المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصحوة الإسلامية نعمة وآفتها فقدان المرشد الرباني.....ما المقصود بالمرشد الرباني .؟؟



شموع لا تنطفئ
05-02-2002, 06:59 PM
السلام عليكم و رحمة الله

ما من شك ولا ريب أن الله سبحانه وتعالى قد أكرم هذه الأمة في هذا العصر الذي ادلهمت فيه ظلمات الكفر والضلال والانحراف‏،‏ لاشك أن الله عز وجل أكرم هذه الأمة في هذا العصر بصحوة إيمانية وإسلامية‏،‏ وما من شك في أنا نجد مظاهرها وآثارها لا في عالمنا العربي والإسلامي فقط‏،‏ بل نجد مظاهرها ممتدة إلى العالم الغربي أيضاً‏.‏

ولكن ينبغي أن نعلم أيضاً أننا لم نَجْنِ شيئاً من نتائج هذه الصحوة الإسلامية إلى اليوم‏،‏ ولعلنا جنينا منها مزيداً من الفُرقة ومزيداً من الهرْج ومزيداً من الخلافات المستشرية‏،‏ ولعل في الناس من يحار فيما ينبغي أن يتخذه من موقف‏،‏ وفيما ينبغي أن يعود به من علم‏،‏ أفنحن نعيش مرحلة صحوة إسلامية حقيقية‏؟‏ إذن ينبغي أن نجد شيئاً من آثارها وثمارها‏.‏ أم إننا نعيش مرحلة تخلفٍ إسلامي ومن ثم فإننا نجد مزيداً من الاختلافات‏،‏ مزيداً من المفارقات والمتناقضات على مسرح العمل الإسلامي‏.‏

‏ ليس في الأمر ما يقتضي حيرة قط‏،‏ أما الصحوة الإيمانية والإسلامية موجودة‏،‏ ولكن آفة هذه الصحوة أنه يعوزها المرشد الموجّه‏،‏ الصحوة الإيمانية موجودة ولكنها تحتاج إلى مرشد أو مرشدِين ربانيين‏،‏ ونحن بمقدار ما نتمتع بهذه الصحوة نفتقر إلى وجود هذا المرشد الرباني‏،‏ وأقول‏:‏ نحتاج إلى المرشد الرباني‏،‏ ولاحظوا هذا القيد الذي أذكره‏؛‏ ذلك لأن كلمة المرشد وحدها قد أفرغت من معناها اليوم‏،‏ كانت كلمة المرشد في صدر الإسلام تعني ذلك الوريْث للنبوة‏،‏ تعني ذلك الذي حل محل النبوة‏،‏ وإن لم يكن يوحى إليه‏،‏ إذ الوحي ينقطع بل انقطع بلحوق رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بالرفيق الأعلى‏،‏ لكننا إذا قلنا ‏(‏مرشد‏)‏ فإن هذه الكلمة إنما تنحط على ذلك الذي ورث من رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أخلاقه‏،‏ ورث منه حرقته وإخلاصه‏،‏ ورث منه القبس النوراني المتوهج في حنايا قلبه‏،‏ ورث منه صلته العامرة بالله سبحانه وتعالى‏،‏ ثم إنه ورث منه المعارف الدقيقة المتوازنة لأحكام الشريعة الإسلامية‏،‏ كلمة المرشد اليوم موجودة وربما سمعت أن فلاناً من الناس هو المرشد لجماعة إسلامية معينة‏،‏ لكنك تنظر فتجد أن هذه الكلمة تعني عملاً إدارياً‏،‏ وتعني رسم خطط اجتماعية أو سياسية‏،‏ تدعوه إلى أن يسير من هنا إلى هنا إلى هنا‏،‏ أما ذلك المعنى الرباني لكلمة المرشد فقد غاض واختفى وذاب‏،‏ نحن ننظر إلى مسرح حركاتنا الإسلامية وتوجهاتنا الدينية وصحوتنا الإسلامية والإيمانية‏،‏ ونبحث في هذا المسرح عن مرشد بالمعنى الذي ذكرته لكم فلا نجد‏،‏ وإِلاَمَ يؤول حال أمة شعرت بجوعها الإيماني‏،‏ شعرت بظمئها إلى الدين‏،‏ وأخذت تلتفت يمنة ويسرة لتبحث عن المعين الذي تروي به ظمأها‏،‏ ولكنها لم تجد الدليل‏،‏ لم تجد المرشد‏،‏ ذلك المرشد الرباني ‏-‏ كما قلت لكم ‏-‏ الذي يدلها على الطريق الموصل إلى الينبوع‏،‏ الذي يدلها على المعين‏.‏ لابد لأمة تبحث ثم تبْحث‏،‏ فلم تعثُر على الدليل‏؛‏ لابد أن تتخبط‏،‏ ولابد أن ينقلها التخبط إلى الخلافات وإلى المتاهات وإلى السبل المتعرجة التي حذر الله عز وجل منها‏،‏ إذ قال في محكم تبيانه‏:‏ {وَأَنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام‏:‏ 6‏/‏153] من الذي يفرّق بين السبيل العريضة التي تمثل صراط الله والسبل المتعرجة‏؟‏ من الذي يأمرني بالسير على هذا السبيل العريض ويحذرني من تلك السبل المتعرجة‏؟
‏ المرشدون الربانيون الذين تستطيعون أن تجدوا في مرآة قلوبهم ونفوسهم سيما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم‏،‏ مجتمعاتنا فارغة من هؤلاء المرشدين‏،‏ وأهمية المرشد أهمية كبرى،‏ إياكم أن تزدروها أو أن تستخفوا بشأنها‏.‏ شأن المرشد في المجتمع الإسلامي كشأن مقود السيارة الذي يكون بيد قائد هذه السيارة‏.‏ كما أن المقود يضمن لك التوازن في السير ما بين يمين متطرف وشمال قد تنزلق منه إلى هاوية‏؛‏ فكذلك المرشد هو الذي يوجِد في حياة المسلمين التوازن بين الجوانب المختلفة التي قد تتراءى لنا عن يمين المجتمعات وعن يسارها‏.‏

