عن قائد غيره بعد ان اشتدت الخلافات معه، ولكن القادة أجمعوا أمرهم علي الا يكون لهم قائد غيره، وعندما دخل الملك عبد العزيز مكة المكرمة وعقد مؤتمرا للمسلمين قال الهنود إنهم يريدون تدويل الاماكن المقدسة، فتركهم الملك يتجادلون حتي انتهوا الي وضع الاماكن المقدسة تحت سلطة حكومة المملكة العربية السعودية.
وعلي الرغم من الانجاز الكبير الذي قام به الملك عبد العزيز في تأسيس المملكة العربية السعودية فإن صمود المملكة العربية السعودية ككيان موحد كان بسبب ظهور الثروة النفطية التي لعبت دورا مهما في العلاقة الخاصة بينها وبين الولايات المتحدة وهي ليست علاقة حماية أو عمالة كما يذهب الكثيرون وإنما علاقة مصالح متبادلة، ذلك ان الولايات المتحدة والعالم الغربي أكبر مستهلكين للطاقة، وهم سوقها الرئيسي، وكانوا يريدون تأمين هذه الطاقة التي تلعب دورا رئيسيا في إزدهار العالم الغربي، وذلك سر العلاقة الخاصة التي ظلت تربط الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وهي العلاقة التي جعلت الكثيرين يتجاوزون عن الخطوات الجبارة التي أنجزت في المملكة العربية السعودية علي طريق التحديث والتي نرصد بعضها في ما يلي:
ما تحقق من تنمية في المملكة العربية السعودية إنجازات واضحة، فقد أسست المملكة العربية السعودية واحدة من أكبر شبكات الطرق في العالم العربي، وتطبق واحدا من أحدث الانظمة الصحية في الشرق الاوسط، وفتحت ما يزيد عن ست جامعات رئيسية بالإضافة إلي كليات التربية التي تنتشر في سائر أنحاء البلاد، وتطبق المملكة العربية السعودية نظاما للضمان الاجتماعي يعتبر الأفضل في العالم العربي. ولا تتوقف الانجازات الداخلية عند ذلك وإنما تتجاوزها إلي مجال الزراعة حيث أصبحت المملكة تصدر القمح والمنتجات الحيوانية، وتقدم المساعدات الي كثير من الدول، ودعمت الثورة الفلسطينية خلال مراحلها المختلفة.
ولعل من أهم المواقف للمملكة ما سمعته من السيد محمد أحمد محجوب رئيس وزراء السودان الراحل، فقد ذكر انه خلال مؤتمر القمة الذي عقد في الخرطوم عام 1967 كانت السلطات السودانية تخشي من انهيار المؤتمر بسبب العلاقات المتوترة بين الرئيس جمال عبد الناصر والملك فيصل بسبب قضية اليمن وقضايا اخري، لكن قبل بدء جلساته بصورة رسمية طلب الملك فيصل الكلمة وقال ليس ذلك وقت المحاسبة اوالشماتة وإنما هو وقت الدعم وأعلن دعمه لدول المواجهة، فقال السيد محجوب عرفنا في تلك اللحظة ان المؤتمر قد نجح، وقال محجوب كان الرئيس جمال عبد الناصر متأثرا عندما ضمه الملك فيصل في منزله قبل إتمام الصلح بشأن اليمن.
تلك مجرد إشارات تؤكد أن المملكة لم تتخلف في سياساتها عن القضايا الوطنية، وبالتالي فإن تطبيق معايير تخالف ما درجت عليه القبائل في تلك البلاد هو من الامور التي ينبغي أن يعاد النظر فيها ذلك أن المملكة العربية السعودية ظلت دائما تعمل في إطار معادلة صعبة بسبب التكوين القبلي والديني الداخلي ولكن ذلك لم يحل دون تحقيق مظاهر التحديث التي تجعل المملكة في مقدم الدول العربية في هذا المجال. وحتي في مجال الاعلام فقد لعبت المملكة دورا رائدا من خلال صحافتها المهاجرة والتي فتحت المجال لاعلام جديد في الوطن العربي، لكن تلك الامور جميعها لا تقف دون اصلاح الامور التي تحتاج إلي إصلاح، ومنها علي سبيل المثال موضوع تأشيرات الدخول، ذلك ان المملكة تتبع في منح التأشيرات أسلوبا لايتناسب مع مكانتها أو مع العصر الحديث، خاصة وهي مركز للعالم الاسلامي والكثيرون يتطلعون الي زيارتها، ولايستطيع المسؤولون ان يتذرعوا بأن السبب هو ضبط العمالة الوافدة، ذلك أنه وإن كانت السعودية دولة غنية فهي ليست غنية بالمعني المطلق وبالتالي فإن الوفود إليها له حدود كما ان إطلاق التأشيرات سوف يحد من العمالة المتخلفة التي لا تري سببا لذلك مع وجود المجتمع المنفتح.
