المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فاطمة الزهراء ( مدارج الطفولة )



ابو أحمد
05-02-2002, 07:53 PM
مدارج الطفولة
أم أبيها

فوجئت فاطمة ذات يوم بموت أبي طالب عم أبيها وزعيم قريش وعميد بني هاشم (1)
وشعرت بجناح من أجنحة أبيها يتهشّم وركن من أركانه يتهدّم، وأقبل أبوها بحناحه المهيض وقد اعتصر الألم قلبه وهدّ الشجى فؤاده وبدا الحزن الشديد على وجهه لقد فقد الحامي القويّ والسند المتين.
ورأت فاطمة أباها يبكي لأول مرة في حياتها يبكي عمه أبا طالب بحرقة بالغة والدموع تنهمر غزيرة من عينيه وتسيل على خديه، فأقبلت إلى أبيها جزعة قلقة تمسح دموعه بيديها البضّتين وتواسيه من أعماق قلبها بكل ما لديها من حبّ وحنان حتى هدأت عبرته وخفّت دمعته صلى الله عليه وآله وسلم.
وما هي إلا أيام قليلة حتى حلّت المحنة الأخرى ونزلت مصيبة الموت بزوجة رسول الله خديجة بنت خويلد ولمّا تندمل الجراح بعد، وهيض للنبي جناح آخر ولا يزال جناحه الأول ضعيفاً.
وبكى رسول الله ركنه الثاني بعد عمّه أبي طالب وبكى معه جيمع من في البيت، واندفعت فاطمة بحزن شديد وأسىً بالغ إلى حضن أبيها تلوذ به وتسأله والدموع تنهمر من مقلتيها كالمطر:
ـ أبي أين أمي؟!.
ياله من سؤال محرج في لحظة صعبة من مأساة مفجعة!!.
ويحدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وجه ابنته الملتاعة لفقد أمها الحبيبة ويمسح دموعها وإنَّ دموعه لتجري على وجنتيه ويقول لها بلسان هادئ وصوت رزين:
ـ بنّية لقد ذهبت أمك إلى الجنّة ولقد أخبرني أخي جبرائيل أنها هناك في بيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب (2)!.
إذن لقد تيتّمت فاطمة
لقد ماتت أمها وأصبحت بلا أم
ووجدت فاطمة نفسها ـ وهي ابنة الثماني سنوات ـ في محنة لم تمر بعد بأقسى منها.
ما أسرع ما عوجلت فاطمة بالمحن وما أقسى أن تفقد أمها وهي بعد في تلك السن المبكرة!
ألم ينفطر قلبها لفقد أمها الحبيبة؟!
ألم يهزّ الألم والحزن كيانها الضعيف؟!
وكادت فاطمة تتهاوى إلى الأرض لولا أن حانت منها التفاتة إلى أبيها فاذا الدموع تسحّ من عينيه سحّاً فاستجمعت قواها وتمالكت نفسها ووطّدت العزم على الصبر!
أتتلقّى فاطمة العزاء بموت أمها التي لا مثيل لها في الأمّهات؟! أم تقوم فتعزّي أباها الذي لا مثيل له في الآباء بزوجه التي لا مثيل لها في الأزواج؟!
ولم تتردد فاطمة فسرعان ما اختارت أن تكون المعزّي وأن تكون السُّلْوَةَ لأبيها المفجوع بعمّه وزوجه، وإنها لتعلم يقيناً أن أباها لم يفقد في خديجة الزوج المثالية فقط وإنما فقد فيها كذلك الناصر والمحامي والمكافح عنه مع عمّه وبعد عمّه أبي طالب وفقد فيها المؤازر والمشجّع والمواسي فقد فيها اليد الطولى والحنون والصدر الدافئ والفؤاد الصابر، فقد فيها الكلمة الحلوة والرأي السديد الناصح!.
وانطلقت فاطمة إلى أبيها مرة أخرى لا لتسأله كما سالته من قبل عن أمها فتثور أحزانه وأشجانه وإنما انطلقت هذه المرة تهدهد عنه الحزن وتمسح عن خديه الدموع وتمنحه الدفء والحنان والحبّ علّ ذلك يعوّض عنه بعض الذي فقده في أمها خديجة. وهكذا كانت فاطمة أم أبيها وابنته في آن معاً (3).
وسيّان في عمود النور المتطاول برأسه في عنان السماء أن تكون فاطمة بنتاً لأبيها وأمّاً له، بنتاً له في النسب وأمّاً له في الرعاية والحدب، بنتاً له في التربية والاقتداء وأمّاً له في الحياطة والاعتناء.
وهكذا بدأت مرحلة جديدة من عمر فاطمة، ورسمت لها يد العناية الإلهية منذ اليوم أن يكون لها مع أبيها دور جديد أكبر بكثير من عمرها، فلعلّها تستطيع أن تكون خديجته ولعل ابن عمّه عليّاً يكون له كعمّه أبي طالب.