ليس المهم في حياة الإنسان أن يرفع لواء الإسلام فوق رأسه عالياً‏،‏ إنما المهم إذا رأى المظاهر المتناقضة وحار فيما بينها أن يُلْهَم رشده‏،‏ وأن يعلم كيف يسير‏،‏ وكيف يتجه‏،‏ وأين هو السبيل الذي أمر الله سبحانه وتعالى باتباعه‏.‏ نحن نعيش اليوم بين أمواج متلاطمة‏،‏ موجة تأتي عن يمينك وأخرى عن يسارك‏،‏ وربما رأيت هذه الأمواج ملونةً في كثير من الأحيان بلون الإسلام‏،‏ بلون الهداية‏،‏ فلا تعلم أيُّها اللون الحقيقي‏،‏ وأيُّها اللون المزيف‏.‏ وهكذا يقع الناس من جرّاء ذلك في متاهات‏،‏ يتخبطون‏،‏ ذلك لأن القائد المرشد غائب‏.‏ ربان السفينة غائب‏.‏ هذه الحقيقة ينبغي أن نتمثلها‏.‏

والشي الذي يؤلم ويؤسف أن هذا المعنى الذي يتمثل في شخص المرشد الرباني ما أكثر من يستخف به في هذا العصر‏.‏ عمل المرشد يبدأ بالقلب‏،‏ يبدأ بحنايا الفؤاد‏،‏ يبدأ بحرقة إيمانية موصولة بعرش الله سبحانه وتعالى‏.‏ هذه الحرقة الإيمانية لا تتم إلا على وقود دائم متكرر متجدد‏،‏ من ذكر الله‏،‏ من مراقبة الله‏،‏ من الخوف من الله‏،‏ من الإكثار من التبتل‏،‏ من الإكثار من العبادة‏،‏ كما كان عليه سيدنا رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ‏.‏ وإنكم لتعلمون أنه حتى رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ كان يحتاج إلى أن يذكره مولاه بين الحين والآخر‏:‏ أن لا يشرد عن هذا الطريق‏،‏ أن لا يلتفت يميناً ويساراً إلى البوارق التي قد يرى أنه إذا اتبعها عاد بفائدة إلى الإسلام والمسلمين‏،‏ يأتيه بيان الله قائلاً‏:‏ {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف‏:‏ 18‏/‏28] أرأيتم إلى هذا الكلام الرباني هؤلاء الذين يدعو الله رسوله إلى أن يصبر معهم‏،‏ وإلى أن يركن إليهم‏،‏ وإلى أن يعتز بجلوسه فيما بينهم‏،‏ هم الذين يسميهم بعض الناس اليوم بالدراويش‏،‏ هم الذين إذا رآهم بعض الناس يقولون‏:‏ إن ديننا ليست فيه دروشة‏:‏ أجل‏،‏ انظروا إلى التيه الذي وقعنا فيه‏،‏ وانظروا إلى ما كان عليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ‏،‏ وكيف كان يعلم ويرشد‏.‏