ومن جانب آخر تحتاج المملكة في سياستها الاقتصادية والمتجهة نحو السعودة أن تكون أكثر واقعية ذلك ان التخلص من ملايين الاجانب العاملين في البلاد والذين يتقاضون اصلا أجورا متدنية يضرب القطاع الخاص ويصيب بالعقم تجارة العقارات والبقالات وكذلك غيرها من مصادر الدخل للسعوديين، وخير من هذه السياسة أن تدخل المملكة النظام الضريبي الحديث الذي يزيد امكانات الدولة اكثر من اربعة اضعاف ويمكنها من عمل المشروعات التي لا تستطيع تنفيذها الان، ذلك أن تدوير الدخل القومي وفرض الضرائب عليه يمكن الدولة من موارد هائلة، كما يجب أن تراعي الدولة المستويات العالية خاصة في مجال التعليم العالي ذلك ان السياسة التي اتبعتها المملكة في مجال سعودة هذا النوع من التعليم العالي غير سليمة، كون التعليم العالي ليس مجرد مجال لفتح وظائف جديدة وانما هو يتعلق ببناء عقل الامة ولا يكفي فقط أن يحصل الدارسون علي درجة الدكتوراه ليصبحوا أساتذة في الجامعات، خاصة ونحن نعرف أساليب كثيرة غير مشروعة في الحصول علي الدرجات العلمية وانجاز البحوث، وهذا بالطبع لا ينال الممتازين الذين يشرفون العلم وفي المملكة العربية الكثيرون منهم وقد اطلعت علي تقارير كثير من أساتذة الدراسات العليا في بريطانيا عن الطلاب السعوديين وهي مشرفة للغاية ولكن العلم لا وطن له ويجب أن ينظر الي العاملين في الجامعات السعودية من هذا المنظور وليس من منظور أنهم أساتذة متعاقدون، وكلنا خضنا تجربة التدريس في الجامعات البريطانية ورأينا كيف عوملنا علي أساس اننا كادر وطني وليس علي أساس أننا اساتذة متعاقدون وما ينطبق علي الجامعات ينطبق علي سائر مواطن الخبرة الاخري.
وربما كان الكثيرون يتذرعون بأن المجتمع السعودي له خصوصيته، ولاشك في ذلك ولكن المجتمع السعودي تغير كثيرا وهو الان من أكثر المجتمعات حداثة في حياته العملية فلا يجب أن تكون نظمه أقل من ذلك والواجب أن تكون هناك رؤية إسلامية رحبة تفتح النوافذ علي مؤسسات العصر الحديث وهي بكل تأكيد لا تضر أحدا، ولم تعد المجتمعات في هذه المرحلة من حياة الامة العربية تقبل الاساليب البالية كما أن تلك الاساليب ليست الضمان لتحقيق الامن، فالسعودية قادرة علي أن تكون دولة إسلامية وتحافظ علي نظامها السياسي وقادرة علي أن تجري التحديث الذي اكتملت بنيته الاساسية، واستطيع القول إن كل ما تحتاجه المملكة الان هو مؤسسات المجتمع المدني الحديث الذي يستطيع ان يحول المملكة إلي أكثر الدول تقدما خاصة وان عندها ثروة أسلامية لا تنضب.
ولا يعني ما ذهبنا إليه أن النقد الذي وجهه الصهاينة الامريكيون الي المملكة كان لغاية الاصلاح وإنما كان لان هؤلاء لا يسجلون للمملكة أي موقف لا تناصر فيه القضية الفلسطينية وهم يريدون للموقف التقليدي للمملكة العربية السعودية ان يتلاشي، وهو ما يجب أن تواجهه المملكة بمزيد من السياسات المتحررة بعد أن اكتملت البني لذلك وأصبحت قادرة علي تحقيق طفرة جديدة.