وكم وجدت فاطمة نفسها بعد ذلك وهي تنزع الأشواك عن قدمي أبيها وتمسح الدماء عن رجليه وتغسل عن يديه ووجهه التراب وتزيل عن ظهره وصدره وذراعيه الأوحال والأوشاب!.
انتصفت السنة العاشرة لبعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقاربت فاطمة أن تتم التاسعة من عمرها المبارك، وفيما هي في البيت عصر ذلك اليوم القائظ يدلف أبوها إلى البيت متعباً منهكاً وهو يصيح بجيرانه:
ـ أيَّ جوار لي منكم يا بني عبد مناف! ما أشد ما لقيت من قريش بعد فقدك يا أبا طالب!
وتخفّ فاطمة إلى أبيها تستطلعه الخبر فإذا على رأسه أقذار وأتربة وأشواك فتبادر فاطمة فتزيلها عنه بيديها الناعمتين وهي تبكي لما يصيب أباها من أذى قريش وعدوانها وتخاذل جيرانه وذوي قرباه من بني عبد مناف. فيرقّ لها القلب الكبير ويزول غضبه وتهدأ سورته ويطيب خاطر ابنته فاطمة:
ـ لا تبكِ يا ابنتي فإن الله مانع أباك.
ولم يكن نصيب فاطمة من هذا الصراع الدائر أن تكون البنت المواسية لأبيها فقط، فإن سفاهة قريش لا تحدّها حدود وسلوك المشركين لا ترسمه أخلاق ولا قيم، ولذلك فقد امتدّ أذاهم لفاطمة نفسها، فها هي ذات يوم بجمع من مشركي قريش فيهم أبو جهل وعمرو بن هشام فإذا بها تسمعه يسبّ أباها أفحش سباب ويشتمه أقذع شتم فلا تملك إلا أن تردع أبا جهل بكلمات من بيان النبوة النظيف وفصاحة بني هاشم العالية فينتفض أبو جهل لكرامته المهانة، وينقضّ على هذه الصغيرة التي
تتطاول على مقامه العالي بين قومه المتحلّقين به فيصفعها على وجهها بصلف وجلافة وهو يتابع سبابه وشتائمه.
وتنطلق فاطمة صارخة باكية وقد انهمرت الدموع من عينيها وسالت على خديها، ويمر أبو سفيان فيسمع بكاءها ويرى الدموع على خديها فيستوقفها ويسألها:
ـ ما يبكيك يا بنت محمد؟!
وإذْ يعرف منها الخبر يغضب أبو سفيان لهذا الاعتداء الصارخ من أبي جهل وهذا التطاول الأحمق على فتاة صغيرة من أعزّ بيت في قريش يُعتبر أبو سفيان من زعمائه ووجهائه، فيتلطّف بها ويعود بها إلى أبي جهل فيوبّخه أمامها ويعنّفه ويشتدّ عليه ثم يلتفت إليها ويقول لها أمام الجميع:
ـ الطميه يا بنت محمد، قبّحه الله من أحمق عديم المروءة والشهامة!!.
وتمرّ فاطمة بالبيت الحرام ذات يوم فإذا جماعة من أشراف قريش قد انتحوا جانب الكعبة يتشاورون بأمر محمد وإذا بعضهم يقول:
ـ والله ما نرى محمداً سيرجع عما هو فيه، ولئن صبرنا عليه ليؤلبنّ علينا عبيدنا وغلماننا ويغيّرن علينا نساءنا وأبناءنا فلا تبقى لنا فيه حيلة بعد ذلك.
ـ فماذا ترون؟.
وينبري أبو جهل ويقول:
ـ لا أرى لكم إلا قتله.
ـ وكيف نأمن إن قتلناه غضبة بني هاشم وسيوف فرسانهم؟!.
ـ أخفوا السيوف في ثيابكم فإذا مرّ بكم فليضربه كل واحد منكم ضربة بسيفه فنشترك جميعاً في قتله!
وتسمع فاطمة هذا الكلام فيمتلئ قلبها خوفاً على أبيها، فتلازم المكان ولا تغادره وعيونها تترصّد الطريق حتى إذا رأت أباها مقبلاً من بعيد أسرعت إليه تنقل له ما سمعت من القوم وتحذّره من مكر قريش وكيدها:
ـ هؤلاء الملأ من قريش قد تعاقداو عليك يا أبي أن لو مررت بهم قاموا إليك جميعاً فقتلوك بسيوفهم فليس منهم رجل إلا قد عرف نصيبه من دمك!.
ـ اطمئني يا ابنتي فإن الله لم يجعل لهم إلى أبيك سبيلاً.
مضى النبي في طريقه إلى المسجد حتى إذا دخله ومرّ بالقوم الذين كانوا يأتمرون بقتله خفضوا أبصارهم مما لمحوا على وجهه من الهيبة والجلال وَأُنسوا ما كانوا قد اتفقوا عليه آنفاً، حتى إذا وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رؤوسهم أخذ بيده الشريفة حفنة من التراب نثرها عليهم وهو يقول:
ـ شاهت الوجوه … شاهت الوجوه.
ثم توجّه إلى الكعبة فصلّى لله تعالى على بعد خطوات منهم وفاطمة واقفة تراقبهم فما تحرّك منهم أحد ولا كأنهم رآه منهم أحد، فلما انتهى من صلاته ومناجاته أخذ بيد ابنته فاطمة ومضيا معاً إلى البيت!..
وما أشقّ على نفسها الطاهرة ذلك اليوم الذي ألفت فيه أباها ساجداً يصلّي عند الكعبة، وأبو جهل وصحب له من قريش جلوس هناك والعاص بن وائل السهمي والحارث بن قيس السهمي ينحران جزوراً.
ويلتفت أبو جهل وأمية بن خلف إلى بعض أصحابهما ويقولان:
ـ أيّكم يجيء بِسَلا جزور بني سهم فيضعه على ظهر محمد إذا سجد؟!
واستهوت الفكرة بعض القوم فنشط لها عقبة بن أبي معيط وعتبة وشيبة ابنا ربيعة فقاموا يحملون من الجزور السلا والفرث ويضعونه بين كتفي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو ساجد ويصلّي لله تعالى.
وترى فاطمة ما يصنع هؤلاء بأبيها فتسرع إليه ولهة قلقة جزعة متألمة، تفيض دموعها على خديها فتبذل ما بوسعها وطاقتها لتزيح هذه الأوساخ عن كتفي أبيها.
ويرفع النبيّ الكريم والأب الرحيم رأسه ويرمق ابنته فاطمة بكلّ ما تشعّ به عيناه من الحبّ والحنان والرضى وبكل ما يفيض به قلبه من
الاطمئنان والثبات والصبر ثم يأخذها بين يديه الطاهرتين ويضمّها إلى صدره الشريف وهو يقول:
ـ ما أسرع ما أصبحت أمّ أبيك يا فاطمة (4)!!.
وقبل أن ينسحب بها من ذلك المكان المقدس الذي دنّسه شرك قريش وسلوكها المشين رفع النبيّ يديه إلى السماء وهو يقول:
ـ اللهمّ عليك بأبي جهل وعتبة وشيبة ابني ربيعة وعليك اللهمّ بأمية ابن خلف والوليد بن عتبة وعليك بعقبة بن أبي معيط.. وعليك.. وعليك (5).
ولا تسل فاطمة بنت محمد يومئذ عن سرورها بذلك التاج الذي ألبسها أبوها والمقام الذي رفعها إليه، وبما استطاعت أن تبلغه في نفسه صلّى الله عليه وآله وسلّم في ذلك اليوم الذي تواصلت فيه الروحان وتعانقت النفسان روح ونفس الأب الداعية الكبير وروح ونفس الابنة اليافعة التي تريد أن تكون لأبيها الأمّ الحانية والدرع المتين الواقي والحامي الحاضر في كل حدث، وما أكثر هذه الأحداث بعد أن خلا الجو لقريش بوفاة أبي طالب.
ـــــــــــــــ
(1) كان ذلك في السنة العاشرة للبعثة بعد الخروج من الشعب بقليل وفاطمة في حوالي الثامنة من عمرها.
(2) أخرجه البخاري 9 / 144 بروايتين عن أبي هريرة وروايتين عن عائشة ورواه عن البخاري ومسلم كل من: الشيباني في تيسير الوصول 3 / 256 وابن حجر العسقلاني في الإصابة 4 / 282 والصفوري في نزهة المجالس 2 / 196. وذكره الاربلي في كشف الغمة 1 / 360 عن أم سلمة، والمجلسي في بحار الأنوار 16 / 1 و 43 / 27 و 43 / 131، والبحراني في عوالم العلوم والمعارف والأحوال 11 / 114 و 11 / 175. وسيأتي مزيد من التفصيل حول هذا الحديث في حاشيةص 114.
(3) كنى رسول الله ابنته فاطمة بأم أبيها لهذا الموقف وأمثاله.
انظر: الاصابة في تمييز الصحابة 4 / 377 ـ الاستيعاب المطبوع على هامش الاصابة 4 / 380 ـ مقاتل الطالبين ص ـ مناقب ابن شهرآشوب 3 / 132 ـ كشف الغمة 2 / 88 ـ بحار الأنوار 43 / 16، 19. 29 عوالم العلوم والمعارف 11 / 37.
(4) انظر حاشية ص 67.
(5) ذكره المحب الطبري في ذخائر العقبى ص 47 وقال أخرجه البخاري عن عبد الله بن مسعود، وفيه: قال عبد الله: فلقد رأيتهم قتلوا جميعاً يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب.


