المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال نحب ما نحبه ونقتنع بما نقتنع به بلا أسباب



حسام حربى
27-10-2011, 04:03 AM
http://i27.fastpic.ru/big/2011/1027/19/c02bc03cbf3a1a861e23a53519d98619.jpg
أيدَت فكرة أننا لا نحب ما نحبه ولا نقتنع بما نقتنع به بناءاً على أسباب معينة تجربة مثيرة جداً* تم فيها عرْض مجموعة من اللوحات الفنية على بعض الطلبة ليختاروا منها واحدة.. وكانت إحدى تلك اللوحات ملونة لشخص يجلس فى منزل بينما أخرى كانت تحميسية (تشجع على العمل) لكن ألوانها قاتمة. قام الدكتور تِم وِلسُن منظِّم التجربة بتقسيم الطلبة إلى مجموعتين.. الأولى يختار أفرادها اللوحة التى تروق لهم بدون أن يبرروا سبب إختيارهم بينما الثانية على أفرادها أن يقولوا لماذا وقع إختيارهم على أى لوحة قبل أخذها. ما حدث كان إختيار معظم أفراد المجموعة الأولى للَّوحة الأجمل (الملونة)، بينما أحس أفراد المجموعة الثانية -فيما يبدو- أن اللوحة التحميسية هى التى يمكن تبرير إختيارها لأنها تشجع المرء على تحمل عقبات الحياة. وبعد ستة أشهر سأل الدكتور أفراد المجموعتين عن إحساسهم، وما حدث كان مفاجأة: أفراد المجموعة الأولى التى إختارت "بدون منطق" كانوا سعداء بلوحاتهم، بينما أفراد المجموعة الثانية التى فكرت قبل الإختيار كرهوا لوحاتهم!

وفى تجربة أخرى مماثلة تم سؤال سيدات ملتزمات برجيم للتخسيس وسيدات غير ملتزمات عن عدد السعرات فى بسكوتة كان بإمكانهن أكلها، وطبعاً كما تتوقع فقد بالغ الملتزمات فى تقدير عدد السعرات.. وكأن عقلهن الباطن أصدر الأوامر إلى العقل الواعى بأن يهوِّل من شأن البسكوتة خوفاً من إفساد الرجيم. وتجربة ثالثة وجدت أن الناس يقدّرون مدى إنحدار التلال بأكثر من الحقيقة عندما يكونون مرهقين أو يحملون شيئاً ثقيلاً، وكأنه أسلوب دفاعى للهروب من تسلق تلك التلال.

ماذا يعنى هذا الكلام؟

يعنى أن ما نختاره ونرضاه لأنفسنا من قناعات وأهداف أخلاقية و سياسية و أفكار فلسفية أو إقتصادية أو حتى دينية فى الحقيقة قد نختاره أولاً ثم نبرر لأنفسنا دواعى هذا الإختيار لاحقاً وليس العكس. فالإنسان فى الوضع الطبيعى لا يوازن بين مختلف وجهات النظر بحياد ثم ينحاز للصواب أو للحق، بل هو واقع من البداية تحت تأثير عوامل شتى (أبرزها الجينات والأسرة والمجتمع) تحدد ما سينحاز له أولاً ثم يعمل العقل على إيجاد تبريرات لهذا الإنحياز لاحقاً، وألخص ذلك الكلام دوماً فى جملة "العقل مطية الهوى" تماماً كما أن اليد مطية العقل.. أى أن الهوى يَركب العقل كى يوصله إلى وجهته وليس العكس. وبمعنى آخر فوجهة نظرك فى مسألةٍ ما أشبه بفريقك الكروى المفضل.. تشجعه بلا سبب مهما إتضح لك أنه فاشل وتختلق له الأعذار والمبررات. وقد تبرر إنحيازك له بدايةً إن سُئلت عنه بكونه يربح معظم مبارياته، حتى إذا ما تغير الحال وغدا يخسر ستقول أنك تشجعه لأنه "يحاول بجدية" (رغم أن إجابتك الأولى توحى بأن عليك تغيير ولاءك الآن إلى الفريق الذى يربح معظم مبارياته)، وإن إكتشفت أنه حتى لا يحاول ستقول أنك تشجعه "لأن به أملاً للتحسن" وهكذا.