والسؤال الذي يتبادر الي الذهن هو هل تنتهي المواجهة الصحافية مع المملكة عند هذا الحد؟ الاجابة هي أن المسؤولين في كلا البلدين أعربوا انهم لا يجنحون إلي التصعيد وأنهم يحافظون علي العلاقات التقليدية التي تحفظ المصالح والمؤكد هو أن عند المملكة الكثير من الكروت التي تلعب بها، ومنها وجود القوات في المملكة والتأثير علي السياسات النفطية ولعل اقوي الاوراق عند المملكة هي الاسلام ذاته الذي تحاول الولايات المتحدة ان ترسم له مسارا جديدا في غياب كامل لحقيقة العالمين العربي والاسلامي في الوعي الامريكي.
QP19
نشر عدد من الكتاب المؤيدين لإسرائيل واللوبي الصهيوني مقالات في الولايات المتحدة ناقدة للسياسة السعودية، وجاءت هذه المقالات مفاجئة للكثيرين الذين كانوا يعتقدون أن العلاقات الامريكية السعودية اقوي من أن تنحدر إلي هذا المستوي، وأحدث هذا الموقف صدمة في المملكة العربية السعودية حيث تصدي عدد من الكتاب في صحافتها بصورة قوية لما كتب في أمريكا مؤكدين علي الثوابت التي تنطلق منها المملكة العربية السعودية. والحقيقة هي ان ما حدث من الكتاب الامريكيين لا يمكن ان يفهم إلا في إطار السياسات المتراجعة في الشرق الاوسط، ذلك ان هؤلاء الكتاب أرادوا تصفية حساباتهم مع كثير من الجهات علي خلفية موقف بلادهم من الارهاب. وكان النقد المبطن للملكة العربية السعودية يتركز حول دعم جهات في المملكة العربية السعودية لتنظيم القاعدة وأسامة بن لادن واتباع فلسفة اصولية جعلت عددا من مواطني المملكة يشاركون في العمليات التي وقعت في الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر. ولم يكن موقف الكتاب الامريكيين هو الذي استرعي الانتباه، بل إن كثيرا من الكتاب العرب الذين لهم مواقف ثابتة حاولوا ان يؤكدوا علي صدق رؤيتهم التي ظل يعبر عنها خطابهم الذي لم يتغير منذ فترة المد القومي والماركسي في حقبة الستينيات، وهو ما يجعلنا نتوقف عند طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الامريكية والمملكة العربية السعودية من اجل توضيح الجوانب الجديرة بالإهتمام في علاقة الطرفين.
يجب في البداية ان نفرق بين وضع الجزيرة العربية ككيان تاريخي لعب دوره في تأسيس الحضارة الاسلامية وبين المملكة العربية السعودية التي تأسست حديثا بجهود رجل واحد وتصميمه وهو الملك عبد العزيز آل سعود، ذلك انه عندما بدأ الملك حركته لم تكن المملكة العربية تمتلك المقومات الاقتصادية التي تجعلها مطمحا للسيطرة من قبل أي حاكم، وإنما كان الملك مدفوعا بطموحاته ونظام القيم الذي يؤمن به. ولم يكن الملك عبد العزيز حاكما يطلب من الاخرين أن ينجزوا له ما يريد، بل كان مقاتلا يتقدم جنوده في كل المعارك التي خاضها، وكان يحظي بقبول تام لقيادته. وقد روي أرمسترونغ صاحب افضل سيرة كتبت للملك عبد العزيز وهي السيرة التي قمت بترجمتها ونشرتها مؤسسة الاهرام، روي ان الملك عبد العزيز جلس ذات مرة امام قصره وطلب من قادته أن يبحثوا لهم عن قائد غيره بعد ان اشتدت الخلافات معه، ولكن القادة أجمعوا أمرهم علي الا يكون لهم قائد غيره، وعندما دخل الملك عبد العزيز مكة المكرمة وعقد مؤتمرا للمسلمين قال الهنود إنهم يريدون تدويل الاماكن المقدسة، فتركهم الملك يتجادلون حتي انتهوا الي وضع الاماكن المقدسة تحت سلطة حكومة المملكة العربية السعودية.