:أفكر: :أفكر: :أفكر:

ابو أحمد
07-02-2002, 08:05 PM
للرفع

abu_fhad
13-02-2002, 04:11 PM
كتب العضو (فلفل)
الله اكبر

الله اكبر منكم أيها الرافضة

تركي
13-02-2002, 11:06 PM
كتب العضو (فلفل)
الله اكبر



زين عرفت ربك:غضب: :غضب: :غضب:

عنتر55
15-02-2002, 10:55 PM
السلام عليك يا رسول الله محمد

محمد راشد
16-02-2002, 01:39 PM
لماذا لا تنشر موضوع عن ام الموؤمنين عائشة رضي الله عنها
التي براها الله تعالى من سابع سماء

عنتر55
16-02-2002, 02:05 PM
هل عائشة افضل من فاطمة

محمد راشد
16-02-2002, 02:17 PM
القضيه ليست من الافضل
القضيه انكم تقذفونها اي تقذفون عائشه رضي الله عنها
اقرا معي حكم من يشتهم المومنين
الحكم الإسلامي على ساب أمهات المؤمنين الطاهرات
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :

إن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن داخلات في عموم الصحابة رضي الله عنهم ، لأنهن منهم ، و كل ما جاء في تحريم سب الصحابة من آيات قرآنية و أحاديث نبوية فإن ذلك يشملهن ، و لما لهن من المنزلة العظيمة و قوة قرابتهن من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ، ولم يغفل أهل العلم عن حكم سابهن و عقوبته ، بل بينوا ذلك أوضح بيان في أقوالهم المأثورة و مؤلفاتهم المختلفة .