المرشد هو الذي يضعك أمام النهج المتوازن‏،‏ هو الذي يقول لك‏:‏ ينبغي إذا سرت على نهج الدعوة إلى الله عز وجل أن تكون أنت المستقل بتسيير نفسك‏،‏ وأن لاتكون أداة في جهاز لا تعلم من الذي يحركه‏،‏ تنظر إلى نفسك كأداة صغيرة في جهاز كبير وكبير‏،‏ تجد نفسك تتحرك باسم الإسلام‏،‏ وتجد نفسك تتزيى بزي الإسلام‏،‏ وتتكلم عن الإسلام‏.‏ لكن ليس هذا هو المهم‏،‏ المهم أن تعلم أين موقعك من هذا الجهاز‏،‏ من الذي يحرك هذا الجهاز كله‏،‏ من الذي يلفت نظري ونظرك إلى هذا المرشد الرباني‏؟‏

و أضرب لكم مثلاً بدلاً من الأمثلة الكثيرة‏:‏ إذا التفتنا إلى غرب عالمنا هذا‏،‏ إلى أوروبا أو إلى أمريكا‏،‏ سنجد أن في تلك المجتمعات كثيراً من المسلمين‏،‏ وتنظر إليهم فتجد أنهم يعتزون بأنهم يخدمون الإسلام‏،‏ وأنهم يشتغلون للإسلام‏،‏ وأنهم يتحركون ويذهبون ويجيئون باسم الإسلام‏.‏ لكن انظر إليه بعين المرشد الرباني‏،‏ تأمَّلْ في حاله‏،‏ تجدْ مثله وهو في ذلك المجتمع المظلم كمثل إنسان يركب سفينة عملاقة ضخمة جداً تبحر من الغرب إلى الشرق‏،‏ لكن الرجل يركض فوق ظهر السفينة من الشرق إلى الغرب‏،‏ ويزعم أنه يناقض سير هذه السفينة‏.‏ ماقيمة أن أسير فوق ظهر هذه السفينة من الشرق إلى الغرب إذا كانت السفينة العملاقة تتحرك بي وتستوعب حركتي متجهة من الغرب إلى الشرق‏؟‏ هذا هو مثل كثير من المسلمين الذين يعيشون في ربوع أوروبا وأمريكا وهم يظنون أنهم يخدمون دين الله سبحانه وتعالى‏،‏ ولو لفت أحدهم نظره إلى وضعه‏،‏ إلى أسرته إلى قلبه‏،‏ لرأى أنه ينتقل مبتعداً عن الإسلام رويداً رويداً رويداً‏،‏ ولرأى أن قلبه يتحول شيئاً فشيئاً إلى وعاء لأَلَقِ الغرب وحضارته ومنهجه‏،‏ ولرأى أن أسرته قد اصطبغت بهذه الحقيقة كلها أيها الأخوة‏،‏ ولكن لو وجد مرشد رباني لأمكن أن يكون كل واحد من هؤلاء الناس كعبد الرحمن الداخل‏.‏


أعود فأقول لكم ‏ مصيبتنا وآفتنا في هذا العالم الإسلامي اليوم‏؛‏ أننا نحمد الله سبحانه وتعالى فيه على نعمة الصحوة‏،‏ ولكننا بمقدار ما نشكره على نعمة الصحوة هذه‏،‏ نعاني من أزمة خطيرة وخطيرة جداً‏،‏ ألا وهي أزمة فقد المرشد الرباني‏.‏ لاأقول‏:‏ المرشد‏.‏ لكي لا تفهموا أنني أعني بالمرشد‏،‏ مرشد الجماعة الفلانية أو مرشد الجماعة الفلانية‏،‏ لا‏،‏ هذه أسماء انحطت على مسميات جديدة‏.‏ أنا أبتغي ذلك المرشد الرباني الذي تجدون تراجمهم في الرسالة القشيرية‏،‏ تجدون تراجمهم في حياة رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وأصحابه البررة الكرام‏،‏ أنا أعني بالمرشدين الربانيين الذين يمثل كل واحد منهم حياة عبد الرحمن الداخل‏،‏ أجل‏،‏ أرني ذلك المرشد الذي ينبثق الإيمان قبساً وهاجاً من قلبه‏،‏ يمثل حرقة الإخلاص لله‏،‏ يمثل حرقة الخوف من الله‏،‏ يمثل حرقة الحب لله‏،‏ يمثل حرقة الحنين إلى الله سبحانه وتعالى‏،‏ أُرِك كيف تجتمع نثار هذه الأمة الإسلامية بعد تفرق‏