وعندما حاولْت تطبيق تلك النظرية على نفسى وجدت أنى أعترف -داخلياً طبعاً- باحتمال خطأ أى شىء أنا مقتنع به واحتمال صواب أى شىء أنكره وأعترض عليه بشدة مهما بلغَت بشاعته، واكتشفت أن لكل طرف فى أى مناقشة بلا إستثناء أسباباً يمكنه أن يجدها مقنعة أو غير مقنعة بحسب ما يريد هو أن يقتنع به. ولنضرب مثالاً مبسطاً سنتخيل رجلاً رأسمالياً وآخر شيوعياً يتجادلان فيما بينهما أى الأسلوبين أفضل لإدارة الدولة.. فبينما سيأتى الرأسمالى بأطنان من الأبحاث التى تثبت أن الأداء الإقتصادى يكون أقوى فى السوق الحر، لن يكترث الشيوعى بتلك الأبحاث مؤكداً أن سعادة الإنسان تكمن فى شعوره بالمساواة مع غيره وليس فى زيادة الإستهلاك الكلّى! فهل تظن أن كل منهما قد قام بأبحاث إقتصادية ونفسية قبل تبنى وجهة نظر من الإثنتين ثم شرع بالدفاع عنها، أم أنه تبنى وجهة النظر أولاً ثم بدأ بالبحث عن أدلة تساندها كى يتمكن من نشرها بين الناس؟ أعتقد أنك تعرف الإجابة جيداً يا عزيزى القارىء.. فعندما نمعِّن النظر فى الشخصين سنكتشف "بالصدفة" أن الذى يدافع عن الرأسمالية يمتلك مثلاً أسهماً فى شركة ضخمة أو أن له منصب مرموق فى مكتب كبير يكسب من ورائه الآلاف بينما الشيوعى لا يكاد يجد قوته وقوت أطفاله، وهذا هو سبب "إقتناع" كل منهما بمبادئه.. المبنية على أسس علمية بحتة طبعاً!

حسام حربى
http://ubser.wordpress.com

*http://youarenotsosmart.com/2010/05/26/the-perils-of-introspection

chris
28-10-2011, 11:55 AM
اهلا بيك يا اخي العزيز حسام حربى

اخي للاسف يوجد امر هام ايضا يجعلنا نتمسك باختيارنا رغم اننا قد نكون في داخلنا نعرف انه خطا
ولكننا نصر على ما اخترناه
وهو الكبرياء فكلنا قد يختار شيء خاطىء ولكنه لا يريد الاعتراف بخطائه لانه يعتبر ذلك انقاص من قيمته و ارائه وان الاخرين سوف يجعلونه سخرية او يعلقون على اختياره الخاطى
لذلك تجده حتى بعد ان يعرف ان اختياره خطا فانه يتمسك به ليس لشيء الا لكي لا يشعر بانه هزم وانه على خطا
فهذا الكبرياء و الخوف من الاعتراف بالخطا جعل من يختار الشيء يقاتل الاخرين من اجل اثباته و الجدال العقيم في بعض الاحيان لكي يبقى على رايه
ولو كان جالسا ً لوحده لوجدته يلوم نفسه على اختياره الخطا





سلام chris

حسام حربى
29-10-2011, 11:18 AM
ربما كان هذا صحيحا بعد الإختيار المبدأى يا كرس.. لكن ما الذى يدفعك لهذا الإختيار المبدأى أصلاً؟ هل هى أسباب منطقية وتحليلية أم جيناتك وتربيتك وظروفك الخاصة؟

Heartbeat
12-11-2011, 12:56 AM
السلام عليكم

مقال رائع اخي حسام

بكل بساطه هي القناعة
هناك من يقتنع بأمر ربما يكون خاطئ ولكن لا نجزم انه يعرف انه خاطئ
لا اريد ان اتكلم عن من يدافع عن امرٍ يعلم انه خاطئ ولكن كبريائة يجعله لا يعترف بهذا الخطأ
ولكن بالفعل لكل انسان قناعة وتعتمد هذه القناعة على وعي الشخص نفسه وثقافته ومستوى ذكائة

ولذالك نجد كثيرياً من الاشخاص بعد فترة من الزمن تتغير قناعاته ويتبنى افكار اخرى ويرفض الافكار التي كان يتبناها
لأنه نجض فكرياً وثقافياً وهكذا ينبذ كل فكرة كان مقتنع بها
وهذا يحصل يا اخي حتى في الدين , تجد ان كان هناك يهودي او نصراني او اي ديانه اخرى كان متشدد جداً
ولكنه بعد فترة تتغير قناعاته ويغير دينه للاسلام مثلاً

يا اخي القناعة تتغير من شخص لأخر ويجب ان لا نتجاهل المستوى العقلي
البعض تعتمد قناعته على المنطق , والبعض الاخر تعتمد قناعته على اهوائة الشخصية
والبعض ليس له قناعة او يخشى اعلانها ولذالك تكون قناعاته مع الاكثريه او ما يظن ان الاغلبيه تختارها .