أقول : إن أهل العلم من أهل السنة والجماعة أجمعوا قاطبة على أن من طعن في عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه وبما رماها به المنافقون من الإفك فإنه كافر مكذب بما ذكره الله في كتابه من إخباره ببراءتها وطهارتها ، و قالوا إنه يجب قتله .

و قد ساق أبو محمد بن حزم الظاهري بإسناده إلى هشام بن عمار قال : سمعت مالك بن أنس يقول من سب أبا بكر و عمر جلد ، و من سب عائشة قتل ، قيل له : لم يقتل في عائشة ؟ قال : لأن الله تعالى يقول في عائشة رضي الله عنها {يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين }، قال مالك فمن رماها فقد خالف القرآن ، و من خالف القرآن قتل . قال أبو محمد رحمه الله : قول مالك هانا صحيح و هي ردة تامة و تكذيب لله تعالى في قطعه ببراءتها.[1]

و حكى أبو الحسن الصقلي أن القاضي أبا بكر الطيب قال : إن الله تعالى إذا ذكر في القرآن ما نسبه إليه المشركون سبح نفسه لنفسه ، كقوله {و قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه }، و ذكر تعالى ما نسبه المنافقون إلى عائشة فقال {ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك } ، سبح نفسه في تبرئتها من السوء كما سبح نفسه في تبرئته من السوء ، و هذا يشهد لقول مالك في قتل من سب عائشة ، ومعنى هذا و الله أعلم أن الله لما عظم سبها كما عظم سبه وكان سبها سباً لنبيه ، و قرن سب نبيه وأذاه بأذاه تعالى ، وكان حكم مؤذيه تعالى القتل ، كان مؤذي نبيه كذلك.[2]

و قال أبو بكر بن العربي : إن أهل الإفك رموا عائشة المطهرة بالفاحشة فبرأها الله ، فكل من سبها بما برأها الله منه فهو مكذب لله ، و من كذب الله فهو كافر ، فهذا طريق قول مالك ، و هي سبيل لائحة لأهل البصائر ولو أن رجلاً سب عائشة بغير ما برأها الله منه لكان جزاؤه الأدب .[3]

و ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعض الوقائع التي قتل فيها من رماها رضي الله عنها بما برأها الله منه ، حيث يقول : و قال أبو بكر بن زياد النيسابوري : سمعت القاسم بن محمد يقول لإسماعيل بن إسحاق أتى المأمون بالرقة برجلين شتم أحدهما فاطمة و الآخر عائشة ، فأمر بقتل الذي شتم فاطمة و ترك الآخر ، فقال إسماعيل : ما حكمهما إلا أن يقتلا لأن الذي شتم عائشة رد القرآن .

قال شيخ الإسلام : وعلى هذا مضت سيرة أهل الفقه والعلم من أهل البيت وغيرهم .

قال أبو السائب القاضي : كنت يوماً بحضرة الحسن بن زيد الدعي بطبرستان ، و كان بحضرته رجل فذكر عائشة بذكر قبيح من الفاحشة ، فقال : يا غلام اضرب عنقه ، فقال له العلويون : هذا رجل من شيعتنا ، فقال : معاذ الله إن هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى { الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات ، والطيبات للطيبين و الطيبون للطيبات ، أولئك مبرءون مما يقولون ، لهم مغفرة و رزق كريم } ، فإن كانت عائشة خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث ، فهو كافر فاضربوا عنقه ، فضربوا عنقه و أنا حاضر .

و روي عن محمد بن زيد أخي الحسن بن زيد أنه قدم عليه رجل من العراق فذكر عائشة بسوء فقام إليه بعمود فضرب دماغه فقتله ، فقيل له : هذا من شيعتنا و من بني الآباء ، فقلا : هذا سمى جدي قرنان – أي من لا غيرة له - ، و من سمى جدي قرنان استحق القتل فقتلته .

و قال القاضي أبو يعلى : من قذف عائشة بما برأها الله منه كفر بلا خلاف ، و قد حكي الإجماع على هذا غير واحد ، و صرح غير واحد من الأئمة بهذا الحكم .