وعلي الرغم من الانجاز الكبير الذي قام به الملك عبد العزيز في تأسيس المملكة العربية السعودية فإن صمود المملكة العربية السعودية ككيان موحد كان بسبب ظهور الثروة النفطية التي لعبت دورا مهما في العلاقة الخاصة بينها وبين الولايات المتحدة وهي ليست علاقة حماية أو عمالة كما يذهب الكثيرون وإنما علاقة مصالح متبادلة، ذلك ان الولايات المتحدة والعالم الغربي أكبر مستهلكين للطاقة، وهم سوقها الرئيسي، وكانوا يريدون تأمين هذه الطاقة التي تلعب دورا رئيسيا في إزدهار العالم الغربي، وذلك سر العلاقة الخاصة التي ظلت تربط الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وهي العلاقة التي جعلت الكثيرين يتجاوزون عن الخطوات الجبارة التي أنجزت في المملكة العربية السعودية علي طريق التحديث والتي نرصد بعضها في ما يلي:
ما تحقق من تنمية في المملكة العربية السعودية إنجازات واضحة، فقد أسست المملكة العربية السعودية واحدة من أكبر شبكات الطرق في العالم العربي، وتطبق واحدا من أحدث الانظمة الصحية في الشرق الاوسط، وفتحت ما يزيد عن ست جامعات رئيسية بالإضافة إلي كليات التربية التي تنتشر في سائر أنحاء البلاد، وتطبق المملكة العربية السعودية نظاما للضمان الاجتماعي يعتبر الأفضل في العالم العربي. ولا تتوقف الانجازات الداخلية عند ذلك وإنما تتجاوزها إلي مجال الزراعة حيث أصبحت المملكة تصدر القمح والمنتجات الحيوانية، وتقدم المساعدات الي كثير من الدول، ودعمت الثورة الفلسطينية خلال مراحلها المختلفة.
ولعل من أهم المواقف للمملكة ما سمعته من السيد محمد أحمد محجوب رئيس وزراء السودان الراحل، فقد ذكر انه خلال مؤتمر القمة الذي عقد في الخرطوم عام 1967 كانت السلطات السودانية تخشي من انهيار المؤتمر بسبب العلاقات المتوترة بين الرئيس جمال عبد الناصر والملك فيصل بسبب قضية اليمن وقضايا اخري، لكن قبل بدء جلساته بصورة رسمية طلب الملك فيصل الكلمة وقال ليس ذلك وقت المحاسبة اوالشماتة وإنما هو وقت الدعم وأعلن دعمه لدول المواجهة، فقال السيد محجوب عرفنا في تلك اللحظة ان المؤتمر قد نجح، وقال محجوب كان الرئيس جمال عبد الناصر متأثرا عندما ضمه الملك فيصل في منزله قبل إتمام الصلح بشأن اليمن.
تلك مجرد إشارات تؤكد أن المملكة لم تتخلف في سياساتها عن القضايا الوطنية، وبالتالي فإن تطبيق معايير تخالف ما درجت عليه القبائل في تلك البلاد هو من الامور التي ينبغي أن يعاد النظر فيها ذلك أن المملكة العربية السعودية ظلت دائما تعمل في إطار معادلة صعبة بسبب التكوين القبلي والديني الداخلي ولكن ذلك لم يحل دون تحقيق مظاهر التحديث التي تجعل المملكة في مقدم الدول العربية في هذا المجال. وحتي في مجال الاعلام فقد لعبت المملكة دورا رائدا من خلال صحافتها المهاجرة والتي فتحت المجال لاعلام جديد في الوطن العربي، لكن تلك الامور جميعها لا تقف دون اصلاح الامور التي تحتاج إلي إصلاح، ومنها علي سبيل المثال موضوع تأشيرات الدخول، ذلك ان المملكة تتبع في منح التأشيرات أسلوبا لايتناسب مع مكانتها أو مع العصر الحديث، خاصة وهي مركز للعالم الاسلامي والكثيرون يتطلعون الي زيارتها، ولايستطيع المسؤولون ان يتذرعوا بأن السبب هو ضبط العمالة الوافدة، ذلك أنه وإن كانت السعودية دولة غنية فهي ليست غنية بالمعني المطلق وبالتالي فإن الوفود إليها له حدود كما ان إطلاق التأشيرات سوف يحد من العمالة المتخلفة التي لا تري سببا لذلك مع وجود المجتمع المنفتح.