و قال أبي موسى – و هو عبد الخالق بن عيسى بن أحمد بن جعفر الشريف الهاشمي إمام الحنابلة ببغداد في عصره - : و من رمى عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه فقد مرق من الدين ولم ينعقد له نكاح على مسلمة .[4]

و قال ابن قدامة المقدسي : ومن السنة الترضي عن أزواج رسول الله صلى الله عليه و سلم أمهات المؤمنين المطهرات المبرآت من كل سوء ، أفضلهم خديجة بن خويلد وعائشة الصديقة بنت الصديق التي برأها الله في كتابه ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا و الآخرة ، فمن قذفها بما برأها الله منه فقد كفر بالله العظيم .[5]

وقال الإمام النووي في صدد تعداده الفوائد التي اشتمل عليها حديث الإفك : الحادية و الأربعون : براءة عائشة رضي الله عنها من الإفك و هي براءة قطعية بنص القرآن العزيز ، فلو تشكك فيها إنسان والعياذ بالله صار كافراً مرتداً بإجماع المسلمين ، قال ابن عباس و غيره : لم تزن امرأة نبي من الأنبياء صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين ، و هذا إكرام من الله تعالى لهم .[6]

و قد حكى العلامة ابن القيم اتفاق الأمة على كفر قاذف عائشة رضي الله عنها ، حيث قال : واتفقت الأمة على كفر قاذفها .[7]

و قال الحافظ ابن كثير عند قوله تعالى {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا و الآخرة و لهم عذاب عظيم } ، قال : أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية ، فإنه كافر لأنه معاند للقرآن .[8]

و قال بدر الدين الزركشي : من قذفها فقد كفر لتصريح القرآن الكريم ببراءتها .[9]

و قال السيوطي عند آيات سورة النور التي نزلت في براءة عائشة رضي الله عنها من قوله تعالى { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم .. الآيات } ، قال : نزلت في براءة عائشة فيما قذفت به ، فاستدل به الفقهاء على أن قاذفها يقتل لتكذيبه لنص القرآن ، قال العلماء : قذف عائشة كفر لأن الله سبح نفسه عند ذكره فقال سبحانك هذا بهتان عظيم ، كما سبح نفسه عند ذكر ما وصفه به المشركون من الزوجة والولد .[10]

قلت : هذه الأقوال المتقدمة عن هؤلاء الأئمة كلها فيها بيان واضح أن الأمة مجمعة على أن من سب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها و قذفها بما رماها به أهل الإفك ، فإنه كافر حيث كذب الله فيما أخبر به من براءتها و طهارتها رضي الله عنها ، و أن عقوبته أن يقتل مرتداً عن ملة الإسلام .

وأما حكم من سب غير عائشة من أزواجه صلى الله عليه وسلم ، ففيه قولان :

أحدهما : أن حكمه كحكم ساب غيرهن من الصحابة ؛وحكم ساب الصحابة و عقوبته هي :

1 – ذهب جمع من أهل العلم إلى القول بتكفير من سب الصحابة رضي الله عنهم أو تنقصهم وطعن في عدالتهم و صرح ببغضهم و أن من كانت هذه صفته فقد أباح دم نفسه و حل قتله ، إلا أن يتوب من ذلك و ترحم عليهم .

و ممن ذهب إلى ذلك : الصحابي الجليل عبد الرحمن بن أزى و عبدالرحمن بن عمرو الأوزاعي و أبو بكر بن عياش ، و سفيان بن عيينة ، و محمد بن يوسف الفريابي و بشربن الحارث المروزي و غير كثير .

فهؤلاء الأئمة صرحوا بكفر من سب الصحابة وبعضهم صرح مع ذلك أنه يعاقب بالقتل ، و إلى هذا القول ذهب بعض العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية .

2 - و ذهب فريق آخر من أهل العلم إلى أن ساب الصحابة لا يكفر بسبهم بل يفسق ويضلل ولا يعاقب بالقتل ، بل يكتفي بتأديبه وتعزيره تعزيراً شديداً يروعه و يزجره حتى يرجع عن ارتكاب هذا الجرم الذي يعتبر من كبائر الذنوب والفواحش المحرمات ، وإن لم يرجع تُكرر عليه العقوبة حتى يظهر التوبة .

و ممن ذهب إلى هذا القول : عمر بن عبد العزيز و عاصم الأحول و الإمام مالك و الإمام أحمد و كثير من العلماء مما جاء بعدهم .

الثاني : و هو الأصح من القولين على ما سيتضح من أقوال أهل العلم أن من قذف واحدة منهن فهو كقذف عائشة رضي الله عنها .

التوضيح : أخرج سعيد بن منصور وابن جرير الطبري و الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن قرأ سورة النور ففسرها ، فلما أتى على هذه الآية {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات }، قال : هذه في عائشة و أزواج النبي صلى الله علية وسلم ، ولم يجعل لمن فعل ذلك توبة ، و جعل لمن رمى امرأة من المؤمنات من غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم التوبة ، ثم قرأ {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء}إلى قوله{إلا الذين تابوا} ، ولم يجعل لمن قذف امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم توبة ، ثم تلا هذه الآية {لعنوا في الدنيا و الآخرة ولهم عذاب عظيم} ، فهمّ بعض القوم أن يقوم إلى ابن عباس فيقبل رأسه لحُسنِ ما فسّر .[11]

قال ابن تيمية : فقد بين ابن عباس أن هذه الآية إنما نزلت فيمن يقذف عائشة وأمهات المؤمنين لما في قذفهن من الطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيبه ، فإن قذف المرأة أذىً لزوجها كما هو أذى لابنها ، لأنه نسبة له إلى الدياثة وإظهار لفساد فراشه ، فإن زناء امرأته يؤذيه أذىً عظيماً ، و لهذا جوز له الشارع أن يقذفها إذا زنت ، و درء الحد عنه باللعان و لم يبح لغيره أن يقذف امرأة بحال .[12]

و قد قال كثير من أهل العلم أن بقية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لهن حكم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .

فقد قال أبو محمد ابن حزم بعد أن ذكر أن رمي عائشة رضي الله عنها ردة تامة و تكذيب للرب – جلا وعلا – في قطعه ببراءتها ، قال : و كذلك القول في سائر أمهات المؤمنين ولا فرق ، لأن الله تعالى يقول { و الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات ، أولئك مبرؤون مما يقولون } ، فكلهن مبرآت من قول إفك والحمد لله رب العالمين .[13]

و ذكر القاضي عياض عن ابن شعبان – محمد بن القاسم بن شعبان أبو إسحاق ابن القرطبي من نسل عمار بن ياسر ، رأس الفقهاء المالكيين بمصر ت355هـ – أنه قال : ومن سب غير عائشة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ففيها قولان :

أحدهما : يقتل لأنه سب النبي صلى الله عليه وسلم ، بسب حليلته .

و الآخر : أنها كسائر الصحابة يجلد حد المفتري ، قال : و بالأول أقول .[14]

و قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : و أما منسب غير عائشة من أزواجه صلى الله عليه وسلم ففيه قولان :

أحدهما : أنه كساب غيرهن من الصحابة .

والثاني : و هو الأصح أنه من قذف واحدة من أمهات المؤمنين فهو كقذف عائشة رضي الله عنها .. و ذلك لأن هذا فيه عار و غضاضة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و أذى له أعظم من أذاه بنكاحهن .[15]

و قال الحافظ ابن كثير رحمه الله بعد قوله تعالى { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم } : هذا وعيد من الله تعالى للذين يرمون المحصنات الغافلات ، خرج مخرج الغالب المؤمنات ، فأمهات المؤمنين أولى بالدخول في هذا من كل محصنة ولا سيما التي كانت سبب النزول ، و هي عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما – إلى أن قال - : و في بقية أمهات المؤمنين قولان : أصحهما أنهن كهي والله أعلم .[16]

و مما يرجح القول بأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم غير عائشة في الحكم وجوه :

الوجه الأول : أن لعنة الله في الدنيا والآخرة لا تستوجب بمجرد القذف ، وأن اللام في قوله تعالى {المحصنات الغافلات المؤمنات} لتعريف المعهود ، والمعهود هنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن الكلام في قصة الإفك و وقوع من وقع في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، أو قصر اللفظ العام على سببه للدليل الذي يوجب ذلك .

الوجه الثاني : أن الله سبحانه رتب هذا الوعيد على قذف محصنات غافلات مؤمنات ، و قال في أول سورة النور : { و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة .. الآية } فترتب الجلد و رد الشهادة و الفسق على مجرد قذف المحصنات ، فلا بد أن تكون المحصنات الغافلات المؤمنات لهن مزية على مجرد المحصنات و ذلك – والله أعلم – لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مشهود لهن بالإيمان لأنهن أمهات المؤمنين و هن أزواج نبيه في الدنيا و الآخرة و عوام المسلمات إنما يعلم منهن في الغالب ظاهر الإيمان و لأن الله سبحانه قال في قصة عائشة { و الذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } فتخصيصه بتولي كبره دون غيره دليل على اختصاصه بالعذاب العظيم ، و قال تعالى {ولولا فضل الله عليكم و رحمته في الدنيا و الآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم } ، فعلم أن العذاب العظيم لا يمس كل من قذف ، وإنما يمس متولي كبره فقط ، و قال تعالى هنا { له عذاب عظيم } فعلم أنه الذي رمى أمهات المؤمنين و يعيب بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وتولى كبر الإفك ، و هذه صفة المنافق ابن أبي سلول.

الوجه الثالث : لمّا كان رمي أمهات المؤمنين أذى للنبي صلى الله عليه وسلم لعن صاحبه في الدنيا و الآخرة ، و لهذا قال ابن عباس : ليس فيها توبة ، لأن مؤذي النبي صلى الله عليه وسلم لا تقبل توبته إذا تاب من القذف حتى يسلم إسلاماً جديداً ، وعلى هذا فرميهن نفاق مبيح للدم إذا قصد به أذى النبي صلى الله عليه وسلم أو أذاهن بعد العلم بأنهن أزواجه في الآخرة ، فإنه ما لعنت امرأة نبي قط .

و مما يدل على أن قذفهن أذىً للنبي صلى الله عليه وسلم ما خرجاه في الصحيحين في حديث الإفك عن عائشة ، قالت : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول ، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو على المنبر : يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي ، فو الله ما علمت على أهلي إلا خيراً ، و لقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً ، و ما كان يدخل على أهلي إلا معي .[17]

فهذه الوجوه الثلاثة فيها تقوية و ترجيح لقول من ذهب إلى أن قذف غير عائشة رضي الله عنها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حكمه كقاذف عائشة رضي الله عنها ، لما فيه من العار و الغضاضة على النبي صلى الله عليه وسلم ، كما أن في ذلك أذى عظيماً للنبي عليه الصلاة والسلام .



--------------------------------------------------------------------------------

[1] المحلى (13/504) .

[2] الشفاء للقاضي عياض (2/267-268) .

[3] أحكام القرآن لابن العربي (3/1356) .

[4] الصارم المسلول ( ص 566-568) .

[5] لمعة الاعتقاد (ص 29 ) .

[6] شرح النووي على صحيح مسلم (17/ 117-118 ) .

[7] زاد المعاد (1/106) .

[8] تفسير القرآن العظيم (5/76) .

[9] الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة (ص 45 ) .

[10] الإكليل في استنباط التنزيل ( ص 190) .

[11] الدر المنثور (6/165) و جامع البيان (18/ 104 ) .

[12] الصارم المسلول ( ص 45 ) .

[13] المحلى (13/504) .

[14] الشفاء للقاضي عياض (2/ 269) .

[15] الصارم المسلول (ص 567 ) .

[16] تفسير القرآن العظيم (5/76) .

[17] البخاري (3/163) ومسلم (4/2129-2136 ) .