ومن جانب آخر تحتاج المملكة في سياستها الاقتصادية والمتجهة نحو السعودة أن تكون أكثر واقعية ذلك ان التخلص من ملايين الاجانب العاملين في البلاد والذين يتقاضون اصلا أجورا متدنية يضرب القطاع الخاص ويصيب بالعقم تجارة العقارات والبقالات وكذلك غيرها من مصادر الدخل للسعوديين، وخير من هذه السياسة أن تدخل المملكة النظام الضريبي الحديث الذي يزيد امكانات الدولة اكثر من اربعة اضعاف ويمكنها من عمل المشروعات التي لا تستطيع تنفيذها الان، ذلك أن تدوير الدخل القومي وفرض الضرائب عليه يمكن الدولة من موارد هائلة، كما يجب أن تراعي الدولة المستويات العالية خاصة في مجال التعليم العالي ذلك ان السياسة التي اتبعتها المملكة في مجال سعودة هذا النوع من التعليم العالي غير سليمة، كون التعليم العالي ليس مجرد مجال لفتح وظائف جديدة وانما هو يتعلق ببناء عقل الامة ولا يكفي فقط أن يحصل الدارسون علي درجة الدكتوراه ليصبحوا أساتذة في الجامعات، خاصة ونحن نعرف أساليب كثيرة غير مشروعة في الحصول علي الدرجات العلمية وانجاز البحوث، وهذا بالطبع لا ينال الممتازين الذين يشرفون العلم وفي المملكة العربية الكثيرون منهم وقد اطلعت علي تقارير كثير من أساتذة الدراسات العليا في بريطانيا عن الطلاب السعوديين وهي مشرفة للغاية ولكن العلم لا وطن له ويجب أن ينظر الي العاملين في الجامعات السعودية من هذا المنظور وليس من منظور أنهم أساتذة متعاقدون، وكلنا خضنا تجربة التدريس في الجامعات البريطانية ورأينا كيف عوملنا علي أساس اننا كادر وطني وليس علي أساس أننا اساتذة متعاقدون وما ينطبق علي الجامعات ينطبق علي سائر مواطن الخبرة الاخري.
وربما كان الكثيرون يتذرعون بأن المجتمع السعودي له خصوصيته، ولاشك في ذلك ولكن المجتمع السعودي تغير كثيرا وهو الان من أكثر المجتمعات حداثة في حياته العملية فلا يجب أن تكون نظمه أقل من ذلك والواجب أن تكون هناك رؤية إسلامية رحبة تفتح النوافذ علي مؤسسات العصر الحديث وهي بكل تأكيد لا تضر أحدا، ولم تعد المجتمعات في هذه المرحلة من حياة الامة العربية تقبل الاساليب البالية كما أن تلك الاساليب ليست الضمان لتحقيق الامن، فالسعودية قادرة علي أن تكون دولة إسلامية وتحافظ علي نظامها السياسي وقادرة علي أن تجري التحديث الذي اكتملت بنيته الاساسية، واستطيع القول إن كل ما تحتاجه المملكة الان هو مؤسسات المجتمع المدني الحديث الذي يستطيع ان يحول المملكة إلي أكثر الدول تقدما خاصة وان عندها ثروة أسلامية لا تنضب.
ولا يعني ما ذهبنا إليه أن النقد الذي وجهه الصهاينة الامريكيون الي المملكة كان لغاية الاصلاح وإنما كان لان هؤلاء لا يسجلون للمملكة أي موقف لا تناصر فيه القضية الفلسطينية وهم يريدون للموقف التقليدي للمملكة العربية السعودية ان يتلاشي، وهو ما يجب أن تواجهه المملكة بمزيد من السياسات المتحررة بعد أن اكتملت البني لذلك وأصبحت قادرة علي تحقيق طفرة جديدة.
والسؤال الذي يتبادر الي الذهن هو هل تنتهي المواجهة الصحافية مع المملكة عند هذا الحد؟ الاجابة هي أن المسؤولين في كلا البلدين أعربوا انهم لا يجنحون إلي التصعيد وأنهم يحافظون علي العلاقات التقليدية التي تحفظ المصالح والمؤكد هو أن عند المملكة الكثير من الكروت التي تلعب بها، ومنها وجود القوات في المملكة والتأثير علي السياسات النفطية ولعل اقوي الاوراق عند المملكة هي الاسلام ذاته الذي تحاول الولايات المتحدة ان ترسم له مسارا جديدا في غياب كامل لحقيقة العالمين العربي والاسلامي في الوعي الامريكي.
QP19